logo

logo

logo

logo

logo

الاستنساخ البشري في القانون

استنساخ بشري في قانون

human cloning in law - clonage humain dans la loi

 الاستنساخ البشري في القانون

الاستنساخ البشري في القانون

فواز صالح

 

أحدثت ولادة النعجة دولّي في النصف الثاني من عام 1996 وإعلانها في شباط/فبراير 1997 فتحاً جديداً في مجال التقدم العلمي، ونقلت الاستنساخ البشري Le clonage humain عن طريق النقل النووي من نطاق الخيال العلمي إلى مجال الحقيقة والواقع. وبعد أن هدأت الزوبعة التي أثارتها أخذ المجتمع الدولي والمجتمعات الوطنية يفكرون في إصدار قواعد قانونية تمنع من تطبيق هذه التقنية على الكائن البشري.

أولاً- تعريف الاستنساخ وأنواعه:

1- تعريف الاستنساخ:

يعدّ الاستنساخ طريقة من طرق التكاثر البدائية؛ إذ تتكاثر بهذه الطريقة الكائنات الأولية وحيدة الخلية مثل  البكتريا والأميبيا. وعندما ظهرت كائنات أكثر رقياً بدت الحاجة إلى طريقة أخرى للتكاثر أكثر تطوراً، ومن شأنها أن تؤدي إلى إنشاء تمايز في الأنواع والأشكال، وهذه الطريقة هي طريقة التزاوج بين الذكر والأنثى التي تعدّ الطريقة الكلاسيكية للتكاثر في حين أن الاستنساخ يُعدّ طريقة استثنائية.

2- أنواع الاستنساخ:

أ- الاستنساخ بالتشطير (الانقسام الجنيني) والاستنساخ عن طريق النقل النووي.

(1) الاستنساخ بالتشطير أو الانقسام الجنيني: هي أكثر الطرق فعالية وأسهلها تطبيقاً. وهي تقوم على إثارة ما يتم بصورة طبيعية عند الثدييات في حالة التوائم الحقيقية عندما ينقسم الجنين - الذي ما يزال في مرحلة الكيسة الأرومية - إلى جزأين في اللحظة التي ينفصل فيها عن قشرة البويضة التي تحيط به منذ لحظة التلقيح بنحو اصطناعي في أنبوب الاختبار. وبمعنى آخر تقوم هذه الطريقة على الفصل الاصطناعي لخلايا البويضة الملقحة في مرحلة ما قبل التمايز، وبالتالي تولد منها توائم متماثلة.

(2) الاستنساخ عن طريق النقل النووي: وهي الطريقة التي تم بموجبها استنساخ النعجة دولّي. ويقوم الاستنساخ عن طريق النقل النووي على اقتطاع خلية من الكائن الذي يراد استنساخه ومن ثم نزع نواتها، وبعد ذلك زرع هذه النواة في بويضة غير ملقحة منزوعة النواة مقتطعة من كائن آخر. وفي حال ما إذا تم الاندماج بين النواة والبويضة بنجاح فسيؤدي ذلك إلى تكوين جنين. وبعدئذ يتم زرع هذا الجنين، فترة زمنية معينة في المخبر، ثم يبدأ هذا الجنين بالنمو، وعندما يصل إلى طور الكيسة الأرومية يزرع في رحم أم حاضنة.

وتجدر الإشارة إلى أن البويضة تؤدي دوراً أساسياً في هذه الطريقة، وذلك أنها الخلية الوحيدة التي تحتوي فيها الهيولى على العناصر القادرة على إعادة تأسيس النواة؛ أي إعطائها القدرة على استخدام كامل مخزونها الوراثي كي تشكل خلية قادرة على التمايز، وتعدّ أصلاً لكائن جديد.

ب- الاستنساخ التكاثري والاستنساخ العلاجي:

كان إعلان ولادة النعجة دولّي فرصة مناسبة كي يبدي الرأي العام موقفه من الاستنساخ البشري.  في البداية كان هناك إجماع على عدم تطبيق تقنية الاستنساخ على الكائن البشري، وبعده بأقل من سنة تغير مفهوم الاستنساخ البشري على نحو كبير، فقد بدأ الباحثون بالتمييز بين الاستنساخ لأغراض علاجية ويسمى بالاستنساخ العلاجي أو الاستنساخ البحثي، والاستنساخ لأغراض التكاثر ويسمى بالاستنساخ التكاثري.

