logo

logo

logo

logo

logo

الموحدون (الدروز)

موحدون (دروز)

- -

الموحدون (الدروز)

 

الموحدون أو أهل التوحيد المعروفون بالدروز؛ مذهب تفرع عن الإسماعيلية[ر] وتوقف عن نهج الإمامة في عهد الحاكم بأمر الله[ر] الفاطمي السادس من بدء الخلفاء الفاطميين في المغرب.

بدء الدعوة والتسمية:

بدأت دعوة الموحدين بالانتشار في عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي بوساطة النذر (المبشرون)؛ يبشرون بقدوم دعوة التوحيد، وكان النذير الأول في دعوة النذر أبا الخير سلامة بن عبد الوهاب السامري الذي أخذ يهيئ الناس لتقبل دعوة التوحيد، وبعد سبع سنين تسلّم الدعوة أبو عبد الله محمد ابن وهب القرشي في 394هـ، وبعد سنوات ترأس الدعوة أبو إبراهيم إسماعيل بن محمد التميمي وذلك سنة 401هـ. وفي سنة 407هـ اتخذ الدعاة مسجد ريدان خارج أسوار القاهرة مركزاً يجتمعون فيه بكبير الدعاة حمزة بن علي بن أحمد الشهير بالزوزني نسبة إلى ولادته في زوزن بإيران. وفي سنة 408هـ دعا حمزة إلى (تجلي القدرة الإلهية في صورة الحاكم بأمر الله البشرية)، وأصبح حمزة من دعاة الحاكم بأمر الله، وينظر إليه على أنه المؤسس الحقيقي للمذهب الذي عدّه الفاطميون خروجاً وبدعة.

انتشرت دعوة الموحدين في زمن الحاكم بأمر الله الفاطمي بطرق كثيرة؛ منها الدروس التي كانت تُلقى بالجوامع والأماكن العامة بوساطة دعاة كثيرين، وقد لاقت الدعوة رواجاً ولاسيما في وادي التيم وحلب وأنطاكية وصفد والشوف والعرقوب والمتن، غير أن تعرض الموحدين لأزمات كثيرة مثل اضطهادهم أو صعوبة نشر الدعوة والعداوة والحروب التي شُنت ضدهم وغيرها؛ أجبرتهم على النزوح إلى الجبال.

في الأول من شهر محرم سنة 408هـ، نودي بحمزة بن علي بن أحمد إماماً للموحدين، وأخذ الدعاة يدعون الناس إلى التوحيد، ويأخذون على من استجاب ميثاقاً يكتبه على نفسه ويتعهد فيه باتباع أوامر الدعوة، هذا في الوقت الذي كان قد ظهر بمدينة القاهرة سنة 408هـ/ 1017م مع حمزة اثنان هما حسن بن حيدرة الفرغاني المعروف بالأخرم، ومحمد بن إسماعيل الدرزي المعروف بنشتكين. وكان الدرزي أسبقهم إلى نشر الدعوة إذ تسمّت باسمه، ورأى هؤلاء الثلاثة تنافس الناس على موالاة الحاكم، ونسب أفعاله إلى أسرار خفية غير بشرية. وسُمّيت سنة 408هـ عند الموحدين؛ وهي السنة الأولى لظهور حمزة بالدعوة «سنة الكشف»، وهي السنة التي أعلن حمزة فيها تجلي القدرة الإلهية في صورة الحاكم، وظهرت بعدها حماقات الداعي نشتكين الدرزي الذي نُسب الدروز إلى اسمه ولاسيما في ديار الشام.

ظهر حمزة بالدعوة في أثناء السنوات 408هـ و410هـ و411هـ، أما سنة 409هـ فقد استثنيت من سني حمزة. وبعد غيبة الحاكم عند آخر سنة 411هـ اختفى حمزة في أوائل سنة 412هـ من وجه نقمة طوائف المسلمين عليه.

وبسبب ارتداد نشتكين ونكوثه بعهوده تجاه مذهب التوحيد، واعتقاده أنه أولى بالإمامة من حمزة واستغلال مكانته في القصر وتسلطه على بيت المال، واستقلاله بكتابة الرقاع إلى بعض الدعاة الإسماعيليين فقد وقع الخلاف بينه وبين حمزة؛ فكتب إليه حمزة محذراً ودعاه إلى الإقرار بإمامة حمزة حتى تميل إليهم قلوب العالم وترتفع ألسنتهم عنه (رسالة الرضا والتسليم)، إلا أن الدرزي مضى في غيّه وغطرسته ومعاندته، وأصبح بنظر حمزة والدروز من بعد «الضد» على الإطلاق، وأصبح نشتكين حاسداً متكبراً عاصياً، يقول فيه حمزة «وغطريس هو نشتكين الدرزي الذي تغطرس على الكشف بلا علم ولايقين. وأبى أن يسجد لمن نصبه المولى جل ذكره وقلده واختاره وجعله خليفة في دينه. فتغطرس على الدين طالباً للرئاسة» (رسالة الغاية والنصيحة)

