logo

logo

logo

logo

logo

لينين (فلاديمير إيلتش-)

لينين (فلاديمير ايلتش)

Lenin (Vladimir Ilyich-) - Lenin (Vladimir Ilyich-)

لينين (فلاديمير إيليتش ـ)

(1870ـ 1924)

 

فلاديمير إيليتش أوليانوف (لينين) Vladimir Ilich Ulyanov (Lenin) قائد ثوري ومفكر روسي ماركسي، مؤسس الحزب الشيوعي الروسي (البلشفي) ومهندس أول ثورة بروليتارية، وباني أول دولة اشتراكية في العالم، ومطوِّر النظرية الماركسية في عصر الامبريالية.

ولد فلاديمير إيليتش أوليانوف-الذي عرف باسمه الحركي (لينين Lenin) - في 22 نيسان/إبريل في مدينة سيمبرسك Simbirsk. كان جده فلاحاً ووالده إيليا نيقولايفيتش أوليانوف ناظر مدرسة، ثم مفتشاً للمدارس الثانوية في منطقة سيمبرسك. أما والدته ماريا فكانت ابنة طبيب، وامرأة مثقفة. وكان أخوه الأكبر ألكسندر عضواً في جمعية إرادة الشعب السرية، وقد اشترك في محاولة لاغتيال القيصر ألكسندر الثالث، فاعتقل وأعدم في عام 1887.

أظهر لينين منذ دراسته الثانوية شغفاً بالقراءة والتعرف على آثار الكتاب والمفكرين الروس العظام. في عام 1887 التحق بجامعة قازان لدراسة القانون، وتأثر بالماركسية التي كانت تنتشر في أوساط المثقفين. اعتقل وفصل من الجامعة ونفي إلى قرية نائية بسبب مشاركته النشيطة في مظاهرات الطلاب حيث تفرغ لدراسة الماركسية. وبعد عام من نفيه سُمح له بالعودة إلى جامعة سانت بطرسبورغ طالباً غير مداوم. وفي عام 1891حصل على إجازة في الحقوق، ومارس المحاماة فترة قصيرة. وفي أثناء دراسته الجامعية انتسب إلى إحدى الحلقات الماركسية السرية، وترجم إلى الروسية أحد أهم أعمال ماركس وإنغلز.

في عام 1895 تمكن لينين من تجميع الحلقات الماركسية في بطرسبورغ في تنظيم واحد أطلق عليه «اتحاد النضال لتحرير الطبقة العاملة». وفي العام نفسه سافر إلى الخارج حيث التقى مع بليخانوف Plekhanov مؤسس منظمة «تحرير العمل» الماركسية، واتفق معه على إصدار نشرة باسم «البروليتاري» Proletari (العامل). وفي خريف عام 1895 عاد إلى روسيا حيث اعتقل مجدداً وحكم بالنفي إلى سيبيريا مدة ثلاثة أعوام. وهناك كتب في المنفى «تطور الرأسمالية في روسيا» الذي أثبت فيه أن الرأسمالية تتطور في روسيا، وأكد الدور الطليعي للطبقة العاملة وضرورة تحالفها مع الفلاحين الذين عدّهم مع العمال القوة الثورية الرئيسة.

بعد عودته من المنفى أصدر لينين صحيفة الإيسكرا Iskra (الشرارة) لتكون وسيلة للربط بين مختلف التنظيمات، كما نشر كتاب «ما العمل؟» الذي أوضح فيه حاجة الطبقة العاملة إلى حزب ثوري من طراز جديد. وبدأ التحضير للمؤتمر الثاني للحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي - الذي أخفق مؤتمره الأول التأسـيسي (1898) - في بلورة كيان تنظيمي للحزب بعد اعتقال قيادته. انعقد المؤتمر الثاني في تموز/يوليو 1903، وبرز فيه جناحان: البلشفيك Bolshevik الأكثرية بزعامة لينين، والمنشفيك Menshevik الأقلية بزعامة مارتوف Martov. وتركز الخلاف حول شروط العضوية في الحزب، ومبادىء تنظيمه، وحول الدور القيادي للطبقة العاملة في الثورة البرجوازية الديمقراطية.