(1) الاستنساخ التكاثري: يقوم الاستنساخ التكاثري على اقتطاع نواة خلية بالغة تحتوي على الكروموزومات التي يوضع عليها الحمض النووي منقوص الأكسجين الدنا ADN بالفرنسية وDNA بالإنكليزية، (مثلاً خلية من الجلد أو من الكبد…) ومن ثم حقنها في بويضة منزوعة النواة بصورة مسبقة. وبعده يتم الاندماج بين الخليتين عن طريق نبضات كهربائية. وفي حال  نجاح التجربة  سيؤدي ذلك إلى تكوين جنين سيبدأ بالنمو. ومن ثم يزرع الجنين لبعض الوقت (مدة ثمانية أيام تقريباً) في المختبر، وذلك قبل زرعه -في طور الكيسة الأرومية- في رحم الأم الحاضنة. وبعد عملية الولادة سيكون للطفل المخزون الوراثي (أي الدنا) النووي ذاته بالنسبة إلى معطي الخلية الجسدية. يتضح مما تقدم أن الغاية من الاستنساخ التكاثري هي الإنجاب.

(2) الاستنساخ العلاجي: الاستنساخ بمعناه البيولوجي - بوصفه طريقة للتكاثر الاصطناعي - يتم من دون حاجة إلى أمشاج، وهذا يعني أن الاستنساخ هو طريق من طرق التكاثر غير الجنسي. إذن: الغاية من الاستنساخ هي الحصول على بويضة ملقحة عن طريق غير جنسي. بعد أن يتم الاندماج بين نواة خلية جسدية - مأخوذة من الشخص المراد استنساخه - وبويضة - مقتطعة من امرأة متبرعة - يترك الجنين الذي يتم الحصول عليه كي ينمو في أنبوب الاختبار حتى يبلغ ثمانية  أيام تقريباً من العمر. بعدئذ تؤخذ الكتلة الخلوية الداخلية لهذا الجنين، وبالتالي هذا العمل يؤدي إلى إتلاف الجنين. ثم تزرع الخلايا المقتطعة من الجنين بهدف الحصول على خلايا المنشأ أو الخلايا الخذعية الجنينية! وتتصف هذه الخلايا بأنها «توتي بوتانت» Totipotentes أي إنها تتمتع بالقدرة على التمايز والتحول، إذ إنها تستطيع أن تتمايز إلى خلايا أنسجة متنوعة سيكون لها المخزون الوراثي ذاته بالنسبة إلى معطي الخلية الجسدية.

والغاية من ذلك هي معالجة بعض الأمراض الخطيرة التي يمكن أن يعانيها معطي الخلية الجسدية، وذلك باستبدال خلايا مستنسخة بخلاياه المريضة، تم الحصول عليها وفقاً لما تم ذكره أعلاه، من دون أن يكون هناك رفض لهذا التطعيم من الجهاز المناعي للمعطي؛ لأن الخلايا المزروعة لها المخزون الوراثي نفسه الذي يملكه المعطي.

يتبين مما سبق أن التمييز بين الاستنساخ العلاجي والاستنساخ التكاثري لا يقوم على أساس من الإجراءات العلمية التي يتطلبها كل منهما، وإنما يكمن أساس هذا التمييز في الغاية من الاستنساخ. فإذا كانت الغاية منه هي الإنجاب بحيث تتم زراعة الجنين المستنسخ في رحم امرأة حاضنة فالاستنساخ هو تكاثري. أما إذا كانت الغاية من الاستنساخ هي إتلاف الجنين المستنسخ في المرحلة الأولى من نموه (بعد فترة ثمانية أيام تقريباً من النمو) وذلك لاستعمال خلاياه  بهدف معالجة بعض الأمراض الخطيرة فهنا يتعلق الأمر بالاستنساخ العلاجي.

ثانياً- الجوانب الأخلاقية للاستنساخ البشري:

اختلف العلماء حول مشروعية الاستنساخ البشري من الناحية الأخلاقية بين مؤيد ومعارض، ولكل منهم حججهم.

