logo

logo

logo

logo

logo

المفاوضات (مرحلة ماقبل العقد)

مفاوضات (مرحله ماقبل عقد)

negotiations (pre-contract period) - négociations (période pré-contrat)

 المفاوضات (مرحلة ما قبل العقد)

المفاوضات (مرحلة ما قبل العقد)

فواز صالح

كان جل اهتمام الفقه التقليدي منصباً على مرحلة تكوين العقد، وكذلك تنفيذه وانحلاله. ولم تكن مرحلة ما قبل العقد La période précontractuelle تثير الاهتمام. ولكن نتيجة التقدم العلمي ونمو الاقتصاد ظهرت أنواع جديدة من العقود والمعاملات المالية، يحتاج إبرامها إلى مناقشات تتصف في بعض الأحيان بالتعقيد، مما يؤدي إلى تخصيص وقت طويل لها من أجل الوصول إلى مرحلة إبرام العقد. ولا تقتصر هذه المفاوضات على القانونين فحسب، وإنما يشارك فيها فنيون ومتخصصون حسب موضوع تلك المفاوضات. وأصبحت الشركات الكبرى تخصص أموالاً طائلة في ميزانياتها لعملية المفاوضات. وتملك مثل هذه الشركات فريقاً متكاملاً لإدارة المفاوضات. ونتيجة ذلك أصبحت مرحلة ما قبل التعاقد تثير اهتمام الفقه، وأضحى لها أهمية لا تقل عن أهمية بقية مراحل تكوين العقد. ولا تقتصر مرحلة ما قبل التعاقد على المفاوضات، وإنما تشمل أيضاً الاتفاقات المبدئية أو التمهيدية التي يمكن أن تبرم قبل الوصول إلى إبرام العقد النهائي، وتشمل كذلك مشروع العقد الذي يتوصل إليه الأطراف في أثناء المفاوضات. زد على ذلك أن القانون في بعض الأحيان يفرض على طرف ما تقديم المعلومات الضرورية بشأن العقد المراد إبرامه للطرف الآخر قبل إبرام هذا العقد. وقد يسبق انعقاد العقد وعد بإبرام ذلك العقد مستقبلاً. والوعد بالعقد مرحلة متقدمة على مشروع العقد، وذلك لأنه يتضمن اقتران قبول بإيجاب بصورة نهائية. ومن ثم فهو عقد، ولكنه مختلف عن العقد الموعود بإبرامه مستقبلاً. كما قد يسبق انعقاد العقد إبرام عقد ابتدائي. والعقد الابتدائي مرحلة متقدمة على الوعد بالعقد، فهو عقد نهائي ولكن ترتيب بعض آثاره يتوقف على القيام بالإجراءات التي قد يفرضها القانون من أجل ذلك.

أولاً ـ المفاوضات:

كانت العقود، في الماضي، بسيطة، لا تحتاج إلى مناقشات مسبقة، وكانت تبرم في الكثير من الأحيان شفاهة، ولم تكن تحرر في مستند مكتوب. ولكن نتيجة أهمية بعض العقود والتعقيد الذي يحيط بها أصبحت تسبقها عملية مفاوضات طويلة وشاقة في بعض الأحيان تشمل الأمور الفنية والمالية والقانونية المتعلقة بالعقد المراد إبرامه. وعملية المفاوضات مكلفة للأطراف؛ لأنها قد تتطلب الانتقال والسفر من أجل التفاوض المباشر، على الرغم من التطور الذي وصل إليه المجتمع في مجال الاتصالات اللاسلكية عبر الشابكة، أي الإنترنت، وغيرها من الوسائل الحديثة. ولكن الكثير من الشركات الكبرى تفضل التفاوض المباشر من أجل الحفاظ على سرية المفاوضات. كما قد تتطلب المفاوضات تنفيذ بعض الدراسات الفنية والاقتصادية، كدراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع. وتحكم عملية المفاوضات مبادئ قانونية يجب على الأطراف المتفاوضة التقيد بها تحت طائلة المسؤولية المدنية.

1ـ المبادئ القانونية التي تحكم المفاوضات:

لم يتطرق القانون المدني السوري، على غرار القانون المدني المصري، إلى مرحلة ما قبل التعاقد، ومن ثم لم يعتمد المبادئ القانونية التي تحكم المفاوضات. والمفاوضات هي مناقشات وتبادل وجهات نظر بين طرفين يرغبان في التعاقد، وتكون بناءً على دعوة من أحدهما للآخر للدخول في عملية التفاوض من أجل الوصول إلى إبرام عقد في حال نجاحها. ولا تعد الدعوة إلى التفاوض إيجاباً، لأنها لا تتضمن العناصر الجوهرية للعقد المراد إبرامه، ومن ثم لا يترتب على من يقوم بهذه الدعوة، من حيث المبدأ، أي التزام. ويمكن له أن يتراجع عنها في أي وقت يشاء سواء قبل قبول الطرف الآخر الدخول معه في المفاوضات، أو بعده. وأهم المبادئ القانونية التي تحكم المفاوضات هي الآتية:

أ ـ مبدأ الحرية التعاقدية: مبدأ الحرية التعاقدية هو نتيجة طبيعة لمبدأ سلطان الإرادة. وبما أن المفاوضات هي دعوة من أحد الطرفين للآخر من أجل تبادل وجهات النظر حول موضوع ما من أجل الوصول إلى إبرام عقد نهائي بشأنه، فإن هذه المناقشات لا تلزم أياً من الطرفين. وقد لا تلقى الدعوة إلى التفاوض قبولاً من الطرف الموجهة إليه، فلا يكون هناك أي مفاوضات بين الطرفين. وقد تلقى الدعوة قبولاً من الطرف الآخر، ويدخل الطرفان في مناقشات مباشرة شخصية أو عن طريق المراسلات. ولا يترتب على قبول الطرف الآخر الدعوة أي التزام عليه بإبرام عقد نهائي مع من وجه له الدعوة. كما لا يترتب على من وجه الدعوة أي التزام بإبرام مثل ذلك العقد. ويترتب على ذلك أن كلا الطرفين يحتفظان، في مرحلة المفاوضات، بكامل حريتهما في رفض التعاقد. ومن حيث المبدأ يستطيع أي من الطرفين أن ينسحب من عملية التفاوض في أي وقت يشاء، لأن الدخول في هذه العملية لا ينشئ أي التزام على عاتق أي منهما بإبرام عقد نهائي أو بالاستمرار في المفاوضات حتى الوصول إلى اتفاق حول العقد النهائي.

ب ـ مبدأ حسن النية: يعد مبدأ حسن النية من أهم المبادئ القانونية التي تحكم مرحلة تكوين العقد وتنفيذه. ولا تقتصر أهميته على هاتين المرحلتين، وإنما يُعدّ أيضاً من أهم المبادئ التي تحكم مرحلة ما قبل التعاقد وخاصة مرحلة المفاوضات، إذ يجب أن يكون كلا الطرفين في المفاوضات حسن النية. فمن وجه الدعوة إلى المفاوضات يجب أن تكون هذه الدعوة عن حسن نية، فإذا لاقت القبول من الطرف الآخر، فيفترض أن يقبل من وجه الدعوة بإبرام عقد نهائي، وإلا سوف يعد غير جدي في توجيه الدعوة إلى التفاوض، ومن ثم لا يكون حسن النية، عندئذ يمكن أن يكون مسؤولاً عن الضرر الذي لحق بالطرف الآخر نتيجة رفضه التعاقد على الرغم من قبول الطرف الآخر بشروطه. وذلك لأنه يترتب على عدم جديته، ومن ثم سوء نيته؛ صرف الطرف الآخر نفقات بلا جدوى وفوات فرصة إبرام عقد عليه كان يمكن أن يجلب له بعض المنافع. ويتطلب حسن النية من الطرفين في المفاوضات عدم المماطلة والتسويف في التعبير عن مواقفهما، وعدم إنهاء المفاوضات فجأة ومن دون أي مسوغ وخاصة إذا كانت المفاوضات قد حققت تقدماً ملحوظاً نحو إبرام العقد النهائي.

2ـ المسؤولية عن الضرر الناجم عن عدم نجاح المفاوضات:

الأصل أنه لا يشترط أن تتكلل المفاوضات بالنجاح، فلا تترتب أي مسؤولية نتيجة إخفاقها، لأنه لا ينشأ من المفاوضات أي التزام عليهما. ولكن إذا تبين أن إخفاق المفاوضات كان بسبب سوء نية أحد الطرفين، عندئذ يمكن أن يترتب على سوء النية التزام بتعويض الطرف الآخر عن الضرر الذي لحق به نتيجة إخفاق المفاوضات، ومن ثم تقوم المسؤولية المدنية في مثل هذه الحال. فإذا تبين مثلاً أن أحد الطرفين لم يكن جدياً في المفاوضات منذ البداية ومع ذلك استمر فيها، وكلف الطرف الآخر إهدار النفقات والوقت من دون أي نتيجة، فإذا أثبت المتضرر أن الطرف الأول لم يكن جدياً، يحق له أن يطالبه بالتعويض عن الضرر الذي لحق به نتيجة تلك المفاوضات، وتكون هذه المسؤولية على أساس الخطأ، وفق أحكام المادة (164) مدني، لأن عدم الجدية والاستمرار في المفاوضات يشكلان خطأ يستوجب المسؤولية.

كما أن قطع المفاوضات فجأة من دون أي مسوغ قد يشكل خطأ، يستوجب المسؤولية وفق أحكام المادة السابقة.

ولا يمكن القول هنا، من أجل التخلص من المسؤولية، إن الأطراف غير ملزمين بالتعاقد، إذ الحرية التعاقدية من أهم المبادئ القانونية التي تحكم عملية المفاوضات، وهذه الحرية هي حق لكلا الطرفين، وذلك لأنه لا يجوز التعسف في استعمال الحق. فعندما لا يكون الشخص جدياً ومع ذلك يدخل في المفاوضات، أو عندما تكون المفاوضات قد قطعت شوطاً كبيراً ويقوم أحد الطرفين بقطعها فجأة من دون أي مسوغ قانوني استناداً إلى حقه في رفض التعاقد، يكون قد تعسف في استعمال حقه، ومن ثم يسأل عن الضرر الذي ألحقه بالطرف الآخر نتيجة ذلك. ولا تقوم المسؤولية في مثل هذه الحالات إلا إذا توافرت جميع أركانها من خطأ وضرر وعلاقة السببية بينهما.

