logo

logo

logo

logo

logo

الغرامة التهديدية

غرامه تهديديه

threatening fine - astreinte

 تنفيذ الالتزام

تنفيذ الالتزام

الغرامة التهديدية

فواز صالح

 

الأصل في تنفيذ الالتزام - طوعاً أو جبراً - هو التنفيذ العيني، ويعني التزام المدين بأداء ما التزم به فعلاً وبذاته لا بشيء آخر. فإذا كان المدين قد التزم بنقل ملكية شيء معين، فالتنفيذ العيني لالتزامه يكون بنقل ملكية هذا الشيء بذاته. وإذا كان قد التزم بالقيام بعمل معين فالتنفيذ العيني لالتزامه يكون بالقيام بذلك العمل بذاته. والأصل أيضاً أن يقوم المدين بتنفيذ التزامه طوعاً، فإذا رفض ذلك يحق للدائن اللجوء إلى القضاء من أجل الحصول على حكم بإجبار المدين على تنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً. والإجبار في التنفيذ العيني على شكلين وهما: الإجبار المباشر والإجبار غير المباشر. والغرامة التهديدية L’astreinte هي وسيلة من وسائل التنفيذ العيني الجبري غير المباشر، إضافة إلى حبس المدين الذي نصت عليه المادة 460 من قانون أصول المحاكمات السوري لعام 1953 وتعديلاته. ونص القانون المدني السوري على أحكام الغرامة التهديدية في المادتين 214 و215 منه. أما التقنين المدني الفرنسي الصادر في العام 1804 فلم يكن ينظم الغرامة التهديدية، ولكن القضاء الفرنسي كان يستند من أجل الحكم بالغرامة التهديدية إلى نص المادة 1036 من تقنين أصول المحاكمات المدنية الفرنسي القديم لعام 1806، الذي كان يجيز للمحاكم أن تصدر في القضايا التي تنظر فيها ولو من تلقاء نفسها أوامر، وأن تأمر بطبع أحكامها ونشرها. وقد تدخل المشرع الفرنسي، بموجب القانون رقم 626/72 تاريخ 5/7/1972 معدلاً المادة 10 من التقنين المدني حيث أجاز الحكم بالغرامة التهديدية من أجل إلزام الشاهد الممتنع عن الإدلاء بشهادته بأداء هذه الشهادة بهدف مساعدة العدالة على إظهار الحقيقة. وثم بعد ذلك عدلت أحكام هذا القانون بموجب القانون رقم 650/91 تاريخ 9/5/1991، الذي نظم الغرامة التهديدية في المواد من 33 حتى 37 منه.

أولاً- مفهوم الغرامة التهديدية:

1- تعريف الغرامة التهديدية: الغرامة التهديدية هي وسيلة مالية يلجأ إليها الدائن من أجل إجبار المدين بطريق غير مباشر على تنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً، إذا كان محل التزامه عملاً أو امتناعاً عن عمل، عندما يكون هذا الالتزام قائماً على الاعتبار الشخصي للمدين بحيث لا يكون التنفيذ العيني ممكناً أو ملائماً إلا إذا قام به المدين نفسه. ويكون ذلك بطلب الدائن الحكم على المدين بتنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً خلال مدة زمنية معينة، ويكون هذا الحكم مرافقاً بغرامة تهديدية متمثلة بمبلغ من المال، تفرض على المدين في حال تأخره في تنفيذ التزامه عن كل يوم أو كل أسبوع أو كل شهر، أو عن كل مرة يقوم بعمل مخل بالتزامه إذا كان محل التزامه امتناعاً عن عمل، وذلك إلى أن يقوم المدين بالتنفيذ العيني لالتزامه أو يمتنع عن الإخلال بالتزامه بصورة نهائية. وهذا ما أكدته المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدني المصري، إذ جاء فيها أن قواعد الغرامة التهديدية «تسري على كل التزام بعمل أو امتناع عن عمل، أياً كان مصدره، متى كان الوفاء به لا يزال في حدود الإمكان، وكان هذا الوفاء يقتضي تدخل المدين نفسه. والغرامة المالية هي مبلغ من المال يقضى بإلزام المدين بأدائه عن كل يوم أو أسبوع أو شهر أو أي فترة معينة من الزمن، أو عن كل إخلال يرد على الالتزام. ويقصد من هذه الغرامة إلى التغلب على ممانعة المدين المتخلف، ولهذا أجيز للقاضي أن يزيد فيها إزاء تلك المخالفة كلما آنس أن ذلك أكفل بتحقيق الغرض المقصود».

2- الطبيعة القانونية للغرامة التهديدية:

يستخلص من تعريف الغرامة التهديدية أنها وسيلة مالية تهدف إلى الضغط على إرادة المدين من أجل حمله على تنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً والتغلب على تعنته. ويترتب على ذلك أن الغرامة التهديدية هي وسيلة غير مباشرة من وسائل التنفيذ العيني الجبري، وهذه الوسيلة إما أن تنجح وتجبر المدين على تنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً، وإما أن تفشل ولا تستطيع التغلب على تعنت المدين وإصراره على عدم التنفيذ، وفي هذه الحال يعد التنفيذ العيني مستحيلاً حكماً، وإن لم يكن كذلك حقيقة، وليس أمام الدائن هنا سوى طلب التنفيذ عن طريق التعويض. وطالما أن الغرامة التهديدية هي وسيلة غير مباشرة من وسائل التنفيذ العيني الجبري، لذلك هي تختلف من ناحية عن التعويض، وتختلف من ناحية أخرى عن العقوبة الخاصة.

أ- التمييز بين الغرامة التهديدية وبين التعويض:

لا تعد الغرامة التهديدية تعويضاً عن الضرر الذي يلحق بالدائن نتيجة تأخير المدين في تنفيذ التزامه، وإنما هي وسيلة إكراه تمارس على المدين من أجل حمله على تنفيذ التزامه. وتترتب على التمييز بين الغرامة التهديدية والتعويض النتائج الآتية:

(1) يهدف التعويض إلى جبر الضرر وإصلاحه، في حين أن الغرامة التهديدية لا تهدف إلى ذلك، وإنما تهدف إلى إكراه المدين وحمله على تنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً.

(2) يشمل التعويض ما فات الدائن من كسب وما لحقه من خسارة، وبالتالي فإن التعويض يجب أن يكون متناسباً مع الضرر من حيث المبدأ، إذ لا يمكن الحكم بمبلغ من التعويض أكبر من الضرر الذي لحق بالدائن أو أقل منه. أما في الغرامة التهديدية فلا يشترط أن يكون هناك تناسب بين مبلغ الغرامة وبين الضرر الواقع، ذلك لأنها ليست تعويضاً وبالتالي فلا تقاس بمقياس الضرر. زد على ذلك أن الحكم بالغرامة التهديدية لا يتوقف على وقوع ضرر. وبالمقابل فإن مبلغ الغرامة يتناسب مع درجة تعنت المدين وإصراره على عدم تنفيذ التزامه.

(3) بما أن مبلغ التعويض يتناسب مع مقدار الضرر الواقع لذلك يجب على المحكمة أن تسبب حكمها تحت طائلة فسخه أو نقضه، أما حكم المحكمة الصادر بالغرامة التهديدية فلا يتعين عليها تسبيبه.

ب- التمييز بين الغرامة التهديدية والعقوبة الخاصة:

تبدو الغرامة التهديدية أول وهلة عقوبة خاصة تفرض على المدين بسبب رفضه الانصياع إلى حكم القاضي. وعلى الرغم من هذا الشبه بين الغرامة التهديدية والعقوبة الخاصة لا تعد الغرامة التهديدية عقوبة خاصة؛ وذلك لأن العقوبة نهائية، ويجب تنفيذها طبقاً لمنطوق الحكم الذي قررها، أما الغرامة التهديدية فهي جزاء مؤقت لا تنفذ إلا بعد أن تتحول إلى تعويض نهائي. ويجوز للمدين أن يطلب إعادة النظر فيها من أجل تخفيضها أو إلغائها. ويترتب على ذلك أن الحكم الصادر بالغرامة التهديدية غير صالح للتنفيذ، إنما يجب على الدائن أن يلجأ إلى المحكمة مرة أخرى، بعد أن تبين موقف المدين من الامتثال للتنفيذ العيني أو الإصرار على عدم التنفيذ، فيحصل على حكم جديد بتصفية الغرامة في ضوء ذلك الموقف، وتحولها إلى تعويض نهائي.

وتجدر الإشارة إلى أن القانون الفرنسي يميز بين نوعين من الغرامة التهديدية، وهما: الغرامة التهديدية النهائية والغرامة التهديدية المؤقتة. والأصل أن تكون الغرامة التهديدية مؤقتة، وفق ما نصت عليه المادة 34 من القانون الصادر بتاريخ 9/7/1991 والمتعلق بأصول التنفيذ، ما لم يحدد القاضي طابعها النهائي. ولا يمكن للقاضي أن يحكم بغرامة تهديدية نهائية إلا بعد الحكم بغرامة تهديدية مؤقتة، ولفترة محددة يعينها القاضي في حكمه. وفي حال عدم مراعاة أحد هذين الشرطين تصفى الغرامة التهديدية بوصفها غرامة مؤقتة. وتصفى الغرامة التهديدية -حتى لو كانت نهائية- من قبل قاضي التنفيذ، إلا إذا كانت الدعوى لا تزال أمام القاضي الذي حكم بالغرامة، أو كان هذا القاضي قد احتفظ صراحة لنفسه بالحق في تصفية الغرامة في حكمه. ولا يمكن تعديل مبلغ الغرامة التهديدية النهائية أثناء التصفية، مما يمكن أن يضفي عليها طابع العقوبة الخاصة.

3- خصائص الغرامة التهديدية:

تمتاز الغرامة التهديدية بالخصائص الآتية:

أ- الغرامة التهديدية هي وسيلة إكراه تنصب على أموال المدين، وتهدف إلى التغلب على تعنته وامتناعه عن تنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً. ولكي يكون الإكراه مجدياً تقدر الغرامة عن كل وحدة زمنية يتأخر فيها المدين عن تنفيذ التزامه (ساعة، يوم، أسبوع، شهر…)، أو عن كل مرة يخل فيها بالتزامه؛ لأن المدين يشعر بهذه الطريقة أنه كلما تأخر عن تنفيذ التزامه زاد مبلغ الغرامة التهديدية المحكوم بها. ويترتب على ذلك أن الغرامة التهديدية تقدر تقديراً تحكمياً يراعى فيه المركز المالي للمدين ودرجة تعنته وامتناعه عن تنفيذ التزامه، ولا يراعى في تقديرها الضرر الذي لحق بالدائن. ويكون تقدير مبلغ الغرامة التهديدية عادة أكبر من الضرر الواقع حتى يكون بمقدورها تحقيق الغرض منها وهو انصياع المدين للحكم القضائي وتنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً. ويترتب على ذلك أنه إذا كان القاضي قد قدر بداية مبلغاً، ثم تبين أنه غير كافٍ لانصياع المدين للحكم القضائي فيحق له أن يقرر زيادة المبلغ إلى القدر الذي يراه كافياً لتحقيق ذلك الغرض. وهذا ما أكدته المادة 214/2 من القانون المدني السوري التي تنص على ما يأتي «وإذا رأى القاضي أن مقدار الغرامة ليس كافياً لإكراه المدين الممتنع عن التنفيذ جاز له أن يزيد في الغرامة كلما رأى داعياً للزيادة».

