logo

logo

logo

logo

logo

تخمين المأجور

تخمين ماجور

estate appraisement - estimation immobilière

 تخمين المأجور

تخمين المأجور

ياسر عياش

يعد عقد الإيجار من أهم العقود التي تنظم معاملات الناس، وقد عُنيت التشريعات منذ القدم بوضع الأحكام والضوابط التي تحكم العلاقة بين المؤجر والمستأجر في ضوء النظام الاقتصادي والاجتماعي السائد في الدولة. وقد حظي عقد الإيجار باهتمام بالغ من المشرع السوري؛ نظراً إلى خطورة شأنه وكثرة تداوله وأثره البالغ في كثير من نواحي النشاط الاجتماعي والاقتصادي.

وتعدّ من أهم المشـكلات التي تثار في العلاقة الإيجارية زيادة الأجرة المتفق عليها بين المؤجر والمســتأجر؛ لذلك أجاز المشـرع لهما في حالات معيّنة إعادة النظر في تحديــد بدل الإيجار رضاءً أو قضاءً.

وقد نُظم جواز طلب تقدير بدل الإيجار قضائياً -أي ما يسمى بالتخمين- بقانون الإيجار ذي (الرقم 63) تاريخ 31/12/1950 ثم بقانون الإيجارات الصادر بالمرسوم التشريعي ذي رقم /111/ تاريـخ 11/2/1952 وتعديلاته ثم في قانون الإيجار الجديد ذي الرقم /6/ تاريخ 15/2/2001.

ولا يخفى على أحد أن القصـد من وجود القواعد القانونية الناظمة لتحديد أجور العقارات إنما هو فتح الطريق لإزالة ما قد يكون عالقاً ببدلات الإيجار المحـددة في عقود الإيجار المحـررة من غبن وإرهاق، هذا الغبن والإرهاق الذي يتعرض له المستأجر أكثر مما يتعرض له المؤجر.

والتخمين موضوع تطرق إليه القانون المدني في أحكام قواعد الإيجار في حكم المادة (530) منه في تحديد أجر مثل عقار، وفي المادة (533) منه في نقص الانتفاع في المأجور، وكذلك في المادة (537) في تعيب المأجور.

أولاً: تعريفه

التخمين لغة: كلمة جاءت من الفعل الثلاثي خمّن، وخمن الشيء يخمّنه تخميناً، وخمن يخمن خمناً: قال فيه بالحدس والتخمين؛ أي بالوهم والظن، وقد جاء عن ابن دريد: التخمين القول بالحدس، وقال أبو حاتم: هذه كلمة أصلها فارسية عربت، وأصلها من قولهم خماناً على الظن والحدس. وهذا الحدس والتوهم والظن يصبح حقيقة قاطعة بقرار من المحكمة المختصة.

والتخمين قانوناً هو «تحديد قانوني للأجور يتم بواسطة المحكمة حسب نسب قانونية محددة استناداً إلى تقويم الخبراء للعقار المأجور بهدف إيجاد توازن بين المنفعة والأجر ومنع الاستغلال».

والتخمين تدبير قانوني اقتضته الضرورات الاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي فإن أحكامه تعدّ من النظام العام، فلا يجــوز التنازل عنها، ويبطل كل اتفاق أو إجراء يقصـد منه التحايل عليها والتهرب من تطبيقها ولو كان حكماً قضائياً. ولذلك فإن شرط تنازل المستأجر عن حقه في التخمين باطل، وتحريره سنداً على نفسه للمؤجر ضماناً لعدم التخمين باطل أيضاً. وإجراؤه صلحاً صورياً أمام القضاء على مبلغ التخمين قبل تسلّمه العقار باطل أيضاً. وإن إيراد نص في عقد الإيجار على أن الإصلاحات يتحملها المستأجر بقصد خرق قاعدة تحديد الأجرة يعد باطلاً، ويبقى للمستأجر مطالبة المؤجر بدفع قيمة الإصلاحات الضرورية دون الإصلاحات الكمالية في حالة تخمين المأجور. وقضى الاجتهاد أيضاً أنه يمكن للمستأجر إثبات صورية التخمين القضائي بالبينة الشخصية. وبذلك كرس الاجتهاد القضائي مبدأ عدالة الأجرة وتوازنها مع المنفعة بعد أن أغلق الباب على جميع المحاولات الرامية إلى الانتقاص من قاعدة تحديد الأجرة والتحايل على أحكام القانون حتى لو كانت هذه التدابير لها مساس بأحكام قطعية.

ثانياً: التخمين الاتفاقي والقانوني

قد يتفق المؤجر مع المستأجر رضائياً وخارج مجلس القضاء ودون وجود دعوى قضائية على إعادة تحديد بدل الإيجار دون تحديد مدة سريان هذا الاتفاق، فلا يحق  للمؤجر الادعاء بالغبن قبل مضي سنة على هذا الاتفاق وفق ما استقر عليه الاجتهاد القضائي؛ وهذا ما يعبر عنه بالتخمين الاتفاقي. 

وقد يتفق المستأجر مع المؤجر على تعديل رضائي لبدل الإيجار، ويتصالحان في مجلس القضاء عند نظر دعوى التخمين، فيفترض أن يكــون هذا الصلح الجاري بينهما راعى النسـب القانونية؛ وبالتالي فإن هذا الصلح يقوم مقام حكم التخمين، ويرتب الآثار القانونية نفسها التي يرتبها التخمين؛ لأن المستأجر الذي استقر في المأجور، وأضحى في مأمن من العوامل التي أدت به إلى النزول على إرادة خصمه وشروطه؛ إذا تصالح مع خصمه بحضور القاضي عن بدل الإيجار كان مسؤولاً عن اتفاقه هذا الذي يتمتع بنتائج تماثل تلك التي تترتب على الحكم المكتسب قوة القضية المقضية، وتمنع إعادة النظر في المسائل التي سوّاها وحسمها ما لم تنقضِ مهلة ثلاث سنوات. وليس له بعد ذلك نقضه إلا بالاستناد إلى الأسباب العامة التي تؤدي إلى إبطال عقد الصلح. وإن المصالحة لا تعد سارية المفعول إلا بعد إقرارها أمام المحكمة والتصديق عليها من قبلها.

وقد لا يتم الاتفاق بين المؤجر والمستأجر على تعديل بدل الإيجار؛ فيكون من حق كل واحد منهما اللجوء إلى القضاء طالباً تخمين العقار المأجور لإعادة تحديد بدل الإيجار عن طريق الدعوى التخمينية.

وقد قضى الاجتهاد أن الدعوى ســواء اقترنت بتصديق المصالحة أم بتقدير القيمة من قبل خبراء لا تخرج عن كونها دعوى لتحديد الأجرة بطريق تقدير القيمة، فلا يجوز بعدها سماع دعوى تحديد الأجرة إلا بعد انقضاء ثلاث سنوات من تاريخ الادعاء السابق؛ لأن العبرة في ممارسة حق تخمين المأجور هي للمراجعة القضائية دون سواها. وهو ما يعبر عنه بالتخمين القانوني.

ثالثاً: شروط إقامة دعوى التخمين

لا تسمع دعوى التخمين إلا إذا تحققت الشروط الآتية:

1- وجود علاقة إيجارية بين الطرفين: إذ لا يجوز للمحكمة أن تحكم بالدعوى التخمينية قبل التحقق من هذه العلاقة بالطرق المقبولة قانوناً.

2- أن يكون البدل محدداً، وهو لقاء انتفاع المستأجر بالمأجور الذي يشغله.

3- ألا يكون المأجور مستثنى من التخمين: وأن يباشر الدعوى المؤجر أو المستأجر أو وكيل أحدهما أو المالك أو الشريك على الشيوع أو من يملك حق الإدارة. إذ يمكن أن تقام الدعوى من مؤجر غير مالك، كما يمكن إقامتها من مالك غير مؤجر إذا أقر بوجود العلاقة الإيجارية مع المستأجر، وفي حال وجود أكثر من مستأجر للمأجور فيجب أن تقام الدعوى على جميع المستأجرين لصحة الخصومة.

4- انقضاء المدة العقدية: أو انقضاء ثلاث ســنوات على بداية العقد أيهما أقل إذا كان المدعي هو المؤجر، ولا يوجد تخمين سابق. وتبدأ مدة ثلاث سنوات لتحديد الأجرة من تاريخ التعاقد أو من تاريخ الادعاء السابق عملاً بأحكام الفقرة /أ/ من المادة /12/ من القانون /6/ لعام 2001 في حين كانت سابقاً في القانون (111) لعام 1952 وتعديلاته تبدأ هذه المدة من تاريخ الادعاء السابق فقط. وقد قضى الاجتهاد القضائي بأنه يحق للمؤجر الادعاء بالغبن بعد انقضاء ثلاث سنوات على مدة العقد؛ إذا كان معقوداً لأكثر من هذه المدة، وبعد انتهاء المدة العقدية إذا كان معقوداً لأقل من ثلاث سـنوات.

5- انقضاء ثلاث سنوات على التخمين السابق في حال وجوده. وتبدأ المدة من تاريخ الادعاء السابق، وليس من تاريخ الحكم إلا إذا تبين للقاضي وجود تحايل على القانون في ذلك الادعاء. وإن  عدم جواز زيادة الأجرة قبل انقضاء ثلاث سنوات هو شرط قانوني، ويؤدي إلى إسقاط حق المدعي بالادعاء بالغبن خلال المـدة المحددة فيه، وهي ثلاث سـنوات، وهي المدة القانونية لكل دورة تخمينية. مع الإشارة إلى أن التأخر في فصل دعوى التخمين السابقة لا ينبغي أن ينال من حق المؤجر في إقامة دعوى تخمين جديدة إذا كان قد مضى على الادعاء السابق مدة ثلاث سنوات، بيد أنه يتوجب في مثل هذه الحالة تقرير وقف الدعوى إلى حين البت في الدعوى السابقة.

ومما تجدر الإشارة إليه أنه إذا باع المستأجر المتجر أو المصنع مع الموجودات للغير فهل يحق للمؤجر تخمين المأجور بهذه الحالة؟ للجواب على ذلك لابد من التفريق بين حالتين: الحالة الأولى: إذا تنازل المستأجر عن المأجور مع جميع موجوداته إلى الغير، وأعلم المؤجر بذلك؛ فإنه من حق المؤجر أن يطلب تخمين العقار بمواجهة المستأجر. والحالة الثانية: إذا نظم للمستأجر الجديد المتنازل له عن المأجور عقد إيجار جديد مع المؤجر؛ فإن المؤجر بهذه الحالة لا يحق له أن يطلب تخمين العقار مباشرة، وإنما يحق له ذلك عند انتهاء مدة العقد الجديد المعقود ما بين المستأجر الجديد المشتري وبين المؤجر؛ لأنه تثبيت لخلفية البائع المستأجر القديم، وليس عقداً جديداً بالمعنى الكامل.

رابعاً: الفرق بين دعوى التخمين  ودعوى أجر المثل

نصت المادة (530) مدني على أنه «إذا لم يتفق المتعاقدان على مقدار الأجرة أو على كيفية تقديرها، أو إذا تعذر إثبات مقدار الأجرة، وجب اعتبار أجر المثل».

وقد استقر الاجتهاد القضائي على أن دعوى أجر المثل إنما هي تعويض لمالك العقار عن إشغال العقار من قبل الغير دون عقد أو دون سبب مشروع، ولكن هذا لا يمنع من تحديد أجر المثل في حالة التأجير وعدم الاتفاق على مقدار الأجرة أو تعذر تقديرها وإثباتها.