والخطأ هنا يمكن أن يكون عمداً، كما يمكن أن يكون نتيجة تقصير أو إهمال، ومثال ذلك أن يوهم المشتري، في أثناء مرحلة المفاوضات، البائع أنه قادر على دفع ثمن العقار، وأخفى عليه حاجته إلى الاقتراض من مصرف، وكان قد طلب من البائع عدم تأجير العقار. وبعد ذلك يمتنع عن التعاقد بسبب عدم تمكنه من الحصول على قرض، ومن ثم عدم توافر ثمن العقار لديه، فيعد المشتري مسؤولاً عن تعويض الضرر الذي لحق بالبائع نتيجة عدم إبرام العقد النهائي. (نقض فرنسي، قرار الغرفة المدنية الأولى تاريخ 6/1/1998، منشور في مجلة الأسبوع القانوني JCP 1998، II، 10066، تعليق B.Fages).

ومثال ذلك أيضاً أن تتفاوض شركة مع مالك عقار من أجل استئجاره على شرط أن يخلي العقار من المستأجرين. وبعد قيام المؤجر بإخلاء المستأجرين من العقار، تمتنع الشركة بلا مسوغ عن إبرام عقد إيجار معه، وذلك نتيجة بعض المشكلات التي اعترضت عملها، فتعد الشركة مسؤولة عن الضرر الذي لحق بمالك العقار نتيجة رفضها إبرام عقد إيجار معه وفقاً للمفاوضات التي تمت بينهما.

وأما الضرر فيجب أن يكون أكيداً ومباشراً وشخصياً حتى يمكن التعويض عنه، ويمكن أن يكون مادياً أو أدبياً.

وقد يتفق الطرفان خطياً على متابعة المفاوضات مستقبلاً من أجل الوصول إلى إبرام العقد النهائي. ومثل هذا الاتفاق المبدئي ينشئ التزامات على عاتق الطرفين بمتابعة المفاوضات، ولكنه لا ينشئ على عاتقهما أي التزام بإبرام العقد النهائي. وإذا رفض أحد الطرفين بعد ذلك متابعة المفاوضات بلا سبب مشروع، فإنه يكون مسؤولاً عن تعويض الضرر الذي يلحق بالطرف الآخر نتيجة رفضه متابعة المفاوضات. وتكون المسؤولية في مثل هذه الحال عقدية، وذلك لأن الضرر ناجم عن الإخلال بالتزام عقدي حتى لو كان ناجماً عن اتفاق مبدئي لا عن عقد نهائي. والالتزام بمتابعة المفاوضات هو التزام بتحقيق نتيجة لا ببذل عناية، ومن ثم لا يمكن للمدين هنا أن يدفع المسؤولية عن نفسه إلا بإثبات السبب الأجنبي. ولا يمكن أن يكون التعويض عن الضرر الذي يلحق بالطرف الآخر، في مثل هذه الحال، إلزام الطرف الأول بإبرام العقد النهائي، وذلك لأن مثل هذا الإلزام يتناقض مع مبدأ الحرية التعاقدية. ومن ثم فإن التعويض يقدر في مثل هذه الحال بمبلغ من المال يساوي الضرر الذي لحق بالطرف الآخر نتيجة رفض الطرف الأول متابعة المفاوضات.

ثانياً ـ الالتزام بالإعلام:

قد يفرض المشرع في بعض الأحيان التزاماً قانونياً بالإعلام على أحد الطرفين المتفاوضين، وهذا الالتزام يقع غالباً على عاتق البائع المحترف، أو مقدم الخدمة المحترف تجاه المستهلك. (عرفت المادة (1) من قانون حماية المستهلك رقم 2 تاريخ 10/3/2008 المستهلك بأنه "كل شخص طبيعي أو اعتباري يشتري سلعاً استهلاكية بأنواعها المختلفة الزراعية والصناعية بهدف التغذية، أو لاستخدامها للأغراض الشخصية أو المنزلية، أو الذي يستفيد من أية خدمة سواء المقدمة من فرد أو من مجموعة أفراد أو من شخص اعتباري وفي مختلف المجالات المنصوص عليها في هذا القانون"). ويلتزم الطرف المحترف، بموجب هذا الالتزام، بإعلام المستهلك قبل إبرام العقد عن كل ما يتعلق بالسلعة المبيعة أو بالخدمة المقدمة من مواصفات وطريقة الاستعمال والصيانة. ونتيجة التقدم الحاصل في مختلف مجالات الحياة، ولا سيما في مجال الصناعة والتجارة، تدخل المشرع في العديد من الدول وسن قوانين تهدف إلى حماية المستهلك وتفرض على الطرف المحترف الالتزام بالإعلام تجاه المستهلك. وكان هذا هو حال المشرع الفرنسي الذي تدخل منذ عام 1978 لضمان حماية المستهلك. وقد جمع المشرع الفرنسي جميع النصوص المتعلقة بحماية المستهلك وبالاستهلاك في تقنين خاص هو تقنين الاستهلاك. وكذلك حال المشرع السوري الذي تدخل بموجب القانون رقم 2 تاريخ 10/3/2008 من أجل حماية المستهلك. (دخل القانون رقم 2، الصادر بتاريخ 10/3/2008 حول حماية المستهلك بتاريخ 10/6/2008 حيز التطبيق، وذلك بموجب المادة (53) منه والتي تنص على أن "ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ويعتبر نافذاً بعد ثلاثة أشهر من تاريخ صدوره"). وقبل أن يتدخل المشرع معتمداً الالتزام بالإعلام في بعض الحالات الخاصة، كان القضاء قد توصل بالاستناد إلى بعض النصوص العامة في النظرية العامة للعقد إلى وجود التزام عام بالإعلام.

1ـ الالتزام بالإعلام في القضاء:

قديماً لم يكن أي من المتعاقدين ملزماً بتقديم معلومات للمتعاقد الآخر ما لم يفرض عليه القانون مثل ذلك الالتزام، إذ كان من واجب كل شخص أن يطلب المعلومات التي يحتاج إليها. ولكن القضاء في فرنسا تنبه إلى مسألة عدم المساواة بين المتعاقدين في المعلومات، وما يترتب على ذلك من إخلال بتوازن العقد، ونتيجة ذلك تدخل على نحو تدريجي وفرض على بعض المتعاقدين التزاماً بإعلام المتعاقد الآخر مستنداً في ذلك إلى مبدأ حسن النية المنصوص عليه في المادة (1134/3) مدني فرنسي، على الرغم من أن هذه المادة تتعلق بتنفيذ العقد. والالتزام بتقديم معلومات للطرف الآخر يمكن أن يفرض في مختلف مراحل عملية التعاقد بدءاً من المفاوضات وانتهاءً بالتنفيذ. ويفرض الالتزام بالإعلام في مرحلة ما قبل التعاقد من أجل سهولة الحصول على الرضا المستنير للطرف الآخر. ويترتب على ذلك أنه إذا كان الالتزام بالإعلام يهدف إلى الحصول على رضا سليم في أي وقت من أوقات عملية التعاقد، في أثناء إبرامه أو تجديده أو تعديله أو إنهائه، يكون الالتزام بالإعلام ذا طبيعة غير تعاقدية. وعدم مراعاة هذا الالتزام يؤدي إلى إبطال العقد استناداً إلى عيوب الإرادة ولاسيما التدليس، والتعويض على أساس المسؤولية التقصيرية. في الواقع، يتطلب واجب الأمانة الذي يفرضه مبدأ حسن النية من الطرف الذي يحوز معلومة من شأنها أن تؤثر في اختيار الطرف الآخر أن يقدم له هذه المعلومة تلقائياً. ويترتب على ذلك أن أحد الطرفين لا يمكن أن يكون ملزماً بإعلام الطرف الآخر إلا إذا كان يحوز على معلومة متعلقة بموضوع التعاقد ومن شأنها أن تؤثر في اختيار الطرف الآخر سواء بعدم الاستمرار في عملية التفاوض، أو الاستمرار فيها بشروط مختلفة. زد على ذلك أن الالتزام بالإعلام لا يقوم إلا إذا كان الدائن بهذا الالتزام يجهل المعلومات التي أخفاها المدين بالالتزام، وكان هذا الجهل مشروعاً. ويكون الجهل مشروعاً إذا كان واجب الاستعلام، المفروض من حيث المبدأ على كل شخص، مستبعداً نتيجة ظروف خاصة، كما لو استحال على الدائن بالالتزام بالإعلام أن يكتشف المعلومة التي يعلم بها المدين وأخفاها عنه؛ أو أن الدائن كان يعتقد، نتيجة علاقة الثقة الخاصة التي تربطه بالمدين، أن هذا الأخير سيبادر إلى تقديم المعلومات الضرورية له. ويمكن أن يكون مصدر علاقة الثقة العقد الذي يرغب الطرفان في إبرامه مستقبلاً، كعقد التأمين أو الوكالة أو العمل.

2ـ الالتزام بالإعلام في القانون:

تنص المادة (1ـ111L.) من تقنين الاستهلاك الفرنسي على أنه يجب على كل بائع محترف أو مقدم خدمات محترف قبل إبرام العقد أن يعلم المستهلك بالخصائص والمواصفات الأساسية للمبيع أو للخدمة. وفي حال قيام نزاع يجب على البائع أو مقدم الخدمة أن يثبت أنه نفذ التزامه بإعلام المستهلك. ويؤدي عدم مراعاة هذا الالتزام إلى إبطال العقد بسبب التدليس، والمطالبة بالتعويض على أساس المسؤولية التقصيرية. زد على ذلك أن المادة (3ـ111L.) من التقنين ذاته تنص على أنه يجب على كل بائع أو مقدم خدمات عن طريق وضع العلامات الفارقة أو النشرات أو أي طريق آخر أن يعلم المستهلك عن سعر المنتج أو الخدمة والشروط المحتملة لتحديد المسؤولية العقدية والشروط الخاصة للبيع. وهذا ما أكده أيضاً قانون حماية المستهلك في سورية لعام 2008، إذ جاء في المادة (32) منه أنه "على كل مقدم خدمة أو سلعة إعلام المستهلكين بالمواصفات الأساسية للخدمة التي يقدمها وفق الأنظمة لدى الجهة المختصة". زد على ذلك أن المادة (22) من القانون ذاته تنص على ما يلي: "على المنتج أو المستورد أو بائع السلعة أو مقدم الخدمة إعلام المستهلك بوساطة نشرة أو بطاقة بيان مرافقة للسلعة تتضمن: سعر ومواصفة المادة، طريقة الاستعمال، المخاطر المحتملة، وطرق الوقاية منها، مدة الصلاحية، اسم المنتج أو الشركة وعنوانها، كمية المنتج بالوحدات الدولية". وتعاقب المادة (43) من القانون ذاته كل من يخالف أحكام المادتين (22 و32) بالغرامة من عشرة آلاف إلى عشرين ألف ليرة سورية.