1- حجج المؤيدين للاستنساخ البشري: وأهم هذه الحجج هي:

- الاستنساخ البشري هو وسيلة لمعالجة العقم عند الزوجين، وبالتالي يحافظ على استمرار الذرية. ويعد وسيلة لزيادة فرص الحمل، وحينئذ يتم الحصول على جنين واحد في الأنبوب في نطاق عمليات التلقيح الاصطناعي، وحينما يتم تقسيم الجنين إلى توءمين أو ثلاثة، يؤدي ذلك إلى زيادة فرص التعشيش.

- يساعد الاستنساخ على دراسة الأمراض الوراثية على نحو أفضل والتحكم فيها وإيجاد العلاج المناسب لها.

- الحصول على قطع غيار بشرية لا يرفضها الجهاز المناعي للمتلقي؛ لأن استحداث جنين انطلاقاً من خلية جسدية من هذا المعطي يؤدي إلى الحصول على خلايا متطابقة مناعياً والجهاز المناعي للمتلقي. وبالتالي يمكن عن طريق الاستنساخ علاج أمراض مستعصية مثل الشلل الرعاش، والشيخوخة المبكرة، والسكري…

- يؤدي الاستنساخ البشري إلى تخليد الإنسان، وبالتالي يمكن بوساطته التغلب على فكرة الموت.

- يؤدي الاستنساخ إلى تحسين الجنس البشري عن طريق انتقاء الأجنة.

2- حجج المعارضين للاستنساخ البشري: وأهم هذه الحجج:

- يتنافى الاستنساخ البشري ومبدأ احترام الكرامة الإنسانية لأنه يهدد جوهر كل كائن بشري المتمثل في تفرده البيولوجي. كما يؤدي إلى إضفاء طابع المادة على الجنين حينما يتم استحداثه من أجل إتلافه وأخذ خلاياه قطع غيار بشرية من أجل معالجة أشخاص آخرين.

- يؤدي الاستنساخ إلى زيادة التمييز العنصري بين الشعوب؛ لأنه يؤدي إلى أن تتمكن الدول الغنية من تحسين الجنس فيها من دون أن تتمكن الدول الفقيرة من ذلك.

- يؤدي الاستنساخ إلى اختلاط الأنساب، وكذلك إلى اختلاط الأجناس.

- يمكن أن يؤدي الاستنساخ إلى خلل في التكوين السكاني للمجتمع من طريق إخلاله بتوازن الجنسين.

- يؤدي الاستنساخ إلى الإخلال بأمن المجتمع.

- يعد الاستنساخ خطراً على صحة المرأة.

ثالثاً- الجوانب القانونية للاستنساخ البشري:

1- التقنين على الصعيد الدولي

أ- دور المنظمات الدولية الخاصة والمنظمات الخاصة الإقليمية في منع الاستنساخ البشري:

تنص المادة (11) من الإعلان العالمي بشأن المجين أو الجينوم البشري وحقوق الإنسان - الذي اعتمده المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) في 11/11/1997- على أنه: «لا يجوز السماح بممارسات تتنافى مع كرامة الإنسان مثل الاستنسال (أي الاستنساخ) لأغراض إنتاج نسخ بشرية. ويتعين على الدول والمنظمات الدولية المختصة أن تتعاون للكشف عن مثل هذه الممارسات واتخاذ التدابير اللازمة بشأنها على المستوى الوطني أو الدولي وفقاً للمبادئ المنصوص عليها في هذا الإعلان».

وكانت منظمة الصحة العالمية قد تبنت في دورتها الخمسين المنعقدة في 14/5/1997 قراراً نص على أن المنظمة تؤكد أن استخدام تقنية الاستنساخ بهدف إنتاج كائنات بشرية أمر غير مقبول على الصعيد الأخلاقي، ويخالف مبدأ حرمة الشخص الإنساني.

وعلى الصعيد الأوربي اعتمدت لجنة الوزراء في المجموعة الأوربية الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان وكرامة الكائن البشري بمواجهة تطبيقات علم الأحياء والطب في 19/11/1996. وتبنى مجلس الوزراء في المجموعة الأوربية «بروتوكولاً» إضافياً لهذه الاتفاقية في باريس في شهر تشرين الثاني/نوڤمبر من عام 1998 يهدف إلى حظر استنساخ الكائنات البشرية. وتنص المادة الأولى من هذا البروتوكول على منع كل مداخلة تهدف إلى استحداث كائن بشري يطابق وراثياً كائناً آخر حيّاً أو ميتاً على نحو مطلق.

