logo

logo

logo

logo

logo

المغنطيسية الأرضية

مغنطيسيه ارضيه

Geomagnetism - Géomagnétisme

المغنطيسية الأرضية

 

بدأ استخدام المغنطيسية بعد اكتشاف حجر المغنطيس lodestone، وهو حجر غني بالمغنيتيت Fe3O4 أو أكسيد الحديد المغنطيسي، وكان الصينيون أول من استخدمه لصناعة البوصلة، قبل الميلاد بعدة قرون. وصلت البوصلة عن طريق التجار العرب إلى أوربا في نهاية القرن الثاني عشر. ثم عُرفت الخواص المغنطيسية للأرض عندما طبع الإنكليزي ويليام جلبرت William Gilbert كتابه «المغنطيس» The Magnet عام 1600، وبعدها ابتدأ قياس تغيرات الحقل المغنطيسي الأرضي geomagnetic field في مرصد لندن.

ينشأ  نحو 99% من الحقل المغنطيسي الأرضي في باطن الأرض، ويبدو بشكل حقل مغنطيسي ثنائي القطب dipole field يمتد داخل الأرض من القطب المغنطيسي الأرضي الشمالي إلى القطب المغنطيسي الأرضي الجنوبي، ويبعد نحو 400 كيلومتراً عن مركز الأرض ويميل بزاوية مقدارها 11.5 درجة عن محور دوران الأرض. تقع إحداثيات القطبين، حيث يكون الحقل المغنطيسي الكلي شاقولياً على سطح الأرض في 73 درجة شمالاً، 100 درجة غرباً، للقطب المغنطيسي الشمالي، وفي 68 درجة جنوباً، 143 درجة شرقاً ، للقطب المغنطيسي الجنوبي. تراوح شدة الحقل المغنطيسي الأرضي الكلي total geomagnetic field  بين 30000 نانوتسلا (0.3 nanotesla أورستد oersted) في منطقة خط الاستواء، و60000 نانوتسلا (0.6 أورستد) في منطقة القطب المغنطيسي.

مركبات الحقل المغناطيسي الأرضي

يمكن تمثيل الحقل المغنطيسي الأرضي الكلي بمتجه فراغي، اصطلح على اعتباره موجباً تحت الأفق في النصف الشمالي من الكرة الأرضية وفوق الأفق في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية، ومن ثم يمكن تحليله إلى مركِّباته الآتية: المركِّبة الشمالية northern (X) component، والمركِّبة الشرقية (Y) eastern component، والمركِّبة الشاقولية (Z) vertical component، وهي موجبة نحو الأسفل، والمركِّبة الأفقية horizontal component (H)  وهي محصلة المركِّبتين الشمالية والشرقية في المستوى الأفقي، والانحراف المغنطيسي (D) magnetic declination هو الزاوية التي تشكلها المركِّبة الأفقية (اتجاه الشمال المغنطيسي الأرضي) مع المركِّبة الأفقية (اتجاه الشمال الجغرافي)، والميل المغنطيسي (I) magnetic inclination هو الزاوية التي يشكلها الحقل المغنطيسي الأرضي الكلي مع الأفق. تربط بين هذه المركِّبات العلاقات الرياضية التي تطبق على متجه فراغي، بحيث يمكن استنتاج بعض المركِّبات من المركِّبات المقيسة.

يعتقد أن هذا الحقل، بناء على فرضية المولِّد ذاتي التحريض self-exciting dynamo، ناتج من دوران الأرض وحركات السوائل الناقلة كهربائياً في النواة الخارجية للأرضouter core . ويتلخص ذلك بأنه لكون النواة الخارجية للأرض سائلة نسبياً (أقل لزوجة) بالنسبة إلى النواة الداخلية inner core من الأسفل وإلى المعطف mantle السفلي من الأعلى [ر: الأرض]، لا تستطيع النواة الداخلية الدوران بسرعة دوران الأرض حول محورها، مما يؤدي إلى تأخر في دوران النواة الداخلية، وهذا بدوره يؤدي إلى حدوث دوَّاماتeddies  في السوائل الناقلة كهربائياً الموجودة في النواة الخارجية، وبالتالي تتشكل تيارات كهربائية حلقية spiral electric currents في كل دوامة، وهي بذلك تشكل مايشبه الوشيعة الكهربائية [ر:المغنطيس] التي تنتج حقلاً مغنطيسياً يتجه باتجاه محور الدوامة، ومن ثم تُنتج هذه الدَّومات حقلاً مغنطيسياً موازياً لمحور دوران الأرض حول محورها.

