اخلاء ماجور
vacate rental property - expulsion de l’immeuble

 إخلاء المأجور

إخلاء المأجور

فواز صالح

 

نظم المشرع عقد الإيجار في الفصل الأول من الباب الثاني من الكتاب الثاني من القانون المدني الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 84 تاريخ 18/5/1949، وخصص له المواد من 526 حتى 601 منه. ونتيجة لأهمية إيجار العقارات وما يمكن أن يتركه من أثر في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية في الدولة فقد تدخل المشرع مرات عدة لتنظيم هذا النوع من الإيجار بموجب تشريعات خاصة تبين أحكاماً تخالف ما ورد في القانون المدني الذي تعد قواعده المتعلقة بالإيجار قواعد عامة تطبق في جميع الأحوال التي لا يوجد فيها نص خاص. وقد تدخل المشرع السوري لتنظيم إيجار العقارات أول مرة قبل صدور القانون المدني، وذلك بموجب القانون رقم 464 تاريخ 15/2/1949 الذي قيد حرية المتعاقدين في تحديد مدة الإجارة وفي مقدار الأجرة، ثم تتالت بعد صدور القانون المدني عام 1949 المراسيم التشريعية والقوانين التي تعدل في أحكام قانون إيجار العقارات إلى أن صدر القانون رقم 6 تاريخ 15/2/2001، والمعدل بالقانون رقم 10 تاريخ 26/2/2006. وألغى هذا القانون في المادة 17 منه كل نص تشريعي يخالف أحكامه، وبصورة خاصة أحكام القانون رقم 464 لعام 1949، وأحكام المرسوم التشريعي رقم 111 لعام 1952 وتعديلاته، وأحكام المرسوم التشريعي رقم 3 لعام 1987 المتعلق بعقد الإيجار الموسمي أو السياحي. واستطاع القانون رقم 6 لعام 2001 وتعديلاته أن يعيد بعض التوازن  إلى العلاقة بين المؤجر والمستأجر.

وفيما يتعلق بالأحكام الخاصة بانتهاء عقد إيجار العقارات فقد جاءت القوانين المتعاقبة وآخرها القانون رقم 6 لعام 2001 بأحكام خاصة تتعلق بفسخ العقد. أما فيما يتعلق بزوال عقد الإيجار بالإبطال فإن بطلان عقد إيجار العقارات أو قابليته للإبطال يخضع للقواعد العامة المنصوص عليها في القانون المدني. وكذلك الحال فيما يتعلق بانحلال عقد إيجار العقارات باتفاق الطرفين، وهو التقايل، حيث يجوز للمتعاقدين أن يتفقا على إنهاء عقد الإيجار قبل انقضاء مدته. أما فسخ عقد إيجار العقارات فيخضع لأحكام خاصة تختلف عن تلك التي تنص عليها القواعد العامة. كانت المادة الأولى من القانون رقم 464 لعام 1949 تقرر مبدأ التمديد القانوني لعقد إيجار العقارات، وبالتالي أخرجته من نطاق مبدأ سلطان الإرادة و قاعدة العقد شريعة المتعاقدين. ومن ثم مُددت أحكام هذه المادة إلى أن صدر المرسوم التشريعي رقم 111 لعام 1952 المتعلق بإيجار العقارات الذي لم يتعرض صراحة إلى مسألة التمديد القانوني لعقد الإيجار. إلا أنه نص في المادة 5 منه على تحديد الحالات التي يمكن فيها الحكم بالإخلاء على مستأجر عقار، ولم يذكر من بينها حالة انتهاء مدة الإيجار. واستناداً إلى ذلك قررت محكمة النقض السورية أن العقد يمدد حكماً لمدة غير محددة، ولا يتجدد لمثل مدة العقد الأصلية. وسارت المحاكم على هذا المبدأ إلى أن صدر قانون الإيجارات الجديد رقم 6 لعام 2001 الذي كرس هذا الاجتهاد القضائي في المادة 1، فقرة ب، فيما يخص العقارات المؤجرة في ظل أحكام المرسوم التشريعي رقم 111 لعام 1952 وتعديلاته وقبل تاريخ نفاذ القانون الجديد لعام 2001، أما العقود التي تبرم بعد نفاذ هذا القانون، أي بعد تاريخ 21/2/2001 فإن القانون ميز بين زمرتين من هذه العقود. زمرة أخضعها لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين، وهذا حكم جديد جاء به هذا القانون، وزمرة ثانية أبقاها القانون خاضعة لمبدأ التمديد القانوني. زد على ذلك أن المشرع أعطى الحق للمالك في العقارات المؤجرة للسكن طلب إنهاء العلاقة الإيجارية مقابل تعويض معين. ومن ثم بعد ذلك صدر القانون رقم /10/ بتاريخ 26/2/2006 وأخضع جميع عقود إيجار العقارات المبرمة بعد تاريخ نفاذه، الواقع في 9/3/2006 لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين ملغياً التمييز الذي أجراه القانون رقم /6/ لعام 2001.

وقد أجاز القانون فسخ عقد الإيجار والحكم بالإخلاء L’expulsion de l’immeuble فيما يخص العقارات الخاضعة للتمديد الحكمي في حالات ذكرت على وجه الحصر في المادة 8 منه، وهذه الحالات هي:

أولاً- الإخلاء لعلة التقصير بدفع الأجرة:

1- شروط الإخلاء لعلة التقصير بدفع الأجرة:

يشترط من أجل الحكم بالإخلاء على المستأجر لعلة التقصير بدفع الأجرة استناداً إلى المادة 8، فقرة أ، من قانون الإيجار الجديد توافر الشروط الآتية:

أ- وجود عقد إيجار منعقد وفقاً لأحكام القانون: وهذا شرط عام في كل الحالات التي يمكن أن يحكم فيها بالإخلاء وفقاً لأحكام المادة 8 من قانون الإيجار الجديد.

ويشترط أن يكون العقد خاضعاً للتمديد الحكمي، ويكون عقد الإيجار خاضعاً للتمديد الحكمي إذا كان وارداً على عقار مؤجر للسكن في ظل المرسوم التشريعي رقم 111 لعام 1952 وتعديلاته، أو كان وارداً على عقار مؤجر لأعمال تجارية أو صناعية أو حرفية أو مهنة حرة أو علمية منظمة قانوناً بموجب عقد إيجار مبرم قبل نفاذ القانون رقم /10/، تاريخ 26/2/2006.

ب- مطالبة المستأجر بدفع الأجرة أصولاً: يمكن مطالبة المستأجر بدفع الأجرة ببطاقة مكشوفة أو بإنذار بوساطة الكاتب بالعدل.

(1)- مرسل البطاقة البريدية: يمكن أن يكون مرسل البطاقة البريدية هو المؤجر ذاته؛ كما يمكن أن يكون غير المؤجر، مثل المالك الذي انتقلت إليه ملكية العقار المأجور بموجب قيود السجل العقاري أو القيود المماثلة في قوتها لقيود السجل العقاري، بعد انعقاد عقد الإيجار. فالمالك الجديد لا يعد مؤجراً، وإنما يعد خلفاً خاصاً للمؤجر.

ولا يشترط في المؤجر أن يكون مالكاً للعقار، وإنما يحق للمؤجر ممارسة جميع الحقوق الإيجارية حتى لو لم يكن مالكاً للعقار المأجور في السجل العقاري.

وإذا توفي المؤجر فإن الحق في إرسال البطاقة البريدية أو الإعذار بوساطة الكاتب بالعدل ينتقل إلى ورثته الشرعيين مجتمعين أو إلى من يملك منهم حق إدارة المأجور، أو إلى من يتولى منهم حق الإدارة من دون اعتراض من باقي الورثة. ويجب في مثل هذه الحال على مرسل البطاقة من الورثة أن يبين فيها حصص كل من الورثة في ملكية العقار المأجور في الأجرة تحت طائلة بطلان البطاقة، وعدم ذكر مقدار حصة كل وارث يجعل المطالبة باطلة.

وبالمقابل فإن الاجتهاد القضائي متناقض في حالة كون العقار المأجور مملوكاً على الشيوع؛ حيث ذهبت محكمة النقض في بعض القرارات الصادرة عنها قبل صدور قانون الإيجار الجديد إلى أن الإنذار الموجه من قبل المالكين على الشيوع بموجب بطاقة مشتركة من دون بيان حصة كل منهم إنما ينصرف إلى أنهم مالكون بالتساوي، وبالتالي فإن إرسال الأجرة إلى أي من الشركاء يبرئ ذمة المستأجر ما دام أنهم وجهوا إليه بطاقة مشتركة، وبالتالي فإن عدم بيان حصص المالكين على الشيوع في البطاقة البريدية لا يؤثر في صحتها وإنما تبقى البطاقة منتجة لأثرها.

أما إذا كان المؤجر غير مالك فهو غير ملزم ببيان حصص المالكين في الإنذار الذي يوجهه إلى المستأجر بوجوب دفع الأجرة. وكذلك يحق لمالك العقار المأجور سواء كان مؤجراً أم غير مؤجر أن يطالب المستأجر بدفع الأجرة، وإقامة دعوى الإخلاء لعلة التقصير بدفع الأجرة. والمقصود بالمالك في اجتهاد محكمة النقض الشخص الذي سجلت ملكية العقار على اسمه في قيود السجل العقاري أو في قيود أخرى تماثل في قوتها قيود السجل العقاري ومعترف بها قانوناً، كقيود مؤسسة الإسكان العسكرية وقيود الجمعيات التعاونية السكنية.

(2)- المرسل إليه: يتبين من نص المادة 8/أ/1 من قانون الإيجار الجديد لعام 2001 أن المطالبة البريدية تعد قانونية إذا جرت بموجب بطاقة بريدية مكشوفة تبلغ إلى المخاطب ذاته، وهو المستأجر الأصلي في عقد الإيجار من حيث المبدأ. وفي حال عدم وجوده في العقار المأجور تبلغ البطاقة إلى أحد أقاربه المقيمين معه في أماكن السكن، أو إلى أحد شركائه أو العاملين لديه في الأماكن المأجورة لغير السكن شريطة أن يكون المبلَّغ قد أتم الثامنة عشرة من عمره، وبالتالي فإنه لا يجوز تبليغ الزوجة التي لم تتم الثامنة عشرة من عمرها. وإذا لم يجد الموظف المختص المستأجر في العقار المأجور فعليه أن يبلغ أحد أقاربه المقيمين معه في العقار المأجور، وعليه أن يذكر ذلك صراحة في إشعار وصول البطاقة البريدية تحت طائلة البطلان. وبالتالي عليه أن يذكر سبب تبليغ القريب وسنه، وأنه مقيم مع المخاطب ذاته في العقار المأجور، وأن المخاطب بذاته غير موجود.

ويمكن لمحكمة الموضوع أن تثير من تلقاء ذاتها مسألة صحة تبليغ إشعارات الاستلام؛ وذلك لأن القواعد المتعلقة بصحة تبليغ البطاقة البريدية هي من النظام العام، وبالتالي يمكن إثارة مسألة عدم صحة تبليغ إشعارات الاستلام في أي مرحلة من مراحل التقاضي، حتى لو كان ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض، لا بل يجب على المحكمة أن تثيرها من تلقاء ذاتها.