إضافة إلى ذلك عبر البرلمان الأوربي عن موقفه المعارض لأي شكل من أشكال استنساخ الكائنات البشرية في مناسبات عدة.

ويمكن الإشارة أيضاً في هذا المجال إلى ميثاق الحقوق الأساسية الذي تبناه الاتحاد الأوربي في عام 2000 في مدينة نيس الفرنسية؛ إذ تنص المادة (3) منه على منع الاستنساخ البشري التكاثري.

ب- دور منظمة الأمم المتحدة في منع الاستنساخ البشري:

تقدمت فرنسا وألمانيا  معاً بمشروع قرار إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة يهدف إلى حظر الاستنساخ البشري لأغراض التكاثر. واستناداً إلى ذلك قررت الجمعية العمومية إنشاء لجنة خاصـة - بموجب قرارها رقم 93/56 تاريخ 12/12/2001- مهمتها دراسة إمكانية وضع اتفاقية تهدف إلى حظر الاستنساخ البشري لغايات التكاثر. وقد اجتمعت هذه اللجنة أول مرة في  شباط/فبراير 2002 من أجل وضع التوصيات الأولية حول النقاط القانونية التي يجب أن تتطرق لها الاتفاقية التي تنوي وضعها. ومن ثم عقدت هذه اللجنة اجتماعاً ثانياً في أيلول/سبتمبر 2002 من أجل وضع جدول أعمال المفاوضات التي يجب أن تبدأ في بداية عام 2003، ولكن لم تستطْع هذه اللجنة أن تصل إلى اتفاق حول المشروع الألماني الفرنسي الذي كان يهدف إلى منع الاستنساخ البشري التكاثري لأنها مسألة ملحة، فقد أعلن بعض الأطباء والباحثين أنهم قاموا بمحاولات لإنجاب طفل عن طريق الاستنساخ؛ عن طريق زرع أجنة مستنسخة في أرحام نساء قبلن بالخضوع لمثل تلك التجربة، لذلك يعتقد واضعو هذا المشروع أن المسألة هي مسألة سباق مع الوقت. وسبب عدم الاتفاق هو الانشقاق الذي ظهر بين أعضاء اللجنة، فقد أيد بعضهم منع الاستنساخ التكاثري فقط، وهذا موقف فرنسا وألمانيا وسويسرا والصين. في حين أن بعضهم الآخر ينادي بمنع كل أشكال الاستنساخ مثل الولايات المتحدة الأمريكية والڤاتيكان وإسبانيا والسودان؛ لأن التمييز بين الاستنساخ البشري لأغراض التكاثر والاستنساخ العلاجي لا يقوم على أساس علمي. ونجم عن هذا الانقسام جمود لأعمال اللجنة. ومن أجل مواجهة هذا الوضع وافق أعضاء الأمم المتحدة على التخلي عن الجهود الرامية لوضع اتفاقية دولية لحظر الاستنساخ البشري لأغراض التكاثر. وقامت اللجنة السادسة (القانونية) التابعة للجمعية العامة بصياغة إعلان بدلاً من اتفاقية لأنه لا يمكن التوفيق بين جميع الخلافات المتعلقة بمسألة الاستنساخ البشري. وهذا كله أدى في نهاية المطاف إلى اعتماد إعلان الأمم المتحدة بشأن الاستنساخ البشري في الثامن من آذار/مارس 2005. وصدر الإعلان بموافقة 84 دولة، ومعارضة 34 دولة، في حين أن 37 دولة امتنعت عن التصويت.

ويدعو الإعلان الدول الأعضاء إلى حظر جميع أشكال الاستنساخ البشري، لأنها تتنافى وكرامة الانسان وحماية الحياة الإنسانية. كما يدعو الدول الأعضاء إلى اتخاذ التدابير اللازمة لحظر تطبيق تقنيات الهندسة الوراثية التي تتنافى والكرامة الإنسانية.

1- خيارات المستقبل بالنسبة إلى الاستنساخ البشري على الصعيد الدولي:

جاء في تقرير أعده معهد الدراسات المتقدمة في جامعة الأمم المتحدة في طوكيو - بعنوان: هل الاستنساخ البشري التكاثري أمر لا مفر منه: خيارات مستقبلية للحوكمة الأممية- في نهاية عام 2007 أن من بين الخيارات المتاحة لتنظيم الاستنساخ البشري، هي:

¯ حظر كافة أشكال الاستنساخ البشري.