في 9 كانون الثاني/يناير 1905 اندلعت في روسيا الثورة البرجوازية الأولى بعد المجزرة التي ارتكبها الجنود ضد العمال في يوم الأحد الدامي. وأعلن لينين في المؤتمر الثالث للحزب  نيسان/إبريل 1905 أن المهمة الرئيسة الراهنة هي تسليح الطبقة العاملة والتحضير للانتفاضة المسلحة. وعدّ سوڤييتات (مجالس) العمال التي تشكلت في أثناء الثورة أجنحة الحكم الثوري الشعبي. ولكن الثورة انتهت بالإخفاق وأعقب ذلك مرحلة قمع شديدة اضطر لينين معها إلى اللجوء إلى أوربا.

النهوض الثوري والموقف من الحرب العالمية الأولى:

بدءاً من عام 1910 بدأ النهوض الثوري في روسيا حين عمَّت البلاد مظاهرات كبيرة شارك فيها العمال والفلاحون، وفي عام 1914 اندلعت الحرب العالمية الأولى. وقد دان لينين الحرب بشدة لأنها حرب استعمارية ترمي إلى إعادة اقتسام العالم بين المتحاربين، ودعا إلى تحويلها إلى حرب أهلية لإسقاط الحكومات الرأسمالية. وفي هذه الفترة نشر كتابه الأهم «الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية» الذي تضمن استنتاجه بإمكانية انتصار الثورة الاشتراكية في بلد واحد.

في شباط/فبراير 1917 عمّت المدن الروسية الكبرى مظاهرات عمالية ضخمة، انضم إليها عشرات الآلاف من الفلاحين والجنود الفارين من الحرب. وتلبية لنداء البلاشفة أُعلن في البلاد إضراب سياسي عام أدى إلى سقوط القيصرية وانتصار الثورة البرجوازية الديمقراطية، وبدء مرحلة ازدواجية السلطة: سلطة الحكومة المؤقتة الرأسمالية، وسلطة السوڤييتات (مجالس العمال والفلاحين والجنود) التي عادت مجددا إلى الظهور.

في نيسان/إبريل 1917 عاد لينين إلى روسيا وطرح في «موضوعات نيسان» خطة ملموسة للانتقال من الثورة البرجوازية الديمقراطية إلى الثورة الاشتراكية. في هذه الفترة أدت الخسائر الجسيمة في الحرب وتدهور الوضع الاقتصادي إلى غضب شديد في أوساط العمال والفلاحين والجنود. وفي تموز/يوليو 1917 نظم البلاشفة في بتروغراد مظاهرة ضخمة تطالب بالسلم والأرض والخبز، ولكن الحكومة المؤقتة واجهت المظاهرة بقوة السلاح، وشنت حملة قمع واسعة ضد البلاشفة، فأعلن لينين انتهاء مرحلة ازدواجية السلطة، ودعا قيادة الحزب إلى العمل الفوري من أجل إسقاط سلطة البرجوازية عن طريق الانتفاضة المسلحة. وحدد ليلة السابع من تشرين الثاني/نوفمبر 1917 موعداً لذلك، وفي فجر ذلك اليوم نفذت خطة الانتفاضة بنجاح، وسقطت الحكومة الرأسمالية، واستولى البلاشفة على السلطة.

وفي اليوم نفسه، وافق المؤتمر الثاني لسوڤييتات عامة روسيا على انتقال السلطة إلى السوڤييتات وإعلان ولادة «الجمهورية السوڤييتية الروسية». وانتخب لينين رئيساً لمجلس مفوضي الشعب (رئيس مجلس الوزراء)، وأقر المؤتمر مرسوم السلام لوقف الحرب، ومرسوم الأرض الذي ألغى الملكية الإقطاعية و قضى بتوزيع الأرض على الفلاحين.

الانتصار على أعداء الثورة و وضع أسس بناء الاشتراكية:

في الفترة ما بين 1918- 1921 كان لينين يعمل على جبهتين:

الدفاع عن الوطن الاشتراكي، ووضع أسس بناء الاشتراكية.على الجبهة الأولى جندت جميع الإمكانات لدعم الجيش الأحمر في معاركه ضد الغزاة الأجانب وقوات الحرس الأبيض المعادية للثورة. وفي شتاء 1921 أمكن دحر المتدخلين الأجانب وإلحاق الهزيمة بأعداء الثورة في الداخل، ولقي انتصار الثورة تأييداً واسعاً من جانب الطبقة العاملة في مختلف أنحاء العالم.