ويترتب عليه أن المطالبة بالأجور بموجب بطاقة بريدية مكشوفة لا تعد قانونية إلا إذا تم تبليغ البطاقة تبليغاً صحيحاً، وإلا كانت باطلة غير منتجة لآثارها، حتى لو أجاب المستأجر على هذه البطاقة.

ويجب على الموظف المختص أن يبين اسم المتبلغ للإنذار بالمطالبة بالأجور تحت طائلة البطلان، وإذا رفض المستأجر المخاطب بذاته التبليغ وامتنع عن توقيع إشعار التسليم فلا يؤثر ذلك في صحة التبليغ. ويجب في مثل هذه الحال على الموظف المختص أن يشير إلى وجود المخاطب ذاته في العقار المأجور ورفضه التبليغ وامتناعه عن توقيع إشعار التسليم، وعندئذٍ يعد التبليغ صحيحاً، ولا يجب على الموظف المختص في مثل هذه الحال تسليم الورقة إلى مختار المحلة وإلصاق بيان عن ذلك على باب موطن المطلوب تبليغه، كما أن عدم معرفة المبلَّغ القراءة والكتابة لا يعد من أسباب بطلان التبليغ.

أما إذا لم يكن المستأجر المخاطب بذاته موجوداً، وامتنع أحد أقاربه المقيمين معه في أماكن السكن عن التبليغ فإن على الموظف المختص أن يلصق البطاقة على باب محل إقامة المستأجر المعين فيها، ويذكر هذا في إشعار التسليم، ويشهد على ذلك شاهدان أو مختار المحلة أو أحد أفراد الشرطة أثناء أدائه وظيفته. والعبرة في إثبات التبليغ وكيفية وقوعه هي لبيانات الموظف المختص على إشعار التسليم.

أما إذا كان المأجور محلاً وتم إغلاقه من قبل السلطة وختمه بالشمع الأحمر -مما يحول دون استعماله من قبل المخاطب بالتبليغ، ويجعل من تحقق علمه بمضمون التبليغ مستحيلاً- فإن ذلك يجعل البطاقة باطلة وغير منتجة لأثرها.

وإذا تعدد المستأجرون فيجب على مرسل البطاقة إرسال بطاقة المطالبة بالأجور إليهم جميعاً، ويجب عليه إقامة دعوى الإخلاء لعلة التقصير عن دفع الأجرة ضد المستأجرين جميعاً. ويترتب عليه أنه إذا اكتفى مرسل البطاقة بإرسالها إلى أحد المستأجرين دون البقية، وامتنع هذا المستأجر عن دفع الأجرة، فلا يعد الامتناع سبباً للإخلاء.

وفي حال وفاة المستأجر الأصلي فإن العلاقة الإيجارية تنتقل إلى الورثة الذين كانوا يقيمون معه قبل وفاته. وفي هذه الحال يجب على مرسل البطاقة أن يوجهها إلى كل واحد من الورثة لمطالبته بدفع الأجرة، وفي حال الامتناع يحق له إقامة دعوى الإخلاء لعلة التقصير عن الدفع على جميع الورثة بصفتهم الشخصية؛ لأنهم يصبحون هم المستأجرين بعد وفاة مورثهم المستأجر الأصلي.

ويستفاد من المادة 8/أ/1 من قانون الإيجار الجديد أنه يجب تبليغ المستأجر البطاقة البريدية بالمطالبة بالأجور في مكان وجود العقار المأجور الذي يعد محل إقامة المستأجر مادام عقد الإيجار لم يعين مكاناً آخر موطناً مختاراً للمستأجر. أما بعد إقامة دعوى الإخلاء لعلة التقصير بالدفع، فإن تبليغ المستأجر مذكرات الدعوة والإخطار لا يتم وفقاً لأحكام هذه المادة، وإنما يتم وفقاً لأحكام الفصل الرابع من قانون أصول المحاكمات المدنية لعام 1953 وتعديلاته. وبالتالي فإن توجيه المرسل البطاقة البريدية إلى مكان المأجور يعد صحيحاً حتى لو كان يعلم بعدم إقامة المستأجر فيه؛ لأن المأجور يعد مكاناً صالحاً لتبليغ البطاقة البريدية للمستأجر.

ولم يشترط قانون الإيجار الجديد أن تتضمن البطاقة البريدية رقم العقار المأجور ورقم المحضر والمنطقة العقارية المتعلقة. وبالتالي فإذا لم تتضمن البطاقة البريدية هذه البيانات المتعلقة بالعقار المأجور فإنها لا تعد باطلة، شريطة أن تتضمن وصف العقار بنحو ينفي الجهالة.

ولم يشترط صراحة ذكر التاريخ في البطاقة، ولكن محكمة النقض قررت أنه إذا كانت البطاقة البريدية مجهولة التاريخ وكانت الدعوى خالية من إشعار إيداع البطاقة فإنه لا يمكن الحكم بالإخلاء قبل التأكد من تاريخ البطاقة، وبالتالي فإن عدم ذكر تاريخ البطاقة يؤثر في صحتها لجهة المطالبة، فتعد غير منتجة في الإخلاء.

كما لم تشترط المادة 8/أ/1 من قانون الإيجار الجديد لعام 2001 ذكر اسم الموظف المختص الذي قام بتبليغ البطاقة البريدية، وبالتالي فإن هذا البيان لا يعد من البيانات الجوهرية التي يجب أن يتضمنها محضر التبليغ أو إشعار التسليم، وبالتالي فإن عدم ذكر اسم الموظف المختص يجب ألا يؤثر في صحة التبليغ بما أنه يوقع على إشعار التسليم أو محضر التبليغ.

وإذا كان المستأجر المخاطب بموجب البطاقة البريدية شخصاً اعتبارياً فقد نصت المادة 8/أ/1 من قانون الإيجار الجديد على أنه يتم تبليغه وفقاً لأحكام التبليغ في قانون أصول المحاكمات المدنية. ويترتب على ذلك أنه لا يجوز إجراء أي تبليغ قبل الساعة السابعة صباحاً ولا بعد السادسة مساءً ولا في أيام العطل الرسمية، وبالتالي يتم تبليغ بطاقة المطالبة بالأجرة إلى الشخص الاعتباري عندما يكون مستأجراً لعقار ما وفق أحكام المادة 25 أصول مدنية، وليس وفق أحكام المادة 8/أ/1 من قانون الإيجار الجديد المتعلقة بتبليغ الشخص الطبيعي.

جـ- أن تكون الأجرة منتجة في الإخلاء: تقدم بيان أن الأجرة تعد - إضافة إلى الانتفاع بالعين المؤجرة- ركن المحل في عقد الإيجار، كما أنها تعد من أهم الالتزامات التي يرتبها العقد على عاتق المستأجر، وأنه يجب عليه أن يقوم بالوفاء بها في المواعيد المتفق عليها في العقد. وإذا أخل المستأجر بدفع الأجرة فقد أعطت المادة 8/أ/1 من قانون الإيجار الجديد الحق للمؤجر في طلب إخلاء المستأجر لعلة التقصير في دفع الأجرة. والأجرة المنتجة في الإخلاء هي الأجرة التي تخلف المستأجر عن دفعها عن مدة تقع ضمن السنة الإيجارية الجارية، أما الأجور المتراكمة عن سنين الإيجار السابقة فلا تعد منتجة في الإخلاء، وبالتالي فإن عدم دفعها لا يستوجب الإخلاء، وإنما تعد ديناً عادياً، يطالب بها المؤجر وفقاً لأحكام القانون. إذاً حتى تكون البطاقة البريدية صحيحة يجب أن يذكر فيها - تحت طائلة البطلان - بدء المدة المطالب ببدل أجورها ونهايتها، وأن تتضمن المعلومات النافية للجهالة من ذكر بدء السنة الإيجارية أو بيان الأجور المتعلقة بالسنة الإيجارية الحالية. وينص عقد الإيجار عادة على بدء السنة الإيجارية، أما إذا سكت العقد عن ذلك فبدء السنة الإيجارية يكون بداية السنة الميلادية، أي من 1/1/2009 مثلاً.

والمعمول عليه في تحديد السنة الإيجارية هو تاريخ المطالبة وليس تاريخ إقامة الدعوى. وعلى فرض أن السنة الإيجارية تبدأ في 1/1/2008، وبالتالي تنتهي في 31/12/2008، فإذا أرسل المؤجر بطاقة بريدية مكشوفة إلى المستأجر بتاريخ 1/3/2009 يطالبه فيها بدفع الأجور عن المدة ما بين 1/10/2008 حتى 31/12/2008، ولأن المطالبة لم تتم في عام 2008 وإنما تمت في عام 2009 وهي سنة إيجارية جديدة (1/1/2009 حتى 31/12/2009) فإن الأجور المترتبة عن المدة الواقعة ما بين 1/10/2008 و31/12/2008 تعد ديناً عادياً، وبالتالي فالمطالبة بها غير منتجة في الإخلاء. أما إذا كانت المطالبة قد تمت في عام 2008 فتعد تلك الأجور منتجة، وبالتالي إذا قصر المستأجر عن دفعها فيؤدي ذلك إلى الحكم عليه بالإخلاء لعلة التقصير عن دفع الأجور.

والأصل أن الأجرة تستحق بعد استيفاء المنفعة ما لم يكن عقد الإيجار ينص على دفع الأجرة سلفاً. وبالتالي إذا كانت الأجرة تستحق في نهاية السنة الإيجارية عندئذٍ يجب توجيه البطاقة البريدية في اليوم الأخير من السنة الإيجارية. وتوجيه البطاقة قبل ذلك التاريخ يجعلها غير منتجة بالإخلاء وذلك نتيجة عدم استحقاق الأجرة بتاريخ المطالبة.

د- امتناع المستأجر عن دفع الأجرة: وإذا طالب مرسل البطاقة المستأجر بأكثر من بدل الإيجار المترتب في ذمته فلا يؤثر ذلك في صحة البطاقة، وبالتالي يجب على المستأجر أن يدفع ما يعتقد أنه مترتب بذمته خلال ثلاثين يوماً من اليوم التالي لتبليغه بطاقة المطالبة، وإلا فإنه يعد مقصراً عن الدفع، وبالتالي يؤدي ذلك إلى الحكم عليه بالإخلاء لعلة التقصير عن دفع الأجرة.

وتجدر الإشارة إلى أن إرسال المستأجر الأجور قبل المطالبة بها يبرئ ذمته منها، وإذا رفض المؤجر قبض الحوالة وأعادها إلى المستأجر فإنه يتحمل تبعة ذلك.

2- أثر التقصير عن الدفع:

إذا طالب المؤجر أو المالك المستأجر بدفع الأجرة المستحقة والمسبقة بموجب بطاقة بريدية أو إنذار عدلي وكانت المطالبة صحيحة وفقاً لما تقدم بيانه ثم دفع المستأجر ما يطالب به من أجرة خلال ثلاثين يوماً من اليوم التالي لتبليغه المطالبة بالدفع فإن الأمر ينتهي عند هذا الحد.

