الجرائم الواقعة على الأموال
جرايم واقعه علي اموال
crimes against money - infractions contre les fonds
الجرائم الواقعة على الأموال
عبد الله برجس محمد
نص المشرع السوري على جرائم الاعتداء على الأموال في الباب الحادي عشر من قانون العقوبات الصادر بالمرسوم /148/تاريخ 22/6/ 1949 وتعديلاته. وذلك في فصول تسعة وجاءت ابتداءً بالمادة (621) إلى المادة (735) منه.
وهنا لابد من التطرق لأنواع الحقوق المالية وهي: حقوق عينية تتمثل في سلطة صاحب الحق على الشيء موضوع الحق، وأهم هذه الحقوق حق الملكية؛ وحقوق شخصية تتمثل في علاقة صاحب الحق بغيره؛ وحقوق معنوية أو ذهنية تتمثل في نتاج الفكر وعلامات لإنتاج صناعي أو تجاري. وهذه الحقوق تنسب لأصحابها ومخترعيها بما يكفل حماية استقلالها، وبذلك يكون الاعتداء على الأموال على ثلاثة وجوه وهي:
q اعتداء على حق الملكية ومثال ذلك (جرائم السرقة والاحتيال وإساءة الائتمان والهدم والتخريب ونزع التخوم وغصب العقار والتعدي على المزروعات والآلات الزراعية).
q اعتداء على حقوق شخصية، كجرائم الإفلاس والغش والمراباة والغش في المعاملات والإضرار بالدائن.
q اعتداء على حقوق معنوية، كجرائم الاعتداء على الملكية الأدبية والفنية وتقليد العلامات الفارقة.
أولاً- السرقة:
السرقة في القانون السوري - وفق ما جاء في المادة (621) من قانون العقوبات - هي أخذ مال الغير المنقول من دون رضاه. ويسري هذا التعريف على مختلف حالات السرقة المنصوص عليها في المواد (622-636) من قانون العقوبات. والسرقة اعتداء على الملكية والحيازة معاً، وقد يكون هذا الأخذ خفية أو عنوة.
1- أركان جريمة السرقة:
يشترط لقيام السرقة توافر ركنين أساسين هما: الركن المادي والركن المعنوي.
أ- الركن المادي: ويتحقق الركن المادي للسرقة إذا تحققت جميع عناصره، وهي أخذ المال المملوك للغير خفية أو عنوة، وذلك بإخراجه من حيازة المالك الحقيقي (المجنى عليه) وصيرورة هذا الشيء في حيازة الجاني، وهو الحائز الجديد. وهذا يتطلب ألا يكون الجاني حائزاً للمال قبل فعل الأخذ، إذ تنتفي السرقة لتعذر استيلائه على حيازة موجودة لديه ابتداء. فالسارق الذي يدخل منزلاً ليسرق لاتعد حيازته كاملة إلا إذا خرج من المنزل وبحوزته الشيء المسروق، فما دام الشيء في المنزل تبقى الحيازة لصاحب المنزل. أما إذا اعترضت السارق ظروف فهذه الظروف هي التي تحدد الفعل إن كان تاماً أو ناقصاً. فمثلاً عندما يتعرض السارق لمقاومة صاحب المنزل (المجنى عليه) الذي يدافع عن حيازته وملكيته للشيء المراد الاعتداء عليه، فإذا تمكن السارق من التغلب على المجنى عليه وأخذ الشيء المسروق والسيطرة عليه يكون بذلك الركن المادي للسرقة قد تحقق، أما إن كان المقاوم المجني عليه قد تغلب عليه وحال بين السارق والشيء المسروق، فالسرقة تكون في طور الشروع، والتفريق بينهما له مجال في القانون، فعقوبة الشروع في السرقة تكون أقل من عقوبة السرقة التامة. واشتراط أن يكون المال موضوع السرقة مملوكاً للغير، يقتضي ألا يكون الجاني مالكاً للمال أو حائزاً له، وألا يكون مباحاً أو متروكاً. ولا تقوم جريمة السرقة إلا إذا كان موضوعها أموالاً منقولة أو عقاراً بالتخصيص. والمال المنقول هو ما يمكن نقله من مكان إلى آخر من دون تلف. والعقار بالتخصيص هو منقول خصص لخدمة عقار، فليس ما يمنع من نقلها وسرقتها، كالحيوانات المعدة للزراعة والآلات الزراعية… إلخ. كما يصح أن يكون موضوع السرقة الماء والقوى الطبيعية والصناعية المحرزة، وهو مانصت علية الفقرة الثانية من المادة (621) بقولها: «إن القوى المحرزة تنزل منزلة الأشياء المنقولة في تطبيق القوانين الجزائية».
والسرقة هي جريمة وقتية آنية كقاعدة عامة، ويترتب على ذلك أن سقوط الدعوى العامة بالتقادم يبدأ من لحظة انتهاء فعل السرقة، وكل ما يجري بعد فعل السرقة هو من الآثار المترتبة على فعل السرقة.
ولكن هل تكون السرقة جريمة مستمرة؟ الجواب نعم. إن سرقة الكهرباء والمياه هي من الجرائم المستمرة باستمرار الفعل.
والسرقة لها ضوابط موضوعية من حيث العقاب. وهذه الضوابط تتعلق بالخطر الواقع على الملكية، أو الحيازة ومقدار هذا الخطر، والوسيلة المستعملة في الاعتداء، والأضرار التي أصابت المعتدى عليه. وهناك ضوابط شخصية تتعلق بالدوافع التي دفعت السارق إلى ارتكاب جرم السرقة إضافة إلى سوابقه الجرمية، وخاصة إذا كانت تتعلق بجرم السرقة ذاته.
ب- الركن المعنوي: السرقة من الجرائم المقصودة التي لابد فيها من اتجاه إرادة الشخص إلى السيطرة على هذا الشيء، ويكفي لذلك العلم والإرادة. وبياناً لما سبق في الركن المادي لجرم السرقة، فإن السرقة تحتاج إلى قصد جرمي عام، وهو اتجاه إرادة الفاعل إلى الفعل والنتيجة الجرمية معاً. فيجب أن يكون الفاعل عالماً بأنه يأخذ مالاً مملوكاً للغير من دون رضاه، وإخراجه من حيازة الغير، وإدخاله في حيازته أو حيازة شخص آخر. والسرقة تحتاج إلى قصد جرمي خاص وهو نية التملك، وذلك بظهور الجاني بمظهر المالك للشيء وممارسة سلطاته على هذا الشيء كسلطات المالك الأساسي.
2- أنواع السرقة:
فرق المشرع السوري من حيث العقاب بين السرقة البسيطة والسرقة الموصوفة.
أ- السرقة البسيطة: بعد أن نص قانون العقوبات في المادة (621) منه على تعريف السرقة أورد بعد ذلك العقوبات الخاصة بالسرقة بنوعيها: الجنحوي والجنائي. وسيتناول البحث السرقة البسيطة ذات الوصف الجنحي فإن كل سرقة معاقب عليها بالحبس هي جنحية. إذ ينصرف الحبس إلى الجنح أينما ورد في القانون السوري. فالسرقة الجنحية (البسيطة) جاءت في المواد (628 إلى 633) أما نص المادة (634) فهو يتعلق بالعقوبة المقررة لحالات السرقة التي لم يرد عليها نص خاص في المواد المتعلقة بجرائم السرقة. ونص المادة (634) شامل - من حيث المبدأ - لكل سرقة مالم يثبت الادعاء أو تظهر الوقائع انطباق الفعل على أحد حالات السرقات الأخرى وهذه السرقات مشددة ومخففة، إذ جاء فيها: «كل سرقة أخرى غير معينة في هذا الفصل تستوجب عقوبة الحبس مع الشغل من شهر إلى سنة والغرامة حتى مائتي ليرة وفق التعديل الجاري بالقانون رقم 27 تاريخ 7/2/1979».
ب- حالات السرقات الجنحية المشددة: وهذه السرقات نصت عليها المادتان (628 و629) والعقوبة فيها الحبس سنة مع الشغل على الأقل والغرامة من مئة ليرة إلى ثلاثمئة ليرة، وذلك لأن هذه الجرائم تشِّكل خطراً خاصاً على المجني عليه أو على السلامة العامة وهي:
(1) الحالة الأولى المنصوص عليها في المادة (628) من قانون العقوبات: «يقضى بالحبس مع الشغل سنة على الأقل وبالغرامة من مائة ليرة إلى ثلاثمائة ليرة إذا ارتكبت السرقة في إحدى الحالات التالية:
أ- ليلاً والسارق اثنان فأكثر أو في إحدى هاتين الصورتين في مكان سكن الناس أو في معبد.
ب- أن يكون السارق مقنعاً أو حاملاً سلاحاً ظاهراً أو مخبأً.
ج- أن يكون السارق خادماً مأجوراً ويسرق مال مخدومه أو مال إنسان في بيت مخدومه أو في بيت آخر رافقه إليه. أو أن يكون السارق مستخدماً أو عاملاً أو صانعاً ويسرق في مصنع مخدومه أو مخزنه أو في الأماكن التي يشتغلان عادةً فيها.
د- أن يكون السارق عسكرياً أو شبيهه ويسرق من أنزله عنده».
يستفاد من النص السابق أن أسباب تشديد العقوبة مع بقاء الجريمة محتفظة بوصفها الجنحوي هي:
q وقوعها في الليل: والليل الوقت الممتد من الغسق إلى الفجر، ويسهل على السارق تنفيذ جريمته، فالمجني عليه يباغت بها وقد خلد إلى الراحة، وفي الأغلب يكون قداستسلم للنوم فلا يستطيع أن يدافع عن ماله الدفاع الذي كان يستطيعه لو ارتكبت السرقة نهاراً، ومن ناحية ثانية فالسارق يكشف عن خطورة خاصة، إذ يستغل الظرف المذكور، وفي الغالب يضمر العزم على استعمال العنف مستتراً بالظلام إذا اقتضت السرقة ذلك. وإذا وقعت السرقة في جزء تم تنفيذه ليلاً وجزء منه في النهار، كما لو ابتدأ قبل حلول الليل واستمر إلى ما قبل طلوع النهار، فالسرقة تعد مرتكبة ليلاً لأن جزءاً من ركنها المادي تحقق في أثناء الليل وبذلك تتوافر علة التشديد كون الجزء المنفذ قد تم في الظلام والهدوء، والمحكمة تحدد الوقت الذي تم فيه فعل السرقة. وقد حددت محكمة النقض السورية في قرارها رقم «644 قرار 746 جناية تاريخ 12/11/1968» إن «الليل يشمل الفترة الممتدة ما بين غروب الشمس وطلوعها».
q تعدد الفاعلين (اثنان فأكثر): فهي السهولة التي يتميز بها تنفيذ هذه السرقة، فرؤية المجني عليه أشخاصاً عديدين يشتركون في الاعتداء على ماله تلقي الرعب في نفسه فتجعله يجبن عن المقاومة، في حين يُحتمل لو كان السارق شخصاً واحداً أن يقاومه ويتغلب عليه. إضافة إلى أن التعدد يعني خطورة الجريمة ومرتكبيها، إذ تحمل الجرأة المستمدة من التعدد كل سارق على أفعال خطرة لم يكن يقدم عليها لو كان بمفرده، ويعني تعدد السارقين في الغالب أن لديهم تصوراً وتصميماً مسبقاً يؤديان إلى ازدياد خطورتهم.
وقد عبّر الشارع عن هذا الشرط بقوله «السارق اثنان أو أكثر» ويعني ذلك أنه يكتفي بالحد الأدنى للتعدد، فيكفي للتشديد كون السارقين اثنين فقط. ويفترض التعدد وحدة الجريمة، إذ في ذلك الوضع فحسب يمكن القول بأن مرتكبي الجريمة قد تعددوا. أما إذا تعددت جرائم السرقة بعدد الجناة بحيث كان لكل سرقة مرتكب وحيد، فلا يتحقق بذلك التعدد وإن جمعت هذه السرقات صلات وثيقة، كتقارب في الزمان أو المكان أو تماثل في الدوافع.
والتعدد يشير إلى الفاعلين الأصليين لا المتدخلين أو المحرضين؛ لأن التعدد ينصرف إلى الشركاء في الفعل ولمحكمة النقض السورية قرار يقول: «إنه يقتضى لتطبيق أحكام المادة 628 عقوبات توفر عنصرين عنصر مستمد من زمن السرقة وكونه ليلاً. وعنصر يرجع إلى عدد السارقين كونهم اثنين أو أكثر ويتعين اجتماع هذين العنصرين. وإن إقدام الفاعل على السرقة لوحده ليلاً معاقب عليه بالمادة 634 عقوبات» (نقض سوري جنحة رقم 3106 قرار 2018 تاريخ 25/10/1981).
q وقوعها في مكان سكن الناس: كون الاعتداء على حرمة المسكن إلى جانب ما ينطوي عليه من اعتداء على المال، فعندما ينجح السارق في دخول المسكن فهو يرتكب سرقة سهلة؛ لأن المجني عليه يتخلى في مسكنه عن وسائل الحيطة التي يتخذها في غير مسكنه. وفي النهاية فالسرقة تكشف عن خطورة مرتكبها، فالجاني يتوقع مقاومة، وينوي إحباطها، فهو يقبل باحتمال العنف.
والمسكن هو المكان المخصص فعلياً للسكن، فكل مكان مخصص فعلاً لسكن شخص أو أكثر يعد مسكناً، وهو الإقامة التي تعني تخصيص المكان لمظاهر الحياة التي يحرص كل شخص على أن يكون في عزلة حين يباشرها. وأهم هذه المظاهر هو النوم والخلود للراحة أو العمل الهادئ، فالسفينة أو العربة الكبيرة أو الخيمة أو الفندق «تُعتبر من المساكن إذا أقام فيها شخص» (نقض سوري جناية 235 قرار 293 - تاريخ 20/4/1955). وبذلك لا عبرة للمادة المصنوع منها المسكن: خشب - قماش - جلد… إلخ. المسكن هو الذي خصص للسكن سواء كان مسكوناً أم لا، ولا أهمية لوقت النوم ليلاً أو نهاراً ولا عبرة لوقت الإقامة بالمسكن شتاءً أو صيفاً أو من يقيم فيه، فالتشديد يعتمد على مكان السرقة فحسب والحمامات العامة ليست من سكن الناس (نقض سوري، جنحة 1693 قرار 1437 - تاريخ 4/6/1966 نقض سوري جنحة رقم 2539 تاريخ 8/12/1950) وبذلك فإن انتفاء صفة المسكن ينفي عنه التشديد، فالمكان المعروض للإيجار والخالي من السكان لا يعد مسكناً بعد إخلائه من مستأجريه.
q أما المعبد: فهو مكان عبادة وله حرمة، فالسارق يعتدي على هذه الحرمة إضافة إلى اعتدائه على المال، ومن ناحية ثانية، فإن هذه السرقة تتميز بالسهولة، إذ يستغل السارق انصراف المجني عليه إلى العبادة في هذا المكان واستغراقه فيها وغفلته تبعاً لذلك عن رعايته لماله، لكي ينفذ سرقة سهلة. وغني عن البيان أن المعبد هو مكان العبادة لأي ديانة سماوية. وقد جاء في قرار لمحكمة النقض السورية أن سرقة سجادة من مسجد هو حادثة فردية لا علاقة له بالاقتصاد الوطني قرار 43 جنحة 24 تاريخ 18/1/1968.
q كون السارق مقنَّعاً أو حاملاً سلاحاً: وهذه العبارة تتضمن ظرفين مشددين: تقنُّع السارق أو كونه حاملاً سلاحاً، وهذان الظرفان يتعلقان بوسيلة تنفيذ السرقة كونهما وسيلتين خطيرتين:
¦ التقنع: إن منظر السارق وهو مقنع يلقي الرعب في نفس المجني عليه، فيجعله يجبن عن الدفاع عن ماله، وهذا يعني أن السرقة تصبح سهلة، فالمقنَّع هو ممتهن الإجرام، وبذلك يكون قد وضع عقبات في طريق السلطات الأمر الذي يسهل له تكرار جريمته فيما بعد.
¦ حمل السلاح سواء كان هذا السلاح ظاهراً أم مخبأً: فالسلاح يسهل الجريمة أيضاً كونه يبث الرعب في قلب المجني عليه، أما السارق الذي يخفي سلاحه فهو أكثر خطورة ممن لايحمل، فحمله للسلاح يجعله أكثر جرأة، إذ يشعر أنه أصبح أكثر قدرة على البطش بالمجني عليه إذا قاوم، ثم يكشف عن نيته استعمال السلاح عند الحاجة للتغلب على من يقاومه.
والسلاح نوعان:
× سلاح بطبيعته، وهو كل أداة أعدت خصيصاً لتستعمل في الاعتداء على سلامة البدن وليس لها تخصيص عادي آخر (مسدسات - بنادق - سيوف…).
× سلاح بتخصيصه: وهو سكاكين الجيب العادية والعصي الخفيفة (مادة 313 ع عقوبات).
وإن مجرد حمل السلاح في أثناء ارتكاب السرقات يعد ظرفاً مشدداً، ولا يشترط استعماله؛ لأن استعماله يؤدي إلى عنف ويحول الجرم إلى جناية.
q السرقة التي يرتكبها الخادم أو المستخدَم أو العامل أو الصانع: وقد عبر المشرع عن هذا الظرف المشدد بقوله «أن يكون السارق خادماً مأجوراً ويسرق مال مخدومه أو مال إنسان في بيت مخدومه أو في بيت آخر رافقه إليه»، وهو بمعنى التابع، ويتناول هذا النص خدم المنازل من جهة ومن جهة أخرى العمال أو المستخدمين المرتبطين بالمجني عليه بعقد عمل، إذ عبر المشرع قائلاً أيضاً أو أن يكون السارق مستخدماً أو عاملاً أو صانعاً ويسرق من مصنع مخدومه أو مخزنه أو في الأماكن التي يشتغلان عادة فيها.
مدلول الخادم: هو شخص يؤجر خدماته لآخر على وجه ينقطع فيه لذلك الشخص الآخر بحيث يحوز على ثقة مخدومه. ويتضح من ذلك أن صفة الخادم تقوم على ثلاثة أمور هي:
¯ عمل مكلف به لخدمة آخر.
¯ أن ينقطع له.
¯ أن تقع السرقة على مال المخدوم، وسواء ارتكبت السرقة في بيت المخدوم أو في أي مكان آخر وجد فيه مال للمخدوم.
مدلول المستخدم أو العامل أو الصانع: وهي السرقة التي يرتكبها العامل أو الصانع أو المستخدم في مكان عمله العائد لمخدومه، والتشديد جاء على أساس إساءة الثقة التي وضعها فيه، وهي ثقة اضطرارية تنبع من طبيعة العلاقة بينهما ويقتضيها تمكينه من القيام بالأعمال المسندة إليه. فالسرقة تكون سهلة الارتكاب نظراً لوجود الثقة ووجود الأشياء موضوع السرقة في يد المدعى عليه، ولعلمه بخفايا المكان، ولسهولة حركته بالدخول والخروج في المكان الذي يعمل فيه وعلى هذا إن سرقة العامل لما أوكل إليه أمر نقله لايعد سرقة وإنما إساءة ائتمان (نقض سوري جنحة 5533 قرار 675 تاريخ 4/12/)1963.
q السرقة التي يرتكبها عسكري: وقد عبر المشرع عن ذلك بقوله: أن يكون السارق عسكرياً أو شبيهه ويسرق من أنزله عنده.
(2) الحالة الثانية المنصوص عليها في المادة (629) من قانون العقوبات:
فهي المادة الثانية التي شددت فيها السرقات الجنحية، وقد نصت المادة المذكورة على مايلي: «تنزل العقوبة نفسها بكل من أقدم على النشل أو السرقة بالصدم أو السرقة في القطارات أو السفن أو الطائرات أو الحافلات الكهربائية أو غيرها من الناقلات العامة أو في محطات سكك الحديد أو المطارات أو الجمارك».
فعاقب المشرع على هذه الجنحة بالعقوبة نفسها المحددة للجنحة المنصوص عليها في المادة (628) من قانون العقوبات. هي في حدها الأدنى الحبس مع الشغل سنة والغرامة مئة إلى ثلاثمئة ليرة سورية على الأقل وفي حدها الأعلى الحبس ثلاث سنوات والغرامة مئة إلى ثلاثمئة ليرة سورية.
أما أسباب التشديد الواردة في المادة (629) المشار إليها آنفاً، فهي:
t السرقة بالنشل أو الصدم: إن سبب وعلة التشديد في العقاب هو أن المجني عليه يفاجأ بالجريمة فلا يستطيع الدفاع عن ماله الدفاع الذي كان يستطيعه لو كانت السرقة عادية. ففي النشل لا يعلم المجني عليه بتعرضه للسرقة إلا بعد انتهاء تنفيذها. وفي الصدم يتعرض لدفع السارق له فينشغل بتفادي الدفع أو النهوض إذا سقط أرضاً عن الانتباه للسرقة التي ارتكبت ضده، ويعني ذلك أن السرقة سهلة التنفيذ. إضافة إلى ذلك إن هذه السرقات تدل على خطورة مرتكبيها، فالنشل يرتكبه أشخاص مهروا في خفة اليد واعتادوا عليه، والصدم وسيلة خطرة يتعرض بها السارق لحصانة بدن المجني عليه، وهي تقترب في طبيعتها من العنف، وإن كانت لا تبلغ من الخطورة القدر الذي يجعل من السرقة جناية.
تعريف النشل: هو استخراج المال موضوع السرقة من ملابس المجني عليه في غفلة منه، سواء أكان ذلك من جيوبه أم من أي موضع آخر يودع المال فيه. كما لو وضعت النقود أو المجوهرات في حزام ثبته المجني عليه في وسطه. ويدخل في معنى النشل كذلك سرقه شيء يضعه المجني عليه على جسمه، كالساعة أو سوار في المعصم.
أما الصدم: فيراد به أن يدفع السارق نفسه على المجني عليه أو يوعز إلى شريكه بأن يدفع نفسه عليه حتى إذا ما انشغل المجني عليه بمواجهة الدفعة أو النهوض بعد سقوطه أو تملكه الذعر خشية أن تكون الدفعة مقدمة لشر أشد ينزل به، استغل السارق هذه الفرصة فأخذ ماله مستفيداً من انشغاله عن المحافظة على ماله. والصلة وثيقة بين الصدم والنشل، إذ الصدم مقدمة للنشل وتهيئة لظروف مواتيه له، ذلك أن السارق يستغل حالة الانشغال أو الذعر للنشل.
t السرقة في وسائل النقل العامة: إن سبب التشديد في ارتكاب السرقة في الأماكن العامة التي حددتها المادة (629) من قانون العقوبات، هو أن هذه السرقة تسبب خللاً بأمن المواصلات العامة، وتعرقل الاتصال بين أجزاء الدولة أو بينها وبين الدول الأخرى، ويصيب تبعاً لذلك الرخاء الاقتصادي الذي يعتمد في شق أساسي منه على تأمين وسائل النقل وانتظامها بين بقاع الدولة المختلفة، وبينها وبين الخارج. إضافة إلى ذلك، فبعض هذه السرقات ترتكب ووسيلة النقل تجتاز منطقة بعيدة عن العمران فلا يجد المجني عليه عند التعرض للاعتداء من ينجده وتتميز هذه السرقة بالسهولة الراجعة إلى استغلال ظروف خاصة للمجني عليه، وتتصف بالجرأة، إذ تقع السرقة في أماكن متحركة، وقد تكون حركتها سريعة جداً إضافة إلى أن هذه الأمكان قد تكون محاطة بالحراسة ومن ثم فهي سرقة أشد خطورة من السرقة العادية.
