احكام جنين
judgements of embryo - jugements de l'embryon

 أحكام الجنين

أحكام الجنين

وهبة الزحيلي

 

تعريف الجنين وحقه في الحياة:

الجنين في اللغة: الولد ما دام في البطن، والجمع: الأجنة. أو هو الولد خلال فترة تخلُّقه في بطن أمه مدة تسعة أشهر قمرية في الغالب، تنتهي بولادته وخروجه من الرحم، سواء أكان ذكراً أم أنثى. فإن خرج حياً فهو الولد، وإن خرج مَيْتاً، أو خرج قبل تمام خلقه فهو سِقْط.

والاجتنان: طور للإنسان في حال كونه جنيناً، أي حملاً في رحم أمه، منذ العلوق إلى الولادة.

فإذا ثبت كون الجنين حياً، سواء قبل نفخ الروح فيه أم بعد نفخ الروح فله الحق في الحياة، ولا يجوز شرعاً الاعتداء عليه، وحياته محترمة، ولا يجوز إنهاؤها إلا بعذر شرعي تلجأ إليه للضرورة.

ويمر الجنين بأطوار خمسة هي النطفة، ثم العلقة، ثم المضغة، ثم نفخ الروح، ثم الولادة، نص عليها القرآن الكريم في قوله تعالى: )وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِين، ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامَاً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ((المؤمنون: 23/12-14).

ويتوقف نوع جنس الجنين ذكراً أو أنثى على نوع النطفة التي تأتي من الأب إما (Yفيكون الجنين ذكراً، وإما(X) فيكون الجنين أنثى.

أحكام الجنين Judgment of Embryo:

للجنين أحكام هي:

1- يصلى على الجنين ويغسل ويكفن إذا ولد وفيه علائم الخلقة، واستهل (صاح ونحوه) عند سقوطه، فإن لم يستهل لا تطبق عليه هذه الأحكام عند الأكثرين، ويصلى عليه عند بعض العلماء. وإذا كان تام الخلقة تنقضي عدة الأم، والدم النازل دم نفاس، ويقع الطلاق المعلَّق على الولادة ويرث من مورثه. وإذا اعتُدي على الأم فسقط حياً، ثم مات ففيه دية كاملة. وإذا سقط ميتاً ففيه خمسون ديناراً (نصف عشر الدية).

2- يجوز إخراج الجنين بعد موت الحامل بشق بطنها إذا تبين أنه حي. أما إن تبين أنه ميت فلا يجوز الشق إلا لمصلحة يقتضيها الطب الشرعي، للتحقق من جناية أو معرفة سبب الموت.

3- يجوز الانتفاع بأعضاء الجنين وزراعتها في جسم آخر بإذن أهله، نص قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي رقم (1) الدورة الثامنة عام 1405هـ/1985م: «إنَّ أخْذ عضو من جسم إنسان حي، وزرْعه في جسم آخر مضطر إليه لإنقاذ حياته، أو لاستعادة وظيفة من وظائف أعضائه الأساسية هو عمل جائز لا يتنافى مع الكرامة الإنسانية عند المأخوذ منه، كما أن فيه مصلحة كبيرة، وإعانة خيِّرة للمزروع فيه، وهو عمل مشروع ومفيد». ومثل ذلك القرار رقم (1) الصادر عن مجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة عام 1408هـ/1988م.

4- إسقاط الجنين بسبب التشوه الشديد: يجوز إسقاط الجنين المشوه تشويهاً شديداً، أصدر المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي قراراً في دورته الثانية عشرة 1410هـ/1990م أباح فيه إجهاض الجنين المشوَّه تشوُّهاً شديداً، واشترط أن يكون ذلك بقرار لجنة من الأطباء المختصين، وأن يتم الإجهاض قبل مرور (120) يوماً على الحمل، محسوبة من لحظة التلقيح بشروط ثلاثة هي:

¯ موافقة الزوجين،  ¯وعدم تعرض الحامل لخطر أشد، ¯ وشهادة طبيبين عدلين يتفقان على ضرورة الإجهاض، وأنه لا يترتب على الحامل خطر أشد من خطر الإجهاض.