أما إذا امتنع المستأجر عن الدفع خلال ذلك الميعاد فإنه يعد - في نظر القانون - مقصراً عن الدفع، وبالتالي يطبق عليه حكم المادة 8، فقرة أ/1 وهو الحكم عليه بالإخلاء من العقار المأجور. وهذا الحكم يكون نتيجة دعوى يرفعها المؤجر أو المالك أمام محكمة الصلح المدنية التابع لها موطن المدعى عليه (أي المستأجر)، وتسمى دعوى الإخلاء لعلة التقصير بدفع الأجرة. ولا يمكن الحكم بالإخلاء لعلة التقصير في دفع الأجرة إلا إذا سبقته مطالبة علم بها المستأجر، ثم وضع نفسه موضع التقصير في دفع الأجور المستحقة الموجبة للإخلاء.

3- حق المدعى عليه في دعوى الإخلاء لعلة التقصير بالدفع في تفادي الحكم:

تنص المادة 8/أ/2 على أنه: «يحق للمستأجر ولمرة واحدة فقط أن يتفادى الحكم بالإخلاء إذا قام خلال ثلاثين يوماً من تبلغه إقامة الدعوى بأداء الأجرة وفوائدها بواقع 5% من تاريخ الاستحقاق حتى تاريخ السداد، وعلى المحكمة أن تحكم على المستأجر بالنفقات والرسوم». ولكن إذا كانت الأجرة غير مستحقة بتاريخ المطالبة فلا توجب الإخلاء، وبالتالي لا يخضع المستأجر لأحكام تفادي الإخلاء لعلة التقصير بدفع الأجرة.

ثانياً- الإخلاء لعلة الإساءة في استعمال المأجور:

1- شروط الحكم بالإخلاء لعلة الإساءة في استعمال المأجور: 

لدى الرجوع إلى نص المادة 8/ب من قانون الإيجار الجديد لعام 2001 يتبين أنها تقضي بتوافر شروط عدة من أجل الحكم بالإخلاء، وهذه الشروط هي:

أ- وجود عقد إيجار منعقد وفقاً لأحكام القانون: ويشترط أن يكون هذا العقد خاضعاً للتمديد الحكمي وفقاً لأحكام المادة 1/ب من القانون نفسه. وقد تقدم بيان هذا الشرط في حالة الإخلاء لعلة التقصير بدفع الأجرة.

ب- إساءة المستأجر استعمال المأجور: وتكون الإساءة إما بإحداث تخريب في المأجور، وإما باستعماله أو السماح باستعماله بطريقة تتنافى مع شروط العقد.

(1)- إحداث تخريب في العقار المأجور: يلتزم المستأجر بموجب المادة 548 من القانون المدني السوري ألا يحدث بالعين المؤجرة تغييراً من دون إذن المؤجر إلا إذا كان هذا التغيير لا ينشأ عنه ضرر للمؤجر. ويترتب عليه أنه يحق للمستأجر إجراء أي تغيير بالعين المؤجرة شريطة ألا ينشئ ضرراً للمؤجر. أما إذا كان ينشأ عن التغيير ضرر فإنه لا يحق للمستأجر ذلك إلا بإذن من المؤجر، فإذا أجرى المستأجر تغييراً بالعين المؤجرة من دون إذن المؤجر، ونشأ عنه ضرر للمؤجر فإن هذا التغيير يعد تخريباً من شأنه أن يؤدي إلى الحكم على المستأجر بالإخلاء. ويمكن أن يكون الإذن بإجراء تغييرات في البناء صريحاً، كما يمكن أن يكون ضمنياً تبعاً لنوع استعمال المأجور.

وتمسك المؤجر بمنع المستأجر من إجراء أي تغيير وفقاً لشروط العقد وعلى الرغم من ثبوت انتفاء الضرر يجعله متعسفاً في استعمال حقه طبقاً لنص المادة 6 من القانون المدني السوري. واشترطت المادة 8/ب أن يكون إحداث تخريب في العقار المأجور غير ناشئ عن الاستعمال العادي له. إلا أنها لم تبين المقصود بـ (التخريب).

استناداً إلى ذلك كانت محكمة النقض تعد- في بادئ الأمر- أي تكسير أو تخريب في المأجور، ككسر أخشاب الأبواب وجرن الحمام والبلاط إساءة في استعمال المأجور غير ناشئ عن الاستعمال العادي، وبالتالي يوجب الإخلاء؛ لأن كلمة التخريبات وردت مطلقة، وبالتالي لا مجال لتقييدها بنوع من التخريبات دون غيرها. ولا تعد إزالة الجدار في المأجور وفقاً لاجتهاد محكمة النقض إساءة لاستعماله إلا بعد إجراء خبرة فنية للتحقق من أن هذه الإزالة تعد إساءة.

ثم بعد ذلك توسعت محكمة النقض في مفهوم (التخريبات)، فقررت أن فتح باب بين مخزنين عائدين لمالكين مختلفين لا يعد سبباً موجباً للإخلاء ما لم يتحقق القاضي عن طريق الخبرة من وجود الضرر للمؤجر طالب التخلية. وكذلك قررت أن إزالة المستأجر جداراً فاصلاً في المأجور من دون أن يكون حاملاً أي ثقل من السقف لا يعد ضرراً بالمأجور موجباً الإخلاء.

ولا يعني وجود اختلاف بين أوصاف المأجور الحالية وأوصافه في قيد التمليك قيام مسؤولية المستأجر عن التغيير، وإنما يجب التحقق من أوصاف المأجور الفعلية وقت تأجيره.

وفي جميع الأحوال فإن التخريبات التي يحدثها المستأجر في العقار المأجور والتي توجب التخلية هي التخريبات الناشئة عن الاستعمال غير العادي.

وإضافة إلى ذلك يجب أن تلحق هذه التخريبات ضرراً بالمأجور، ولابد من ثبوت هذا الضرر عن طريق الخبرة لا التقدير الذاتي في دعوى الإخلاء لعلة الإساءة. وبالتالي لا يجوز للقاضي أن يعتمد في تقدير الضرر الموجب للتخلية على تقديره الشخصي، كما لا يمكن لمحكمة الموضوع استنباط الضرر من قرينة تخلف المستأجر المدعى عليه عن الحضور، وإنما يجب عليها أن تكلف المؤجر إثبات الضرر.

وإذا كانت التغييرات التي قام بها المستأجر ضرورية وحسنت العقار والانتفاع منه فإنها لا تعد تخريباً وبالتالي لا توجب التخلية. ولا يثبت الضرر بمجرد قيام البلدية بهدم الإنشاءات؛ لأن البلدية تهدم المخالفات للأنظمة العمرانية سواء أكانت ضارة أم نافعة. ومن ثم عدّ الاجتهاد القضائي التخريب كل ما يتناول الأجزاء الأساسية للبناء ويوهن البناء ويلحق ضرراً به. فإذا كانت الإحداثات التي قام بها المستأجر لا توهن المأجور، وإنما ما قام به من تعديلات كانت لمستلزمات أغراضه فلا تعد مثل تلك الإحداثات والتعديلات تخريباً يوجب التخلية. وإذا كانت الإحداثات التي قام بها المستأجر ذات طبيعة مؤقتة، ولا تسبب وهناً أو ضرراً للمأجور يلحق ببنيته الإنشائية فإنها لا تعد تخريباً يوجب التخلية. وذهبت محكمة استئناف دمشق إلى أن إشادة بناء في الوجيبة من القرميد والحديد والبلور يعد من الاستعمال غير العادي، ويخالف أنظمة البناء، إضافة إلى أنها تشوه المأجور من الناحية الجمالية وتحجب عنه النور والكهرباء، إلا أن هذه الإضافة لا توهن المأجور ولا تؤثر في سلامته ومتانته وجملة هيكله الإنشائي، ويمكن إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل إشادة الإحداثات من دون الإضرار بالعقار المأجور، وبالتالي إذا كان الأمر ينتهي إلى إمكان إعادة الحال إلى ما كانت عليه من دون أن يلحق ذلك ضرراً بالمأجور فإن عنصر الإساءة بالمفهوم الذي قصده المشرع يكون غير متوافر.

وأكدت محكمة النقض في ظل القانون الجديد ما استقر عليه الاجتهاد القضائي في ظل القانون القديم من أن الإساءة في استعمال المأجور التي لم ينشأ عنها إرهاق أو وهن للبناء لا تعد سبباً من أسباب إخلاء المأجور.

ونتيجة ذلك قررت هذه المحكمة أن الفصل بين محلين بفاصل خشبي لا يعدّ إرهاقاً أو ضرراً للمأجور.

وتقدير ما إذا كانت الإحداثات التي قام بها المستأجر تعد تخريباً يوجب التخلية أو لا تعد تخريباً هي مسألة واقع تخضع للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع، وحكمها بذلك لا يخضع لرقابة محكمة النقض إذا كان معللاً تعليلاً سائغاً.

(2)- استعمال المأجور أو السماح باستعماله بطريقة تتنافى مع شروط العقد:

يلتزم المستأجر بموجب عقد الإيجار استعمال المأجور وفقاً لما نص عليه العقد. فإذا لم يبين العقد طريقة استعمال المأجور فيجب على المستأجر أن يستعمله بحسب ما أعدَّ له. فإذا استعمل المستأجر المأجور بطريقة تتنافى مع شروط العقد أو مع الغرض الذي أعد له فإن هذا الاستعمال يعد إساءة توجب التخلية وفقاً لأحكام المادة 8/ب. ولا يعد المستأجر قد أساء استعمال المأجور أو خالف شروط العقد إلا إذا توافر في العمل الذي قام به عنصر الضرر.

ويبدو أن محكمة النقض قد تراجعت عن هذا الاجتهاد بموجب قرار لاحق، إذ جاء فيه أنه إذا غيّر المستأجر من استعمال المأجور من سكن إلى معمل حلويات فإنه يكون بذلك قد أساء في استعمال المأجور، وهذا الأمر يعد طغياناً على عقد الإيجار، وبالتالي لا وجه لإثبات الضرر حتى يتحقق الإخلاء لأن تغيير وجه استعمال المأجور خلافاً لما نص عليه العقد يعد إساءة استعمال توجب الإخلاء. ولا يعد إسكان الأقارب إساءة في استعمال المأجور وذلك لأنه شيء مألوف، ولا يجوز عدّه مخالفة لشروط العقد إلا إذا نشأ عنه ضرر للمؤجر.

ويعد إساءةً في استعمال المأجور تغييرُ استعماله من السكن كلياً للخياطة مثلاً. ولا يعد تغيير استعمال المأجور من مهنة إلى مهنة أخرى إساءة للاستعمال إلا إذا زاد ذلك التغيير في أعباء المأجور أو أساء إلى سمعته. وإذا غير المستأجر استعمال المأجور من مهنة مشترط عليها في العقد إلى مهنة أخرى غير منصوص عليها في العقد، وقبض المؤجر منه أجرة عقاره المأجور والمستعمل في هذه المهنة الجديدة فلا يعد ذلك إساءة لاستعمال المأجور؛ لأن التغيير تمًّ بناءً على موافقة ضمنية من المؤجر.

