logo

logo

logo

logo

logo

الوفاء ب-مقابل

وفاء بمقابل

payment in exchange - dation en paiement

 انقضاء الالتزام

انقضاء الالتزام

الوفاء بمقابل

أحمد عبد الدائم

 

المبدأ أنّ المدين لا يستطيع إجبار دائنه على قبول شيء آخر غير الشيء الذي التزم  الوفاء به ولو كان هذا الشيء مساوياً له في القيمة أو أعلى منه. كذلك لا يستطيع الدائن مطالبة المدين الوفاء بشيء آخر غير المتفق عليه في الالتزام ولو كانت قيمة هذا الشيء أقل من قيمة الالتزام الأصلي.

مع ذلك يمكن للدائن قبول الوفاء بغير ما التزم به المدين كقيام المدين بنقل ملكية عقار إلى الدائن للوفاء بالتزامه الأصلي المتمثل بدفع مبلغ من النقود، استناداً للمادة 348 من القانون المدني السوري التي تنص على أنّه: «إذا قبل الدائن في استيفاء حقه مقابلاً استعاض به عن الشيء المستحق قام هذا مقام الوفاء». فما هي الطبيعة القانونية للوفاء بمقابل. وما هي الشروط الواجب توافرها فيه حتى يصبح سبباً لانقضاء الالتزام، ثم ما هي الآثار التي يرتبها هذا الوفاء بمقابل؟.

أولاً- مفهوم الوفاء بمقابل Dation en paiement:

1- تعريف الوفاء بمقابل: هو اتفاق بين الدائن والمدين بموجبه يقبل الدائن أن ينقل إليه المدين ملكية شيء آخر غير الشيء الذي التزم به المدين أصلاً استيفاءً لحقه.

فإذا اتفق الدائن مع مدينه على أن يستوفي الأول شيئاً في مقابل دينه، وتم الاستيفاء فعلاً لهذا الشيء فإنّ الدين ينقضي وتبرأ ذمة المدين عن طريق الوفاء بمقابل. فمثلاً، إذا كان (سامر) دائناً لـ(عامر) بمبلغ مئة ألف ليرة سورية وحصل اتفاق بين الطرفين على أن يقوم (عامر) بوفاء دينه ليس من خلال دفع مبلغ مئة ألف ليرة سورية بل بنقل ملكية الدار التي يملكها والتي تقدر قيمتها بحوالي مئة ألف ليرة سورية، وتم نقل الملكية فعلاً إلى سامر، عندها يكون (عامر) قد أوفى دينه ليس عيناً، بل بمقابل وينقضي الالتزام.

2- الطبيعة القانونية للوفاء بمقابل: لقد ظهرت ثلاث نظريات لتحديد الطبيعة القانونية للوفاء بمقابل بوصفه سبباً لانقضاء الالتزام، وهذه النظريات هي:

أ- النظرية الأولى: تقول إنّ الوفاء بمقابل ما هو إلا بيع تليه مقاصة، ففي المثال السابق يتفق الدائن سامر على أن يشتري من مدينه عامر المقابل الذي قدمه الأخير (الدار) بثمن يعادل مبلغ مئة ألف ليرة سورية وهو مبلغ الدين الذي لسامر على عامر وهذا هو البيع، ثم تقع مقاصة ما بين هذا الدين والثمن فيكون الوفاء بمقابل بيع تليه مقاصة.

ولكن يؤخذ على هذه النظرية عدم صحتها في جميع الأحوال، لأنّ اعتبار الوفاء بمقابل بيع مصحوباً بمقاصة ليس صحيحاً إلا إذا انصب الالتزام الأصلي على دفع مبلغ من النقود. أما إذا كان محل الالتزام عملاً فلا يمكن اعتبار الوفاء بمقابل بيعاً؛ لأنّ افتراض البيع يقود إلى افتراض ثمن نقدي قابلٍ لأن يكون محلاً للمقاصة مع مبلغ آخر من المال، في حين أنّ الالتزام بعمل لا يجوز إجراء المقاصة معه.

كذلك لا يتم الوفاء بمقابل إلا بانتقال ملكية الشيء فعلاً، وهذا لا يتحقق فيما إذا كان محل البيع  شيئاً مستقبلياً لا تنتقل ملكيته إلا في المستقبل.

ب- النظرية الثانية: كانت سائدة في القانون الفرنسي القديم، وتقول إن الوفاء بمقابل هو ضرب من الوفاء استعيض فيه عن الشيء المستحق أصلاً بشيء آخر وذلك باتفاق الطرفين، فهو كالوفاء يقضي الدين ذاته بطريق مباشر، ولكن يقضيه بمقابل الشيء المستحق لا بالشيء المستحق نفسه.

وينجم عن ذلك أنّه إذا تم بطلان الوفاء بمقابل لأحد الأسباب فإنه يجوز للدائن الرجوع على الالتزام الأصلي بما يكفله من تأمينات، وهذا غير منسجم مع الفقه والتشريع المتفقين على انقضاء التأمينات التي كانت تكفل الحق ولو تم بطلان الوفاء بمقابل أو استحق مقابل الوفاء.

ج- النظرية الثالثة: تقول إنّ الوفاء بمقابل هو عمل مركب من تجديد ووفاء عن طريق نقل الملكية، فاتفاق الدائن والمدين في حقيقته يتضمن استبدال محل الدين الأصلي بمحل جديد وهذا هو التجديد بتغيير الدين، والدين الجديد ينفذ عن طريق الوفاء بنقل ملكيته من المدين إلى الدائن فيكون الوفاء بمقابل تجديداً ووفاءً عن طريق نقل الملكية.

ويترتب على الأخذ بهذا التكييف أنّه إذا كان المقابل الذي قدمه المدين للدائن عيناً معينة، ثم استحقت هذه العين للغير فلا يجوز للدائن مطالبة المدين بالالتزام القديم أو الاستفادة من التأمينات التي كانت ضامنة له، لأنّ هذا الالتزام والتأمينات التابعة له قد انقضى بالتجديد، ولا يبقى أمام الدائن إلا الرجوع على المدين بضمان الاستحقاق وهذه النظرية هي السائدة في الفقه الحديث.

ولكن يجب الإشارة إلى وجود رأي يعتقد أنّ الوفاء بمقابل هو تصرف قانوني من جانبين؛ لأنه يستلزم رضاء الدائن والمدين ويهدف إلى استبدال أداء بأداء. فهو عقد يقبل الدائن بموجبه أن يأخذ بدلاً من الأداء المتفق عليه أداء آخر ثم يقرر هذا الدائن أنه قد استوفى حقه وأنّ الالتزام قد انقضى. ويسمى هذا العقد عقد الوفاء بمقابل، ولهذا يجب أن ينفذ فور انعقاده، ولا ينعقد إلا بتسليم الشيء. أي إنّه عقد عيني يترتب عليه دائماً نقل ملكية شيء بمقابل.

ثانياً- شروط الوفاء بمقابل:

يشترط لتحقق الوفاء بمقابل اتفاق الدائن والمدين على نقل ملكية شيء معين، ثم قيام المدين فعلاً بنقل الملكية إلى الدائن.

1- اتفاق الدائن والمدين على نقل ملكية شيء ما: يستوجب الوفاء بمقابل وجود اتفاق بين الدائن والمدين، وهذا الاتفاق ينصب على استبدال محل الوفاء الأصلي بنقل ملكية شيء آخر من المدين إلى الدائن. ويشترط في هذا المحل شرطان:

أ- يجب أن يكون المحل شيئاً جديداً لم يكن داخلاً ضمن الالتزام الأصلي: أما إذا كان الدائن والمدين قد اتفقا منذ البداية عند نشوء الالتزام على قيام المدين بالوفاء بمحل بديل أو بمحل يتم اختياره لاحقاً فلا يكون هذا وفاء بمقابل، بل  التزام بدلي أو تخييري، لأن الشيء الموفى به كان داخلاً ضمن الالتزام الأصلي، وليس شيئاً جديداً.

ب- يجب أن يكون المحل نقل ملكية شيء: وليس عملاً أو امتناعاً عن عمل، فإذا اتفق البائع والمشتري على قيام الأخير بالوفاء بالتزامه من خلال قيامه بالعمل بمزرعة البائع بدلاً من دفع الثمن فإن هذا الاتفاق لا يعدّ وفاء بمقابل، بل تجديداً لدين الثمن بتغيير محله من نقود إلى التزام بعمل.

ولما كان الدائن في هذه الحالة يستوفي في دينه محلاً ليس هو عين محل الدين يجب إذاً اتفاق بينه وبين مدينه، وهذا الاتفاق كغيره يقتضي توافق إرادتي الدائن والمدين، ويجب أن تتوافر الأهلية عند كلا الطرفين وأن تكون إرادة كل منهما خالية من عيوب الإرادة كالغلط أو التدليس أو الإكراه أو الاستغلال.

2- قيام المدين فعلاً بنقل الملكية إلى الدائن: يجب بعد إبرام هذا الاتفاق أن ينفذ فعلاً بالنقل الفعلي للملكية من المدين إلى الدائن، فلا يكفي اتفاق طرفي الالتزام على الاستعاضة عن محل الوفاء الأصلي بشيء آخر، بل لا بد من نقل ملكية هذا الأخير، فإذا كان عقاراً أو منقولاً يخضع لأحكام التسجيل فلا بد من نقل ملكيته إلى الدائن في السجل العقاري أو في سجل المواصلات .

أما إذا لم يتم تنفيذ الاتفاق فعلاً بنقل ملكية شيء إلى الدائن فور الاتفاق فإن هذا الاتفاق لا يعدّ وفاء بمقابل وإنما هو تجديد للالتزام الأصلي بتغيير محله، لأن نقل الملكية هو الذي يحقق معنى الوفاء في الوفاء بمقابل ويؤدي إلى انقضاء الدين.

وهكذا يجب اتفاق طرفي الالتزام على الاستعاضة عن محل الوفاء الأصلي بشيء آخر، وأن تنتقل ملكية هذا الشيء أصولاً من المدين إلى الدائن بوصفهما شرطين وركنين لازمين لا يقوم الوفاء بمقابل من دونهما.

ثالثاً: آثار الوفاء بمقابل:

استناداً لنص المادة 349 من القانون المدني السوري يتبين أنّ الوفاء بمقابل ينطوي على أمرين: وفاء دين المدين أولاً ونقل ملكية ثانياً. فهو مزدوج الأحكام إذ تسري عليه أحكام البيع باعتباره ناقلاً للملكية، وتسري عليه أحكام الوفاء باعتباره يقضي الدين.

1- آثار الوفاء بمقابل باعتباره ناقلاً للملكية: يترتب على اعتبار الوفاء بمقابل ناقلاً للملكية أن تسري عليه أحكام البيع وأحكام نقل الملكية بوجه عام، وقد نصت المادة 349 من القانون المدني على ثلاثة من هذه الأحكام على وجه المثال لا الحصر، وهي أهلية المتعاقدين، وضمان الاستحقاق، وضمان العيوب الخفية.

أ- أهلية المتعاقدين: يجب أن تتوافر في الدائن أهلية استيفاء الدين؛ لأنّ الوفاء بمقابل ينطوي على معنى استيفاء الدين، وأن تتوافر في المدين أهلية التصرف إضافة إلى أهلية الوفاء بالدين لأنه يوفي دينه عن طريق نقل ملكية شيء إلى الدائن.

ب- ضمان الاستحقاق: يضمن المدين للدائن حيازة هادئة للشيء، وإذا استحق المقابل في يد الدائن رجع على المدين بضمان الاستحقاق كما يرجع المشتري على البائع. ويكون هذا الرجوع طبقاً لأحكام ضمان الاستحقاق بما يلي:

(1) قيمة المقابل وقت الاستحقاق مع الفوائد القانونية من ذلك الوقت.

(2) قيمة الثمار التي ألزم الدائن بردها لمن استحق المقابل.

(3) والمصروفات النافعة التي لا يستطيع الدائن أن يلزم بها المستحق، وكذلك المصروفات الكمالية إذا كان المدين سيئ النية.

(4) وجميع مصروفات دعوى الضمان ودعوى الاستحقاق ما عدا ما كان الدائن يستطيع أن يتجنبه منها لو أخطر المدين بالدعوى.

(5) وبوجه عام التعويض عما لحقه من خسارة أو فاته من كسب بسبب استحقاق المقابل.

ج- ضمان العيوب الخفية: إذا كشف الدائن عيباً خفياً في الشيء المقابل فإنه يرجع على المدين بضمان العيوب الخفية، كما يرجع المشتري على البائع، وإذا سبّب العيب الخفي تأثيراً في المقابل إلى حد لو علمه الدائن لما رضي بهذا المقابل كان له أن يرده إلى المدين وأن يطالبه بالتعويض، أما إذا اختار الدائن استبقاء المقابل أو كانت الخسارة لم تبلغ الحد السابق لم يكن للدائن إلا أن يطالب المدين بالتعويض عما لحقه من ضرر بسبب العيب الخفي في مقابل الوفاء.

2- آثار الوفاء بمقابل لكونه وفاء: بما أن الوفاء بمقابل يقضي دين المدين لذلك تطبق عليه أحكام الوفاء، ويترتب على ذلك ما يأتي:

أ- تزول التأمينات التي كانت للدين الأصلي لأن هذا الأخير قد انقضى بالوفاء بمقابل، وبالتالي لا يستطيع الدائن الاستفادة منها حتى ولو تم بطلان الوفاء بمقابل أو استحق الشيء الموفى به.

ب- تتبع أحكام الوفاء المتعلقة بتعيين جهة الدفع، فإذا كان على المدين عدة ديون من جنس واحد ودفع مقابلاً للوفاء ببعضها يكون له أن يحدد الدين الذي تم إيفاؤه بالمقابل، فإذا لم يحدد كان الدين المدفوع له المقابل هو الدين الحال ثم الدين الأكثر كلفة على المدين، فإذا تعادلت الديون في الحلول وفي الكلفة كان للدائن أن يعين الدين الذي استوفي مقابله من بين الديون المتعادلة.

ج- إذا ظهر أنّ المدين قد دفع مقابلاً لدين غير موجود فالعبرة لأحكام الوفاء وليس لأحكام نقل الملكية، وبالتالي لا يرجع المدين على الدائن بمقدار الدين ولكن يسترد منه المقابل الذي دفعه عن طريق دعوى استرداد غير المستحق.

د- يمكن لدائني المدين الطعن بدعوى عدم النفاذ، فإذا وفى المدين المعسر وفاءً بمقابل أحد دائنيه قبل انقضاء الأجل الذي عين أصلاً للوفاء لم يسرِ هذا الوفاء في حق باقي الدائنين، وكذلك لا يسري في حقهم الوفاء بمقابل ولو حصل بعد انقضاء هذا الأجل إذا كان قد تم نتيجة تواطؤ بين المدين والدائن الذي استوفى المقابل.

مراجع للاستزادة:

- أحمد عبد الدائم، شرح القانون المدني، النظرية العامة للالتزام، الجزء الثاني، أحكام الالتزام (مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية، منشورات جامعة حلب، 2003).

- أحمد عبد الدائم، النظرية العامة للالتزام، الجزء الثاني، أحكام الالتزام، مركز التعليم المفتوح، الدراسات القانونية العملية (منشورات جامعة حلب، 2006).

- رمضان أبو السعود، أحكام الالتزام (دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية 1998).

- سعيد جبر وحسن البراوي، أحكام الالتزام في القانون المدني السوري (مركز جامعة القاهرة للتعليم المفتوح، 2003).

- عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، نظرية الالتزام بوجه عام، الجزء الثالث (دار الحلبي الحقوقية، بيروت 1998).

- ليلى عبد الله سعيد، الوجيز في شرح القانون المدني البحريني، رقم 19 لعام 2001، أحكام الالتزام (جامعة البحرين، 2003).

- ماجد الحلواني، نظرية الالتزام العامة، 3 (بدون تاريخ).

- منذر الفضل، النظرية العامة للالتزامات في القانون المدني، دراسة مقارنة بين الفقه الإسلامي والقوانين المدنية الوضعية، أحكام الالتزام (مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمّان 1992).


التصنيف : القانون الخاص
النوع : القانون الخاص
المجلد: المجلد الأول: الإباحة والتحريم ـ البصمة الوراثية
رقم الصفحة ضمن المجلد : 470
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1048
الكل : 58491515
اليوم : 64029