وعلى الجبهة الثانية صاغ لينين برنامجاً متكاملاً لبناء الاشتراكية اشتمل على: بناء الصناعة الثقيلة، وكهربة البلاد، وإنشاء التعاونيات الزراعية على أساس طوعي، وتأسيس مصرف مركزي، وتحقيق إنتاجية عمل عالية من خلال تنظيم المباراة الاشتراكية… إلخ. وفي الفترة نفسها جرت تطورات مهمة أخرى كان من أبرزها تأسيس الأممية الشيوعية في آذار/مارس 1919، وإقرار أول دستور لجمهورية روسيا السوڤييتية الاشتراكية، ثم إنشاء اتحاد الجمهوريات السوڤييتية الاشتراكية في كانون الأول/ديسمبر 1922.

في أواخر آب/أغسطس 1918 تعرض لينين لمحاولة اغتيال برصاص مسموم على يد امرأة من الاشتراكيين الثوريين. وكان لهذه الإصابة، وللعمل المرهق الذي كان يقوم به في تلك الفترة تأثير سلبي على صحته، واضطر في عام 1922 إلى الاعتكاف في قرية غوركي قرب موسكو. وفي كانون الثاني/يناير 1924 أصيب بنزيف حاد في الدماغ أدى إلى وفاته.

أفكاره ومؤلفاته:

ترك لينين تراثاً فكرياً أسس لمرحلة جديدة في تطور النظرية الماركسية ارتبطت باسمه وعرفت بـ (اللينينية). ومن أبرز منجزاته:

- حول الامبريالية: اكتشف لينين سمات المرحلة الامبريالية للرأسمالية وقانون تطورها الذي يجري بقفزات ومن دون انتظام؛ مما يؤدي إلى الحروب بين البلدان الامبريالية من أجل إعادة اقتسام العالم، وفي مجرى التطور تظهر حلقات ضعيفة في جبهة الامبريالية يمكن أن تؤدي إلى انتصار الاشتراكية في عدد قليل من البلدان، أو حتى في بلد واحد. 

- حول تحول الثورة البرجوازية الديمقراطية إلى ثورة اشتراكية:

حلل طبيعة القوى المحركة في الثورة البرجوازية الديمقراطية.

- المرحلة الانتقالية إلى الاشتراكية:

صاغ جميع المسائل النظرية والعملية المتعلقة بالثورة الاشتراكية ودكتاتورية البروليتاريا ومرحلة الانتقال إلى الاشتراكية.

- حق الأمم في تقرير مصيرها، والتحالف بين الطبقة العاملة العالمية والشعوب المضطهدة:

أظهر تحليل لينين للإمبريالية ضرورة التحالف بين الطبقة العاملة العالمية وحركات التحرر الوطني في المستعمرات في النضال ضد الامبريالية، ودافع عن حق الأمم في تقرير المصير.

- موضوع الحزب:

طوَّر لينين فكرة ماركس عن الحزب، موضحاً أن الطبقة العاملة تحتاج إلى حزب ثوري من طراز جديد موحد الفكر والإرادة، ويبنى على أساس نظام الطاعة الحديدي ومبدأ المركزية الديمقراطية، ويقاد من قبل مجموعة من القادة المحترفين.

أحمد مكيّس

مراجع للاستزادة:

ـ مجموعة من المؤلفين السوڤييت بإشراف ب. ن بوسبيلوف، لينين: سيرة حياة، بالإنكليزية (دار التقدم، موسكو 1965).

ـ مجموعة من المؤلفين السوڤييت، تاريخ الحزب الشيوعي في الاتحاد السوڤييتي بالإنكليزية (دار النشر باللغات الأجنبية، موسكو).

ـ جوزيف ستالين، أسس اللينينية (دار الفارابي، بيروت 1954).