أ- السرقات الجنحية المخففة: وقد حدد المشرع أحكام هذه السرقات وعقوباتها في المواد (630-633) من قانون العقوبات؛ ويجمع بين هذه السرقات وقوعها على أشياء معينة، فهي تختلف عن سواها من جرائم السرقة بموضوعها. وهي مخففة لأن عقوباتها أقل شدة من عقوبات الجنحية المشددة. وهذه السرقات - وإن كانت مخففة - تخضع لسائر أحكام السرقة عدا مايتعلق منها بمقدار العقوبة، إذ يتعين أن تتوافر أركان جرم السرقة، فإذا انتفى ركن منها لا توقع العقوبة، والشرط الأساس لاعتبار هذه السرقة مخففة هو انتفاء الظروف المشددة.
وسبب التخفيف واحد في جميع هذه السرقات كونها تقع على أشياء أقل قيمة، وإن التسامح الجاري بين الناس عرفاً، وعدم اكتراث المجني عليه بما يصيبه أحياناً. إضافة إلى أن السارق قد يكون أحياناً أقل خطورة على المجتمع. فالأشياء التي تقع عليها السرقة تكون متروكة بغير حراسة، وقد تكون متروكة على نحو يوحي بعدم اكتراث حائزها بها. ويمكن القول إن السارق قد انقاد لإغراء إزاء فرصة سنحت له، ويعني ذلك أن خطيئته هي ضعف إرادته أكثر من كونها إثماً هذه الإرادة.
وهذه السرقات هي:
Ÿ سرقة الحيوانات والآلات والمواد الزراعية: وقد نصت المادة (630) من قانون العقوبات على أنه: «كل من يسرق الخيل أو الدواب المعدة للحمل أو الجر أو الركوب وسائر المواشي الكبيرة والصغيرة أو الآلات الزراعية يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من مائة إلى ثلاثمائة ليرة سورية وكل من يسرق ما أعد للبيع من الحطب أو خشب البناء المقطوع أو الحجارة من المقالع أو السمك من الشبك أو العلق من البرك أو الطيور من القن أو النحل من الخلايا يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبغرامة من مائة إلى مائتي ليرة».
يتناول هذا النص مايلي:
ŸŸ سرقة الحيوانات الداجنة: كالخيل والمواشي والدواب أياً كان مكان سرقتها والآلات والمواد الزراعية، وعاقب عليها المشرع بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من مئة إلى ثلاثمئة ليرة سورية.
ŸŸ سرقة بعض المواد من الأماكن الأخرى التي استخرجت منها، كالخشب من مكان قطعه والحجارة من المقالع التي استخرجت منها وسرقة السمك من الشبك والعلق من البرك والطيور من القن أو النحل من الخلايا. ويعاقب عليها بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة من مئة إلى مئتي ليرة سورية.
والمادة (630) فصلت إلى فقرتين خصصت الأولى بجرم سرقة الحيوانات ورفعت عقوبتها لأهمية هذه الجرائم وحماية لمصلحة الفلاحين.
وخصصت الفقرة الثانية لسرقة ما أُعد للبيع من حطب وخشب وأحجار وسمك ونحل… إلخ، وأعطيت لها عقوبة أخف. والمادة (630) يقصد بها عقوبات السرقة العادية البسيطة المخففة وفق ماجاء في قرار محكمة النقض السورية رقم (835) أحداث أساس 58 لعام 1981.
ŸŸ سرقة المزروعات المحصودة: وقد نصت عليه المادة (631) من قانون العقوبات على أنه:
«1- كل من يسرق ما كان محصوداً أو مقلوعاً من المزروعات وسائر محاصيل الأرض النافعة أو كدساً من الحصيد يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبغرامة مائة ليرة.
2- وإذ تعدد السارق أو وقعت السرقة نقلاً على العربات أو الدواب يكون الحبس من ستة أشهر إلى سنتين والغرامة مائة ليرةً».
وهذا النص القانوني يعاقب على سرقة المحصود أو المقلوع فقط، وفق ما استقر عليه اجتهاد محكمة النقض السورية (نقض سوري، هيئة عامة رقم 1902 قرار 422 تاريخ 17/6/1952).
ويشترط لتطبيق النص المذكور مايلي:
1- أن تكون المزروعات محصودة أو مقلوعة؛ لأن حصادها وقلعها من الأرض يسهل سرقتها.
2- أن تكون مكدسة أي مجمعة في أكوام تهيئة لنقلها.
3- أن تكون محصولات الأرض نافعة فإذا كانت عديمة النفع كالأشواك أو الأوراق الساقطة من الشجر انتفى عنها وصف المال.
4- أن يكون الفاعل منفرداً، أما إذا تعدد السارقون وكانت السرقة نقلاً على العربات أو الدواب فإن العقوبة تزداد وذلك لخطورة الفعل.
ŸŸ سرقة المزروعات المتصلة بالأرض: قد نصت عليه المادة (632) من قانون العقوبات على أنه: «إذا كانت المزروعات وسائر محصولات الأرض التي ينتفع بها لم تقلع وسرقت من الحقل بالزنبيل أو الأكياس أو الأوعية المماثلة أو بنقلها على العربات أو الدواب، أو سرقت بفعل عدة أشخاص مجتمعين، كانت العقوبة الحبس من شهرين إلى سنة».
ويشترط لتطبيق النص:
1- اتصال المزروعات بالأرض، أي عدم جنيها أو قلعها مما يجعل سرقتها أصعب من سرقة المزروعات المجنية (المحصودة) ومن ثم أقل خطراً على أموال الناس ولذلك كانت عقوبتها مخففة.
2- أن يتعدد الفاعلون أو يتم نقلها من الحقل بالزنابيل أو الأكياس أو الأوعية وما شابه ذلك أو على العربات أو الدواب.
ومثال ذلك سرقة القطن قبل قلعه وحصده تنطبق عليها هذه المادة (نقض سوري، هيئة عامة 1902 ق 1422 تاريخ 1952).
ŸŸ سرقة المحاصيل المتصلة بالأرض ذات القيمة الزهيدة: نصت المادة (633) من قانون العقوبات على أنه: «من سرق شيئاً من محصولات الأرض وثمارها التي لم يتناولها المالك ولم يجنها وكانت قيمتها أقل من ليرة يعاقب بغرامة لا تتجاوز المائة ليرة».
وهذه الحالة الوحيدة التي جعل فيها المشرع لفعل السرقة وصفاً تكديرياً ويشترط فيها:
* عدم جني المحاصيل المسروقة.
* وقيمة المسروق ليرة واحدة.
وذلك لأن قيمة المال المسروق تافهة لأن العرف جرى على التسامح فيها.
Ÿ السرقات الأخرى: حيث نصت المادة (634) من قانون العقوبات على أنه: «كل سرقة أخرى غير معينة في هذا النص تستوجب عقوبة الحبس مع الشغل من شهر إلى سنة والغرامة حتى مائتي ليرة ».
وفي هذا الخصوص صدرت اجتهادات عديدة لمحكمة النقض حول سرقات تشملها هذه المادة، منها أن سرقة الزوج أموال زوجته بعد الدخول إلى المنزل تعتبر من السرقات العادية المنطبقة عليها المادة 634 (نقض سوري، جناية 273 قرار 194 تاريخ 14/3/1955).
Ÿ سرقة الطاقة الكهربائية من الشبكة العامة: أما الفقرة الثانية من المادة (634) من قانون العقوبات المتعلقة بالسرقة الواقعة على الطاقة الكهربائية، فقد صدر بهذا الخصوص القانون 26 تاريخ 26/3/2001 وعدل بالمرسوم التشريعي رقم 60 تاريخ 27/7/2005.
وقد عاقب كل من أقدم على سرقة الطاقة الكهربائية من الشبكة العامة للكهرباء أو سهل القيام بها بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر وغرامة من ثلاثة آلاف ليرة إلى مئة ألف ليرة مع مضاعفة العقوبة في حال التكرار، وينزل العقاب نفسه بالعامل لدى الجهة المعنية بالاستثمار أو أي جهة عامة أخرى أسهم أو استغل وظيفته ليسهل ارتكاب الجريمة المشار إليها أو أعاق كشفها أو ضبْطها أو ملاحقتها أو منع ذلك أو لم يقم بواجبه ما لم يقع تحت عقوبة أشد.
ويعاقب بالعقوبة ذاتها شاغل العقار الذي ارتكبت فيه السرقة واستفاد من العمل أوسهل القيام به. (المادة 2 من القانون رقم /26/ تاريخ 26/3/2001 المعدل بالمرسوم التشريعي رقم /60/ عام 2005).
وإجراء التسوية مع المؤسسة العامة للكهرباء الذي يوقف الملاحقة؛ يقتصر فقط على الجرائم المرتكبة قبل صدور هذا المرسوم التشريعي خلال مدة أربعة أشهر حددها المرسوم المذكور.
ويكفي لقيام جريمة سرقة الكهرباء معرفة المستفيد من وصل التيار الكهربائي، ولا يشترط أن تكون الأنوار مضاءة حين تنظيم الضبط ما دام أن الضبط قد نظم وقت الظهر. (نقض سوري جنحة 2877 قرار 2901 تاريخ 31/10/1981).
وإن مجرد تمديد أسلاك الخط العام إلى المنزل لا يكفي للإدانة ولا يعني جزماً أن المدعى عليه هو الذي فعل ذلك. فأبرز إلى حيز الوجود العناصر التي تؤلف الجرم ما لم يكن منظمو الضبط قد شاهدوا المنزل مضاء. (نقض سوري/جنحة 164 قرار 885 تاريخ 18/4/1984).
وإن الاشتراك في مؤسسة الكهرباء العامة بعداد نظامي ودفع الفواتير ثمن الاستهلاك بموجب ايصالات قبل تاريخ تنظيم ضبط السرقة بحقة لا ينفي ذلك الجرم عنه، ما دامت التمديدات الداخلية لمنزله تستمد الطاقة من المأخذ العام مباشرة وعن طريق غير العداد (نقض سوري 4673 قرار 604 تاريخ 29/5/1982).
ب- السرقة الموصوفة (أو السرقة الجنائية): يقصد بالسرقة الموصوفة السرقة الموصوفة وصفا جنائياً، والفكرة الأساسية في هذه الجنايات أنها جرائم سرقة توافرت فيها ظروف على درجة واضحة من الخطورة استأهلت - في تقدير الشارع - أن تشدد عقوباتها بحيث تبلغ مبلغ عقوبات الجنايات، ومقتضى هذه الفكرة وجوب أن تتوافر لكل جناية منها أركان السرقة البسيطة، ثم تضاف إليها الوقائع التي يقوم عليها الظرف المشدّد. وهذه الجنايات منصوص عليها على سبيل الحصر، ولا يجوز أن يقاس عليها أو يقضى بعقوبة الجناية إذا لم تتوافر جميع العناصر التي يتطلبها الظرف المشدد. والوصف المشدد في دعوى السرقة عنصر مستقل يستدعي تغيير الوصف واعتبار الجرم من نوع الجناية، ولا بد فيه من أدلة كافية ولايمكن استنتاجها استنتاجاً (نقض سوري، جناية 742 قرار 638 تاريخ 25/6/1967) وقد جعل المشرع لكل جناية سرقة عقوبة خاصة بها تتناسب مع درجة جسامتها. وقد نص المشرع السوري على هذه الجنايات في المواد (622-627) من قانون العقوبات وهي:
(1) السطو على المساكن.
(2) السرقة في الطريق العام أو القطار الحديدي.
(3) السرقة ليلاً مع التعدد والتقنُّع وحمل السلاح.
(4) السرقة إبان نائبة عامة وفي أثناء العصيان أو الاضطرابات أو الحرب.
(5) سرقة السيارات ولوحاتها.
(1) السطو على المساكن: نصت على هذا النوع من السرقات المادة (622) من قانون العقوبات إذ جاء مايلي: «تستوجب عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة من خمس عشرة سنة إلى عشرين سنة السرقة التي تقع مستجمعة الأحوال التالية:
أ- ليلاً.
ب- بفعل شخصين أو أكثر.
ج- بالدخول إلى مكان لسكن الناس أو ملحقاته بواسطة الخلع أو استعمال مفاتيح مصنعة أو أدوات مخصوصة أو بانتحال صفة موظف أو بارتداء زيه أو شاراته أو بالتذرع بأمر السلطة.
د- أن يكون السارقون مقنعين أو يكون أحدهم حاملاً سلاحاً ظاهراً أو مخبأً.
هـ- أن يهدد السارقون أو أحدهم بالسلاح أو يتوصل بأحد ضروب العنف على الأشخاص إما لتهيئة الجناية وإما لتسهيلها وإما لتأمين هرب الفاعلين أو الاستيلاء على المال المسروق».
يستفاد من هذا النص أن التشديد في جنايات السطو على المساكن يعود إلى الأسباب التالية:
أ- لوقوعها ليلاً: والليل فيه سهولة لأن السارق يباغت المجني عليه في وقت راحته وخلوده للنوم الذي فيه سبات الناس، وهو لا يستطيع أن يدافع عن ماله الدفاع الذي كان بمقدوره فيما لو ارتكبت السرقة نهاراً، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فالسارق يكشف خطورته الخاصة فهو غالباً ما يضمر العزم على استعمال العنف مستتراً بالظلام إذا اقتضت السرقة ذلك. وإن وقوع جزء من السرقة ليلاً واستكمالها نهاراً لا ينفي عنها ظرف الليل، وتعتبر السرقة واقعة ليلاً. فالليل فيه سهولة للسارق مرتبطة بالظلام والهدوء على وجه يعني خطورة الجريمة ومرتكبيها، والقاضي هو الذي يحدد الوقت الذي تبدأ وتنتهي فيه السرقة وفق وقائع الدعوى وأدلتها.
ب- فعل شخصين أو أكثر: وما يجعل هذه السرقة سهلة أن المجني عليه يرى أشخاصاً عديدين يشتركون في الاعتداء عليه فيدخل الرعب في نفسه، ويجعله عاجزاً عن المقاومة إضافة إلى أن تعدد السارقين غالباً ما يجعل لديهم سابق إصرار وتصور وتصميم على فعلهم. فالأشخاص يجب أن يكونوا شركاء في الفعل، ولابد من بروز السارقين مجتمعين في مكان تنفيذ الجريمة وقد جاء في قرار محكمة النقض السورية أن الاشتراك في الجريمة يقتضي وجود أكثر من شخص قام بدور رئيسي في تنفيذها وهو ما عبر عنه المشرع بأنه أسهم مباشرة في تنفيذها. المادة 211 عقوبات (نقض، جناية 587 قرار 586 تاريخ 26/11/1983).
ج- الدخول إلى أماكن سكن الناس أو ملحقاتها: ومكان سكن الناس هو المسكن المخصص فعلياً للسكن والمراد بالسكن هو الإقامة وتعني الإقامة تخصيص المكان لمظاهر الحياة التي يحرص كل شخص على أن يكون في عزلة حين يباشرها. وأهم هذه المظاهر النوم والخلود للراحة والعمل الهادئ. ويعد المكان مسكناً ولو كان غير ثابت وملحقات المسكن كالمرآب وغرف السطح والقبو.
والدخول إليها يكون بواسطة الخلع: والخلع هو الكسر ويراد به كل عنف يحطم به السارق العقبة التي وضعها الحائز في طريق من يحاولون الاعتداء على ماله، وهو نوعان (داخلي وخارجي) والخارجي هو الذي يقع على السور الذي صون به الحائز عقاره، والداخلي يقع على الحوائط الداخلية التي تفصل ما بين أقسام العقار أو على الخزائن أو الصناديق التي يحفظ فيها الأموال موضوع السرقة ويستوي فيها النوعان. وقد جاء في قرار لمحكمة النقض السورية أن جريمة السرقة بواسطة الخلع جاءت مطلقة وغير مقيدة بخلع النوافذ والحواجز التي تمنع السارق من دخول الأمكنة المقفلة فحسب بل تعدته إلى خلع كل حاجز مقفل يحتوي على الأموال والأشياء المسروقة في داخل تلك الأماكن (نقض سوري 321 قرار 11 تاريخ 11/1/1975).
أما المفتاح المصنع: فهو كل مفتاح غير المفتاح الذي أعد خصيصاً لباب المكان الذي ارتكبت السرقة في داخله، فهو المفتاح الذي يصنعه السارق على مثال المفتاح الحقيقي تقليداً له، ويشمل ثانياً كل مفتاح تجري عليه تعديلات ليصير مماثلاً لمفتاح المكان الذي ارتكبت فيه السرقة، ويشمل أيضاً المفتاح الخاص بمكان آخر الذي يكتشف السارق أنه مماثل لمفتاح المكان الذي يريد ارتكاب السرقة فيه فيستعمله للدخول. وأخيراً فإنه يشمل المفتاح الأصلي الذي ضاع من صاحب البيت المسروق، أو احتفظ به الخادم بعد تركه العمل، أو صنع الخادم مفتاحاً آخر وارتكب سرقة بذلك المفتاح (نقض سوري أحداث 52 قرار 32 تاريخ 1/2/1978، نقض سوري، جناية 381 قرار 368 تاريخ 23/5/1963، نقض سوري، جنحة 1665 قرار 207 تاريخ 26/3/1960، نقض سوري، جنحة 4793 قرار 2248 تاريخ 30/5/1963).
أما انتحال صفة موظف أو ارتداء زيه أو شاراته أو التذرع بأمر السلطة: فقد سوى المشرع بين هذه الوسائل والوسائل السابقة لجهة الخلع والتسلق واستعمال المفاتيح المصنعة وسائلَ لدخول مسكن المجني عليه، فهي مثلها طرق غير مألوفة للدخول. والفرق بين النوعين أن تلك الوسائل (الخلع والكسر) تفترض العنف والقسر، أما (صفة الموظف أو زيه أو شارته أو استغلال أمر السلطة) فتقوم على الخداع، فهو يستغل الثقة التي يعطيها المجني عليه للسلطات العامة ومن يمثلها بالطاعة، والتي يعد نفسه ملتزماً بها إزاءهم، والسارق بذلك يستهين بهذه السلطات، إذ يستغل الثقة المرتبطة بها لارتكاب جريمته.
والمراد بانتحال صفة الموظف هو ادعاء السارق لهذه الصفة وهذا الادعاء لايقع إلا من غير الموظف، أما الموظف الذي يحتج بصفته للدخول إلى مسكن المجني عليه فهو لا يعتبر منتحلاً صفة ليست له.
وكذلك السارق الذي يرتدي الزي أو الشارة التي يتميز بها فريق الموظفين، وهو من غير الموظفين، فإنه يرتكب جرماً جنائيَّ الوصف، وينال عقوبة مشددة لإساءة استعمال السلطة العامة.
د- أن يكون السارقون مقنعين أو أن يكون أحدهم حاملاً سلاحاً ظاهراً أو مخبأً وهذا يدل على أن هذه الفقرة تنص على ظرفين مشددين (تقنع السارقين أو حملهم سلاحاً ظاهراً أو مخبأ): وهذان الظرفان يتعلقان بوسيلة تنفيذ السرقة، ويعنيان الاستعانة بوسيلة خطيرة، والتقنع هو إخفاء السارقين لملامحهما أو تغييرها؛ كاتخاذ منظر السارق لصورة غير مألوفة من شأنها إلقاء الرعب في نفس من يتعرض للجريمة.
أما السلاح؛ فإن مجرد حمل السلاح يسهل فعل السرقة من حيث إلقاء الرعب والخوف والفزع في نفس المجني عليه، والسلاح هو كل أداة خطرة على السلامة العامة أو كل ما من شأنه الإيذاء البدني، والسلاح قد يكون بطبيعته للاستعمال في الاعتداء على سلامة البدن (كالبنادق والمسدسات والخناجر والسيوف) أو مخصصاً لأغراض غير عدوانية لكنه يستعمل عرضاً في العدوان (كالسكاكين العادية والعصي الخفيفة).
ه- وقوع السرقة بالتهديد بالسلاح تمهيداً وتهيئة لجريمة أو لتسهيلها أو الاستيلاء على المال المسروق أو لتأمين الهرب: التهديد بالسلاح هو الوعيد باستعمال السلاح في إيذاء المجني عليه أو غيره في بدنه، إذا قاوم تنفيذ السرقة، ولا يتطلب استخدام سلاح معين على وجه التحديد. فالتهديد بالسلاح يسهل فعل الجاني، ويربك المجني عليه، ويضعف مقاومته. فالسارق يعتدي على مال المجني عليه وعلى حريته وإرادته.
أما العقوبة عند اجتماع هذه الجرائم فهي الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة من 15 سنة حتى 20 سنة وهذه هي أشد العقوبات في جرائم السرقة.
(2) السرقة على الطريق العام أو في القطار: نصت المادة (623) من قانون العقوبات على أنه: «1- إذا وقعت السرقة على الطريق العام أو في القطار الحديدي مستجمعة حالتين من الحالات المعينة في المادة السابقة يقضى بالأشغال الشاقة من خمس عشرة سنة إلى عشرين سنة.
2- وإذا لم تتوافر في هذه السرقة إلا إحدى تلك الحالات فإن العقاب هو الأشغال الشاقة المؤقتة سبع سنوات على الأقل.
3- وفي الحالات الأخرى تكون العقوبة الأشغال الشاقة من ثلاث إلى عشر سنوات. وبناء على هذه المادة فإن مكان وقوع الجرم هو السبب المشدد إذا اقترن بحالة وبحالتين من الظروف الموصوفة في المادة 623».
والطريق العام هو الطريق الواقع خارج المدينة بين بلدتين لا الطريق داخل المدينة (نقض سوري، جناية 363 قرار 413 تاريخ 8/5/1988) والغاية من تشديد السرقات الواقعة على الطريق العام أو في القطار هي حماية المسافرين في الأمكنة التي لا يوجد فيها من يسعفهم، أما في المدن المكتظة فالمسافرون لا يحتاجون إلى مثل هذه الحماية لأنهم محاطون بمن ينجدهم عند الضرورة (نقض سوري أحداث 822 قرار 902 تاريخ 25/11/1980 نقض سوري، جنحة 90 قرار 632 تاريخ 28/3/1961).
ويخرج عن نطاق الطريق العام السرقات المرتكبة في منطقة صحراوية أو جبلية نائية، لأن هذه المنظقة ليست درباً للمواصلات، ويخلع عنها صفة الطريق العام، ويقتصر الأمر على القطار الحديدي دون غيره من الوسائل البحرية والبرية أو الجوية.
وقد نصت الفقرة الثانية من المادة المذكورة على وقوع السرقة بتوافر حالة واحدة وحددت العقاب.
السرقة بالعنف: وهو مانصت عليه المادة (624) من قانون العقوبات فجاء النص القانوني كما يلي: «1- إذا رافق السرقة عنف على الأشخاص سواء لتهيئة الجريمة أو تسهيلها وسواء لتامين هرب الفاعلين أو الاستيلاء على المال المسروق يعاقب الفاعل بالأشغال الشاقة المؤقتة. 2- لاتنقص العقوبة عن خمس سنوات إذا تسبب العنف برضوض أو جروح أو إذا رافقه إحدى الحالات الأربع المعينة في المادة 622».
ومدة الأشغال الشاقة المؤقتة هي من ثلاث سنوات إلى خمس عشرة سنة.
أما العنف فهو الإكراه المادي وأي عمل من أعمال القسر والإجبار يأتيه السارق لإحباط مقاومة المجني عليه ليحبط المقاومة التي يبديها. والعنف ركن من أركان الجرم المنصوص عليه في المادة (624) فيجب إثباته بصورة مستقلة (نقض سوري، جناية 288 قرار 183 تاريخ 24/2/1988).
يشمل العنف كل أنواع الشدة وضروب الأذى والتعذيب.
إن إعطاء المخدر لإفقاد المدعي شعوره تسهيلاً للسرقة يعد من أقوى أنواع الإكراه والعنف؛ لأنه طريق قسري يعطل الإرادة ويعدمها، ويمكن السارق من إنجاز عمله. وكذلك السارق الذي يدفع ضحيته فتسقط على الأرض أو يمسكه فيعطل مقاومته أو يقذفه بقبضة من الرمل على عينيه أو يعصبهما فيشغله بذلك عن مقاومة السرقة حتى يتم الاستيلاء على المسروق، وهو جناية وفق أحكام المادة (624) من قانون العقوبات وشدد المشرع العقاب لأن السارق يعتدي على شخص المجني عليه من جهة، وعلى أمواله من جهة أخرى.
السرقة من الأماكن المقفلة: وقد نصت المادة (625) من قانون العقوبات على أنه: «يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة كل من أقدم على السرقة من الأماكن المقفلة المصانة بالجدران مأهولة كانت أم لا سواء بواسطة الخلع أو التسلق في الداخل أو في الخارج أو باستعمال المفاتيح المصنعة أو أية أداة مخصوصة أو بالدخول إلى الأماكن المذكورة بغير الطريق المألوفة في دخولها».
والأشغال الشاقة المؤقتة كما سبقت الإشارة هي من ثلات سنوات إلى خمس عشرة سنة.
أما المكان المقفل المصون بجدران فهو المكان المسور، والمحاط بسور أو سياج، يضع به الحائز عقبة حقيقية في طريق كل داخل إليه عن غير طريق بابه المعد لذلك. وأهم عنصر في فكرة السور أن يكون عقبة تعترض الداخل إلى المكان من غير بابه بحيث يتعين عليه بذل مجهود غير عادي للدخول إليه. وعليه فإن المكان المقفل المصون بجدران يتطلب إحاطة السور به من جميع الجهات كي يتحقق به معنى العقبة التي تعترض طريق الداخل وسواء أكان هذا المكان مأهولاً أم غير مأهول (نقض سوري، جناية 435 قرار 334 تاريخ 18/5/1965، نقض سوري، جنحة 53 قرار 20 تاريخ 10/2/1962، نقض سوري، جناية 839 قرار 787 تاريخ 28/9/1967).
والخلع هو عمل عنيف يحطم به السارق العقبة التي وضعها الحائز في طريق من يحاول الاعتداء على ماله، والخلع قد يكون خارجياً، وقد يكون داخلياً. فالخارجي هو الذي يقع على سور العقار، أما الداخلي فهو يقع على الحوائط الداخلية، كالخزن والصناديق التي تحفظ فيها الأموال. ويستوي فيها النوعان سواء أكان الخلع خارجياً أم داخلياً وقد يكون هدماً أو تحطيماً أو كسراً.
أما التسلق فهو يعني تخطي العقبة التي وضعها الحائز في طريق من يحاول الاعتداء على ماله، وذلك من دون تحطيمها عن طريق اعتلائها، ثم الهبوط منها، والتسلق قد يكون خارجياً أو داخلياً، فالتسلق الخارجي هو تخطي السور الخارجي للمكان الذي ارتكبت فيه السرقة، وذلك باستعمال سلمٍ خشبي أو حديدي، أو الاستعانة بحبل، أو بتسلق مواسير المياه، أو شجرة مجاورة للسور، أو سقالة عمال دهان. والتسلق الداخلي يقع على الحوائط الداخلية.
أو باستعمال المفاتيح المصنعة: والمفتاح المصنع هو كل مفتاح غير المفتاح الذي أعد خصيصاً لباب المكان الذي ارتكبت السرقة في داخله، وهذا المدلول متسع، فهو يشمل المفتاح الذي صنعه السارق على المفتاح الحقيقي، ويشمل ثانياً كل مفتاح تجري عليه تعديلات ليصير مماثلاً لمفتاح المكان الذي ارتكبت فيه السرقة، ويشمل ثالثاً المفتاح الخاص بمكان آخر والذي يكون مماثلاً لمفتاح المكان الذي يريد ارتكاب السرقة فيه.
أما الأدوات المخصوصة فيراد بها كل آلة أو أداة معدة أصلاً، أو يستعملها السارق لفتح القفل أياً كان سبيله إلى ذلك، ومن هذا القبيل الحربة.
وفي هذا المجال تقول محكمة النقض السورية إن كل مفتاح استحصل عليه بصورة غير مشروعة واستعمل في ارتكاب جرم السرقة فإنه يعد كالمفتاح المقلد أو الأدوات المخصوصة؛ لأنه سهل وقوع السرقة واستعمل بغير الغرض الأصلي المعد له، وهذا يستوجب إعطاء هذه السرقة الوصف الجنائي. وإن استيلاء الولد على مفتاح خزانة والده واستعماله المفتاح في فتح خزانته من دون علمه يجعل هذا المفتاح معتبراً كالمفتاح المصنع حتى لو كانت حيازته مشروعة؛ لأنه سهل وقوع السرقة واستعمل لغير الغرض الأصلي الذي أعد له ويجعل السرقة جنائية الوصف (نقض سوري، أحداث 553 قرار 573 تاريخ 13/11/1982) وفي قرار آخر لها تقول فيه: إن فتح الباب بواسطة قطعة من الأسلاك جنائي الوصف (نقض سوري، 517 قرار 555 لعام 1953).
أما الطريقة غير المألوفة للدخول: المقصود بالدخول المألوف - كما عرفته محكمة النقض - هو ما ألفه الناس ويألفونه ويمارسونه بصورة عادية وطبيعية ومن دون أي صعوبة أو مشقة من الوضع المخصص له ذلك المكان، وإن كل دخول آخر يتم على خلاف ذلك يعد دخولاً غير مألوف، فالدخول عبر النافذة هو دخول غير مألوف والدخول من النافذة التي تصل المحل بمنزل صاحبه دخول غير مألوف (نقض سوري، جناية 514 قرار 539 تاريخ 21/7/1968.
(3) اجتماع ظرفين مشددين أو أكثر: وهو مانصت عليه المادة (626) من قانون العقوبات يقضى بالعقوبة نفسها إذا ارتكب السرقة ليلاً شخصان أو أكثر مقنعين أو كان أحدهم يحمل سلاحاً ظاهراً أو مخبأ أو إذا حصلت بفعل شخص واحد مسلح في مكان معد لسكن الناس. والعقوبة هي الأشغال الشاقة المؤقتة من ثلاث إلى خمس عشرة سنة، وهذا النص المذكور يتناول حالتين:
- الحالة الأولى تجتمع فيها ثلاثة ظروف، هي الليل وتعدد الفاعلين والتقنع أو حمل السلاح.
- الحالة الثانية يجتمع فيها ظرفان، هما وهي حمل السلاح ووقوع السرقة في مكان سكن الناس، ولم يذكر المشرع في هذه المادة ملحقات المسكن خلافاً لما نص عليه في المادة (622) من قانون العقوبات الأمر الذي يحول دون التوسع في مفهوم المسكن فلا يشمل ملحقاته.
(4) السرقة في حالة الحرب والكوارث وابان النائبة العامة: وقد نصت عليه المادة (627) من قانون العقوبات بقولها: «يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة:
1- كل من ارتكب سرقة في حالة العصيان أو الاضطرابات أو الحرب أو غرق سفينة أو أية نائبة عامة أخرى. 2- كل من اشترك مع آخرين في شن غارة على أموال لا تخصه فنهبها أو أتلفها».
ويتضح من هذا النص أن التشديد مرتهن بارتكاب السرقة خلال زمن معين يتصف بظروف خاصة تحمل طابع الاستثناء، وتجعل في تقدير المشرع السرقة أكثر خطورة. ولم يتطلب المشرع شروطاً أخرى عدا ارتكاب السرقة إبان هذا الزمن. وقد ذكر النص حالة العصيان والاضطرابات أو الحرب أو غرق سفينة، ثم جاء بعبارة أي نائبة عامة أخرى، فابتدأ بأمثلة، ثم انتهى إلى تأصيل هذه الأمثلة بالنائبة العامة. والسبب في تشديد العقاب على هذه السرقات هو استغلال السارق لظروف سيئة يتعرض لها المجتمع ويزيد من وطأتها عليه، فالسارق بدلاً من أن يسهم في تخفيف أعباء هذه الظروف، والمساعدة في تجاوز هذه المحنة، يستغل ذلك لمصلحته في سبيل جني مكاسب غير مشروعة على حساب سائر المواطنين. فهذه السرقات سهلة، إذ يستفيد الجاني من فرصة انشغال الناس بمواجهة النائبة لمصلحته وينفذ أفعاله الجرمية وارتكاب السرقة.
والنائبة العامة هي الكارثة العامة أو مجموعة الظروف السيئة التي تحمل طابع الشذوذ، وتهدد بالخطر عدداً غير محدود من الأفراد، وبذلك تكون النائبة خارجة عن المألوف، وعن عادة الناس، فهي خطر عام وشاذ، والعصيان والاضطرابات والحرب أو غرق سفينة هي أشياء وردت على سبيل المثال لا الحصر، والدليل على ذلك عندما قال: أو أي نائبة أخرى.
أما الغارة موضوع الفقرة الثانية من المادة (627) فإنه يشترط لتحقيقها أن يكون الغرض الأصلي من الإقدام على شن الغارة هو الأخذ بالثأر والانتقام أكثر من السرقة وغصب المال والتخريب، وأن تقع نهاراً أو علناً، لا بصورة التسلسل، وأن يكون الفاعل أكثر من شخصين (نقض سوري، جناية 1109 قرار 1164 تاريخ 30/11/1982).
- أسباب التخفيف والإعفاء من العقاب: وقد عاقب المشرع السوري على الشروع في جنح السرقة في المادة (638) من قانون العقوبات، والأصل أن تفرض على الفاعل في الشروع في جنحة السرقة نفس العقوبة المقررة لها فيما إذا كانت تامة، ولكنْ، أجاز المشرع للقاضي تخفيض العقوبة إلى النصف في الشروع التام وإلى الثلث في الشروع الناقص، وذلك عملاً بأحكام المادة (201) من قانون العقوبات.
إن المادة (639) من قانون العقوبات قد نصت على مايلي: «يمكن أن يوضع تحت الحرية المراقبة أو يمنع من الإقامة كل من حكم عليه بعقوبة مانعة للحرية من اجل سرقة أو محاولة سرقة».
وكذلك نصت المادة (640) من قانون العقوبات على الإعفاء من العقوبة، لكل شخص ارتكب جريمة إخفاء الأشياء المسروقة أو جريمة تخبئة الأشخاص الذين اشتركوا في السرقة المنصوص عليها في المادتين (220 و221) من قانون العقوبات إذا أخبر السلطات عن أولئك الشركاء قبل أي ملاحقة، أو أتاح القبض - ولو بعد مباشرة الملاحقات - على من يعرف مخبأهم.
ولاتسري أحكام هذه المادة على المكررين.
وكذلك فإن مرتكبي جرم السرقة تخفض عقوباتهم إلى الثلث إذا كان المجني عليهم من أصولهم أو فروعهم أو أزواجهم أو من ذوي الولاية الشرعية أو الفعلية عليهم، ويعفون من العقاب إذا أزالوا الضرر الذي أحدثوه.
أما إذا أعاد المجرم جرمه خلال خمس سنوات يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في القانون مخفضا منها الثلث (المادة /660/ من قانون العقوبات)، إذ يستفيد السارق هنا من عذر قانوني خاص، وهو رابطة القربى. وهناك حالة أخرى هي تفاهة المال المسروق المنصوص عليها في المادة (662) من قانون العقوبات، إذ تخفض العقوبة الجنحية في السرقة إلى النصف إذا كان الضرر أو النفع الذي قصد الفاعل اجتلابه منهما تافهين، أو إذا كان الضرر قد أزيل كله قبل إحالة الدعوى إلى المحكمة، أما إذا حصل الرد أو أزيل الضرر في أثناء الدعوى، ولكن قبل أي حكم بالأساس ولو غير مبرم؛ تخفض العقوبة إلى الربع.
وبذلك يكون المشرع قد أوجد هذه الأعذار المذكورة بنص قانوني خاص وبشروط للأشخاص ذوي القرابة، ومن حيث الزمان والأموال لجهة رابطة الزوجية، والسبب في الإعفاء هو حفظ روح المودة والسلام المفروض تواجده بين أفراد الأسرة الواحدة التي تفوق أهميتها أهمية المحافظة على الأموال. أما تفاهة النفع والضرر فهو خروج عن القواعد العامة التي لا تشرط بلوغ المال.
(5) سرقة السيارات: وقد نصت عليها المادة (625) مكرر من قانون العقوبات بقولها:
«1- يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لاتقل عن خمس سنوات وبغرامة من 2000 إلى 5000 ليرة سورية كل من أقدم بأي طريقة ومن أي مكان على سرقة أي سيارة من السيارات المعرفة في الفقرة الثالثة من المادة الأولى من قانون السير رقم 19 تاريخ 30/3/1974.
2- أ- يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة وبغرامة من 1500 إلى 3000 ليرة سورية كل من أخذ أو استعمل دون حق وسائل النقل المبينة في البند الأول من هذه المادة إذا لم يكن قاصداً سرقتها.
ب- تخفض العقوبة المنصوص عليها في الفقرة (أ) من البند /2/ من هذه المادة إلى الحبس مع الشغل سنة واحدة على الأقل والغرامة من 0500 إلى 500 ليرة سورية إذا أعاد الفاعل ما أخذه أو استعمله إلى صاحبه أو مكان أخذه خلال ثلاثة أيام على الأكثر من تاريخ الفعل دون إحداث تلف فيه.
ج- لا تطبق أحكام المادة 662 من قانون العقوبات في حال تخفيض العقوبة وفقاً لأحكام الفقرة /ب/ من البند /2/ من هذه المادة.
د- لا تطبق على الجرائم المعاقب عليها بموجب هذه المادة الأسباب المخففة التقديرية كما لاتطبق على الجرائم المعاقب عليها وفقاً لحكم الفقرة (ب) من البند /2/ من هذه المادة أحكام وقف التنفيذ المنصوص عليها في المادة 168 من قانون العقوبات ومايليها».
لاتأثير لهذه الإضافة على العقوبات الأشد إذا استجمع الفعل أو الفاعل أوصافاً أخرى.
وقد شدد المشرع عقوبة السرقة على السيارات والمركبات لمواجهة العصابات التي تخصصت في هذا النوع من السرقات، لما يكشف عنه سلوكها من إخلال بالأمن، وخطورة على الأموال. والسرقة يجب أن تقع على كامل السيارة لا على أجزاء منها.
وكون هذه السيارات تقوم بدور مهم في الحياة الاقتصادية والاجتماعية عامة، فهي الوسيلة المعتادة في المجتمع الحديث لتنقل الأشخاص أو الأشياء، ومن ثم فالاعتداء عليها ينعكس سلباً وضرراً على المجتمع. والمشرع لم يشترط شروطاً في سرقة السيارات من حيث حجمها وقوة محركها. وعليه فالمشرع السوري وضع المادة (625) من قانون العقوبات وتناول فيها جرمين: جرم سرقة السيارات، وجرم أخذ أو استعمال لسيارة الغير.
فجرم سرقة السيارات يتعلق بالاعتداء على ملكية السيارة؛ لأن السرقة هي الأساس في التجريم وفق التعريف الوارد في المادة (621) من قانون العقوبات (أخذ مال الغير دون رضاه) بنية التملك.
أما الحيازة فإنها تأتي عرضاً وهي غير مقصودة لذاتها، وإنما من أجل استطاعة الاعتداء على الملكية، في حين أن الجرم الثاني يتعلق بالاعتداء على الحيازة فقط، وتأتي في صورة فعل تستخدم السيارة في أداء خدمة أو انتفاع بها، من دون أن يؤدي ذلك إلى نية التملك. ومن ثم فأخذ السيارة من دون رضا صاحبها يقتضي النظر فيه إلى نية الفاعل عند أخذها لتقدير ما إذا كان ينوي التصرف بها كمالك أو كمستعير فقط، ويأتي في ضوء ذلك تقرير التكييف القانوني للجريمة.
والعقوبة في سرقة السيارات جنائية الوصف وفي الاستعمال أيضاً، إلا أنها تخفض في الاستعمال إلى الحبس سنة واحدة على الأقل وغرامة من خمسمئة إلى خمسة آلاف ليرة سورية إذا تحققت الشروط التالية:
Ÿ إعادة السيارة المسروقة إلى صاحبها أو إلى المكان الذي أخذها منه خلال ثلاثة أيام على الأكثر من تاريخ السرقة.
Ÿ أن لايكون قد أحدث أي إتلاف فيها.
وقد استثنى المشرع السوري في العقاب على سرقة السيارات التخفيض الوارد في المادة (662) لجهة تخفيض العقوبة الجنحية الواردة في الفقرة /ب/ من البند 2 من المادة (625) من قانون العقوبات، وهذا دليل على تشدد المشرع في العقوبة حتى في استعمال سيارة الغير ضمن الشروط المشار إليها سابقاً.
لاتطبق الأسباب المخففة التقديرية عن العقوبة المفروضة على مرتكبي جرائم السيارات، كما لا تطبق أيضاً على مرتكبي جرائم المادة (625) مكرر الفقرة 2/ب فرصة وقف تنفيذ العقوبة الصادرة بحقهم المنصوص عليها بالمادة (168) من قانون العقوبات.
ولم يجز المشرع إخلاء السبيل في جرائم سرقة السيارات خلال أدوار المحاكمة. وفي هذا الخصوص يُشار إلى تعميم وزير العدل رقم 9 تاريخ 7/2/2008 والذي ألغى الرأي السابق لوزارة العدل في هذا الخصوص، وكل كتاب صادر عنها أيضاً مخالف لأحكام هذا التعميم (هذا التعميم منشور في مجلة «المحامون» العدد 1- 2 لعام 2008 صفحة 120-121).
والمستند القانوني في عدم جواز إخلاء السبيل لجرائم سرقة السيارات هو المادة 130/5 أصول محاكمات جزائية التي جاءت كما يلي:
«تستثنى جرائم (تزوير النقد وترويجه وسرقة السيارات) من إخلاء السبيل في جميع أدوار المحاكمة وفق التعديل الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 17 تاريخ 14/2/2004».
ثانياً- الجرائم الملحقة بالسرقة:
ألحق المشرع بالسرقة ثلاث جرائم، هي:
1- الاغتصاب.
2- التهويل.
3- استعمال أشياء الغير بدون حق.
ويبرر مذهب الشارع في إلحاق هذه الجرائم بالسرقة أنها مثل جرائم الاعتداء على المال، وتدفع إليها نية الإثراء، إضافة إلى أن المدعى عليه في خطته تجاهل إرادة المجني عليه وقهرها، وهي خطة تقترب من خطة السارق، وتبتعد كثيراً عن خطة المحتال أو مسيء الائتمان. وقد عدّ المشرع هذه الجرائم مختلفة عن السرقة، ولم يجعلها صوراً من صور السرقة، وذلك لأن أركان السرقة جميعاً لا تتوافر لكل منها؛ لأن الطبيعة المادية لموضوع الجريمة لا تتوافر ولا يتخذ الفعل الجرمي صورة الأخذ، وقد لا تتوافر نية التملك، فلو اكتفى الشارع بالنصوص الخاصة بالسرقة لما دخلت في الغالب الأفعال التي تقوم بها هذه الجرائم في نطاق التجريم.
1- الاغتصاب:
وهو مانصت عليه المادة (635) من قانون العقوبات بقولها: «1- كل من أقدم لاجتلاب نفع غير مشروع له أو لغيره على اغتصاب توقيع أو أية كتابة تتضمن تعهداً أو إبراءً، وذلك بالتهديد أو الإكراه، أو أكره شخصاً على إجراء عمل أو الامتناع عن إجرائه إضراراً بثروته أو بثروة غيره، عوقب بالحبس مع الشغل من ثلاثة أشهر إلى سنتين وبالغرامة من مائة إلى خمسمائة ليرة. 2- وتفرض عليه عقوبة الأشغال الشاقة إذا كان الفاعل حاملاً سلاحاً هدد به المجني عليه».
وقد هدف المشرع بهذا النص إلى حماية ثروة المجني عليه وإرادته معاً، فالفعل الجرمي ينصب على سند ذي قيمة مالية، أو ينصب على توقيع يوضع على هذا السند، أو يتجه إلى فعل أو امتناع من شأنه الإضرار بثروة المجني عليه أو غيره. والفعل الجرمي تهديد أو عنف أي إنه في جوهره إضعاف لإرادة المجني عليه، بحيث تفقد قيمتها القانونية، وتتجه على غير الوجه الذي تتجه إليه لو تركت حرة. وقد أردف المشرع بيان أركان هذه الجريمة بالنص على ظرف مشدد يتحقق بحمل المدعى عليه سلاحاً واستعماله في تهديد المجني عليه.
أركان جرم الاغتصاب هي ثلاثة أركان:
أ- موضوع الجريمة: وهو الإمضاء أو الكتابة أو العمل أو الامتناع عنه.
الإمضاء: هو علامة تدل على شخصية صاحبها وتوضع في ذيل السند - وفق عرف المعاملات - وتبين صدوره عنه والتزامه بما يتضمنه من التزامات، ويغلب أن يكون الإمضاء في كيفية معينة في كتابه الاسم، وقد يكون طابع الإصبع له حكم الإمضاء، والإمضاء يوضع في ذيل سند ذي قيمة مالية فالاغتصاب جريمة ضد المال.
أما الكتابة فهي حمل المجني عليه على تسليم كتابة تتضمن تعهداً أو إبراءً. وهذه الكتابة تعني سنداً مالياً، وشرط الصفة المالية للسند هي صلاحيته لأن يكون دليل إثبات على وجود موجب أو انقضائه. وقد يكون السند إثبات قرض أو بيع أو هبة أو إيجار أو وكالة أو وصيه أو مخالصة دين أو سند سحب أو سند لأمر أو شِّك. وقد يكون السند إثبات إبراء لسند على المدعى عليه أو تسليم سند من الدائن للمدين بالإكراه، كي يأمن عدم المطالبة به، وبذلك لاتصلح المحررات غير ذات القيمة الماليه، كأن يعترف بتحرير ورقة أنه ارتكب عملاً مخلاً بالحياء.
وقد يتجه الفعل الجرمي إلى حمل المجني عليه على إجراء عمل أو الامتناع عنه إضراراً بثروته أو ثروة غيره. وتعبير القانون يتسع لكل عمل أو امتناع أياً كانت طبيعته أو درجة جسامته، والشرط الوحيد هو إضرار هذا العمل أو الامتناع بالثروة.
ب- الفعل الجرمي وهو الاكراه أو التهديد: وقد حدد المشرع صورتين للفعل الجرمي: وهما الاكراه والتهديد، ويكفي أن يتخذ الفعل إحداهما. ومن ثم فلا يشترط اجتماعهما.
والإكراه يعني العنف، أي الإكراه المادي، فكل فعل عنيف يمس سلامة البدن أو مطلق حصانته يكفي لتحقيق الإكراه، بشرط أن يقع الفعل على ذلك الشخص، ومن ثم يستبعد كل فعل يقع على شيء أو حيوان ويلحق بالإكراه التنويم المغنطيسي أو إعطاؤه مخدراً أو مسكراً، فالفكرة الأساسية هي إفساد الإرادة.
