logo

logo

logo

logo

logo

تنفيذ الالتزام (مقدمة)

تنفيذ التزام (مقدمه)

implementation of the obligation (introduction) - exécution de l'obligation (introduction)

 تنفيذ الالتزام (مقدمة)

تنفيذ الالتزام (مقدمة)

محمود جلال حمزة

 

آثار الالتزام الجامعة هي: تنفيذه، والأصل في التنفيذ أن يكون بإرادة المدين، وأن يكون عيناً؛ أي أن يقدم المدين عين ما التزم به، كتسليم البائع المبيع إلى المشتري. وهذا ما يسمى بالتنفيذ الاختياري أو الطوعي. فإن لم يتم الوفاء بإرادة المدين، فإن للدائن أن يستعين بالسلطة العامة لإجباره على الوفاء بالالتزام، وهو ما يسمى بالتنفيذ الجبري، فإن لم يستطع المدين تنفيذ التزامه عيناً؛ فللدائن أن يحصل على مبلغ من النقود تعويضاً له عن عدم التنفيذ العيني.

أولاً: التنفيذ الطوعي للالتزام (الوفاء):

تنفيذ الالتزام طوعياً: هو الوفاء بالالتزام، والوفاء بالالتزام يعني قيام المدين بالتنفيذ العيني لهذا الالتزام، سواء أكان قياماً بعمل أم امتناعاً عن عمل. فمن يقوم بالتنفيذ هو الموفي (المدين)، ومن يتلقى الوفاء هو الموفى له أو (المستوفي).

1- طرفا الوفاء: يقتضي الوفاء أن يكون له طرفان، هما: الموفي والمستوفي.

أ- الموفي: هو المدين نفسه، ويصح الوفاء من نائبه أو أي شخص له مصلحة في الوفاء، كما يصح الوفاء من غير المدين دون أن تكون له مصلحة فيه، كمن يقوم بالوفاء تفضلاً، ولو على غير علم من المدين. (المادة 322 من القانون المدني السوري).

(1) حالة كون الموفي هو المدين نفسه؛ لأن عليه يقع واجب الوفاء، وهو الأصل، فإن لم يقم به أجبر على ذلك. وقيام المدين بالوفاء بالالتزام يؤدي إلى براءة ذمته. فإذا كانت طبيعة الالتزام تقضي بأن يقوم المدين هو نفسه بالوفاء، كان عليه أن يؤديه شخصياً. ولا يجوز أن يقوم غيره به، وللدائن أن يرفض الوفاء من غير المدين به (المادة 209 من القانون المدني السوري).

وإذا كان الموفي هو المدين نفسه: يجب أن يكون كامل الأهلية، فإذا كان عديم الأهلية أو ناقصها؛ قام بالوفاء وليّه أو وصيّه أو القيّم عليه، كما يجوز لوكيل الموفي أن يقوم بالوفاء بدل موكله. إلى جانب ذلك يجب أن يكون الموفي مالكاً لما يوفي به (المادة 324/1 من القانون المدني السوري).

(2) وقد يكون الموفي شخصاً له مصلحة في الوفاء، وعلى الرغم من جهل المدين بذلك أو مخالفته له فإنه يقوم بالوفاء لتحقيق مصلحة له في ذلك، كمشتري العقار، والكفيل المتضامن، وحائز العقار المرهون، فلهؤلاء ومن على شاكلتهم أن يقوموا بالوفاء؛ لأن لهم مصلحة في ذلك. وليس للدائن أن يرفض الوفاء من أيّ منهم، حتى لو رفض المدين ذلك، فمن حقهم أن يقدموا على الوفاء. ومن واجبهم أن يفعلوا ذلك، ولا تكون لهم في هذه الحالة صفة الفضوليين.

(3) وقد يكون شخصاً أجنبياً ليست له مصلحة بالوفاء، ولكنه يُقْدم عليه تفضلاً على الرغم من إرادة المدين ودون علمه، ويكون وفاؤه مبرئاً لذمة المدين، وليس للدائن أن يرفضه ما دامت طبيعة الالتزام أو الاتفاق لا تستلزم أن يقوم المدين بالتنفيذ هو بنفسه. بيد أن للدائن أن يرفض الوفاء من الغير إذا أبلغه المدين رفضه له أو اعتراضه عليه، وقد علل بعضهم أن كرامة المدين تأبى عليه منّةً من أحد. لذلك ليس للدائن قبول ما رفضه المدين ممن ليست له مصلحة فيه ما دام قد أبلغ المدين دائنه بهذا الرفض.

ولعل من المهم معرفة أن للموفي - إن لم يكن هو المدين ذاته - أن يرجع على المدين بما دفعه - ما لم يكن متبرعاً - بدعوى شخصية أساسها الفضالة، أو بدعوى يكون أساسها الوكالة؛ إذا قبل المدين الوفاء من الغير للالتزام، أو دعوى الإثراء بلا سبب؛ إذا تم الوفاء على الرغم من معارضة المدين له.

ب- الموفّى له (المستوفي): 

(1) وجوب الوفاء للدائن أو نائبه: الحق بالاستيفاء يكون للدائن نفسه، بيد أن القانون المدني قد أجاز الاستيفاء من قبل أشخاص آخرين، كنائب الدائن أو وكيله وقت حصول الوفاء. ومن الواجب في هذه الحالة التثبت من صفة النائب، وما  هي حدود نيابته، وهل له الحق في استيفاء الديون أو لا، ويصح الوفاء لمن يقدم مخالصة صادرة عن الدائن، إلا إذا كان الاتفاق بين الدائن والمدين أن يكون الوفاء للدائن شخصياً (المادة 330 من القانون المدني السوري).

ويشترط لصحة الوفاء أن يكون الموفى له أهلاً لاستيفاء الدين، فإذا كان ناقص الأهلية؛ فلا يكون الوفاء له صحيحاً، ولا تبرأ ذمة المدين إلا إذا أجاز الدائن الوفاء. بيد أنه لو جنى ناقص الأهلية نفعاً مما استوفاه -كما لو اشترى عيناً أو رمم عقاراً له- برئت ذمة المدين بقدر ما أفاده القاصر بسبب هذا الوفاء، فإن لم يجن نفعاً؛ فلا تبرأ ذمة المدين إلا بالوفاء إلى وليّه، وإذا تم الوفاء للقاصر بشيء فهلك بين يديه؛ أو ضاع منه، فلولي القاصر أن يطالب المدين بالدين.

(2) الوفاء لمن ليس له صفة بالاستيفاء: إذا قام المدين بالوفاء لشخص ليس ذا صفة في استيفاء الدين، أي أوفى لشخص غير الدائن، فلا تبرأ ذمة المدين إلا إذا أقر الدائن الوفاء، فيصبح الموفى له وكيلاً عن الدائن، ويصبح نافذاً من تاريخ وقوع الوفاء، أو إذا كان الوفاء لشخص يحسبه المدين هو الدائن، وكان وفاؤه بحسن نية؛ عندئذٍ تبرأ ذمة المدين تجاه الدائن الظاهر، ويرجع الدائن الحقيقي على الظاهر بما استوفاه على قاعدة الإثراء بلا سبب.