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد السابع عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 355
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1047
الكل : 58491461
اليوم : 63975

الإنكماش الإقتصادي

الانكماش الاقتصادي   الانكماش الاقتصادي deflation حالة تنتاب الحياة الاقتصادية نتيجة سياسة متعمدة في غالب الأحيان، يميل معها مستوى الطلب الكلي ليغدو أدنى من مستوى العرض الكلي، مما يؤدي إلى تقليص الفاعليات والتداول النقدي، وارتفاع قيمة العملة الوطنية وكلفة القروض، مع ميل مستوى الأسعار والأجور نحو الانخفاض. ومهما بدا هذا التعريف شاملاً فإنه لا يستطيع أن يحيط وحده بجميع أوجه الانكماش الاقتصادي. التطور التاريخي لمفهوم الانكماش إن مصطلح الانكماش حديث في الفكر الاقتصادي مثل مصطلح التضخم[ر] inflation. ففي المرحلة التي غلبت فيها المدرسة الكلاسيكية كان الانكماش ملحوظاً بوصفه نوعاً من الكساد الاقتصادي depression يحدث مؤقتاً بانتظار عودة التوازن العفوي بين العرض والطلب، أي بين الإنتاج والاستهلاك إلى حالته الطبيعية. لكن دخول الاقتصاد الرأسمالي في أزمات دورية منذ عام 1825 لفت النظر إلى ظاهرة الانكماش بوصفها وجهاً من أوجه الأزمة يظهر قبل الركود. وكان التضخم الذي لحظه الاقتصادي جان بودان في القرن السادس عشر قد غدا في القرن التاسع عشر مألوفاً. ولما دخل التضخم في الأدبيات الاقتصادية باسمه الإنكليزي المشار إليه أعلاه باتت كلمة الانكماش تعني عملية مقصودة لإزالة التضخم. وقد ارتبط مفهوم الانكماش بمفهوم التضخم ارتباطاً وثيقاً، لكنه بقي ارتباطاً وحيد الطرف، فالانكماش حلٌ للتضخم، في حين لا يقول أحد بأن الانكماش يجد حلّه في التضخم، بل في عودة التوازن. مع ذلك، فإن الانكماش حالة يمكن أن تصيب الاقتصاد على نحو عفوي. وهو يثير في الفكر الاقتصادي جملة من التعاريف، وتكمن صعوبة تحديده في طبيعته، وفي كونه مقصوداً أو غير مقصود، وخاصة عندما يختلط بغيره من الظواهر النقدية والاقتصادية. مهما يكن الأمر فإن الحدود التي يمكن حصر الانكماش فيها هي حدود العرض والطلب الكليين: كلما نزع الأول نحو الارتفاع نسبة إلى الثاني كان هناك انكماش، والعكس في التضخم، بغض النظر عن الأسباب التي أدت إلى ذلك. ومن هنا أيضاً كان الانكماش أمراً ملحوظاً في كل الاقتصاديات، رأسمالية كانت أم اشتراكية أم نامية. ففي الرأسمالية يمكن ملاحظة الانكماش، مثلاً، عندما يفقد اقتصاد السوق توازنه بعد بلوغه نقطة التشغيل الكامل بمفهوم الاقتصادي البريطاني كينز Keynes، كما يظهر كلما ارتسمت علامات التشاؤم على الحياة الاقتصادية نتيجة لإلغاء احتمالات الربح أو الإفلاس في المشروعات أو تعطيل عوامل الإنتاج أو زيادة نفقات الإنتاج. وفي الاشتراكية، يظهر الانكماش نتيجة تحديد أهداف للخطط الاقتصادية قاصرة عن استخدام جميع الموارد المتاحة أو لأن الإنفاق الإجمالي أقل من قيمة الناتج الإجمالي. أما في البلدان النامية، فيمكن أن يظهر الانكماش ردة فعل للسياسة الهادفة إلى رفع معدلات التنمية بأساليب تضخمية، مما لا تستجيب له البنية الاقتصادية الاجتماعية، فيقع الانكماش. الانكماش والركود يختلف الانكماش عن الركود Stagnation في أن الأول، وإن اتسم بتباطؤ الفاعليات، ينتظم