¯ حظر الاستنساخ البشري التكاثري فقط.

¯ حظر الاستنساخ البشري التكاثري وإباحة الاستنساخ البحثي أو العلاجي.

¯ حظر الاستنساخ التكاثري وإباحة الاستنساخ البحثي أو العلاجي لمدة 10 سنوات.

¯ المنع المؤقت لكافة أشكال الاستنساخ البشري.

وقد طلب الأمين العام للأمم المتحدة من المدير العام لمنظمة اليونسكو عرض هذا التقرير على اللجنة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا من أجل دراسته وتقديم المقترحات المناسبة بشأنه. ويفترض أن تقدم اللجنة مقترحاتها في اجتماعها القادم الذي سيعقد في تشرين الثاني 2009 في المكسيك.

2- التقنين على الصعيد الوطني:

تبنت نحو خمسين دولة في العالم قوانين تتعلق بالاستنساخ البشري، بعض منها يحظر الاستنساخ البشري بنوعيه التكاثري والعلاجي أو البحثي، في حين أن بعضها الآخر يحظر الاستنساخ البشري التكاثري ولكنه يبيح الاستنساخ العلاجي.

أ- حظر الاستنساخ البشري بنوعيه:

يمنع القانون الاتحادي الألماني الصادر في 13/12/1990 والمتعلق بحماية الجنين البشري الاستنساخ البشري بأسلوب ضمني؛ إذ إنه يمنع إجراء أي أبحاث على الجنين البشري. ويعاقب القانون كل من يخالف ذلك المنع بعقوبات جزائية قد تصل إلى السجن مدة خمس سنوات؛ وبغرامة.

أما المشرع السويسري فقد جعل من حظر الاستنساخ البشري مبدأً دستورياً، إذ تنص المادة 119 من الدستور السويسري الجديد - الذي دخل حيز التنفيذ في 1/12/2000- على منع الاستنساخ البشري بكل أنواعه، وكذلك منع أي مداخلة في نطاق الثروة الوراثية للأجنة أو للأمشاج البشرية.

وتعدّ تونس أول دولة عربية منعت الاستنساخ البشري بنص قانوني صريح. ينص الفصل الثاني من القانون التونسي رقم (93)، تاريخ 7/8/2001 المتعلق بالطب الإنجابي على أنه يمنع منعاً باتاً في إطار الطب الإنجابي اللجوء إلى تقنيات الاستنساخ. ويحظر القانون المذكور الحصول على أجنة بشرية بوساطة الأنبوب أو بتقنيات أخرى لأغراض البحث العلمي. كما أنه لا يجوز الحصول على جنين بشري بوساطة الأنبوب أو عن طريق تقنيات أخرى إلا في إطار الطب الإنجابي وطبقاً لغاياته. ويعاقب هذا القانون على مخالفة الأحكام المشار إليها أعلاه بالسجن مدة خمس سنوات وبخطية (أي غرامة) قدرها عشرة آلاف دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.

وأصدر المشرع الإيطالي القانون رقم (40) تاريخ 19/2/2004 المتعلق بالطب الإنجابي؛ إذ يعدّ هذا القانون الاستنساخ البشري لأغراض التكاثر جريمة معاقباً عليها بالحبس من 10 حتى 20 سنة، وبغرامة باهظة يمكن أن تصل إلى مليون يورو، وكذلك بالشطب مدى الحياة من المهنة. ويمنع هذا القانون الاستنساخ العلاجي أيضاً، وكذلك يمنع إنتاج سلالات الخلايا الجذعية الجنينية انطلاقاً من الأجنة الفائضة عن عمليات الإنجاب المساعد طبياً.

وصدر قانون في كندا عام 2004 يحظر الاستنساخ البشري لأغراض التكاثر. وتنص المادة 5 من هذا القانون على أنه لا يجوز لأي شخص خلق نسخة إنسان عن طريق استخدام أي تقنية، أو زرع الأعضاء أو الأجهزة البشرية من نسخة إنسان أو من أي شكل من أشكال الحياة البشرية صحيحة أو مصطنعة. وتعاقب المادة 60  من القانون نفسه كل من يخالف أحكام المادة 5 بالسجن مدة 4 حتى 10 سنوات أو غرامة من 250000 دولار إلى 500000 دولار أو كليهما. ويبدو أن القانون يمنع الاستنساخ العلاجي أيضاً.