(3) رفض الموفى له الوفاء: قد يتذرع الدائن بحجج شتى، فيرفض قبول الوفاء، في حين يكون للمدين مصلحة في تعجيله، من أجل ذلك فتح القانون سبيلاً يسلكه المدين ليتخلص من محاذير عدم الوفاء وليبرئ ذمته، ويتبع المسالك التالية:

q الإعذار: إذا رفض الدائن استيفاء الدين بأية حجة يتذرع بها؛ فإن للمدين أن يلجأ إلى إعذار الدائن بإنذار رسمي يسجل فيه رفض الدائن استيفاء الدين. وينجم عن الإعذار عدة نتائج:

¯ تنتقل تبعة الهلاك من عهدة المدين إلى عهدة الدائن.

¯ يتوقف سريان الفوائد التي كانت ستتعلق بذمة المدين.

¯ يحق للمدين أن يعرض الوفاء عرضاًَ رسمياً على الدائن.

¯ يصبح للمدين الحق في إيداع الشيء على نفقة الدائن والمطالبة بالتعويض.

¯ العرض: قد يكون العرض ودياً، وقد يكون حقيقياً (العرض الرسمي).

أما العرض الودي، فيكون بين الدائن والمدين دون اتباع شكل معيّن أو طريق رسمية، ولا ينجم عن هذا العرض أي أثر قانوني.

أما العرض الحقيقي - وقد فضل البعض تسميته بالعرض الرسمي؛ وهو العرض الذي يتم فيه التبليغ طبقاً للقواعد التي نص عليها قانون أصول المحاكمات في التبليغات القضائية - فإذا كان محل الوفاء شيئاً يمكن حمله وعرضه على الدائن فعلاً؛ فإن حمله إليه وعرضه عليه يعدّ عرضاً حقيقياً. أما إذا كان محل الوفاء مما لا يمكن حمله في موطن المدين؛ فيكون عرضه بمجرد الطلب من الدائن تسلّمه، وهذا يعني أن إنذار الدائن بتسلم المحل يكون بمنزلة العرض الحقيقي. ويجب أن يتم عرض الوفاء على الدائن غير مقيد بقيد أو بشرط يُنقص من قيمته، ولا تقتضيه طبيعة الالتزام، ويجوز أن يتم العرض الحقيقي في أثناء المرافعة إذا كان الدائن حاضراً، فإذا قبل الدائن العرض؛ يُسلّم إليه الموفى به (الدين)، ويلتزم بنفقات العرض.

غير أن من الممكن أن يرفض الدائن العرض، في هذه الحالة يعمد المدين إلى مرحلة الإيداع.

q الإيداع: الإيداع تختلف صوره باختلاف الأشياء، فإذا كان الدين نقوداً أودع المدين النقود صندوق المحكمة، فإذا كان محل الوفاء من الأشياء التي يجب أن تبقى في مكان وجودها؛ جاز للمدين أن يطلب من المحكمة وضعها تحت الحراسة، أو كان من الأشياء التي يتسارع إليها الفساد، أو أنها تكلف نفقات باهظة في حفظها، أتاح المشرع للمدين أن يطلب من المحكمة إذناً ببيع هذه الأشياء سواء كان ذلك بسعرها المعروف في الأسواق، أم ببيعها بالمزاد العلني (المادة 335 من القانون المدني السوري)، فإذا كان محل الوفاء عقاراً أو ما يماثله؛ فإن للمدين أن يطلب من المحكمة وضعه تحت حراسة شخص ثالث لحفظه على نفقة الدائن (المادة 334 من القانون المدني السوري).

(4) حالات خاصة يجوز للمدين فيها أن يقوم بالإيداع دون إعذار أو عرض، وهذه الحالات هي:

¯ إذا كان المدين يجهل شخصية الدائن أو موطنه.

¯ أو كان الدائن عديم الأهلية أو ناقصها؛ وليس له نائب شرعي يستوفي الحق باسمه.

¯ إذا كان الدين متنازعاً عليه بين عدة أشخاص، أو كانت هناك أسباب جدية أخرى تسوغ هذا الإجراء (المادة 336 من القانون المدني السوري).

(5) الآثار التي تترتب على العرض والإيداع: يترتب بعد العرض والإيداع الآثار التالية:

¯ إذا قبل الدائن الوفاء؛ تم الوفاء، فإذا لم يقبله فللمدين الذي قام بالعرض والإيداع أن يطلب من المحكمة أن تصدر حكماً بصحته، ويقوم هذا الحكم مقام قبول الدائن وإتمام الوفاء.

¯ للمدين أن يرجع عن العرض والإيداع قبل قبولهما، وقبل صدور حكم نهائي بصحتهما، وله أن يسترد محل الوفاء الذي قام بعرضه، ويكون العرض كأن لم يكن، فلا تبرأ ذمة المدين ولا ذمة شركائه، ويبقى الضامنون ملزمين بالضمان (المادة 338 من القانون المدني السوري)، فإذا قبل الدائن الإيداع، وصدر حكم نهائي بصحته، فيصبح الإيداع لازماً على المدين لا يمكنه الرجوع عنه واسترداده دون رضاء الدائن. فإذا رضي الدائن برجوع المدين عن عرضه، لم يعد للدائن الحق بالتمسك بالتأمينات التي كانت ضامنة للدين، وتبرأ ذمة الشركاء في الدين دون ذمة المدين نفسه، وتبرأ ذمة الضامنين براءة مستندة إلى يوم العرض (المادة 338/2 من القانون المدني السوري). ويتحمل الدائن نفقات العرض والإيداع إذا كان قد رفض العرض الودي، أما إذا لجأ المدين إلى العرض الحقيقي مباشرة دون أن يسبقه عرض ودي، فإن الدائن لا يتحمل أي نفقات إذا قبل العرض الحقيقي.

2- محل الوفاء وزمان الوفاء به، ومكانه ونفقاته:

أ- محل الوفاء: محل الوفاء هو الموفى به، أو الشيء المستحق على المدين وملحقاته التي يجب الوفاء بها. وقد يكون محل الوفاء عملاً أو امتناعاً عن عمل، يجب الوفاء به على النحو المتفق عليه.