ب- يعد الحكم الصادر بالغرامة التهديدية حكماً مؤقتاً لا نهائياً، وبالتالي لا يكون واجب التنفيذ حتى لو كان صادراً عن محكمة آخر درجة، أو كان الحكم الأصلي مشمولاً بالنفاذ. ولا يكتسب هذا الحكم قوة القضية المقضية ويصبح مبرماً وبالتالي عنواناً للحقيقة؛ لأنه حكم مؤقت، إذ يجوز للقاضي أن يزيد فيه إذا تبين أنه غير كافٍ، كما يجوز للقاضي عند تحويله مبلغ الغرامة إلى تعويض نهائي أن يخفضه أو أن يلغيه نهائياً، وهذا ما أكدته المادة 36/2 من القانون الفرنسي لعام 1991، إذ نصت على أنه يمكن للقاضي إلغاء الغرامة التهديدية بنوعيها المؤقتة والنهائية كلياً أو جزئياً إذا أثبت المدين أن عدم تنفيذ التزامه أو التأخر في تنفيذه يعود إلى سبب أجنبي. كما لا يكون الحكم الصادر بالغرامة التهديدية قابلاً للطعن فيه بطريق النقض حتى لو كان صادراً عن محكمة آخر درجة. ويترتب على ذلك أنه لا يجوز تنفيذ الحكم الصادر بالغرامة التهديدية إلا عندما يتحول إلى تعويض نهائي على ضوء موقف المدين الذي قد ينصاع لهذا الحكم وينفذ التزامه، أو يستمر في غيه وتعنته وبالتالي يصبح التنفيذ العيني مستحيلاً حكماً لا حقيقة. وهذا ما نصت عليه المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدني المصري، إذ جاء فيها أن «الحكم الصادر بالغرامة التهديدية حكم موقوت، تنتفي علة قيامه متى اتخذ المدين موقفاً نهائياً منه، إما بوفائه بالالتزام، وإما بإصراره على التخلف. فإن استبان هذا الموقف وجب على القاضي أن يعيد النظر في حكمه ليفصل في موضوع الخصومة، فإن كان المدين قد أوفى بالتزامه حط عنه الغرامة إزاء استجابته لما أمر به، وألزمه بتعويض عن التأخير لا أكثر، وإن أصر المدين على عناده نهائياً قدر التعويض الواجب عن الضرر الناشئ عن عدم الوفاء. ولكن ينبغي أن يراعى في هذا التقدير ما يكون من أمر ممانعة المدين تعنتاً باعتبار هذه الممانعة عنصراً أدبياً من عناصر احتساب التعويض».

ثانياً- شروط الحكم بالغرامة التهديدية:

تنص المادة 214 من القانون المدني السوري على أنه «إذا كان تنفيذ الالتزام عيناً غير ممكن أو غير ملائم إلا إذا قام به المدين نفسه جاز للدائن أن يحصل على حكم بإلزام المدين بهذا التنفيذ، وبدفع غرامة تهديدية إن امتنع عن ذلك». يتبين من ذلك أنه لا يجوز الحكم بالغرامة التهديدية إلا إذا توافرت الشروط الآتية:

