logo

logo

logo

logo

logo

أسباب التبرير

اسباب تبرير

justification reasons - faits justificatifs

 أسباب التبرير

أسباب التبرير

عبد الجبار الحنيص

 

أسباب التبرير Les faits justificatifs هي وقائع معينة ترافق في ظروف خاصة فعل إنسان مسؤول عادة لتوافر أركان الجريمة في فعله، فتزيل الصفة الجرمية كلياً عن الفعل. وهي أسباب موضوعية تتعلق بالفعل لا بالفاعل؛ لذا يستفيد منها كل من يسهم في الفعل المبرر من فاعلين أصليين وشركاء ومتدخلين. ونظراً لأنها تلغي الصفة الجرمية عن الفعل لذلك لا تترتب على فاعله أي مسؤولية جزائية أو مدنية. 

وقد حدّد المشرع السوري أسباب التبرير، ومتّن قواعدها وأحكامها في المواد 182-186 من قانون العقوبات، وردها إلى خمسة أسباب هي:

1- ممارسة الحق.

2- الدفاع الشرعي.

3- أداء الواجب.

4- إجازة القانون.

5- رضاء المجني عليه.

أولاً- ممارسة الحق:

نصت المادة 182 من قانون العقوبات على أن: «الفعل المرتكب في ممارسة حق دون إساءة استعماله لا يعد جريمة». فالفعل يكون مباحاً إذا وقع استعمالاً لحق يقرره القانون لفاعله. وهذا الاستعمال ليس مطلقاً فهو مقيد بالشرطين التاليين:

1- وجود حق مقرر بالقانون أو الأنظمة: وهو سلطة يمنحها القانون لحماية مصلحة مشروعة، والحقوق كثيرة منها: حق أعضاء مجلس الشعب في الكلام بحرية تامة في جلسات المجلس ولجانه، حق التقاضي وسلوك طرق الطعن والدفاع أمام القضاء، حق نقد الموظفين في أعمالهم ما عدا رئيس الجمهورية. 

2- عدم إساءة استعمال الحق: لكل حق حدود يرسمها القانون الذي يقرره وينبغي التزامها، ومن يخرج عليها يسيء استعمال الحق مثل إساءة عضو مجلس الشعب لاستعمال حقه بالتعبير عن آرائه إذا قصد من وراء ذم موظف التشهير به أو الانتقام منه أو الضغط عليه ليقوم بعمل ما مطلوب منه تنفيذه.

ثانياً- الدفاع الشرعي:

1- تعريف الدفاع الشرعي وتحديد طبيعته: الدفاع الشرعي هو الحق الذي يقرره القانون للفرد لدفع خطر اعتداء غير محق ولا مثار عن نفسه أو ماله أو نفس غيره أو ماله. فمن غير المنطق أن يتحمل هذا الفرد الاعتداء، ثم يقوم بعد ذلك بإبلاغ السلطات العامة لتتخذ الإجراءات ضد المعتدي، وإنما ينبغي أن يعطيه القانون الحق باستعمال القوة لدفع الخطر الذي يهدده. إذن فالدفاع الشرعي ليس انتقاماً من المعتدي، وليس عقوبة يوقعها المدافع عليه، ولكنه حق يقرره القانون للأفراد لكي يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم وعن أموالهم، ويسمح للمدافع أن يستعمله دفاعاً عن نفسه أو ماله، كما يسمح له أن يستعمله دفاعاً عن نفس غيره أو ماله. وقد نصت المادة 183 من قانون العقوبات على الدفاع الشرعي، حيث جاء فيها ما يلي:

«1- يعد ممارسة للحق كل فعل قضت به ضرورة لدفع تعرض غير محق ولا مثار عن النفس أو الملك أو نفس الغير أو ملكه.

2- ويستوي في الحماية الشخص الطبيعي والشخص الاعتباري.

3- إذا وقع تجاوز في الدفاع أمكن إعفاء فاعل الجريمة من العقوبة في الشروط المذكورة في المادة (227)».

يستفاد من هذا النص أن الدفاع الشرعي حق قانوني يستعمله المعتدى عليه لإيقاف العدوان وإبعاد خطره، ويجب أن يستعمله ضمن الضوابط التي حددها القانون. وللإحاطة بأحكام الدفاع الشرعي سنبحث في شروطه وآثاره وحكم تجاوز حدوده:

2- شروط الدفاع الشرعي: يتألف الدفاع الشرعي من فعلين متقابلين هما الاعتداء والدفاع. ولا يشترط وقوع الاعتداء فعلاً لكي يبدأ الدفاع، وإنما يكفي مجرد تعرّض المدافع لخطر يهدده في نفسه أو ماله أو نفس غيره أو ماله، وهذا ما عبّر عنه صراحة المشرع السوري بالقول: «تعرّض غير محق»، أي خطر الاعتداء. ولكي يكون الدفاع مشروعاً ومبرراً يجب أن تتوافر فيه الشروط التالية:  

أ- شروط خطر الاعتداء: يقتضي الدفاع الشرعي أن يكون المعتدى عليه مهدداً بخطر تتوافر فيه شروط معينة، وهي:

أن يكون الخطر غير مشروع: ويقصد بهذا الشرط أن يكون هناك خطر يهدد بوقوع اعتداء على حق يحميه القانون الجزائي. إذ يكفي أن يكون المعتدي والمعتدى عليه في ظروف تجعل الاعتداء محتمل الوقوع. فمجرد التهديد بالقتل شفاهاً لا يبرر الدفاع، أما إذا وقع التهديد بالسلاح فإنه يبرر هذا الدفاع ما دام حامل السلاح و المدافع في ظروف تجعل من المرجح استعماله. ويكون الخطر غير مشروع حتى لو صدر عن شخص غير مسؤول جزائياً، كالطفل غير المميز والمجنون والسكران والمكره ومن يوجد في حالة ضرورة. ولكن لا يجوز من حيث المبدأ مقاومة الموظفين العامين الذين ينفذون نص القانون أو أوامر السلطة.

وأن يكون الخطر غير مثار: ومفاد هذا الشرط ألا يكون المدافع قد أتى قولاً أو فعلاً من شأنه أن يحمل المعتدي على استعمال العنف ضده. وقد تسأل الفقهاء عن حق الدفاع الشرعي في حالة الزوج الذي يفاجئ زوجته (أو إحدى أصوله أو فروعه أو أخته) وشريكها في جرم الزنى المشهود، فيقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أحدهما أو إيذائه فإنه يعفى من العقاب.

ولكن لو بادرت الزوجة الزانية وشريكها حين وجدا نفسهما في خطر الموت إلى قتل الزوج، فهل يعدان في حالة دفاع مشروع؟

الواقع هناك رأيان مختلفان في الإجابة عن هذا السؤال: الرأي الأول يعترف لهما بهذا الحق لأن القانون منح الزوج الذي يقدم على القتل أو الإيذاء في الحالة المذكورة أعلاه «عذراً محلا»، وأن العذر المحل يعفي من العقاب ولا يبيح فعل القتل أو الإيذاء.

أما الرأي الثاني فلا يعترف لهما بحق الدفاع الشرعي، فهما اللذان دفعا بالزوج إلى الإثارة والثورة بعمل غير محق أتياه؛ والمادة 183 من قانون العقوبات تحرم المعتدى عليه من حق الرد على الاعتداء إذا كان هو الذي تسبب بالإثارة.