في مجموعة من التدابير التي من شأنها إعادة التوازن إلى الاقتصاد، أمّا الركود فهو حالة تجتاح الاقتصاد فيصاب بانخفاض الإنتاج فارتفاع الأسعار ووقوع البطالة، وتنعكس آثار  ذلك كله على الحياة الاجتماعية. وقد يختلط الركود بالتضخم فيدعى آنذاك بالركود التضخمي Stagflation وهي الحالة التي تسيطر اليوم على اقتصاديات الدول الرأسمالية، إذ يقترن التضخم النقدي بالركود الاقتصادي. وإذا كان الانكماش هو الوجه الآخر للتضخم، فإن الركود هو الوجه الآخر للازدهار Prospérité. لكن لابد من الإشارة أيضاً إلى أن الانكماش، حينما يستوطن، يؤدي إلى الركود ومن هنا جاءت بعض الالتباسات في تحديد كل منهما. الانكماش النقدي باستثناء بعض الحالات النادرة التي كانت تقع فيما يعرف بالاقتصاديات الاشتراكية، إذ قد يحصل الانكماش النقدي نتيجة لتقديرات خاطئة غير مقصودة تقلل من تدفقات الكتلة النقدية مقارنة بالتدفقات السلعية، فإن الانكماش النقدي لا يكون إلا نتيجة لسياسة نقدية متعمدة تهدف إلى تقليص الكتلة النقدية المتداولة وتصل إلى حدود ما يسمى بالبزل النقديPonction Monétaire. وهذا البزل النقدي هو بقصد كبح جماح الأسعار أو إجبارها على الانخفاض بفعل التقليص القسري للكتلة النقدية. وتملك الدولة، من أجل ذلك، عدداً من الوسائل أهمها: الإقلال من الإصدار النقدي وسحب بعض فئات العملة من التداول، مما يرفع، في كل الأحوال، من قيمة العملة الوطنية وينعكس في انخفاض الأسعار. وتقوم التغطية في ضبط الإصدار النقدي وتعريف الوحدة النقدية بطريقة سليمة لتحقيق الاستقرار النقدي. لذلك تحرص الدولة على هذه التغطية حرصها على استقرار أسعار عملتها. قامت بلجيكة في الأعوام 1944-1946 بعملية انكماشية جمدت بها الأوراق النقدية والحسابات المصرفية، وقد أدى ذلك إلى استقرار التداول النقدي وازدياد القوة الشرائية بنسبة نمو الإنتاج وإلى انخفاض الأسعار. وأجرت ألمانية الاتحادية عام 1948 إصلاحاً نقدياً حدّت به من التدفقات النقدية المرتفعة في اقتصادها بتحويل المارك، عملة الرايخ القديمة، إلى دوتش مارك بنسبة: 1 إلى 10. وتظهر العلاقة بين الكتلة النقدية والأسعار بسهولة: فالأسعار = الكتلة النقدية/ كتلة المنتجات أو نسبة الكتلة النقدية إلى كتلة المنتجات فإذا نقصت الكتلة النقدية (مع بقاء كتلة المنتجات على حالها) أدى ذلك إلى انخفاض الأسعار. لكن هذه السياسة الانكماشية ما كان لها أن تنجح، كما يقول ريمون بار، لولا أن بلجيكة استطاعت تحقيق استيرادات مكثفة سمحت بها موجوداتها من القطع الأجنبي (الدولار)، ولولا أن ألمانية كان عليها أن ترد إلى الشعب عملته. وسياسة الانكماش النقدي تنطوي كذلك على محاذير اجتماعية وخاصة ما له علاقة بخسارة المدينين وتقوية مركز المدخرين، وقد تعجز وحدها عن تخفيض الأسعار، وقد اعتمدت أمريكة على هذه السياسة، في عهد نيكسون في السبعينات، غير أن الحدّ من السيولة النقدية في الاقتصاد الأمريكي أدى إلى تقليص الفاعليات الاقتصادية واستمرار الأسعار في الارتفاع، نتيجة للتضخم الناجم عن زيادة الكلفة، وكان لابد من مزج التدابير النقدية المقترحة من مدرسة شيكاغو بتدابير أخرى. وتفرض سياسة الانكماش النقدي نفسها على البلدان النامية، بيد أن نمط الإنتاج الغالب في معظمها يملك آلية يستحيل معها