ولكن يبدو أن محكمة النقض قد رجعت عن هذا الاجتهاد في قرار لاحق، إذ إنها قررت أن موافقة المؤجر على استعمال العقار المأجور لغير الغاية التي نص عليها عقد الإيجار يجب أن تكون خطية، ولا يكفي مجرد علمه بالتغيير. وسكوته عنه مدة من الزمن لا يحجب عنه حقه في المطالبة بالإخلاء لعلة الإساءة في استعماله.

وهذا الرجوع غير صحيح ومخالف للقانون؛ لأن المشرع لم يتطلب أن تكون موافقة المؤجر خطية فيما يخص التغييرات التي يستطيع المستأجر إحداثها في المأجور بموجب المادة 548 من القانون المدني السوري. وجاء نص هذه المادة مطلقاً، وبالتالي لا يجوز تقييده بموجب اجتهاد قضائي، وإنما يجب تقييده بموجب نص يوازيه في القوة القانونية.

2- أثر الإساءة في استعمال المأجور:

إذا اجتمعت شروط الإساءة في استعمال المأجور فإن ذلك يؤدي إلى الحكم على المستأجر بالإخلاء لعلة الإساءة في استعمال المأجور وفقاً لأحكام المادة 8/ب من قانون الإيجار الجديد لعام 2001.

ثالثاً- الإخلاء لعلة التأجير للغير أو التنازل عن المأجور:

الأصل أنه يحق للمستأجر - بموجب المادة 560 من القانون المدني السوري - التنازل عن الإيجار، أو عقد إيجار ثانوي مع الغير ما لم ينص العقد على خلاف ذلك.

والمشرع خرج عن هذا الأصل في قانون الإيجار الجديد لعام 2001 وتعديلاته فيما يخص عقود الإيجار التي ترد على العقارات الخاضعة للتمديد الحكمي والمحدد في المادة 1/ب منه، وعكس القاعدة فجعل المنع هو الأصل، وفقاً لما نصت عليه المادة 8/ج منه.

أما عقود إيجار العقارات التي تخضع لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين، والمحددة في المادة 1/أ من القانون الجديد فإنها تبقى خاضعة للقواعد العامة المنصوص عليها في القانون المدني، وبالتالي يكون الأصل فيها أنه يحق للمستأجر أن يتنازل عن الإيجار كلاً أو بعضاً، كما يحق له عقد إيجار ثانوي. وبالتالي فإن حكم المادة 8/ج  من قانون الإيجار الجديد لعام 2001 لا يشمل عقود الإيجار التي تخضع لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين.

1- شروط الحكم بالإخلاء لعلة تأجير المأجور والتنازل عنه:

تستوجب المادة 8/ ج من قانون الإيجار لعام 2001 وتعديلاته توافر عدة شروط من أجل الحكم بالإخلاء لعلة تأجير المأجور والتنازل عنه، وهذه الشروط هي:

أ- وجود عقد إيجار بين المستأجر الأصلي والمؤجر منعقد وفقاً لأحكام القانون: وهذا الشرط مشترك بين جميع حالات الإخلاء التي نصت عليها المادة 8 من قانون الإيجار.

ب- تأجير المستأجر المأجور أو التنازل عنه كلاً أو بعضاً إلى الغير: يختلف تأجير المأجور - وهو عقد إيجار ثانوي - عن التنازل عنه؛ فالتنازل عن حق الإيجار للغير يتضمن تنازل المستأجر عن حقوقه والتزاماته الناشئة عن عقد الإيجار الأصلي إلى المتنازل له، ويكون هذا التنازل بعوض أو من دون عوض، وتطبق على التنازل أحكام حوالة الحق وحوالة الدين. أما تأجير المستأجر المأجور للغير، ويسمى بـ(التأجير الثانوي)، فهو ينشئ علاقة إيجارية جديدة بين المستأجر الأصلي والمستأجر الثانوي، وتخضع هذه العلاقة هنا لأحكام قانون إيجار العقارات الجديد لعام 2001.

ويعد تنازلاً عن الإيجار للغير خروج المستأجر من المأجور وإسكانه الغير فيه بدلاً منه، سواء كان هذا الغير قريباً له أم لا تربطه به أي علاقة قرابة. أما إذا أشرك المستأجر شخصاً آخر معه في سكن المأجور فلا يعد ذلك تأجيراً للغير إلا إذا كان مقابل أجرة يستوفيها من الغير بوصفها بدلاً لسكناه. أما إذا كان من دون مقابل فلا يعد تأجيراً للغير حتى لو امتدت مدته.

ويترتب عليه أنه يحق لابن المستأجر أن يسكن بالتبعية لوالده، أما إذا خرج والده وبقي هو في المأجور فإن ذلك يعد تنازلاً عن الإيجار يوجب التخلية. وإذا ثبت للمحكمة أن المستأجر أسكن أقرباءه بعد خروجه من المأجور فإن ذلك يعد قرينة على استغنائه عن المأجور، وبالتالي يعد بمنزلة تأجير للغير يوجب التخلية. أما إذا كان الأقرباء معه عند بدء الإشغال، ومن ثم تركهم المستأجر فلا يعد بقاؤهم في المأجور تأجيراً ثانوياً وبالتالي لا يوجب التخلية.

ويعد المستأجر في مثل هذه الحال نائباً عن كل أفراد أسرته الذين دخلوا معه المأجور منذ بدء الإيجار، ويعد كل منهم مستأجراً أصلياً مثله، ولا يعد اشتراكهم معه في دفع الأجرة والنفقات إيجاراً للغير، ولا بقاؤهم في المأجور بعد ترك المستأجر المتعاقد سبباً للتخلية. ويعد المستأجر نائباً ليس فقط عن أفراد عائلته، وإنما أيضاً عمّن يرى بأنه يتكفل بسكنهم من دون إلزام عليه ومن دون أن يكونوا من ورثته، وبالتالي يعد هؤلاء مستأجرين أصليين مثله تماماً، ولا تتقيد إقامتهم في العين المؤجرة ببقاء المستأجر معهم فيها؛ لأن هذا الحق ثابت لهم عن طريق تلك النيابة القانونية بصفتهم مقيمين مع المستأجر عند انعقاد عقد الإيجار.

أما إذا سكن الأقارب مع المستأجر بعد تاريخ انعقاد العقد من دون أن يكون مؤجراً لهم، ومن دون أن يتقاضى منهم أجرة، فلا يعد ذلك تأجيراً للغير ما دام المستأجر الأصلي مقيماً معهم. أما إذا ترك المستأجر الأصلي المأجور فيصبح بقاء هؤلاء الأقارب الذين دخلوا المأجور بعد انعقاد عقد الإيجار في المأجور من دون مسوغ قانوني، وبالتالي تأخذ هذه الحالة حكم تأجير الغير من دون إذن خطي من المؤجر وتستوجب الإخلاء. وتقوم التخلية في مثل هذه الحال على أساس عدم حاجة المستأجر إلى المأجور، وقيامه بتأجير الغير فيه إثراء على حساب المؤجر، ولكن هذا الإثراء ينتفي إذا كان إسكان الغير على سبيل الضيافة، حتى لو كان ذلك مقابل استضافة المستأجر الثانوي للمستأجر الأصلي مدة مقابلة في قريته.

جـ- تأجير المستأجر المأجور أو التنازل عنه من دون إذن خطي من المؤجر: لا يكفي للحكم على المستأجر بالإخلاء لعلة تأجير الغير أو التنازل عن المأجور للغير توافر علاقة إيجارية بين المستأجر الأصلي والمؤجر، وقيام المستأجر الأصلي بالتنازل عن المأجور للغير أو بإبرام عقد إيجار ثانوي، وإنما لابد أيضاً من أن يكون التنازل أو التأجير للغير من دون إذن خطي من المؤجر. أما إذا كان التأجير بإذن من المؤجر فلا يستوجب ذلك الإخلاء، شريطة أن يكون الإذن خطياً. وإذا كان الإذن الخطي مشروطاً فيجب على المستأجر أن يتقيد به تحت طائلة الحكم عليه بالإخلاء، ويترتب عليه أنه إذا أذن المؤجر للمستأجر بتأجير شخص معين فيمتنع عليه تأجير غيره تحت طائلة الحكم عليه بالإخلاء مع من أجره. وإذا أذن المؤجر للمستأجر بتأجير الغير، وتنازل المستأجر للغير عن كامل المأجور فيعد المستأجر متجاوزاً للإذن ويحكم عليه بالإخلاء. وإذا أذن المؤجر للمستأجر بتأجير الغير فإن هذا الإذن لا ينتقل إلى المستأجر الثانوي.

ولكن استثنى المشرع من الإذن الخطي العقار المنشأ به مصنع أو متجر أو صيدلية أو مهنة حرة أو علمية منظمة قانوناً أو حرفة وباعه المستأجر أو ورثته بكامله إلى الغير، ففي مثل هذه الحال عدّ المشرع المشتري خلفاً للمستأجر البائع أو ورثته فيما يتعلق بجميع شروط العقد، وبالمقابل فإنه أعطى الحق للمالك في طلب تخمين المأجور فوراً.

ومثال المهنة الحرة: مهنة الحلاقة، والرسم، والتصوير، أما مثال المهن العلمية المنظمة قانوناً فهي مهنة المحاماة، والطب بجميع اختصاصاته، والهندسة بجميع أنواعها، والمحاسب القانوني ويترتب عليه أنه إذا كان المأجور متجراً فإنه يجوز للمستأجر أن يبيعه من دون موافقة خطية من المؤجر شريطة أن يشمل البيع كامل عناصر المتجر المادية والمعنوية.

وإذا كان القانون قد أجاز للمستأجر أو لورثته التنازل عن المتجر بكامل عناصره للغير من دون موافقة المؤجر فإن هذا التنازل لا يسري على حق المؤجر إلا بعد تبليغه أصولاً؛ لأن علاقة المشتري بالبائع (المستأجر) هي بمنزلة حوالة حق، وهذه الحوالة لا تسري على حق المحال إليه (المؤجر) إلا إذا قبلها أو تبلغها. وينزل المستودع التجاري منزلة المتجر.

3- أثر تأجير الغير أو التنازل له:

وهو إخلاء المستأجر، ولكن لا يمكن الحكم على المستأجر بالإخلاء لعلة تأجير الغير أو التنازل له عن المأجور إلا إذا اجتمعت الشروط السابق ذكرها، وطالب المؤجر بذلك. ويسقط حق المؤجر في طلب الإخلاء بسبب التأجير الثانوي بالتقادم الطويل ومدته خمس عشرة سنة.

رابعاً- الإخلاء لعلة السكن:

1- شروط الإخلاء لعلة السكن:

يتبين من نص المادة 8/هـ من قانون الإيجار لعام 2001 وتعديلاته أنه لابد من توافر شروط عدة من أجل الحكم بالإخلاء وهذه الشروط هي:

أ- أن يكون عقد الإيجار بين المالك والمستأجر خاضعاً للتمديد الحكمي: وذلك وفقاً لأحكام الفقرة /ب/ من المادة الأولى من هذا القانون. وهذا ما أكدته محكمة النقض السورية عندما قررت أن المقصود بعبارة (قبل نفاذ هذا القانون) -الواردة في المادة 8/هـ/1 من قانون الإيجار لعام 2001- هو أن يكون العقار مؤجراً من قبل المالك قبل نفاذ أحكام القانون الجديد؛ وذلك لأن العقارات السكنية التي تؤجر للسكن بعد نفاذ هذا القانون تخضع لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين المنصوص عليها في المادة 1/أ من القانون نفسه. وبالتالي فإن هذه العبارة تعني أن الشروط المنصوص عليها في المادة 8/هـ/1 تتعلق بالعقارات المؤجرة قبل نفاذ أحكام هذا القانون، وذلك بدلالة ما ورد في البند الثاني من هذه الفقرة من أن انحصار الملكية لا يتوجب إلا خلال السنتين السابقتين لإقامة الدعوى.