وقد يكون محل الوفاء مما يتعين بالتعيين أو مما لا يتعين بالتعيين، فإذا كان معيّناً بالتعيين، أي كانت ديون المدين معيّنة بالوصف والكمية والنوع؛ وجب دفع المعيّن المتفق عليه تماماً، فإذا كان من النقود؛ وجب على المدين تسليم النقود المتفق عليها، ولا يجبر الدائن على قبول أي شيء غير النقود «كالشيك» مثلاً، إلا النقود بعينها ولو كانت الأشياء ذات قيمة أكبر. وإذا كان الوفاء شيئاً معيّناً بالذات؛ فإن الوفاء لا يتم إلا بتسليم الشيء المعيّن بالذات، فإذا لم يكن محل الوفاء معيّناً بالتعيين، أي معيّناً بنوعه، ولم تكن جودته معينة بالاتفاق؛ جاز للمدين أن يدفع مثله ولو كان من صنف متوسط الجودة، وإذا كان محل الالتزام قياماً بعمل وجب على المدين أن يقوم به على الوجه المتفق عليه، وإذا كان امتناعاً عن عمل وجب على المدين الامتناع عن القيام به، فإن أتاه أصبح التنفيذ مستحيلاً، كالطبيب الذي يفشي أسرار مرضاه، وللدائن أن يرجع على المدين بقواعد المسؤولية التقصيرية، والتعويض عن الضرر الذي أصابه.

(1) الوفاء الجزئي: القاعدة - هي ما نصت عليها المادة (340 من القانون المدني السوري) - أنه ليس للمدين أن يجبر الدائن على قبول الوفاء الجزئي لدينه، ما لم يوجد اتفاق أو نص بغير ذلك. بيد أن هذه القاعدة ليست من النظام العام، فيجوز للدائن أن يتمسك بها، أو يتفق مع المدين على خلافها؛ لأنها في الأصل مقررة لمصلحة الدائن. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن الوفاء الجزئي لا يتم إلا إذا كان محل الوفاء قابلاً للتجزئة، فإن لم يكن كذلك فلا مجال للوفاء الجزئي.

(2)- الاستثناءات: إن بعض الاستثناءات ترد على هذه القاعدة في حالات متعددة، يجوز فيها تجزئة الوفاء، هي:

¯ إذا كان الدين متنازعاً في جزء منه، وأقر المدين بالجزء الآخر، وأراد الدائن استيفاء هذا الجزء، فليس للمدين أن يمتنع عن ذلك (المادة 340/2 من القانون المدني السوري).

¯ ويكون الوفاء جزئياً في المقاصة إذا كان أحد الدينين أكبر من الآخر، فتقع المقاصة في الأصغر منهما (المادة 363 من القانون المدني السوري).

¯ ويتم الوفاء جزئياً إذا قرر القاضي تقسيط الدين إذا كان المدين معسراً (المادة 344 من القانون المدني السوري).

ب- زمان وفاء الدين ومكانه ونفقاته:

(1) زمان وفاء الدين: الأصل في الوفاء أن يتم بمجرد ترتيب الالتزام بصورة نهائية في ذمة المدين، كما أن للقاضي أن يمنح المدين آجالاً يفي فيها الدين، أو يأذن له في الوفاء على أقساط، أو في ميعاد معيّن، وهو ما يعرف (بنظرة الميسرة)، لكن القاضي لا يمنح نظرة الميسرة إلا إذا توافرت شروطها، وهي:

¯ أن تستدعي حالة المدين هذا التأجيل في الوفاء.

¯ ألاّ يوقع تأجيل الوفاء ضرراً جسيماً بالدائن، فإن كان التأجيل مضراً بالدائن ضرراً جسيماً؛ فلا مسوغ لإغاثة المدين على حساب الدائن.

¯ إذا لم يمنع القانون نظرة الميسرة بنص خاص، فإذا منع القانون منح المدين أجلاً للوفاء، فلا تستطيع المحكمة منحه من تلقاء ذاتها.

¯ أن يكون الأجل الممنوح من المحكمة أجلاً معتدلاً يتمكن المدين من خلاله الوفاء بالتزاماته (المادة 344 من القانون المدني السوري).

(2) مكان الوفاء: يختلف مكان الوفاء باختلاف محل الالتزام:

¯ إذا كان محل الالتزام شيئاً معيّناً بالذات، وجب تسليمه في المكان الذي كان فيه وقت نشوء الالتزام، ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك.

¯ أما إذا كان محل الالتزام شيئاً معيّناً بالنوع، فيكون الوفاء في المكان الذي يوجد فيه موطن المدين وقت الوفاء.

¯ أما إذا كان محل الوفاء أعمالاً أخرى؛ فإن مكان الوفاء هو المكان الذي يوجد فيه موطن المدين وقت الوفاء، أو المكان الذي يوجد فيه مركز أعماله؛ إذا كانت الالتزامات التي يجب الوفاء بها تتعلق بهذه الأعمال تيسيراً على المدين (المادة 345 من القانون المدني السوري).

(3) نفقات الوفاء: نفقات الوفاء تكون على المدين (المادة 346 من القانون المدني السوري)، إلا إذا وجد اتفاق بغير ذلك، فإذا اتفق الطرفان أن تكون نفقات الوفاء على الدائن؛ فإن اتفاقهما يكون صحيحاً، وإلا فإن النفقات تكون على عاتق المدين، والنفقات التي يستلزمها الوفاء عديدة، كنفقات الشحن إلى مكان الوفاء ووزن محل الالتزام أو كيله أو تعداده.

ج- إثبات الوفاء: على من قام بالوفاء أن يحصل على ما يثبت وفاءه للدائن (المادة 347 من القانون المدني السوري)، ولمن قام بوفاء جزء من الدين أن يطلب مخالصة بما وفّاه مع التأشير على سند الدين بحصول هذا الوفاء. فإذا قام بالوفاء بالدين كله؛ فعليه أن يطلب من الدائن استرداد سند الدين أو أن يطلب منه إلغاء السند، فإذا رفض الدائن إعادة السند إلى المدين، أو ادعى الدائن ضياع السند؛ فللمدين أن يطلب من الدائن أن يقر كتابة بضياع السند، فإذا رفض الدائن إجابة المدين إلى ما يطلبه منه، فللمدين أن يلجأ إلى الإيداع القضائي، فيودع الشيء المستحق لدى القضاء (المادة 347/2 من القانون المدني السوري).

ثانياً: التنفيذ الجبري للالتزام

إذا لم يقم المدين بتنفيذ الالتزام عيناً وطوعياً؛ أجبر على تنفيذه قهراً (المادة 200/1 من القانون المدني السوري)، فإذا كان الالتزام طبيعياً فلا جبر عليه (المادة 200/2 من القانون المدني السوري).

والالتزام الطبيعي هو الالتزام الذي فقد حماية القانون، وبالتالي فإن الدائن به لا يستطيع تنفيذه جبراً على المدين به، بل يكون المدين حراً في الوفاء به أو عدم الوفاء، وينقلب الالتزام الطبيعي التزاماً مدنياً  متى اعترف المدين به  (المادة 302 من القانون المدني السوري)، وأبدى استعداده للوفاء به. فإذا قام بالوفاء فعلاً يكون قد أوفى ما بذمته، ولا يكون متبرعاً، أو موفياً لما لا يجب (المادة 202 من القانون المدني السوري).