5- إسقاط الجنين في غير حالة التشوه: أجمع الفقهاء- في تقديرهم- على أنه يحرم الإجهاض بعد نفخ الروح وهو أربعة أشهر (120 يوماً) من بدء الحمل، وإذا فعلته المرأة فأسقطت جنينها بعد نفخ الروح فيه يجب عليها ما يسمى بالغُرّة (دية الجنين) وهي خمسون ديناراً، وكذلك إذا فعله غير الأم ولو كان أباً للجنين.

ويحرم الإجهاض كذلك قبل نفخ الروح في رأي المالكية والظاهرية، ويسمى ذلك بالموءودة الصغرى.

وأجاز الحنفية وبعض الشافعية والحنابلة الإسقاط قبل مضي أربعين يوماً، ويكره ما بعد الأربعين وقبل نفخ الروح أو قبل الأربعين عند انعدام العذر. وأرى أن ذلك ينبغي تقييده في ضوء مقاصد الشريعة وعدم القول بالإطلاق إلا إذا كان ذلك لعذر مثل كون الجنين لا يعيش، أو فيه خطر على حياة الأم.

6- التحكم في جنس الجنين ذكورة وأنوثة: يرى الكثيرون جواز التحكم في جنس الجنين عن طريق طفل الأنبوب بين الزوجين فقط؛ لأن المعول على مراد الله تعالى، قال[: «ما من كل الماء يكون الولد، وإذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء». ورأى آخرون منع ذلك، وبه أخذ المجمع الفقهي الإسلامي التابع للرابطة في مكة المكرمة، وبه أيضاً أخذت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في الكويت عام 1403هـ/1983م إذا كان ذلك على مستوى الأمة، وأجازته على المستوى الفردي في رأي بعض المشاركين، ومنع بعض آخر.

7- أهلية الجنين: للجنين أهلية وجوب ناقصة؛ لأنه يحتمل الحياة والموت؛ ولأنه ليس للجنين وجود مستقل من كل وجه، فهو من وجه جزء من أمه كأنه عضو من أعضائها تابع لها، وهو من وجه آخر يعد مستقلاً عن أمه؛ لأن له حياة خاصة، وهو يتهيأ لأن ينفصل عنها بعد حين، ويصبح إنساناً مستقلاً. وأثبت الفقهاء له أربعة حقوق ضرورية له بالاتفاق هي:

أ- النسب من أبيه وأمه وأقاربهما.

ب- حقه في الميراث من مورثيه؛ لأنه متفرع عن النسب، فيوقف للحمل من تركة مورثه أكبر النصيبين على تقدير كون الحمل ذكراً أو أنثى.

ج، د- الوصية واستحقاق ما يوقف عليه من أوقاف؛ لأن الوصية والوقف يجوزان شرعاً لمن سيوجد، فيجوزان لحمل معين موجود بالأولى، لكن هذه الحقوق المالية من ميراث ووصية ووقف متوقفة على ولادته حياً. فإذا ولد ميتاً يرد الميراث للورثة الآخرين، والموصى به إلى ورثة الموصي، وغلة الوقف إلى من سواه من المستحقين. ولا أهلية له فيما سوى هذه الحقوق الأربعة من هبة له أو شراء له، سواء من والده أم غيره؛ لعدم الضرورة، ولأن الشراء له سيلزمه بالثمن، وهو غير أهل للالتزام، لذا يصرح الفقهاء بقولهم: «إن الحمل لا ذمة له».

وتثبت هذه الحقوق الأربعة للجنين إذا ولد حياً، ولو حياة تقديرية، كأن أسقط بجناية على أمه.

8- طرق تكوين الجنين: الجنين الذي تثبت له الحقوق المذكورة هو المتولد من علاقة زواج صحيح مشروع، فلا يكون الزواج الفاسد أو الزنا سبباً لثبوت النسب وغيره عند الجمهور، ويثبت النسب بالزواج الفاسد في رأي الحنفية، احتياطاً لإحياء الولد، وتجب العدة على المرأة من حين التفريق بين الرجل والمرأة في الصواب عند الحنفية، وكذلك تثبت عندهم حرمة المصاهرة، فيحرم على الرجل الزواج بأصول المرأة وفروعها، وتحرم المرأة على أصول الرجل وفروعه.

ويكون الولد المتخلق بوسيلة ما يسمى بطفل الأنبوب بين الزوجين فقط ولداً تثبت له الحقوق السابقة المقررة للجنين، وكذلك ما ينشأ بالتلقيح الصناعي بين الزوجين أيضاً بشروط ثلاثة في كلا هذين النوعين وهي:

أ- أن يكون التلقيح بين الزوجين من مائهما في أثناء قيام الزوجية، لا في العدة من طلاق أو وفاة.

ب- يمنع الاحتفاظ بالمني من الزوج منعاً باتاً، مثل بنوك النطف الشائعة في الغرب.

ج- أن تتم العملية بوجود الزوج نفسه.

وقد صدر القرار رقم (4) بشأن طفل الأنابيب - وينطبق ذلك على التلقيح الصناعي- من مجلس مجمع الفقه الإسلامي - ومقره جدة - في الدورة الثالثة عام 1407هـ/1986م عند الحاجة، مع تأكيد ضرورة أخذ كل الاحتياطات اللازمة: فأجاز الصورتين التاليتين:

أ- أن تؤخذ نطفة من زوج، وبويضة من زوجته، ويتم التلقيح خارجياً، ثم تزرع اللقيحة في رحم الزوجة نفسها.

ب- أن تؤخذ بذرة الزوج، وتحقن في الموضع المناسب من مهبل زوجته أو رحمها تلقيحاً داخلياً. ومنع كل وسيلة من وسائل الإنجاب التي يدخل فيها طرف ثالث بين الزوجين.

ولا يجوز اللجوء إلى ما يسمى بالاستنساخ (بأخذ البويضة من الأنثى، وسحب النواة منها، ثم تؤخذ نواة خلية من الذكر ليست نطفة، فتلقح بها البويضة التي نزعت نواتها) لما يترتب على هذه الطريقة من أضرار ومفاسد، وتغيير في خلق الله عز وجل.

9- التعقيم أو الإعقام: وهو استئصال القدرة على الإنجاب، وهو ممنوع بحسب قرار مجمع الفقه الإسلامي - جدة - في دروته الخامسة عام 1409هـ/1988م الذي جاء فيه:

أولاً- لا يجوز إصدار قانون عام يحدّ من حرية الزوجين في الإنجاب.

ثانياً- يحرم استئصال القدرة على الإنجاب في الرجل والمرأة، وهو ما يعرف بالإعقام أو التعقيم، ما لم تَدْع إلى ذلك ضرورة بمعاييرها الشرعية.

ثالثاً- يجوز التحكم المؤقت في الإنجاب بقصد المباعدة بين فترات الحمل أو إيقافه مدة معينة من الزمان، إذا دعت إليه حاجة يعتد بها شرعاً، بحسب تقدير الزوجين عن تشاور بينهما وتراض، بشرط ألا يترتب على ذلك ضرر، وأن تكون الوسيلة مشروعة، وألا يكون فيها عدوان على حمل قائم.

لكن لا مانع من العزل (وهو الإنزال خارج الفرج) لمنع الحمل، لإقراره من النبي r.

مراجع للاستزادة:

- ابن قدامة الحنبلي، المغني (دار المنار، عام 1367هـ).

- أحمد الدردير، الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي عليه (طبع دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي بمصر، من دون تاريخ).

- مصطفى أحمد الزرقاء، المدخل الفقهي العام (مطبعة جامعة دمشق، 1379هـ/1959م).

- محمد سلام مدكور، نظرة الإسلام إلى تنظيم النسل (دار النهضة العربية، مصر 1385هـ/1965م).

 


- التصنيف : العلوم الشرعية - النوع : العلوم الشرعية - المجلد : المجلد الأول: الإباحة والتحريم ـ البصمة الوراثية - رقم الصفحة ضمن المجلد : 67 مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق