أسباب التسويغ في نطاق المسؤولية التقصيرية
اسباب تسويغ في نطاق مسووليه تقصيريه
reasons for justification in the scope of tort - faits justificatifs dans le cadre de la responsabilité délictuelle
أسباب التسويغ في نطاق المسؤولية التقصيرية
فواز صالح
يُعدّ الخطأ ركناً أساسياً من أركان المسؤولية التقصيرية. وتقوم فكرة الخطأ على ركنين: أولهما مادي وهو الفعل أو التعدي، وثانيهما معنوي وهو الإدراك أو التمييز. ويقع عبء إثبات التعدي - بوصفه ركناً مادياً للخطأ - على عاتق المضرور. فإذا استطاع هذا الأخير أن يثبت وقوع التعدي الذي ألحق به الضرر؛ كان بإمكان المسؤول إثبات أن ذلك التعدي لا يعد خطأً، وذلك إما بإثبات أنه كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه أو عن ماله، وإما أنه كان في حالة ضرورة، وإما أنه كان ينفذ أمراً صادراً من رئيسه. وهذه الحالات التي تشكل أسباب التسويغ Les faits justificatifs تنفي المسؤولية التقصيرية. وتنتفي عن التعدي - في هذه الحالات التي نص عليها القانون المدني السوري - صفة التعدي. ويترتب على ذلك أن التعدي يُعدّ في مثل هذه الحالات مشروعاً. وتعفى هذه الحالات من المسؤولية الجزائية أيضاً. ويعد رضا المضرور - إضافة إلى هذه الحالات- من أسباب التسويغ في نطاق المسؤولية عن العمل الشخصي.
أولاً: الدفاع الشرعي
1- تعريفه: الدفاع الشرعي هو موقف اتخذه المسؤول عن الضرر لدفع اعتداء غير مشروع على نفسه أو ماله، أو على نفس الغير أو ماله، وهو يبيح التعدي ويجعله مشروعاً. فإذا استطاع المسؤول أن يثبت أنه كان وقت إحداث الضرر في حالة دفاع شرعي - طبقاً لما جاء في المادة 167 من القانون المدني السوري - عن نفسه أو ماله، أو عن نفس الغير أو ماله؛ فلا يُعدّ مسؤولاً عن ذلك الضرر شريطة ألا يجاوز في دفاعه القدر الضروري. وإذا تجاوز هذا القدر الضروري في دفاعه فإنه يلزم بتعويض تراعى فيه مقتضيات العدالة.
2- شرائط الدفاع الشرعي: حتى يستطيع المسؤول أن يدفع المسؤولية عن نفسه بإثبات الدفاع الشرعي،يجب أن تتوافر في دفاعه الشرائط الآتية:
أ- وجود خطر حال يهدد نفسه أو ماله، وعبارة «الغير» جاءت مطلقة في المادة 167 وبالتالي لا يشترط وجود علاقة قرابة أو صداقة عزيزة بين الغير والمسؤول حتى تتوافر حالة الدفاع الشرعي.
ب- أن يكون ذلك الخطر غير مشروع.
ج- التناسب بين الاعتداء والدفاع.
د- أن تكون القوة الوسيلة الوحيدة لدرء الخطر.
3- آثار الدفاع الشرعي: إذا توافرت شرائط الدفاع الشرعي السابقة الذكر؛ فلا يُعدّ الاعتداء الذي يرتكبه المدافع تعدياً وإنما يُعدّ عملاً مشروعاً، وبالتالي ينتفي ركن الخطأ ولا تقوم المسؤولية عن العمل الشخصي. أما إذا انتفت شرائط الدفاع الشرعي فلا يُعدّ الشخص في حالة الدفاع الشرعي، وإنما يعد فعله تعدياً يستوجب التعويض وفقاً لقواعد المسؤولية عن العمل الشخصي. أما إذا تبين أن المدافع قد تجاوز حدود الدفاع الشرعي فتكون مسؤوليته مخففة، ولا يلزم بتعويض كامل وإنما يلزم بتعويض تراعى فيه مقتضيات العدالة. فيعد رجال الضابطة متجاوزين حدود الدفاع الشرعي إذا قتلوا مهرباً أطلق النار إرهاباً وامتنع عن الخضوع لندائهم بالوقوف، وبالتالي يسألون بالتعويض عن ذلك الضرر.