1- الإعذار: إذا امتنع المدين عن تنفيذ التزامه طوعاً؛ يلجأ الدائن إلى تنفيذه جبراً. بيد أن على الدائن قبل أن يباشر التنفيذ الجبري أن يعذر المدين بأن يطالبه رسمياً بالتنفيذ، وتسمى هذه المطالبة بالإعذار، ويكون الإعذار بعدة وسائل، (المادة 220 من القانون المدني السوري) إما بإنذار يوجه إلى المدين بواسطة كاتب العدل يطلب فيه الدائن من مدينه أن يؤدي ما بذمته، أي أن يبادر إلى الوفاء بالتزامه في ميعاد محدد وأن يحمله تبعة التأخير؛ وإما برسالة بريدية مسجلة تتضمن المعلومات ذاتها التي يتضمنها الإنذار العدلي، أو أية وسيلة تقوم مقام الإعذار، وتؤدي الغاية المطلوبة.

والإعذار لا يتعلق بالنظام العام، فيجوز الاتفاق بين الدائن والمدين مقدماً على الإعفاء منه، ويكون ذلك صراحة أو ضمناً، بل يكون المدين معذراً عند حلول الأجل دون حاجة إلى إعذار، حيث يعتبر المدين معذراً مسبّقاً (المادة 220 من القانون المدني السوري):

أ- حالات لا ضرورة فيها لإعذار المدين: لا ضرورة لإعذار المدين في الحالات التالية (المادة 221 من القانون المدني السوري):

¯ إذا كان تنفيذ الالتزام غير ممكن أو غير مجدٍ بفعل المدين، فلا يكون للمطالبة أي جدوى في هذه الحالة.

¯ إذا كان محل الالتزام تعويضاً ترتب على عمل غير مشروع.

¯ إذا صرح المدين كتابة أنه لا يريد تنفيذ الالتزام، فالمدين بهذا التصريح الكتابي يؤكد إصراره على الإخلال بالالتزام، وفي هذه الحالة لا فائدة ترجى من المطالبة بواسطة الإعذار.

¯ إذا كان محل الالتزام شيئاً مسروقاً يجب رده -ويعلم المدين أنه كذلك- أو رد شيء تسلمه المدين دون حق وهو سيئ النية.

ب- ضرورة إعذار المدين والتزام الدائن بالنفقات: إنذار المدين قبل القيام بالتنفيذ الجبري أمر ضروري، فإذا طالب الدائن المدين أمام القضاء بالتنفيذ قبل أن يعذره، ثم جاء المدين وعرض الوفاء؛ عدّ الدائن متعجلاً في رفع الدعوى، والتزم بالمصاريف؛ لأن إعذار المدين أمر لا بد منه قبل المطالبة القضائية بالتنفيذ، وتقاعس الدائن عن ذلك يعني أنه راضٍ عن تأخر المدين عن الوفاء، فلا يجوز له - والحالة هذه - أن يكبده مصاريف كان بغنىً عنها لو أعذره، فما دام لم يفعل فيجب أن يتحمل سوء تدبيره، وتلزمه مصاريف الدعوى.

بيد أن هناك حالات تقضي طبيعة سير الأمور باعتبار المدين معذراً، كما لو أحاطت المدين ظروف يستحيل فيها الإعذار، عندئذٍ يرفع عن الدائن واجب الإعذار، ويعدّ المدين معذراً كما في عقد نقل الركاب إذا تهاون أمين النقل، وتسبب في تأخير وصول الركاب إلى جهة الوصول عن الموعد المحدد المتفق عليه، فإن وجود المنقول في عربة النقل؛ يجعل من المستحيل عليه أن يوجه الإعذار إلى الناقل، لذلك يعدّ متعهد النقل معذراً مسبّقاً. أو كالحالة التي يصرح فيها المدين بأنه منتبه إلى موعد الوفاء، وأنه سيقوم بذلك دونما تأخير، مع العلم بأن تقاعسه عن الوفاء سيؤدي إلى الإضرار بالدائن، فهذا التصريح يتضمن اعترافاً من المدين بعلمه بما كان يجب إعلامه به عن طريق الإعذار، فلا يكون للإعذار في هذه الحالة محل.

ويترتب على الإعذار النتائج التالية:

¦ إلزام المدين بالمصروفات جراء المطالبة القضائية.

¦ إلزام المدين بالتعويض عن التأخر في التنفيذ منذ أصبح معذراً.

¦ يتحمل المدين تبعة هلاك محل الالتزام بعد إعذار الدائن له؛ لأنه يعدّ مقصراً.

2- كيفية التنفيذ العيني الجبري: يتم التنفيذ العيني الجبري بكيفية تختلف باختلاف محل الالتزام، فقد يكون إنشاء حق عيني أو نقله، أو يكون عملاً أو امتناعاً عن عمل.

أ- التنفيذ العيني الجبري محله نقل حق عيني: قد يرد التنفيذ على منقول معيّن بالذات، أو يكون منقولاً معيّناً بالنوع، أو يرد على عقار.

فإذا كان محل الالتزام شيئاً معيّناً بالذات؛ فإن الالتزام ينتقل تلقائياً فور نشوء الالتزام وبقوة القانون، فإذا كان محل الالتزام شيئاً معيّناً بالنوع؛ فإن انتقال ملكية الشيء لا تكون إلاّ بإفرازه بالقدر المطلوب من ذلك الشيء، و يميزه في هذه الحالة من كل ما سواه، فيصبح شيئاً معيّناً بالذات، وإذا لم يقم المدين بذلك، أمر القاضي بإفرازه بواسطة الموظف التنفيذي.

أما إذا كان محل الالتزام عقاراً فلا ينتقل الحق العيني فيما بين المتعاقدين إلا بالتسجيل في السجل العقاري، وتوقيع المدين بنقل الحق أمام موظف التسجيل. فإذا لم يقم المدين بذلك فإن حكم القاضي يقوم مقام التنفيذ (المادة 211 من القانون المدني السوري).

ب- التنفيذ الجبري محله القيام بعمل: محل الالتزام قد يكون التزاماً بعمل أو يكون التزاماً بامتناع عن عمل، فإذا كان محل الالتزام هو القيام بعمل فالتنفيذ الجبري يكون بإجبار المدين على القيام بالعمل. وقد يهدف القيام بعمل إلى إحراز نتيجة معيّنة، ويسمى التزاماً بتحقيق غاية. فعندئذٍ لا يكون المدين قد نفذ التزامه إلا إذا تحققت تلك الغاية، وقد يكون الهدف من العمل هو بذل عناية، فالأعمال المطلوب تحقيقها من المدين هي: بذل هذه العناية دون أن يرجى منه تحقيق غاية بذاتها (المادة212 من القانون المدني السوري).