وأن يهدد الخطر النفس أو المال: إن جرائم الاعتداء على النفس أو المال هي التي تبرر الدفاع الشرعي. أما جرائم الاعتداء على النفس فهي تشمل القتل والإيذاء، والخطف، والاغتصاب والفحشاء. وأما جرائم المال فهي تشتمل على السرقة والاحتيال والهدم والتخريب والحريق ونزع التخوم واغتصاب العقار والتعدي على المزروعات والحيوانات والآلات الزراعية ويستوي في الحماية الجزائية للمال أن يكون مملوكاً لشخص طبيعي أو لشخص اعتباري.

وأن يكون الخطر حالاً: ويكون الخطر حالاً في إحدى الصورتين التاليتين:

الصورة الأولى: وهي أن يكون الخطر محدقاً وشيك الوقوع، أي لم يرتكب بعد المعتدي فعل الاعتداء، ولكنه في ظروف تجعل من المرجح أن يكون إقدامه وشيكاً على ارتكاب فعل الاعتداء. فالمشرع لا يطلب من المهدد بالخطر أن ينتظر بدء الاعتداء حتى يستطيع الدفاع، بل أباح له دفع خطر الاعتداء بمجرد حلوله. أما إذا كان الخطر يهدد الفرد في المستقبل فلا يبرر الدفاع؛ لأنه بمقدور هذا الفرد اللجوء إلى السلطات العامة لتدرأه عنه.

الصورة الثانية: وهي أن يكون الخطر مازال قائماً، أي يفترض أن يكون الاعتداء قد بدأ فعلاً ولكنه لم ينتهِ بعد. فإذا توقف الاعتداء أو تحقق وانتهى فإنه لا يكون حالاً، وبالتالي لم يعد الدفاع الشرعي مبرراً، ويعد رد المعتدى عليه في هذه الحالة انتقاماً وليس دفاعاً.   

ب- شروط فعل الدفاع: يفترض الدفاع الشرعي ارتكاب المعتدى عليه فعلاً يواجه به الخطر الذي يتعرض له. ولكن المشرع السوري لم يجز له ارتكاب أي فعل، وإنما وضع شرطان ليكون فعل الدفاع مقبولاً:

أن يكون الدفاع ضرورياً: ويكون الدفاع ضرورياً إذا كانت القوة هي الوسيلة الوحيدة لدفع خطر الاعتداء، أي أن لا يكون بوسع المعتدى عليه رد الاعتداء بوسائل أخرى غير العنف. فمن كان قادراً على الالتجاء إلى السلطات العامة في الوقت المناسب لا يعد دفاعه مشروعاً. وينطبق الحكم نفسه على من يستطع رد المعتدي بالصراخ أو التهديد فيلجأ إلى ضربه. لكن هل يلزم المعتدى عليه بالهرب من وجه المعتدي للنجاة من الاعتداء؟ يتجه الرأي الغالب في الفقه والقضاء إلى مطالبة المعتدى عليه بالهرب للتخلص من خطر الاعتداء إذا لم يكن في ذلك ما يشينه؛ كما لو هاجمه مجنون أو سكران أو طفل، فيتوجب عليه الهرب إذا كان ممكناً، ولا يباح له مواجهة الاعتداء بالعنف. أما إذا كان الهرب مشيناً فلا يلزم المعتدى عليه بالهرب، ويحق له مواجهة الخطر بالعنف الضروري. والهرب المشين هو ما يمس كرامة الإنسان وما يحمله من معاني الجبن والضعف والتخاذل.

وينبغي أن يوجه فعل الدفاع إلى مصدر الخطر لكي يكفل بذلك التخلص منه، وبالتالي يحقق الدفاع الغرض الذي من أجله يبيحه المشرع. فإذا ترك المعتدى عليه مصدر الخطر الذي يهدده، ووجه فعله إلى إنسان لم يصدر عنه خطر فلا يمكنه الاحتجاج بالدفاع المشروع.    