ثانياً: حالة تنفيذ أمر صادر من الرئيس
1- تعريف حالة تنفيذ أمر صادر من الرئيس
هي الحالة التي يقوم فيها الموظف العام بعمل يؤدي إلى إلحاق الضرر بالغير ، فلا يكون مسؤولاً عن تعويض ذلك الضرر إذا تبين أنه قام بذلك العمل تنفيذاً لأمر صدر إليه من رئيس، شريطة أن تكون إطاعة ذلك الأمر واجبة عليه أو كان يعتقد أنها واجبة عليه، وشريطة إثبات أنه كان يعتقد - بناء على أسباب معقولة - أن العمل الذي قام به هو مشروع، وأنه اتخذ الحيطة اللازمة في عمله، وفقاً لما جاء في المادة 168 من القانون المدني السوري.
2- شرائط إطاعة أمر صادر من الرئيس: لا يستطيع المسؤول أن يدفع المسؤولية عن نفسه متذرعاً بأنه نفذ أمراً صادراً من رئيسه إلا إذا توافرت الشرائط الآتية:
أ- أن يكون المسؤول عن الضرر موظفاً عاماً. والموظف العام هو من يعمل لدى الدولة، وبالتالي إذا كان المسؤول يعمل في شركة خاصة لا يحق له أن يتذرع بأمر صدر له من رئيسه من أجل دفع المسؤولية عن نفسه.
ب- أن يصدر الأمر من رئيس - ولو بطريقة غير مباشرة - تكون طاعته واجبة عليه. ولا يكفي لتحقق هذا الشرط أن تكون طاعة الرئيس واجبة، وإنما يجب أن تكون طاعة الأمر أيضاً واجبة أو كان الموظف العام يعتقد أن طاعة ذلك الأمر واجبة عليه. فإذا كان الأمر غير واجب الطاعة فيجب على المرؤوس أن يمتنع عن تنفيذه، وإلا كان مسؤولاً عن الضرر الذي يلحق بالغير نتيجة تنفيذ مثل هذا الأمر.
ج- أن يثبت الموظف أنه كان يعتقد أن الأمر الذي نفذه كان مشروعاً، وأن اعتقاده كان مبنياً على أسباب معقولة لا على مجرد التخمين والظن. ثم عليه أن يثبت أنه راعى جانب الحيطة في عمله، كأن يثبت مثلاً أنه لم ينفذ الأمر الصادر إليه من رئيسه المباشر إلا بعد التحري عن ذلك. وبالتالي فإن سائق المؤسسة الذي يلبي أمر المدير له بقيادة المركبة على الرغم من وجود أعطال فيها؛ يكون مسؤولاً عن الأضرار التي يلحقها بالغير فيما إذا قادها من دون إصلاحها.
3- آثار إطاعة أمر صادر من الرئيس: إذا توافرت الشرائط السابقة الذكر فلا يٌعدّ الفعل الذي قام به موظف عام تنفيذاً لأمر صادر من رئيسه تعدياً، وبالتالي ينتفي ركن الخطأ ولا تقوم المسؤولية عن العمل الشخصي؛ لأن تنفيذ مثل هذا الأمر يُعدّ عملاً مشروعاً. وما قيل بشأن إطاعة أمر الرئيس يطبق أيضاً على إطاعة أمر القانون. وبالتالي لا تقوم مسؤولية الموظف العام عن الضرر الذي يلحقه بالغير إذا أثبت أنه قام بحسن نية بتنفيذ ما أمر به القانون، أو كان يعتقد بناءً على أسباب معقولة أن ما قام به يدخل في اختصاصه.
ثالثاً: حالة الضرورة
1- تعريف حالة الضرورة: هي الحالة التي يجد الشخص نفسه فيها معرضاً لظروف خارجية تجعل إرادته غير حرة، وتدفعه إلى إحداث ضرر للغير من أجل أن يتفادى ضرراً أكبر محدقاً به أو بغيره، طبقاً لما ذهبت إليه المادة 169 من القانون المدني السوري. ومثال ذلك أن يقوم شخص بفتح مجرى النهر من أجل تجنب الفيضان، فيتسبب نتيجة ذلك في إغراق الأراضي الزراعية المجاورة. أو كأن يستعمل السائق مكابح السيارة فجأة مما يلحق الضرر بأحد الركاب من أجل أن يتفادى دهس عابر سبيل يقطع الطريق فجأة. وتتميز حالة الضرورة عن الإكراه المادي في أن هذا الأخير يعدم الإرادة، أما حالة الضرورة فتجعل الإرادة غير حرة. ومن ناحية أخرى تتميز حالة الضرورة عن الإكراه المعنوي. فعلى الرغم من أن الإرادة تكون في الحالتين غير حرة، إلا أن الخطر في الإكراه المعنوي يوجه عمداً إلى المكره، أما الخطر في حالة الضرورة فلا يوجه عمداً إلى الشخص الذي يجد نفسه في هذه الحالة.
2- شرائط حالة الضرورة: لا تقوم حالة الضرورة إلا إذا توافرت الشرائط الآتية:
أ- وجود خطر حال يهدد مسبب الضرر بنفسه أو بماله، أو بنفس غيره أو مال هذا الغير: لم يميز القانون بين الخطر الذي يهدد النفس والخطر الذي يهدد المال. ويشترط في الخطر أن يكون حالاً، أما إذا كان مستقبلاً فلا يكون مسبب الضرر في حالة الضرورة، وبالتالي يلزم بدفع كامل التعويض المترتب على الضرر الذي سببه. ويقصد بالخطر الحال الخطر وشيك الوقوع. ولا يشترط أن يهدد الخطر الشخص نفسه أو ماله، وإنما يمكن أن يهدد الغير. وعبارة «الغير» جاءت مطلقة في المادة 169س وبالتالي لا يشترط وجود علاقة قرابة أو صداقة عزيزة بين الغير والشخص الذي يدفع عنه الخطر حتى تتوافر حالة الضرورة.
ب- أن يكون مصدر الخطر أجنبياً: أما إذا كان لإرادة مسبب الخطر دور في إحداث الخطر؛ فإنه يسأل مسؤولية كاملة عن الضرر الذي أحدثه. أما إذا كان لإرادة المضرور دور في إحداث الخطر؛ فإن مسبب الضرر يمكن أن يكون في حالة دفاع شرعي إذا توافرت شرائط هذا الدفاع، وبالتالي يعفى إعفاءً كلياً من دفع التعويض عن الضرر الذي سببه.
ج- أن يكون الضرر المراد تفاديه أكبر من الضرر الذي وقع. فإذا كان الضرر المراد تفاديه تافهاً مقارنة بالضرر الذي وقع فلا يكون الشخص في حالة ضرورة، وإنما يسأل مسؤولية كاملة عن الضرر الذي أوقعه. أما إذا كان الضرر الواقع لا يذكر مقارنة بالضرر المراد تفاديه، فيمكن القول إن الخطر هنا قوة قاهرة، وبالتالي يعفى مسبب الضرر من كامل المسؤولية. أما إذا كان الضرر المراد تفاديه يفوق في الجسامة الضرر الواقع؛ فهنا تطبق أحكام حالة الضرورة المشار إليها أعلاه. أما إذا كان الضرر المراد تفاديه يساوي في الشدة والجسامة الضرر الواقع؛ فلا تتوافر هنا شرائط حالة الضرورة، وبالتالي يعد مسبب الضرر مسؤولاً مسؤولية كاملة عن الضرر الذي أحدثه لتفادي ضرر يهدده إذا كان الضرران متساويين في الجسامة.
3- آثار حالة الضرورة: إذا توافرت شرائط حالة الضرورة فلا يعد الفعل الذي ارتكبه الشخص وهو في هذه الحالة تعدياً، وبالتالي لا يقوم الخطأ في جانبه مما يؤدي إلى انتفاء المسؤولية التقصيرية. ولكن على خلاف حالة الدفاع الشرعي وحالة تنفيذ أمر صادر من رئيس؛ لا تؤدي حالة الضرورة إلى الإعفاء التام من دفع التعويض، وإنما يلزم مسبب الضرر بدفع التعويض الذي يراه القاضي مناسباً، ويكون ذلك على أساس الإثراء بلا سبب لا على أساس المسؤولية التقصيرية.
رابعاً: رضا المضرور
لم ينص القانون المدني السوري على اعتبار رضا المضرور سبباً من أسباب التسويغ في نطاق المسؤولية التقصيرية، ولكن لا يوجد ما يمنع من عدّه كذلك ولاسيما أنه يعد سبباً من أسباب التبرير في قانون العقوبات. ويشترط في رضا المضرور أن يكون صادراً عن شخص يتمتع بالأهلية، وأن يكون صحيحاً غير مشوب بعيب من عيوب الرضا، وأن يكون مشروعاً. ويكون الرضا مشروعاً إذا كان الحق الذي قبل المضرور المساس به يجوز التصرف به كالحقوق المالية. أما إذا كان من الحقوق اللصيقة بالشخصية فلا يجوز التصرف بها إلا إذا أجاز القانون ذلك، كأن يقبل المريض بتر ساقه من أجل إنقاذ حياته، أو كأن يتبرع شخص بإحدى كليتيه من أجل إنقاذ حياة مريض. وإذا توافرت شرائط الرضا فلا يعد الفعل الذي يرتكبه الغير بناءً على ذلك تعدياً، وبالتالي لا يقوم الخطأ في جانبه؛ مما يؤدي إلى انتفاء مسؤوليته عن تعويض الضرر الذي يحدثه نتيجة ذلك.
مراجع للاستزادة: |
- توفيق حسن فرج، النظرية العامة للالتزام - في مصادر الالتزام (مع مقارنة بين القوانين العربية)، (منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت 2002).
- سليمان مرقس، الوافي في شرح القانون المدني، في الالتزامات - في الفعل الضار والمسؤولية المدنية، المجلد الأول (الطبعة الخامسة 1992).
- سليمان مرقس، الوافي في شرح القانون المدني، في الالتزامات في الفعل الضار والمسؤولية المدنية، المجلد الثاني (الطبعة الخامسة 1993).
- عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، نظرية الالتزام بوجه عام، مصادر الالتزام، المجلد الأول (القاهرة، دون تاريخ).
- محمد وحيد الدين سوار، شرح القانون المدني، النظرية العامة للالتزام، الجزء الأول مـــصادر الالتزام،1، المصادر الإرادية، و 2- المصادر غير الإرادية (مطبعة رياض، دمشق 1982 -1983).
- محمود جلال حمزة، العمل غير المشروع باعتباره مصدراً للالتزام (مطبعة الاتحاد، دمشق 1985).
- محمود جلال حمزة، «وظيفة التعويض في المسؤولية المدنية بين النظرية والتطبيق»، بحث منشور في مجلة «المحامون» لعام 1985، العدد الثامن، ص 1005 وما يليها.
- J. FlOUR, J.- L. AUBERT et E. SAVAUX, Droit civil, Les obligations, 2- Le fait juridique, (9ème édition, Armand Colin, 2001).
- H., L., J.MAZEAUD et F.CHABAS, Leçon de droit civil, tome II, volume I, Obligations- théorie générale, (9ème édition, Delta, 2000).
- F.TerrÉ, Ph. SIMLER et Y. LEQUETTE, Droit civil, Les obligations, (8ème édition, Dalloz, 2002).
- Ph. Le TOUMEAU, Droit de la responsabilité et des contrats, (Dalloz 2004/2005).
- G. VINEY et P. JOURDAIN, Traité de droit civil, sous ladirection de J. Guestin, Les conditions de la responsabilité, (2ème édition, Delta-L.G.D.J., 1998).
- التصنيف : القانون الخاص - النوع : القانون الخاص - المجلد : المجلد الأول: الإباحة والتحريم ـ البصمة الوراثية - رقم الصفحة ضمن المجلد : 179 مشاركة :