وقد يكون محل التزام المدين هو القيام بعمل ما لمصلحة الدائن، وهناك في هذا الصدد الفروض الآتية:

¯ إما أن يكون قيام المدين بالعمل ممكناً دون تدخل شخصي منه.

¯ وإما أن يكون العمل مما لا يمكن القيام به إلا بتدخل شخصي من المدين نفسه.

¯ وقد يقوم حكم المحكمة مقام التنفيذ إذا كانت طبيعة العمل تسمح بذلك.

فإذا كان قيام المدين بعمل دون تدخل شخصي منه ممكناً، يكون المدين قد قام بالوفاء إذا قام بالوفاء به بنفسه، أو قام به غيره، وعلى الدائن أن يقبل الوفاء من أي شخص آخر تقدم للوفاء ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك.

وإذا كان العمل المطلوب من المدين القيام به، أن يقوم به بنفسه وبتدخل شخصي منه؛ فإن للدائن أن يرفض الوفاء من غير المدين (المادة 209 من القانون المدني السوري).

فإذا لم يقم المدين بتنفيذ العمل المنوط به أجاز المشرع للدائن في هذه الحالة أن يطلب ترخيصاً من القضاء بالقيام بهذا العمل على نفقة المدين إذا كان التنفيذ ممكناً (المادة 210 من القانون المدني السوري). ففي حالة الاستعجال أجاز المشرع للدائن أن يقوم بتنفيذ الالتزام دون الحصول على ترخيص القضاء (المادة 210/2 من القانون المدني السوري).

بقي أن نشير إلى أن المدين قد يمتنع عن تنفيذ العمل الذي أنيط به تنفيذه، فإن للدائن أن يستصدر حكماً من القضاء، يقوم هذا الحكم مقام التنفيذ إذا سمحت طبيعة الالتزام بذلك، فلو امتنع بائع العقار عن تسجيل العقار في دائرة السجل العقاري؛ فإن للمشتري أن يلجأ إلى القضاء يطلب استصدار حكم يقضي بصحة البيع ونفاذه. ويقوم تسجيل الحكم الصادر عن القضاء مقام تسجيل العقد، ويكون حكم القاضي هنا قد قام مقام تنفيذ الالتزام (المادة 211 من القانون المدني السوري)، وفي كل حال؛ يبقى المدين مسؤولاً عما يأتيه من غش أو خطأ جسيم (المادة 212/2 من القانون المدني السوري).

ج- التنفيذ الجبري محله امتناعٌ عن عمل: إذا كان محل الالتزام هو الامتناع عن عمل، وأخل المدين بما التزم به، فقام بالعمل، ترتب على عاتقه واجب التعويض عن كل ما ينتج عن هذا الإخلال من ضرر. وللمدين إلى جانب ذلك أن يطلب من القضاء الحكم بالإزالة على نفقة المدين إذا لم يقم المدين ذاته برفع المخالفة وإزالتها (المادة 212 من القانون المدني السوري).

بيد أن إزالة المخالفة ممكنة لو كان الالتزام بامتناع عن عمل منصباً على ما يمكن فيه إزالة المخالفة؛ أي أن طبيعة المخالفة تسمح بذلك، كهدم جدار أو إغلاق محل تجاري، فإذا كانت الإزالة توقع المدين في إرهاق شديد جاز للمحكمة أن ترفضها، وتحكم بالتعويض بدلاً عنها، فإذا كان ذلك يلحق بالدائن ضرراً جسيماً، يصدر حكم القاضي بالإزالة لأن التنفيذ العيني هو الأصل. أما إذا كانت طبيعة المخالفة لا تسمح بذلك -كما لو أفشى المحامي سر موكله- ففي هذه الحالة لا يبقى أمام الدائن سوى المطالبة بالتنفيذ بطريق التعويض.

د- التهديد المالي أو الغرامة التهديدية: يقصد بالتهديد المالي الحكم على المدين بالتنفيذ العيني إلى جانب دفع مبلغ من المال عن كل يوم أو فترة زمنية يتأخر فيها عن تنفيذ التزامه، فيذعن المدين تحت هذا التهديد، ويقوم بالتنفيذ العيني، وقد سمي دفع هذا المبلغ بالغرامة التهديدية أو التهديد المالي (المادة 314/1 من القانون المدني السوري). وإذا لم يذعن المدين لهذا التهديد ممعناً في عدم الوفاء؛ فللمحكمة بناء على طلب الدائن أن تزيد بالغرامة إلى القدر الذي تراه كافياً لإرغام المدين على الوفاء (المادة 214/2 من القانون المدني السوري)، وكلما وجدت داعياً لذلك.

غير أن الغرامة التهديدية ليست إلا تدبيراً مؤقتاً، ليس من الممكن أن يستمر إلى ما شاء الله، بل ينتهي إما بانصياع المدين فيقوم بالتنفيذ العيني، وإما أن يصر المدين على عدم الوفاء، فيصبح التنفيذ العيني مستحيلاً، فلا يغدو أمام الدائن إلا اللجوء إلى التنفيذ بطريق التعويض، عندئذً تقوم المحكمة بتصفية الغرامة التهديدية وتحديد مبلغ التعويض مراعية في ذلك الضرر الذي أصاب الدائن والعنت الذي بدا من المدين (المادة 215 من القانون المدني السوري)، ولعل من الضروري أن نذكر أن الغرامة التهديدية أسلوب لا يُلجأ إليه إذا كان التنفيذ العيني للالتزام ممكناً، وأن الغرامة التهديدية ليست تعويضاً عن الأضرار التي لحقت بالدائن، بل هي جزاء نقدي للمدين بسبب إمعانه في تحدي السلطة القضائية، لذلك فإن هذه الغرامة تتناسب مع عناد المدين وإصراره على عدم الوفاء. فإذا امتثل المدين وقام بتنفيذ الالتزام؛ تحول مبلغ التهديد المالي إلى تعويض يناله الدائن، ويعفى المدين من دفع تعويض إضافي إلى الدائن.

ثالثاً: التنفيذ بطريق التعويض

إذا تعذر على الدائن أن يستوفي حقه عيناً لجأ إلى التنفيذ بطريق التعويض.

1- حالات يستحق فيها التنفيذ بطريق التعويض: باستعراض المادة (216 من القانون المدني السوري) يتضح أن الحالات التي يستحق فيها التنفيذ بطريق التعويض حالتان، هما:

أ- استحالة التنفيذ العيني: استحالة التنفيذ قد تكون استحالة حقيقية، وقد تكون استحالة اعتبارية. فالاستحالة الحقيقية تتحقق عندما يكون المدين ملزماً بتسليم عين معيّنة بالذات، فتهلك لديه بفعله أو بفعل من هو مسؤول عنه، فيصبح تسليمها مستحيلاً، أو أن ينقضي الميعاد الذي يجب أن يتم فيه عمل تعهد المدين القيام به، فأصبح العمل المطلوب القيام به غير مجدٍ بعد انقضاء ذلك الميعاد. أما الاستحالة الاعتبارية فتتحقق عندما لا يقوم المدين بالتنفيذ العيني مع بقاء التنفيذ العيني ممكناً لو أراد المدين ذلك، وسواء كان إجباره غير ممكن أم غير مجدٍ؛ لأن جبره على القيام بالتنفيذ يُلحق به إرهاقاً كبيراً. ففي هذه الحالات يصبح التنفيذ العيني ضرباً من المستحيل، ويصبح التنفيذ بطريق التعويض أمراً لا مفر منه إذا توافرت شروطه، أي أن يثبت أن استحالة التنفيذ كانت ناشئة عن سبب أجنبي لا يد له فيه.

ب- تأخر المدين عن التنفيذ العيني: إذا لم يكن للتنفيذ العيني موعد محدد صراحة أو دلالة، فلا يكون المدين متأخراً عن التنفيذ مهما طال الزمن، وله أن ينفذ ما التزم به عيناً ما دامت الظروف تسمح بذلك، وللدائن أن يطالب بالتعويض عن الأضرار التي لحقت به إذا كان التأخير عن التنفيذ قد تجاوز الحد المعتاد. ولا يجبر المدين على التنفيذ بطريق التعويض؛ إذا فضّل أن يقوم بالتنفيذ العيني، وإذا عرض المدين على الدائن التنفيذ بطريق التعويض ولم يعترض المدين؛ كان على القاضي أن يحكم به؛ لأن الدائن والمدين لم يتمسك أي منهما بالتنفيذ العيني، فإذا لم يطالب الدائن بالتنفيذ العيني ولم يتقدم به المدين؛ فللقاضي أن يحكم بالتنفيذ بطريق التعويض لأنه يعتبر وليد اتفاق ضمني بين الدائن والمدين. أما إذا كان تأخر المدين عن تنفيذ التزامه لا يجعله عديم الجدوى، لكنه يوقع ضرراً بالدائن؛ فللدائن أن يطالب المدين بالتعويض عن الأضرار التي لحقت به جراء التأخر، ويجوز للقاضي أن ينقص من التعويض أو أن لا يحكم به، إذا شارك خطأ المدين في وقوع الضرر (المادة 217 من القانون المدني السوري).

2- الشروط التي يجب توافرها لاستحقاق التنفيذ بطريق التعويض: لكي يستحق الدائن التعويض لابد من توافر الشروط الآتية:

أ- إعذار المدين.

ب- عدم وفاء المدين بالالتزام أو التأخر فيه (الخطأ العقدي).

ج- إصابة الدائن بضرر من جراء عدم التنفيذ أو التأخر فيه (الضرر).

د- تحقق علاقة السببية بين الخطأ العقدي والضرر.

3- التعويض عن الأضرار التي لحقت بالدائن من جراء امتناع المدين عن التنفيذ أو التأخر في تنفيذه: التعويض المقصود هو التعويض الذي تكون وظيفته جبر الضرر الذي أصاب الدائن جراء عدم التنفيذ أو التأخر فيه، فالدائن الذي فاتته مصلحة من جراء عدم التنفيذ بسبب خطأ المدين؛ يجب أن يحسب له تعويض معادل للضرر، ويتولى القضاء هذا التقدير. ويقسم التعويض إلى أنواع ثلاثة هي: التعويض القضائي، التعويض القانوني، التعويض الاتفاقي.

q التعويض القضائي: هو التعويض الذي تقوم المحكمة بتقديره إذا لم يكن مقدراً في العقد، أو بنص القانون، ويشمل التعويض القضائي ما فات الدائن من كسب، وما أصابه من خسارة، وقد يكون التعويض عيناً أو مقداراً من النقود، وهو الغالب. فالتعويض العيني يرتكز أساساً على إعادة الحال إلى ما كانت عليه كلما كان ذلك ممكناً.

(1) مشتملات التعويض: يشمل التعويض الضرر المادي والضرر الأدبي، فالضرر المادي هو كل ضرر يصيب الإنسان في جسمه أو ماله، أي إنه إخلال بمصلحة مشروعة للمضرور ذات قيمة مالية. ويقصد بالضرر الأدبي: كل ما يمس المرء في شرفه أو سمعته أو حريته الشخصية أو وضعه الاجتماعي ونحو ذلك ( المادة 222/2 من القانون المدني السوري). ويشمل التعويض: ما نصت عليه المادة (222 من القانون المدني السوري) أي يشمل ما فات المضرور من كسب، وما أصابه من خسارة. ويأخذ القاضي في الحسبان عند تقدير التعويض قيمة الضرر حين صدور الحكم، وليس عند وقوعه؛ لأن الضرر قد يتبدل ويتفاقم خلال الفترة بين وقوع الضرر وبين الحكم به، الأمر الذي يلزم القاضي بإصدار حكم بالتعويض آخذاً في الحسبان قيمة الضرر عند صدور الحكم، وعلى هذا استقر الفقه والقضاء.

(2) الاتفاق على تشديد المسؤولية أو تخفيفها أو الإعفاء منها: للدائن والمدين أن يتفقا على تشديد المسؤولية كأن يتفقا على أن يتحمل المدين جميع الأضرار التي تصيب الدائن ولو كانت ناشئة عن القوة القاهرة، ولهما أن يتفقا على التخفيف من المسؤولية أو الإعفاء منها كلياً (المادة 218/1 من القانون المدني السوري) إلا ما ينشأ عن غش المدين أو خطأ جسيم وقع به، إلا أن للمدين أن يتفق مع الدائن أن يعفى من المسؤولية إذا صدر غش أو خطأ جسيم ممن يستخدمهم في تنفيذ الالتزام (المادة 218/2 من القانون المدني السوري). ويشترط لاستحقاق التعويض: أن يكون الضرر الذي أصاب الدائن نتيجة مباشرة ومتوقعة لعدم التنفيذ أو التأخر فيه.