أما التهديد فيعني الوعيد بالشر: وهو فعل يجرد إرادة المجني عليه من الحرية من دون المساس بسلامة البدن أو حصانته، والفكرة الأساسية في التهديد أنه محو لحرية الإرادة.
ج- القصد الجرمي: فالاغتصاب جريمة قصدية، وقوام القصد هو اجتلاب نفع غير مشروع لنفسه أو لغيره.
والقصد العام يقوم على علم المدعى عليه بالتأثير المحتمل للإكراه أو التهديد في إرادة المجني عليه، وتوقعه أن يكون من شأنه حمله على وضع توقيعه، أو تسليم سند، أو إجراء أي عمل أو الامتناع عنه في حين أنه لم يكن ليفعل ذلك لو كانت إرادته حرة. إضافة إلى توجه إرادة المدعى عليه بنتيجة الإكراه والتهديد.
أما القصد الخاص فهو نية المدعى عليه اجتلاب نفع غير مشروع لنفسه أو لغيره، فإن كان النفع مشروعاً لا يتوافر القصد الخاص.
أما عقوبة الاغتصاب فتكون جنحية الوصف أي الحبس مع الشغل من ثلاثة شهور إلى سنتين وغرامة من مئة إلى خمسمئة ليرة. وتكون العقوبة جنائية الوصف إذا كان الفاعل حاملاً سلاحاً هدد به المجني عليه.
2 - التهويل:
وقد نصت عليه المادة (636) من قانون العقوبات بقولها: «كل من هدد شخصاً بفضح أمراً أو إفشائه أو الإخبار عنه، وكان من شأنه أن ينال من قدر هذا الشخص أو شرفه، أو من قدر أحد أقاربه أو شرفه، لكي يحمله على جلب منفعه له أو لغيره غير مشروعة عوقب بالحبس حتى سنتين وبالغرامة حتى خمسمئة ليرة».
وهدف الشارع من هذا النص إلى حماية إرادة المجني عليه من أن يفسدها التهديد، فيحملها ذلك على الاتجاه إلى غير ما كانت تتجه إليه لو كانت حرة. وذلك يعني أن هذه الجريمة هي جريمة خطر لاجريمة ضرر، ويتضح التقارب بين جريمة التهويل والاحتيال حين تكون الواقعة موضوع التهديد وهمية، والفارق واضح بين الجريمتين حينما تكون هذه الواقعة صحيحة أو تكون وهمية، ولكن يعلم المجني عليه بعدم صحتها، وهو واضح أيضاً حين لا يستهدف المدعى عليه الحمل على تسليم شيء ذي كيان مادي وإنما يستهدف الحمل على إتيان فعل أو الامتناع عنه.
أركان جرم التهويل وهي ثلاثة أركان:
أ-الموضوع الجرمي: أن المدعى عليه يرهب المجني عليه بتهديده أن ينسب إليه واقعة تحط من مكانته في مجتمعه ما لم يقم بالعمل الذي من شأنه جلب المنفعة غير المشروعة له أو لغيره. وهذا الفعل يفسد إرادة المجني عليه، وقد يحمله على شراء سكوت المدعى عليه وإنقاذ سمعته التي باتت مهددة وذلك بقيامه بالعمل الذي يراد منه القيام به. وهذه الواقعة من شأنها النيل من شرف المجني عليه أو قدره إذا كان من شأنها الهبوط بمكانته في مجتمعه، أي من شأنها الإقلال من مقدار الاحترام الذي يحظى به في المجتمع. والأمثلة على ذلك - الجريمة - الخطأ المسلكي والمهني أو الخطيئة الأخلاقية وبوجه عام كل أمر يثير في نفوس الناس الاشمئزاز ممن ينسب إليه ذلك.
ولا عبرة في أن تكون هذه الواقعة وهمية أو صحيحة، ولايقبل من المدعى عليه أي دفاع بهذا الخصوص كأن يثبت واقعة بحق المجني عليه، فمن يهدد شخصاً صدر بحقه حكم قضائي بعقوبة من أجل جريمة أن يذيع وينشر هذا الحكم، ويوزعه على الناس ما لم يدفع له مبلغاً من المال.
وعلى هذا الأساس فان المشرع لم يفرق بين كون الواقعة تنال من شرف أو قدر المجني عليه بالذات وبين أن تنال من شخص على صلة قربى بالمجني عليه (زوجة - ابنة).
ب-الفعل الجرمي: وهو التهديد بالفضح، والإخبار أو الإفشاء فهو وعيد بالشر، ففي الاغتصاب يصيب التهديد سلامة البدن في حين أن التهديد بالتهويل هو نسبة واقعة من شأنها النيل من الشرف أو القدر، وبذلك هو ضغط على إرادة المجني عليه، يكون من شأن ذلك الضغط إفسادها وتوجيهها على غير النحو الذي تتجه إليه لو كانت حرة. وعلى ذلك فإن جرم التهويل لا يتطلب تحقيق نتيجة جرمية معينة وإنما هو ارتكاب فعل التهديد كاملا وهو وصول التهديد إلى علم المجني عليه.
ج- القصد الجرمي: والقصد العام هو علم المدعي عليه بأن من شأن هذه الواقعة التي يهدد بها المجني عليه للنيل من شرفه أو قدره، إحداث تأثير في إرادة المجني عليه وإفساد إرادته ويجب أن يكون هذا القصد مرافقاً للتهديد.
أما القصد الخاص فهو أن يكون في نية المدعى عليه أن يجلب لنفسه أو لغيره منفعة غير مشروعة، وذلك يعني أن مجرد الإزعاج من المدعى عليه للمجني عليه لا يحقق الجريمة، وينفي القصد الخاص. وأبرز مثال على ذلك أن يهدد الدائن المدين بفضح أمر ما، ما لم يسد له دينه.
والعقوبه هي الحبس حتى سنتين والغرامة حتى خمسمئة ليرة.
وجرم التهويل لا يلاحق إلا بناء على شكوى الفريق المتضرر ما لم يكن مجهولاً أو تكون الشِّكوى مردودة وفق ما ورد في المادة (660) من قانون العقوبات.
3- استعمال أشياء الغير من دون حق:
وقد نصت عليه المادة (637) من قانون العقوبات بقولها: «كل من استعمل بدون حق شيئاً يخص غيره بصورة تلحق به ضرراً ولم يكن قاصداً اختلاس الشيء، عوقب بالحبس حتى ستة أشهر وبالغرامة مائة ليرة أو بإحدى هاتين العقوبتين».
وهذه الجريمة تتصل بالسرقة بروابط وثيقة إلا أنها تتميز عنها بذاتيتها، وبذلك أراد المشرع سد النقص الذي يكشف عنه الاقتصار على تطبيق نص السرقة الذي يتطلب نيه التملك، فمن يعتدي على حيازة غيره بنية الاستعمال أو الانتفاع من دون أن يكون القصد التملك لا يعاقب على أنه سارق.
فهذه الجريمة هي اعتداء على الحيازة من دون وجود نية للتملك وهذا الاعتداء من شأنه إلحاق ضرر بالمال المملوك للغير.
أركان جرم استعمال أشياء الغير من دون حق:
أ-الموضوع الجرمي: وهو المال المملوك للغير، فالمال المملوك للغير يجب أن يكون مادياً منقولاً وفي حيازة غير المدعى عليه.
ب-الفعل الجرمي: ويقصد به استعمال ذلك الشيء في أداء خدمة للمدعى عليه أو غيره، ومن ثم يعتبر الانتفاع بالشيء، أي تمكين الغير من استعماله، من دون سند قانوني يخوله ذلك الاستعمال وأن يكون من شأن ذلك الاستعمال إحداث ضرر، وقد يكون هذا الضرر معنوياً أو ضئيلاً.
ج- القصد الجرمي: وهو القصد العام، وهو علم المدعى عليه بأن الشيء الذي يستعمله هو مملوك لغيره وفي حيازته وأنه يستعمله بغير حق وأن هذا الاستعمال يحدث ضرراً واتجاه إرادة المدعى عليه لذلك الأمر.
أما العقوبة فهي الحبس حتى ستة أشهر وغرامة مئة ليرة سورية أو بإحدى هاتين العقوبتين.
ومن الجدير ذكره أن جرم التهويل واستعمال أشياء الغير من دون حق لا يلاحق إلا بناء على شِّكوى الفريق المتضرر ما لم يكن مجهولاً أو تكون الشِّكوى مردودة وذلك بحسب ما ورد في المادة (660) من قانون العقوبات.
ويمكن القول إن المشرع السوري لم يعاقب على الشروع في الجنحة الا بنص خاص، والقانون السوري عاقب على الشروع في ارتكاب الجرائم الملحقة بالسرقة وذلك بنص المادة (638) من قانون العقوبات.
إضافة إلى تطبيق التدابير الاحترازية بحق كل من حكم عليه بعقوبه مانعة للحرية من أجل سرقة أو محاولة سرقة، كتدبير وضعه تحت الحرية المراقبة أو تدبير منع الإقامة (المادة 639 من قانون العقوبات).
ولا بد هنا من التذكير بالمادة (640) التي تنص على الإعفاء من العقوبة لكل شخص ارتكب جريمة إخفاء الأشياء المسروقة أو جريمة تخبئة الأشخاص الذين اشتركوا في السرقة المنصوص عليها بالمادتين (220-221) من قانون العقوبات عند الإخبار عن هؤلاء أو شركائهم قبل أي ملاحقة أو إتاحة القبض عليهم ولو بعد مباشرة الملاحقات لمن يعرف مخبأهم.
إلا أن هذه المادة لا تسري على المكرِّرين.
ولا بد من القول أيضاً إن المادة (660) خفضت العقوبة في جرائم الاغتصاب والتهويل واستعمال أشياء الغير إلى الثلث إذا كان المجني عليهم من أصولهم أو فروعهم أو أزواجهم أو ذوي الولاية الشرعية أو الفعلية عليهم. ويعفون من العقاب إذا أزالو الضرر الذي أحدثوه. أما إذا عاود المجرم جرمه خلال خمس سنوات قضي بالعقوبة المنصوص عنها في القانون محفضاً منها الثلث.
وكذلك إذا كان الضرر الناتج من فعل الجاني، أو النفع الذي قصد اجتلابه من فعله تافهين أو إذا كان الضرر قد أزيل كله قبل إحالة الدعوى إلى المحكمة تخفض العقوبة الجنحية إلى النصف (المادة 162/1 من قانون العقوبات).
أما إذا حصل الرد أو أزيل الضرر في أثناء الدعوى ولكن قبل أي حكم بالأساس ولو غير مبرم فيخفض ربع العقوبة (المادة 162/2 من قانون العقوبات).
ثالثاً- الاحتيال وسائر ضروب الغش:
1-الاحتيال:
يعرف الاحتيال بأنه الاستيلاء على مال مملوك للغير عن طريق مناورات احتيالية بخداعه وحمله على تسليم ذلك المال.
والاحتيال بهذا التعريف ينال بالاعتداء حق الملكية، سواء في ذلك الملكية المنقولة والعقارية، ويتميز بالأسلوب الذي يتحقق عن طريقه هذا الاعتداء، ذلك أن المحتال يصدر عنه فعل خداع يتخذ صورة المناورات الاحتيالية. فيترتب عليه وقوع المجني عليه في الغلط وإقدامه على تصرف مالي أوحى به إليه المحتال، وجعله يعتقد أنه في مصلحته أو في مصلحة غيره، ومن شأن هذا التصرف تسليم مال إلى المحتال الذي يستولي عليه بنية التملك. ويمر الاحتيال بمناورات احتيالية ثم وقوع المجني عليه في الغلط ثم اتيانه تصرفاً مالياً من شأنه تسليم مال إلى المحتال. والخطوات السابقة كلها مترابطة.
والاحتيال يختلف عن السرقة، ففي الاحتيال يسلم الشيء تسليماً رضائياً إلى الفاعل. ولكن هذا التسليم مشوب بالغش والخداع عوضاً عن انتزاع ذلك الشيء بالقوة أو بالاستيلاء عليه خلسة كما في السرقة، والتسليم الرضائي يجعل الاحتيال قريباً من إساءة الائتمان.
على أن تسليم الشيء في إساءة الائتمان ناجم عن تنفيذ عقد صحيح يدخل في التعداد الحصري الوارد في القانون، إذ يباشر الفاعل سلوكه الإجرامي بعد تسليمه الشيء. أما في الاحتيال فالخداع سابق للتسليم أو مرافق له على أبعد حد، ولا يشترط وقوعه في معرض عقد معين ليخضع للوصف الجزائي المذكور. ويمكن القول أخيراً إن الاحتيال يختلف عن السرقة وإساءة الائتمان، بوروده على المنقول أو العقار على حدٍ سواء. ويتسم الاحتيال من الناحية القانونية بأنه جريمة أموال، ويقوم على تغيير الحقيقة، فهو تشويه للحقائق في ذهن المجني عليه.
وقد نص المشرع السوري على جريمة الاحتيال في المادة (641) من قانون العقوبات التي جاء فيها مايلي: «1- كل من حمل الغير على تسليمه مالاً منقولاً أو غير منقول أو أسناداً تتضمن تعهداً أو إبراءً فاستولى عليه احتيالاً:
t أما باستعمال الدسائس.
t أو بتلفيق أكذوبة أيدها شخص ثالث ولو عن حسن نية.
t أو بظرف مهد له المجرم أو ظرف استفادة منه.
t أو بتصرفه بأموال منقولة أو غير منقولة وهو يعلم أن ليس له صفة للتصرف بها.
t أو باستعماله اسماً مستعاراً أو صفة كاذبة.
t عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين وبالغرامة من مائة إلى خمسمائة ليرة.
2- يطبق العقاب نفسه في محاولة ارتكاب هذا الجرم».
ومن استعراض هذا النص يتضح أنه يشترط لقيام جريمة الاحتيال توافر الأركان الآتية:
أ- الركن المادي: ويتضمن الخداع، وتسليم المال، والصلة السببية بينهما. والخداع هو تشويه للحقيقة في شأن واقعة يترتب عليه الوقوع في الغلط، ويعني ذلك أن جوهر الخداع هو الكذب وموضوع الكذب واقعة يترتب عليها خلق الاضطرابات في عقيدة الشخص، وتفكيره يجعله يعتقد غير الحقيقة.
فالشخص الذي يذكر لأحد القاطنين في مكان بعيد عن السكن والعمران، أن بيته مهدد بهجمات اللصوص وكان الأمر صحيحاً وحصل منه على مال لقاء قيامه بحراسته، لايُعد فعله خداعاً، ومن ثم لايقوم جرم الاحتيال. ولافرق بين الكذب الكلي والكذب الجزئي، ويتعين أن ينصب الكذب على واقعة، ويراد بالواقعة حادثة أو احتيال تنتمي إلى الماضي أو الحاضر، ويترتب على الكذب نشوء عقيدة وهمية لدى من أُدلى به إليه.
والعقيدة الوهمية هي الاقتناع بصحة الكذب، أي الوقوع في الغلط، فالمجني عليه بات يعتقد أن الكذب الذي أدلى به إليه مطابق للحقيقة.
وقد حدد المشرع السوري وسائل الخداع التي يقوم بها الاحتيال بخمس وسائل وهي:
(1) استعمال الدسائس: وهي أكاذيب مدعومة بعناصر خارجية، ويعني ذلك أن الدسائس تقوم على عنصرين، هما الكذب والعناصر الخارجية التي تدعمه. فالكذب هو جوهر الدسائس ذلك أنها أسلوب للخداع، واتجاهها إلى إيقاع شخص في الغلط، وهو ما لا يتصور إلا إذا قامت على كذب.
ويقصد بالعناصر الخارجية التي تدعم الكذب المواطن التي يستمد منها المحتال الأدلة على صحة ما يدلي به من أكاذيب، فتعد وسائله في إقناع المجني عليه، وإيقاعه في الغلط، وحمله تبعاً لذلك على التصرف الذي يريده.
إذ ينبغي أن يقترن الكذب بواقعة مادية أو بمظهر خارجي يدعو إلى تصديقها، لكي تعد دسيسة. ومثال ذلك شخص يعرض ورقة نقدية للحصول على صرفها، ثم يهرب فور تسلم قيمة الصرف، وابتزاز المال من الناس بحجة مناجاة الأرواح أو القيام بعمل السحر والشعوذة لإيهام الناس بقدرة الفاعل (المدعى عليه)، وتأسيس شركة وهمية بقصد الحصول على الأموال، وذلك عن طريق فتح مكاتب لها ضخمة مزودة بمظاهر الثروة والبذخ، لخلق جو من الملاءة المالية المصطنعة، وتوزيع أرباح وهمية لتأمين حصول الشركة على أموال ومنافع معينة، إبراز فواتير كاذبة إلى شركة تأمين لقبض تعويض حادث. أو إبراز شهادة طبية كاذبة.
(2) بتلفيق أكذوبة أيدها شخص ثالث ولو عن حسن نية: تعد هذه الوسيلة من وسائل الاحتيال، إذ يكون الشخص الثالث في نظر المجني عليه غير ذي مصلحة، وأنه شخص محايد، وتدخله تأييداً لأكاذيب المحتال يضفي عليها حجة تجعلها مقنعة للمجني عليه.
ولاجدال في أن تدخل الشخص الثالث يجعل عادة هذه الادعاءات أقرب إلى التصديق من قبل المجني عليه، لأن الإنسان عادة يشِّكك في صحة الخبر الذي يصدر عن شخص واحد، ولكن هذا الشِّك يزول إذا أيده شخص آخر، خاصة إذا كان هذا الشخص الثالث يبدو محايداً لامصلحة له من تدخله، أو كان يبدو من تدخله الرغبة في الخير أو تحقيق مصلحة المجني عليه على وجه الخصوص. ويجب أن يكون تدخل الشخص الثالث قد تم بناءً على سعي الجاني، وتدبيره، وأن يكون تأييد الشخص الثالث لادعاءات الجاني مستقلاً عنها وصادراً عن شخصه هو، ولا فرق بين أن تكون نية التدخل حسنة فيؤيد أكاذيب المحتال لأنه مخدوع بها أو يكون سييء النية يعاون المحتال في سعيه إلى خداع المجني عليه، ويعد تعدد المدعى عليهم بالاحتيال قرينة قاطعة على تحقيق الدسائس ولو لم يصدر عن كل منهم أكاذيب يؤيدها الآخرون إذ التأييد المتبادل يجعل من نشاط كل مدعى عليه دسيسة.
(3) بظرف مهد له المجرم أو ظرف استفاد منه: ويقصد به شيء أو واقعة يستخلص منه الدليل على صحة الأكاذيب التي يدلي بها المحتال. والشرط الأساسي لصلاحية الاستعانة بالظرف هو أن يكون سلوك المحتال حين يشير إليه ويستمد منه الدليل على صحة أكاذيبه مستقلاً عن سلوكه حين أدلى بهذه الأكاذيب.
ويتطلب أن يتوافر شرط آخر لتكوين الدسائس عن طريق الاستعانة بالظرف هو أن تكون ثمة صلة مادية أو ذهنية بين الظرف وبين الواقعة موضوع الكذب، بحيث يستخلص من الظرف الدليل الذي يدعم الكذب ويضفي عليه ثقة لم تكن تتوافر له في ذاته.
والظروف التي تقوم بها المناورات الاحتيالية عديدة ومتنوعة، وتكاد لاتقبل الحصر، ولاسيما أن تعقد المعاملات وما يتصف به المحتالون عادة من خيال خصب بارع، يتيح تجديداً وابتكاراً مستمرين للظروف الملائمة لتأييد نوع معين من الأكاذيب، ومثال الظروف التي تكون صالحة للاستعانة بها للقيام بالمناورات الاحتيالية الأشياء المادية، كالصك أو السند المزور. فمن يطالب ورثة شخص بدين يدعي أنه يستحقه في ذمة مورثهم، وتأييداً لادعائه يتقدم بسند مزور قلد فيه توقيع المورث، يقوم بنشاط المناورات الاحتيالية.
وقد تكون الأشياء المادية أوراقاً مكتوبةً غير مزورة لاتحقق أركان التزوير، كمن يعد أوارقاً أو مظروفات دوّن في أعلاها اسم شركة أو محل وهمي لإقناع المجني عليه بأن هذه الشركة تؤمن أرباحاً وتضمن للمجني عليه حقوقاً.
والأشياء المادية قد لاتكون كتابةً، كمن يدعي أنه يشفي من الأمراض، ويدعم ادعاءه بسماعة طبية ومعطف أبيض. أو من يتخذ لنفسه نهجاً خاصاً في الحياة كأن يتخذ لنفسه مظهر أهل الورع فيطيل لحيته ويكثر التردد على أماكن العبادة ليوهم الناس بأنه يستطيع أن يقضي لهم بدعواته مصالحهم لقاء مبلغ من المال. أو أن يدعي واقعة تصلح أساساً للمطالبة بالتعويض كمن يشعل النار في متجر له ويطالب شركة التأمين بمبلغ التأمين. أو أن ينتحل المحتال لنفسه صفة غير صحيحة للاستيلاء على أموال المجني عليه أو إذا تقدم المحتال بصفتة الصحيحة مسيئاً اسغلالها ومضيفاً إليها من العناصر أو السلطات ما ليس لها ومستعيناً بهذا المجموع من العناصر لحمل المجني عليه على تسليمه المال.
وقد يسيء الفاعل استعمال مهنته فيستغل الثقة التي توحي بها لتأييد أكذوبة يلفقها، كالطبيب الذي يرسل إلى شركة التأمين بيانات كاذبة تتناول زيارات وأعمال وهمية زعم القيام بها لتقاضي أجورها.
وقد يستغل الفاعل حالة جسدية أو نفسية طبيعية أو مفتعلة لتأييد كذبه، كأن يدعي الفقر والبؤس مستغلاً إصابة ألحقها بنفسه في أحد أعضائه في حين أنه موسر. أو يستغل وجود كارثة طبيعية ويقوم بجمع التبرعات موهماً المجني عليهم أنه يجمعها لحساب المنكوبين بالكارثة.
(4) التصرف بأموال منقولة أو غير منقولة وهو يعلم أن ليس له صفة التصرف بها: وقد قضت محكمة النقض السورية في هذا الصدد أن عناصر الاحتيال بالتصرف بأموال الغير منقولة كانت أو غير منقولة تتم حينما يتصرف الفاعل بهذه الأموال كأنها له مع علمه بأنها غير مملوكة له وليس له حق التصرف فيها، من دون حاجة في ذلك إلى استعمال الدسائس وأنواع الغش والتدليس.
لأن القانون عدّ الجريمة قائمة بذاتها بمجرد التصرف وعلم الفاعل، وهذان العنصران يكفيان وحدهما لقيام الجريمة (نقض سوري، جنحة 709 قرار 467 تاريخ 31/3/1979).
فمناط التجريم بجريمة الاحتيال بالتصرف بأموال الغير المنقولة تتم حينما يتصرف الفاعل بهذه الأموال وكأنها له مع علمه بأنها غير ملك له وليس له الحق بالتصرف بها (نقض سوري، جنحة 1307 قرار 1104 تاريخ 20/6/1979).
وفي هذا المجال تفترض هذه الصورة للمناورات الاحتيالية إجراء المحتال تصرفاً بما ليس له حق أو صفة التصرف به، وحمله بذلك التصرف (المجني عليه) على تسليمه مالاً لقاء الحق الذي يوهمه المحتال أنه انتقل إليه بحق التصرف.