1- أن يكون التنفيذ العيني للالتزام لايزال ممكناً: يشترط من أجل الحكم بالغرامة التهديدية  أن يكون هناك التزام، فإذا لم يوجد التزام أصلاً فلا يمكن الحكم بالغرامة التهديدية. ويترتب على ذلك أنه لا يجوز اللجوء إلى الغرامة التهديدية من أجل إجبار خصم في الدعوى على الحضور أمام القاضي؛ لأنه في الأصل ليس ملزماً بالحضور. ولا يكفي وجود التزام حتى يمكن اللجوء إلى الغرامة التهديدية، وإنما يجب أن يكون المدين ممتنعاً عن تنفيذ الالتزام. ويكون المدين ممتنعاً عن التنفيذ إذا رفض الانصياع لطلب المحكمة إليه بتنفيذ التزامه. أما في حال امتثال المدين لمثل هذا الطلب فلا يجوز اللجوء إلى الغرامة التهديدية، كما لا يمكن الحكم بالغرامة التهديدية إذا نفذ المدين التزامه في الميعاد الذي حددته له المحكمة في حكمها القاضي بالتنفيذ العيني والمؤيد بالغرامة التهديدية؛ لأن الحكم بهذه الغرامة موقوف على عدم تنفيذ المدين لالتزامه في الميعاد المحدد له. ولا يكفي من أجل اللجوء إلى الغرامة التهديدية أن يكون هناك التزام امتنع المدين عن تنفيذه، وإنما يشترط إضافة إلى ذلك أن يكون التنفيذ العيني لذلك الالتزام لايزال ممكناً؛ وذلك لأن الغرامة التهديدية تهدف إلى الحصول على التنفيذ العيني للالتزام. ويترتب على ذلك أنه إذا أصبح التنفيذ العيني مستحيلاً، كما لو كان المدين ملزماً بتسليم مستندات تبين فيما بعد أنها احترقت فلا يمكن اللجوء إلى الغرامة التهديدية لأن الغرض منها أصبح مستحيلاً وهو التنفيذ العيني للالتزام. ولا يهم هنا سبب الاستحالة سواء كان فعل المدين أم سبباً أجنبياً.

2- أن يكون تدخل المدين ضرورياً من أجل تنفيذ الالتزام تنفيذاً عينياً: أما إذا لم يكن تدخل المدين الشخصي ضرورياً من أجل تنفيذ الالتزام تنفيذاً عينياً فلا يمكن اللجوء إلى الغرامة التهديدية، كما لو كان بالإمكان تنفيذ الالتزام على نفقة المدين. وهذا ما أكدته المادة 210 من القانون المدني السوري، إذ تنص على أنه

«1- في الالتزام بعمل، إذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه جاز للدائن أن يطلب ترخيصاً من القضاء في تنفيذ الالتزام على نفقة المدين إذا كان هذا التنفيذ ممكناً.

2- ويجوز في حالة الاستعجال أن ينفذ الدائن الالتزام على نفقة المدين، دون ترخيص من القضاء».

ولا يعد تدخل المدين الشخصي ضرورياً - في الكثير من الحالات - من أجل تنفيذ الالتزام تنفيذاً عينياً، فإذا كان المدين ملتزماً بنقل ملكية منقول معين بذاته فإن الملكية تنتقل بحكم القانون فور نشوء الالتزام، وبالتالي لا يتصور اللجوء إلى الغرامة التهديدية في مثل هذه الحال.

أما إذا كان المدين ملتزماً بنقل ملكية منقول معين بالنوع فإن الملكية تنتقل بالإفراز، وإذا لم يقم المدين طوعاً بذلك فيمكن إجباره مباشرة عن طريق القضاء، وبالتالي لا يتصور هنا أيضاً اللجوء إلى الغرامة التهديدية. أما إذا كان المدين ملتزماً بنقل ملكية عقار مسجل في السجل العقاري فإن الملكية لا تنتقل إلا بالتسجيل في السجل العقاري، ويحتاج ذلك إلى إجراءات رسمية تتطلب حضور المدين أو من ينوب عنه أمام الموظف المختص. وإذا رفض المدين تنفيذ التزامه طوعاً فيمكن للدائن اللجوء إلى القضاء والحصول على حكم مبرم، ويقوم الحكم هنا مقام التنفيذ، وبالتالي لا يمكن هنا أيضاً اللجوء إلى الغرامة التهديدية. كما لا يمكن اللجوء إليها إذا كان محل التزام المدين مبلغاً من النقود، وذلك لأن تنفيذ مثل هذا الالتزام لا يحتاج إلى تدخل شخصي من المدين، وإنما يكون بالحجز على أمواله وبيعها في المزاد العلني.