ولا يشمل التعويض الضرر غير المباشر ولو كان المدين سيئ النية. والضرر المباشر هو الضرر الذي لا يمكن للمدين توقيه ببذل جهد معقول، أما الأضرار المرتدة، فهي الأضرار غير المباشرة التي لا يسأل عنها المدين، ولا يسأل عن التعويض عنها إلا إذا كان الضرر الذي حصل نتيجة غش المدين أو خطأ جسيم منه، عندئذٍ يكون المدين مسؤولاً عن الضرر المباشر المتوقع وغير المتوقع.

q التعويض القانوني (فوائد التأخير): قد يكون محل الالتزام دفع مبلغ من النقود، فإذا لم يقم المدين بالتنفيذ العيني -أي بالوفاء بالدين- فليس له أن يطالب بالتنفيذ بطريق التعويض؛ إذ لا محل لذلك في هذا المجال، بل للدائن أن يطالب بالتعويض عن التأخر في التنفيذ، وهو ما يسمى «بفوائد التأخير»، وقد حدد القانون سعر الفائدة، ووضع لها حدوداً يجب عدم تجاوزها، فقدرها أربعة في المئة من مبلغ الالتزام الأصلي سنوياً في المسائل المدنية، وخمسة بالمئة في المسائل التجارية كحد أدنى، غير أن القانون أباح للدائن والمدين أن يتفقا على نسبة أخرى للفائدة شريطة ألا تتجاوز تسعة في المائة من مبلغ الالتزام الأصلي (المادة 228/1 من القانون المدني السوري)، وتبطل كل زيادة عن هذا المقدار، وكل زيادة تقبض تكون واجبة الرد. وهي قاعدة من النظام العام لا يجوز مخالفتها (المادة 228/2 من القانون المدني السوري).

(1) شرائط استحقاق فوائد التأخير: ويشترط لاستحقاق فوائد التأخير الشروط الآتية:

¯ أن يكون مبلغ الالتزام النقدي معلوماً وقت المطالبة (المادة 227 من القانون المدني السوري).

¯ الإعذار.

¯ المطالبة القضائية بالفوائد (المادة 227 من القانون المدني السوري).

ولاستحقاق فوائد التأخير لا يلزم الدائن بأن يثبت الضرر الذي أصابه، بل الضرر مفترض افتراضاً لا يقبل الإدحاض (المادة 229 من القانون المدني السوري). كما يجب أن يكون الدين النقدي المطالب به معلوماً بمقداره، ويخرج من ذلك الدين الذي لا يعرف مقداره؛ إلا إذا حدد القضاء مقداره فيستحق فوائد التأخير آنئذٍ، وهذا يعني أن فوائد التأخير لا تُستحق قبل تحديد الالتزامات النقدية، بل تستحق بعد تحديد الالتزامات رضائياً أو قضائياً.

ثم إن فوائد التأخير لا تستحق بالمطالبة القضائية بالالتزام الأصلي، بل يجب أن تتضمن دعوى المطالبة بالالتزام المطالبة أيضاً بفوائد التأخير؛ لأن هذه الفوائد لا تسري على الدَّين إلا من تاريخ الادعاء به، بيد أن لهذه القاعدة استثناءات تستنتج من المادة (227)، أهمها: إذا وجد اتفاق بين الدائن والمدين على سريان فوائد التأخير من أي وقت غير وقت المطالبة القضائية؛ سرت فوائد التأخير طبقاً لاتفاقهما ومن التاريخ المتفق عليه؛ لأن قاعدة عدم استحقاق فوائد التأخير إلا من تاريخ رفع الدعوى قاعدة لا تتعلق بالنظام العام، ويجوز الاتفاق على خلافها، وهنا تجب الإشارة إلى أن الدائن قد يتفق مع مدينه على فائدة مستترة زائدة على الفائدة الحقيقية، ففي هذه الحالة تضاف الفائدة المستترة إلى الفائدة الصريحة بحيث لا يزيد مجموعها على الحد الأقصى للفائدة القانونية (المادة 228/2 من القانون المدني السوري).

(2) حالات يجوز للقاضي فيها خفض فوائد التأخير أو زيادتها: للقاضي زيادة فوائد التأخير إذا أثبت الدائن أن تأخر المدين في الوفاء أصابه بأضرار، وأن سبب هذه الأضرار جاء من طرف المدين، أي إن المدين هو الذي تسبب في تفاقمها بسوء نية، ففي هذه الحالة للدائن أن يطلب تعويضاً تكميلياً يضاف إلى الفوائد القانونية (المادتان 231، 232 من القانون المدني السوري) ويقدر بمبلغ محدد أو فوائد إضافية.

وللقاضي أن يخفض فوائد التأخير أو ألا يحكم بها إطلاقاً، سواء كانت قانونية أو اتفاقية، إذا تسبب الدائن - بسوء نية - إطالة أمد النزاع بينه وبين المدين، كما لو أنكر الدائن توقيعه على المخالصة التي يعتمد عليها المدين أو طعن فيها بالتزوير أو أي أسباب أخرى (المادة 230 من القانون المدني السوري)، وسوء نية الدائن يقع إثباته على المدين، ويكون ذلك بإثبات أن الدائن تعمّد إطالة أمد النزاع بغية تضخيم مبلغ الفائدة، أو أنه يدعي ادعاءات كيدية كالتزوير أو رد القضاة، هذا ولا يجوز للدائن أن يتقاضى فوائد تفوق بمجموعها رأس المال، أي الدين المترتب في ذمة المدين، وهو حكم لا تجوز مخالفته لأنه من النظام العام، إلا إذا كانت القواعد والأعراف التجارية تسمح بغير ذلك (المادة 233 من القانون المدني السوري).

- حالة يجوز فيها إسقاط الفائدة: حالة البيع بالمزاد العلني، فقد أوجب القانون -بمجرد الإحالة القطعية في المزاد العلني- وقف فوائد التأخير التي يستحقها الدائنون عمّا لهم من دين عند الوفاء بديونهم؛ لأن إجراءات التوزيع تستغرق مدة طويلة لا دخل للمدين في إطالتها، فليس من المنطق أن تظل فوائد التأخير سارية فيما لا يد له فيه (المادة 231 من القانون المدني السوري) إلا ما استثنته الفقرة الأخيرة من المادة الآنفة الذكر.

q التعويض الاتفاقي: (الشرط الجزائي): قد يتفق الدائن والمدين على تقدير التعويض مسبّقاً، وتحديده عند إبرام العقد أو بعد إبرامه في اتفاق لاحق (المادة 224 من القانون المدني السوري)، ويغلب أن يكون من النقود، ويسمى التعويض الاتفاقي أو الشرط الجزائي.

فالشرط الجزائي: هو تقدير جزافي اتفاقي للتعويض إذا تحقق سببه، وهو الإخلال بالتنفيذ، أو هو تقدير للتعويض باتفاق سابق قبل تحقق سبب استحقاقه. ويحصل التقدير قبل وقوع الضرر سواء كان الضرر ناشئاً عن عدم التنفيذ أم عن التأخير فيه، وقد يتفق الطرفان على الشرط الجزائي عند إبرام العقد، وقد يتفقان عليه في اتفاق لاحق شريطة ألاّ يكون هذا الاتفاق حاصلاً بعد إخلال أحد المتعاقدين بالتزامه ووقوع الضرر.

(1) خصائص الشرط الجزائي: للشرط الجزائي الخصائص الآتية:

¯ الشرط الجزائي: اتفاق عقدي، فتسري عليه أحكام العقد عامة بما فيها البطلان والإبطال.

¯ الشرط الجزائي التزام تابع لالتزام أصلي، ويرتبط به وجوداً وعدماً وسقوطاً، فإذا بطل الالتزام الأصلي بطل معه الشرط الجزائي، أما إذا بطل الشرط الجزائي فإن الالتزام الأصلي يظل قائماً، فبطلان الشرط الجزائي لا يؤثر في وجود الالتزام الأصلي.

¯ في الشرط الجزائي خروج على القواعد العامة في تقدير التعويض؛ لأنه في واقع الأمر تقدير للتعويض قبل وقوع الضرر، فهو تقدير جزافي يتفق عليه طرفا العقد، فيخرج بذلك عن حكم التقدير، وتعدّ نصوصه بمنزلة نصوص استثنائية يجب تفسيرها بكل دقة ودون توسع.

¯ الشرط الجزائي التزام احتياطي لأنه تعويض، والتعويض سبيل احتياطي يفرض عند عدم التنفيذ، فلا يطالب به إلا عند استحالة التنفيذ العيني بخطأ من جانب المدين.

وعليه، فإن الشرط الجزائي لا يجتمع مع التنفيذ العيني ولا مع التعويض إلا إذا كان مشروطاً باعتباره تعويضاً عن التأخر في تنفيذ الالتزام.

(2) شروط تطبيق الشرط الجزائي: إن إلزام المدين بدفع المبلغ المتفق عليه في الشرط الجزائي إذا تحققت أسباب استحقاقه؛ يتطلب الشروط الآتية: (المادة 224 من القانون المدني السوري)، مع مراعاة المادتين (216 و221 من القانون المدني السوري):

¯ عدم وفاء المدين بتنفيذ التزامه أو تعذر على الدائن حصول التنفيذ العيني الجبري.

¯ إعذار المدين وفقاً للشروط المبينة لذلك سابقاً.

¯ إصابة الدائن بضرر من جراء عدم التنفيذ أو الإخلال به.

¯ وجود علاقة سببية بين إخلال المدين والضرر الذي أصاب الدائن.

ينجم عن تحقق الشروط السابقة ما يأتي:

¦ لا يستحق الدائن الشرط الجزائي إلا إذا أصابه ضرر وفق الشروط السابقة، والضرر في هذه الحالة يكون مفترضاً (المادة 225 من القانون المدني السوري)، وعلى المدين في هذه الحالة أن يثبت أن الدائن لم يصب بأي ضرر، فينجو المدين من مساءلته بالشرط الجزائي. فالشرط الجزائي هو الذي جعل ضرر الدائن مفترضاً قابلاً لإثبات العكس، ولولا ذلك لكان على الدائن أن يثبت الضرر في جانبه حتى يستحق التعويض. وهذا يعني أن وجود الشرط الجزائي نقل عبء إثبات الضرر عن عاتق الدائن إلى عاتق المدين. وليس للدائن أن يطلب تطبيق الشرط الجزائي إذا كان التنفيذ العيني ممكناً؛ إلا إذا وافق المدين على ذلك، كما ليس للمدين أن يطلب تطبيق الشرط الجزائي إلا إذا وافق الدائن على ذلك.

وخلاصة القول: لا يجوز الاستعاضة عن التنفيذ العيني بتطبيق الشرط الجزائي إلا بموافقة الدائن والمدين، كما لا يجوز الجمع بين الشرط الجزائي والتنفيذ العيني إلا في حالة التأخير.

(3) جواز تعديل الشرط الجزائي: إذا أثبت المدين أن تقدير الشرط الجزائي كان مبالغاً فيه، أو أن الالتزام قد نفذ في جزء منه، يتعين على القاضي في هذه الحالة أن يخفض هذا التعويض (المادة 225/2 من القانون المدني السوري)، وللقاضي أن يزيد في قيمة الشرط الجزائي إلى ما يعادل قيمة الضرر الذي أصاب الدائن؛ إذا أثبت أن الضرر الذي أصابه كان بسبب غش المدين، أو بسبب وقوعه في خطأ جسيم (المادة 226 من القانون المدني السوري).

مراجع للاستزادة:

- محمود جلال حمزة، التبسيط في شرح القانون المدني الأردني، آثار الحق الشخصي والالتزام ج3، (عمان 2006).

- محمود جلال حمزة، العمل غير المشروع باعتباره مصدراً للالتزام (ديوان المطبوعات الجامعية، ط2، الجزائر 1985).

- المذكرة الإيضاحية للقانون المدني الأردني، ج1.

- جلال علي العدوي، أحكام الالتزام، دراسة مقارنة (الدار الجامعية، الإسكندرية 1986).

- جميل الشرقاوي، النظرية العامة للالتزام، أحكام الالتزام (دار النهضة العربية، القاهرة 1992).

- حسن علي ذنون، أحكام الالتزام، أو الالتزام في ذاته (مطبعة المعارف، بغداد 1984).

- سليمان مرقس، الوافي في شرح القانون المدني ج2 في الالتزامات- أحكام الالتزام (دار النهضة، القاهرة 1992، المجلد الرابع، ط2).

- سليمان مرقس، أحكام الالتزام (مطابع دار النشر للجامعات المصرية، 1957).

- صلاح الدين الناهي، «أحكام الالتزام»، ملحق 19، عدد كانون الثاني 1985، مجلة نقابة المحامين، عمان.

- عبد الحي حجازي، النظرية العامة للالتزام، مصادر الالتزام، ج2 (القاهرة 1958).

- عبد الرزاق أحمد السنهوري، الموجز في النظرية العامة للالتزامات (منشورات أحمد الداية، بيروت، لبنان، د.ت).

- محمود جمال الدين زكي، نظرية الالتزام العامة في القانون المدني المصري، ج2، أحكام الالتزام (مطبعة لجنة التأليف والنشر والترجمة، القاهرة 1967).

- مصطفى أحمد الزرقا، شرح القانون المدني السوري، ج2، أحكام الالتزام في ذاته، ط1 (مطبعة دار الحياة، دمشق 1964).

- وهبة الزحيلي، نظرية الضمان في الفقه الإسلامي (دار الفكر، دمشق 1970).

- ياسين محمد الجبوري، الوجيز في شرح القانون المدني الأردني، آثار الحقوق الشخصية، أحكام الالتزام، ج2 (الدار العلمية الدولية للنشر، ودار الثقافة للنشر، عمان 2005).

 


التصنيف : القانون الخاص
النوع : القانون الخاص
المجلد: المجلد الأول: الإباحة والتحريم ـ البصمة الوراثية
رقم الصفحة ضمن المجلد : 427
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1045
الكل : 58492852
اليوم : 65366