ففي حال وضع اليد على العقار دون مسوغ مشروع فإنه لا يشترط وجود رابطة عقدية بين المؤجر والمستأجر، وإنما يشترط أن يكون هناك وضع يد غير مشروع على العقار، وعلى الأخير في هذه الحالة أن يدفع الأجرة المقررة بموجب تقرير الخبرة عن مدة إشغال العقار.

وفي حال عدم الاتفاق على الأجرة أو تعذر إثباتها -أي وجود رابطة إيجارية غير محددة البدل- يصار في هذه الحالة إلى تحديد بدل الإيجار عن طريق القضاء بادعاء يطالب فيه المالك بأجرة المأجور، ويشترط لذلك أن يكون هنالك عقد إيجار بين الطرفين أصولاً، وألا يوجد اتفاق بينهما على مقدار الأجرة أو كيفية تقديرها، وأن يتعذر إثبات الأجرة بينهما. وبذلك تختلف دعوى أجر المثل عن دعوى التخمين التي هي تقدير أجرة مأجور حين وقوع خلاف من بعد اتفاق بين طرفي العقد على مقدارها. 

ويحدد القاضي أجر مثل العقار استناداً إلى تقرير الخبير المختص، ويغدو هذا التقدير أساساً للتعامل بين الطرفين عن سائر مدة الإيجار، ويمكن اعتماده في المطالبة بأجور فترات لاحقة للانتفاع كما يمكن اعتماده في توقيع الإخلاء عند التقصير في وفاء أجور هذه الفترات. وقد استقر اجتهاد الهيئة العامة لمحكمة النقض أن أجر المثل المحكوم به عن مدة سابقة لا يعد بمنزلة أجل مسمى عن مدة لاحقة إلا إذا استشفت المحكمة -من اتفاق الطرفين بصورة صريحة أو ضمنية-  إقامة علاقتهما على أساس رضائهما بأجر المثل المقدر عن مدة سابقة واعتباره أجراً عن مدة لاحقة.

ويلاحظ أن أجر المثل عند عدم وجود الأجر المسمى يأخذ صفة الأجر، أما أجر المثل عند وضع اليد فيأخذ صفة التعويض، ويجب تقديره سنة فسنة. ولا يمكن اتخاذه أساساً للمطالبة بالأجور عن مدة لاحقة. وفي حال تحديد أجر المثل عند عدم وجود الأجر المسمى فإن هذا التحديد يعدّ أيضاً بمنزلة تخمين للعقار.

خامساً: العقارات الخاضعة للتخمين القضائي

يشمل التخمين القضائي جميع العقارات المؤجرة، سواء كانت عقارات بطبيعتها أم عقارات بالتخصيص، وسواء كانت تجارية أم صناعية أم سكنية، وسواء أكانت مستأجرة أم مملوكة من الدولة أو من المؤسسات العامة أو شركات القطاع العام أو المشترك أو الأوقاف أو الأفراد أو الجمعيات التعاونية أو الاجتماعية أو الرياضية أو النقابات إلا ما استثناه المشرع بنص خاص.

وقد منع المشرع المؤجر والمستأجر من الادعاء بتخمين العقارات الآتية:

1- ما نصت عليه الفقرة /ب/ البند الرابع من المادة الأولى من المرسوم التشريعي ذي الرقم (187) تاريـخ 7/9/1970 بقولها: «لا يحق للمالك الادعاء بالغبن بالنسبة للعقارات التي خفضت بدلات إيجارها وفقاً لأحكام هذا المرسوم التشريعي مهما امتد زمن الإشغال باستثناء العقارات المؤجرة لغير العرب السوريين لأغراض تجارية أو صناعية أو مهن حرة». وبموجب المرسوم التشريعي المذكور تكون العقارات التي لا يحق للمؤجر طلب تخمينها سابقاً مهما امتد زمن الإشغال هي: العقارات المؤجرة للدوائر الحكومية أو المؤسسات العامة أو البلديات أو النقابات أو المنظمات الشعبية أو الشركات المؤممة وغيرها من جهات القطاع العام مهما كانت جهة اســتعمالها إذا كانت عقود إيجارها قبل تاريخ 7/9/1970، وكذلك العقارات المؤثثة المفروشــة والعقارات المؤجـــــــــرة لسكن العرب السـوريين وغيـــــــــــــــــــر العرب السوريين إذا كانت مؤجـــــــــرة قبل 7/9/1970.

ولابد من الإشارة إلى أن العقارات التي ورد عليها التخفيض في المرسوم التشريعي رقم (187) لعام 1970 قد بقيت بمنأى عن قاعدة الادعاء بالغبن إلى تاريخ صدور القانون رقم /6/ لعام 2001 الذي أعطت الفقرة /آ/ من  المادة /2/ منه الحق لطرفي العقد بالادعاء بالغبن وتخمين المأجور بعد مرور خمس سنوات اعتباراً من تاريخ نفاذ هذا القانون، بعد أن قرر زيادة بدلات إيجار العقارات المؤجرة للسكن أو لغيره المحددة وفق أحكام المرسوم التشريعي رقم /187/ لعام 1970 إلى خمسة أمثالها على ألا تقل عن الأجر الحالي.

2- العقارات التي يتم الترخيص ببنائها بعد تاريخ 14/5/1976، فإن التعاقد على تحديد بدل إيجارها يبقى حراً لمدة ســت سنوات ابتداء من تاريخ الرخصـة لإقامـة البناء، ويمتنع على الطرفين المؤجـر والمستأجر الادعاء بالغبن وطلب تخمينها عملاً بأحكام المادة الأولى من المرسوم التشريعي (رقم 16) تاريخ 14/5/1976.

3- العقارات المرخــــــــــــــــص ببنائها بعد 1/1/1973 والتي لم يجـــــــــــــر تأجيرها قبل 14/5/1976 يبقى التعاقد على تحديد بدل إيجارها حراً لمدة ثلاث سنوات اعتباراً من 14/5/1976، ويمتنع على الطرفين المؤجر والمستأجر الادعاء بالغبن وطلب تخمينها خلال هذه المدة عملاً بأحكام الفقرة /2/ من المرسوم التشريعي (رقم 16) تاريخ 14/5/1976.

4- العقارات المعدة للسكن لغاية الاصطياف أو السياحة أو الاستجمام أينما وجدت هذه المساكن، وسواء أكان المستأجر من السوريين أم من أية جنسية أخرى، والتي نُظم بها عقد إيجار في ظل نفاذ المرسوم التشريعي رقم /3/ تاريخ 30/7/1987 المسمى بقانون الإيجار الموسمي.

5- العقارات المعدة للسكن أو الاصطياف أو السياحة أو الاستجمام أو المأجورة من أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية أو من الدوائر الرسـمية أو المنظمات الشعبية أو النقابات على مختلف مستوياتها أو الجمعيات أو الوحدات الإدارية أو البلديات أو مؤســسات القطاع العام أو المشـترك أو المؤســسات التعليمية والمدارس والتي نُظم بها عقد إيجار بعد نفاذ قانون الإيجار الجديد ذي الرقم /6/ تاريخ 15/2/2001 النافذ بتاريخ 21/2/2001، وهو تاريخ نشره في الجريدة الرسمية في العدد رقم 8 صفحة 411.

6- العقارات المعدة للسكن أو الاصطياف أو السياحة أو الاستجمام أو المعدة لممارســة أعمال تجارية أو صناعية أو حرفية أو مهنة حرة أو علمية منظمة قانوناً أو المأجورة من أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية أو من الدوائر الرسـمية أو المنظمات الشعبية أو النقابات على مختلف مستوياتها أو الجمعيات أو الوحدات الإدارية أو البلديات أو مؤسسات القطاع العام والمشترك أو المؤسـسات التعليمية والمدارس والتي نُظم بها عقد إيجار بعد تاريخ نفاذ القانون ذي الرقم (10) تاريخ 26/2/2006 النافذ بتاريخ 9/3/2006، وهو تاريخ نشره في الجريدة الرسمية في العدد 9 صفحة 671، والذي عدل المادة الأولى من قانون الإيجار الجديد ذي الرقم /6/ لعام 2001.

سادساً: الدعوى التخمينية وإجراءاتها

نصت المادة /6/ من قانون الإيجارات الجديد ذي الرقم /6/ لعام 2001 على ما يأتي:

«أ- إذا ادعى المؤجر أو المستأجر الغبن في بدل الإيجار عيّن القاضي الصلحي خبيراً أو ثلاثة خبراء لتقدير قيمة العقار موضوع الخلاف.

ب- للخصوم أن يتفقوا على اختيار الخبير أو الخبراء الثلاثة، وفي هذه الحال يثبت القاضي اتفاقهم في محضر الجلسة، ويقرر تعيين الخبراء الذين وقع الاختيار عليهم.

وإذا لم يتفق الخصوم على اختيار الخبير أو الخبراء الثلاثة، فعلى كل فريق منهم تسمية خبير من جدول الخبراء المعلن بقرار من وزير العدل، ويعيّن القاضي الخبير الثالث من هذا الجدول على أنه يجوز للخصوم الاتفاق على تعيينه دون التقيد بالجدول المذكور.

وإذا تمنع أحد الخصوم عن تسمية خبيره عاد أمر اختياره واختيار الخبير الثالث إلى القاضي. وأما في المحاكمات الغيابية فيعود للقاضي حق اختيار الخبير أو الخبراء الثلاثة.

ج- في العقارات المشتركة يسري الحكم بتحديد الأجرة الصادر في مواجهة بعض الشـركاء المؤجرين أو المستأجرين الذيـن يملكون أغلبيـة الحصص على الباقين ما لم يثبت أن الحكم مبني على غـش أو حيلة.

د- تحكم المحكمة بإلزام المدعى عليه بجميع المصاريف ما لم يظهر لها أن الغبن ليس بجسيم أو يثبت لها أن المحكوم له تسبب في إنفاق مصاريف لا فائدة منها، وفي هذه الحالة يحق للمحكمة أن توزع المصاريف بين الطرفين بالنسبة التي تراها عادلة».

من ذلك يتضح أن طلب التخمين يحتاج إلى ادعاء أمام قاضي الصلح المدني عملاً بأحكام الفقرة /أ/ من المادة /63/ من قانون أصول المحاكمات، وهذا الادعاء يكون عادة إما من المؤجر يطلب فيه تخمين العقار المأجـور لزيادة بدل إيجاره، وإما يكون هذا الادعاء من المســتأجر يطلب تخمين العقار وإنقاص الأجرة. وإن تحديد بدل الإيجار في دعاوى تحديد بدل الإيجار إنما يتم على أساس وجهة الاستعمال الفعلي يوم قيد الدعوى، دون أن يتعدى ذلك إلى شروط عقد الإيجار التي تبقى نافذة بين الطرفين، ويمكن تعديل بدل الإيجار إذا تغير وجه الاستعمال الفعلي.

ودعوى التخمين تقوم على ركنين أساسيين:

1- النسبة القانونية التي حددها المشرع وفقاً لطبيعة استعمال العقار: نصت الفقرة /ج/ من المادة الأولى من القانون ذي الرقم /6/ لعام 2001  على أن «تحدد أجور العقارات المعيّنة بالفقرة /ب/ من هذه المادة وفقاً للنسب الآتية من قيمة العقار المأجور بتاريخ الادعاء وذلك عن سنة ميلادية:

أ- (5) بالمئة من قيمة العقارات المأجورة للسكن مضافاً إليها 20 بالمئة من قيمة الأثاث الداخل في عقد الإيجار.

ب- (6) بالمئة من قيمة العقارات المأجورة من أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية أو من الدوائر الرسمية أو الوحدات الإدارية أو البلديات أو المنظمات الشعبية أو النقابات على مختلف مستوياتها أو الجمعيات أو المأجورة لمزاولة مهنة حرة أو علمية منظمة قانوناً.

ج- (7) بالمئة من قيمة العقارات المأجورة للدوائر الرسمية لاستعمالها محاكم أو المأجورة للاستثمار التجاري أو الصناعي أو لمهنة حرفية.

د- (8) بالمئة من قيمة العقارات المأجورة لاستعمالها مدارس».

2- قيمة المأجور: يحدد القاضي قيمة المأجور استناداً إلى تقرير الخبير أو الخبراء المختصين وفق الأسس الآتية:

أ- اختيار الخبراء وتعيينهم وتبديلهم والاعتراض عليهم: إن تسمية الخبراء تعود إلى الطرفين أولاً، ولا يتدخل القاضي في تلك التسمية إلا عند الامتناع أو الاختلاف، وهذا من النظام العام. فإذا اتفقوا على خبير واحد فليس للقاضي تعيين ثلاثة خبراء، وإن اتفقوا على ثلاثة خبراء فليس للقاضي الاعتراض عليهم أو على أحدهم أو الإصرار على تعيين واحد فقط. وإن اختيار المحكمة خبيراً من تلقاء نفسها قبل التحقق من عدم اتفاق الطرفين غير جائز. وإذا اختار كل طرف خبيره كان عليه أن يختاره من الخبراء الواردة أسماؤهم في جدول الخبراء الذي تصـدره وتعلنه وزارة العدل دورياً كل سنتين تطبيقاً لقانون الخبراء رقم (42) تاريخ 15/3/1979 المادة الثانية منه حيث نصت على أنه «يعمل بجدول الخبراء الاختصاصيين مدة سنتين بدءاً من تاريخ إعلانه في لوحة إعلانات وزارة العدل، ويجوز بقرار من وزير العدل بناءً على اقتراح لجنة الخبراء إعادة النظر فيه قبل بدء كل سنة لإضافة خبراء جدد إلى بعض أنواع الخبرة إذا اقتضت الضرورة ذلك». أما الخبير الثالث فللطرفين الاتفاق على اختياره دون التقيد بجــدول الخبراء وعلى القاضي إقرار ذلك، وإن تعيين القاضي لخبير غير مسجل بجدول الخبراء لا يعدّ مخالفاً للنظام العام إذا لم يعترض على تسميته أحد الخصوم، فإذا اعترضوا كان على القاضي التقيد بجدول الخبراء. وإن عدم تعيين المحكمة خبيرها بجلسة علنية يجعل إجراءات الخبرة باطلة؛ لأن إجراءات الخبرة من النظام العام. وإن اختيار أحد الطرفين خبيره السابق في الخبرة الأولى لا يجرح تقرير الخبرة الثانية. وإن اختيار أحد الطرفين لخبير سابق عاين العقار بصورة شـخصية، وأعطى رأيه بقيمته جائز، ولا يخالف القانون. والخبير كالشــاهد وبالتالي لا يجوز تعيين من لا تصلح شهادته وفق أحكام المادة (61) من قانون البينات كالوصي لليتيم والوكيل لموكله والشريك لشريكه والكفيل لمكفوله، ويتم تعيين الخبراء بقرار من المحكمة.

ويحق لكل طرف من أطراف الدعوى الاعتراض على تسمية الخبراء أو أحدهم، إما لعدم الكفاءة وإما لخصومات شخصية وإما لوجود مصلحة للخبير قد تؤثر في وجدانه في التقدير. فإن لم يستجب القاضي لذلك؛ كان من حق المعترض رد الخبير وفق أحكام المادة (174) من قانون أصول المحاكمات.

وإذا ترك الأطراف أمر تعيين الخبير أو الخبراء إلى المحكمة كان من حق القاضي إجراء التبديل، ويتم التبديل في مجلس الحكم، ولا يجوز أن يتم في أثناء الكشف إلا إذا وافق الطرفان على ذلك. وإذا حدد القاضي موعد الكشف، وتأخر الخبير عن الحضور، فإن كان خبيراً مسمى من المحكمة، وبُلِّغ أصولاً؛ جاز للقاضي تبديله قبل الكشف دون انتظاره الساعة القانونية، وإلا فلا يبدل إلا بموافقة الطـرف الذي عيّنه. وإذا تخلف خبير أحـد الطرفين دون عذر أو اعتذر، وقبل اعتذاره، وتمنع الطرف الذي عيّنه عن تبديله؛ كان من حق المحكمة اختيار أحد الخبراء بدلاً منه في مجلس الحكم، وللخبير أن يعتذر عن المهمة، ويطلب إعفاءه خلال خمسة أيام من صدور قرار تعيينه عملاً بأحكام المادة (145) من قانون البينات. ولا يجوز تبديل الخبير دون بيان السبب. وللمحكمة الحق باستبدال الخبراء الذين يتخلفون عن الحضور والكشف رغم تبلغهم أو تفهمهم الموعد أصولاً، ودون الرجوع لرأي أو رغبة الطرفين. وإن شطب اسم الخبير من قائمة الخبراء فيما بعد لا ينال من صحة خبرته التي قدمها قبل ذلك إن صح هذا الشـطب فعلاً.

ويجب على المحكمة تحليف الخبراء اليمين المنصوص عليها في المادة (144) من قانون البينات قبل تسلّمهم لمهمتهم تحت طائلة البطلان. وإذا كان الخبراء قد أدرجت أسماؤهم في جدول الخبراء فيكفي أن تذكرهم المحكمة باليمين التي سبق أن حلفوها عند إدراج اسمهم في الجدول دون حاجة إلى تحليفهم إياها مجدداً عند مباشرتهم أعمال الخبرة.

ب- الكشف على المأجور وتسليم الخبراء مهمتهم: لابد من أجل تقدير قيمة المأجور من معاينته من قبل المحكمة والخبير. فتقوم المحكمة بحضور الخبراء بالكشف على المأجور وتحديد مواصفاته ومشتملاته، ومن ثم يتوجب عليها تحديد المهمة الموكلة للخبراء بالتفصيل وفقاً لأحكام الفقرة /ج/ من المادة (140) من قانون البينات التي نصت على بيان المسائل التي يراد الاستعانة بخبرتهم فيها وما يرخص لهم في اتخاذه من التدابير العاجلة عند الاقتضاء، وأن تحصر مهمتهم بتقدير قيمة المأجور بتاريخ الادعاء.

ويسوغ للقاضي إجراء الكشف على العقار المأجور في غياب الخصم المتخلف عن الحضور دون حاجة إلى تبليغه موعد الكشف.

كما يتعين على المحكمة أن تبين للخبير جميع الاعتبارات التي تدخل في تقدير قيمة العقار المأجور وأن تبرزها له؛ ليكون تقديره للقيمة أقرب ما يمكن للصواب. وإن إهمال ذكر مشتملات المأجور في محضر الكشف والمعاينة يجعل الخبرة مشوبة بالغموض.

وإذا قرر القاضي إجراء معاينة المأجور، ثم شخُص إليه، ووجده مغلقاً؛ فعليه أن يتابع تنفيذ قراره في وقت لاحق لا أن يكلف الخبير بالعودة ثانية إليه ومعاينته منفرداً وتقديره؛ لأن القانون أوجب أن تتم المعاينة والكشف من قبل القاضي الذي ينظم محضراً بوصف المأجور مستعيناً بالخبير.

كما أنه ليس للخبير أن يعتمد في تقدير قيمة المأجور على العقار المجاور له بعد أن وجد المأجور موضوع الادعـاء مغلقاً، إذ لابد من إجراء الكشـف على العقار المدعى به ذاتـــه وتقديره. 

بعد كل ذلك يوقع القاضي والخبراء وأطراف الدعوى على محضر الكشف. وإن امتناع أحد أطراف الدعوى عن توقيع محضر الكشف أو توقيعه مع التحفظ لا يؤثر في صحة هذا المحضر.

ج- تقرير الخبرة والأسـس التي يجب أن يعتمدها الخبراء في التقويم: بعد تسلّم الخبراء مهمتهم وتحليفهم اليمين القانونية عليهم أن يتصلوا بطرفي الدعوى لسـماع أقوالهم وملاحظاتهــم، وينظموا محضراً بذلك يوقع عليه الخصوم عملاً بأحكام المادة (150) من قانون البينات. وقد قضى الاجتهاد بأنه يتوجب على الخبير دعوة الطرفين عند إجرائه الخبرة، وإن عدم دعوة الخبير لأطراف الخصومة للاستيضاح منهم عن بعض الأمور الغامضة يعدّ إخلالاً بحق الدفاع موجباً للنقض. بيد أن اجتهاد محكمة النقض قد استقر أنه لا محل للتقيد بالإجراءات المتعلقة بالخبرة والمنصوص عليها في قانون البينات في مجال تحديد أجور العقارات باعتبار أن قانون الإيجار هو قانون استثنائي، وقد عالج هذه النواحي. ووفقاً لذلك فإن للخبراء أن يقدموا تقريرهم فوراً على ضبط الكشف كما أن لهم أن يستمهلوا لتقديم تقرير مفصل بالنتيجة.

ويجب على الخبراء عند التقويم مراعاة الأسس الآتية:

(1) يجب أن يوزعوا قيمة الأرض على عدد الطوابق المسموح ببنائها حسب الأنظمة حتى لو كان المأجور عرصة أو داراً عربية.

(2) اعتبار القيمة الفعلية للعقار، ويدخل في الاعتبارات المؤثرة في التخمين وتقدير القيمة الشرائية للمأجور موقع العقار ومسـاحته ومشـتملاته وطراز بنائه والمواد المبني عليها وتوزيعه الطابقي ودرجة الانتفاع به إذا كانت مؤثرة في قيمته الشرائية إلى جانب الاعتبارات الأخرى التي تقدرها محكمة الموضوع. وتتخذ قيمة المأجور الشرائية أساساً لتحديد البدل، دون الالتفات لإمكانية استفادة المستأجر من هذا المأجور أو احتمال زيادة الاستفادة منه، فيما لو قام المؤجر ببناء طوابق على أرض العقار، ما دام المستأجر رضي بتسلّم المأجور بحالته الراهنة.

(3) مراعاة كون العقار مؤجراً، وهذا يعني إنزال المبلغ المعادل للفروغ من القيمة الإجمالية للعقار؛ لأن الفروغ من حق المستأجر وثمن لجهده ونشاطه وسمعته واســمه التجاري وزبائنه في المحلات التجارية فقط.

(4) عدم إدخال الإصلاحات والتحسينات التي يجريها المستأجر من ماله الخاص في المأجور بالتقدير حتى لو تبرع بها للمالك. والمحكمة هي التي تحدد التحسينات الجارية من قبل المسـتأجر في حال وجودها، وتكلف الخبير بتنزيل قيمتها من أصل القيمة المقدرة بعد الإثبات، مع مراعاة أن التحسينات التي يجريها المستأجر السابق على المأجور المخصص بغرض تجاري أو صناعي تدخل في تقدير قيمة العقار في معرض تخمين أجرته بمواجهة المستأجر اللاحق بصفته مشترياً ذلك المتجر أو المصنع إذا كانت تتعلق بالبناء بحيث لا تنفصل عنه كتغيير الدرج أو البلاط إلى نوع أفضل، أما إذا كانت من النوع الذي يمكن فصله عن العقار كالخزائن والسقيفة و«الفترينات» وغير ذلك فلا تدخل في التقدير.

(5) مراعاة مساحة العقار وطراز بنائه وموقعه والمواد المبني عليها. وإن المساحة التي يؤخذ بها في القضايا المتعلقة بتحديد بدل المأجور هي المساحة التي تظهر نتيجة القياس الذي يجريه الخبراء في الخبرة التي تجري بإشراف المحكمة المختصة، وليست المساحة المدونة في البيان المساحي الصادر عن مديرية المساحة، باعتبار أن المساحة المدونة في هذا البيان هي مساحة تقريبية إضافة إلى أنها قد تكون مؤقتة.

(6) تحديد القيمة بتاريخ الادعاء، وإن خلو تقرير الخبرة من بيان أن التقدير كان بتاريخ الادعاء لا يبطـل الخبرة؛ لأنه لا يعـدو أن يكون غموضاً يمكن تداركه بسـؤال الخبير عنه. وبالتالي فإن الحكم الصادر بتعديل الأجرة في دعوى التخمين ينفذ بتعديل الأجرة من تاريخ رفع الدعوى وفقاً للقاعدة العامة؛ لأن الأحكام في الأصل كاشفة لا مقررة. مع التنويه أن رفع الدعوى لا يعفي المستأجر من الاستمرار في دفع الأجرة المستحقة عليه إلى أن يحكم بتعديلها، وبعد صدور الحكم تسري الأجرة المعدلة، وتصفى الحقوق على أساسها ابتداء من تاريخ رفع الدعوى بالتعديل.

(7) إدخال جميع مشتملات العقار وملحقاته في التقدير. وعلى الخبراء أن يذكروا في تقريرهم أنهم أخذوا تلك العوامل جميعاً بالحسبان، وإلا كان التقرير ناقصاً. وتكفي الإشارة في تقريرهم إلى أنهم قد راعوا جميع العوامل الداخلة في التقويم عند التقدير.

د- الطعن في تقرير الخبرة وحرية القاضي في الأخذ به: يحق لأطراف الدعوى الطعن في تقرير الخبرة وبيان ملاحظاتهم حوله. ولا يكون لملاحظاتهم اعتبار إلا إذا كانت تتعلق بنقص موضوعي أو غموض في تقرير الخبرة أو بطلان في إجراءاتها.

والخبرة في قضايا الإيجارات ليست للاستئناس، وإنما هي ملزمة للقاضي متى جاءت مستكملة لإجراءاتها وشروطها، ولا يملك القاضي إعادتها ولو لم يقتنع بصحتها؛ لأن القاضي ليس بخبير. ولا يملك القاضي إعادة الخبـرة إلا لنقص فيها أو غموض أو بطلان في إجراءاتها. وعند وجود النقص أو الغموض يتوجب عليه دعوة الخبراء للإيضاح منهم قبل تقرير إعادتها. وفي حال اختلاف الخبراء بآرائهم كأن يتقدم كل من الخبراء الثلاثة برأي يختلف عن رأي الآخر، أو يتقدم أكثرية الخبراء برأي، وينفرد الخبير الآخر برأي مخالف؛ فإن من حق القاضي أن يأخذ بالرأي المولد لقناعته واعتماده في الحكم دون الآراء الأخرى، شريطة أن يعلل تعليلاً كافياً أخذه بهذا الرأي دون الآخر، لتتمكن محكمة النقض من بسط رقابتها على الحكم. وعلى هذا استقر اجتهاد الهيئة العامة لمحكمة النقض على أنه يجوز للمحكمة عدم التقيد برأي الخبير على أن تبين الأســباب التي أوجبت إهماله، كأن تأخذ بخبرة خبير واحد، وتهمل تقرير ثلاثة خبراء.

وكذلك فإن حرية القاضي في التقدير لا تبيح له الأخذ بالحد الوسط بين الرقم المحدد من قبل أكثرية الخبراء والرقم المعيّن من قبل الخبير المخالف؛ لأن هذا التقدير يكون مستنداً إلى علم القاضي الشخصي.

وإذا كان الاختلاف في التقدير كبيراً بين أكثرية الخبراء والخبير المخالف وجب دعوتهم جميعاً للإيضاح قبل الحكم. وإذا جرى الاستيضاح من الخبراء حول التفاوت الكبير فيما بينهم في التقدير، كان للمحكمة الأخذ بالرأي الذي تراه والذي أبداه فريق الأكثرية أو الخبير الثالث المخالف. مع التنويه أن التفاوت بين أكثرية الخبراء والأقلية لا يوجب بحد ذاته إعادة الخبرة ما لم يكن مدعماً بأدلة تؤدي على الأقل إلى الشك في صحة التقدير. وإذا رأت المحكمة عيباً في الخبرة الثانية؛ فلا يحق لها العودة إلى الخبرة الأولى والأخذ بها، ولابد لها من إجراء خبرة جديدة. ويجوز للمحكمة عدم التقيد برأي الخبير على أن تبين الأسباب التي أوجبت إهماله، كأن تأخذ بخبرة خبير واحد، وتهمل تقرير الخبيرين.

هـ- الحكم بتحديد الأجرة وأثره في المدعي والمتدخل والشركاء: تسري الأجرة الجديدة المحددة في قرار التخمين بدءاً من تاريخ الادعاء. وإذا شطبت الدعوى وجددت؛ فإن الأجرة الجديدة تسري من تاريخ التجديد. وفي حال تصحيح الخصومة في أثناء سير الدعوى فإن التخمين يبدأ من تاريخ التصحيح لا من تاريخ الادعاء الأصلي. وإذا طلب التخمين بطلب عارض تبدأ الأجرة من تاريخ الطلب. أما إذا كان هناك ادعاء بالتقابل فإن ذلك الادعاء ينسحب أثره إلى تاريخ الادعاء الأصلي، ويتوجب على القاضي أن يبين في حكمه تاريخ بدء سريان الأجرة الجديدة، وإلا كان قراره معرضاً للنقض. وقضى الاجتهاد القضائي أنه في العقارات المشتركة يسري الحكم بتحديد الأجرة الصادرة في مواجهة بعض الشركاء المؤجرين أو المستأجرين الذين يملكون أغلبية الحصص على الباقين؛ ما لم يثبت أن الحكم مبني على غش أو حيلة. وإن عدم ملكية غالبية السهام في العقار يمنع تخمين كامل العقار. وإن بقاء المأجور مسجلاً باسم مورث المدعيين في السجل العقاري يستدعي إبراز حصر إرث يبين مقدار حصتهما الإرثية لمعرفة مقدار نصيبهما الإرثي في المأجور؛ وبالتالي معرفة ما إذا كانا يملكان غالبية السهام.

و- توزيع الرسوم والمصاريف في دعوى التخمين: بحسب نص الفقرة /د/ من المادة السادسة من قانون الإيجار رقم /6/ لعام 2001 فإن مصاريف الدعوى تقع على عاتق المدعى عليه في الدعوى الذي خسر الدعوى، وجرى إلزامه بمطالب المدعي المحقة؛ أي إذا ظهر أن الغبن كان جسيماً. أما إذا ظهر للمحكمة أن الغبن ليس بجسيم أو تأكدت أن المدعي في الدعوى الذي طلب إزالة الغبن قد تسبب في إنفاق مصاريف لا فائدة منها، ففي هذه الحالة ترك المشرع للقاضي الذي ينظر في دعوى التخمين أن يوزع هذه المصاريف بين الطرفين المدعي والمدعى عليه بحسب ما تقتضيه قواعد العدالة والإنصاف ووفق الوقائع التي تقتنع بها المحكمة لهذه الجهة.

سابعاً: الجهة القضائية المختصة للفصل في دعاوى التخمين

نصت الفقرتان /أ/ و/ب/ من المادة (5) من قانون الإيجار ذي الرقم (6) لعام 2001 على أنه:

«أ- يفصل قضاة الصلح بالدرجة الأخيرة في دعاوى أجور العقارات وتقديرها وتخلية المأجور وفسخ عقد الإيجار وبطلانه وإنهائه والتعويض عنه وفي كل الخلافات الإيجارية مهما بلغت أجرة العقار أو المبلغ المدعى به.

ب- تفصل محكمة النقض على وجه الاستعجال في دعاوى الإيجار».

من ذلك يتضح أن محكمة الصلح المدنية هي صاحبة الاختصاص للنظر والبت في قضايا تخمين المأجور مهما بلغت أجرة العقار، وأن قرار محكمة الصلح الذي يصدر بهذا الخصوص يكون قابلاً للطعن بالنقض؛ وأن محكمة النقض تفصل على وجه السرعة في دعاوى الإيجار، ومن بينها دعاوى التخمين، وبذلك أعطى القانون لهذه الدعاوى ميزة خاصة عن الدعاوى الأخرى المتعلقة بغير قانون الإيجار.

ثامناً: عوارض المحاكمة في قضايا التخمين

في أثناء سير الدعوى التخمينية قد تحدث عدة عوارض كأن يتوفى أحد المدعين المالكين على الشيوع، فقرر الاجتهاد القضائي أن وفاة أحد المالكين على الشيوع لعقار في أثناء النظر بدعوى تخمينية لا يوجب قطع الخصومة؛ لأنه بالإمكان السير بالدعوى لجهة حصص بقية المالكين المدعين. أو أن تكون الخصومة فيها ابتداءً غير صحيحة، ومن ثم تصحح الخصومة أمام محكمة الدرجة الأولى بطلب أحد الخصوم، ففي هذه الحالة كما سبق بيانه إذا صححت الخصومة؛ فإن التخمين يسري من تاريخ التصحيح لا من تاريخ الادعاء الأصلي. أو أن يتنازل المدعي المستأجر عن دعواه بطلب التخمين ورفض المدعى عليه المؤجر هذا التنازل. ففي هذه الحالة قرر الاجتهاد القضائي أنه ينبغي لكي  يحكم بتعديل البدل على ضوء تقرير الخبرة أن يكون لدى المحكمة ادعاء من قبل المؤجر بالغبن؛ لأن الادعاء مرتكز على الغبن، وفي حال انتفائه وعدم قبول التنازل يصار إلى رد الدعوى. وكذلك إذا ثبت للخصم بعد الخبرة في دعوى التخمين أنه هو المغبون وليس المدعي؛ فله أن يرفع الدعوى المتقابلة لإزالة الغبن عنه بدءاً من تاريخها حتى لو تقدم بها بعد إجراء الخبرة، ولا يحد من حقه في هذا الخصوص تنازل خصمه المدعي عن الدعوى الأصلية ما لم يقترن هذا التنازل بموافقته. وكذلك أيضاً إن استيفاء الأجور عن مدة لاحقة للمدة المتعاقد عليها أو المدفوع أجورها عند التعاقد لا يعدّ تجديداً لهذه المدة الأخيرة، وإنما هو تجديد بمفعول القانون يخوله استعمال حق التخمين ولو عن مدة مدفوع أجورها واقعة بعد تاريخ الادعاء بالتخمين.

 

مراجع للاستزادة:

 

- محمد علي فينو، شرح أحكام القانون رقم 10/2006 (المطبعة التعاونية، الطبعة الأولى، دمشق 2007).

- محمد علي فينو، أضواء على أحكام قانون الإيجار الجديد رقم 6 لعام 2001 (المطبعة التعاونية، دمشق 2001).

- محمد علي فينو، الملحق الأول لكتاب «أضواء على أحكام قانون الإيجار الجديد رقم 6 لعام 2001».

 


التصنيف : القانون الخاص
النوع : القانون الخاص
المجلد: المجلد الثاني: بطاقة الائتمان ــ الجرائم الواقعة على السلطة العامة
رقم الصفحة ضمن المجلد : 127
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1049
الكل : 58491656
اليوم : 64170