وأصدر المشرع الفرنسي القانون رقم/800/ 2004 تاريخ 6/8/2004، المتعلق بالأخلاقيات الحيوية. وجاءت المادة 25 من هذا القانون بأحكام جديدة أهمها:

¯ منع أي مداخلة يكون من شأنها أن تؤدي إلى ولادة طفل مطابق وراثياً لشخص آخر حي أو متوفى، أي منع الاستنساخ التكاثري الذي يعد بموجب هذا القانون جريمة ضد الجنس البشري.

¯ منع استحداث الأجنة البشرية عن طريق الاستنساخ لغايات البحوث العلمية أو لغايات علاجية.

وتعاقب المادة 28 من هذا القانون كل من يقوم باستنساخ كائن بشري لغايات الإنجاب في فرنسا، أو كل فرنسي يقوم بذلك خارج فرنسا بالحبس مدة عشر سنوات و بغرامة مقدارها 150 ألف يورو. كما تعاقب كل من يقوم باستنساخ جنين لغايات صناعية أو تجارية، أو لغايات البحث العلمي، أو لغايات علاجية بالحبس سبع سنوات وبغرامة مقدارها 100 ألف يورو.

ب- حظر الاستنساخ البشري التكاثري وإباحة الاستنساخ العلاجي:

صدر قانون في اليابان بتاريخ 30/11/2000 يعاقب على الاستنساخ البشري لأغراض التكاثر بالحبس عشر سنوات وبغرامة حدها الأقصى 10 مليون ين. ويمنع القانون على نحو خاص الاستنساخ التكاثري عن طريق زرع جنين مستنسخ في رحم امرأة أو حيوان. ويمنع القانون الياباني أيضاً إنتاج أجنة هجينة عن طريق تلقيح بويضة بشرية غير ملقحة مع سائل منوي مأخوذ من حيوان، أو مشكلة من خلايا بشرية وحيوانية. وبالمقابل يبيح القانون الاستنساخ العلاجي واستحداث أجنة لأغراض البحث.

وتجدر الإشارة إلى أن القانون البريطاني لعام 1990 يسمح بإنتاج أجنة لأغراض البحث العلمي. وفي شهر كانون الثاني/يناير من عام 2001 عدل هذا القانون بطريق يسمح أيضاً بإنتاج أجنة عن طريق الاستنساخ لأغراض علاجية. وقد كشف التطبيق العملي للقانون البريطاني المعدل في عام 2001 عن هشاشة الحدود الفاصلة بين الاستنساخ العلاجي والاستنساخ التكاثري. فقد ذهبت المحكمة العليا البريطانية - في قرارها الصادر في 15/11/2001- إلى أنه لا يمكن تجريم استنساخ كائن بشري في ظل القواعد القانونية التي تضفي الحماية على الجنين؛ لأنه لا يمكن اعتبار العضو المنتج جنيناً. ونتيجة لذلك تدخل البرلمان البريطاني وتبنى قانوناً يعاقب على الاستنساخ البشري التكاثري وذلك في 26/11/2001. وقد قامت الملكة البريطانية بإصدار هذا القانون، وبالتالي فإنه دخل حيز النفاذ بدءاً من 4/12/2001، وفقاً لما أشار إليه وزير العدل البريطاني.

كما يمنع القانون البلجيكي الصادر في 11/5/2003 الاستنساخ البشري التكاثري، ويعاقب كل من يخالف ذلك بالحبس من سنة إلى خمس سنوات، وبالغرامة من 1000 إلى 10000 يورو، أو بإحدى هاتين العقوبتين. كما يمنع هذا القانون من حيث المبدأ الاستنساخ العلاجي أو البحثي، ولكنه يجيز استثناء استحداث أجنة لغايات البحث العلمي إذا كان هدف البحث لا يمكن تحقيقه في حالة إجراء البحث على الأجنة الفائضة عن عمليات الإنجاب المساعد طبياً.

ويمنع القانون السويدي الصادر في تشرين الأول/أكتوبر 2004 - والذي دخل حيز النفاذ في الأول من نيسان/أبريل 2005- الاستنساخ البشري التكاثري، إلا أنه يسمح باستنساخ أجنة بشرية لأغراض علاجية. وتعدّ السويد أكثر الدول تقدماً في العالم في مجال البحث العلمي المتعلق بالخلايا الجذعية الجنينية؛ إذ إنها تملك أكبر عدد من سلالات هذه الخلايا في العالم.

وكان القانون الإسباني الصادر في 23/11/2003 يمنع الاستنساخ البشري التكاثري، ويعاقب كل من يخالف ذلك بالحبس من سنة إلى خمس سنوات. ومن ثم بعد ذلك صدر قانون جديد في 23/3/2006 أباح الاستنساخ العلاجي بشروط محددة.

ج- في القانون الإمريكي:

لا يوجد في الولايات المتحدة الأمريكية حتى تاريخه قانون اتحادي يمنع الاستنساخ البشري.

ولكن مجلس النواب الأمريكي تبنى بالإجماع في آب/أغسطس 2001 مشروع قانون يمنع الاستنساخ البشري بنوعيه التكاثري والعلاجي. ويعاقب هذا المشروع على كل مخالفة لأحكامه بالحبس مدة لا تتجاوز عشر سنوات، وبغرامة حدها الأدنى مليون دولار.

ويلقى المنع المطلق للاستنساخ البشري الذي يريده الرئيس الأمريكي السابق بوش معارضة جزئية من الباحثين الأمريكيين فهم أيضاً يطالبون بمنع الاستنساخ التكاثري، ولكنهم بالمقابل يطالبون بأن يُشرَّع الاستنساخ من أجل إنتاج خلايا المنشأ والتي تملك آفاقاً مهمة وخاصة بالنسبة إلى الأمراض الميئوس منها، كالسرطان والإيدز والسكري والشيخوخة المبكرة والشلل الرعاش. وقد ذكًّر الرئيس بوش بموقفه عندما شارك في الجلسة الأولى للمجلس الرئاسي للأخلاقيات الحيوية - الذي كُلِّف بإعداد تقرير حول الاستنساخ البشري - ولكن قامت هيئة من خبراء الأكاديميات العلمية بنشر توصيات تترك الباب مفتوحاً أمام الاستنساخ العلاجي.

وبالمقابل فإن الخبراء ذاتهم توصلوا إلى أن الاعتبارات العلمية والطبية التي تبرر اليوم منع الاستنساخ التكاثري لا تطبق على الزرع النووي من أجل إنتاج خلايا المنشأ،  ويؤيد هؤلاء الخبراء التقرير الذي سبق لأكاديميات العلوم أن أصدرته حيث انتهت فيه إلى عدم منع الاستنساخ العلاجي، وذلك بسبب الاحتمال الهائل لاكتشاف علاجات جديدة لمعالجة الأمراض الخطيرة.

ويوصي هذا التقرير بأن يتمكن الباحثون من متابعة إجراء الاستنساخ بهدف إنتاج خلايا المنشأ وهي خلايا غير مميزة قادرة من حيث المبدأ على إنتاج كل أنسجة الجهاز التي من الممكن أن تسمح بمعالجة داء السكري ومرض ألزهايمر والباركينسون.

وهذا الموقف الجديد لهيئة خبراء تشمل أهم المختصين الأمريكيين في مجال الاستنساخ يمكن أن يتخذه ويدعمه مجلس الشيوخ، ولاسيما أن الديمقراطيين يعارضون موقف الرئيس الأمريكي الذي يقوم على منع الاستنساخ بشكل مطلقاً.

وقد قدم المجلس الرئاسي للأخلاقيات الحيوية في أمريكا تقريره للرئيس الأمريكي بعد ستة أشهر من العمل. وجاء في هذا التقرير أن الاستنساخ يمثل منعطفاً في تاريخ البشرية، والحد الفاصل بين التكاثر الجنسي والتكاثر اللاجنسي، ويمثل أيضاً الخطوة الأولى نحو التحكم الوراثي بجيل المستقبل. وقد أجمع أعضاء اللجنة المكلفة بوضع التقرير على أن الاستنساخ التكاثري هو أمر غير أخلاقي، وبالتالي يجب منعه بموجب قانون اتحادي. وبالمقابل اختلف أعضاء اللجنة فيما بينهم بالنسبة إلى الاستنساخ البشري بقصد العلاج، فقد اقترح بعضهم تعليق الأبحاث بموجب قرار قضائي، وبالتالي منع الاستنساخ البشري في نطاق البحث الطبي البيولوجي مدة أربع سنوات. وأوصت القلة من الأعضاء اللجنة بالسماح بإجراء الأبحاث في مجال الاستنساخ البشري العلاجي في إطار قانوني ينظم إجراء مثل تلك الأبحاث بدقة. أما الغالبية فذهبت في رأيها إلى ضرورة صدور قانون يمنع الاستنساخ البشري العلاجي مدة أربع سنوات شريطة أن تتم مراجعة السياسة الاتحادية الأمريكية  المتعلقة بالبحث على الجنين البشري والبحث الوراثي، وذلك من أجل وضع توصيات وبناء سياسة أخلاقية حقيقية في مجال الأخلاقيات الحيوية.

وتم تقديم مشروع قانون آخر في أواخر شباط/فبراير 2003 يهدف إلى حظر كل أنواع الاستنساخ البشري. وقد تم تأجيل التصويت على هذا القانون. ثم تعرض مشروع آخر للنقض فى حزيران/يونيو 2007 من قبل الرئيس بوش كان من شأنه أن يسمح بالتمويل الاتحادي لأبحاث الخلايا الجذعية الجنينية. وسنّت ولايات  كثيرة في الولايات المتحدة تشريعات تمنع الاستنساخ البشري لأغراض التكاثر مثل: أركنساس، كاليفورنيا، كونيكتيكت، انديانا، أيوا، ميريلاند، ماساشوستس، ميشيغان، نيو جيرسي، داكوتا الشمالية، داكوتا الجنوبيه، رود أيلاند، وڤيرجينيا.

مراجع للاستزادة:

- خالص حلبي، «هل يستنسخ الإنسان»؟ مجلة العربي، العدد 463، تموز.

- جابر علي مهران، «حكم الاستنساخ والتلقيح الصناعي في الفقه الإسلامي»، مجلة الدراسات القانونية، كلية الحقوق بجامعة أسيوط، العدد الواحد والعشرون، يونيو 1998.

- شوقي زكريا الصالحي، الاستنساخ بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية (العلم والإيمان للنشر والتوزيع، القاهرة 2006).

- فواز صالح الاستنساخ البشري والقانون (الناشر هيئة الموسوعة العربية، سلسلة الكتب رقم 12، دمشق 2005).

- منذر طيب البرنزجي وشاكر غني العادلي، عمليات أطفال الأنابيب والاستنساخ البشري في منظور الشريعة الإسلامية (مؤسسة الرسالة، ط1، بيروت 2001.

- هاني رزق، الجينوم البشري وأخلاقياته (دار الفكر، ط1، دمشق 2007).

- Andre ALBERT, Vers une interdiction mondiale du clonage  des etres humains, in Le clonage, Regard ethique, Edition du Conseil de l’Europe, Paris 2002.

- Alain CLAEYS et M. Claude HURIET, Le clonage, la therapie cellulaire et l’utilisation therapeutique des cellules embryonnaires, Rapport presente a l‘Assemblee Nationale et au Senat, 2000.

- Gillbert HOTTOIS et Jean-Noel MISSA, Nouvelle encyclopedie de biethique, De Boeck, 1re edition, Bruxelles 2001.

- Maxime TARDU, Le droit face au clonage, in Le clonage, Regard ethique, Edition du Conseil de l’Europe, Paris 2002.

- Michel DE PRACONTAL, Les mysteres de la nouvelle EVE, Le nouvel Observateur, N 1991- du 2 au 8 janvier 2003.

- Mireille DELMAS-MARTY, Cfrtitudes et incertitudes du droit, in Le clonage humain, Seuil 1999.

- Bio sciences, Le magazine des sciences de la vie, dossier: vers le clonage humain? N 10, fevrier-avril 2002. Et N 1, Dossier: Le clonage, novembre-janvier 1999-2000.

 


التصنيف : القانون الخاص
النوع : القانون الخاص
المجلد: المجلد الأول: الإباحة والتحريم ـ البصمة الوراثية
رقم الصفحة ضمن المجلد : 221
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1062
الكل : 58492260
اليوم : 64774