البولارون
بولارون
Polarons -
البولارون
محمد خير صبرة
البولارون polaron شبه جسيم ناجم عن تفاعل إلكترون - فونون وتلازمهما معاً عند حركة الإلكترون. فعندما يتحرك إلكترون خلال الذرات المؤلِفة للمادة الصلبة يسبب إزاحة الشحنات المجاورة مبتعدة عنه إذا كانت الشحنات سالبة ومقتربة منه إذا كانت موجبة؛ مما يؤدي إلى تشوه في توزيع الشحنات في الجسم الصلب، ونشوء منطقة استقطاب ترحل مع الإلكترون المتحرك، وتعود إلى الحالة الطبيعية بعد عبوره. ويعبر البولارون عن إزاحات الشحنات كاهتزازات بلورية مكمَّاة، أي يعامل معاملة الفونونات. وهذا يؤدي بدوره إلى ظهور سويات من الطاقة جديدة متقطعة إضافة إلى ما هو موجود عند معاملة الإلكترون معاملة جسيم حرّ. يوجد بولارون مشابه مرافق لحركة الثقب الذي هو غياب إلكترون من عصابة التكافؤ، فيعامل الثقب معاملة جسيم متحرك مثل الإلكترون ولكن له شحنة موجبة. هذا وتطابق فيزياء البولارون المرافقة لحركة الإلكترون فيزياء بولارون- ثقب تطابقاً تاماً من حيث الخواص والمظاهر المختلفة فسيقتصر عليها.
يتصرف البولارون تصرف جسيم مشحون سلباً يحمل كتلة أكبر من كتلة الإلكترون الحر بسبب التفاعل مع الذرات المجاورة. وتبرز هذه الظاهرة بوضوح في البلورات الإيونية لأنها تتألف من ذرات موجبة وسالبة، وتكون القوى بينها شديدة، فيؤثر هذا في كتلة البولارون حيث تبلغ كتلة البولارون مثلاً في بلورة كلور الصوديوم ضعفي كتلة الإلكترون الحر.
توجد البولارونات في البلورات الإيونية والبلورات القطبية والبوليمرات الناقلة والغاز ثنائي البعد والمواد فائقة الناقلية ذات درجات الحرارة العالية، وذلك عند تعميم فكرة ظهور البولارون على أنواع من المواد تختلف خواصها الفيزيائية المتأثرة ووفق طبيعة المادة، أهمها: البولارون الصغير، البولارون الضغطي piezopolaron، الإكسيتون البولاروني، البولارون المغنطيسي، البولارون التموجي ripplonic polaron، البلازمارون plasmaron، البولارون المائي hydrated polaron، البولارون الإلكتروني، البولارون الكبير.
كان الفيزيائي الروسي لانداو Landau أول من اقترح مفهوم البولارون عام 1933، حيث قال في نشرته العلمية حول حركة الإلكترون في البلورات «يمكننا التمييز بين حالتين أساسيتين للنظام بغية الوصول إلى الحالة المفضلة طاقيا،ً تعود الأولى إلى شبيكة غير مشوهة وإلكترون يتحرك بحرية؛ وتعود الثانية إلى حالة أسر الإلكترون في منطقة مشوهة». وكان الهدف من تلك النشرة هو الإشارة إلى التحول من حالة التموضع localization إلى حالة اللاتموضع delocalization وليس إثبات ذلك. وقد كان بيكر Pekar (1946) أول من بحث في الخواص الأساسية للبولارون ضمن إطار التفاعل القوي إلكترون - فونون، حيث اقترح إمكان تحليل تصرف البولارون في ظل التقريب الكظوم.
و تزايد فيما بعد اهتمام الباحثين بدراسة البولارونات حيث درس فروليش Fröhlich البولارون الكبير -والذي ينسب إليه- حيث يتفاعل الإلكترون مع عازل مستمر عن طريق قوى كولومب Coulomb بعيدة المدى. وُيعد هذا الافتراض مقبولاً إذا كان البولارون مؤلفاً من الإلكترون وبئر الاستقطاب المحرَّض من قبله، ومنتشراً فوق منطقة كبيرة بالمقارنة مع ثابت الشبيكة. إلا أن هذا التقريب لا يستطيع أن يفسر الخواص الفيزيائية لجميع البولارونات. ثم تعاقب كل من يامشيتا Yamashita وكوروساوا Kurosawa عام 1958 وهوليشتين Holstein عام 1959 على اقتراح الحسابات الأولية التي تأخذ في الحسبان البنية التفصيلية للشبيكة البلورية وسيلة لدراسة البولارون الصغير الناجم عن قوى قصيرة المدى في بعض مواد الأكاسيد بحيث يكون استقطاب الشبيكة مقتصراً على خلية الواحدة فقط. ثم عمد بولمان Pollmann وبوتنر Büttner في العامين 1975 و1977 إلى مراعاة الطاقة الكامنة لتفاعل إلكترون - ثقب المتعلقة بالحالة الكمومية للجسيمات المتفاعلة في دراسة البولارون الإكسيتوني الناتج من تفاعل إلكترون - ثقب بفضل قوى كولومب ومن تفاعل إلكترون- فونون - ثقب في وسط مستقطب. ثم انبثق من تفاعل إلكترون - شبيكة ما يعرف باسم اقتران إلكترون - شبيكة الناجم عن مفعول جان - تلِّر Teller-Jahn والمسؤول عن وجود البولارون في البوليمرات الناقلة. وقد درس اقتران إلكترون - شبيكة كل من سو Su - وشريفر Schrieffer وهيغر Heeger عام 1979 في عمل مشترك.
تجسد نظرية الاضطراب الكظومة الدقيقة التي قام بصياغتها بوغولوبوف Bogolubov عام 1950 ركناً مهماً في بنيان نظرية البولارون حيث تتم معاملة الطاقة الحركية للبولارون كاضطراب صغير. إلا أن بوغولوبوف عاد إلى مسألة البولارون عام 1980 وطور طريقة أخرى تدعى جداء T والتي أظهرت مقدرة كبيرة في تفسير ظواهر البولارونات الناتجة من تفاعلات إلكترون - ثقب الضعيفة والمتوسطة والقوية.
وأخيراً يصعب أو يستحيل إيجاز مجمل ما قدم من نظريات البولارونات ومظاهرها وخواصها على مدى يقارب 90 عاماً، لكن المسألة تبدأ دائماً بمفهوم بسيط ثم تعمم وتطوّر.
مراجع للاستزادة: - A. S. Alexandrov, J. T. Devreese, Advances in Polaron Physics, Springer 2010. - A. S. Alexandrov, Polarons in Advanced Materials, Springer 2007. - N. N. Bogolubov, N. N. Bogolubov Jr, Some Aspects of Polaron Theory. V. 4.- World Scientific, 1988. - N. N. Bogolubov Jr., Polaron Theory: Model Problems, CRC Press 2000. - A. Chatterjee, S. Mukhopadhyay, Polarons and Bipolarons: An Introduction (Chapman & Hall Pure and Applied Mathematics), CRC Press 2018. |
- التصنيف : الكيمياء والفيزياء - النوع : الكيمياء والفيزياء - المجلد : المجلد الخامس مشاركة :