ب- العقار المأجور: اشترطت الفقرة هـ من المادة 8 آنفة الذكر شروطاً عدة في العقار المأجور، وهي:

(1)- أن يكون العقار مؤجراً للسكن: أما إذا كان العقار مؤجراً بوصفه متجراً أو مصنعاً أو صيدليةً أو لممارسة حرفة أو مهنة علمية أو حرة فلا يحق لمالكه أن يطالب بإخلائه لعلة السكن، وهذا ما استقر عليه اجتهاد محكمة النقض بعد نفاذ القانون الجديد. والمعمول عليه في بيان ما إذا كان العقار معداً للسكن أو لا هو استعمال العقار وليس ما جاء في قيود السجل العقاري. فإذا كان العقار مسجلاً في قيود السجل العقاري على أساس أنه معد للسكن، وقام مالكه بتأجيره للغير من أجل استخدامه في التجارة أو الصناعة أو لممارسة مهنة علمية أو مهنة حرة فلا يحق له بعد ذلك أن يطالب بإخلائه لعلة السكن متحججاً بقيود السجل العقاري. وهذا ما قررته الهيئة العامة لمحكمة النقض.

وهذا ما استقر عليه أيضاً اجتهاد محكمة النقض في ظل نفاذ القانون الجديد، واستندت في حكمها إلى أن تخصيص المالك عقاره -المعد بحسب قيود السجل العقاري للسكن- لغير السكن وتأجيره على هذا الأساس بموجب عقد الإيجار يعد تنازلاً فعلياً عن رغبته في استعماله للسكن، وبالتالي ليس له أن يطالب بعدئذٍ، وبعد أن تعلق حق الغير في هذا التخصيص الذي اختاره بإخلاء المستأجر لعلة السكن.

وإذا كان العقار مؤجراً في قسم منه لسكن المستأجر وفي قسم آخر منه لغير السكن، كأن يستأجر صاحب مهنة علمية عقاراً لسكنه ولممارسة مهنته، فلا يجوز في مثل هذه الحال للمالك طلب إخلاء العقار المأجور لعلة السكن حتى لو اقتصر في طلبه على القسم المعد للسكن؛ لأنه لا يجوز في مثل هذه الحال تجزئة عقد الإيجار.

(2)- أن يكون العقار المأجور شقة واحدة: لم تبين المادة 8/هـ من قانون الإيجار المقصود من عبارة «شقة واحدة»، فهل يؤثر في ذلك حجم الشقة؟ وهل يشترط أن تكون مؤلفة من طابق واحد، أم هل يمكن أن تكون مؤلفة من أكثر من طابق؟ مما دفع بمحكمة النقض أن تبين المقصود بعبارة «شقة واحدة». فقد جاء في قرار صادر عن هذه المحكمة أنه إذا كان العقار المأجور مؤلفاً من دارين مستقلتين بحسب طبيعته ومشتملاته والمنافع المخصصة له عند إنشائه فإنه يعد مؤلفاً من عقارين، وبالتالي يمتنع على المالك طلب الإخلاء لعلة التوسع ولو أنه ورد في السجل العقاري أنه مؤلف من دار واحدة. والخبرة وحدها هي التي يمكن أن تكشف ما إذا كان العقار المأجور يؤلف عند إنشائه شقة مستقلة أو أنه كان في ذلك الوقت جزءاً لا يتجزأ من الشقة السكنية التي يقيم فيها المالك المؤجر. ويمكن إثبات حالة الشقة السكنية من حيث إنها تعد شقة واحدة مستقلة أو أكثر من شقة بجميع وسائل الإثبات، حيث يعد ذلك من الوقائع المادية.

جـ- صاحب الحق في طلب الإخلاء: اشترطت المادة 8/هـ من قانون الإيجار لعام 2001 شروطاً عدة لابد من توافرها في صاحب الحق في طلب الإخلاء، وهذه الشروط هي:

(1)- أن يكون المالك هو المؤجر للعقار المأجور: لم تكن المادة 5/هـ من المرسوم التشريعي رقم 111 لعام 1952 تشترط مثل هذا الشرط؛ لذلك كثيراً ما كان المالك المؤجر يلجأ إلى الاحتيال على القانون حينما لم تكن الشروط المطلوبة في هذه المادة متوافرة فيه، وذلك عن طريق التنازل عن ملكية العقار المأجور لزوجته أو لأحد أفراد أسرته ممن تتوافر فيه تلك الشروط من أجل المطالبة بإخلاء العقار لعلة السكن. وكانت محكمة النقض في ذلك الوقت تسمح للمستأجر إثبات التواطؤ الحاصل بين المالك المؤجر وبين المشتري من أجل عدم نفاذ ملكية طالب الإخلاء في حقه.

ومن أجل القضاء على هذا التحايل تدخل المشرع بموجب المرسوم التشريعي رقم 46 تاريخ 16/9/1980، وأضاف إلى المادة 5/هـ من المرسوم التشريعي رقم 111 لعام 1952 وتعديلاته البند الآتي: «3- أن يكون المالك هو الذي أجر العقار المطلوب تخليته، أو أن يكون عقد الإيجار قد أبرم خلال فترة تملك طالب التخلية. ويعتبر الورثة الذين هم بحكم المالك المستقل بمثابة المالك الذي أجر العقار المطلوب تخليته». ومن ثم بعد ذلك كرس المشرع هذا البند في الفقرة /هـ/ من المادة 8 من قانون الإيجار لعام 2001، ويترتب عليه أنه يجب أن يكون المالك هو الذي أجر العقار أو ناب عنه في التأجير فضولي أو نائب اتفاقي أو نائب قانوني. وبالتالي فإن اجتماع صفتي المؤجر والمالك معاً شرط أساسي في دعوى الإخلاء لعلة السكن، ويترتب عليه أن الشراء أو التخاصص الجاري بعد تاريخ انعقاد عقد الإيجار لا يعطي الحق للمالك الجديد في طلب التخلية لعلة السكن حتى لو توافرت فيه بقية الشروط المطلوبة قانوناً.

(2)- أن يكون مالكاً مستقلاً لكامل العقار: يشترط في طلب الإخلاء -إضافة إلى كون المالك هو الذي أجر العقار- أن يكون طالب الإخلاء هو المالك لكامل العقار السكني المؤجر بتاريخ بدء العلاقة الإيجارية. أما إذا كان في هذا التاريخ مالكاً لحق الرقبة فقط فإنه لا يعد مالكاً لكامل العقار المؤجر، وبالتالي لا يملك حق طلب الإخلاء، ويترتب عليه أنه من شروط الإخلاء لعلة السكن أن يكون المدعي مالكاً مستقلاً للشقة السكنية المؤجرة أو يكون مالكاً لكامل الانتفاع بالشقة. والسبب في ذلك هو أن حق الانتفاع يخول صاحبه أن يؤجر الشيء المنتفع به من أجل استثماره والحصول على أجرته، ومن ناحية أخرى فإن حق السكن يتفرع عن حق الاستعمال وبالتالي يمكن أن يمارسه صاحب حق الانتفاع. ولا يعد طالب الإخلاء مالكاً إلا إذا كان العقار مسجلاً باسمه في السجل العقاري، ويترتب عليه أنه لو اشترى شخص عقاراً ولم يسجله باسمه في السجل العقاري، ثم قام بعدئذٍ بتأجيره إلى مستأجر فلا يحق له أن يطالب بإخلاء المستأجر لعلة السكن، حتى لو كانت بقية شروط الإخلاء لعلة السكن متوافرة فيه؛ لأن تأجير المشتري في هذه الحالة للعقار المبيع قبل أن يسجل العقار باسمه يجعل عقد الإيجار صادراً من غير مالك. واستقر الاجتهاد القضائي على أن قيود الجمعيات التعاونية السكنية وسجلاتها، وكذلك قيود المؤسسة العامة للإسكان تعد قيوداً رسمية وتماثل في قوتها قوة قيود السجل العقاري، وبالتالي فإن المعول عليه في الملكية هو قيود السجل العقاري أو ما يماثلها من قيود كقيود مؤسسة الإسكان العسكرية أو الجمعيات السكنية.

ولكن يشترط أن تقترن قيود الجمعيات التعاونية السكنية بالتخصيص والتسليم الفعلي، ويترتب عليه أنه إذا قام المالك بموجب قيود الجمعية التعاونية السكنية بعد تسلم الشقة المخصصة له بتأجير هذه الشقة فإنه يحق له إذا توافرت فيه بقية الشروط المطلوبة قانوناً أن يطالب بإخلاء المستأجر منها لعلة السكن. وعد القانون الزوجين، والزوجين وأولادهما، والأصول والفروع، والإخوة والأخوات، وأولادهم ومن كان تحت ولاية أحد منهم أو وصايته، كما عد القانون الورثة بحكم المالك المستقل الذي أجر العقار المطلوب إخلاؤه، ويترتب عليه أنه لو توفي المالك فلا يحق للورثة طلب إخلاء العقار السكني لعلة السكن - حتى لو كانت بقية الشروط متوافرة فيهم- إلا بعد تسجيل العقار على اسمهم في السجل العقاري.

أما إذا كان طالب الإخلاء يملك أسهماً في العقار الذي يكون المأجور جزءاً غير مفرز منه فإنه لا يعد مالكاً على وجه الاستقلال، وبالتالي لا يحق له إقامة دعوى الإخلاء لعلة السكن.

(3)- أن لا يكون مالكاً لشقة ثانية: اشترطت المادة 8/هـ من قانون الإيجار الجديد ألا يكون طالب التخلية مالكاً لشقة ثانية قبل نفاذه من أجل سماع دعواه. فإذا كان طالب التخلية يملك شقة ثانية فترد دعواه، ولا فرق هنا في أن تكون الشقة الثانية مؤجرة هي أيضاً أو كان طالب التخلية يسكن فيها، ولا فرق أيضاً بين ما إذا كان طالب التخلية يهدف من خلال دعوى الإخلاء إلى سكن الشقة ابتداءً أو إلى التوسع في سكنه. وبالمقابل إذا كان طالب التخلية يملك شققاً أخرى ولكنها مؤجرة لغير السكن، فيحق له أن يطالب بإخلاء الشقة المؤجرة للسكن من أجل سكناه. وكذلك إذا كان طالب التخلية مالكاً لشقق أخرى بعد نفاذ القانون الجديد فإن ذلك لا يمنعه من طلب إخلاء الشقة التي كان يملكها وقام بتأجيرها قبل نفاذ هذا القانون.

ويترتب عليه أنه لا يجوز لمالك المأجور إخلاء عقاره لعلة السكن إذا كان يملك شقة ثانية، أو حق الانتفاع بأكثر من شقة سكنية. وقد استقر اجتهاد محكمة النقض على أنه يحق للمالك طلب إخلاء عقاره السكني بهدف السكن فيه حتى لو كان بتاريخ الادعاء مقيماً في بلد بعيد جداً، كالولايات المتحدة الأمر يكية، مادام عازماً على العودة إلى البلدة التي يوجد فيها عقاره المأجور وعلى السكن فيه.

كما أن إقامة المالك طالب التخلية خارج البلدة التي يقع فيها العقار المطلوب السكن فيه لا تحول دون رغبته في العودة إلى هذه البلدة وطلب تخلية عقاره من أجل سكناه، كما أن تملك طالب التخلية شقة ثانية في مدينة أخرى لا يمنعه من المطالبة بالإخلاء لعلة السكن للعقار الوحيد الذي يملكه في المدينة التي فيها هذا العقار المطلوب تخليته. ويقع على عاتق المستأجر إثبات أن المدعي يملك شقة ثانية في المدينة ذاتها التي يوجد فيها العقار المطلوب تخليته. ولا يحق له إثبات ذلك إلا بقيود السجل العقاري أو ما يعادلها في القوة.

(4)- أن تنقضي سنتان على ملكية طالب الإخلاء للعقار المأجور: اشترط البند الثاني من المادة 8/هـ المذكورة آنفاً انقضاء مدة سنتين على تملك وانحصار ملكية طالب الإخلاء للعقار المطلوب تخليته، ويعد هذا الشرط من النظام العام وبالتالي يحق للمحكمة أن تثيره من تلقاء ذاتها. والأصل أن تحسب مدة السنتين من تاريخ تسجيل العقار في السجل العقاري باسم طالب الإخلاء، ولكن ذهبت محكمة النقض السورية إلى أن هذه المدة يمكن أن تبدأ بالسريان في بعض الحالات الاستثنائية حتى قبل تسجيل العقار في السجل العقاري باسم طالب الإخلاء، فيمكن وفقاً لاجتهاد محكمة النقض اعتماد تاريخ سند البيع المحرر من قبل الكاتب بالعدل لإثبات أن المالك بالسجل العقاري هو المؤجر، وذلك لأن المؤجر كان حائزاً للعقار قبل تسجيل العقار باسمه بموجب ذلك السند.

2- أثر الإخلاء لعلة السكن:

إذا توافرت الشروط السابقة المحددة في المادة 8/هـ من قانون الإيجار لعام 2001 يحق للمالك أن يطالب بإخلاء عقاره السكني بهدف السكن فيه.

3- حماية بعض المستأجرين من الإخلاء لعلة السكن:

يتبين من نص المادة 10 من قانون الإيجار لعام 2001  أن المشرع أضفى حماية قانونية من الإخلاء لعلة السكن على فئتين من الأشخاص، وهم:

الفئة الأولى: العاملون في الدولة والمتقاعدون منها:

العاملون في الدولة هم الموظفون الخاضعون لقانون الموظفين الأساسي رقم 135 لعام 1945 وتعديلاته، والعاملون الخاضعون لقانون العاملين الأساسي لعام 2004، والمستخدمون، والعسكريون، والعاملون في القطاع العام، والعاملون في القطاع المشترك.

ويمنع إخلاء هؤلاء العاملين من العقارات المؤجرة لهم ما داموا على رأس عملهم فعلاً أو قائمين بالعمل بطريق قانوني في فترة قيامهم بعملهم. ويترتب عليه أنه لا يجوز إخلاء الموظف أو العامل المعار أو المندب أو المجاز براتب أو بلا راتب إدارياً أو صحياً أو لأداء خدمة العلم أو الخدمة الاحتياطية العسكرية، أو الموفد بمهمة رسمية أو بعثة دراسية أو اطلاعية ويستفيد من الحماية هنا المستأجر أو زوجه إذا كان من هؤلاء العاملين.

وتشمل هذه الفئة أيضاً العاملين في الدولة الذين تنتهي خدمتهم بصورة قانونية لأي سبب كان غير الوفاة، شريطة أن يخصص بمعاش أو معاش عجز أو شيخوخة. وتفقد هذه الفئة الحماية القانونية إذا كان مالك العقار المأجور هو أيضاً عاملاً أو مستخدماً أو عسكرياً وعاد إلى البلدة التي فيها المأجور منقولاً أو محالاً على التقاعد أو مسرحاً لأي سبب كان، أو إذا عادت إليها أسرته بعد وفاته. وله في مثل هذه الحال ممارسة حق الإخلاء من دون إنذار المستأجر ولو كان هذا الأخير محمياً من الإخلاء لكونه موظفاً. وتجدر الإشارة إلى أن المادة 7 من المرسوم التشريعي رقم 111 لعام 1952 وتعديلاته كانت تعطي الحق للحكومة بالاحتفاظ بالدار التي أخلاها أحد الأشخاص المشمولين بالحماية بموجب المادة 6 منه مدة شهر واحد من تاريخ إخلائها لمصلحة خلفه وبشروط العقد السابق شريطة أن يتم تبليغ المالك ضمن تلك المدة برغبتها في الاحتفاظ. وإذا كان المالك قد أجر داره من دون مراعاة ذلك الحكم فكان المقرر أن عقد الإيجار يعد لاغياً ويحق للخلف طلب إخلاء الدار، وكان يجب على المحكمة أن تحكم بذلك في عشرة أيام ويكون حكمها معجل التنفيذ. إلا أن القانون الجديد لم ينص على مثل هذا الحكم، وبالتالي لم يعد للحكومة الحق في الاحتفاظ بالدار التي أخلاها أحد الأشخاص المذكورين في المادة 10 منه.

الفئة الثانية: أسرة الشهيد والمفقود في العمليات الحربية والأسير:

يشترط من أجل إضفاء الحماية القانونية من الإخلاء على أفراد هذه الفئة أن يكون المستأجر قد استشهد أو فقد في أثناء العمليات الحربية أو أسر فيها، ويستفاد من النص أن المستأجر يجب أن يكون من الموظفين العسكريين، وقد حددت المادة 10 المذكورة أعلاه المقصود بأسرة الشهيد والمفقود والأسير في العمليات الحربية. وكذلك يشترط عدم حصول أسرة الشهيد أو المفقود أو الأسير على سكن من الدولة، وكذلك يشترط أيضاً استحقاق الفرد من هذه الأسرة المعاش التقاعدي، فمثلاً تفقد ابنة الشهيد أو أخته أو زوجته إذا تزوجت هذه الحماية لأنها تفقد حقها في المعاش التقاعدي. ويشترط أخيراً إقامة أفراد الأسرة مع الشهيد أو المفقود أو الأسير في المأجور.

وأضافت المادة 11 من قانون الإيجار الجديد فئة ثالثة إلى هاتين الفئتين، وتشمل الأحزاب والجهات الرسمية.

وكانت المادة 8 من قانون الإيجار القديم تقصر هذه الحماية على الدوائر الرسمية والمؤسسات الحكومية والخيرية والبلدية. ومن الواضح أن المشرع أجاز في هذه المادة للمالك الذي توافرت فيه الشروط المنصوص عليها في المادة 8/هـ من قانون الإيجار الجديد أن يطالب بإخلاء عقاره المؤجر لغير السكن لأحد الجهات المذكورة في المادة 11 منه شريطة أن يقوم بإنذار المستأجر بالإخلاء قبل سنة من رفع الدعوى بموجب إنذار موجه من الكاتب بالعدل.

4- مؤيد عدم إشغال المالك العقار بعد إخلائه:

تعاقب المادة 14/أ من قانون الإيجار الجديد المالك الذي أخلى عقاره لعلة السكن ولم يشغله في ثلاثة أشهر من تاريخ الإخلاء، أو لم يستمر شاغلاً له مدة سنتين على الأقل بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة من 100 إلى 1000 ليرة سورية. كما يضمن المالك للمستأجر تعويضاً عن العطل والضرر بقيمة (40%) من قيمة العقار المأجور.

خامساً: الإخلاء لعلة الهدم والبناء مجدداً:

1- شروط الإخلاء لعلة الهدم والبناء:

يتبين من نص المادة 8/و من قانون الإيجار لعام 2001 ضرورة توافر شروط عدة من أجل الحكم بالإخلاء لعلة الهدم والبناء، وهذه الشروط هي:

أ- أن يكون عقد الإيجار بين المالك والمستأجر خاضعاً للتمديد الحكمي.

ب- أن تكون دعوى الإخلاء مرفوعة من مالك العقار.

ج- أن يكون الهدف من الإخلاء إقامة بناء جديد كامل بدل البناء القديم: وبالتالي إذا كان العقار المأجور جزءاً من كتله عقارية فلا يشترط أن يشمل الهدم والبناء كامل الكتلة العقارية، وإنما يكفي أن يشمل الهدم والبناء كامل العقار المأجور وحده.

كما لا يشترط أن يكون البناء الجديد أوسع من البناء القديم المطلوب هدمه، وإنما يجب عليه إقامة بناء جديد كامل.

د- حصول المالك سابقاً على رخصة بإقامة البناء الجديد: هذا الشرط يستفاد من نص المادة 8/ز آنفة الذكر. ويترتب عليه أنه لا يشترط من أجل إقامة دعوى الإخلاء لعلة الهدم حصول المالك على رخصة هدم، وإنما يكتفي بالحصول على رخصة بإشادة بناء جديد. ولا تفقد دعوى الإخلاء لعلة الهدم مشروعيتها إذا انتهت مدة الرخصة الممنوحة من أجل البناء واستغراقها بفترة التقاضي؛ لأن بإمكان المالك الحصول على إجازة لاحقة بتمديد الترخيص السابق؛ والسبب في ذلك أن القانون لم يشترط الحصول على رخصة بهدم البناء القديم، وبالتالي فإن مجرد الحصول على رخصة بالبناء الجديد محل البناء القديم يغني عن ذلك. و يترتب عليه أنه لا يجوز لمحكمة الموضوع أن تحكم بالإخلاء لعلة الهدم وإعادة البناء قبل أن تتأكد من أن العقار المأجور موضوع دعوى الإخلاء مشمول برخصة البناء.

وإذا طعن المستأجر في القرار الصادر بمنح المالك رخصة البناء أمام القضاء الإداري وطالب بإبطاله فإن تلك الدعوى لا تؤثر وفقاً لاجتهاد محكمة النقض في سير دعوى المالك بإخلاء العقار المأجور لعلة الهدم والبناء، وبالتالي فإن إقامة الدعوى أمام القضاء الإداري بهدف إبطال الرخصة لا يسوغ وقف الدعوى القائمة أمام القضاء العادي بطلب الإخلاء لعلة الهدم والبناء؛ لعدم وجود نص قانوني يلزم ذلك.

2- أثر الإخلاء لعلة الهدم والبناء:

إذا توافرت الشروط الآنفة الذكر فإنه يحق للمالك أن يطالب بإخلاء عقاره لعلة الهدم والبناء. ويجوز سماع الدعوى لهذه العلة خلال مدة العقد شريطة أن يصدر الحكم بعد انتهاء المدة العقدية الأصلية.