اصطلح على أن يكون اتجاه خطوط القوة المغنطيسية lines of magnetic force من القطب الجنوبي إلى القطب الشمالي، خارج الأرض ومن القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي داخل الأرض. تكون هذه الخطوط موازية لسطح الأرض في منطقة خط الاستواء وتبدأ بالميل تدريجياً تحت الأفق مع التوجه شمالاً إلى أن تصبح شاقولية على سطح الأرض في منطقة القطب الشمالي المغنطيسي والعكس عند التوجه جنوباً.

لقد صُمِّمت أجهزة لقياس المركِّبات المختلفة للحقل المغنطيسي الأرضي، منها ما يستخدم في المراصد المغنطيسية magnetic observatories، ومنها ما يُستخدم للمسح المغنطيسي الجوي أو البحري أو القاري، كما يمكن استنتاج بعض المركِّبات من معرفة بعضها الآخر باستخدام العلاقات الرياضية التي تربط بينها.

يمكن رسم خرائط لخطوط تساوي أي من المركِّبات المذكورة، فقد رسمت أول خريطة لتساوي الانحراف المغنطيسي isoclinic map في المحيط الأطلسي عام 1701 بوساطة هاليHalley، ثم رسمت أول خريطة لتساوي الميل المغنطيسي isogonic map عام 1777 بوساطة ويلكي Wilcke. ولتغير الحقل المغنطيسي الأرضي في الزمان والمكان كان لابد من تعديل هذه الخرائط بين فترة وأخرى لاستخدامها في الملاحة الجوية والبحرية والتوجه القاري. وقد استمرت هذه الخرائط فترة طويلة من الزمن موجهاً رئيسياً للسفن والطائرات.

تستخدَم الخرائط المغنطيسية التي تُرسَم في أثناء المسح المغنطيسي الجوي أو البحري أو القاري في التنقيب عن الفلزات minerals  المغنطيسية، مثل المغنيتيت أو الهيماتيت Fe2O3 التي تعدّ من أهم الأكاسيد الحديدية، أو في اكتشاف التراكيب الصخرية الحاوية على فلزات مغنطيسيتها أعلى من الوسط المحيط فتولد شواذاً في القيم المغنطيسية بالنسبة إلى الوسط المحيط، والتي قد تكون مرافقة لتشكل المصائد البترولية أو الطبقات الحاملة للماء. فمن المعروف أن المسح المغنطيسي الجوي هو أول القياسات الجيوفيزيائية التي تُجرى في بلد ما لسرعة تنفيذه وقلة كلفته، ومن دراسة الخرائط المغنطيسية الجوية المرسومة من هذا المسح يتم الانتقال لتطبيق الدراسات الجيوفيزيائية والجيولوجية العلمية أو التنقيبية.

وتكتسب الصخور مغنطيسيةً تدعى المغنطيسية القديمة [ر:المغنطيسية القديمة]palaeomagnetism ، عبر الأزمنة الجيولوجية، التي قد تبلغ عدة مليارات من السنين، ويتطلب تشكلها احتواء الصخر على فلزات مغنطيسية وبوجود حقل مغنطيسي خارجي، ولهذه المغنطيسية تطبيقات بنيوية وتكتونية tectonic كثيرة. لكن المغنطيسية القديمة التي تتعامل مع مغنطيسية المواد التي يبلغ عمرها عدة الآف من السنين تدعى المغنطيسية الآثارية [ر:المغنطيسية الآثارية] archaeomagnetism، وفيها تكتسب الصخور والمواد الآثارية الحاوية على فلزات مغنطيسية (مثل الحديد أو أكاسيده) مغنطيسية متحرضة، بوجود الحقل المغنطيسي الأرضي الحالي، وتُستخدم في دراسات متعددة أهمها تأريخ الأوابد الأثرية.