أما إذا كان المدين ملتزماً بعمل فهنا يمكن اللجوء إلى الغرامة التهديدية شريطة أن يكون تدخل المدين ضرورياً للقيام بذلك العمل. ومثال ذلك التزام فنان بأداء دور في مسلسل معين أو في فيلم معين، والتزام الوكيل بتقديم حساب عن وكالته، والتزام رسام مشهور برسم لوحة فنية، والتزام مطرب مشهور بإحياء حفلة غنائية، والتزام تاجر بتقديم دفاتره التجارية للمحكمة، ففي جميع هذه الحالات يمكن اللجوء إلى الغرامة التهديدية لإجبار المدين على تنفيذ التزامه، إذ إن تدخله الشخصي ضروري من أجل تنفيذ التزامه. ولا فرق في أن يكون التزام المدين ناشئاً عن تصرف قانوني كالعقد، أو عن واقعة قانونية كالعمل غير المشروع، ولكنها غالباً ما تطبق في مجال العقود لضمان تنفيذ الالتزامات العقدية التي يكون تدخل المدين ضرورياً من أجل تنفيذها.

أما إذا كان المدين ملتزماً بالامتناع عن عمل فالأصل أنه لا يجوز اللجوء إلى الغرامة التهديدية من أجل إجباره على تنفيذ التزامه عيناً؛ لأن تنفيذ مثل هذا النوع من الالتزامات لا يتطلب من المدين القيام بعمل ما حتى يمكن إجباره على القيام به. ولكن إذا أخل المدين بالتزامه ونفذ ما امتنع عن القيام به، وكان التعويض العيني ممكناً نتيجة الإخلال بهذا الالتزام، وهو إزالة المخالفة، وكان ذلك يتطلب تدخلاً شخصياً من المدين فيمكن هنا اللجوء إلى الغرامة التهديدية من أجل إجبار المدين على التعويض العيني للدائن والمتمثل بإزالة المخالفة. ومثال ذلك إخلال فنان بالتزامه بالامتناع عن التمثيل في مسرح معين، وقيامه بالتمثيل في ذلك المسرح، فيمكن عندئذٍ الحكم عليه بغرامة تهديدية حتى يمتنع عن التمثيل فيه.

3- أن يطالب الدائن بالحكم بالغرامة التهديدية: يشترط من أجل الحكم بالغرامة التهديدية أن يطالب الدائن بذلك، وهذا ما يستفاد صراحة من نص المادة 214/1 من القانون المدني السوري، وهو الرأي الراجح في الفقه.

ويحق للدائن أن يطلب الحكم بالغرامة التهديدية في أي حال تكون عليها الدعوى، حتى أول مرة أمام محكمة الاستئناف، إذ لا يعد هذا الطلب طلباً جديداً. ولا يلزم طلب الدائن الحكم على المدين بغرامة تهديدية المحكمة، إذ إنها تتمتع بسلطة تقديرية في الحكم بها، وهي لا تخضع في ذلك لرقابة محكمة النقض، ما لم يكن رفض الطلب مستنداً إلى عدم توافر شروط الحكم بالغرامة التهديدية، فيخضع الحكم في مثل هذه الحال لرقابة محكمة النقض بعد شروط الحكم بها من مسائل القانون لا من مسائل الواقع. ويجوز تقديم طلب الحكم بالغرامة التهديدية لأي جهة قضائية عادية أو استثنائية، كما يجوز لقاضي الأمور المستعجلة أن يحكم بها من أجل تنفيذ حكم في الموضوع تنفيذاً عينياً، كما يجوز له -من باب أولى- أن يحكم بها من أجل تنفيذ الحكم المؤقت الذي يصدر عنه. ولكن تحويل الغرامة التهديدية المؤقتة إلى تعويض نهائي هو من اختصاص قاضي الموضوع، وليس من اختصاص قاضي الأمور المستعجلة.

