امراض نبات (تغير مناخي )
Climate change and plant pathology - Changement climatique et pathologie végétale

أمراض النبات والتغير المناخي

 

كيف يحدث التغير المناخي؟

التغيّر المناخي وظهور جائحات مرضية جديدة

التوزع الجغرافي للعائل والعامل المُمْرِض

تأثيرات التغير المناخي في إدارة المرض

 

يعدّ التغيّر المناخي الناتج من الاحترار العالمي مشكلة جديّة تؤثّر في الكرة الأرضية وما عليها، وأضحى هذا التغيّر المسألة الأكثر تعقيداً التي يواجهها قادة العالم في الوقت الحاضر.

قدّم المؤتمر الرفيع المستوى عن الأمن الغذائي تحت عنوان «تحدّيات التغيّر المناخي والطاقة الحيوية» - الذي نظمته منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة في حزيران/يونيو 2008 - دراسات جيّدة عن هذه المتغيرات. فقد ناقش المشاركون فيه التحدّيات التي يفرضها التغيّر المناخي والطاقة الحيوية للتنمية الزراعية، وتمحور النقاش حول كيفية ضمان عدم معاناة سكان العالم نقص الغذاء، ولفت الأنظار إلى المخاطر التي قد تؤثّر في الأمن الغذائي العالمي، وقد احتلت الآفات والأمراض العابرة للحدود رأس القائمة. وفي سياق هذا المؤتمر أشار احد المختصين البارزين من جامعة إلينوي الأمريكيةIllinois University إلى أن للعولمة تأثيرات واضحة في ظهور أمراض مُعْدية للإنسان، فهل ثمةَ اختلاف فيما يخص أمراض النبات؟؟

ويبدو أن التغيّر المناخي عموماً لا يولّد مخاطر عديدة جديدة أو غير معروفة، لكنه قد يزيد بعضَ التآثرات ما بين البيئة وصحة النبات، وبشدة أقوى وأكثر وضوحاً عما هو معروف.

كيف يحدث التغير المناخي؟

تتوسط الإشعاعات الشمسية التآثرات ما بين الغلاف الجوي والغلاف المائي والغلاف الجليدي والغلاف الحيوي لخلق المناخ العالمي، وقد جرت محاولات عديدة لنمذجة هذه التغيّرات باستخدام معايير التآثرات بين هذه المكوِّنات.

وأظهرت السجلات القديمة للأرصاد الجوية تغيّرات مستمرة في المناخ؛ ومن المتوقع ذوبان بعض الجليديات القارية بسرعة مؤدية إلى ارتفاع في مستوى مياه البحار قد يصل إلى 90 سم. كذلك أسهمت الأنشطة الإنسانية الناجمة عن حرق الوقود وإزالة الغابات في تسريع هذه التغيّرات. وتشير بيانات حديثة عن الجليديات إلى أن تركيزات غاز ثنائي أكسيد الكربون CO2 - التي راوحت بين 180 – 230 جزءاً بالمليون على مدى الـ 420.000 سنة الماضية - وزادت إلى 368 جزءاً بالمليون في القرنين الماضيين؛ إلى جانب غازات أخرى كالميتان وأكسيد النتروز. وارتفعت درجة حرارة الأرض منذ نهاية القرن التاسع عشر بمعدل 0.2 - 7.0سْ؛ مع زيادة مضاعفة في درجات الحرارة الدنيا، ويُتوقّع أن يكون ارتفاع درجات الحرارة ما بين 3-4 سْ، وأن تصل تركيزات غاز ثنائي أكسيد الكربون إلى 1250 جزءاً بالمليون بحلول العام 2095، وسيرافق ذلك تنوّع أكبر في التغيّر المناخي؛ وحوادث أكثر تطرفاً مرتبطة بالطقس؛ منها زيادة تكرار حدوث هطولات مطرية غزيرة وعدم انتظام توزعها.

الأمن الغذائي

يمكن تعريف الأمن الغذائي بأنه: «إمكانية حصول الناس جميعاً في كل الأوقات على غذاء آمن وكافٍ للوفاء باحتياجاتهم الغذائية من أجل عيش حياة نشطة وصحية، مع مراعاة الأسعار العادلة، وتنوع الخيارات من خلال الأسواق التنافسية والمفتوحة، والتحسين المستمر في معايير الأمن الغذائي، وتوفير الغذاء الأكثر صحة، والأكثر استدامة بيئياً». ولعل التعريف الأكثر بساطة للأمن الغذائي هو «استبعاد خطر أو إمكانيه عدم توفر الغذاء بقدرٍ كاف لسكان الأرض».

قدرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو FAO) عدد الجياع في العالم بـ 1.02 مليار جائع في عام 2009، وهو أعلى مستوى للجوع عالمياً، وذلك نتيجة تدنّي الاستثمار في الزراعة . وقُدّر أن تدهور الأراضي الزراعية وزحف البنيان الحَضَري وتقليص المساحات المخصصة للمحاصيل واستخدام الأراضي الزراعية لغايات غير إنتاج الغذاء، سيؤدّي إلى خفض المساحة العالمية المزروعة في العام 2050 بنسبة 8-20% . لذلك مع حلول هذا العام يجب زيادة إنتاج الغذاء بنسبة 50% عمّا هو عليه حالياً استجابة لاحتياجات سكان العالم من الغذاء، وسيكون تحقيق هذا المطلب أكثر صعوبة إذا ما سبب التغيّر المناخي انصهار جليديات هيمالايا التي قد تتسبب في تقليص إنتاج محاصيل الحبوب في آسيا بنسبة 25% لتأثير ذلك في الأراضي الزراعية المباشر وخروجها من الإنتاج ولعدم توفر الماء لاحقاً وحصول الجفاف.

أهمية إدارة الأمراض النباتية

أسهمت إدارة الأمراض والآفات في مضاعفة إنتاج الغذاء في العقود الأربعة الماضية؛ غير أن العوامل الممرِضة ما زالت تحصد 10-16% من مجمل الإنتاج العالمي بخسائر تقدر بـ 220 مليار دولار أمريكي، تضاف إليها خسائر ما بعد الحصاد بنسبة 6-12%، ويُضاف إلى ذلك المخاطر التي تُحْدثها الأمراض بالبيئة وصحة الإنسان، والمشكلات التي ترافق تطور العوامل الممرضة لسلالات مقاومة تدفع المزارعين إلى زيادة المواد المستخدمة في مكافحتها، والتخفيف من المشكلات الناجمة عنها.

ولفهم مكافحة الأمراض على نحوٍ أفضل في سياق التغيّر المناخي يجب على المختصين بوقاية النبات مراعاة التغيّر المجتمعي وتأثيراته في المناخ والغذاء، وخاصة تحسين الأمن الغذائي، ولعل مجاعة البطاطا في إيرلندا (1845- 1852) أو مجاعة البنغال (1769- 1772) أكبر مثال على مقدار الدمار الذي تُحدثه أمراض النبات على المدى البعيد؛ مغيِّراً مسار المجتمع والتاريخ السياسي للبلدان التي تأثرت بها.

التغيّر المناخي وظهور جائحات مرضية جديدة

سجلت وزارة الزراعة السورية والمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا ICARDA) عام 2010؛ ظهور أمراض جديدة في سورية والأمصار المجاورة، فقد أدّت الأحوال الجوية السيئة التي سادت الموسم الزراعي لعام 2010 إلى تفشي مرض الصدأ الأصفر (المخطط) على القمح؛ فأدت إلى خفض غلاته في هذه البلدان إلى النصف. وعُزي سبب الوباء إلى تطوّر سلالة جديدة من الفطر العامل المُمْرِض، وتوليفة من شتاء معتدل الحرارة وعالي الرطوبة.

وهناك على المستوى العالمي أيضاً معقد لفحة السنابل Fusarium head blight حيث تؤثّر التغيّرات المناخية في المعقد المرضي - عدة أنواع من الفطر المغزلي (خَودن) Fusarium مع فطور أخرى - في غلة المحصول ونوعيته والأمان في التجارة والمستخدمين النهائيين، ومن ثَمّ في قيمة المُنْتج والأمن الغذائي. وقد ظهرت إصابة- غير مسجلة سابقاً- بهذا المرض في أحد حقول القمح في محافظة إدلب السورية عام 2011 على صنف القمح دوما 1؛ نتيجة زيادة الرطوبة وارتفاع درجات الحرارة. وثمة مثال آخر هو معقد مَنِّ البطاطا البذرية-الناقل- والعامل المُمْرِض؛ إذ يؤدي ارتفاع درجات الحرارة في بداية الموسم إلى تمكين حشرات المنّ الحاملة للفيروس من مهاجمة البطاطا البذرية في شمالي أوربا، ومن ثَمّ تلويث المخزون وتخفيض قِيَمِه. والمعلوم أن عدداً من الدبابير وخنافس «أبو العيد» وحشرات أخرى تفترس حشرات المنّ، ولكن لا يُعرَف فيما إذا كانت هذه المفترسات ستزداد بسرعة مكافئة لتقييد المشكلة؟

تأثيرات التغيّر المناخي في التربة

تعدّ التربة منظومة بيئية شديدة التعقيد تشتمل على عمليات حيوية كثيرة يتأثّر كل منها بالمتغيرات المناخية على نحو مختلف. وعند الأخذ بالحسبان لبعض الآثار المترتبة على ذلك - والتي يمكن أن تكون تأثيرات مباشرة في نمو النبات وبيئة المحصول- نتيجة التأثير في الجذور وبنية الظلّة النباتية، وغيرها من الكائنات، مثل الأعشاب والعوامل الممرضة والكائنات النافعة والكائنات غير العاملة المُمْرضة من المعقد المكروبي. ففي الحراثة الحافظة - على سبيل المثال- قد تنخفض شدة المرض الذي يحدثه فطر الأرومة Ceratobasidium (Rhizoctonia) cerealis نتيجة زيادة عدد كائنات التضاد والمنافِسات الطبيعية، على أن هذه التغيّرات تعتمد على ظروف التربة، ويمكن عزو بعضها إلى التغيّر المناخي.

التغيّر المناخي ومدى تَوفر المياه

تعد محدودية المياه عاملاً رئيساً في الأمن الغذائي، وهي العامل المحدد عادةً لسرعة نمو النبات في المناطق السهلية المنخفضة، في حين يكون الإشعاع العامل المحدّد الرئيس لسرعة النمو في المناطق الأكثر ارتفاعاً. ومع أنه لا يوجد توجه عام لكمية الهَطْل المطري؛ فثمة قرائن تاريخية واضحة تتحدث عن تغيّرٍ في أنماط توزيع الهواطل على المستويين الإقليمي والموسمي. ومن شأن هذه التغيّرات أن تُحدث تغيرات في المحاصيل تؤثر في توفر الغذاء مباشرة أو مداورة، وذلك بتأثيرها في ظهور العوامل الممرِضة والآفات وشدتها.

هناك عدد من الآثار غير المباشرة للمياه نتيجة تأثيرها في حدوث الآفات والعامل المُمْرض وتآثرهما مع المكروبات النافعة، على اعتبار أن كثيراً من آليات الإجهادات غير الأحيائية هي في حدّ ذاتها استجابة للإجهادات الأحيائية؛ إذ يكون لأبواغ العوامل الممرضة من النباتات المُجْهَدة مائياً أو ملحياً- على سبيل المثال- مقدرة أعلى على إحداث الإصابة. كما قد يؤثر إجهادا الحرارة والجفاف في مقاومة المرض، ومن ثَمّ يجب أخذ هذه التأثيرات بالحسبان في فاعلية آليات الدفاع.

التغير المناخي ومغذيّات النبات

يؤثّر كثير من المغذيّات في تطور المرض، وهي تتأثر تأثراً غير مباشر بالتغيّر المناخي. وقد يؤثر عَوَز عنصر معين - كالبوتاسيوم على سبيل المثال- في مسارات الدفاع؛ كمسار الجاسمونيت؛ مؤدياً إلى تأثيرات تفريقية في التعبير عن المقاومة إزاء العوامل الممرِضة في النسج الميتة.

تتسم كفاءة استخدام المغذيّات؛ وخاصة الآزوت (النتروجين) - وهي صفة أخرى مرتبطة بنمو النبات- بتباين وراثي كبير؛ وتآثرات بيئية واسعة، وهي هدف حديث لتربية النبات، ولها آثار مباشرة في خصوبة العوامل المُمْرِضة.

تستجيب العوامل الممرضة لمدى توفر المغذيات استجابة مختلفة، وليس من الواضح كيف تؤثّر التعقيدات الإضافية للتغيّر المناخي في ذلك، فهل الغلة- على سبيل المثال- هي ذاتها للفطور المتغذية على المواد الميتة أو الحيّة؛ في ظل مستويين مختلفين من توفر الآزوت؟ وهل تبقى هذه العلاقة على حالها مع ازدياد تركيزات غاز ثنائي أكسيد الكربون وارتفاع درجات الحرارة؟ وهل سيؤثّر الجفاف أو الإجهاد الحراري في الاثنين بالطريقة ذاتها؟ يُضاف إلى ذلك احتمال وجود علاقات مماثلة قد تكون نوعية المحاصيل أو بيئات أو نظم زراعية معينة.

تكيّف النباتات مع التغيّر المناخي

تنضوي الخصائص التي تحتاج إليها النباتات للتكيّف مع مخاطر العوامل الممرضة بسبب التغيّر المناخي تحت فئتي المرونة والمقاومة الدائمة. ومع ذلك يمكن توقع اكتساب هذه الخصائص في مجتمعات بيئية عادية بعمليات اصطفاء selection طبيعية وعادية، وتعطى في المنظومات الزراعية أولويةٌ للخصائص المختلفة عندما تنمو المحاصيل في منافسة مع نباتات أو عوامل أخرى.

يمكن أن يعدِّل التغيّر المناخي فيزيولوجيةَ العائل ومقاومته للمُمْرِضات، ومراحلَ تطورها ومعدلاتها. ولعل أهم التأثيرات المحتملة: حدوث تغيّرات في التوزّع الجغرافي للعائل والعامل المُمْرض، وحدوث تغيرات في التآثرات الفيزيولوجية (عائل-ممرض)، وتغيرات في خسائر المحصول، إضافة إلى تأثير آخر مهم بسبب فاعلية استراتيجيات المكافحة.

التوزع الجغرافي للعائل والعامل المُمْرِض

قد تظهر معقَّدات مرضية جديدة، وقد تنتفي صفة الاقتصادية عن بعض الأمراض إذا ما سبب الاحترار انتقال المناطق الزراعية البيئية شمالاً باتجاه القطب؛ وهاجرت النباتات إلى تلك المناطق الجديدة. ومن شأن الممرضات أن تتبع العوائل المهاجرة وأن تهاجم النبيت المتبقي من مجتمعات النباتات الطبيعية هناك؛ والذي لم يتعرض سابقاً لسلالات أكثر عدوانية من المحاصيل الزراعية. وتقع في هذه الطائفة الطفيليات الاختيارية ذات المدى العوائلي الواسع، كما قد تمدّ الطفيليات الإجبارية مداها العوائلي لإصابة نباتات موجودة بقربه. وتحدد آلياتُ انتشار العامل المُمْرض، وملاءمة الظروف البيئية للانتشار، والمثابرة ما بين المواسم، وأي تغيّر في فيزيولوجية العائل وبيئته؛ السرعةَ التي يمكن أن تستقر فيها العوامل المُمْرِضة في المنطقة الجديدة.

كذلك قد تُحدث أي تغيرات في نمط العوامل الممرضة وكميتها وأهميتها النسبية نتائجَ من شأنها التأثير في طيف الأمراض التي تصيب محصولاً معيناً، وسيكون ذلك أكثر وضوحاً في حالة الأمراض التي لها عوائل مناوبة. أما الأنواع المعمرة والغابات الطبيعية والحقول فقد تستمر النباتات في النمو فيها في ظل الظروف المناخية الهامشية. وقد تواجه النباتات النامية في المناخ الهامشي إجهاداً حاداً قد يهيئها لتفشي الحشرات والأمراض. كما أن الاحترار وتغيّرات مناخية أخرى تجعل النباتات أكثر عرضة للتضرر من أيّ عوامل مُمْرضة غير مهمة حالياً بسبب مناخ غير مُواتٍ لها، فمثلاً يمكن لضروب الحور في شمالي أوربا أن تعاني أضراراً متزايدة من الصدأ المحبّ للحرارة Melampsora alli-populina.

في حال انتقل خط الصقيع شمالاً في نصف الكرة الشمالي، قد يرافقه ارتفاع درجات الحرارة في الشتاء وزيادة في مقاومة الحشرات. وقد يقود هذا - بالنسبة إلى المن الناقل للفيروسات - إلى زيادة في حدوث الأمراض الفيروسية، وخاصة في المناطق التي يكون فيها توقيت وصول الفيروس إليها مرتبطاً بمثابرة حشرات المن وإبان الشتاء وطيرانها الربيعي. ويُعدّ فيروس التقزّم الأصفر للشعير(BYDV) barley yellow dwarf virus  مثالاً على الفيروسات التي تُحدث مرضاً أكثر حدة عقب فصول الشتاء المعتدلة. ولأن هذا الفيروس ينتقل بحشرات المن حصرياً؛ فإن زيادة توفر العوامل المُمْرضة يؤدي إلى زيادة الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الإصابة. وقد لوحظت زيادات مماثلة أيضاً في تكاثر الفيروسات التي تصيب البطاطا والشوندر السكري عقب فصول شتاء أكثر دفئاً.

ثُم إن التغير المناخي- وخاصة التغيّرات في درجات الحرارة وتأثيرها في توزع العامل المُمْرض جغرافياً - قد يؤدي إلى إدخال أنماط تزاوجية متعددة تزيد من فرص حدوث التكاثر الجنسي، ومن ثَم التباين الوراثي في العوامل المُمْرضة وزيادة إمكان تشتيتها. كما قد يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى امتدادها جغرافياً وإلى توزّع العوامل الناقلة لها، وهذا الأمر يوسع مداها ويزيد من فرص تهجينها.

فيزيولوجيا تآثر العائل-العامل المُمْرِض

أ- في حال ارتفاع تركيز غاز ثنائي أكسيد الكربون:

تعد الزيادة في المساحة الورقية ومدتها وثخانة الأوراق والإشطاء وأطوال الجذور والساق والوزن الجاف من الآثار المعروفة لزيادة تركيز غاز ثنائي أكسيد الكربون في الكثير من النباتات. وبالارتكاز على دراسات مرجعية اقتُرح أن من شأن التركيزات المرتفعة من هذا الغاز زيادة حجم الظلّة النباتية وكثافتها، مما يؤدي إلى إنتاج كتلة حيوية أعظم وذات نوعية تغذوية أعلى. وعندما يرافق ذلك ارتفاع رطوبة الظلّة؛ فإن ذلك يؤدي غالباً إلى تحفيز الأمراض التي تصيب الأوراق كالصدأ والبياض الدقيقي والتبقعات الورقية واللفحات.

كذلك يعدّ تحلّل البقايا النباتية عاملاً مهماً في دورة العناصر وفي المثابرة الرميّة لكثير من العوامل الممرضة. إن زيادة نسبة N:C في البقايا هو نتيجة لنمو النبات في ظل تركيزات مرتفعة من غاز ثنائي أكسيد الكربون. وتشير القرائن من دراسات في الأصص ودراسات حقلية أن تحلّل البقايا الغنية بـ غاز ثنائي أكسيد الكربون يحدث بسرعة أقل. قد تؤدي زيادة الكتلة الحيوية للنبات، والتحلّل الأشدّ بطئاً للبقايا، وارتفاع درجات الحرارة في الشتاء إلى زيادة مثابرة العامل المُمْرض على البقايا المحصولية المشتية، ومن ثَم زيادة اللقاح الأولي الذي يحدث إصابة للمحصول التالي. وفي دراسات حديثة عن تآثرات (العائل-المُمْرض) في نظم مرضية فطرية ظهر اتجاهان مهمان لتأثير التركيزات المرتفعة لغاز ثنائي أكسيد الكربون  CO2 :

الأول: احتمال تأخر الاسترساء الأولي بسبب تغيّرات في عدوانية العامل المُمْرض و/أو قابلية العائل للإصابة. وأظهر الفطر Colletotrichum gloeosporioides تأخراً في إنبات الأبواغ ونمو أنبوبة الإنبات وإنتاج عضو الالتصاق عند إلقاحه على نبات Stylosanthes scabra بوجود تركيزات مرتفعة من غاز ثنائي أكسيد الكربون. وتشمل التأثيرات المماثلة في نظم مرضية أخرى انخفاضاً في معدل الاختراق الأولي للفطر Erysiphe graminis (مسبب البياض الدقيقي على الشعير). وفي المثالين السابقين قد تكون مقاومة النبات زادت بسبب التغيّرات في مظهر العائل وفيزيولوجيته، والمغذيّات والتوازن المائي. كما يؤدّي الانخفاض في كثافة الثغور إلى زيادة مقاومة المُمْرضات التي تدخل عبرها. ومع أن سماكة الشمع فوق القشيرة في الشعير لم تُسهِم بدور في مقاومة فطر Erysiphe graminis؛ فقد كانت نباتاته النامية عند تركيزات مرتفعة من غاز ثنائي أكسيد الكربون قادرة على تحويل المواد المُتَمثلة إلى بُنْيات دفاعية، ويشمل ذلك تشكيل حلمات وتراكم السيليكون عند مواقع اختراق أعضاء الالتصاق. واحتوت نباتات القمح النامية عند تركيزات مرتفعة من غاز ثنائي أكسيد الكربون تركيزاً منخفضاً بالآزوت في نسج الفروع بنسبة 14%، وترافق ذلك وانخفاض قابلية الإصابة بالبياض الدقيقي.

وتمثل الاتجاه المهم الثاني بزيادة خصوبة العوامل الممرضة عند تركيزات مرتفعة من غاز ثنائي أكسيد الكربون حيث تزايد تبوّغ الفطر c. gloeosporioides عدة مرات عند تركيزات مضاعفة من هذا الغاز.

ب - في حال ارتفاع درجات الحرارة

يمكن لدرجات الحرارة المرتفعة أن تعدّل من فيزيولوجية العائل ومقاومته، وتتوفر معلومات كثيرة عن الحساسية التي يحدثها ارتفاع درجة الحرارة؛ والجينات الحساسة لها؛ إذ يؤدي ارتفاع درجة الحرارة أكثر من 20سْ إلى تثبيط المقاومة الحساسة للحرارة لصدأ الساق في أصناف الشوفان التي لديها الجينان Pg3 و Pg4. وثمة دراسات محلية مماثلة عن الصدأ الأصفر، حيث ازداد تخشّب الجدران الخلوية في أنواع علفية عند درجات حرارة أعلى لتعزيز مقاومته للمُمْرضات الفطرية، ومن ثم فإن تأثير ارتفاع درجات الحرارة يتوقف على طبيعة التآثرات (عائل-ممرض) وآليات المقاومة.

يمكن للمحاصيل والنباتات الزراعية في المجتمعات الطبيعية أن تؤوي مُمْرضات من دون أن تظهر عليها أعراض مرضية، وقد يتطوّر المرض إذا تعرضت هذه النباتات للإجهاد في مناخات أكثر دفئاً؛ إذ يعد إجهاد العائل عاملاً مهماً في تدهور عدد من الأنواع الحراجية، حيث تزيد المناخات المتطرفة- كالجفاف- غزوَ هذه الأنواع بأنواع الفطر Armillaria spp.. (غير العامل المُمْرض عادة). على أن مثل هذه التوقعات لا تأخذ بالحسبان عوامل أخرى من شأنها تحسين مرونة النظم البيئية الغابية للتغيّر المناخي، وهذا الأمر قاد إلى الاستنتاج أن هناك « تحيزاً للتنبؤات المتشائمة» حول رد فعل صحة الأشجار للتغيّر المناخي.

الخسائر في المحاصيل

تُحدث التركيزات المرتفعة من غاز ثنائي أكسيد الكربون  CO2 زيادةً في توزيع المواد المُتَمَثَلة للجذور في المحاصيل الجذرية كالجزر والشوندر السكري والفجل، وعند تخزين كميات زائدة من الكربون في الجذور- في ظلّ التغيّر المناخي- قد تنخفض الخسائر التي تُحدثها الأمراض المنقولة مع التربة للمحاصيل الجذرية. وعلى النقيض مما تقدم- في حالة الأمراض التي تصيب الأوراق والتي تحفزها درجات الحرارة والرطوبة المرتفعة- قد يؤدي الارتفاع في درجات الحرارة والهطْل المطري إلى زيادة الخسائر في ظل التغيّرات المناخية، كما أن تأثيرات زيادة حجم الظلة النباتية بفعل التركيزات المرتفعة من غاز ثنائي أكسيد الكربون قد تزيد من الخسائر المحصولية التي تُحدثها العوامل الممرضة للأوراق. هذا ولم تدخل خصائص الظلة دخولاً بارزاً في بحوث أمراض النبات. وتُقدِم التطورات الحديثة في النمذجة الثلاثية الأبعاد لبُنْية النبات (النباتات الافتراضية) فرصاً جديدة لإدماج بُنْية الظلة في تأثيرات المناخ الموضعي وانتشار الممرض.

تأثيرات التغير المناخي في إدارة المرض

نظراً لنقص المعرفة البدائية بتأثيرات التغيّر المناخي في النظم المَرَضيّة؛ فإنه يستحيل التنبؤ بآثارها في إدارة المرض بدرجة من اليقين، وقد يكون من الحرص الاعتقاد أن تلك التأثيرات قد تحصل في المقام الأول نتيجة تأثيرها في مقاومة العائل أو المكافحة الكيميائية أو الحيوية. وهناك حاجة إلى اهتمام خاص لتحديد الحالات التي يمكن أن تنخفض فيها كفاءة إدارة المرض في ظل التغيّر المناخي.

أ- مقاومة العائل

قد تصير مقاومة صنف ما للممرضات أشد فاعلية لزيادة الدفاعات الثابتة والديناميكية التي قد تنشأ من تغيّرات في فيزيولوجيته والحالة الغذائية وتوفر المياه. وقد تتهدد ديمومة المقاومة إذا زاد عدد دورات الإصابة في الموسم بسبب واحد أو أكثر من العوامل التالية: زيادة خصوبة الممرض، أو زيادة عدد أجيال الممرض في العام، أو توفر بيئة موضعية أكثر ملاءمة لتطور المرض. وقد يقود ذلك إلى تطور أسرع لسلالات شرسة من العامل المُمْرض.

ب- المكافحة الكيميائية

قد يؤثر التغيّر المناخي في فاعلية المواد الكيميائية المستخدمة في وقاية النبات، ذلك أن تغيّرات درجات الحرارة والهطْل المطري قد تؤدي إلى تغيير ديناميكية بقايا مبيدات الفطور على المجموع الورقي للمحصول. وعلى نحو عالمي تتنبأ نماذج التغيّر المناخي بحدوث زيادة في تواتر هطول أمطار غزيرة، يمكن أن تؤدي إلى زيادةٍ في غسل المبيدات وخفضاً لفاعلية المكافحة. على أن التآثرات ما بين تواتر الهطْل المطري وشدته، وديناميكية مبيدات الفطور معقدة، وفي حالة بعض مبيدات الفطور قد يؤدي هطْل الأمطار بعد رش المبيد إلى زيادة في مكافحة المرض بسبب إعادة توزع المادة الفعالة على المجموع الورقي.

ومن ناحية أخرى قد تؤدي التغيّرات الشكلية والفيزيولوجية في نباتات المحاصيل- والتي تحدث في أثناء النمو عند تركيزات مرتفعة من غاز ثنائي أكسيد الكربون- إلى تغيّرات في امتصاص المبيدات الجهازية وانتقالها واستقلابها ضمن النبات. فزيادة الطبقة الشمعية فوق القشيرة - على سبيل المثال- قد تؤدي إلى بطء و/أو انخفاض امتصاص المبيد من قبل العائل، في حين أن زيادة حجم الظلّة النباتية قد تؤثر سلباً في تغطية الرش، ويؤدي إلى تخفيف المادة الفعالة في نسج العائل. ويؤدي كلا العاملين إلى انخفاض كفاءة المكافحة بزيادة تركيز غاز ثنائي أكسيد الكربون. وعلى النقيض قد تؤدي زيادة معدلات التمثيل/الاستقلاب - نتيجة ارتفاع درجات الحرارة - إلى امتصاص أسرع وسميّة أعظم للكائن المُستهدف.

التآثرات المكروبية

قد يؤدي التغيّر المناخي إلى تغيّرات كافية في تركيبة المجتمعات المكروبية وديناميكيتها في البيئات الهوائية والترابية على نحوٍ يؤثّر في صحة الأعضاء النباتية. فقد تؤثّر التغيّرات في المجتمع المكروبي-في جوّ الأوراق وجوّ الجذور- في المرض النباتي بسبب زيادة عوامل المكافحة الطبيعية والأحيائية. ولا يبدو أن التأثيرات المباشرة لغاز ثنائي أكسيد الكربون تحدث في بيئة التربة، على اعتبار أن النبيت الدقيق/المكروفلورا هناك يتعرض بانتظام لمستويات أعلى بـ 10-15 مرة من مستوى غاز ثنائي أكسيد الكربون الجوي.