يتغير الحقل المغنطيسي الأرضي مع الزمن، ويمكن حصر هذه التغيرات بما يأتي:

أولاً ـ التغيرات القرنية:secular variations  وهي تغيرات بطيئة في الحقل المغنطيسي الأرضي يمكن ملاحظتها في عقود أو قرون من الزمن، وبمعدل متغير مع الزمن، ويمكن ملاحظتها  في تسجيلات جميع المراصد المغنطيسية العالمية. وليس لهذه التغيرات تأثير في القياسات اليومية التي تُجرى في أثناء المسح المغنطيسي بسبب طول الفترة الزمنية اللازمة لبلوغها قيمة ملموسة، لكنها تستخدم في الدراسات الجيوفيزيائية المتعلقة بباطن الأرض.

ثانياً ـ التغيرات اليومية diurnal variations : وهي تغيرات صغيرة نسبياً لها دور مقداره يوم واحد، ومتوسط سعتها 25 نانوتسلا، ويتم تسجيلها في المراصد المغنطيسية العالمية جميعها، وتقسم إلى قسمين:

1- التغيرات الشمسية اليومية:solar diurnal variations  تبلغ سعتها نحو 40 نانوتسلا، وتعتمد على وضع الشمس بالنسبة إلى الأرض، وتشتد في أثناء الصيف بسبب تأثير الجسيمات المشحونة الواردة من الشمس في الغلاف الأيوني للأرض.

2- التغيرات القمرية اليومية lunar diurnal variations : يبلغ متوسط سعتها 2 نانوتسلا ولها دورية مقدارها 25 ساعة، ويعزى تشكلها إلى تأثير القمر في الغلاف الأيوني ionosphere للأرض، في أثناء دورانه حول الأرض. هذه التغيرات أقل أهمية من التغيرات اليومية الشمسية لانخفاض سعتها.

يجب التخلص من تأثير هذه التغيرات اليومية في أثناء المسح المغنطيسي، بالقيام بما يدعى التصحيحات المغنطيسية اليوميةmagnetic diurnal corrections ؛ لكونها تغيرات مصدرها الفضاء، ومن ثم يتم حذفها للوصول إلى الشواذ المغنطيسية الواردة من الصخور الأرضية بهدف تعيين الأجسام الصخرية المسببة للشواذ المغنطيسية في منطقة الدراسة.

ثالثاً ـ العواصف المغنطيسة magnetic storms: وهي تغيرات مفاجئة عالية القيمة وسريعة وغير متوقعة، قد تبلغ سعتها عدة مئات من  النانوتسلا في ساعات بين خط الاستواء وخط عرض 60 درجة شمالاً أو جنوباً، وقد تزداد سعتها كثيراً في المناطق القطبية، حيث تؤدي إلى حدوث الشفق القطبي aurora الذي يمكن رؤيته في خطوط عرض دنيا في أثناء العواصف المغنطيسية الشديدة. تنتج هذه العواصف المغنطيسية من البقع الشمسية solar spots، وهي انفجارات على سطح الشمس، تؤدي إلى إصدار سيل جارف من الجسيمات المشحونة كهربائياً التي تنطلق في الفضاء وعندما تصطدم بالغلاف المغنطيسي للأرض، تؤدي إلى انضغاطه ومن ثم تزداد شدة المغنطيسية المسجلة بأجهزة تسجيل المراصد أو المسح المغنطيسي الحقلي. وفي الوقت نفسه تسير هذه الجسيمات وفق خطوط الحقل المغنطيسي الأرضي باتجاه القطبين المغنطيسيين الشمالي والجنوبي، فينتقل جزء من طاقتها إلى الجسيمات المحايدة في الغلاف الجوي ما يؤدي إلى تهيج الإلكترونات إلى مستويات طاقة عليا، بحيث تطلق إشعاعاً عند عودتها إلى مستويات طاقتها الأصلية، يظهر في المناطق القطبية الشمالية والجنوبية بشكل تألق ضوئي بألوان زاهية في السماء، وهو ما يُعرف باسم الشفق القطبي. يجب إيقاف أي نوع من المسح المغنطيسي عند حدوث العاصفة المغنطيسية أو إهمال التسجيلات المغنطيسية التي جرت في أثناء العاصفة المغنطيسية، لأنها تعطي قيماً خاطئة لهذه التسجيلات ومن ثم لاتعبر عما هو موجود في باطن الأرض.

أدت دراسات حقول الجاذبية لكواكب المجموعة الشمسية solar system  والقياسات التي أجرتها المركبات الفضائية إلى استنتاج وجود حقول مغنطيسية أو غيابها حول الكواكب. فمن المؤكد أن القمر يفتقر إلى الحقل المغنطيسي ثنائي القطب، لكن العينات الصخرية التي جلبتها المركبات الفضائية تحمل مغنطيسية متبقية متغيرة الاتجاه. يُعتقد أن هذه المغنطيسية المتبقية ناتجة من حقل مغنطيسي ضعيف نتج من مولد ذاتي التحريض داخلي خمد مع الزمن فتناقصت شدة المغنطيسية مع الزمن، أي إن هذه المغنطيسية في صخور القمر هي الأثر الباقي الذي يدل على أنه كان للقمر حقلٌ مغنطيسيٌ في مرحلة مبكرة من حياته، تكوّنت فيه في أثناء تبرده نواة داخلية، مثل حال الأرض اليوم، ما ساعد على نشوء المولد ذاتي التحريض، واختفى هذا الحقل عندما تصلب القمر وتحول إلى ما هو عليه اليوم.

من الثابت اليوم أن لكواكب عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل وأورانوس مغنطيسية تراوح بين الضعيفة مثل المريخ والقوية جداً مثل المشتري. إن وجود حقل مغنطيسي حول أي كوكب يعد مؤشراً على وجود نواة داخلية، وأن الكوكب لم يصل إلى مرحلة الخمود والتبرد الكامل للمواد المنصهرة التي تكوّن منها الكوكب ذات يوم.

لوجود الحقل المغنطيسي حول الأرض أهمية بالغة إذ إنه لولا هذا الحقل لما وجدت حياة على سطح الأرض، فهذا الحقل المغنطيسي يقوم بدور الدرع الواقي للأرض من السيل الجارف من الجسيمات المشحونة، التي تُدعى الأشعة الكونية cosmic rays، التي ترد إلى الأرض من الشمس والفضاء الخارجي، والتي تقضي على كل حياة على سطح الأرض في حال غياب الحقل المغنطيسي. بناء على هذه الفكرة وضعت نظرية تفسير اختفاء الديناصورات والعديد من الأحياء التي ظهرت على سطح الأرض بسبب ضعف الحقل المغنطيسي الأرضي في تلك الفترة الزمنية ما سمح للأشعة الكونية بالوصول إلى الأرض بكميات كبيرة أدت إلى القضاء على تلك الأحياء.

 

جمال أبو ديب

الموضوعات ذات الصلة:

الأرض ـ المغنطيس ـ المغنطيسية الآثارية ـ المغنطيسية القديمة

مراجع للاستزادة:

ـ جمال أبوديب، الطرائق المغنطيسية في التنقيب (مطبوعات جامعة دمشق، 1997).

ـ جمال أبوديب، الجيوفيزياء العامة (مطبوعات جامعة دمشق، 1995).

- D.H.TARLING, Palaeomagnetism (Chapman and Hall, London1983).

- M.W.McELHINNY, Palaeomagnetism and Plate Tectonics (Cambridge University Press1973).


التصنيف : الكيمياء و الفيزياء
النوع : علوم
المجلد: المجلد التاسع عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 199
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1043
الكل : 58481932
اليوم : 54446

سوفرون

سوفرون (القرن الخامس ق.م)   سوفرون Sophron كاتب مسرحي إغريقي عاش في مدينة سرقسطة (سيراكوزة) Siracusa في جزيرة صقلية Sicilia ومات فيها نحو 410 ق.م، وكانت هذه المدينة آنئذ إحدى حواضر الثقافة اليونانية الغربية المزدهرة.
المزيد »