3- حق المستأجر في العودة إلى البناء الجديد:

يستخلص من المادة 9 من قانون الإيجار لعام 2001 أن المشرع حفظ للمستأجر المحكوم عليه بالإخلاء لعلة الهدم أو البناء حقه في الرجوع إلى البناء الجديد أو جزء منه يشابه العقار الذي أخلاه، وذلك شريطة إمكان الانتفاع منه على الوجه الذي كان ينتفع به قبل الإخلاء. وتجوز إقامة دعوى طلب العودة إلى المأجور من مستأجرين متعددين وبعقود مختلفة إذا كان العقار محل الدعوى الذي كانوا يشغلون أجزاءه قبل الإخلاء يعد وحدة عقارية. (نقض مدني، قرار رقم 3158/أساس 3236، تاريخ 22/12/2003، المحامون لعام 2004، العددان 9 و10، ص 909).

وبالمقابل يمكن للمالك أن يطالب بزيادة الأجرة عن طريق التخمين. ولا يحق للمستأجر في مثل هذه الحال من أجل ضمان حقه في العودة إلى البناء الجديد أن يطلب وضع إشارة الدعوى على صحيفة العقار المأجور المراد هدمه وإعادة بنائه؛ لأن حق المالك في الإخلاء هو حق شخصي وليس حقاً عينياً، وحق المستأجر في العودة هو حق قانوني ولا ضرورة للنص عليه في الحكم. ويقتصر هذا الحق على مستأجر العقار المأجور للسكن أو لممارسة تجارة أو صناعة أو حرفة أو مهنة، فيه. أما الجهات العامة التي لا تهدف إلى تحقيق الربح، وكذلك الأحزاب والمنظمات الشعبية والنقابات فليس لها الحق في العودة. وما يؤكد ذلك أن المادة 8/و من قانون الإيجار الجديد اشترطت لإخلاء العقارات المؤجرة للجهات العامة أن تكون هناك حالة هلاك كلي أو جزئي في العقار المأجور أو نقص جسيم في الانتفاع منه. وفي هذه الحال يفسخ عقد الإيجار وفقاً لأحكام المادة 537 من القانون المدني. وبالمقابل يحق للمستأجر أن يطلب إما في دعوى الإخلاء وإما في دعوى مستقلة، الحجز الاحتياطي على صحيفة العقار المذكور ضماناً لحقه في العودة إلى البناء الجديد.

وإذا توفي المستأجر بعد صدور الحكم بالإخلاء واكتسابه الدرجة القطعية فإنه يحق  لورثته  الذين كانوا يقيمون معه بتاريخ وفاته طلب العودة إلى العقار الجديد إذا كان العقار مؤجراً للسكن، ولورثته الشرعيين بموجب وثيقة حصر إرث إذا كان العقار مؤجراً لغير السكن. وإذا استحال انتفاع المحكوم عليه بالعقار الجديد فيجب على المالك أن يدفع له تعويضاً يعادل (40%) من قيمة العقار المأجور للسكن شاغراً.

أما إذا كان العقار مؤجراً لغير السكن فيجب أن يلاحظ في التعويض الذي يلزم المالك  بدفعه للمستأجر - أو للورثة على النحو الذي تقدم بيانه - جميع عوامل الخسارة وفوات الربح التي تلحق بالمستأجر، مثل نوع العمل الذي تعاطاه وعدد زبائنه وقيمة المؤسسة… ويمكن للمستأجر أن يطالب بهذا التعويض بموجب دعوى مستقلة في أي وقت يثبت عدم إمكان انتفاعه بالعقار الجديد.

4- مؤيد حق المستأجر في العودة إلى البناء الجديد:

تعاقب المادة 14/أ من قانون الإيجار الجديد المالك الذي أخلى عقاره لعلة الهدم  والبناء ولم يباشر البناء فيه في  ثلاثة أشهر من تاريخ الإخلاء أو لم ينتهِ من بنائه في خمس سنوات من تاريخ الإخلاء بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة من 100 إلى 1000 ليرة سورية، كما يضمن المالك تعويضاً عن العطل والضرر للمستأجر وفقاً لأحكام المادة 9 من القانون المذكور.

سادساً- إخلاء العرصة للبناء:

تنص المادة 8/ز من قانون الإيجار الجديد على أنه يحكم بالإخلاء على مستأجر عقار من العقارات الخاضعة للتمديد الحكمي «إذا أراد مالك العرصة المأجورة أو مالك جزء منها إقامة بناء جديد كامل فيما يملكه، ويشترط للحكم بالإخلاء في الأحوال الموصوفة بهذه الفقرة والفقرة /و/ السابقة أن يثبت المالك أنه حصل مسبقاً على رخصة بإقامة البناء الجديد».

وشروط إخلاء العرصة للبناء هي الشروط ذاتها لإخلاء العقار المأجور لعلة الهدم والبناء. ويقصد بالعرصة وفقاً لأحكام هذه الفقرة، الأرض الخالية المعدة للبناء طبقاً لوضعها في السجل العقاري التي يمكن البناء عليها بموجب القوانين النافذة، وكذلك الأرض التي تم البناء عليها خلافاً لوضعها في السجل العقاري.

ولا يشترط هنا أن تكون رخصة البناء شاملة كامل العرصة، وإنما يجوز أن تصدر الرخصة بإشادة بناء على جزء من العرصة. وأجازت هذه المادة للمالك على الشيوع بالمطالبة بإخلاء الجزء الذي يملكه من أجل البناء عليه، وهذا يتطلب أن يكون هناك تخصص بين المالكين.

أما فيما يتعلق بحق المستأجر في العودة إلى البناء الجديد ففيه تفصيل؛ فإذا كانت العرصة خالية وقام المالك بإشادة بناء على كاملها فلا يحق للمستأجر العودة، وإنما يقتصر حقه على التعويض وفقاً لأحكام المادة 9 من قانون الإيجار الجديد. أما إذا كان المستأجر يشغل في العرصة التي تم إخلاؤها مكاناً مبنياً فيسري على حقه في العودة إليها ما يسري على حق المستأجر في العودة إلى البناء الجديد بعد الهدم، وقد سبق بيان ذلك.

سابعاً- الإخلاء لعلة التملك:

1- شروط الإخلاء لعلة التملك:

تشترط المادة 8/ح- ط آنفة الذكر توافر شروط عدة من أجل الحكم بالإخلاء لعلة التملك.

وهذه الشروط هي:

أ- أن يكون عقد الإيجار خاضعاً للتمديد الحكمي، وأن يكون العقار مؤجراً للسكن.

ب- تملك المستأجر داراً صالحة لسكناه: ويمكن أن يتملك المستأجر داراً صالحة لسكناه قبل انعقاد عقد الإيجار أو بعده.

(1)- تملك المستأجر داراً صالحة لسكناه قبل انعقاد عقد الإيجار: يشترط في هذه الدار أن تكون صالحة لسكن المستأجر وخالية أو يستطيع إخلاءها وفقاً للقوانين النافذة. ويترتب عليه أن تملك المستأجر على وجه الاستقلال داراً صالحة لسكناه خالية أو يستطيع إخلاءها وفقاً لأحكام القانون يكفي للحكم عليه بالإخلاء من العقار المأجور. وقد استقر اجتهاد محكمة النقض على أن تملك المستأجر داراً صالحة لسكنه يجعله مستغنياً عن الإيجار وبالتالي يسقط عنه حق الحماية في التمديد القانوني لعقد الإيجار، كما يسقط هذا الحق عن باقي أفراد أسرته الذين دخلوا معه العقار المأجور عند بدء العلاقة الإيجارية.

وتعد قوانين الإيجار في الحقيقة  قوانين استثنائية أخرجت عقد الإيجار عن قواعده العامة المنصوص عليها في القانون المدني من أجل إيجاد حل للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي لحقت بالمستأجرين، والناجمة عن أزمة السكن، وذلك نتيجة زيادة الطلب على العرض في سوق الإيجار وبالتالي ارتفاع أجور العقارات المعدة للإيجار. وتملك المستأجر داراً صالحة لسكناه يعني أنه لم يعد يعاني من أزمة في هذا المجال؛ ونتيجة لذلك أسقط المشرع عنه حق التمديد القانوني في مثل هذه الحال، وأجاز للمالك طلب إخلاء عقاره. ويجب إثبات تملك المستأجر عقاراً عن طريق قيود السجل العقاري أو عن طريق قيود تماثل قيود السجل العقاري في قوتها، مثل قيود سجلات مؤسسة الإسكان العسكري، أو سجلات الجمعيات التعاونية السكنية، وكذلك قيود المحاكم المتضمنة أحكاماً مكتسبة الدرجة القطعية بملكية العقارات السكنية. ويترتب عليه أنه يجب إثبات الملكية بموجب بيان قيد عقاري، ولا يجوز إثباتها عن طريق الكشف على العقار. وقد استقر اجتهاد محكمة النقض على أن العضو المتخصص في جمعية سكنية تعاونية لا يعد مالكاً إلا بدءاً من تاريخ التسليم الفعلي للشقة إليه.

وفي الحقيقة لا يكفي إثبات أن المستأجر يملك داراً، وإنما يجب أيضاً إثبات أن هذه الدار هي صالحة لسكناه. فإذا كان المستأجر مثلاً، أو أحد أفراد أسرته مصاباً بتصلب في الشريان أو يعاني أمراضاً قلبية خطرة، وكان يملك شقة في الطابق الخامس من بناء غير مجهز بمصعد كهربائي فلا تعد هذه الدار صالحة لسكناه، وبالتالي لا يمكن الحكم عليه بالإخلاء لعلة التملك. وتقدير ما إذا كانت الدار صالحة للسكن من صلاحية محكمة الموضوع، ويحتاج إلى رأي أهل الخبرة فيه. ويشترط في الدار حتى تكون صالحة لسكن المستأجر، ويعد تملكها موجباً للإخلاء أن تكون جاهزة، وأن تتسع للمستأجر وأفراد أسرته المقيمين معه. وكذلك يشترط أن يكون تملك المستأجر لدار صالحة لسكناه على وجه الاستقلال، ولا تقوم الحصة الشائعة مقام الدار المستقلة الصالحة للسكن، كما أنه إذا استأجر داراً ثانية وانتقل إليها وترك بعض أفراد أسرته في العقار المأجور فلا يوجب ذلك الإخلاء. ومن جهة أخرى فإن التملك الموجب للإخلاء، بموجب المادة 8/ح آنفة الذكر هو تملك المستأجر داراً صالحة لسكناه في بلدة المأجور؛ لأنه لا يمكن إلزام المستأجر السكن في بلدة أخرى لمجرد أنه يملك داراً للسكن فيها.

ولكن ذهبت محكمة النقض إلى أنه إذا تملك المستأجر داراً صالحة لسكناه في غير مكان المأجور فإن ذلك لا يمنع من إخلائه من العقار المأجور شرط أن تكون وسائط النقل متوافرة بكثرة، ويخضع ذلك لمطلق السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع. أما إذا ثبت أن الدار هي ملك لزوجة المستأجر وليس للمستأجر ذاته فلا يمكن الحكم عليه بالإخلاء لعلة التملك. ولكن إذا تبين أن المستأجر كان قد تنازل عن الشقة التي تملكها لزوجته، وثبت أن التنازل كان من أجل التحايل على أحكام قانون الإيجار فإن ذلك لا ينجي المستأجر من الإخلاء.

