logo

logo

logo

logo

logo

الاستصحاب

استصحاب

al-istishab - al-istishab

 الاستصحاب

الاستصحاب

أسامة الحموي

أولاً: تعريف الاستصحاب وحجيته:

أ- الاستصحاب في اللغة: هو طلب المصالحة، والمصاحبة بمعنى الملازمة.

ب - والاستصحاب شرعاً عند الأصوليين: هو الحكم على الشيء بالحال التي كان عليها من قبل حتى يقوم الدليل على تغير تلك الحال. أو هو: جعل الحكم الذي كان ثابتاً في الماضي باقياً في الحال والمستقبل حتى يقوم على تغيره دليل. فما ثبت في الزمن الماضي فالأصل بقاؤه في الزمن المستقبل.

فالاستصحاب إذاً هو التمسك بدليل شرعي حال وجوده، أو بدليل عقلي حال انتفاء الدليل الشرعي، وليس راجعاً إلى عدم الدليل بل إلى دليل عرف مع انتفاء وجود المغيّر أو العلم به.

فكل أمر علم وجوده ثم حصل الشك في عدمه فإنه يحكم ببقائه تطبيقاً لمبدأ الاستصحاب، فمن تيقن الوضوء وشك في الحدث حكمنا ببقاء وضوئه.

وكل أمر علمنا عدمه ثم شككنا في وجوده يحكم باستمرار العدم تطبيقاً لمبدأ الاستصحاب فالأصل براءة ذمة الإنسان من الديون والالتزامات ما لم يقم دليل على شغلها.

وتطبيقاً لمبدأ الاستصحاب يحكم ببقاء الزوجية إذا لم يوجد دليل على انتهائها، كما أن الأصل في الفتاة البكارة ولا تقبل دعوى الثيوبة إلا ببينة.

وبناء على الاستصحاب يحكم ببقاء حياة الإنسان المفقود وتصح تصرفاته حتى يقوم الدليل على وفاته.

وإذا سُئل مجتهد عن حكم عقد أو تصرف، أو عن حيوان أو نبات أو طعام أو شراب، أو أي شيء من الأعمال ولم يجد دليلاً شرعياً على حكمه فإنه يُحكم بإباحته؛ لأن الأصل في الأشياء الإباحة، وهي الحال التي خلق الله تعالى عليها الأرض، ولم يقم دليل على تغير هذه الحال. وهذا تطبيق أيضاً لمبدأ الاستصحاب.

والأصل في الأشياء الإباحة لقوله تعالى: )هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم ما فِي الأرْضِ جَمِيعاً([البقرة29]. ولقوله تعالى: )وَسَخَّرَ لَكُم ما فِي السَّمَوات وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ([الجاثية13].

ج- حجية الاستصحاب: الاستصحاب: مصدر من مصادر الشريعة الإسلامية، وهو آخر دليل يلجأ إليه المجتهد لمعرفة حكم ما عرض عليه. ولهذا قال علماء الأصول عنه إنه آخر مدار الفتوى، فلا يصح العمل به إلا بعد النظر في جميع الأدلة، فإذا لم يجد المجتهد دليلاً لجأ إلى الاستصحاب.

والاستصحاب لا يثبت حكماً جديداً، ولكن يستمر به الحكم الثابت بدليله الدال عليه كالإباحة الأصلية أو العدم الأصلي أو حكم الشرع بشيء.

والاستصحاب طريق في الاستدلال فطر الناس عليه وساروا في أحكامهم. فمن عرف إنساناً حكم بحياته وبنى تصرفاته على هذه الحياة حتى يقوم الدليل على وفاته.

والملك الثابت للإنسان لأي سبب من أسباب الملك يبقى قائماً حتى يثبت ما يزيله، والذمة المشغولة بدين تعد مشغولة به حتى يثبت ما يخليها منه. فالأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يثبت ما يغيره.

وقد ذهب أكثر العلماء إلى حجية الاستصحاب، واستدلوا على حجيته بالقرآن والسنة والإجماع.

أما من القرآن فاستدلوا بقوله تعالى: )قُل لا أَجدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإنَّهُ رِجْسٌ([الأنعام145].

ووجه الاستدلال بالآية أنها احتجت على إباحة ما سوى المذكور بالآية بعدم وجود الدليل وهو الاستصحاب.

وأما من السنة: فقد ثبت أن النبي r حكم ببقاء وضوء من تيقن الوضوء وشك بالحدث، وهو عمل بالاستصحاب.

فقد قال النبي r: «إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً».

وأما الإجماع: فهو اتفاق العلماء أن الشك في وقوع الطلاق مع سبق اليقين بوجود العقد لا يوجب حرمة الوطء والاستمتاع، والشك في وقوع عقد النكاح ووجوده يوجب حرمة الوطء والاستمتاع، وليس من فرق بين الحالتين إلا الاستصحاب.

وقد انقسم العلماء حول حجية الاستصحاب إلى فريقين: فذهب جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الاستصحاب حجة مطلقة، ويصلح للاستحقاق كما يصلح للدفع ما لم يقم دليل مانع من الاستمرار.

فالمفقود الذي غاب عن بلده ولم يعرف أثره يرث من غيره وتثبت له الوصايا استصحاباً لحياته، وتبقى حقوقه السابقة على ملكه. فجمهور العلماء يحكمون ببقاء حياته إلى أن يثبت موته؛ لأن الأصل حياته، فاستصحبت حياته حتى يظهر دليل موته، فهو يرث من غيره ولا يورث.

وذهب متأخرو علماء الحنفية إلى أن الاستصحاب حجة للدفع والنفي لا للإثبات والاستحقاق فالمفقود الذي غاب عن بلده ولم يعرف أثره لا تثبت له الحقوق كالإرث والوصية من غيره، ولكنه يحتفظ بحقوقه الثابتة له، فتبقى ملكيته على ذمته، وتبقى زوجته على عصمته، ولا توزع تركته حتى يقوم الدليل على وفاته أو يحكم القاضي بوفاته.

ثانياً: أنواع الاستصحاب:

أ- استصحاب حكم الإباحة الأصلية للأشياء التي لم يرد عن الشارع دليل بحرمتها: فالأصل في الأشياء النافعة الإباحة؛ لأن الله تعالى يقول: )خَلَقَ لَكُم ما فِي الأَرْضِ جَمِيعاً([البقرة29]، كما أن الأصل في الأشياء الضارة التحريم لقوله تعالى: )قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَة اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ([الأعراف32].

ب- استصحاب العدم الأصلي أو البراءة الأصلية في الأحكام الشرعية: مثل براءة ذمة الإنسان من الحقوق والتكاليف حتى يرد دليل على شغل ذمته، فإذا ادعى شخص ديناً على آخر، حكمنا ببراءة ذمته إذا لم يستطع إثباته بإقامة البينة ولا الدليل.

ج- استصحاب ما دل العقل والشرع على ثبوته ودوامه: كالحكم بثبوت الملك عند وجود سببه وهو الإرث أو العقد، وشغل الذمة عند ثبوت الدين حتى يثبت دليل البراءة منه، وثبوت الحل بين الزوجين بعد العقد ما لم يقم دليل على رفعه، والحكم ببقاء الوضوء بعد التوضؤ إذا شك في النقض استصحاباً للطهارة السابقة.

ثالثاً: القواعد المبنية على مبدأ الاستصحاب:

بنى العلماء على مبدأ الاستصحاب القواعد الفقهية والمبادئ الشرعية التالية:

أ- الأصل في الأشياء الإباحة: فيحكم بصحة كل عقد أو تصرف لم يرد في الشرع ما يدل على فساده أو بطلانه، ويحكم بإباحة لحم كل حيوان أو طعام أو شراب لم يرد في الشرع ما يدل على حرمته. فالأصل في الأشياء كلها الإباحة ما لم يدل الشرع على خلاف ذلك.

ب- ما ثبت باليقين لا يزول بالشك: فمن أكل آخر الليل وشك في طلوع الفجر صح صومه؛ لأن الأصل بقاء الليل، ومن تيقن الوضوء وشك في الحدث فهو متوضئ.

ج- الأصل في ذمة الإنسان البراءة: فلا يجوز شغل ذمة الإنسان إلا بدليل، ولا يعاقب الإنسان إلا بدليل يدينه.

د- الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يثبت ما يغيره: فالمفقود يحكم ببقاء حياته حتى يقوم الدليل على وفاته، فلا يورث ماله بالاتفاق.

هـ- الأصل في الصفات العارضة العدم.

و- الأصل في الأبضاع التحريم.

ز- الأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته.

مراجع للاستزادة:

-  الشوكاني، إرشاد الفحول (دار المعرفة، بيروت 1350هـ)ـ.

- السرخسي، أصول الفقه (دار المعرفة، بيروت).

- الفيومي، المصباح المنير  (المكتبة العلمية).

- عبد الوهاب خلاف، أصول الفقه، ط15 (دار القلم، الكويت).

- ابن بدران، المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل.

- السمعاني، قواطع الأدلة (دار الكتب العلمية، بيروت).

- ابن منظور، لسان العرب (دار صادر، بيروت، ط1).

- ابن الحاجب،، مختصر ابن الحاجب (مطبعة كروستان العلمية، القاهرة).

- ابن قدامة المقدسي، روضة الناظر، ط1.

- ابن نجيم، الأشباه والنظائر (دار الفكر).

- الغزالي، المستصفى (دار صادر، ط1).

- محمد الزحيلي، الوجيز في أصول الفقه الإسلامي (دار الخير).


التصنيف : العلوم الشرعية
النوع : العلوم الشرعية
المجلد: المجلد الأول: الإباحة والتحريم ـ البصمة الوراثية
رقم الصفحة ضمن المجلد : 201
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1049
الكل : 58491655
اليوم : 64169