أما في القانون الفرنسي فلا يشترط تقديم طلب من الدائن من أجل الحكم بالغرامة التهديدية؛ لأن المادة 33 من القانون الصادر بتاريخ 9/7/1991 أجازت للمحكمة أن تحكم بها من تلقاء ذاتها من أجل ضمان تنفيذ قرارها. كما تسمح هذه المادة لقاضي التنفيذ أن يرفق قراراً صادراً من قاضٍ آخر بغرامة تهديدية من أجل ضمان تنفيذه إذا كانت الظروف تستدعي ذلك.

ويمكن أن يصدر الحكم بالغرامة التهديدية ضد أي شخص يمتنع عن تنفيذ التزامه تنفيذاً  عينياً في الحالات التي يجوز فيها الحكم بمثل هذه الغرامة، سواء كان شخصاً طبيعياً أم شخصاً اعتبارياً خاصاً أو عاماً. وهذا ما أكده القانون الفرنسي الصادر بتاريخ 16/7/1980 الذي أجاز في المادة الثانية منه لمجلس الدولة أن يحكم على أشخاص القانون العام الاعتبارية في حال امتناعها عن تنفيذ حكم صادر من محكمة قضاء إداري بالغرامة التهديدية من أجل حملها على تنفيذ مثل ذلك الحكم.

ثالثاً- أثر الحكم بالغرامة التهديدية:

تهدف الغرامة التهديدية إلى الضغط على إرادة المدين وحمله على تنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً، وبالتالي التغلب على تعنته وانصياعه للحكم القضائي المتضمن إجباره على تنفيذ التزامه.  ويستنفد الحكم بالغرامة التهديدية أثره إذا امتثل المدين له ونفذ التزامه، أو إذا أصبح التنفيذ العيني مستحيلاً، كما لو هلك الشيء محل الالتزام هلاكاً كلياً، أو إذا استمر المدين في غيه وفي تعنته ورفض الانصياع للحكم الصادر بالغرامة التهديدية بحيث لم يعد هناك جدوى من فرضها. وبالتالي إذا امتثل المدين للحكم ونفذ التزامه في الأجل الذي حددته له المحكمة فلا يحكم عليه بشيء ما لم يكن قد أعذر قبل ذلك للوفاء بالتزامه، فيلزم عندئذٍ بتعويض الدائن عن الضرر الذي لحق به بسبب تأخير المدين عن الوفاء بالتزامه من وقت الإعذار. أما إذا امتثل المدين للحكم ونفذ التزامه بعد الأجل الذي حددته المحكمة، أو إذا أصر المدين على عدم تنفيذ التزامه واستمر في تعنته وغيه، أو إذا أصبح التنفيذ العيني مستحيلاً فيجب على القاضي في مثل هذه الحالات تحويل الغرامة التهديدية إلى تعويض نهائي، وفق ما نصت عليه المادة 215 من القانون المدني السوري التي جاء فيها «إذا تم التنفيذ العيني أو أصر المدين على رفض التنفيذ حدد القاضي مقدار التعويض الذي يلزم به المدين مراعياً في ذلك الضرر الذي أصاب الدائن والعنت الذي بدا من المدين».