والكذب هنا ضمني مستفاد من سلوك معين، فإن التصرف بالمال وانتفاء الحق أو التصرف هما أساس لهذا الكذب. ويظهر ذلك جلياً في التصرف في العقار، فيمكن أن يحوز هذا العقار شخص غير مالكه ويتصرف به تصرف المالك بملكه الأمر الذي يجعل الناس يعتقدون أنه المالك الحقيقي له، وبذلك يكون من اليسير خداع المجني عليه بادعاء المحتال أنه مالك لهذا العقار.
أما في المنقول فالغالب فيمن يحوزه أن يكون مالكه خاصة أن في استطاعة الحائز حسن النية أن يحتج بقاعدة «الحيازة في المنقول سند الملكية».
وفي الأغلب تكون جرائم الاعتداء على الأموال واقعة على المنقولات لاعلى العقارات.
وإن بيع المالك عقاره مرة ثانية لا يشِّكل جرم الاحتيال ما دام العقار مسجلاً باسمه في السجل العقاري ولم ينتقل إلى اسم المشتري الأول (نقض سوري، جنحة 2185 قرار 2184 تاريخ 28/10/1974).
وكذلك فإن قبض بعض المال لأمر ما غير كاف لتكوين جرم الاحتيال ما لم يقترن هذا الفعل بأحد الأساليب الاحتيالية الواردة في المادة /641/ من قانون العقوبات (نقض سوري، جنحة 1242 قرار 1955 تاريخ 30/11/1986).
ويعدّ محتالاً مؤجر الأرض الذي يبيع محصولها ويقبض سلفة على ثمنها على الرغم من انتقال ملكيته لمستأجر الأرض. والاحتيال لا يقع إذا كان هدف المدعى عليه من خداع المجني عليه الحصول على ما ليس مالاً، وهو يرتكب ضد الأفراد لا ضد الدولة (نقض سوري، جنحة 3494 قرار 2547 تاريخ 30/12/1981).
(5) استعمال اسم مستعار أو صفة كاذبة: تتحقق المناورات الاحتيالية في هذه الصورة عن طريق صدور كذب عن المدعى عليه تعلق باسمه أو صفته، ففي هذه الصورة من ضروب الاحتيال يتخذ الفاعل لنفسه اسما غير اسمه أو صفة غير صفته، فيخدع المجني عليه ويقع في الغلط وصار يعتقد أن للمدعى عليه ذلك الاسم أو الصفة الذي انتحله، وأقدم على تصرف مالي تحت تأثير هذا الغلط. والصفة والاسم المنتحلان يرتبط بهما قدر من الثقة لايتوافر في الصفة والاسم الحقيقيين أو على الأقل يخفي المحتال سوء الظن المرتبط به.
والاسم المستعار هو كل اسم غير الاسم الحقيقي للمدعى عليه، فقد يتخذ المدعى عليه لنفسه اسم شخص آخر له وجود حقيقي ومعروف في البيئة التي يدلي بها بأكاذيبه ولا أهمية لكون ذلك الشخص قد رضي بأن يستعمل المحتال اسمه.
أو أن يتخذ اسم شخص خيالي ليس له وجود على الإطلاق، وقد يكون الاسم المستعار مختلفاً اختلافاً كاملاً أو جزئياً عن الاسم الحقيقي.
وفي كل هذه الحالات يتخذ المدعى عليه اسماً مستعاراً، وينسب إلى نفسه شخصية ليست له، والاسم المستعار لايعد كذلك مستعاراً إذا كان هو الاسم الحقيقي للمدعى عليه.
ومن كان معروفاً في بيئته باسم شهرة مختلف عن اسمه المثبت في شهادة الميلاد أو بطاقة هويته لايرتكب احتيالاً إذا تقدم من المجني عليه بأحد من هذين الاسمين.
أما الصفة الكاذبة فهي خصيصة تحدّد معالم الشخصية وهي اللقب أيضاً الذي يتمتع بهما الشخص بحكم حالته الشخصية أو مهنته أو وضعه الاجتماعي، ومن قبيل انتحال الفاعل صفه كاذبة تتعلق بالشخصية ادعاؤه خلافا للواقع أنه متزوج وهو عزب، أو العكس، أو ادعاء خليلته أنها زوجته الشرعية، أو ادعاؤه انه أجنبي وهو مواطن، أو العكس، أو ادعاء شخص أنه بالغ وهو قاصر.
ويشترط في جريمة الاحتيال أن يأتي الفاعل عملاً إيجابياً بأن ينتحل اسماً مستعاراً أو صفة كاذبة يحمل الغير على تسليمه المال أما إذا ترك الغير يعتقد خطأ في صفة ليست له وتمكن من الحصول على المال فلا يعد فعله احتيالاً ويبقى الخلاف بينه وبين المجني عليه عند قبض المال وعدم إنجاز ما وعد به أو تلكأ في إنجازه مدني الصفة لا عنصر جزائياً فيه (نقض سوري، جنحة 3107 قرار 1983 تاريخ 31/10/1981).
وان قيام الموظف بقبض دراهم لقاء وعد بالقيام بعمل لا يدخل في وظيفته يشِّكل جرم الاحتيال (نقض سوري جناية 486 قرار 477 تاريخ 25/6/1953)، وان قيام الوكيل بأعمال ضمن نطاق وكالته بعد العزل يعد احتيالاً (نقض سوري، جنحة 1666 قرار 1808 تاريخ 31/10/1955).
والصلة السببية في الاحتيال هي الرابط ما بين المناورات الاحتيالية وتسليم المال ويتوسط بين ذلك الفعل. وهذه الصلة حلقة اتصال تجمع بينهما، وهذه الحلقة هي الغلط الذي يترتب على المناورات الاحتيالية وينبغي أن يتم التسليم تحت تأثيره، إذ يجب أن يكون من شأن الدسائس المنصوص عليها في القانون، والتي تشِّكل عنصراً من عناصر جرم الاحتيال، خداع المتعامل مع المحتال، والسبب الدافع لحمله على تسليم المال.
وبذلك يترتب على اشتراط صلة السببية بين المناورات الاحتيالية والغلط ثم بين الغلط والتسليم أن تكون خطوات مرتبة من حيث الزمن: فتكون مناورات احتيالية ثم غلط يترتب عليها ثم تسليم يترتب على هذا الغلط.
ب- الركن المعنوي: الاحتيال جريمة مقصودة لابد فيها من علم الفاعل بمختلف عناصرها، فيجب أن يدرك الفاعل ما يصدر عنه من خداع وأن يستهدف من الخداع حمل المجني عليه على تسليم المال. وهذا ما أكدته محكمة النقض السورية في أحد قراراتها بقولها: «على أن جريمة الاحتيال تعتبر قائمة بمجرد العلم والتصرف» (نقض سوري جنحة 727 قرار 2547 تاريخ 22/12/1982).
وبذلك يعد مرتكباً لجريمة الاحتيال من يحصل على قرض باستعمال مناورات احتيالية ولو ثبت أنه مليء وقادر على الدفع. (نقض سوري جنحة 663 قرار 1924 تاريخ 20/10/1984).
وعليه يتطلب القصد العام ثبوت اتجاه إرادة المدعي عليه إلى ارتكاب الفعل الذي تقوم به المناورات الاحتيالية أي إلى الإدلاء بالأكاذيب وإلى إتيان الأفعال التي تدعمها، ويجب أن يثبت أيضاً اتجاه إرادته إلى تحقيق النتيجة الجرمية اي حمل المجني عليه على التخلي عن حيازة مال والحلول محله في هذه الحيازة.
ولايكفي لقيام جريمة الاحتيال توافر القصد الجرمي العام، بل لابد من قصد خاص، ويتمثل هذا القصد بنية المدعي عليه الاستيلاء على المال الذي يتسلمه؛ أي نية التملك بمباشرة مظاهر السيطرة على الشيء كسيطرة المالك، ومجرد اتجاه الإرادة إلى نية التملك أمر كاف ولاعبرة في الدافع إليه متى ثبت مقصد الفاعل، التملك لمال الغير.
وجرم الاحتيال هو جرم عمل لابد من ارتكاب فعل ايجابي لا مجرد السكوت عن واقعة أو ملابسة ليمكن اعتباره جرم امتناع.
وجرم الاحتيال هو جرم آني يتم ارتكابه بتسليم الأموال التي يستهدفها الفاعل. وان واقعة التسليم هي الأساس لتحديد وقت ارتكاب الجرم، وذلك لحساب مدة التقادم، وإن تسليم المال على دفعات يقطع التقادم (مرور الزمن).
ج- العقوبة: والمشرع السوري عاقب على الشروع في جرائم الاحتيال البسيط والمشدّد وعلى ما جرى مجرى الاحتيال، فقد نصت على ذلك المادة (641/2) وفقاً لأحكام المادة 199-200 من قانون العقوبات.
يستفيد المجرم من الأعذار القانونية المنصوص عليها بالمادة (660) وهي القربى والأصول والفروع والأزواج أو من ذوي الولاية الشرعية أو الفعلية، إذ تخفض العقوبة إلى الثلث. على أن معاودة المجرم جرمه خلال خمس سنوات تقضي بالعقوبة المنصوص عليها في القانون مخفضاً منها الثلث.
وتخفض العقوبة الجنحية إلى النصف إذا كان الضرر أو النفع تافهين وعند إزالة الضرر في أثناء الدعوى، ولكن قبل أي حكم بالأساس ولو غير مبرم تخفض إلى الربع.
تشديد العقوبة: لقد شددت المادة (642) من قانون العقوبات العقوبة بمضاعفتها في ظرفين اثنين:
q الاحتيال لتأمين وظيفة عامة.
q الاحتيال بمناسبة إصدار أسهم أو سندات أو غيرها من الوثائق لشركة أو مشروع ما.
بحيث تصبح العقوبة من ستة أشهر إلى أربع سنوات والغرامة من مئتي ليرة إلى ألف ليرة.
2- الجرائم الملحقة بالاحتيال:
لقد نص المشرع على عديد من الجرائم ألحقها بالاحتيال، وعلة إلحاقها به أنها تقوم على غش وخداع وإن كانت لاتتوافر لها جميع العناصر التي يقوم بها الركن المادي للاحتيال. إلا أنه في الغالب يتمثل الخداع في كذب مجرد مما يعني استحالة العقاب في هذه الجرائم باعتبارها صوراً من الاحتيال.
ولذلك وضع المشرع نصوص تجريم خاصة بها نظراً للخطورة الكامنة فيها ذاتها أو لرجوعها إلى الظروف التي ترتكب فيها، وهذه الجرائم جاءت في قانون العقوبات السوري في المواد (643 حتى 655) وهي:
أ- جريمة استغلال عديمي الأهلية وناقصيها.
ب - جرائم ما جرى مجرى الاحتيال.
ج- جرائم المراباة والقروض لقاء رهن.
د- جريمة الشِّك بلا مؤونة (رصيد).
هـ- جريمة الغش بالمهاجرة.
أ-جرائم استغلال عديمي الأهلية وناقصيها: نصت على هذه الجريمة المادة (643) من قانون العقوبات بقولها: «كل من استغل احتياجات أو عدم خبرة أو أهواء قاصر دون الثامنة عشرة من عمره أو مجذوب أو معتوه فحمله على إجراء عمل قانوني من شأنه الإضرار بمصالحه أو مصالح الغير عوقب بالحبس من شهرين إلى سنتين وبغرامة توازي قيمة الضرر ولاتنقص عن مائة ليرة ».
ووجه الغش في هذه الجريمة أن مسلك المدعى عليه قد جانب حسن النية الذي يجب أن يكون طابع المعاملات وقد انتهز الظروف الخاصة بالمجني عليه التي تجعله عاجزاً عن رعاية مصالحه وعن التصرف إزاءها على نحو ما يفعل الشخص المعتاد فاستغله وحمله على الإضرار بمصالحه أو مصالح غيره وهو في الغالب يحقق لنفسه نفعاً مالياً غير مشروع.
وهذه الجريمة تفترض أن وجود المجني عليه في الظروف السابقة كان نتيجة لسعي المدعى عليه. استغلال معاناة المجني عليه قبل صدور النشاط الجرمي، والمجني عليه قد يكون على علم تام بالضرر أحياناً إلا أنه لايستطيع تفاديه لخضوعه لضغط الحاجة أو الهوى.
والسبب في تشديد العقوبة هو حماية عديمي الأهلية وناقصيها من استغلال المرابين ومن شابههم الذين ينتهزون حالة الضعف والعجز لديهم ويحملونهم على تصرفات ضارة بهم وقد تكون محطمة، وتقوم هذه الجريمة على حالة المجني عليه وهي القصور أو العته أو أن يكون مجذوباً وعلى الفعل الجرمي المتمثل في استغلال احتياجات أو عدم خبرة أو أهواء المجني عليه ثم النتيجة الجرمية وهي حمله على عمل قانوني من شأنه الإضرار بمصالحه أو مصالح غيره. ويفترض ذلك الصلة السببيه بين الفعل والنتيجة والجريمة، وهي من الجرائم المقصودة التي تقوم على العلم بحالة المجني عليه، أي علمه بقصوره أو انجذابه أو عتهه واتجاه إرادة المدعى عليه إلى حمل المجني عليه على إجراء عمل قانوني وإنزال ضرر به ولو بصورته الاحتمالية أي قبول المدعى عليه باحتمال تحقيق الضرر من عمله.
ومن ذلك كله يمكن القول إن هذه الجريمة لايدخل في نطاقها حالة الغفلة والسفه والمحجور عليه بسبب الحكم القضائي أو المرأة ناقصة الأهلية لزواجها وفقاً لقانون الأحوال الشخصية وكذلك حالة الشيخوخة.
ولاعقاب على الشروع في هذا الجرم إلا أنه وفقاً المادة (655) من قانون العقوبات يمكن أن يؤمر بنشر الحكم الصادر بحق المحتال وفقاً للمادة (642) من قانون العقوبات عند القضاء أو عند تكرار الجريمة.
ب- جرائم ما جرى مجرى الاحتيال: والسبب في العقاب على هذه الجرائم هو حرص المشرع على إحكام الحماية الجزائية للملكية وسد الثغرات التي قد تنفذ منها بعض الأفعال الخطرة على المجتمع من العقاب نتيجة التحديد الدقيق للركن المادي للجرائم الأخرى.
وقد نص المشرع السوري في المواد (644 حتى 646) من قانون العقوبات على جرائم ثلاث هي:
(1) حمل الغير على تسليم بضاعة مع حق الخيار أو لوعدة: وقد نصت المادة (644) من قانون العقوبات على مايلي: «كل من حمل الغير على تسليمه بضاعة مع حق الخيار أو لوعدة وهو ينوي عدم دفع ثمنها أو كان يعرف أنه لا يمكنه الدفع عوقب بالحبس حتى ستة أشهر وبغرامة مائة ليرة إذا لم يردها أو لم يدفع ثمنها بعد إنذاره».
فالمدعى عليه يصدر عنه سلوك مشوب بغش لايرقى إلى مرتبة المناورات الاحتيالية ويحصل بذلك على مال وهذا المال لا يستهلك أو ينتفع به فوراً.
وهذا الجرم يقوم على أركان ثلاثة:
¦ ركن مادي: وهو الحمل على التسليم مع حق الخيار أو لوعدة - أي الحمل على التسليم مع حصول نتيجة وهي حصول ذلك التسليم وانتقال الحيازة الكاملة للشيء من المدعى عليه إلى المجني عليه والحمل مصحوب بغش يتمثل بالإيهام بالعزم والقدرة على الوفاء بالموجب المقابل للتسليم استناداً إلى عقد يفرض على أحد طرفيه.
¦ موضوع جرمي: وهو بضاعة أي مال ذو كيان مادي وأن يكون هذا المال مملوكاً للغير وأن يكون منقولاً وفي حيازة الغير وقت اقتراف الجريمة.
¦ قصد جرمي: وهذه الجريمة من الجرائم المقصودة التي تتطلب قصداً عاماً، وهو علم المدعى عليه أن من شأن ذلك الفعل حمل الشخص على تسليم ماله مع اتجاه إرادة المدعى عليه إلى عدم دفع ثمن البضاعة أو بصورة عامة إرادة عدم تنفيذ الموجب المترتب على تسليم البضاعة.
والعقوبة على الفاعل مشروطة بشرط ألا يرد المدعى عليه البضاعة أو يدفع ثمنها بعد إنذاره. ولم يعاقب المشرع على الشروع في هذه الجريمة، ويجوز أن يقضي بنشر الحكم في حالة التكرار وتستلزم هذه الجريمة الشِّكوى من قبل الفريق المتضرر حتى يمكن الملاحقة بها ما لم يكن مجهولاً أو تكون الشِّكوى مردودة (المادة /661/ من قانون العقوبات). مع التذكير بالمادة (660) من قانون العقوبات لجهة تخفيض العقوبة إلى الثلث إذا تحققت الشروط المشار إليها فيها وإلى الثلثين حسب الفقرة الثانية من المادة المذكورة.
(2) توفير منامة أو طعام أو شراب في محل عام: وقد نصت عليها المادة (645) من قانون العقوبات بقولها: «كل من وفر لنفسه منامة أو طعاماً أو شراباً في محل عام وهو ينوي عدم الدفع أو يعلم أنه لايمكنه أن يدفع عوقب بالحبس التكديري وبالغرامة من خمسة وعشرين إلى مائة ليرة».
وقد هدف المشرع بهذا النص إلى حماية أصحاب المحال العامة الذين يقدمون إلى عملائهم أماكن النوم أو الطعام أو الشراب، فالعرف والعادة قد لاتكون الدفع مسبقاً لوجود ثقة اضطرارية بالزبائن وقد تكون الوسائل المدنية غير مجدية في تحقيق هذه الحماية، فقد يكون الزبون معسراً أو يستطيع الفرار من دون أن تكون للمجني عليه الوسيلة لمعرفة المكان الذي ذهب إليه وهذه الجريمة تقوم على أركان ثلاثة:
¦ فعل جرمي: وهو طلب المنامة أي المأوى أو الطعام ثم شغل المنامة أو استهلاك الطعام أو الشراب، وهذا الطلب هو الذي ينطوي ضمناً على وعد بأداء الأجر أو الثمن في حين أن المدعى عليه لاينوي الوفاء به أو لايستطيع ذلك.
¦ ولابد من وقوع هذا الفعل في محل عام وهو مكان الجريمة وهو كل محل معد لاستقبال الناس من دون تمييز وتقديم الطعام أو الشراب أو النوم إليهم مقابل مبلغ نقدي وهذا الركن مستمد من علة العقاب.
¦ ولابد من أن يكون هناك قصد جرمي وهو علم الجاني بأنه غير قادر على الدفع، ومع ذلك تتجه إرادته إلى القيام بهذا الفعل أو بصفة عامة إرادة الحصول على الطعام أو الشراب أو المنامة مع عدم تنفيذ المتوجب عليه وهو دفع الثمن وهذا هو الركن المعنوي.
والعقاب هو الحبس التكديري والغرامة. والحبس التكديري تراوح مدته مابين يوم وعشرة أيام، ولاعقاب في هذه الجريمة على الشروع فيها، ويجوز عند التكرار الأمر بنشر الحكم عملاً بأحكام المادة (655) من قانون العقوبات، ولابد من الشِّكوى من قبل الفريق المتضرر للملاحقة وفق المادة (661) من قانون العقوبات مع التذكير بالتخفيض الوارد في المادة (660).
(3) اتخاذ واسطة نقل بالغش: وقد نصت عليه المادة (646) من قانون العقوبات بقولها: «يقضى بالعقوبة نفسها على كل من اتخذ بالغش واسطة لنقل برية أو بحرية أو جوية دون أن يدفع أجرة الطريق».
وهذه الجريمة تشبه الجريمة السابقة، فالجاني يحصل على منفعة وهي استعمال وسيلة نقل خلافاً لما حدده حائز هذه الوسيلة، وتقوم هذه الجريمة على أركان ثلاثة:
¦ اتخاذ واسطة نقل: وهذه الواسطة هي وسيلة نقل عامة ويعني ذلك استخدام هذه الواسطة في الانتقال من مكان إلى أخر مقابل أجر، ولا فرق أن تكون وسيلة النقل العامة صغيرة أو كبيرة.
¦ عدم دفع أجرة الطريق: وهو المبلغ المحدد لمسافة النقل من المكان الذي ركب منه إلى المكان الذي يريد الذهاب إليه، وسواء طالبه صاحب الحافلة به أم توارى الفاعل عن الأنظار ولم يكن هناك متسعٌ لمطالبته به.
¦ القصد الجرمي: وهو اتجاه إرادة الفاعل إلى عدم دفع الأجرة مع علمه بأنه يتوجب عليه دفع هذه الأجرة.
والعقوبة هي الحبس التكديري ولاعقاب على الشروع فيها مع ملاحظة وجوب الشِّكوى من قبل الفريق المتضرر للملاحقة وفق نص المادة (661) من قانون العقوبات مع التذكير بالمادة (660) لجهة تخفيض العقوبة.
ج- جرائم المراباة والقروض لقاء رهن: وهذه الجرائم ثلاث، وهي:
- المراباة استغلالاً لضيق اليد.
- الاعتياد على المراباة.
- فتح محل للإقراض لقاء رهن من دون علم أو عدم إمساك دفتر يتضمن قيمة المبالغ المقرضة واسم المستقرض وصفته ونوع المرهون وقيمته الحقيقية.
وهذه الجرائم الجامع بينها هو اتصالها مباشرة أو على نحو غير مباشر بالمراباة وهي في ذاتها نشاط.
(1) المراباة استغلالاً لضيق اليد: وقد نصت عليها المادتان (647 و648) من قانون العقوبات.
جاء في المادة (647) أنه: «كل عقد قرض مالي لغاية غير تجارية يفرض على المستقرض فائدة ظاهرة أو خفية تتجاوز الفائدة القانونية يؤلف جرم المراباة».
وجاء في المادة (648) مايلي: « كل من رابى شخص (شخصاً) لاستغلال ضيق ذات يده عوقب بغرامة يمكن أن تبلغ نصف رأس المال المقرض وبالحبس على أن لا يتجاوز السنة أو بإحدى العقوبتين».
ومن استعراض النصين السابقين يتضح أن المشرّع لايعاقب على القرض الربوي في ذاته، وإنما يعاقب على استغلال ضيق ذات يد شخص عن طريق القرض الربوي. واستهدف المشرع عقابه على من يستغل الظروف الاقتصادية السيئة لشخص ضعيف من الوجهة الاقتصادية ويعني ذلك حماية النزاهة وحسن النية في المعاملات.
أركان هذه الجريمة ثلاثة هي:
¦ عقد قرض ربوي: القرض هو عقد عارية الاستهلاك الذي عرفته المادة (602) من القانون المدني بقولها: «العارية عقد يلتزم به المعير أن يسلم المستعير شيئاً غير قابل للاستهلاك ليستعمله بلا عوض لمدة معينة أو في غرض معين على أن يرده بعد الاستعمال».
إلا أن قانون العقوبات ضيَّق نطاق هذا العقد فاشترط أن يكون محله نقوداً، ويتضح ذلك من تعريفه له في المادة (647) بأنه: «عقد قرض مالي» والعبرة في تحديد نوع العقد هي نيّة المتعاقدين وليست بالاسم الذي يطلقانه عليه، وقد يكون عقد القرض مستقلاً وقد يكون لاحقاً بعقد آخر، ومثال ذلك البائع الذي يمنح المشتري أجلاً لسداد الثمن مشترطاً عليه فائدة ربوية، وتعد الجريمة تامة بمجرد تسليم النقود إلى المقترض مع اشتراط الفائدة. ويستلزم أن يكون القرض ربوياً لاتجارياً، وفي ذلك تقول محكمة النقض السورية : إذا كان القرض المالي لغاية تجارية فإنه لا يؤلف قرضاً ربوياً ولو تجاوزت الفائدة المشترطة الحد القانوني (نقض سوري، جنحة 792 قرار 620 تاريخ 21/4/1979).