تطبيق هذه السياسة لمعالجة التضخم، وهذا النمط نفسه ينتقص من مسألة التغطية ويضرب عرض الحائط بكل المعايير لدى إصداره النقدي المكشوف، فيخلق بذلك توترات تضخمية تجبر السلطات النقدية على السير في اتجاه سياسة معاكسة. إن ارتفاع أسعار السلع الضرورية والفاخرة في هذه البلدان، نتيجة لنقص الإنتاج من جهة وانخفاض قيمة العملة الوطنية من جهة أخرى، يحدث نوعاً من الادخار الإجباري بالكف عن الاستهلاك، لكنه ادخار يذهب جله إلى الاكتناز والمضاربات والمتاجرة بالعملات الأجنبية وتهريبها فيستشري التضخم، وبذلك تتبخر رغبات «التقشف» المعلنة. الانكماش التسليفي وهو جانب من سياسة متعمدة للتسليف تلجأ إليها الدولة من أجل توجيه عملية توافر النقود وتحقيق الأهداف الاقتصادية والمالية في مرحلة التضخم. وقد تلجأ الدولة إلى تحقيق نوع من التنمية من دون تضخم، يتسم معه الاعتدال في السياسة التسليفية بنوع من الانكماش. وأهم التدابير في إطار الانكماش التسليفي هو تحكم مصرف الإصدار بالسيولة النقدية ورفع كلفتها، تارة عن طريق سعر إعادة الحسم مما يجبر مصارف الودائع على رفع معدلات الحسم لديها والإبطاء  في العمليات التي من شأنها إيجاد وسائل الدفع وطوراً عن طريق منح الاعتمادات، وذلك بالتأثير في معدلات الفائدة في السوق المالية، وسلوك سياسة السوق المفتوحة open market فتبيع الدولة ما لديها من أوراق مالية تمتص بفضلها جزءاً من الودائع لدى البنوك مقلصة بذلك السيولة لدى هذه الأخيرة مما يحدّ من قدرتها على التسليف. وتعمد السلطات المالية إلى تدابير متممة منها تطبيق نظام الاحتياطي الإلزامي على المصارف، بحملها على إيداع نسبة من الأموال لدى المصرف المركزي معادلة لجزء من ودائع الزبائن، كما تفرض رقابة صارمة على السيولة النقدية يحظر بموجبها على المصارف تجاوز الاعتمادات، التي تمنحها، للمعدل الوسطي لمجموع المبالغ المودعة لديها. ويمكن أن يضاف إلى ذلك ترشيد تخصيص الاعتمادات للمشروعات وفئاتها بطريقة اصطفائية ومنع منح هذه الاعتمادات لغايات المضاربة، وذلك بتحديد سقف الاعتماد الممنوح لبعض المشروعات. وتلجأ أكثر الدول النامية إلى سياسة الانكماش التسليفي لمجابهة التضخم ومنها سياسة سعر الفائدة، لكن هذا الإجراء الأخير محكوم عموماً بأسعار الفائدة في الأسواق المالية الدولية. كما أن أسلوب التمويل بعجز الميزانية المنتشر في هذه الدول يستدعي الاقتراض من المصارف، إذ تلجأ الدولة إلى ذلك مقابل أذونات خزينة، وغالباً من دونها، مما يعرقل سياسة الانكماش ويفتح الباب لضدها. الانكماش في الإنفاق حين يقع الخلل بين حجم الإنتاج وحجم الإنفاق من تزايد هذا الأخير واتساع «الفجوة التضخمية»، تبدو سياسة الحدّ من الإنفاق الخاص والعام (حين لا يمكن زيادة الإنتاج) مسألة لابدّ من حلها وتأخذ الصور التالية: 1ـ في مجال الإنفاق الخاص: أول ما يخطر على البال هو تخفيض الأجور. والمعلوم أنه ليس لتخفيض الأجور والرواتب مكان واسع في الفكر الاقتصادي ولا هو مستحب في مراحل التطور الاقتصادي الاجتماعي. وأمام قضية ربط الأجور بالأسعار وتثبيت الأجور، وربط الأجور بالإنتاجية اختفت نغمة تخفيض الأجور. وقد يمكن تصور سياسة لتخفيض الأجور في الاقتصاديات الاشتراكية لدى زيادة فوائض الكميات المنتجة وانخفاض الأسعار. لكن