بلورات فوتونيه (ادوات)
Photonic crystal devices -

البلورات الفوتونية (أدوات-)

علاء الدين منيع

 

 

البلّورات الفوتونيّة photonic crystals هي بنية ذات دوريّة مكانيّة لثابتة العزل الكهربائيّة dielectric constant (∼ قرينة انكسار المادة) من رتبة طول موجة الضوء (الفوتونات)؛ أي من رتبة مئات النانومتر بالنسبة إلى الضوء المرئي، أو المكرومتر بالنسبة إلى الضوء تحت الأحمر، أو الميليمتر/سنتيمتر بالنسبة إلى الأمواج المكرويّة. وتتميز هذه الدوريّة من البنية البلّورية للجسم الصلب بأن دورية البنية للجسم الصلب هي من مرتبة النانومتر وأجزائه، ودورية البلّورات الفوتونية إمّا أن تكون باتجاه مكاني واحد فتسمى بالبلّورات الفوتونيّة أُحاديّة الأبعاد one-dimensional photonic crystals (1D PC)؛ وإما باتجاهين مكانيين فتسمى بالبلّورات الفوتونيّة ثنائيّة الأبعاد (2D PC) P وإما أن تمتلك دوريّة بالاتجاهات الثلاثة فتسمى البلّورات ثُلاثيّة الأبعاد (3D PC). وهذه الدوريّة على اختلاف أنواعها تعطي لطاقة الفوتون الضوئي سويَّات طاقة مُماثلة تماماً لسويَّات طاقة الإلكترون في بلّورات الجسم الصلب، كما هو مُوضح في الشكل (2) حيث يظهر في القسم (أ) مقارنة بين طبيعة السويَّات الفوتونيّة في البلّورات الفوتونيّة والسويَّات الإلكترونيّة (ضمن الإطار المنقط) في بلّورات أنصاف النواقل. ويبين القسم (ب) من الشكل مخطط سويَّات طاقة الفوتونات من أجل شبكة بلّوريّة مكعبة مركزيّة الوجوه face- centered cubic crystal ضمن منطقة بريلوان Brillouin zone.

وُلدت فكرة البلّورات الفوتونيّة عام 1987؛ بعدما لُوحظ النجاح الباهر لبلّورات أنصاف النواقل وتطبيقاتها في مجال الإلكترونيات والحواسيب- على نحو منفصلٍ- من قبل جون S. John ويابلونوفيتش E. Yablonovitch عندما كانا يبحثان عن بُنى تسمح بتَموضع الضوء localization of light وبُنى تَكْبتُ ضوء الإصدار التلقائي inhibition of spontaneous emission، فنجحا في تصنيع بعضها نجاحاً جزئياً في مجال محدود من الأطوال الموجية. وتبيّن وجود مثل هذه البلورات في الطبيعة، فقسّمت البُنى البلوريّة الفوتونيّة إلى بُنى صُنعيّة وأُخرى طبيعيّة.

البُنى البلّوريّة الفوتونيّة الصُّنعيّة وتطبيقاتها

يُوضح الشكل (1) صوراً لأهم بُنى البلّورات الفوتونيّة التي تمَّ تصنيعها حتى الآن بنجاح، وهي:

أ- بنية يابلونوفيات Yablonovite في مجال الأمواج المكرويّة.

ب- بنية الأوبال opal (تشبيهاً ببنية حجر كريم طبيعي) المُكوّنة من كُرات سليكونيّة بقطر يقارب 300 نانومتر.

ج- بنية الأوبال المعكوسة inverted opal حيث تمَّ استبدال بالكرات السليكونيّة فراغات هوائيّة.

د- بنية كومة الخشب woodpile.

هـ- بنية كومة الخشب ثنائية البعد مُتوضعة على رُكازة من السليكون.

و- بنية شريحة بلّورة فوتونيّة (ثنائيّة الأبعاد) slab-type PC تحتوي أيضاً على عيب في الوسط، وهذا ما يُسمى بالنمط العيبي defect mode للبلّورات الفوتونيّة.

ز- بلّورة فوتونيّة ذات بنية لولبيّة spiral PC.

ح- شبه بلّورة فوتونيّة ذات بنية تحوي اثني عشر وجهاً icosahedral quasi-PC. وهنالك أيضاً ألياف البلّورات الفوتونيّة photonic-crystal fibers التي تتميّز ببنية دوريّة ثنائيّة الأبعاد مثل البنية (و) في الشكل (1)ولكن ذات عُمقْ يمتدّ على طول الليف الضوئي. وأخيراً يوجد ما يسمى بالبلّورات الفوتونيّة المعدنيّة Metallic Photonic Crystal (MPC) والتي تتمتع بخصائص إضافيّة نتيجةً لتدخّل الاهتزازات البلازمونيّة plasmons في النقل الضوئي.

الشكل (1) بعض النماذج الصنّعيّة للبلّورات الفوتونيّة: أ- بلورة يابلونوفيات (الأبعاد بالسنتيمتر)، ب- بلورة ذات بنية الأوبال، ج- بلورة ذات بنية الأوبال المعكوسة، د- بلورة ذات بنية كومة الخشب، هـ- شريحة بلّوريّة ثنائيّة الأبعاد مُتَوضّعة على رُكازة من السليكون، و- شريحة بلوريّة ثنائيّة الأبعاد ذات عيب في الوسط، ز- بلورة فوتونيّة ذات بنية لولبيّة ، ح- شبه بلّورة فوتونيّة ذات بنية الاثني عشر وجهاً.

أظهرت بعض البنى السابقة ثغرة (فجوة) طاقيّة (الشكل 2)، وتُسمى بالبلّورات الفوتونيّة ذات الثغرة الطاقيّة Photonic Band Gap crystals (PBG)، حيث كان نموذج يابلونوفيتش أول نموذج ناجح يتمتّع بثغرة طاقيّة فوتونيّة ضمن مجال الأمواج المكرويّة، ومن ثمّ تَبِعَها تصنيع بنية الأوبال المعكوسة وكومة الخشب ضمن مجال الأمواج المكرويّة الميليمتريّة. وفي حين يمكن للفوتون الموافق لطاقة الثغرة العبور في بلّورة أنصاف النواقل عبوراً نفقياً؛ فإن من غير الممكن عبوره البلّورات الفوتونيّة، وهذا ما يعدّ فارقاً كبيراً في مفهوم الثغرة الطاقيّة ما بين البلّورات الفوتونيّة والإلكترونيّة.

الشكل (2): أ- مخطط سويَّات طاقة الفوتون في البلّورات الفوتونيّة بالمقارنة مع مخطط سويَّات طاقة الإلكترون في بلّورات أنصاف النواقل (ضمن الإطار المُنقط)، ب- مخطط سويَّات طاقة الفوتون من أجل بلّورة ذات بنية الأوبال المعكوسة حيث يلاحظ ظهور ثغرة طاقيّة كاملة.

يتمُّ تصنيع هذه البُنى بعدّة تقنيّات، أهمها: الطباعة الحجريّة الضوئيّة photolithography وتقنيّة التجميع الذاتي للكرات المكرويّة self-assembly of microspheres، وتقنيّة تصنيع مكروي طبقة فطبقة layer- by- layer microfabrication، وتقنيّة التوضيع المماسي وفق زاوية حدّ الانكسار Glancing Angle Deposition (GLAD)، وأخيراً تقنيّة الكتابة الليزريّة المباشرة مُتعدّدة الفوتونات Multi-photon Direct Laser Writing (DLW) .

صُممت البلّورات الفوتونيّة لتتحكم بالضوء، وهي في ذلك تمتلك تطبيقات مستقبلية واسعة وواعدة. يظهر بعض هذه التطبيقات على البُنى الثلاث في الشكل (3)، ففي (أ) انعكاس تام (انعكاس براغ) لبعض الأطوال الموجيّة دون البقيّة الممثلة باللون الأزرق، وفي (ب) فصل مكاني للأطوال الموجية المُختلفة (الألوان) بعد عبور البلّورة الفوتونيّة؛ وهذا ما يسمى بالموشور الفائق superprism، وأخيراً في (ج) تضخيم الإشارات الضوئيّة الضعيفة ضوئياً، الترانزيستور الضوئي، والذي يعمل في مجال استطاعة النانوواط وبمقاسات 20 مكرومتر؛ اعتماداً على الخواص اللاخطيّة للبلّورات الفوتونيّة. كما أظهرت بعض البنى الفوتونيّة (كالبلّورات اللولبيّة والمعدنيّة) خصائص المواد اليساريّة Left-Handed (LH) material مثل الانكسار السلبي negative refraction والذي يؤدي تطبيقات خاصة مثل العدسة المثاليّة perfect lens. ويجدر بالذكر أنّ بعض العيوب في البلّورات الفوتونيّة تعمل عمل الأشابة في أنصاف النواقل. كما يمكن استخدام العيوب النقطيّة point defects في تحقيق مجاوبات عالية الجودة كما في الليزرات المكرويّة microlasers.

الشكل (3) ثلاثة تطبيقات مختلفة للبلّورات الفوتونيّة: أ- بلّورة فوتونيّة أُحاديّة الأبعاد 1D PC وفق المحور (c) معاكسة جزئية للضوء. ب- بلّورة فوتونيّة ثنائيّة الأبعاد 2D PC وفق االمحورين (a,b) فاصلة مكانية لأطوال موجية مختلفة. ج- بلّورة فوتونيّة ثُلاثيّة الأبعاد 3D PC (a,b,c). مضخمة لبعض الأطوال الموجية.

البُنى البلّوريّة الفوتونيّة الطبيعيّة

تبيّن حديثاً أنَّ بعض الأحجار الكريمة كالأوبال يمتلك بنية البلّورات الفوتونيّة؛ أي بنية دوريّة من رتبة طول موجة الضوء المرئي، وهو ما يُكسب هذه الأحجار ألواناً براقةً (الشكل 4-أ). وتبيّن أيضاً أنّ بعض المخلوقات قد وُهِبت بُنى بلّورات فوتونيّة خاصة تمنحها ألواناً براقةً في غاية الجمال كما في حالة الفراشة الملكيّة الزرقاء مورفو ريتينور (الشكل 4- ب) Morpho rhetenor، وفي ريش ذيل الطاووس الملون (الشكل 4- ج)، وفي حالة فأر البحر sea mouse (الشكل 4- د) وجدت البلّورات الفوتونية في بنية شُعيراتها المُلونة تدريجياً من الأصفر حتى الأزرق وإبرها ذات اللون الأحمر القاتم. ووجد مثل ذلك أيضاً في الخنافس الأستراليّة Australian beetles (الشكل 4- هـ) والخنافس الذهبية والزرقاء حيث إنّ الألوان هنا تدل على جنس الخُنفس كما في الشكل (4- و).

الشّكل (4) بعض الأمثلة الطبيعيّة للبلّورات الفوتونيّة: أ- حجر الأوبال ، ب- الفراشة الملكيّة الزرقاء مع بنية الجناح الأزرق. ج- ريش ذيل الطاووس الملون. د- فأر البحر وبنية أشواكه وشُعيراته الملوّنة هـ- الخنفساء الأستراليّة الملوّنة. و- زوجان من الخنافس: الذكر يملك لوناً أزرق لامعاً والأنثى بلون ذهبي لامع.

مراجع للاستزادة:

- D. Claus, Photonic Crystals: Technology, Theory and Challenges (Materials Science and Technologies), Nova Science 2013.

- Y. S. Kivshar, G. Agrawal, Optical Solitons: From Fibers to Photonic Crystals, Academic Press 2003.

- D. W Prather, A. Sharkawy, S. Shi, J. Murakowski, G. Schneider, Photonic Crystals, Theory, Applications and Fabrication, (Wiley Series in Pure and Applied Optics), Wiley 2009.


- التصنيف : الكيمياء والفيزياء - النوع : الكيمياء والفيزياء - المجلد : المجلد الخامس مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق 1