أو اشتراط فائدة تتجاوز حد الفائدة القانونية وهذا الركن متصل بسبب العقاب، فالمقرض يستغل ضيق ذات يد المجني عليه بإقراضه ربوياً، وهو الذي يثبت خطورة فعله وجدارته تبعاً لذلك بالتجريم. وضيق ذات اليد هو حاجة المقترض إلى نقود سائلة لمواجهة أعباء لاتتحمل التأجيل ولو كانت له أموال، ومثال ذلك أن شخصاً يملك عقاراً ذا قيمة كبيرة ولكنه لا يجد الفرصة ليبيعه وقد نفدت لديه سيولة المال.
¦ القصد الجرمي: وهو العلم بجميع عناصر الجريمة، وهو علم المدعى عليه بضيق ذات يد المجني عليه وعلمه بظروفه الاقتصادية وما تفرضه من احتياجات وعلم الجاني بأن الفائدة ربوية واتجاه ارادة المدعى عليه لاستغلال المجني عليه.
(2) الاعتياد على المراباة: وقد نصت عليه المادتان (649 و650) من قانون العقوبات.
فجاء في المادة (649) مايلي: «كل من رابى في أقل من ثلاث سنوات مرتين أو أكثر مديوناً واحداً أو مديونين مختلفين عوقب بجريمة اعتياد المراباة بالعقوبة المعينة بالمادة السابقة».
وجاء في المادة (650): «إن جرم اعتياد المراباة يستنتج من قرض واحد بالربى إذا ارتكب في أقل من خمس سنوات بعد الحكم عليه بإحدى الجنح المنصوص عليه في المواد السابقة».
فالمشرع السوري لم يعاقب على فعل الإقراض الربوي في ذاته وإنما عاقب على عادة الإقراض الربوي. لأن قرضاً ربوياً وحيداً غير خطر في المجتمع ولكن عادة ممارسة الإقراض الربوي تجعل صاحبها خطراً على المجتمع وجديراً لذلك بالعقاب، والعادة تستخلص من التكرار، وبذلك فالاعتياد يتطلب عدد الأفعال والوقت الذي ترتكب فيه هذه الأفعال إضافة إلى توافر القصد الجرمي.
وقد جاء في قرار محكمة النقض السورية مايلي:
جريمة المراباة هي كل عقد قرض مالي لغاية غير تجارية يفرض فيه على المستقرض فائدة ظاهرة أو خفية تتجاوز حد الفائدة القانونية والمرابي هو الذي يستغل ضيق يد ذات المقترض (نقض سوري، جنحة 1775 قرار 1765 تاريخ 28/10/1979). فالقرض المالي المعقود لغاية تجارية لايؤلف قرضاً ربوياً ولو تجاوزت الفائدة المشترطة فيه الحد القانوني. وتعد غاية القرض تجارية إذا كان المقترض تاجراً يستهدف منه تمويل عمله التجاري.
وقد عبر المشرع عن هذا الفعل بلفظ (رابى) «وهو يعني إبرام عقد ربوي»، ولابد من إبرام عقد ربوي أو أكثر، سواء لشخص واحد أو لشخصين مختلفين ولا عبرة لتدوين القرضين في سند واحد أو أسناد متعددة.
إلا أن المشرع اكتفى بقرض واحد لقيام الجريمة وهي حالة عقد القرض في أقل من خمس سنوات بعد الحكم عليه بإحدى الجنح المنصوص عليها في المواد السابقة.
ولابد في جرم التكرار من وجود القصد الجرمي المتمثل بعلم الفاعل بالطبيعة الربوية لكل قرض واتجاه إرادته إلى إبرام عقد القروض والحصول على المزايا.
ولاعقاب على الشروع في هذه الجريمة، ويمكن نشر الحكم عملاً بأحكام المادة (655) من قانون العقوبات مع ملاحظة ما ورد في المادة 660 لجهة تخفيف العقوبة بمقدار الثلثين وبمقدار الثلث حسب ما ورد فيها.
(3) فتح محل إقراض لقاء رهن من دون إذن: نص المشرع على هذه الجريمة في المادة (651) من قانون العقوبات وجاء فيها أنه: «1- يعاقب بالحبس حتى ستة أشهر وبغرامة يمكن أن تبلغ ربع رأس المال المقرض:
أ- كل من فتح محلاً للإقراض لقاء رهن بدون إذن ولو أجرى عقداً واحداً.
ب- كل من استحصل على إذن لللإقراض لقاء رهن ولم يمسك دفتراً يتضمن قيمة المبالغ المقرضة، واسم المقترض وصفته، ونوع الرهون وقيمته الحقيقية.
2- لا تسري أحكام هذه المادة على القروض لقاء رهن المعقودة لمصلحة التجار لأجل تسهيل العمليات التجارية».
والسبب في العقاب هو أن المشرع كفل خضوع محال الإقراض لقاء رهن لإشراف السلطات العامة وذلك نظراً لاحتمال انحرافها في ممارسة نشاطها وما يحمله هذا الانحراف من مخاطر كثيرة تهدد المجتمع. فهذه القروض تستغل الضعفاء اقتصادياً بالاستيلاء على المرهونات لقاء الإبراء من الدين وقد تبلغ قيمة المرهون أضعاف قيمة الدين، ويقتضي فعل فتح محل الإقراض لقاء رهن من دون إذن العلم بطبيعة المحل الذي يفتحه وبأنه لم يصدر ترخيص بافتتاحه واتجاه إرادة الفاعل إلى إدارة المحل وممارسة النشاط الذي أعد له.
أما من افتتح محلاً وحصل على ترخيص الافتتاح ولم يمسك الدفتر على الوجه المحدد في القانون، فإن هذه الجريمة قد تكون مقصودة أو غير مقصودة، ولا فرق في ذلك لدى المشرع في العقاب وتبقى للقاضي سلطة التقدير للتفريق بينهما ويمكن للقاضي أيضاً نشر الحكم ولا عقاب على الشروع في هذا الجرم لأنه لم يرد نص بذلك.
أخيراً لابد من القول إن جرائم المراباة هي من جرائم الحق العام تلاحقها النيابة بلا شِّكوى (نقض سوري جنحة 988 قرار1931 تاريخ 22/6/1966). وإن إيداع سند المداينة دوائر القضاء مع طلب الحكم ببقية الدين والفوائد الزائدة هو تجديد لعقد المراباة (نقض سوري جنحة 17 قراره تاريخ 19/1/1965). وجرم المراباة جرم آني يسري التقادم عليه من تاريخ عقد القرض (نقض سوري هيئة عامة 41 قرار تاريخ 10/4/1967).
والتقادم على جرم المراباة هو ثلاث سنوات، وهي مدة التقادم على الجنحة وفقاً للمادة 438 أصول محاكمات جزائية وتبدأ من تاريخ عقد القرض الموقع عليه بين الطرفين، إذ النصوص القانونية الخاصة بالتقادم تتعلق بالنظام العام لأنها تستهدف المصلحة على الجرائم الواردة في صريح المادة (647) من قانون العقوبات لأن العبرة هي في عقود الإقراض لا باقتضاء الفوائد الربوية. (نقض سوري جنحة 415 قرار 830 تاريخ 10/4/1967، نقض سوري جنحة 2027 قرار 2066 تاريخ 4/8/1965). وأنه ليس ما يمنع إثبات جريمة المراباة بالبينة الشخصية، إذ يجوز إثباتها بجميع وسائل الإثبات. (نقض سوري جنحة 363 قرار 890 تاريخ 11/4/1966).
د- جريمة الشِّك من دون مقابل: الشِّك هو مخطوط يصدر بموجبه الساحب أمراً إلى المسحوب عليه بدفع مبلغ من النقود مودع لديه إلى شخص ثالث (هو المستفيد). وقد نصت على هذه الجريمة المادة (652) من قانون العقوبات بقولها: «كل من أقدم عن سوء نية على سحب شِّك بدون مقابل سابق ومعد للدفع بمقابل غير كاف أو استرجاع كل المقابل أو بعضه بعد سحب الشِّك أو على إصدار منع عن الدفع للمسحوب عليه يقضى عليه بالعقوبة المنصوص عليها بالمادة 641».
وبالرجوع إلى نص المادة (641) من قانون العقوبات يتبين أن العقوبة هي الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين والغرامة من مئة إلى خمسمئة ليرة.
والشِّك هو أداة وفاء ويستحق الأداء لدى الاطلاع عليه ويغني عن استعمال النقود في المعاملات وكل بيان يجعل الشِّك غير مستحق الأداء حين تقديمه يعدّ كأن لم يكن ويبقى الشِّك مستحق الأداء لدى الإطلاع عليه.
وإن سوء النية في جريمة إعطاء شِّك من دون رصيد يتوافر بمجرد علم الساحب بعدم وجود مقابل وفاء له في تاريخ إصداره أو وجود مقابل وفاء غير كاف للسحب وهو علم مفترض في حق الساحب وعليه عدم توقيع أي شِّك من دون الاستثبات من قدرته على الوفاء قبل تحريره (نقض سوري جنحة 411 قرار 1034 تاريخ 11/5/1974).
والشِّك له أهمية في الحياة الاقتصادية وهو أداة نقد خطي ولدوره الاقتصادي لابد من توفير الثقة الكاملة فيه وهو بمنزلة النقود وينوب ويقوم مقام العملة الحقيقية ويحقق مصلحة اجتماعية ويقلل من حمل النقود ويسهم في الإقلال من النقد المتداول ويشجع على الإيداع في المصارف واستثمار الأموال في المشاريع المهمة ولا يحقق هذه الوظيفة إلا إذا كان محل ثقة كاملة بين المتعاملين، وإن سحب شِّك من دون مؤونة يشِّكل اعتداء على الملكية وإثراء غير مشروع، وهو يشِّكل بذلك صورة من صور الكذب المكتوب.
أركان جريمة الشِّك:
(1) الركن المادي: ويتمثل هذا الركن في الأفعال التالية:
t سحب الشِّك من دون مقابل سابق ومعد للدفع وبمقابل غير كاف
t استرجاع المقابل كله أو بعضه بعد سحب الشِّك
t إصدار منع عن الدفع إلى المسحوب عليه.
والحقيقة أن أي فعل من هذه الأفعال كافٍ بمفرده لقيام جريمة الشِّك، فجريمة إعطاء الشِّك من دون رصيد تتحقق بمجرد إصدار الساحب للشِّك عن سوء نية، أي وهو يعلم حين تحريره أنه ليس له مقابل وفاء أو له مقابل غير كاف، ولاعبرة في قيام هذه الجريمة لسبب أو غرض تحرير الشِّك من بعض مشتملاته حتى الأساسية منها إذا ثبت أن الطرفين تعاقدا على أساس الشِّك فسحبه المدين كشِّك وقبله الدائن بهذه الصفة. (نقض سوري جنحة 2526 قرار 526 تاريخ 28/2/1983).
وبذلك يكون تحرير الشِّك وتسليمه للمستفيد من دون رصيد أو برصيد غير كاف مع العلم بذلك يجعل الدفوع المثارة بين الطرفين لا قيمة لها لأن الشارع أحاط الشِّك بضمانات لها صفة النظام العام وهو من ثم أداة وفاء ولا يصلح أن يكون أداة ائتمان. (نقض سوري جنحة 1438 قرار 591 تاريخ 28/2/1987).
وإذا تضمن الشِّك تحديداً لمدة استحقاق يعتبر ذلك كأنه لم يكن، كما لايجوز سماع البينة الشخصية لإثبات أن من جرى إصدار الشِّك لمصلحته كان عالماً بعدم وجود رصيد. (نقض سوري جنحة 3371 قرار 844 تاريخ 25/3/1987).
ويجب أن يُذكر في الشِّك مكان الإنشاء ومكان الأداء، ولا يغني أحدهما عن الآخر، فإذا لم يذكر مكان الإنشاء في الشِّك يمكن التجاوز عنه إذا ذكر مكان بجانب اسم الساحب، وفيما خلا هذه الحال يفقد الشِّك ميزاته القانونية (نقض سوري، جنحة 224 قرار 151 تاريخ 17/2/1979).
(2) الركن المعنوي: جريمة الشِّك من الجرائم المقصودة التي يتخذ فيها الركن المعنوي صورة الركن الجرمي العام، إذ إن سوء النية في إعطاء شِّك من دون رصيد يتوافر بمجرد علم الساحب بعدم وجود مقابل وفاء له في تاريخ إصداره، أو وجود مقابل وفاء غير كاف للسحب، وهو علم مفترض في حق الساحب وعليه عدم توقيع أي شِّك من دون الاستثبات من قدرته على الوفاء قبل تحريره، (نقض سوري، جنحة 411 قرار 1043 تاريخ 11/5/1974). ولاعبرة في قيام جريمة الشِّك لسبب تحريره والغرض من تحريره، وفي حال إقرار ساحب الشِّك بتحريره فإنه لايكون ثمة موجب للمحكمة لطلب أصل الشِّك والإطلاع عليه بعد اعتراف ساحبه بمضمونه، ولاتسمع دعوى الصورية ضده، وإن عنصر سوء النية يفترض بمجرد إصدار الشِّك مع علم صاحبه بعدم وجود مقابل، وكذلك فإن توقيع الشِّك على بياض يبقي صفة الشِّك عليه في قانون العقوبات وإن أنكرها قانون التجارة. (نقض سوري جنحة 133 قرار 1391 تاريخ 30/6/1982).
وإن جريمة الشِّك واقعة إذا قام الساحب باسترجاع الرصيد كله أو بعضه بحيث تصبح القيمة النقدية الموجودة لدى المسحوب عليه أقل من المبلغ المذكور في الشِّك، والعلة في ذلك تكمن في ما يمثله الشِّك من ثقة في التعامل به وأن أي إهدار لهذه الثقة يعدّ جريمة في نظر القانون وهذه الثقة يجب أن تتوافر من تاريخ السحب.
وإن جريمة الشِّك واقعة إذا أصدر الساحب أمره إلى المسحوب عليه بعدم دفع قيمة الشِّك، وقد يكون السببَ في ذلك خلاف بين الساحب والمسحوب إليه، والمشرّع كفل حماية الحالات لتوفير الثقة في التعامل بالشِّك ولأن المتعاملين بالشِّك لاعلاقة لهم بالعلاقة ما بين الساحب والمستفيد.
رابعاً- إساءة الائتمان والاختلاس:
وإساءة الائتمان هي استيلاء شخص على منقول يحوزه بناءً على عقد من العقود المحددة بالقانون عن طريق خيانة الثقة التي أودعت فيه بمقتضى هذا العقد، وذلك بتحويله صفته من حائز لحساب مالكه إلى مدع لملكيته.
وهذا التعريف يحدد العناصر الأساسية التي تفترضها إساءة الائتمان، إذ تفترض هذه الجريمة أن المنقول قد سلم إلى المدعى عليه تسليماً نقل إليه حيازته الناقصة فحسب، وذلك بناء على أحد العقود التي حددها القانون على سبيل الحصر. وهذه العقود هي الوديعة والوكالة والإجارة والعارية والرهن والمقاولة والنقل والخدمات المجانية. وهذه العقود تشترك في أنها تفترض ثقة من سلم المنقول فيمن تسلمه فهو يحوزه عنه ولحسابه ومن أجل مصلحته، ولذلك فإن عليه أن يستعمله في غرض معين محدد له أو يحفظه فحسب، ثم عليه أن يرده عيناً أو يرد ما يماثله في بعض الحالات، ولكنه يستغل وجود هذا المنقول في حيازته فيدعيه لنفسه ويرفض رده جاحداً بذلك حق من سلمه وخائناً للثقة التي وضعها فيه.
فجريمة إساءة الائتمان لاتفترض انتزاعاً لحيازة الشيء من يد المجني عليه، بل تفترض أن الشيء كان قبل حيازة المدعى عليه بناء على سبب مشروع وأنه قد سلم إليه تسليماً صحيحاً صادراً عن إرادة معتبرة قانوناً، وبذلك فهي تختلف عن السرقة التي تفترض انتزاع حيازة الشي من يد المجني عليه، وتختلف عن الاحتيال الذي يفترض تسليماً معيباً لأنه صادر عن إرادة أفسدها الخداع.
نصت المادة (656) من قانون العقوبات على أنه: «كل من أقدم قصداً على كتم أو اختلاس أو إتلاف أو تمزيق سند يتضمن تعهداً أو إبراء أو شيء منقول آخر سلم إليه على وجه الوديعة أو الوكالة أو الإجارة أو على سبيل العارية أو الرهن أو لإجراء عمل لقاء أجرة أو من دون أجرة شرط أن يعيده أو يقدمه أو يستعمله في أمر معين يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنتين وبغرامة تتراوح بين ربع قيمة المردود والعطل والضرر وبين نصفها على أن لا تنقص عن مائة ليرة».
ومن استعراض هذا النص يتضح أنه يشترط لقيام إساءة الائتمان توافر ركنين هما: الركن المادي والركن المعنوي.
1- الركن المادي: وهو الاستيلاء على الحيازة الكاملة لمال سلم على سبيل الأمانة بمقتضى أحد السندات المحددة في القانون ويشمل هذا الركن عناصر أربعة:
آ - المال محل التسليم.
ب - تسليم هذا المال.
ج - سند التسليم.
د - الاستيلاء على الحيازة الكاملة.
آ - المال محل التسليم: جاء في نص المادة (656) من قانون العقوبات المال محل التسليم بأنه سند يتضمن تعهداً أو إبراءً أو شيئاً منقولاً آخر، وواضح من هذا النص أن ما ذكر من أموال هو على سبيل الحصر لا المثال. والمال هو كل شيء مادي منقول مملوك للغير، كما في السرقة والاحتيال، والشرط في موضوع التسليم أن يكون شيئاً له صفة المال وأن يكون هذا المال صالحاً لأن يكون محلاً لحق الملكية أو كان لا يخرج عن التعامل بطبيعته أو بحكم القانون.
وعلى ذلك لا يعد مالاً في حكم هذه الجريمة السلاح غير المرخص به أو المخدرات غير المرخص بحيازتها لأنها خارجة عن التعامل بحكم القانون ولا تصلح لأن تكون محلاً لحق الملكية.
ويشترط في المال موضوع التسليم أن يكون مادياً، لأن الشيء المادي هو الذي يقبل الحيازة والتسليم والاستيلاء، ويستوي في ذلك أن يكون صلباً أو سائلاً أو غازياً، ولا تصلح محلاً لتلك الجريمة الأشياء المعنوية، كالأسرار أو الأفكار العلمية أو المنافع.
أيضاً يشترط أن يكون المال منقولاً أي شيئاً يمكن نقله من مكان إلى آخر ولو أدى إلى تلفه. فإساءة الائتمان مثل السرقة والاحتيال تشمل المنقول بطبيعته، والعقار بالتخصيص يعد منقولاً إذا انفصل عنه ولو كان انفصاله بفعل المدعى عليه (أحجار - مواسير) تنتزع من بناء أو رمال أو معادن تستخرج من الأرض.
ويقصد بالأموال القيمية الأموال المعنية بالذات (سيارة معينة أو قطعة مجوهرات). أما الأموال المثلية فهي الأموال المعنية بالنوع (نقود - حبوب من صنف معين).
وجريمة الأموال تقوم سواء أكان المال قيماً أم مثلياً. ويشترط أن يكون المال مملوكاً للغير وهذا أمر بديهي.
ب - تسليم المال: والتسليم هنا هو بناء على وجه من أوجه الأمانة المحددة بالقانون، أي التسليم الذي ينقل الحيازة الناقصة فقط على المال المسلم والذي لا يمنح للأمين سوى بعض السلطات على الشيء لحساب المالك (فالبيع أو المقايضة يفيد الحيازة الكاملة) والتسليم هنا هو حيازة المتسلم للمال على ذمة مالكه مع الالتزام برده إلى الأخير أن عاجلاً أم آجلاً.
ولا فرق في التسليم أن يكون من قبل المجني عليه أو من قبل شخص آخر يسلمه للجاني (كالمشتري الذي يسلم الثمن إلى صراف المحل التجاري لإيصاله إلى البائع) ولا يشترط أن يكون التسليم مادياً، أي مناولة من المجني عليه إلى الجاني يداً ليد ويكفي أن يكون التسليم رمزياً (تسليم مفتاح المخزن أو الخزانة مثلاً) فالمالك الذي يبيع شيئاً منقولاً ثم يتفق مع المشتري على إبقائه عنده على سبيل الوديعة على ذمة المشتري سيعد خائناً إذا اختلسه أو بدده. فالبائع هنا أصبحت حيازته للشيء المبيع ناقصة بعد أن كانت كاملة قبل وقوع البيع.
ج - سند التسليم: أي يجب أن يكون هذا التسليم بناء على وجه من وجوه الأمانة المحددة في القانون على سبيل الحصر وهي الوديعة أو الوكالة أو الإجارة أو على سبيل العارية أو الرهن أو لإجراء عمل لقاء أجرة أو من دون أجرة بشرط أن يعيده أو يقدمه أو يستعمله في أمر معين.
د - الاستيلاء على الحيازة الكاملة: وهو اختلاس مال الغير وتحويله من حيازته الناقصة إلى حيازة تامة.
وقد قالت محكمة النقض السورية بهذا الخصوص إنه: لإساءة الائتمان ركن مادي هو الحيازة وركن معنوي وهو العمل على تغيير الحيازة من ناقصة لحساب الغير إلى حيازة كاملة لحساب من يسيء الائتمان مع توافر القصد الجرمي الخاص وهو تملك المال موضوع البحث، فإذا انتفى أحد الركنين لم يعد للجرم وجود (نقض سوري، جنحة 1963 قرار 426 تاريخ 23/4/1974).
ويستلزم هذا أن يستولي الجاني على الحيازة الكاملة للشيء المسلم إليه من قبل، فهذا الشيء يكون بيد الجاني على سبيل الحيازة الناقصة بناء على سند قانوني، أي له الحيازة الناقصة بصفة شرعية، ويتحقق الاستيلاء على هذا الشيء الذي تقوم به جريمة إساءة الائتمان بتغيير تلك الحيازة من حيازة ناقصة إلى حيازة كاملة لحساب الجاني. والأصل هو كشف اتجاه نيه الجاني إلى تملك الشيء أو الظهور بمظهر المالك الحقيقي لتوافر النشاط الإجرامي في جريمة خيانة الأمانة، وقد نص المشرع على عدة أفعال في هذا الصدد، وهي الكتم والاختلاس والتبديد والتمزيق.
فالكتم: يعني إنكار وجود الشيء في حيازة الجاني وجحده وهو ضياع الشيء على مالكه.
الاختلاس: وهو في إساءة الائتمان كل فعل يكشف فيه الجاني عن نيته تغيير الحيازة من ناقصة إلى كاملة. فالنجار الذي يحصل على الخشب من المالك لصنع سرير للمالك ويستولي عليه ويصنع سريراً له يكون مختلساً للأمانة بهذه الصورة والاختلاف واضح عن الاختلاس في السرقة الذي يكون بالاستيلاء.
أما التبديد: فهو استيلاء ويزيد عليه إخراج الشيء من حيازة الجاني كأن يتصرف فيه بالبيع أو الهبة أو الرهن أو الإيجار.
أما الإتلاف: فهو تغيير الهيئة المادية للشيء بإدخال تعديل على الكيان المادي للشيء، كمن يؤتمن على لوحة ويمحو توقيع راسم اللوحة أو من يؤتمن على كتاب وينزع بعض صفحاته.
أما التمزيق: فهو تغيير الهيئة المادية للشيء من خلال فصل مكوناته، أي إعدامه أو عدم صلاحيته.
2- الركن المعنوي: جريمة إساءة الائتمان من الجرائم المقصودة التي يتخذ فيها الركن المعنوي صورة القصد الجرمي العام.
العلم: هو أن يعلم المدعى عليه بماهية فعله وأثره المحتمل في ملكية المجني عليه وحيازته ويعلم بما ينطوي عليه هذا الفعل من تغيير لنوع الحيازة وتحويل لها من ناقصة إلى كاملة.
الإرادة: وهي الاتجاه إلى اقتراف الفعل وإنزال الضرر، أي نية تملك الشيء. وهي العقد الخاص، أي أن يحل محل المالك في سلطاته على الشيء.
أخيراً لابد من أن يكون الضرر الذي هو النتيجة الجرمية لفعل إساءة الائتمان شاملاً لتوقع المدعى عليه في فعله، وهذا الضرر هو من لوازم الجريمة.
وقد جاء في قرار لمحكمة النقض السورية: «إن جرم اساءة الائتمان من الجرائم القصدية التي تعتبر فيها النية الجرمية عنصرا من عناصر تكوينها وتنتقي بانتفائها ولذلك يجب التحدث عنها في الحكم بشِّكل واضح وإقامة الدليل عليها بصورة مستقلة» (نقض سوري، اقتصادية /69/ قرار 10 تاريخ 18/2/1982).
وجاء في قرار آخر «من شروط قبول الدعوى وفق أحكام المادة 661 عقوبات ان يكون هناك فريق متضرر». (نقض سوري رقم 1484 قرار 563 لعام 1959).
وقد جاء في المادة (657) من قانون العقوبات أنه: «كل من تصرف بمبلغ من المال أو بأشياء أخرى من المثليات سلمت إليه لعمل معين وهو يعلم أو كان يجب أن يعلم أنه لايمكنه إعادة مثلها ولم يبرئ ذمته رغم الإنذار يعاقب بالحبس حتى سنة وبالغرامة حتى ربع قيمته الردود والعطل والضرر على أن لا تنقص الغرامة عن مائة».
إن التصرف بالشيء تصرف المالك يعني اختلاسه ويسهل إثبات هذا الشيء عندما يكون قيمياً أي متميزاً بذاته من غيره من الأشياء المماثلة، ويعد تصرف الحائز به خلافاً للغرض المتفق عليه مع مالكه مؤكداً قصده في تملكه من دون حق.
أما جرم إساءة الائتمان في الأشياء المثلية فهي التي يقوم بعضها مكان بعضها الآخر عند الوفاء، وتقدر عادة في التعامل بالوزن أو العدد أو المقاس أو الكيل، كالمعادن والمنتجات الزراعية غير المصنعة، وحيازتها تعطي الحائز حيازة ناقصة حق التصرف بشرط إعادة مثلها نوعاً وجودة وقيمة.
والمادة (657) نصت على أن يكون الشيء المختلس من المثليات سُلّم لشخص معين في أمر معين مع علم الفاعل بتعذر إعادة مثيل هذا الشيء ولابد من العلم بالنتيجة وإنذار الفاعل بوجوب إعادة الشيء وفقاً للأصول المدنية وهذا الإنذار جاء بنص القانون، وذلك لأن الإنذار في المثليات وفق المادة 657 عقوبات قائم على أساس أن الأمين لا يرمي إلى تملك الأمانة وإنما تأخير تسليمها، وأنه يمكن تعويضها بتقديم مثلها، أما الأمين الذي يرغب في تملك المال إضراراً لصاحبه فلا يشترط الإنذار لمعاقبته سواء كانت الأمانة من المثليات أم القيميات النقود (نقض سوري، جنحة 291 قرار 255 تاريخ 21/3/1973).
والإنذار يتوجب في حال اقتصار الفعل على التصرف بالمال المؤتمن عليه من دون نية الاختلاس والتبديد (نقض سوري جنحة 1032 قرار 331 تاريخ 23/2/1964).
وقد استقر الاجتهاد السوري على أن الإنذار في المادة (656) من قانون العقوبات غير متوجب، وكذلك بين أن الجريمة الواردة في المادة 656 ترمي إلى حرمان المالك من الأمانة والجريمة الواردة في المادة 657 ترمي إلى تأخير انتفاع المالك من ماله.
وبذلك يكون فعل الفاعل في المادة (657) الامتناع عن الوفاء على الرغم من الإنذار فيثبت اختلاسه الشيء وتحقق أركان الجريمة.
وقد نصت المادة (658) من قانون العقوبات على تشديد العقوبات في جرم إساءة الائتمان بقولها: «1- تشدد وفقاً لمنطوق المادة 247 العقوبات المنصوص عليها في المادتين 656 - 657 إذا ارتكب الجرم أحد الأشخاص المذكورين أدناه بالأموال المسلمة إليهم أو المناط أمرها بهم وهم:
أ- مدير مؤسسة خيرية وكل شخص مسؤول عن أموالها.
ب- وصي القاصر وفاقد الأهلية أو ممثله.
ج- منفذ الوصية أو عقد الزواج.
د- كل محام أو كاتب عدل أو وكيل أعمال مفوض.
هـ- كل مستخدم أو خادم مأجور.
و- كل شخص مستناب من السلطة لإدارة أموال تخص الدولة أو الأفراد أو لحراستها.
2- ويمكن أن يمنع المجرم منعاً باتاً عن ممارسة العمل الذي ارتكب بسببه الجرم».
والتشديد يكون حسب المادة 247 عقوبات بزيادة العقوبة من الثلث إلى النصف.
والسبب في التشديد هو السهولة في ارتكاب الجرم من جهة ومن جهة أخرى لتعرضها لحقوق أشخاص فاقدي أو ناقصي الأهلية ولأشخاص يجهلون أحكام القانون أو لخطورة هذه الجريمة والخيانة التي يقوم بها فاعلوها أو لإثبات سمعة السلطة وموظفيها وصونها.
والتشديد أعطى المحكمة سلطة منع ممارسة الفاعل للعمل الذي ارتكب الجرم في معرضه وفي هذا تطبيق للتدبير الاحترازي الوارد في المادة (94) من قانون العقوبات.
أما المادة (659) من قانون العقوبات فقد تناولت أعمالاً مختلفة من حالات تملك أموال الغيرإذ جاء فيها: «1- كل من استملك أو اختلس أو رفض أن يرد أو كتم لقطة أو أي شيء منقول دخل في حيازته غلطاً أو بصورة طارئة أو بقوة قاهرة يعاقب بالحبس حتى سنة وبغرامة حتى ربع قيمة الردود والعطل والضرر على أن لاتقل الغرامة عن مائة ليرة.
2- تسري أحكام هذه المادة على من أصاب كنزاً بما يتعلق بالنصيب العائد للغير».
واللقطة: وفق المرسوم الاشتراعي رقم 36 تاريخ 6/11/1940 (هي جميع الأشياء المنقولة التي يعثر عليها في نقطة ما من أراضي الجمهورية العربية السورية من غير أن يكون في الإمكان معرفة صاحبها).
ويتوجب على لاقط اللقطة إيداعها إدارة المالية أو أي سلطة إدارية، وكتم اللقطة يشمل اللقطة الواقعة في بلد أجنبي بشرط أن يكون قانون البلد التي عثر على المال فيها يرتب العقوبة على حائزها (نقض سوري - جنحة 169 قرار 284 تاريخ 31/3/1962 ورقم 4641 قرار 1676 لعام 1962).
أما الكنز فهو مال مدفون أو مخبوء لا يستطيع أحد أن يثبت ملكيته - الكنز قبل اكتشافه في غير حيازة أحد وذلك لأن مكانه غير معروف والاستيلاء على اللقطة واستيلاء مكتشف الكنز على ما يزيد على النصيب الذي يؤول إليه بناءً على اكتشافه.
وهذه الأفعال هي من قبيل الاعتداء على الملكية وهي جرائم ملحقة بجرم إساءة الائتمان، ولكنها لا تعد من قبيل السرقة أو إساءة الائتمان أو الاحتيال، وذلك لعدم توافر الأركان الجرمية لهذه الأفعال، وإن تحديد العقاب على هذه الجريمة الواردة بنص خاص هو نص المادة (659) من قانون العقوبات يصير أكثر وضوحاً باستظهار الحق المعتدى عليه بارتكابها، فهي تختلف عن السرقة بحيث لا تفترض اعتداءً على الحيازة، وعن إساءة الائتمان بحيث لا تفترض اعتداءً على ثقة أودعت في المدعى عليه.
أخيراً، جرائم إساءة الائتمان من الجرائم الآنية، وتبدأ من تاريخ الإنكار أو الامتناع عن تسليم الأمانة لامن تاريخ تسلِّمها (نقض سوري جنحة 4830 قرار 1994 جنحة تاريخ 2/10/1980).
ولاعقاب على الشروع فيها لأن القانون لم يتضمن نصاً خاصاً بذلك، عملاً بأحكام المادة (210) من قانون العقوبات.
والمادة /661/ من قانون العقوبات استلزمت الشِّكوى في المواد 656 - 657 - 659 من القانون نفسه وإن إسقاط الحق الشخصي يستلزم إسقاط دعوى الحق العام تبعاً لذلك (نقض سوري، جنحة 1478 قرار 1031 تاريخ 14/4/1964) وعلى العكس من ذلك فإن جرم إساءة الائتمان المرافقة لإحدى الحالات المشددة تلاحق عفواً ولا تسقط بإسقاط الحق الشخصي (نقض سوري، جنحة 1582 قرار 824 تاريخ 28/10/1962).
ولابد من الإشارة إلى المادة (660-) من قانون العقوبات لجهة تخفيض العقوبة إلى الثلث أو الثلثين وإلى النصف حسب نص كل مادة.
خامساً- الغش في المعاملات:
ويقصد بالغش في المعاملات:
1. العيارات والمكاييل غير القانونية أو المغشوشة والغش في كمية البضاعة.
2. الغش في نوع البضاعة.
3. عرقلة حرية البيوع بالمزايدة.
4. المضاربات غير المشروعة.
وقد صدرت في هذا الخصوص قوانين خاصة، ولاسيما قانون قمع الغش والتدليس الصادر بالقانون رقم 158 تاريخ 14/5/1960 والذي عدلت بعض مواده بالقانون رقم 47 تاريخ 9/7/2001، وقد تضمن القانون المذكور البحث عن المخالفات وأخذ العينات وتحليلها والعقوبات المتخذة جراء ذلك.
وقد نص هذا القانون على عدم جواز وقف تنفيذ العقوبة التي تحكم بها المحكمة تطبيقاً لأحكام هذا القانون أو القرارات الصادرة تنفيذاً له (المادة 17 منه). لابد أيضاً من الإشارة إلى قانون العقوبات الاقتصادي الصادر بالمرسوم 37 لعام 1966 وتعديلاته، ولاسيما المادة (21) منه التي تعاقب على الغش في نوعية الإنتاج في القطاع العام وكذلك غش سائر الصادرات والمستوردات والسلع الاستهلاكية وكل ما من شأنه إضعاف الثقة بالاقتصاد الوطني، والعقوبة هي الأشغال الشاقة المؤقتة.
وكذلك المادة (4) من قانون العقوبات الاقتصادي لجهة غش الدولة في التعاقد، والعقوبة فيها الأشغال الشاقة من خمس إلى خمس عشرة سنة، كما أنه لابد من ذكر القانون رقم 123 تاريخ 26/3/1960 من قانون العقوبات المتعلق بعدم الإعلان عن أسعار السلع الاستهلاكية أو البيع بسعر زائد وعدم إعطاء فاتورة نظامية أو إعطاء فاتورة غير نظامية، وحجب هذا القانون الأسباب المخففة التقديرية حين فرض العقوبة التي تحكم بها المحكمة إضافة إلى عدم جواز وقف تنفيذ العقوبة، وقد عدّل هذا القانون بالقانون رقم 22 تاريخ 5/12/2000.
وقد حدّد القانون ضابطة عدلية لإثبات هذه الجرائم والمخالفات لأحكام هذا القانون وقد أصبحت الجرائم التموينية من اختصاص القضاء العسكري بعد التعديل الجاري على الاختصاص وفق المرسوم التشريعي رقم 16 تاريخ 2/4/2008 والأمر العرفي رقم 1/9/2 تاريخ /2008.
سادساً- جرائم الإفلاس والغش إضراراً بالدائن:
هي جرائم يقع فيها الاعتداء على حقوق دائني المفلس في اقتضاء ديونهم من أموال التفليسة بحيث يحق لجماعة الدائنين استيفاء هذه الديون كل حسب نسبة دينه وأموال المفلس تخصص للوفاء بموجب قرار قضائي وإجراءات التنفيذ تخضع لرقابة القضاء والحق المعتدى عليه في جرائم الإفلاس يتمثل في إخراج أموال المفلس أو قسم منها من نطاق سلطة الدائنين أو الإخلال بالمساواة بين هؤلاء.
وجرائم الإفلاس قد تكون غير قصدية ويكفي الخطأ لقيامها وقد يرتكبها غير المفلس وتكون جرائم قصدية. وجرائم المفلس هي جرائم التاجر المتوقف عن دفع ديونه. أما غير المفلس فهو التاجر المنقطع عن دفع ديونه.
والتاجر - كما عرفه القانون التجاري - هو من امتهن العمل التجاري أو الشركات التي يكون موضوعها تجارياً. فهو كل من يمارس العمل التجاري عادة أو يحترف الأعمال التجارية لحسابه الخاص والجمع مع مهنة أخرى لا ينفي صفة العمل التجاري. وكذلك الأمر فإن الشركات التي تمارس عملاً تجارياً تخضع لنظام الإفلاس التجاري.
والتوقف عن الدفع يعني عدم وفاء التاجر بأحد ديونه التجارية، ولا فرق بين الديون النقدية وغير النقدية مادامت قد أنشأت ديناً في ذمة التاجر لحاجات تجارية.
وجرائم المفلس هي التي تلك يرتكبها المفلس نفسه الذي تتحقق لديه في الوقت ذاته صفة التاجر المتوقف عن الدفع. وجرائم الإفلاس قد تكون احتيالية وقد تكون تقصيرية والإفلاس الاحتيالي والتقصيري يختلف كل منهما عن الآخر من حيث توافر القصد الذي يتوافر في الأول وينتفي في الثاني. أما من حيث الفعل الذي تقوم به الجريمة في كلتا الحالتين أو من حيث تقرير العقوبة التي تعد جناية في الأول وجنحة في الثاني، وكل جرم من الجرمين مستقل عن الآخر.
1- جريمة الإفلاس الاحتيالي:
نصت المادة (675/1) من قانون العقوبات على أنه: «يعتبر مفلساً محتالاً ويعاقب بالأشغال الشاقة حتى سبع سنوات كل تاجر مفلس أخفى دفاتره واختلس أو بدد قسماً من ماله أو اعترف مواضعة بديون غير متوجبة عليه سواء في دفاتر أو صكوك رسمية أو عادية أو بموازنته».
ويستفاد من هذا النص أن أركان جريمة الإفلاس الاحتيالي هي:
أ- الركن المادي: يتضح من نص المادة المذكورة أن المشرع قد حدد صور الركن المادي في جريمة الإفلاس الاحتيالي على سبيل الحصر، وهي إخفاء الدفاتر التي تبين حقيقة التاجر سواء كان الأمر يتعلق بدفتر واحد أو بعدد منها أوبما في حكمها سواء أكان بالإتلاف أم الحرق أم إعدام محتوياتها؛ والمهم هو إخفاء حقيقتها والإخفاء قد يكون قبل أو بعد التوقف عن الدفع أو الاختلاس أو التبديد فيكون بتصرف المفلس بماله عن طريق إبعاده عن متناول الدائنيين سواء أكان تصرفاً مادياً أم قانونياً؛ والاختلاس هو التبديد ذاته، والمهم أن ينصب على مال التفليسة. أما الاعتراف مواضعةً بديون غير متوجبة فهو يفترض حصول تواطؤ بين المفلس والدائن المزعوم وهو الاعتراف بدين غير حقيقي.
ب- الركن المعنوي: فإن جرائم الإفلاس تعد من الجرائم المقصودة والتي تتطلب قصداً جرمياً عاماً يتمثل في علم الجاني بحقيقة التصرف، وأن تتجه إرادته بالرغم من ذلك إلى الفعل الجرمي ونتيجته وقصداً خاصاً يتجلى في توافر نية الإضرار بالدائنين.
وفيما يلي بعض اجتهادات محكمة النقض السورية:
لايكفي لتوافر عناصر جريمة الإفلاس الاحتيالي توافر صفة التاجر لدى الفاعل وتوقفه عن دفع ديونه التجارية فحسب وإنما ينبغي أن يكون هناك دفاتر تجارية تم إخفاؤها كلاً أو بعضاً وعدم تنظيم الدفاتر بصورة أصولية إذا وقع بقصد الغش يعدّ بحكم الإخفاء (نقض سوري - جناية 843 قرار 794 تاريخ 28/8/ 1984). إن القضاء الجزائي مخول حق الملاحقة والحكم في دعوى الإفلاس من دون التقيد بالدعوى المدنية وإن المطالبة بوفاء الدين ليست شرطاً لإثبات حالة التوقف (نقض سوري - جنحة1510 قرار 1349 تاريخ 15/6/ 1968).
2-جريمة الإفلاس التقصيري:
هي من الجرائم غير المقصودة وتقوم على أساس افتراض إهمال المدين وعدم حرصه أو عنايته بأوضاعه المالية العناية المطلوبة والمتناسبة مع الأوضاع الاقتصادية السائدة.
أ- الإفلاس التقصيري للتاجر: ويتخذ الركن المادي لهذه الجريمة إما صورة الإفلاس التقصيري الإلزامي وإما صورة الإفلاس التقصيري الاختياري.
(1) الإفلاس التقصيري الإلزامي: فقد نصت المادة (676) من قانون العقوبات على هذه الصورة التي يقوم بها الركن المادي لجريمة الإفلاس التقصيري إذ جاء فيها أنه:
«1- يعتبر مفلساً مقصراً ويعاقب بالحبس من شهر إلى سنة كل تاجر متوقف عن الدفع:
أ - إذا كان قد استهلك مبالغ باهظة سواء في عمليات الحظ أو مضاربات وهمية على النقد أو البضاعة.
ب - إذا أقدم بعد التوقف عن الدفع وفي سبيل تأخير الإفلاس على شراء بضائع ليبيعها بأقل من ثمنها أو عقد للغاية نفسها قروضاً أو حول سندات أو توسل بطرق أخرى عديدة للحصول على المال.
ج - إذا أقدم بعد التوقف عن الدفع على إيفاء دائن إضراراً بكتلة الدائنين.
د - إذا وجدت نفقاته الشخصية أو نفقات بيته زائدة عن الحد المادة 677.
2- يمكن أن يعتبر مفلساً مقصراً ويعاقب بالحبس المفروض أعلاه كل تاجر مفلس:
أ - إذا عقد لمصلحة الغير بدون عوض تعهدات جسيمة بالنسبة لوضعيته عندما تعهد بها.
ب - إذا لم يتقيد بالقواعد المتعلقة بتنظيم سجل التجارة.
ج - إذا لم يقدم في خلال عشرين يوماً بعد توقفه عن الدفع التصريح اللازم بمقتضى قانون التجارة إلى قلم المحكمة أو إذا كان هذا التصريح لا يتضمن أسماء جميع الشركاء المتضامنين.
د - إذا لم يمسك دفاتر تجارية أو لم ينظم الجردة بالضبط أو إذا كانت دفاتره أو جردته ناقصة أو غير أصولية أو لا تبين حقيقة ماله وما عليه ولم يكن مع ذلك ثمة غش.
هـ - إذا تكررإفلاسه ولم يتم شروط عقد الصلح السابق».
وتفترض هذه الحالات قيام التاجر بما يلي:
q استهلاك مبالغ باهظة في عمليات الحظ أو المضاربات الوهمية كالقمار واليانصب.
q إقدام التاجر على اقتراف أي فعل يؤخر من إشهار إفلاسه بعد توقفه عن الدفع بعد علمه بمركزه المالي وذلك لإطالة حياة مشروعه التجاري الذي يكون نهايته الانهيار حتماً.
q إقدام التاجر على الوفاء لأحد الدائنين بعد توقفه عن الدفع إضراراً بكتلة الدائنين.
q زيادة النفقات الشخصية والمنزلية على الحد المعقول بحد فاحش.
(2) الإفلاس التقصيري الاختياري: نصت المادة (677) من قانون العقوبات السوري على هذه الصورة التي يتكون منها الركن المادي في جريمة الإفلاس، وحددت حالاتها على سبيل الحصر، ولا تقبل القياس وهي:
¦ عقد تعهدات جسيمة لمصلحته الغير بدون مقابل بالنسبة لوضع التاجر عندما تعهد بها، بحيث تلقي إعباء جسيمة عليه لا تتناسب مع وضعه المادي.
¦ عدم تقيده بتنظيم سجل التجارة وفق ما نص عليه قانون التجارة من إجراءات.
¦ عدم التقدم بالتصريح اللازم بالتوقف عن الدفع خلال مدة عشرين يوماً وفق أحكام قانون التجارة.
¦ عد إمساك الدفاتر التجارية اللازمة، كدفتر اليومية ودفتر الجرد، أما الدفاتر الاختيارية كدفتر المخزن ودفتر الصندوق أو دفتر الأستاذ فلا تدخل في نطاق ذلك.
¦ تكرار إفلاس التاجر، كأن يحصل على صلح بسيط ثم يعلن إفلاسه مرة ثانية بسبب عدم قيامه بتعهدات تجاه الدائنين الذين وافقوه على عقد الصلح.
ب- الإفلاس التقصيري للشركات: نص المشرع السوري في المادة (678) من قانون العقوبات على معاقبة الشركات التجارية بالعقاب المنصوص عليه بالمادة (675) من القانون ذاته وذلك: للشركاء المضاربين الذين اعتادوا التدخل في أعمال الشركة ومدير شركة المضاربة بالأسهم وشركات المسؤولية المحددة والمديرين وأعضاء مجلس الإدارة والوكلاء المفوضين وأعضاء مجالس المراقبة ومفوضي المحاسبة وموظفي الشركات المذكورة وشركاء المساهمة وذلك إذا أقدموا بأنفسهم على ارتكاب عمل من أعمال الإفلاس الاحتيالي أو سهلوا أو أتاحوا ارتكابه عن قصد منهم أو إذا نشروا بيانات أو موزانات غير حقيقية أو وزعوا أنصبة وهمية.
ج- جرائم غير المفلس: بموجب المادة (681) من قانون العقوبات يعاقب بعقوبة الإفلاس الاحتيالي كل من أقدم لمصلحة المفلس على اختلاس أو إخفاء أو كتم أمواله كلها أو بعضها الثابتة أو المنقولة أو تقدم احتيالاً باسمه أو باسم مستعار لتثبيت ديون وهمية في نطاق الإفلاس أو ارتكب وهو يتعاطى التجارة باسم وهمي الإفلاس الاحتيالي.
ويعاقب بالحبس مع الشغل من شهر إلى سنة وغرامة لاتتجاوز ثلاثمئة ليرة سورية كل من الدائن الذي اشترط لنفسه منفعة خاصة بسبب اشتراكه في اقتراع الديون والدائن الذي يجري اتفاقاً خاصاً لجلب نفع لمصلحته من أموال المفلس.
أما زوج المفلس أو فروعه أو أصوله أو أصهاره من الدرجات نفسها فإنهم يعاقبون بالعقوبة المنصوص عليها بالمادة (634) من قانون العقوبات.
ويمكن نشر القرار المتعلق بالجرائم المشار إليها أعلاه ومن حكم عليه بالإفلاس الاحتيالي ومن حكم عليه بتكرار الإفلاس التقصيري يمكن أن يمنع مؤقتاً أو مؤبداً من ممارسة التجارة أو القيام بإدارة شركة بأن يكون مدير شركة مضارباً أو عضو مجلس إدارة أو وكيلاً مفوضاً وفق ماجاء في الفقرة الثانية والثالثة من المادة (678) من قانون العقوبات.
3- ضروب الغش الأخرى المرتكبة إضراراً بالدائنين:
فقد حدّدتها المادة (685) من قانون العقوبات وهي قيام المدين بوسائل غش من شأنها عرقلة التنفيذ على أموال المدين أو أن تؤدي إلي إنقاص ذمته المالية ويكون بتوقيع المدين على سندات دين وهمية لا وجود لها في الأساس أو إقراره كذباً بوجود موجب أو إبقائه كله أو بعضه أو كتم بعض أمواله وتهريبها أو إتلافها أو تعييبها.
فالعقوبة هنا الحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من 100إلى 300 ليرة سورية.
أما إذا ارتكب الجرم باسم الشركة أو لحسابها فإن المادة (686) من قانون العقوبات قد عالجت هذا الفعل؛ إذ إن الشركة في هذه الحالة تستهدف بالعقوبات والتدابير الاحترازية المنصوص عليها في المادتين (209 و210) من القانون نفسه.
وقد جاء في حكم لمحكمة النقض السورية أن: «القضاء الجزائي يتولى التحقيق بنفسه في جريمة الإفلاس وبحث عناصرها وأركانها وتقدير حالة الإفلاس والتوقف عن الدفع وتاريخ هذا التوقف وما إذا كان التاجر معتبراً بالنسبة للدعوى المقامة عليه في حالة الإفلاس أم لا وهو يقوم بذلك كله حسب ولايته العامة وسلطانه المطلق في التحقيق عن الجريمة وبيان ظروفها وملابساتها ووجودها أو عدمها وهو مخول حق الملاحقة والحكم في دعوى الأساس» (نقض سوري - جناية 939 قرار 552 تاريخ 1/3/ 1985).
سابعاً- العلامات الفارقة والمؤشرات الجغرافية والرسوم والنماذج الصناعية والمنافسة غير المشروعة:
وقد نظمها القانون رقم 8 لعام 2007 في 159 مادة.
وقد عرفت المادة (2) منه العلامة الفارقة بأنها كل إشارة تمكن من تمييز منتجات أو خدمات شخص طبيعي أو اعتباري، ويمكن أن تكون العلامة الفارقة - على سبيل المثال - من الأسماء والتسميات والرموز أو الأختام أو الكلمات أو الحروف أو السمات أو النقوش البارزة أو الرسوم أو الصور أو الأرقام أو الإمضاءات أو الدمغات أو أسماء المحال أو مجموعة الألوان وترتيباتها وتدريجاتها أو أشِّكال المنتجات أو غلافاتها التي تتخذ شِّكلا خاصاً مميزاً وكذلك أي مزيج من هذه العناصر، وفي جميع الأحوال يجب أن تكون العلامة الفارقة مرئية يمكن إدراكها بالبصر.
وقد حدد القانون المذكور اكتساب العلامة بالتسجيل الصحيح والمستمر وفقاً لأحكام هذا القانون، ويمكن أن تكون فردية أو مشتركة، وجاء اكتساب الحق بالعلامة وفقدانها بالمواد (7 حتى 10).
وحدد المشرع فقدان هذه العلامة وكيفية تسجيل هذه العلامة ونشرها وتجديدها في المواد (11 حتى 37) من القانون رقم 8 لعام 2007.
ونص المشرع أيضاً في المادتين (38 و39) على العلامات الجماعية وكيفية الرقابة على العلامة الجماعية. وقد نصت المواد (41-46) على الحقوق الناشئة من تسجيل العلامات والعلامات المشهورة. وقد نصت المواد (47-52) على كيفية جواز نقل ملكية العلامات الفارقة. وبينت المواد (53-57) أسس الترخيص بالاستعمال. أما المواد (58-69) منه فجاءت فيها العقوبات التي تفرض على المتعدي على العلامة الفارقة. أما المواد (70-79) فجاءت عن المؤشرات الجغرافية. أما المواد (82-98) فقد حددت الرسوم والنماذج الصناعية وما هي الرسوم والنماذج الصناعية القابلة للتسجيل وغير القابلة للتسجيل والحق في تسجيل الرسم الصناعي أو النموذج الصناعي ونشرها وتجديدها.
وقد حدد القانون المذكور نقل ملكية الرسم أو النموذج الصناعي والترخيص باستعمال واستثمار الرسم أو النموذج الصناعي في المواد (99 حتى 104). وجاءت المواد (105-112) محددة العقاب على التعدي على هذه الرسوم والنماذج الصناعية. وتضمنت المواد (113-115) الجوائز الصناعية والتجارية والعقاب عليها.
ونص القانون المذكور على الحماية من المنافسة غير المشروعة وحماية الأسرار التجارية في المواد (116 و117).
وبين القانون المذكور حق الأولوية في المادة (118) منه. والاختصاص القضائي وحق الادعاء في المواد (119-121) في المنازعات المتعلقة بالملكية الصناعية والتجارية وجعله لمحكمة البداية المدنية.
وأفرد فصلاً خاصاً للإجراءات التحفظية المستعملة ومنع وقوع الاعتداء لقاضي الأمور المستعجلة في المواد (122-123) وهناك تدابير حدودية تقوم بها إدارة الجمارك عملاً بالمادة (124) من القانون المذكور.
ثم بين القانون كيفية إقامة الدعوى العامة والوصف والضبط في المواد (125-142). وحدد وكلاء تسجيل حقوق الملكية التجارية والصناعية في المواد (143-155). ثم أصدر أحكاماً ختامية بإلغاء جميع القوانين والأنظمة المخالفة لأحكام هذا القانون ورسوم الطلبيات الدولية حسب اتفاق وبروتوكول مدريد والمعاهدات الدولية ذات الصلة بقرار من وزير الاقتصاد والتجارة.
ثامناً -الأضرار اللاحقة بأملاك الدولة والأفراد:
وهي الهدم والتخريب ونزع التخوم واغتصاب عقار والتعدي على المزروعات والحيوانات والآلات الزراعية.
1-الهدم والتخريب:
تناول المشرع السوري جرائم الهدم والتخريب في المواد (716-720) من قانون العقوبات.
أ- هدم وتخريب الممتلكات العامة: فقد عاقبت المادة (716) من قانون العقوبات كل من هدم أو خرب قصداً الأبنية والأنصاب التذكارية والتماثيل أو غيرها من الإنشاءات المعدة لمنفعة الجمهور أو للزينة العامة بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات والغرامة من مئة إلى ثلاثمائة ليرة سورية.
ب- هدم وتخريب الممتلكات الخاصة: نصت المواد(717 و718 و719) من قانون العقوبات على هدم وتخريب الممتلكات الخاصة وفرق المشرع فيها بين تلك التي لها قيمة تاريخية مما ليس لها ذلك.
t الممتلكات ذات القيمة التاريخية: يستحق العقوبة نفسها المنصوص عليها في المادة (716) من قانون العقوبات كل من أقدم قصداً على هدم أو تخريب نصب تذكاري أو أي شيء منقول أو غير منقول له قيمة تاريخية أو تمثال أو منظر طبيعي مسجل سواء أكان ملكاً له أم لغيره (المادة 717 من قانون العقوبات).
t الممتلكات الخاصة الأخرى: نصت على هذه الجريمة المادة (718) من قانون العقوبات التي جاء فيها: «كل من أقدم قصداً على هدم أية بناية كلها أو بعضها مع علمه أنها ملك غيره يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين وبالغرامة من مائة إلى مائتي ليرة.
وإذا وقع الهدم ولو جزئياً على الأكواخ والجدار غير المطينة أو الحيطان المبنية بالدبش دون طين كانت عقوبة الحبس من شهر إلى ستة أشهر وبالغرامة مائة ليرة».
وجاء أيضاً في المادة (719) من قانون العقوبات : «1- كل من هدم أو خرب قصداً شيئاً يخص غيره مالم يعين في هذا الباب يعاقب بغرامة لاتتجاوز قيمة الضرر على أن لاتنقص عن مائة ليرة.
2- إذا كانت قيمة الشيء المتلف أو الضرر الناجم يجاوز المائة ليرة فيمكن علاوة على الغرامة أن يحبس الفاعل مدة لاتفوق الستة أشهر».
وإذا أدت إحدى الجنح المذكورة في المواد (716 إلى 719) إلى قتل أمرىء أو جرحه عوقب المجرم على هذا الفعل مع مراعاة أحكام المادتين (188 و190) (المادة 720 من قانون العقوبات).
ومن قراءة هذه النصوص القانونية السابقة الذكر يتضح أن المشرع عاقب على الهدم والتخريب المقصود. فالركن المادي لهذه الجرائم هو الهدم والتخريب، والركن المعنوي هو العلم والإرادة المتجهة إلى ذلك التخريب فالجرم يحتاج إلى القصد العام والقصد الخاص الذي ينصب على تلك الأبنية أو الأنصاب والتماثيل.
ويقصد بكلمة الهدم المنصوص عليها في المادة (718) من قانون العقوبات التخريب الكلي للأبنية أو الجسور، بهدمها كاملاً أو بهدم جزء منها يؤثر في متانتها (نقض سوري - جنحة 1909 قرار 1972 تاريخ 12/9/ 1957). أما في حال إقدام المدعى عليه على تخريب جزء من جدار قيد البناء برمي بعض الحجارة من دون أن يؤثر ذلك في متانة البناء فيعدّ من قبيل الإضرار والتخريب العادي وفق أحكام المادة (719) من قانون العقوبات.
أما المادتان (719و720 ) من قانون العقوبات فإنهما انصبتا على إلحاق الضرر بالغير وهذا ما أكدته محكمة النقض السورية في أحد قراراتها إذ قالت فيه: «أن قيام المدعى عليه بفتح ثغرة في جدار الغرفة التي يشغلها لا يشِّكل الهدم المنصوص عنه بالمادة (718) من قانون العقوبات بل تشِّكل هدم وتخريب شيء يخص الغير وفق المادة (719) وكذلك التخريب الجزئي برمي بعض الحجارة دون أن يؤثر على المتانة العامة للبناء هو من قبيل الأضرار» (نقض سوري - جنحة719 رقم 4209 تاريخ 21/4/ 1982).
2- جرائم نزع التخوم واغتصاب العقار:
نظم المشرع السوري أحكام هذه الجرائم في المواد (721 و724) من قانون العقوبات.
أ- جريمة نزع النخوم: نصت المادة (721) من قانون العقوبات على أنه:
«1- من أقدم ولو جزئياً على طم حفرة أو هدم سور من أي المواد بني أو على قطع سياج أو نزعه أخضراً كان أم يابساً ومن هدم أو خرب أو نقل أية علامة تشير إلى الحدود بين مختلف الأملاك يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز الستة أشهر
2- تنزل العقوبة نفسها بمن هدم أو خرب أو نقل تخوم المساحة أو علامات الاستهداء أو نصب التحديد أو علامات التسوية».
وجاء في المادة (722 ) من نفس القانون أنه: «إذا ارتكب الجرم المذكور تسهيلاً لغصب أرض أو بالتهديد أو الجبر الواقع على الأشخاص عوقب الفاعل بالحبس من شهرين إلى سنة فضلاً عن الغرامة من مائة إلى مائتي ليرة سورية».
وباستعراض نص هاتين المادتين يتضح أن الركن المادي لهما يرتكز على الهدم والتخريب للتخوم ولعلامات الحدود والمساحة بين العقارات المحددة والتي تدل على حدود العقارات والاستهداء إليها. وتستلزم جريمة الهدم والتخريب قصداً جرمياً عاماً، إذ لابد من علم الفاعل بحقيقة موضوع هذه الجريمة وأن تتجه إرادته إلى القيام بردم حفرة أو هدم سور أو نقل أي علامة حدود أو تخريب تخوم المساحات وعلامات الاستهداء أو علامات التسوية للأرض. ويترتب على ذلك معاقبة الفاعل بالحبس مدة لاتزيد على الستة أشهر. ولكن إذا اقترف هذا الفاعل جرم الهدم أو التخريب بقصد تسهيل غصب أرض بالتهديد أو الجبر تشدد العقوبة بحيث تصبح الحبس من شهرين حتى سنة والغرامة من مئة إلى مئتي ليرة سورية. إذ يقوم هذا التشديد على توافر نية جرمية خاصة تتمثل بالقصد الذي عبر عنه المشرع السوري بنص المادة (722) من قانون العقوبات.
ب- جريمة غصب عقار: تناول المشرع السوري هذه الجريمة في المادتين (723 و724) من العقوبات. إذ نص في الأولى على مايلي:
«1- من لايحمل سنداً رسمياً بالملكية أو التصرف واستولى على عقار أو قسم من عقار بيد غيره عوقب بالحبس حتى ستة أشهر
2- وتكون العقوبة من شهرين إلى سنة إذا رافق الجرم تهديد أو جبر على الأشخاص أو الأشياء من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات إذا ارتكبه جماعة من شخصين على الأقل مسلحين
3- يتناول العقاب الشروع في الجريمة المذكورة في الفقرة الثانية
4- يسقط الإدعاء بمقتضى هذه المادة في المحلات التي لم تجر فيها التحديد والتحرير بعد سنة من وضع اليد».
ونصت المادة الثانية على الآتي: «يعاقب بالحبس حتى ستة أشهر من أقدم على غصب قسم من الأملاك العامة المرفقة وغير المرفقة».
ومن استعراض هذين النصين يتضح أنه يشترط لقيام جريمة غصب العقار ألا يكون لدى المدعى عليه سند رسمي بالملكية أو بالتصرف وأنه يعلم أن هذا العقار مملوك لغيره ودخله وتصرف به مع علمه بذلك، والعبرة في ذلك قانوناً للقيد في السجل العقاري ولا تكون الاتفاقات بين الغير بصدد قسمة أو ملكية عقار ما لا تكون نافذة إلا بعد تسجيلها في السجل العقاري (نقض سوري - جنحة 4911 قرار 1225 تاريخ 9/6/ 1982).
ويتعين للحكم على من يستولي على عقار أو جزء من عقار ثبوت تصرف الغير به أولاً ومن ثم ثبوت الاعتداء (نقض سوري - جنحة 3123 قرار 1600 تاريخ 10/10/1979).
وجرم الاعتداء بالتجاوز على العقارات العامة والخاصة هو من الجرائم الآنية والتقادم لايكسب حقاً على العقارات المتروكة أو المحمية أو المرفقة.
وإن الادعاء بالتجاوز أو بالاستيلاء على العقار في المناطق التي لم يجر فيها التحديد والتحرير يسقط بعد سنة من تاريخ وضع اليد بقوة القانون عملاً بالفقرة الرابعة من المادة (723) من قانون العقوبات.
وإن جريمة الاستيلاء على عقار هي جريمة جنحوية الوصف يسقط الإدعاء بها بمرور ثلاث سنوات من تاريخ وقوعها، ولابد من توافر عنصر الغصب. وإن أملاك الأوقاف ليست من الأملاك العامة. وإن إزالة اليد عن أملاك الدولة بعد صدور القانون 252 لعام 1959 أصبح من اختصاص وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي لا القضاء العادي.
تاسعاً- جرائم التعدي على المزروعات الحيوانات والآلات الزراعية:
عالج المشرع هذه الجرائم في المواد (725-730) من قانون العقوبات.
فيعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر حتى السنتين وبالغرامة من مئة ليرة سورية كل من قطع أو قصف أو أتلف مزروعات قائمة أو أشجاراً أو شجيرات نبت الطبيعة أو نصب يد الإنسان أو غير ذلك من الأغراس العائدة للغير. ويعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبالغرامة من مئة إلى مئتي ليرة سورية كل من رعى أو أطلق ماشية أو سائر حيوانات الجر أو الركوب أو الحمل فيما كان لغيره من الأراضي المحمية أو المغروسة أشجاراً مثمرة أو المزروعة أو التي فيها محصولات، وبالإجمال كل من أتى بحيوانات يمكن أن تحدث ضرراً إلى أرض لاتخصه أو ليس له عليها حق المرور أو الرعي. ويمكن للمحكمة الاكتفاء بتطبيق واحدة من هاتين العقوبتين (المادة 725 من قانون العقوبات).
أما إذا وقع الإتلاف على مطاعيم أو أشجار مثمرة أو فسائلها أو على شجرة أخرى ثمينة من الوجهة الزراعية أو التجارية أو الصناعية عوقب الفاعل بالغرامة من مئة إلى ثلاثمئة ليرة وبالحبس من عشرة أيام إلى شهر عن كل مطعوم أو شجرة أو فسيلة على أن لايجاوز مجموع العقوبة الثلاث سنوات (المادة 726 من قانون العقوبات). وإذا اقتصر الجرم على تقليم المطاعم أو الأشجار أو الفسائل خفضت العقوبة المنصوص عليها في المادة السابقة إلى النصف (المادة 727 من قانون العقوبات).
وقد عاقب المشرع السوري بالحبس التكديري من يقدم قصداً غير مضطر على قتل حيوان جر أو حمل أو ركوب أو مواشي من مختلف الأنواع تخص غيره؛ وذلك إذا وقع الجرم في ما هو جار على ملك الفاعل أو بإجارته أو حيازته بأي صفة من الأراضي أو الإسطبلات أو الحظائر أو الأبنية وما يتبعها. وتصبح العقوبة الحبس حتى ستة أشهر إذا وقع الجرم في مكان جار على ملك صاحب الحيوان أو بإجارته أو حيازته بأي صفة كانت. أما إذا ارتكب الجرم في أي مكان آخر فيعاقب الفاعل بالحبس من خمسة عشر يوماً إلى شهرين. وتشدد العقوبة إلى الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين في حال استخدام الفاعل مادة سامة في قتل أحد الحيوانات المذكورة أعلاه (المادة 728 من قانون العقوبات).
وكذلك فقد عاقب المشرع بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبالغرامة مئة ليرة سورية كل من يقدم قصداً على إتلاف الأدوات الزراعية أو كسرها أو تعطيلها (المادة 729 من قانون العقوبات).
ولكن المشرع شدد العقوبة إلى الأشغال الشاقة المؤقتة (أي من ثلاث إلى خمس عشرة سنة) والغرامة من مئة إلى مئتي ليرة سورية إذا أقدمت عصبه مسلحة لاتنقص عن خمسة أشخاص على نهب بعض الأملاك الموصوفة أعلاه أو إتلافها قوة واقتداراً (المادة 730 من قانون العقوبات).
ولابد من الإشارة إلى أنه صدر المرسوم التشريعي رقم 25 تاريخ 9/4/ 2007 المتعلق بالحراج وتضمن تعاريف واستثمار حراج الدولة وبيع حاصلاتها ونقل هذه الحاصلات وخزنها وكل ما يتعلق بحراج الدولة وحمايتها والرخص فيها؛ والحراج الخاصة: إدارتها واستثمارها. والعقوبات في ذلك وقد ألغى هذا المرسوم القانون رقم 7 لعام 1994 ويتألف المرسوم من 66 مادة.
عاشراً- الجرائم المتعلقة بنظام المياه:
نصت على هذه الجرائم المواد (731-735) من قانون العقوبات.
يعاقب بالحبس سنة على الأكثر وبالغرامة حتى مئتين وخمسين ليرة سورية أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يقدم من دون إذن على القيام بأعمال التنقيب عن المياه الكائنة تحت الأرض أو المتفجرة أو على حصرها ما لم يكن المقصود حفر آبار غير متفجرة في الأملاك الخاصة لايجاوز عمقها مئة وخمسين متراً؛ أو على إجراء حفريات تبعد عن حد ضفاف مجاري المياه ومعابرها وقنوات الري والتجفيف والتصريف مسافة أقل من عمق هذه الحفريات، وفي كل حال أقل من ثلاثة أمتار؛ أو على نزع حجارة أو تراب أو رمل أو أشجار أو الشجيرات أو أعشاب تلك الضفاف أو من أحواض مجاري المياه المؤقتة أو الدائمة ومن البحيرات والمستنقعات والبرك والغدران؛ أو على الغرس والزرع أو وضع شيء ما على ضفاف البحيرات والمستنعقات والبرك والغدران أو على ضفاف مجاري المياه المؤقتة أو الدائمة أو أحواضها أو بين حدود ممرات قنوات الري والتجفيف والتصريف أو قساطل المياه ومعابرها المصرح بإنشائها للمنفعة العامة؛ وعلى التعدي بأي شِّكل على ضفاف الينابيع؛ وعلى منع جر المياه العمومية جرياناً حراً؛ وعلى القيام بأي عمل دائم أو مؤقت من شأنه التأثير في كمية المياه العمومية (المادة 731 من قانون العقوبات).
ويعاقب أيضاً بالعقوبة المذكورة نفسها من يقوم بتنظيف مجاري المياه المؤقتة أو الدائمة أو تعميقها أو تقويتها أو تنظيمها من دون إذن (المادة 732 من قانون العقوبات) أو بهدم أو تخريب الإنشاءات المشادة للانتفاع بالمياه أو على سيل المياه العمومية أو إلقاء الأسمدة ضمن الحرم المحدد لحماية نبع تنتفع به العامة وعلى تكوين النبع (المواد732 -733-734 من قانون العقوبات). وكذلك المادة 735.
وقد صدر القانون رقم 31 تاريخ 16/ 11/ 2005 المتضمن التشريع المائي المؤلف من 57 مادة في أحد عشر فصلاً، تضمن تعاريف عامة وما هي المياه العامة والحقوق المكتسبة على المياه العامة وتصفية هذه الحقوق، وشبكات المياه الحكومية ورخص حفر الآبار. وأجهزة الضخ والعقوبات مع عدم الإخلال بالعقوبات الأشد المنصوص عليها في قانون العقوبات أو أي قانون آخر وحدد الضابطة المائية وأعمال التدقيق وجمعيات مستخدمي المياه وأخيراً أحكاماً عامة.
مراجع للاستزادة: |
- محمود نجيب حسني، جرائم الاعتداء على الأموال (منشورات الحلبي الحقوانية، بيروت).
- علي عبد القادر القهوجي، قانون العقوبات - القسم الخاص (جرائم الاعتداء على المصلحة العامة وعلى الإنسان والمال)، (دار الحلبي الحقوانية، بيروت 2003).
- علي محمد جعفر، قانون العقوبات - القسم الخاص (الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة وبالثقة العامة والواقعة على الأشخاص والأموال)، (المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت 2006).
- جاك الحكيم ورياض الخاني، شرح قانون العقوبات العام - القسم الخاص، (منشورات جامعة دمشق).
- التصنيف : القانون الجزائي - النوع : القانون الجزائي - المجلد : المجلد الثاني: بطاقة الائتمان ــ الجرائم الواقعة على السلطة العامة - رقم الصفحة ضمن المجلد : 502 مشاركة :