تحفّز الأشجار التي تنمو في تُرَب فقيرة- وخاصة بالآزوت- استعمار الجذور بالفطور الجذرية الحويصلية. وإن العلاقة ما بين التركيزات المرتفعة من غاز ثنائي أكسيد الكربون والفطور الجذرية غير مفهومة، وهناك تقارير متضاربة عن كيفية تأثّر هذه الفطور بالحالة الغذائية للنبات والتربة. فإذا ما أدت حالة الآزوت المنخفضة عند التركيزات العالية من غاز ثنائي أكسيد الكربون إلى زيادة في استعمار الفطور الجذرية للجذور؛ فإن ذلك قد يحسّن صحة النبات بتحسين امتصاص الغذاء. كما يسود غموض مماثل بخصوص الدور المحتمل للفطور الجذرية الحويصلية والميكوريزا الخارجية في قمع مُمْرضات النبات ومكافحتها أحيائياً؛ إذ إن للميكوريزا تأثيرات إيجابية أو سلبية أو متعادلة في أمراض النبات، وإن دورها، على الرغم من الدراسات العديدة مازال غير مفهوم، وهي بحاجة إلى مزيد من الدراسات.

إن للتغيّرات في درجات الحرارة تأثيرات غير خطية في التآثرات الغذائية الثلاثية للعامل المُمْرض وعامل المكافحة الأحيائي. ففي القمح - على سبيل المثال- أدى ارتفاع درجات الحرارة من 17 إلى 22سْ إلى زيادة في تكاثر منّ القمح Sitobion avenae بمعدل 10%، وفي الوقت ذاته زاد النشاط الافتراسي لبالعات أبي العيد Coccinella septempunctata بنسبة 250%، وانخفضت أضرار المنّ بسبب النضج المبكر للمحصول؛ غير أنه لا تتوفر بيانات مماثلة عن التآثرات الغذائية الثلاثية للممرضات النباتية.

الحجر الزراعي والاستبعاد

تمارس إدارة التغيّر المناخي ضغطاً إضافياً على الهيئات المسؤولة عن الاستبعاد، على هيئة استراتيجيات لمكافحة الممرِضات النباتية. ففي بعض المناطق لا تحدث أمراض نباتية معينة حالياً لأن المناخ منع العوامل المُمْرضة من التوطّن فيها. وقد يساعد استخدام أدوات نُظُم المعلومات الجغرافية وتماثل المناخ هيئات الحجر الزراعي في تحديد المخاطر من مُمْرض معين في ظل المناخ الحالي والمستقبلي.

أضحى التغيّر المناخي وتأثيراته المتعددة في إنتاج الغذاء، ومن ثّم في حياة الجنس البشري حقيقة مؤكدة، ويكمن المَخْرَج الرئيس من أزماته في التكيّف مع هذا التغيّر. ومع أن التكيّفات في النظم الزراعية كانت موجودة ولا تزال؛ فإنها يجب أن تُحدَث الآن بمعدلات متسارعة وذلك للتغيّرات السريعة في المناخ. وينفّذ العلماء حالياً خططاً بحثية عن التغيّر المناخي تشمل تآثرات المرض النباتي مع التركيز على التقويم والنمذجة والإدارة المتوائمة في الزراعة بغية الإقلال من التأثيرات السلبية. وتجدر الملاحظة أنه حتى عند إدخال تحسينات على النماذج المستخدمة في تقويم التأثيرات المحتملة للتغيّر المناخي في مرضِ بعينه؛ ما زال العلماء يواجهون تحديات كبيرة في أثناء إجراء استقراء من دراسات مفردة على الوبائيات التي قد تعتري منطقة بأسرها.

مراجع للاستزادة:

-B. Bayaa, Climate Changes and Plant Protection: A Challenge We Have to Face!, Tunisian Journal of Plant Protection, 3 (1) 2008.

-S. Chakraborty, and A. C. Newton, Climate Change, Plant Diseases and Food Security: an Overview, (Plant Pathology, DOI: 10.1111/j.1365-3059.2010.

-S. M. Coakley, H. Scherm, and S. Chakraborty , Climate Changeand Plant Disease Management, Annual Review of Phytopathology, 37:399–426. 1999.

-H. Halil, Climate Change and Plant Health: is food security at risk?, Tunisian Journal of Plant Protection, 5 (1). 2010.

-J. Luck, M. Spackman, and A. Freeman, Climate change and diseases of food crops., Plant Pathology , 60: 113–121. 2011.


- التصنيف : الإنتاج النباتي - النوع : الإنتاج النباتي - المجلد : المجلد الثالث مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق 1