أن يكون الدفاع متناسباً من الاعتداء: ويقصد بهذا الشرط أن تكون القوة قد استعملت بالقدر اللازم لدفع الاعتداء. فأباح القانون للشخص المهدد بخطر الاعتداء أن يلجأ إلى العنف بالقدر الضروري لدرء هذا الخطر، وما زاد على ذلك يعد تجاوزاً لحقه في الدفاع المشروع، ويجب أن يسأل عنه. ومعيار التناسب بين الدفاع والاعتداء هو سلوك الإنسان العادي، أي الإنسان الذي يقدر الأمور ويتصرف في مواجهتها على النحو المألوف المتفق مع الخبرة الإنسانية العامة. فالقاضي يستطيع أن يضع نفسه مكان المدافع، ويتساءل عما إذا كان يتصرف بالطريقة نفسها التي تصرف بها المدافع، أم أنه كان يلجأ إلى أفعال أقل جسامة. ولكن لا ينبغي - عند تطبيق هذا المعيار الموضوعي - تجاهل العوامل الشخصية التي أحاطت بالمدافع وجعلته يتصرف على هذا النحو، كسنه، وجنسه، وقوته البدنية، وهدوء أعصابه، وتأثير ظروف المكان والزمان فيه.

وقد أعفى المشرع المدافع من إثبات أن دفاعه كان لازماً ومناسباً مع حجم الاعتداء الذي  تعرض له، و يكفي أن يثبت بأنه كان في إحدى الحالات المنصوص عليها في المادة 549 من قانون العقوبات، وهي:

«1- تعد الأفعال الآتية من قبيل الدفاع عن النفس:

أ- فعل من يدافع عن نفسه أو عن أمواله، أو عن نفس الغير أو عن أمواله تجاه من يقدم باستعمال العنف على السرقة أو النهب.

ب- الفعل المقترف عند دفع شخص دخل أو حاول الدخول ليلاً إلى منزل آهل أو إلى ملحقاته الملاصقة بتسلق السياجات أو الجدران أو المداخل أو ثقبها أو كسرها أو باستعمال مفاتيح مقلدة أو أدوات خاصة.

وإذا وقع الفعل نهاراً فلا يستفيد الفاعل إلا من العذر المخفف عملاً بالمادة 241.

2- وتزول القرينة الدالة على الدفاع المشروع إذا ثبت أن المجرم لم يكن على اعتقاد بأن الاعتداء على الأشخاص أو الأموال كان غرض المعتدي المباشر أو بنتيجة ما قد يلقاه من المقاومة في تنفيذ مآربه».

3- آثار الدفاع الشرعي: يبرر الدفاع الشرعي فعل المدافع، ويمحو عنه الصفة الجرمية، أي تنعدم مسؤوليتا المدافع الجزائية والمدنية. وهو حق موضوعي يستفيد منه كل من أسهم في أعمال الدفاع، سواء أكان فاعلاً أصلياً أم شريكاً أم محرضاً أم متدخلاً.

والاستفادة من الدفاع الشرعي لا يقتضي دائماً صدور حكم قضائي، فإذا لم ترفع الدعوى فعلى النيابة العامة حفظ الأوراق، وإذا تم رفعها أمام قاضي التحقيق تعين عليه أن يقرر منع محاكمة المدافع، وإذا تم رفع الدعوى أمام المحكمة تعين عليها أن تقرر براءة المدافع.

وتستظهر المحكمة الدفاع الشرعي من تلقاء نفسها، حتى لو لم يدفع به المتهم، أو أنكر قيامه بالفعل أصلاً. وهذا الحق معطى أيضاً لقضاء التحقيق الابتدائي.

وكذلك ينبغي على المحكمة مناقشة طلب المتهم عدّه في حالة دفاع شرعي وترد عليه، وإهماله يعرّض حكمها للنقض. أما إذا لم تثر مسألة الدفاع الشرعي من قبل المتهم أو النيابة العامة فإن المحكمة غير مسئولة عن مناقشتها. 

وتقدير الدفاع الشرعي مسألة موضوعية تدخل في سلطة قاضي الموضوع. ولكن تطبيق شروطه يعد مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض.