ويشمل التعويض النهائي - على غرار التعويض العادي - ما فات الدائن من كسب وما لحقه من خسارة نتيجة عدم تنفيذ المدين لالتزامه في حال إصراره على عدم التنفيذ، أو نتيجة تأخره في تنفيذ التزامه في حال امتثاله للحكم الصادر بالغرامة التهديدية وتنفيذ التزامه بعد الأجل الذي حددته له المحكمة. ويشمل التعويض النهائي إضافة إلى ذلك عنصراً جديداً يميزه من التعويض العادي وهو العنت الذي بدا من المدين. ويترتب على ذلك أنه يجوز للقاضي أن يزيد في التعويض ويدخل فيه الضرر الأدبي الذي أصاب الدائن نتيجة تعنت المدين وإصراره على عدم تنفيذ التزامه أو تأخره المتعمد في تنفيذ التزامه. وتبرز أهمية هذا العنصر في حال استمرار المدين في رفض تنفيذ التزامه وإصراره على ذلك. وإدخال هذا العنصر في التعويض لا يقصد منه جبر الضرر، وإنما يقصد به مجازاة المدين على سوء نيته المتمثل في العنت الذي أبداه في تنفيذ التزامه. والحكم الصادر بالتعويض النهائي يجب أن يتضمن أسباب تقديره، ويبين قياس التعويض النهائي بمقياس الضرر الذي لحق بالدائن مضافاً إليه ما يراه القاضي كافياً للحكم للدائن مقابل ما بدا من المدين من عنت في تنفيذ التزامه.

وتثبت للحكم الصادر بالتعويض النهائي قوة القضية المقضية، وبالتالي يكون قابلاً للطعن فيه بالطرق العادية وغير العادية على خلاف الحكم الصادر بالغرامة التهديدية المؤقت الذي يهدف إلى الضغط على إرادة المدين من أجل حمله على تنفيذ التزامه. وإذا استطاع القاضي تقدير التعويض النهائي بعد تحويل الغرامة التهديدية فإنه يحكم على المدين، ويستطيع الدائن أن يحجز على أموال المدين حجزاً تنفيذياً من أجل ضمان الحصول على مبلغ التعويض النهائي. أما قبل تصفية الغرامة التهديدية وتحويلها إلى تعويض نهائي فلا يمكن للدائن أن يلقي الحجز التنفيذي على أموال المدين، وإنما يحق للدائن في مثل هذه الحال أن يطالب باتخاذ التدابير التحفظية، ومنها الحجز الاحتياطي، لضمان الوفاء بمبلغ يقدره القاضي الذي ينظر في تصفية الغرامة التهديدية، وفق ما نصت عليه المادة 53 من المرسوم الفرنسي رقم 755/92 تاريخ 31/7/1992،الصادر تطبيقاً لأحكام القانون رقم650/91 لعام 1991 المتعلق بأصول التنفيذ.

مراجع للاستزادة:

- أنور سلطان، الموجز في النظرية العامة للالتزام، أحكام الالتزام (دار النهضة العربية، القاهرة 1974).

- توفيق حسن فرج وجلال علي العدوي، النظرية العامة للالتزام، مصادر الالتزام وأحكام الالتزام (منشورات دار الحلبي، بيروت 2002).

- سليمان مرقس، الوافي في شرح القانون المدني، 2- في الالتزامات، المجلد الرابع، أحكام الالتزام، الطبعة الثانية، تنقيح: حبيب إبراهيم الخليلي (دار النهضة العربية، القاهرة 1992).

- عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، 2- نظرية الالتزام بوجه عام، الإثبات- آثار الالتزام، المجلد الثاني (دون تاريخ).

- مصطفى الزرقاء، شرح القانون المدني السوري، نظرية الالتزام العامة، 2- أحكام الالتزام في ذاته، الطبعة الأولى (مطبعة دار الحياة، دمشق 1964).

- مصطفى الجمال ورمضان أبو السعود ونبيل إبراهيم سعد، مصادر وأحكام الالتزام- دراسة مقارنة (منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الأولى، بيروت 2006).

- H. L.,J. MAZEAUD et F.CHABAS, Leçons de droit civil, Obligations- théorie générale, (9e édition, Delta 2000).

 


التصنيف : القانون الخاص
النوع : القانون الخاص
المجلد: المجلد الأول: الإباحة والتحريم ـ البصمة الوراثية
رقم الصفحة ضمن المجلد : 440
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1052
الكل : 58492053
اليوم : 64567