هذا يبقى غير مستحب من الناحية النفسية، ولذلك تستعيض الدولة عن تخفيض الأجور بزيادة الضرائب لامتصاص القوة الشرائية الزائدة. وتفضل الضرائب الشخصية المباشرة بشرط أن تصيب جميع الدخول المعلنة التي كان من السهل التهرب من إعلانها. أما الضرائب غير المباشرة فهي، لاشك، تحدّ من الاستهلاك لكنها تؤدي أيضاً إلى ارتفاع الأسعار نتيجة ثقل عبئها، مما يقود إلى نوع آخر من التضخم. لذا فإن استعمال الضرائب غير المباشرة لا يكون على العموم مجدياً إلا إذا أصاب سلع الاستهلاك الترفي. 2ـ في مجال الإنفاق العام: تلجأ السلطات المعنية إلى السياسة الانكماشية في الموازنة العامة وذلك بالإقلال من النفقات من جهة وتحقيق وفر في الموازنة من جهة أخرى. وهو أمر يمكن أن ينجح في الاقتصاديات الرأسمالية والاشتراكية. أما في الاقتصاد المتخلف، والمعلوم هنا أن نسبة كبيرة من النفقات العامة الحكومية تميل إلى الارتفاع، كالرواتب والنفقات الإدارية والدفاعية والأمنية، فإن الحد من الإنفاق العام مهما تصدت له السلطات المعنية لا يذهب إلا إلى الإنفاق الاستثماري. ومن هنا كانت المفارقة؛ فالتنمية تتطلب زيادة في الإنفاق الحكومي لزيادة كمية المنتجات، والانكماش (التقشف) يعمل، بتخفيض هذا الإنفاق، على تخفيض إنتاج البضائع والخدمات الضرورية. ولذا كان لابد لهذه السياسة من أن تأخذ بالحسبان صعوبة تقليص النفقات والتعويض منها بالحصول على الموارد. ولا ينجح ذلك إلا في مرحلة يتهيأ فيها الاقتصاد المتخلف للانتعاش. وفي هذه البلدان المتخلفة ذاتها لابد لسياسة الانكماش في الإنفاق من أن تعمل على امتصاص القوة الشرائية الإضافية لدى ذوي الدخول العالية لردها إلى الدولة وتوجيهها نحو الاستثمار وزيادة التراكم. كما أن استقرار الأسعار، ولو بصورة نسبية، يبقى ضماناً لنجاح سياسة الانكماش في الإنفاق، إضافة إلى أن هذا الاستقرار يساعد على الاستقرار في أسعار الصرف وتحسين مركز البلد النسبي في التصدير. ومن ثم لابد من إخضاع أسعار الخدمات للمراقبة وإلا فإن الفعاليات الخدمية تنشط على حساب الفعاليات السلعية، مما يوجد خللاً يصعب إصلاحه، يسير في خط التضخم نفسه الذي يراد كبحه. الانكماش والاقتصاد الوطني درج الفكر الاقتصادي على دق ناقوس الخطر كلما سار الاقتصاد الوطني في طريق الانكماش. لأن الانكماش يؤدي إلى الكساد وهذا يحمل أسوأ العواقب على العمالة والفعاليات الاقتصادية. ولعل أكبر سابقة من هذا النوع كانت أزمة الثلاثينات (1929 وما بعدها). هذه الأزمة وضعت الفكر الاقتصادي أمام حالة من الانكماش أدت إلى الكساد إذ اجتاحت البطالة الولايات المتحدة وبريطانية وأكثر الدول الأوربية. مما دعا الاقتصاديين إلى التفكير بالوسائل الضرورية للخروج من الأزمة. أسهمت التدابير الكينزية إسهاماً تاريخياً حين طالبت برفع الأجور الاسمية لرفع مستوى الطلب الفعال، وحين اشتركت الدولة في هذا وفي حل مشكلة البطالة عن طريق زيادة الإنفاق الحكومي وتمويل عناصره، ولاسيما «التمويل بعجز الموازنة» إذ تخطت الاقتصاديات الرأسمالية أزمتها بفضل هذه التدابير منتقلة إلى مرحلة من الازدهار، ثم عاشت بعدها في نشوة زيادة الإنتاج والاقتراب من مستوى التشغيل الكامل حتى بداية السبعينات حين اندلعت الأزمة الرأسمالية الجديدة، وهي أزمة جديدة اجتمع فيها