4- تجاوز حدود الدفاع الشرعي: يقصد بتجاوز حدود الدفاع الشرعي انعدام التناسب بين جسامة فعل المدافع وخطورة الاعتداء، وذلك رغم توافر شروط الدفاع الشرعي الأخرى والتزام قيوده. فالمدافع الذي يتجاوز حدود حقه يسأل عن هذا التجاوز، ولكن يمكن أن يعفى من العقوبة أو يستفيد من عذر مخفف عملاً بأحكام المواد 183/3 و227 و242 من قانون العقوبات.

ولما تقدم يتضح أن المشرع السوري فرق بين الدفاع الشرعي وبين حالة الضرورة المنصوص عليها في المادة 228 من قانون العقوبات، فلا يعد فعل من وجد في حالة ضرورة مباحاً، وإنما يمتنع مساءلة مرتكبه جزائياً إذا توافرت شروط حالة الضرورة.

فالمشرع ينظر إلى المدافع على أنه يستعمل حقاً، أي إن فعله مشروع، في حين يرى أن من يوجد في حالة ضرورة لا يستعمل حقاً؛ لأنه لا يحق لأحد أن يخلص نفسه من الخطر بأن يضع غيره فيه، وإنما يتعرض لظروف قاسية اضطرته إلى ارتكاب الفعل المنسوب إليه بعدّه الوسيلة الوحيدة للنجاة بنفسه، شأنه في ذلك شأن المكره؛ لذا فإنه يعد غير أهل للمسؤولية الجزائية التي قد تنشأ من فعله غير المشروع. 

ثالثاً- أداء الواجب:

يقصد بأداء الواجب الأفعال التي يقوم بها فرد إنفاذاً لنص قانوني أو إنفاذاً لأمر مشروع صادر عن السلطة.

1- الفعل المرتكب إنفاذاً لنص القانون: حينما يفرض القانون على الإنسان (وبصورة خاصة الموظف العام) القيام بواجب معين فإن كل فعل يستلزمه أداء هذا الواجب لا يعدّ جريمة، وبالتالي لا يترتب عليه أي مسؤولية جزائية أو مدنية. فموظفو الضابطة القضائية وقضاة النيابة وقضاة التحقيق الذين يقومون بملاحقة المشتبه بهم وضبطهم وتوقيفهم وتحري منازلهم ومصادرة أدواتهم الجرمية لا تعدّ أفعالهم جرائم لأنهم قاموا بها إنفاذاً للواجبات التي أناطها بهم القانون. وتتمثل هذه الواجبات في تحري الجرائم والكشف عن فاعليها، وجمع الأدلة ضدهم، وتقديمهم للعدالة لمحاكمتهم ومعاقبتهم. كذلك لا يعد الفرد العادي الذي يقبض على من يرتكب جناية أو جنحة مشهودة ليسلمه للعدالة مرتكباً جرماً؛ لأنه ينفذ واجباً أناطته به المادة 112 من قانون أصول المحاكمات الجزائية. ويمكن القول إن كل ما يفعله الإنسان تنفيذاً لنص قانوني لا يعد جريمة، ولذلك لا يسأل من ساعده على ارتكابه لأنه يشترك في عمل مباح. وبالمقابل لا يكون مباحاً الفعل المرتكب إذا كان مخالفاً لأحكام القانون، ويعدّ فاعله مسؤولاً، موظفاً كان أم غير موظف.     

2- الفعل المرتكب إنفاذاً لأمر السلطة المشروع: أن الأمر الذي يصدره صاحب سلطة مختصة إلى ممن يمتد إليه سلطانه موظفاً أو غير موظف هو أمر واجب التنفيذ؛ ويعد كل فعل مرتكب تنفيذاً لهذا الأمر مبرراً إذا توافر فيه شرطان:

أ- أن يكون الأمر مشروعاً: ويعد الأمر مشروعاً إذا كان متفقاً مع أحكام القانون و ضمن الحدود التي نص عليها. أما إذا صدر الأمر مخالفاً لنصوص القانون فلا يعد مشروعاً، وتنفيذه غير مبرر إلا إذا كان فاعله من المأمورين الذين لا يجيز لهم القانون مناقشة شرعية الأوامر التي يتلقونها من رؤسائهم، كما هو الحال للعسكريين. 