ثالثاً ـ مشروع العقد:

يعد مشروع العقد مرحلة من مراحل تكوين الإرادة في أثناء المفاوضات التي تسبق إبرام العقد النهائي. ويمكن أن يكون مشروع العقد تتويجاً للمناقشات التي وصلت إلى مرحلة تتطلب أن تكون مكتوبة، كما يمكن أن يكون سابقاً لمرحلة المفاوضات، ومن ثم يكون مشروع العقد الأساس الذي تنطلق منه المفاوضات. ويترتب على ذلك أن مكانة مشروع العقد في مرحلة ما قبل التعاقد متغيرة، إذ يمكن أن يكون لاحقاً للمناقشات أو أن يتدخل في أثناء المفاوضات، أو يكون الأساس الذي تنطلق منه المفاوضات.

ويشترط في مشروع العقد أن يكون مكتوباً، وهذا ما يميزه من المفاوضات التي لا يشترط أن تكون مكتوبة. (قررت محكمة النقض السورية: "إن الوثيقة غير الموقعة من كافة أطرافها ليست أكثر من مشروع عقد نظمه أحد الفرقاء ووقع عليه أملاً بتوقيع الآخرين، ولا يصبح نافذ المفعول إلا باعتماده من كافة الفرقاء"، الغرفة المدنية الثانية، قرار 343 /أساس 6821، تاريخ 4/3/1992، المحامون، العددان 7 و8 لعام 1993، ص729). ومن ثم فإن الإرادة التي يتم التعبير عنها شفاهة لا يمكن أن تشكل مشروع عقد، وإنما تبقى هذه الإرادة في إطار المفاوضات. ولا يهم الشكل الذي يفرغ فيه مشروع العقد، فيمكن أن يكون مجرد مسودات، أو يمكن أن يفرغ في شكل جاهز للتوقيع عليه من قبل الأطراف المعنية، كمشروع العقد الذي يعده المحامي بهدف توقيعه من قبل الطرفين المتفاوضين. وفي بعض الأحيان قد يسبق مشروع العقد Projet de contrat مشروع أولي L’avant-projet يعد وثيقة تحضيرية يمكن من خلالها البدء بإعداد نص يكون محل نقاش بين الأطراف المتفاوضة قبل أن يصبح مشروعاً. أما المشروع فهو تصرف ينظم المستقبل، معد من قبل هيئة أو شخص، وخاضع من أجل اعتماده أو المصادقة عليه لرقابة هيئة أو سلطة أخرى، أو حتى لقبول متعاقد آخر محتمل، ويشمل هذا التعريف مشروع العقد أيضاً. ولا يعد مشروع العقد، من حيث المبدأ، إيجاباً، وذلك لأنه لا ينشئ أي التزام على عاتق الطرفين المتفاوضين، في حين أن الإيجاب ينشئ في بعض الحالات التزامات على عاتق الموجب.

كما أن مشروع العقد ينقصه إرادة التعاقد، وإن كان يعبر عن إرادة ما ولكن هذه الإرادة غير ملزمة، وذلك في حال ما إذا كان أحد الطرفين في المفاوضات هو الذي قام بإعداد مشروع العقد. وما لم يوقع الطرفان على مشروع العقد لا يكون له أي قوة ملزمة. ولكن الأمر يختلف عندما يقوم الطرفان بالتوقيع على مشروع العقد، فهل يحتفظ المشروع بتكييفه كمشروع عقد أم ينقلب إلى عقد نهائي؟ في الحقيقة الجواب عن هذا السؤال يختلف تبعاً لظروف الواقعة، إذ يقوم الطرفان غالباًً بالتوقيع على مشروع العقد بالأحرف الأولى لأنه ليس لهما صلاحية التوقيع على العقد النهائي فذلك يحتاج إلى مصادقة أو موافقة جهة أخرى، كمجلس الإدارة في الشركات المساهمة مثلاً، فيبقى مشروع العقد محتفظاً في مثل هذه الحالة بتكييفه الأصلي إلى أن تتم المصادقة عليه وينقلب إلى عقد نهائي. وإذا كان مشروع العقد يحتاج إلى مصادقة من طرف واحد، فإذا كان الطرف الآخر قد وقع عليه وكانت العناصر الجوهرية للعقد النهائي محددة فيه، فإنه يعد إيجاباً من هذا الشخص. وفي جميع الأحوال فإن الأمر يخضع للسلطة التقديرية للقاضي فهو الذي يقدر ما إذا كان العقد قد تمّ بمجرد التوقيع على مشروع العقد أم لا.

وإذا تضمن مشروع العقد الذي وقع عليه الطرفان تعهداً من أحدهما بعرض مشروع العقد على مجلس إدارة الشركة المساهمة مثلاً من أجل تصديقه والموافقة عليه، وأخل هذا الطرف بالتزامه، فإنه يكون مسؤولاً عن الضرر الذي يلحق بالطرف الآخر نتيجة إخلاله بالتزامه العقدي، ومن ثم يكون التعويض في مثل هذه الحال على أساس المسؤولية العقدية.

وكذلك الحال إذا كان مشروع العقد أو الاتفاق يحتاج إلى مصادقة القاضي عليه، فلا يعد عقداً نهائياً، حتى لو كان الطرفان موقعين عليه، إلا من تاريخ مصادقة القاضي عليه، ومثال ذلك مشروع الاتفاق الذي يجب على الزوجين إعداده من أجل تنظيم نتائج التطليق بناءً على طلب مشترك منهما، طبقاً لما نصت عليه المادة (230) مدني فرنسي، فلا يعد عقداً نهائياًَ إلا بعد مصادقة القاضي المختص عليه.

ويعد مشروع العقد بداية لعقد قادم، ومن ثم يجب أن يتضمن تحديد الحقوق والالتزامات التي يمكن أن تنتج من عقد نهائي. فهو يتضمن فكرة أولية عن العقد المراد إبرامه.

وتبدو أهمية مشروع العقد في أنه يساعد على تحديد الأفكار التي تعد أساس المفاوضات على نحو أفضل، كما أنه يساعد على تحديد إرادة الأطراف المتفاوضة، وتنظيم عملية التعاقد في العقود التي تتصف بالتعقيد، وذلك لأنه لا يمكن التعبير، في مثل هذه العقود، عن الإرادة المستنيرة إلا بعد الاطلاع على مشروع العقد ومناقشته.

والمبدأ هو أن الأطراف أحرار في إعداد مشروع عقد في أثناء المفاوضات أو عدمه. فهم غير ملزمين، من حيث المبدأ، بإعداد مشروع عقد يلخص ما توصلت إليه المفاوضات قبل إبرام العقد النهائي. ولكن الأطراف يقومون غالباً بإعداد مثل هذا المشروع في أثناء مرحلة المفاوضات حول صياغة العقد النهائي، لأن ذلك يسهل عليهم الوصول إلى الصياغة النهائية للعقد المراد إبرامه. ويلجأ الأطراف، في معظم الأحيان، إلى رجال القانون من أجل صياغة مثل ذلك المشروع، ولاسيما إذا كانت المفاوضات تتعلق بعقد يمتاز بنوع من التعقيد والدقة بحيث يحتاج إلى تدخل صاحب الاختصاص من أجل صياغته في قالب قانوني سليم، الأمر الذي يضفي على مثل هذا المشروع جميع الضمانات المرجوة من قبل الأطراف المتفاوضة.

واستثناءً من هذا المبدأ يلزم الأطراف المتفاوضة في بعض الحالات بصياغة مشروع عقد مكتوب. ومصدر هذا الإلزام إما أن تكون إرادة الأطراف ذاتها، أو أن يكون القانون. فقد يتفق الطرفان في أثناء المفاوضات على أن تتم هذه المفاوضات انطلاقاً من مشروع عقد يقوم بإعداده أحدهما. ومن ثم فإن إعداد مشروع عقد هو ملزم في مثل هذه الحال، لا من أجل التعبير عن إرادة نهائية، وإنما من أجل الدخول في المفاوضات على أساس محدد. وعدم إعداد مثل هذا المشروع يعد عائقاً أمام المفاوضات ومن ثم أمام إبرام عقد نهائي، إذ لا يمكن أن تبدأ المفاوضات إلا انطلاقاً من مشروع عقد مكتوب. ويترتب على ذلك أن الطرف الذي التزم بإعداد مشروع عقد، يعد أساساً للمفاوضات، وأخل بهذا الالتزام فإنه يعد مسؤولاً عن الضرر الذي يلحق بالطرف الآخر بشرط أن تتوافر أركان هذه المسؤولية من خطأ وضرر وعلاقة السببية بينهما. ويكون التعويض في مثل هذه الحالة على أساس المسؤولية العقدية لا على أساس المسؤولية التقصيرية، وذلك لأن الالتزام بإعداد مشروع عقد هو التزام عقدي وهو التزام بنتيجة، فإن الإخلال به يرتب مسؤولية عقدية لا يمكن للمدين دفعها إلا بإثبات السبب الأجنبي، وجزاء هذه المسؤولية هو التعويض النقدي، ولا يمكن أن يكون بأي شكل من الأشكال الإجبار على إبرام العقد النهائي، لأن ذلك يتناقص مع مبدأ الحرية التعاقدية.

إضافة إلى ذلك، فقد اعتمد الاجتهاد القضائي في فرنسا التزاماً بالإعلام وبالاستعلام في مرحلة ما قبل التعاقد. ولا شك في أن هذا الالتزام مستقل عن مشروع العقد ومجال تطبيقه أوسع نطاقاً من مجال تطبيق مشروع العقد، ولكن تقديم مشروع عقد يشكل عنصراً من عناصر تنفيذ هذا الالتزام الذي يجد تبريره في المادة (1134/3) مدني فرنسي، والإخلال بهذا الالتزام يوجب التعويض على أساس المسؤولية التقصيرية. وفي بعض الأحيان يفرض القانون على عاتق أحد الطرفين التزاماً بإعداد مشروع عقد وتقديمه للطرف الآخر. ومثال ذلك المادة (122/2) من قانون التأمينات الفرنسي التي تنص على أنه يجب على المؤّمن أن يقدم للمؤّمن له نسخة عن مشروع العقد والوثائق المرفقة به أو قائمة معلومات حول العقد تبين الضمانات بدقة، وكذلك التزامات المؤّمن. ولا تلزم الوثائق المقدمة طبقاً لنص هذه المادة أياً من الطرفين.

وكذلك المادة (1/1) من القانون الفرنسي رقم 1008/89 تاريخ 31/12/1989 والمتعلق بتطوير الشركات التجارية والحرفية وبتحسين بيئتها الاقتصادية والقانونية والاجتماعية والتي تنص على أنه يُلزم كل شخص، يضع تحت تصرف شخص آخر اسماً تجارياً أو علامة أو شعاراً مقابل التزامه الحصري أو شبه الحصري بممارسة نشاطه، بصورة مسبقة بتوقيع أي عقد يبرم لمصلحة الطرفين بأن يقدم للطرف الآخر وثيقة تتضمن معلومات صحيحة صادقة، تسمح له بأن يقدم على التعاقد وهو عالم بتفاصيل الأمور. وتبين الفقرة الرابعة من هذه المادة أن الوثيقة المشار إليها في الفقرة الأولى ومشروع العقد يجب أن يقدما إلى الطرف الآخر قبل عشرين يوماً على الأقل من توقيع العقد، أو عند الاقتضاء قبل دفع أي مبلغ يتطلب دفعه قبل توقيع العقد. ومشروع العقد المشار إليه في الفقرة الرابعة من هذه المادة لا يقتصر على تنفيذ الالتزام بالإعلام، وإنما هو في الحقيقة بمنزلة إيجاب حقيقي.

ولا يعني إعداد مشروع عقد، من حيث المبدأ، أن الطرفين ملزمان بإبرام عقد نهائي، فقد سبقت الإشارة إلى أن مشروع العقد ليس له أي قوة ملزمة، فهو لا ينشئ أي التزام على عاتق الطرفين في المفاوضات. ويترتب على ذلك أن باستطاعة الطرفين التراجع عن مشروع العقد الذي توصلا إليه من دون أن يرتب ذلك، من حيث المبدأ، أي مسؤولية على الطرف الذي لا يريد إبرام العقد النهائي. فطرفا المفاوضات لهما كامل الحرية في إعداد مشروع عقد وفي الرجوع عنه. ولكن إذا تبين أن الطرف الذي تراجع عن مشروع العقد قد تعسف في استعمال حقه، فإنه يكون مسؤولاً عن الضرر الذي يلحقه بالطرف الآخر نتيجة ذلك، ويلزم بتعويضه عن ذلك الضرر على أساس المسؤولية التقصيرية، كما لو أقدم شخص على إعداد مشروع عقد من دون أن تكون لديه إرادة جدية منذ البداية في التعاقد، أو عندما يقوم طرف بالتراجع فجأة عن مشروع العقد الذي تم التوصل إليه بعد أن قطع الطرفان شوطاً كبيراً من المفاوضات (ودعوى المسؤولية التقصيرية لا تكون من اختصاص المحكمة المختصة بالنظر في العقد المراد إبرامه، وإنما تحدد المحكمة المختصة وفقاً لقواعد الاختصاص القيمي).

ويمكن أن يكون مشروع العقد الذي تمّ التراجع عنه حيال الغير فرصة لتنفيذ بعض المهام أو الخدمات، فيحق للغير أن يطالب بأتعابه نتيجة القيام بتلك المهام، فمثلاً يستحق المحامي كامل أتعابه عن الاستشارات التي يقدمها بصدد مشروع عقد. وبالمقابل فإن السمسار الذي تدخل في إعداد مشروع العقد لا يستحق أتعابه ما لم يبرم عقد نهائي.

أما إذا قرر الطرفان الموافقة على مشروع العقد وإبرام العقد النهائي، فإما أن يصبح المشروع هو نفسه العقد النهائي وذلك بالتوقيع عليه، وإما أن يقوم الطرفان بإبرام عقد نهائي فيكون هذا العقد مستقلاً عن مشروع العقد. وفي الحالة الأخيرة لا يكون لمشروع العقد أي تأثير في العقد النهائي بعد إبرامه، من حيث المبدأ، لأن لكل منهما كيانه المستقل عن الآخر. ومع ذلك قد يكون لمشروع العقد في مثل هذه الحالة تأثير في العقد النهائي في بعض الحالات الاستثنائية. ويثور السؤال في هذا الإطار حول ما إذا كان بالإمكان الاستناد إلى مشروع العقد من أجل إثبات العقد النهائي إذا لم يكن مكتوباً. الجواب عن هذا السؤال هو بالنفي وذلك لأن العقد لا يمكن إثباته إلا بالكتابة، ومشروع العقد مستقل عن العقد النهائي. ولكن هل يمكن اعتبار مشروع العقد في مثل هذه الحالة مبدأ ثبوت بالكتابة بحيث يمكن معه إثبات وجود العقد النهائي بالشهادة، وفقاً لما نصت عليه المادة (56) من قانون البيانات السوري لعام 1947 وتعديلاته. في الحقيقة إذا توافرت الشروط المنصوص عليها في المادة المذكورة آنفاً في مشروع العقد يمكن عدًه مبدأ ثبوت بالكتابة. كما يمكن للقاضي الرجوع إلى مشروع العقد، في حال غموض العقد النهائي، من أجل تعرف الإرادة المشتركة للمتعاقدين.

رابعاً ـ الوعد بالعقد والعقد الابتدائي:

الوعد بالعقد: الوعد بالعقد، وفق أحكام المادة (102) مدني، هو عقد يلتزم فيه أحد الطرفين، ويسمى الواعد، بإبرام عقد معين في المستقبل إذا رغب الطرف الآخر، ويسمى الموعود له، في ذلك وأظهر رغبته بإبرام العقد خلال فترة محددة. ومثال ذلك من يستأجر عقاراً كمركز رئيسي لشركته التجارية لمدة محددة، وخشية عدم تجديد العقد، إذ إن القانون رقم (10) لعام 2006 أخضع مثل هذا العقد لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين، استطاع المستأجر أن يستحصل من المؤجر على وعد بأن يبيع له ذلك العقار بثمن محدد فيما إذا رغب هو في الشراء خلال مدة الإيجار. والأصل أن الوعد بالعقد هو عقد ملزم لجانب واحد وهو الواعد، إذ يلتزم بإبرام العقد الموعود به إذا عبر الموعود له عن رغبته ضمن المدة المحددة لذلك. والقبول في الوعد بالعقد ينصب على الوعد ذاته، ولا علاقة له بالعقد الموعود به في الوعد بالعقد.

وبما أن الوعد بالعقد هو عقد فيجب أن تتوافر فيه الأركان العامة التي يقوم عليها كل عقد، وهي الرضا والأهلية، والمحل والسبب. ويترتب على ذلك ضرورة توافر إيجاب وقبول متطابقين، وصادرين من شخصين يتمتعان بالأهلية اللازمة لانعقاد الوعد بالعقد، وخاليين من عيوب الإرادة. وكذلك ضرورة أن يكون العقد الموعود بإبرامه مشروعاً، كونه محل الوعد بالعقد. وأخيراً ضرورة أن يكون للوعد سبب، وكون هذا السبب مشروعاً. ولكن لا يكفي توافر هذه الأركان لقيام الوعد بالعقد، وإنما حددت المادة (102) مدني شروط خاصة أخرى لازمة لانعقاده، وتتلخص هذه الشروط بما يأتي: الاتفاق على جميع المسائل الجوهرية للعقد المراد إبرامه في المستقبل، وتحديد المدة التي يلتزم الواعد بإبرام العقد الموعود به خلالها في حال ما إذا ارتضاه الموعود له، وإذا كان انعقاد العقد الموعود به يستلزم توافر شكليات معينة، فيجب أن تتوافر هذه الشكليات في الوعد بالعقد أيضاً.

العقد الابتدائي: العقد الابتدائي هو العقد ذاته المقصود في نهاية الأمر، ولكنه أبرم في شكل أولي من أجل إعادة صياغته لاحقاً في شكله النهائي. ويتم اللجوء إلى العقد الابتدائي بشأن التصرفات القانونية الواردة على الأشياء التي لا تنتقل ملكيتها إلا بالتسجيل في سجل معين، كالعقارات والمتاجر والسيارات والسفن والطائرات. ويتطلب التسجيل في مثل هذه الحالات بعض الوقت نتيجة ما يستلزمه من إجراءات فرضها المشرع. كما في بيع عقار مسجل في السجل العقاري، إذ لا تنتقل الملكية إلا بالتسجيل في السجل العقاري وفقاً لما نصت عليه المادة (825/1) مدني، وهذه العملية تستغرق بعض الوقت، فيلجأ المتعاقدان إلى إبرام عقد بيع ابتدائي إلى أن يتمكنا من القيام بإجراءات التسجيل ونقل الملكية. وينتج هذا العقد جميع آثار البيع باستثناء نقل الملكية الذي لا يتم إلا بالتسجيل في السجل العقاري، الذي يعد إجراءً لاحقاً للعقد النهائي أو لحكم قضائي يقوم مقامه. زد على ذلك أن عقد البيع الابتدائي ينشئ التزاماً على عاتق البائع بالعمل على نقل ملكية العقار إلى المشتري.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ سليمان مرقس، الوافي في شرح القانون المدني، في الالتزامات، المجلد الأول، نظرية العقد والإرادة المنفردة (الطبعة 1987).

ـ عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، نظرية الالتزام بوجه عام، مصادر الالتزام، المجلد الأول (القاهرة، بلا تاريخ).

ـ عبد الفتاح عبد الباقي، موسوعة القانون المدني المصري، نظرية العقد والإرادة المنفردة، دراسة معمقة ومقارنة بالفقه الإسلامي (1984).

ـ محمد وحيد الدين سوار، شرح القانون المدني، النظرية العامة للالتزام، الجزء الأول مصادر الالتزام، المصادر الإرادية، والمصادر غير الإرادية (مطبعة رياض، دمشق 1982ـ1983).

ـ مصطفى العوجي، القانون المدني، الجزء الأول: العقد (المركز العربي للمطبوعات، الطبعة الثالثة، بيروت 2003).

- M. FABRE- MAGNAN, De l’obligation d‘information dans les contrats, essai d’une théorie, Préf. J.GHESTIN, (LGDJ,1992).

- J. FLOUR, J-L. AUBERT et E. SAVAUX, Les obligations, I, L’acte juridique, 10e éd., (Armand Colin, Paris, 2002).

- Ch. LARROUMET, Droit civil, tome 3, Les obligations, Le contrat, 3e édition, (Economica-Delta, 1996).

- H. L. J. MAZEAUD, et F. CHABAS, Leçons de droit civil, tome II, volume I, Obligations- théorie générale, 9ème édition, (Delta, 2000).

- F.TERRÉ, Ph. SIMLER et Y. LEQUETTE, Droit civil, Les obligations, 8ème édition, (Dalloz, 2002).

- Ph. LE TOURNEAU, Droit de la responsabilité et des contrats, (Dalloz, 2004/ 2005).


التصنيف : القانون الخاص
النوع : القانون الخاص
المجلد: المجلد السابع: المحكمة الجنائية الدولية _ ولاية المظالم في الإسلام
رقم الصفحة ضمن المجلد : 186
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1050
الكل : 58491209
اليوم : 63723