التضخم والركود، فكان من الطبيعي أمام الركود التضخمي أن تفقد التدابير الكينزية مسوغاتها، وأن تعود الرأسمالية إلى تدابيرها التقليدية (الكلاسيكية) لمعالجة التضخم بتوازن الموازنة والاستقرار النقدي وضغط الإنفاق، مكتشفة أهمية السياسة الانكماشية، أي أن تعود إلى تدابيرها التقليدية لمكافحة الركود ومن أهمها الاتجاه بقوة نحو الأسواق الخارجية وجبهات القتال لتصريف فائض الإنتاج ولاسيما فائض إنتاج «العهد الصناعي الثالث» الذي تمخضت عنه الأزمة نفسها. لكن التدابير الكينزية مازالت تجد تطبيقاتها في البلدان النامية والمنطقة العربية منها خاصة في شروط لم تخطر على بال كينز، مما يؤجج التضخم ويقضي على التضامن الاجتماعي في هذه البلدان، حيث العمالة ذات دلالات مختلفة عما هي عليه في البلاد الرأسمالية، يتعايش التضخم الجامح مع البطالة بمختلف صورها، ولكن ليس لأسباب انكماشية قادت إلى الركود، بل لأسباب تضخمية سابقة، هي على العموم من منشأ نقدي (تواتر الإصدار النقدي الكينزي بلا تغطية) ولوجود آلية تخريبية في نمط الإنتاج الغالب تعطل الفعاليات السلعية لصالح النشاطات الخدمية الطفيلية. ولذلك، فإن الإمعان في استعمال «الوسائل الكينزية»، لأنها أسهل الوسائل، يؤدي إلى توفير سيولة نقدية تفوق المقدرة الإنتاجية الحقيقية، مما يطلق التضخم ولا يسمح لأي سياسة انكماشية أن تعمل بأي حال من الأحوال. في هذه البلدان النامية لابد إذن من إحداث «الانعكاس» في الآلية المذكورة للتصدي بحزم للتضخم،) لأن البطالة في عوامل الإنتاج ليست بسبب الانكماش). ويجب أن تعمل سياسة الانكماش في هذه البلدان للتأثير في العرض والطلب الكلي معاً، ويكون ذلك حتماً بالحدّ من زيادة الكتلة النقدية للحدّ من جموح الطلب الاستهلاكي، وبالعمل على ساحة العرض لزيادة إنتاج السلع الزراعية والصناعية، وفي هذا المجال يجب إعادة هيكلة الجهاز الإنتاجي واتخاذ جميع التدابير للتركيز على زيادة الإنتاجية وتنمية الموارد. وهكذا يؤمل الحصول على توازن في مستوى معين من الأسعار يتعامل مع مستوى معين من الأجور والرواتب. إن عدم أخذ السياسة الانكماشية لمسألة الطلب الكلي في الحسبان هو كعدم مراعاة «سياسات التنمية بالتضخم» لقضية العرض الكلي في البلدان النامية. ولذا فإنه من أجل الحد من القوة الشرائية المتزايدة لابد من التعرض للريوع السهلة والأرباح الناشئة عن الوضع الاقتصادي الاجتماعي المتخلف ويكون ذلك بالضرائب المباشرة. إن تعقيم القوة الشرائية المتراكمة بين أيدي فئات المستغلين والمضاربين والعابثين بمؤسسات الدولة يستدعي توجيه الفوائض إلى حساب خاص في الخزينة يخصص لزيادة الإنتاج. إلى ذلك كله يضاف ما له علاقة بمراقبة الاستيراد والتصدير ومعدلات الصرف ومكافحة التهريب وتسرب العملات إلى الخارج. ولعل ذلك يستدعي بالضرورة تغيير نمط الإنتاج الغالب.    إسماعيل سفر   الموضوعات ذات الصلة:   التضخم.   مراجع للاستزادة:   ـ إسماعيل سفر، محددات السياسة الاقتصادية العربية المعاصرة (1983)، أزمة الرأسمالية وعاملها الخارجي (1984)، النظرية الكينزية والمأساة الاقتصادية ـ الاجتماعية (1985): منشورات جامعة الدولة بمونص (بلجيكة) مركز الدراسات والبحوث العربية (CERA). -PR.R. BARRE , Economie politique (PUF, Paris 1964).
المزيد »