ب- أن يكون الأمر صادراً عن سلطة مختصة: لا يكفي أن يكون الأمر متفقاً وأحكام القانون، بل لابد أيضاً أن يكون صادراً عن سلطة تملك حق إصداره. أما إذا كان هذا الأمر صادراً عن غير ذي سلطة مختصة فإن تنفيذه ليس مبرراً. ويستثنى من ذلك الحالة التي يقدم فيها الموظف أو العامل في الدولة على القيام بفعل يعاقب عليه القانون أو الأمر به، وذلك إذا أعتقد بسبب غلط مادي أنه يطيع أمر رؤسائه المشروع في أمور داخلة في اختصاصهم وجبت عليه طاعتهم فيها.

رابعاً- إجازة القانون:  

أجاز المشرع السوري حالات خاصة، وتعد هذه الإجازة سبباً لتبرير الفعل في تلك الحالات. حيث نصت المادة 185 من قانون العقوبات على أن:

«1- لا يُعد الفعل الذي يجيزه القانون جريمة.

2- يجيز القانون:

أ- ضروب التأديب التي ينزلها بالأولاد آباؤهم أو أساتذتهم على نحو ما يبيحه العرف العام.

ب- العمليات الجراحية والعلاجات الطبية المنطبقة على أصول الفن شرط أن تجرى برضا العليل أو رضا ممثليه الشرعيين أو في حالات الضرورة.

ج- أعمال العنف التي تقع في أثناء الألعاب الرياضية إذا روعيت قواعد اللعب».

1- تأديب الأولاد: إن تأديب الأولاد هو حق مقرر في الشريعة الإسلامية، ونص عليه صراحة قانون العقوبات. ويقصد بالأولاد القاصرين الذين هم بحاجة إلى الرقابة لأنهم لم يبلغوا خمس عشرة سنة من عمرهم، أو بلغوها وكانوا في كنف القائمين على تربيتهم. والالتزام بالرقابة تقابله إجازة التأديب. ويمارس التأديب الأب إن وجد، فإذا لم يوجد فيحل محلَّه الوليُّ الشرعي على النفس من جد أو عم، ويمكن أن تنتقل أيضاً إلى الأم أو المكلف قانوناً أو اتفاقاً بالرقابة على الولد. وكذلك فإنه يجوز للأساتذة تأديب الأولاد وقت وجودهم في المدرسة أو الحرفة. ولكن هذه الإجازة تنعدم في حال أوجد المشرع نصاً خاصاً يحرم الضرب. 

ولا يجوز أن يتعدى التأديب المباح حدود ما استقر عليه العرف العام، وهو الضرب البسيط الذي لا يحدث كسراً أو جرحاً، ولا يترك أثراً، ولا ينشأ منه مرض، ولا يكون على المواضع الحساسة من الجسم.

2- العمليات الجراحية والعلاجات الطبية: تجيز مختلف التشريعات الجزائية - ومنها القانون السوري - التطبيب وتعده من الأفعال المبررة، حتى لو أدى هذا التطبيب إلى موت المريض أو إصابته بضرر، وذلك شريطة تقيد الطبيب بالشروط التي تحددها المادة 185/ب من قانون العقوبات، وهي:

أ- أن يكون القائم بالعملية الجراحية أو العلاج طبيباً ومرخصاً له بممارسة مهنة الطب.

ب- أن يكون الغرض من التطبيب العلاج.

ج- أن يكون عمل الطبيب منطبقاً على أصول الفن الطبي.

د- رضاء المريض أو من يمثله شرعاً، أو توافرت حالات الضرورة.

3- ممارسة الألعاب الرياضية: يبرر المشرع السوري الأفعال الواقعة أثناء الألعاب الرياضية، ولا يعد الإصابات الناجمة عنها جرائم معاقباً عليها إذا توافرت الشروط التالية:

أ- أن تكون اللعبة من الألعاب المعترف بها قانوناً أو عرفاً.

ب- أن تكون اللعبة قد تمت برضاء اللاعب المصاب.

ج- مراعاة قواعد اللعب وأصوله، فإذا خرج اللاعب الذي أحدث الإصابة عن قواعد اللعبة وأصولها مستغلاً اللعب لإيذاء خصمه فإنه يسأل عن جريمة مقصودة؛ أما إذا حصلت الإصابة عن إهمال منه أو قلة احتراز فإنه يسأل عن جريمة غير مقصودة.

د- أن تكون الإصابات قد وقعت في أثناء اللعب، فإذا حصل عدوان قبل اللعب أو بعده فإنه يكون معاقباً وفقاً للقواعد العامة. 

خامساً- رضاء المجني عليه:

نصت المادة 186 من قانون العقوبات على ما يلي: «إن الفعل الذي يعاقب عليه لتعرضه لإرادة الغير لا يعد جريمة إذا اقترف برضاء الغير قبل وقوع الفعل أو أثناء وقوعه». ومن استعراض هذا النص يوحى لنا للوهلة الأولى أن المشرع جعل من رضاء المجني عليه سبباً عاماً للإباحة، وهذا غير صحيح؛ لأن كل حق يقدر المشرع أنه جدير بالحماية الجزائية تعد صيانته أمراً تهم المصلحة العامة؛ وكل اعتداء عليه إنما يكون تهديداً لهذه المصلحة، سواء في ذلك أرضي المجني عليه بوقوع الاعتداء أم لم يرضَ بذلك. فيمكن القول إن القاعدة العامة هي أن رضاء المجني عليه لا يعد سبباً عاماً من أسباب التبرير، وإنما يمكن أن يكون سبباً لإباحة بعض الجرائم التي تتعلق بحقوق يستطيع أصحابها التصرف فيها. كما في جرائم التعدي على المزروعات والحيوانات والآلات الزراعية المنصوص عليها في المواد 725-727 من قانون العقوبات.

وهناك جرائم أخرى لا يعد ركنها المادي قائماً إذا رضي المجني عليه بوقوع فعل الاعتداء المكون لها؛ لأن القانون يعدّ عدم رضاء المجني عليه عنصراً من عناصر هذا الركن. فرضاؤه ينفي وجود الجريمة أصلاً، لأنه يفقدها ركناً من أركانها. ومثال هذه الجرائم: السرقة، والاغتصاب والفحشاء، والخطف، وخرق حرمة المنزل.

ولا أثر لرضاء المجني عليه في جرائم الدم في قيام الجريمة، ولا في المسؤولية الجزائية، وإنما يقتصر أثره في العقوبة في بعض الحالات فيخففها؛ كما في القتل بدافع الشفقة، والتحريض أو المساعدة على الانتحار، والمبارزة.

مراجع للاستزادة:

- عبد الوهاب حومد، المفصّل في شرح قانون العقوبات (القسم العام، المطبعة الجديدة، دمشق1990).

- عبود السراج، شرح قانون العقوبات (القسم العام، منشورات جامعة دمشق، 2006 -2007).

- محمد الفاضل، المبادئ العامة في قانون العقوبات (دمشق 1964).

 

 


التصنيف : القانون الجزائي
النوع : القانون الجزائي
المجلد: المجلد الأول: الإباحة والتحريم ـ البصمة الوراثية
رقم الصفحة ضمن المجلد : 174
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1037
الكل : 58492885
اليوم : 65399