وإذا ثبت أن المستأجر يملك داراً صالحة لسكناه فإنه لا يحق للمؤجر أن يطالبه بالإخلاء إذا كان العقار المأجور يستخدم لغير السكن بموافقته على الرغم من أنه مخصص للسكن في السجل العقاري؛ لأن المعول عليه في دعوى الإخلاء لعلة التملك هو استعمال المأجور الذي يشغله المستأجر وبموافقة المؤجر على وجه الخصوص.

وكذا في حالة كون المستأجر يستخدم المأجور -بموافقة المؤجر- للسكن ولغير السكن. وكذلك يشترط في الدار التي تملكها المستأجر أن تكون خالية، أو أنه يستطيع بمقتضى القوانين النافذة إخلاءها. فإذا كان المستأجر قد تملك قبل عقد الإيجار داراً وقام بتأجيرها للغير، ومن ثم لم يكن باستطاعته إخلاؤها، فلا يمكن الحكم عليه بالإخلاء لعلة التملك.

(2)- تملك المستأجر داراً صالحة لسكناه بعد عقد الإيجار أو بناء دار صالحة لسكناه: يشترط في هذه الحالة توافر الشروط المشار إليها آنفاً في حالة تملك المستأجر داراً صالحة لسكناه قبل انعقاد عقد الإيجار. فإذا تملك المستأجر داراً صالحة لسكناه بعد استئجاره أو بناها بعد ذلك وكانت خالية أو أجرها للغير أو تصرف بها للغير بيعاً أو هبة أو مقايضة فيحق للمؤجر أن يطالب بإخلائه. ويعد من الغير في مثل هذه الحال أولاد المستأجر وأصوله وفروعه وزوجة المستأجر.

2- الأثر المترتب على تملك المستأجر داراً صالحة لسكناه:

إذا توافرت شروط الإخلاء لعلة التملك المشار إليها آنفاًَ يؤدي ذلك إلى الحكم على المستأجر بالإخلاء.

ثامناً- الإخلاء لعلة ترك المأجور:

تنص المادة 8/ي من قانون الإيجار الجديد على أنه يحكم بالإخلاء على مستأجر عقار من العقارات الخاضعة للتمديد الحكمي «إذا ترك المستأجر المأجور للسكن بلا مسوغ لمدة سنة كاملة دون انقطاع يدل دلالة قاطعة على استغنائه».

ونص هذه الفقرة هو نص جديد، إذ لم يرد نص مشابه له في قانون الإيجار القديم. ولكن هذا النص هو تطبيق للاجتهاد القضائي في ظل القانون القديم الذي كان يقرر حق المؤجر في إخلاء العقار المأجور للسكن لعلة ترك المأجور مستنداً في ذلك إلى عدم جواز بقاء المساكن خالية في ظل أزمة السكن التي تعاني منها الدولة، تحقيقاً للوظيفة الاجتماعية للملكية التي يجب أن تؤديها، وكذلك إلى عدم حاجة المستأجر إلى المأجور، وبالتالي عدم حاجته إلى الحماية القانونية.

1- شروط الإخلاء لعلة الترك:

أوجبت المادة 8/ي آنفة الذكر توافر شروط عدة من أجل إخلاء المستأجر لعلة ترك المأجور، وهذه الشروط هي:

أ- وجود عقد إيجار بشأن العقار المأجور المطلوب إخلاؤه، خاضع للتمديد الحكمي: وذلك وفقاً لنص الفقرة /ب/ من المادة الأولى من قانون الإيجار الجديد، كما يشترط أن يكون العقار مؤجراً للسكن.

ب- ترك المستأجر العقار المأجور: يتحقق ترك المستأجر للعقار المأجور بتخليه نهائياً عنه ونقل عائلته وأثاث بيته منه. ويعد ترك المستأجر للمأجور مدة طويلة وعزوفه عن سكنه قرينة قانونية كافية للدلالة على عدم حاجة المستأجر إلى المأجور. أما إذا تخلى المستأجر عن المأجور بنحو مؤقت وأبقى فيه الأثاث على أمل العودة لاستعماله فإنه لا يعد تركاً يوجب الإخلاء إلا إذا تأكدت المحكمة من أن التخلي عن المأجور في مثل هذه الحال كان بنحو نهائي.

ويكون الترك نهائياً للمأجور بأن يتخذ المستأجر موقفاً يدل دلالة قاطعة على أن صلته بالمأجور قد انقطعت نهائياً سواء من حيث الإشغال أم من حيث الحيازة أم دفع الأجرة، وأن تنصرف إرادة المستأجر إلى فسخ عقد الإيجار. ويترتب عليه أنه إذا ثبت مغادرة المستأجر إلى خارج القطر وانقطاع صلته بالعقار المأجور نهائياً وإقامته في الخارج إقامة دائمة يعد دليلاً قاطعاً على استغنائه عن المأجور مما يستوجب إخلاءه. ولا يؤثر تردد المستأجر إلى بلدة المأجور بين الحين والآخر على واقعة الترك، وواقعة الترك هي واقعة مادية يجوز إثباتها بكل وسائل الإثبات، ومنها شهادة الشهود والقرائن. وذهبت محكمة النقض إلى أن ترك المستأجر للمأجور وانتقاله إلى محافظة أخرى وإسكان بعض الطلاب في المأجور من دون موافقة المؤجر يحقق واقعة الترك التي توجب الإخلاء.

ويعد المشرع واقعة ترك المأجور قرينة قانونية قاطعة على استغناء المستأجر نهائياً عن المأجور شريطة أن يكون الترك نهائياً، كأن يلتحق المستأجر بعمل دائم في منظمة دولية خارج القطر، أو يلتحق بعمل جديد دائم خارج بلدة المأجور، أو أن يتقاعد المستأجر ويعود إلى بلدته التي يقطن فيها أهله. أما إذا كان الترك مؤقتاً، كأن يسافر المستأجر في مهمة رسمية، أو يوفد للدراسة، أو يقوم بجولة حول العالم فلا يعد ذلك قرينة على استغنائه عن المأجور. واشترط القانون أن يكون الترك للمأجور مدة سنة كاملة على الأقل من دون انقطاع، أما إذا كان الترك أقل من سنة فلا يوجب الإخلاء. وترك المستأجر للعقار المأجور لأي سبب كان لا يفقد أفراد أسرته المقيمين معه منذ بدء العلاقة الإيجارية حقهم في الإيجار، لأنهم يعدون جميعاً مستأجرين أصليين مثله تماماً، ويعد المستأجر نائباً قانونياً عنهم، وبالتالي فإن إقامتهم في العقار المأجور لا تتقيد ببقاء المستأجر فيه. ويترتب عليه أنه إذا تزوج المستأجر وانتقل بعد ذلك إلى دار تملكها زوجته من أجل الإقامة بصفة  دائمة فيها فلا يؤدي ذلك إلى حجب حق التمديد القانوني عمن تبقى في العقار المأجور من أفراد أسرته الذين دخلوا معه منذ بدء العلاقة الإيجارية، ويترتب عليه أن عقد الإيجار ينتقل إليهم ويصبحون مستأجرين أصليين لأن المستأجر قد ناب عنهم قانوناً في إجراء العقد وأقاموا معه في العقار المأجور منذ بدء العلاقة الإيجارية.

ويعد المستأجر مشترطاً لمصلحة الغير فيما يخص زوجته المقبلة وأولاده الذين يولدون بعد بدء العلاقة الإيجارية، وبالتالي يعدون شركاء للمستأجر في الإجارة وتربطهم بالمؤجر علاقة إيجارية ناشئة عن العقد الذي أبرمه المستأجر.

ج- أن يكون الترك من دون مسوغ: لا يؤدي ترك المأجور نهائياً مدة سنة إلى إخلاء العقار المؤجر للسكن إلا إذا كان من دون مسوغ.

أما إذا كان الترك مسوغاً فلا يؤدي إلى الإخلاء حتى لو كان أكثر من سنة، كما لو أوفد المستأجر في بعثة دراسية مدة تزيد على السنة خارج القطر.

2- أثر الإخلاء لعلة الترك: إذا توافرت شروط الإخلاء لعلة الترك المشار إليها آنفاً يؤدي ذلك إلى الحكم على المستأجر بإخلاء العقار المأجور. ولكن على المؤجر أن يثبت أولاً العلاقة الإيجارية، ثم يثبت أن المستأجر ترك المأجور مدة سنة كاملة دون انقطاع تركاً يدل دلالة قاطعة على استغنائه عنه نهائياً.

وأخيراً تنص المادة 12/ب من قانون الإيجار رقم 6لعام 2001 وتعديلاته على أنه «عندما يحكم بالإخلاء يمنح شاغل العقار مهلة لإخلائه لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تتجاوز ستة أشهر اعتباراً من تاريخ اكتساب الحكم الدرجة القطعية».

مراجع للاستزادة:

- إلياس أبو عيد، الوسيط النظري والعملي في قانون الإيجار الاستثنائي، الجزء الأول (بيروت 1992).

- خالد المالكي، شرح قانون الإيجار رقم 6 تاريخ 15/2/2001 (مؤسسة النوري، دمشق 2002).

- سليمان مرقس، الوافي في شرح القانون المدني، في العقود المسماة - عقد الإيجار، المجلد 8، الطبعة الرابعة (دار الكتب القانونية شتات والمنشورات الحقوقية صادر 1999).

- سليمان مرقس، الوافي في شرح القانون المدني، قانون إيجار الأماكن، المجلد 9، الطبعة التاسعة (دار الكتب القانونية شتات والمنشورات الحقوقية صادر 1990 والمجلد العاشر 1992).

- سليمان مرقس، الوافي في شرح القانون المدني، قانون إيجار الأماكن، المجلد 10، الطبعة التاسعة (دار الكتب القانونية شتات والمنشورات الحقوقية صادر 1990، والمجلد العاشر 1992).

- عبد الرزاق السنهوري، عقد الإيجار، المجمع العلمي العربي الإسلامي (منشورات محمد الداية، بيروت، دون تاريخ).

- فواز صالح ومحمد عرفان الخطيب، عقد الإيجار، جامعة دمشق، مركز التعليم المفتوح (مطبعة الروضة، دمشق 2005-2006).

- محمد بشير جزائرلي، «القواعد القانونية الجديدة في قانون الإيجار الجديد رقم 6 لعام 2001»، مقال منشور في «المحامون» الصادرة عن نقابة المحامين في سورية، العددان 3 و4 لعام 2004، السنة 39، ص210.

- محمد علي فينو، الملحق الأول لكتاب أضواء على أحكام قانون الإيجار الجديد رقم 6 لعام 2001.

- مصباح نور المهايني، صيغ الدعاوى المدنية - دعاوى الإيجارات، الجزء الأول، الطبعة الأولى (مؤسسة النوري، دمشق 2003).

 


- التصنيف : القانون الخاص - النوع : القانون الخاص - المجلد : المجلد الأول: الإباحة والتحريم ـ البصمة الوراثية - رقم الصفحة ضمن المجلد : 99 مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق