البصريات اللاخطية (أدوات-)
بصريات لاخطيه (ادوات)
Nonlinear optical devices - Dispositifs optiques non linéaires
البصريات اللاخطيّة (أدوات-)
علاء الدين منيع
الأدوات البصرية (الضوئية) اللاخطية nonlinear optical devices أدوات تستفيد من الظواهر اللاخطية لتآثر الضوء مع المادة. اكتُشفت أول ظاهرة تُشير إلى تفاعل الضوء لاخطياً مع المادة -وهي ظاهرة توليد التوافقيّة الثانية Second Harmonic Generation (SHG)- مصُادفةً على يد العالم فرانكين Franken عندما كان يدرس تشعيع بلورة الكوارتز بضوء الليزر الياقوتي ruby laser في عام 1961، أيّ بعدَ عام تقريباً من تحقيق ليزر الياقوت على يد العالم ميمان Maiman عام 1960. فقد لاحَظ فرانكين آنذاك وجود ضوء أزرق خافت جداً بطول موجة 347 نانومتر مُصاحباً للضوء الأحمر الأساسي الذي يصدر عن الليزر الياقوتي ذي طول الموجة 694 نانومتر (وهذا ما يساوي تماماً ضِعفَي طول الموجة 347) بَعد مُروره عَبْرَ بلورة من الكوارتز. وكان ذلك بداية علم الضوء اللاخطي (البصريات اللاخطية) nonlinear optics الذي اتسع كثيراً ليُصبح أحد العلوم المُميّزة للقرن العشرين. وقد تشعّب علم الضوء اللاخطي وتطبيقاته تشعباً كبيراً؛ وسوف يركّز فيما يلي على بعض أهم تطبيقاته في المجال الضعيف التقليدي أو اللاتجاوبي weak or non-resonant nonlinear optics، حيث يكون الوسط الضوئي شفافاً بالنسبة إلى الحقول الضوئيّة المرافقة للحزم الليزرية المُتفاعلة مع مادة الوسط وشدّاتها متوسطة نسبياً. إذ تَغدو الآثار اللاخطيّة واضحةً وقابلة للقياس والاستثمار في مختلف التطبيقات عند ما تبلغ شدة الحقل الكهربائي قيماً تقارب 106 فولط/م، وتؤدي إلى انزياحات ذريّة قريبة من رتبة الأبعاد الذريّة. يكتب استقطاب المادة P، الذي يُعبّر عن استجابة المادة لتطبيق حقل كهربائي خارجي، على شكل كثير حدود في الحقل الكهربائي المُؤثر بالمعادلة (1):
يُمثّل الحدّ الأول من المعادلة (1) حد الضوء الخطي linear optics، والحدّ الثاني الضوء اللاخطي من المرتبة الثانية second-order nonlinear optics، والحدّ الثالث الضوء اللاخطي من المرتبة الثالثة third-order nonlinear optics، وهكذا دواليك. كما تُمثّل ثابتة العزل الكهربائية في الخلاء، وتمثل معاملات التناسب X(3)و X(2)و X(1) بالترتيب الطواعيّة الكهربائيّة من المرتبة الأولى والثانية والثالثة. وهي تعطى في الحالة العامة بقيم مركبات ممتدات (تنسورات tensors) من المرتبة نفسها، وذلك بسبب تبعيتها لاتجاه الحقل الكهربائي بالنسبة لجملة المحاور البلورية المستعملة. ويكون عدد المركبات تابعاً لتناظرات البلورة. إذ تُنقص التناظرات عددها، أو تتساوى في بعض المركبات، فينقص العدد الذي يميز البلورات اللاخطية بعضها من بعض، وقد يلجأ أحياناً إلى التمييز فيما بينها بمعاملات فعالة effective (Xeff) تعطى بعلاقات بين هذه المركبات، وتكون القيم الفعالة المعطاة أفضل ما يمكن أن تعطيه البلورة. كذلك تستعمل المعاملات الفعالة في كون العينة متعددة البلورات.
يتبين حالياً أنّ أكثر التطبيقات الصناعيّة والعلميّة وأهمها تنحصر في الضوء اللاخطي من المرتبة الثانية والثالثة في الحقل الكهربائي- كما هو مُلخص في الشكل (1)- للآثار والتطبيقات المُترتبة بالاستفادة من كل منهما.
مثل الحد الثاني من المعادلة (1) حاصل ضرب شدتي حقلين كهربائيين ضوئيين مختلفين، فعندما يكون أحد الحقلين حقلاً كهربائياً ساكناً أو شبه ساكن (ذا ترددات إلكترونية تصل إلى الغيغاهرتز) يحصل ما يسمى بالأثر الكهربائي الضوئي الخطي linear electro-optic effect أو ما يعرف بأثر بوكلس Pockels effect. وهذا ما أدى إلى إنتاج خليّة بوكلس Pockels cell ذات الاستخدامات المُتعددة، وأهمها عمل مفتاح معامل الجودة Q-switcher باستخدام بلورة (KD*P) Potassium Deuterium Phosphate أو أية بلورة أخرى مناسبة (الجدول 1)، والذي أدى بدوره إلى تطوير ليزرات النانوثانية nanosecond lasers. وتجدر الإشارة إلى إمكان كَون الحقل الساكن حقلاً مغنطيسياً، ففي هذه الحالة يحصل ما يسمى بأثر فارادي Faraday effect الذي تمخض عن إنتاج العوازل الضوئيّة optical isolators.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||
* تعطى القيم الفعالة ضمن مجال بسبب العلاقة بين مركبات الممتد المستعملة، إضافة إلى اختلاف زوايا الورود على أوجه البلورة، فهي لإعطاء فكرة عن أداء البلورات المختلفة فقط. | ||||||||||||||||||||||||||||||||
جدول (1) بعض أشهر البلورات الضوئية التي لها خاصة لاخطية من المرتبة الثانية وتطبيقاتها. |
أمّا في حالة كون كلا الحقلين و يُمثلان حقلين ضوئيين كهرطيسيين بترددين (تواترين) و، اللذيّن يمكن تبسيط كتابتهما على شكل تابعين جيبيين للزمن t: و فيتبين أنّ الحدّ الثاني من المعادلة (1) يُصبح على النحو الآتي: المعادلة (2):
وتظهر حدود تشير إلى إمكان توليد حاصل جمع الترددين وحاصل طرحهماSum and Difference Frequency Generation (SFG and DFG) اعتماداً على الخاصة اللاخطيّة من المرتبة الثانية ، كما هو مُوضح في الشكل (2)، لذلك يُسمى هذا التآثر تآثر ثلاث أمواج أو مزج ثلاث أمواج three-wave interaction/mixing.
وفي حالة خاصة عندما تصبح المعادلة السابقة، كما في العلاقة (3):
يمثل الحدّ الأول ظاهرة توليد التوافقيّة الثانية SHG بتردد 2ω1 -أول ظاهرة اكتشفت- وأمّا الحد الثاني من هذه المعادلة فيمثّل ظاهرة التقويم الضوئي optical rectification. ويُمكن استثمار هذه الخواص على مراحل مُتعددة، فمثلاً: يمكن توليد التوافقيّة الثانية بطول موجة 532 نانومتر (ذات اللون الأخضر) لحزمة الليزر نيوديميوم ياغ Nd:YAG، الذي يصدر شعاعاً ليزرياً بطول موجة 1062 نانومتر، باستخدام البلورة مُضاعفة التردد KTP أو BBO (الجدول 1)، ومن ثمّ إضافة مرحلة جمع الترددين ω1 و 2ω1 الناتجين من المرحلة السابقة باستخدام البلورة LBO لتوليد التوافقيّة الثالثة Third-Harmonic Generation (THG) بتردد 3ω1 المُكافئ لطول الموجة في المجال فوق البنفسجي 355 نانومتر. وكما أنّ المرحلة الثانية يُمكن أن تكون بلورة مُضاعفة التردد BBO للتردّد الناتج من المرحلة السابقة لتتولد بذلك التوافقيّة الرابعة بتردد 4ω1 الموافق لطول موجة 266 نانومتر. وهكذا يُمكن توليد التوافقيات العالية المختلفة كالخامسة والسادسة عبر زيادة المراحل، وطبعاً سيكون هذا على حساب طاقة الحزمة الليزرية الأساسية أو استطاعتها فمثلاً: يمكن توليد التوافقيّة الثانية بمردود نحو 70 % والتوافقيّة الثالثة بمردود نحو30 % والرابعة نحو 20 %، بعد تحقيق شرط التوافق الطوري phase matching condition والاختيار الصحيح لنوع البلورات اللاخطيّة المُستخدمة، كما في الجدول (1)، وعدد المراحل ونوعيّة الحزمة الليزرية. ويجب أن تحقق هذه المراحل قواعد التفاعل الضوئي مثل قانون انحفاظ الطاقة و شرط التوافق الطوري لكل تفاعل ضوئي الذي يدلُّ على تحقق قانون انحفاظ الاندفاع الخطي أو الشعاع الموجي (الشكل 2).
الشكل (1) مُخطط هيكلي للبصريات اللاخطية (الضوء اللاخطي) من المرتبة الثانية والثالثة وتطبيقاتهما ملاحظة: تشير المربعات باللون البرتقالي إلى التطبيق أو الأداة المُستخدمة علمياً أو صناعياً |
الشكل ( 2) الظواهر والآليات الضوئيّة المُتاحة ضمن الضوء اللاخطي من المرتبة الثانية: الجمع الترددي والفرق الترددي و التوليد الضوئي الوسيطي الذي يسمح بالتوليف الليزري المُشار إليه بالأسهم الصغيرة المائلة على الترددات، و يدلّ اللون الأخضر أيضاّ على ترددات أعلى من الأحمر، و الأحمر أعلى من الأسود (غالباً ما تكون أمواجاً غير مرئيّة). |
يمكن الاستفادة أيضاً من الخاصة اللاخطيّة من المرتبة الثانية في توليف موجة ليزر laser tuning بشكلٍ مستمرٍ ضمن مجال مُحدد بنفوذيّة البلورة المُستخدمة، عن طريق ضخ البلورة اللاخطيّة بتردد يوافق تردد الجمع، ومن ثمّ جعلها تولد الترددين و تلقائياً، كما هو مُوضح في الشكل (2)، بحيث تتحدد قيمتهما وفق شرط التوافق الطوري الذي يُتحكّمُ به، إمّا بتغيير اتجاه المحور الضوئي للبلورة، وإما بتغيير درجة حرارتها، وهاتان التقنيّتان هما الأكثر شيوعاً للتوليف الليزري. وعادةً ما يسمى الجهاز المذكور مُولداً ضوئياً وسيطاً Optical Parametric Generator (OPG)، أو يسمى هزازاً ضوئياً وسيطاً Optical Parametric Oscillator (OPO) عندما توضع البلورة ضمن مجاوبة ضوئيّة، أو يسمى مضخما ضوئياً وسيطا Optical Parametric Amplifier (OPA) من أجل تضخيم الحزمة الليزرية.
استُخدمت حديثاً هذه الخاصة اللاخطيّة في أجهزة ضغط النبضات الليزريّة بهدف الحصول على ليزرات ذات نبضات ليزريّة من رتبة البيكوثانية picosecond lasers، كما هي الحال في تقنية قفل الأنماط الليزريّة mode-locking technique باستخدام المرآة اللاخطيّة مضاعفة التردد Frequency-Doubling Nonlinear Mirror (FDNLM). كما تمَّ أيضاً اكتشاف الخاصية الشلاليّة للمرتبة الثانية cascading second-order nonlinearity والاستفادة منها في التحكم بالطور اللاخطي. ويوجد أيضاً تطبيقات في المطيافيّة الضوئية مثل مطيافيّات توليد التوافقية الثانية والجمع والطرح التردديين التي تتميز بحساسيتها العالية لطبقات جزيئية أُحاديّة مُتوضعة ذاتياًself-assembled monolayers على ركازات معدنية، المُستخدمة في المُحسات البيولوجيّة.
الضوء اللاخطي من المرتبة الثالثة وتطبيقاته وأدواته
تتميز هذه الخاصة بأنّها متوفرة في كل المواد، خلافاً للخاصة من المرتبة الثانية التي تنعدم في حالة البلورات ذات مركز تناظر centro-symmetric crystals، ويمثل الحدّ الثالث من المعادلة (1) حاصل ضرب شدات ثلاثة حقول كهربائية مختلفة (بشرط أن يكون أحدها على الأقل حقلاً ضوئياً)، فعندما يكون أحد الحقول حقلاً كهربائياً ساكناً (أو مغنطيسياً ساكناً) أو شبه ساكن يحصل ما يُسمى بالظواهر اللاخطية من المرتبة الثانية المُحرضة كهربائياً، وخصوصاً ظاهرة توليد التوافقية الثانية بالتحريض الكهربائي (أو المغنطيسي) induced second harmonic generation، أمّا في حالة وجود حقلين كهربائيين ساكنين فيحدث ما يُسمى بالأثر الكهربائي الضوئي التربيعي quadratic electro-optic effect، أو أَثَر كير الكهربائي الضوئي Electro-Optical Kerr Effect (EOKE) أيضاً. وهذا ما أدى إلى إنتاج خليّة كَير الضوئيّة Kerr cell المتعددة الاستخدامات، وأهمها مفتاح معامل الجودة الذي أسهم أيضاً في تطوير ليزرات النانوثانيّة. وتجدر الإشارة إلى إمكان كَون كلا الحقلين الساكنين حقلين مغنطيسيين، ففي هذه الحالة يحصل ما يُسمى بأثر كوتن-موتن Cotton-Mouton effect، وهو أثر ضعيف جداً مقارنةً بأثر فارادي ولا توجد له تطبيقات عمليّة.
أمّا في حالة كون كل الحقول الثلاثة المُتفاعلة E1 وE2 وE3 حقولاً ضوئيةً كهرطيسيةً بترددات و و - التي يمكن تبسيط كتابتها على شكل توابع جيبيّة بالنسبة للزمن t: و و - فيُصبح الحدّ الثالث من المعادلة (1) على الشكل الآتي (المعادلة 4):
وهذا يدلّ على وجود إمكانات أكثر لمزج الحقول المُتفاعلة باستخدام الخاصة اللاخطيّة من المرتبة الثالثة ، وهو ما يُسمى بتفاعل أربعة أمواج أو مزج أربعة أمواج four-wave interaction/mixing. وقد استُعملت هذه الخاصة في مطيافية كارس Coherent Anti-Stokes Raman Scattering/Spectroscopy (CARS) ذات الحساسية العالية في فصل الترددات، واستعملت أيضاً في إيجاد تقنية لتصحيح سطح الموجة الضوئيّة المسماة بمرآة الترافق الطوري Conjugated Phase Mirror (CPM) التي تعكس الموجة الضوئية بحيث يرتد سطح الموجة مطابقاً للوارد من دون انعكاسه. وأمّا في حالة وجود موجة واحدة فقط (حزمة ليزريّة واحدة) أيّ عندما فتصبح المعادلة السابقة (4) كما يأتي (المعادلة 5):
حيث يُمثل الحدّ الأول ظاهرة توليد التوافقيّة الثالثة THG بتردد بمرحلة واحدة مباشرةً، وأمّا الحد الثاني فيمثل أثر كير الضوئي الذي له تطبيقات ضوئيّة عديدة ومهمة جداً، منها بوابة كير الضوئيّة Optical Kerr Gate (OKG) وتقنيّة قفل الأنماط الليزريّة المُسماة بعدسة كير Kerr Lens Mode-locking (KLM)، التي أتاحت توليد نبضات ليزرية قصيرة جداً من رتبة الفمتوثانية باستخدام بلورات التيتانيوم زفير Ti:sapphire.
تستفيد معظم الأدوات البصرية اللاخطية من الآثار اللاخطية في تطوير المنابع الليزريّة التي تولد التوافقيات المختلفة وإضافة قابليّة التوليف عليها، وفي توليد نبضات ليزرية فائقة القصر من مرتبة البيكوثانية والفمتوثانية، وبهذا يكون الضوء اللاخطي قد ردَّ الجميل فعلاً لعلم الليزرات الذي كان في الأصل سبباً لولادته.
مراجع للاستزادة: -G. S. He, Nonlinear Optics and Photonics, OUP Oxford, 2014. -W. Koechner, Solid-State Laser Engineering, Springer, Berlin, 2006. - L. Lugiato, F. Pratis & M.Brambilla, Nonlinear Optical Systems. Cambridge University press 2015. - G. New, Introduction to Nonlinear Optics, Cambridge University Press, 2014. -R. L. Sutherland, Handbook of Nonlinear Optics, Marcel Dekker, New York, 2003. Press,2015. -M. Wegener, Extreme Nonlinear Optics, Springer, Berlin, 2004. - F. Zernike & J. E. Miduinter, Applied Nonlinear Optics, Dover Publication Inc., 2006.
|
- التصنيف : الكيمياء والفيزياء - النوع : الكيمياء والفيزياء - المجلد : المجلد الخامس مشاركة :