ويعدُّ الدرزي بنظر حمزة والدروز هو «العجل» والعجل هو الضد، وقد أصبح كل ضد يسمى العجل. وسمي الضد عجلاً لأنه ناقص العقل، عجول في أمره. وبسببه أخذ الدروز اسمهم من الدرزي؛ واتهمهم الجهّال من الناس بعبدة العجل، ولكن الدروز يرفضون الدرزي ونسبتهم إليه. وإن تسمية الموحدين بالدروز وشهرتهم بهذا الاسم هي تسمية غير محببة لهم، لأن نشتكين قد شوّه مذهبهم وأساء إليه بإضافة آراء مخالفة له، وإن وجود أنصار له إنما انخدعوا ببدعته ويمثلون عنصر فساد في صفوف الموحدين، وإن اسمهم المعروف في التاريخ «بالدروز» لا أثر له إطلاقاً في الحكمة عندهم. أما تسميتهم بأهل التوحيد أو «الموحدون» فذاك هو الصواب عندهم لأن وحدانية الله لا جدال فيها؛ كما هي قاعدة الديانات السماوية، تؤمن بها الشعوب وتعلنها مهما اختلفت التعريفات، وإن معرفة التوحيد غاية الفئة المختارة على الرغم من مشقة بلوغها، فالصوفيون يقولون: إن التوحيد هو الحقيقة وتبدو فيها معرفة الله للعارفين.

ويعرف الموحدون أيضاً ببني معروف لأنهم حظوا بمعرفة اللاهوت في صورة الناسوت.

الحدود في دعوة الموحدين:

عُرف دعاة الموحدين الرئيسيين بالحدود، وأن العقل الذي تشخّص في مختلف أدوار الكشف بأشخاص عديدين مختلفي الصور والأسماء، ظهر في دور الحاكم باسم حمزة بن علي بن أحمد المعروف بالزوزني، ويتميز من سائر الحدود، إذ لايجوز إلا له كتابة «الحكمة» أو بإذن منه لغيره، وهو - أي حمزة - الحد الأول من حدود التوحيد. أما الحد الثاني فهو إسماعيل التميمي؛ وهو بمنزلة النفس الكلية التي تشخصت فيه في دور الحاكم، وجعل له حمزة الأمر والنهي على سائر الحدود، ويعدّ الدرجة الثانية بعد حمزة. أما محمد بن وهب القرشي فهو ثالث الحدود الروحانية التوحيدية، إنه الكلمة وعماد المستجيبين وفخر الموحدين ومهمته حث الموحدين على الخدمة وجمع شملهم، أما أبو الخير سلامة السامري الملقب بالسابق والمعروف بالحد الرابع؛ فلعل عدم معرفته بكثرة ـ كما تشير المراجع ـ إنما ترجع للمهمة السرية الموكلة إليه. أما بهاء الدين المقتنى فهو «التالي» المعروف على أنه لسان المؤمنين وسند الموحدين، وكان كاتباً بليغاً، جعله حمزة في آخر مراتب الحدود بسبب معرفته المتأخرة به.

تأثر الموحدين بالمذاهب الدينية والفلسفية القديمة:

على الرغم من انتشار دعوة الموحدين في ظل خلافة الحاكم بأمر الله الفاطمي فإن امتدادها - كما يرى الموحدون - يرجع إلى مسافة زمنية بعيدة حافلة بأنماط من الثقافات المتنوعة والأفكار الفلسفية المختلفة، ولاسيما تأثرها بالباطنية والصوفية الشيعية.

تأثر الموحدون في دعوتهم ببعض المذاهب القديمة مثل مذهب هرمس والهرامسة في مصر الفرعونية، والمذهب الهندي والمذهب الفارسي اللذين بدأ تأثيرهما في الدعوة الإسماعيلية ومن ثم في دعوة الموحدين، وتأثروا كذلك بالتعاليم البوذية - التي جاء بها بوذا[ر] (563ـ 483ق.م) - المتجانسة مع دعوة الموحدين في بعض الجوانب مثل: الدين الحق هو طهارة القلوب، وتأثروا كذلك بتعاليم الزردشتية[ر] ولايخفى ما للمعلم كونفوشيوس[ر] الصيني وأفكاره من مكانة في قلوب أهل التوحيد.

وهكذا يبدو أن الموحدين وقد تعمقوا بالمذاهب الفكرية والدينية التي تغلغلت في العالم الإسلامي، ولاسيما المذاهب القديمة والمسالك الدينية الأخرى التي ظهرت في الهند وفارس ومصر واليونان، من ذلك كله بدت دعوتهم حلقة جديدة إضافية في تلك الاشراقات الروحية، فاستخلصوا التعاليم الدينية من الشرائع المنزلة.

تعدُّ العقيدة الشيعية الفاطمية أساساً ومرتكزاً لعقيدة الموحدين، وتقوم عقيدة الفاطميين الشيعية على الظاهر أي العمل، والباطن أي العلم. والظاهر يعني القيام بأداء جميع فرائض الدين الإسلامي التي وردت في القرآن الكريم وفي أحاديث الرسولr، وهذا ظاهر العبادة العملية، وأوجدوا إلى جانب ذلك العبادة الباطنية التي تقوم على أساس مفاده أن لكل عمل وكل قول تأويلاً خاصاً لايعرفه إلا الأئمة والعلماء، وهذا ماحدث في عقيدة الموحدين من حيث الاهتمام بالتأويل إضافة إلى فكرة تأليه الأئمة. ومما ذهبوا إليه أن رفعوا شأن العقل على أنه أرفع مبدعات الله وأقربها إليه وهو عندهم الخالق الحقيقي، وأوّلوا أسماء الله الحسنى الواردة في القرآن الكريم على أنها أسماء للعقل الكلي.

وبحسب نظرية «المثل والممثول» فإن الإمام ممثل للعقل الكلي، وإن جميع مناقب وصفات العقل الكلي تطلق أيضاً على الإمام.

ـ التجلي

لم تُجسد الدعوة التوحيدية في تعاليمها ولم تُبشّر بألوهية الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله ـ كما هو شائع ـ بل قالت بتجلي القدرة الإلهية في صورة ناسوتية ظهرت لأهل العرفان من الموحدين في أدوار التبشير بالدعوة، كان آخرها دور كشف توحيدي، تجلت فيه قدرته تعالى في صورة إمامة فاطمية، هي صورة الحاكم بأمر الله. وتتجلى هذه القدرة في مؤهلات روحانية قدسية اختص بها صاحب هذه الصورة.

وعليه فالتجلي في الدعوة التوحيدية ليس من التجسيد في شيء، وإنما هو ظهور القدرة الإلهية في صورة المصطفى لها من البريّة، وقدرته تعالى هي فعله، وفعله غير ذاته. والحاكم بأمر الله هو وارث تلك القدرة ذات المنشأ اللاهوتي وصاحب ذلك الإلهام الذي اختص في ذلك الدور التوحيدي. وقد وردت فكرة التجلي في خطبة نُسِبَت إلى الإمام علي بن أبي طالب على الصورة الآتية: «الحمد الله المتجلي لخلقه بخلقه، والظاهر لقلوبهم بحجته».

ـ التقمص

تعود عقيدة التقمص إلى تطور الحضارة الإنسانية عند قدماء المصريين وتعاليم الهنود واليونانيين وفيثاغورس[ر] وبوذا وغيرهم ممن كان همه كشف أسرار الروح ومصيرها الخفي، وقد أشار إلى ذلك نيتشه[ر] بنظريته «التكرار الخالد» التي ترى أن كل ما يحدث الآن حدث مراراً من قبل وسيتكرر حدوثه بالمستقبل.

يعتقد الموحدون بالتقمص وهو أبرز عقائدهم؛ ويعني عندهم أن الجسم الإنساني قميص للروح التي هي النفس المتحدة بالعقل، ولما كان قابلاً للفناء، فإن جوهر الحياة يبقى متمثلاً بالنفس المنتقلة من القميص الذي يدهمه الموت إلى قميص آخر هو جسم المولود في لحظة ولادته. وهكذا تتقمص الأنفس، إناثاً إناثاً وذكوراً ذكوراً، وتبقى هي لا تنقص ولا تزيد ولا تتبدل، وإنما الذي يتبدل جيلاً بعد جيل هو صورة الأقمصة التي هي الأجسام.

وفوق ذلك تنطوي عقيدتهم في التقمص على عنصر إنساني هو إيمانهم بأن الإنسان في نقلته يولد في بيت الصديق أو العدو، الغريب أو القريب على السواء، وأن الجنس البشري مختلط بالتقمص، يتكرر اختلاطه وامتزاج عناصره وشعوبه وطوائفه في كل جيل من دون تفريق أو تمييز. وهذه النظرية قريبة في شمولها إلى نظرية «وحدة الوجود» ومفادها أن الحياة والفكر، والقوة والمادة جميعاً انبعثت من أصل واحد شامل، لاتدركه العقول ولايحيط به الوصف، وأن كل خير أو شر، وصواب أو خطأ، كل ذلك لايُردّ إلى صاحبه وحده، ولايعود عليه بمفرده، بل ينال من الجنس البشري برمته، وإن ظهور الإنسان المتكرر بأشخاصه المختلفة وأدواره المتواصلة يسفر عن تجمُّع اختباراته الروحية بحسب كتب الموحدين.

ـ الحلول والنطق

أما اعتقادهم بالحلول والنطق، وهو نوع من التقمص، ويختلف عنه أنه في جوهر الحياة المتمثل بالنفس والمنتقلة من جسم إلى آخر تنتقل معها أحياناً جميع صفاتها أو بعضها الظاهر، ومن ذلك نشأ الاعتقاد، أن نفوس الأنبياء والمرسلين تنتقل من دور إلى آخر مستكملة أروع صفاتها، وعليه فإن رسول الأمس قد يكون هو نفسه رسول اليوم، وبناء على ذلك فإن الموحدين يكرمون مختلف الرسل، ولايصح عندهم أن يكرم أحدهم في دور ولايكرم في دور آخر. وقيل: إن أبا العلاء المعري كان  من المؤمنين بهذا الاعتقاد في قوله:

ناديت حتى بدا في المنطق الضحل

                        تخالف الناس والأغراض والمـلل

رجوا إماماً بحـــق أن يقوم لهم

                هيهات، لا بل حلول ثـم مـرتحل

ـ التناسخ

ترتبط فكرة التناسخ عند الموحدين بنظرية الدور في العقيدة الفاطمية التي تقول بظهور الأنبياء والأئمة في صور متعددة، ولكن أصلهم واحد؛ فآدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدr، ظهروا في هذه الحقيقة، والجميع مثل للعقل الكلي، وأخذت فكرة التناسخ صورة جديدة هي «نظرية الأدوار». وقد تكون فكرة التناسخ مبنية على ما قالته الأورفية[ر] في الولادات المتعاقبة؛ أي إن النفوس لها حياة سابقة قبل حلولها في الأبدان، وما حياتها في كل تجسيد سوى مرحلة من مراحل وجودها على هذه الأرض، وعليه فلابدّ أن تكون على علم بماضيها، لكنها تنسى عند حلولها في الأجساد، وتستطيع بشيء من الانتباه أن تتذكر ما كانت قد علمته.

فالتناسخ ـ كما يعتقد الموحدون ـ انتقال النفس الصالحة من جسم بشري بعد موته إلى آخر، وليس إلى أي كائن كان, فهذا عند الموحدين أمر باطل مخالف لأسفار الحكمة، فلاتنتقل إلى حيوان، لأن في انتقالها إلى جسم حيوان ظلم لها، وقد تكون خاطئة في دور آخر، وحسابها على ما فعلت من خير أو شر يبقى معلقاً إلى أن ينصب الميزان، فإذا رجحت حسناتها كان لها الثواب، وإذا رجحت سيئاتها كان لها العقاب.

ـ يوم الدينونة

يعتقد الموحدون بيوم الدينونة (الدين) في سياق بحث التقمص والتناسخ ويعتقدون أن حساب النفس، وهو ما فعلته من خير أو شر، مرجأ إلى يوم ينصب فيه ميزان الحق، وعندها ينال الصالح ثوابه ويقع على الطالح العقاب. وفي اليوم الأخير عند الموحدين يحاسب كل إنسان وينال جزاءه عن معرفة يقينية بأعماله بما صنع منذ بدء الخليقة، وحياته ماثلة عبر أجياله الماضية أمام عينيه، وهي في ذاكرته كأنها يوم واحد، لا يغيب عنه من تلك الأعمال شيء.

ـ الاعتقاد بالقدر (المقدّر) والمشيئة

ومن معتقدات الموحدين: الاعتقاد بالمقدَّر والمشيئة؛ فالأجل مكتوب؛ والمقدر كائن لايمحى؛ ولا مهرب منه؛ ولا مناص؛ ومن كتب له العيش عشر سنوات لن يموت في التاسعة، ويرضى الموحد بأحكام الله ويسلم أمره لربه.

ـ الجنة والنار

أما الجنة عند الموحدين فهي روحانية خالصة، تقوم السعادة فيها على التوحيد، أثمارها العلوم الإلهية الحقيقية التي بها يتخلص الموحدون من جهلهم من دار الشرك، فالجنة إذن: أي الثواب الذي هو أفضل العطاء وأشرف الجزاء؛ هو إدراك المعلومات الإلهية واقتناء الفضائل البرهانية، إنها السعادة القصوى وكمال الإنسان. والكمال هو العقل الذي أشار إليه الحكماء المتقدمون، أما النار فهي، بحسب الموحدين، الشريعة وتكاليفها الإبليسية، والشرعية كما هو معروف عنها هي الكفر والشرك والتلحيد، فتكون النار، وبالتالي هي الشرك والجهل والشر. فالجنة إذن هي الإيمان بالتوحيد، والنار هي رفض التوحيد.

 إضافة إلى تلك المعتقدات هناك تعليمات ووصايا هي بمنزلة دعائم الإيمان، ومنها صدق اللسان ويعدّونه الأساس في قيمة الإنسان وشخصيته وسلوكه، وحفظ الإخوان ويقصد بها أن يحافظ المؤمن على أخيه المؤمن بالحق، وليس عليه أن يشد أزره بالباطل، وألا يكون متعصباً، إذ عليه أن يحترم الأديان ويقدس جميع الأنبياء والرسل. والتبرؤ من عبادة العدم والبهتان، والنهي عن عبادة الأوثان أو السجود للأصنام والحجارة المقدسة والنصب والتماثيل.

وعلى الموحد أن يرضى بأحكام الله، فالرضا وتسليم أمره إلى ربه وصيّة يأخذ بها حتى لا يداخل ضميره الشك بعدالة الله.

وتتناول معتقداتهم ووصاياهم أيضاً أمور الحياة الاجتماعية، وأحوال الناس، وتفرض على الموحدين عدم التمتع بملذات الدنيا الحسية، والنهي عن السرقة والقتل والزنا وشهادة الزور وغيرها. وتوجب صون المرأة واحترامها، وتقيّد الطلاق، وتمنع المرأة المطلقة من العودة إلى زوجها حتى لو تزوجت غيره. ولايجوز للرجل أن يتزوج امرأة ثانية غير زوجته إلا بعد طلاقه منها، وإذا خالف الموحد هذه المعتقدات والوصايا فإنه ارتكب بذلك الكبائر عندهم، ولايسمح له بالصلاة مع الجماعة الأتقياء حتى يتوب توبة صحيحة فيقبل في جزء منها.

وتلتقي هذه المعتقدات والوصايا وغيرها مع معتقدات الأديان الأخرى، ولاسيما في جوهرها الذي يعدّ واحداً في سائر الأديان والمذاهب.

رسائل الحكمة

تُعدُّ رسائل الحكمة الكتب المقدسة عند الموحدين، تتألف من 111 رسالة، وتقع هذه الرسائل في ستة أجزاء، ويؤكد عدد الرسائل معجم «كتاب الدرر المضيّة واللمع النورانية في تلخيص ألفاظ الحكمة الشريفة ومعانيها الروحانية». واختلف بعضهم في العدد، فمنهم من يقول بأربعة مثل محمد كامل حسين، ومنهم من قال بسبعة على حد قول المستشرق P.de la criox المتوفى سنة 1699؛ معللاً ذلك بما للعدد سبعة من أهمية عند الموحدين، والأديان الباطنية عامة.

صنفت رسائل الحكمة في الفترة من 408هـ ـ 434هـ أي بدءاً من الدعوة حتى إقفالها، والذين ألفوا الرسائل ثلاثة هم: حمزة بن علي بن أحمد وهو المؤسس والملقب بالعقل؛ وبقائم الزمان وهادي المستجيبين، والثاني هو إسماعيل بن محمد بن حامد التميمي الملقب بالنفس؛ وبصفوة المستجيبين، والثالث هو بهاء الدين أبو الحسن علي ابن أحمد السموقي الملقب بـ «التالي» وهو آخر الحدود الذي أغلقت به الدعوة. وقد وضع بهاء الدين بعض الرسائل وفسَّر معظم النظريات التي وضعها حمزة، وهناك رسائل لاتحمل اسم صاحبها.

تشمل الرسائل في مضامينها نصائح في العقيدة، وردوداً على الخصوم والمرتدين، ومواثيق وعهوداً، أو تعريفاً بالدعوة، أو بسيرة الحاكم بأمر الله وتكليف الدعاة نشر المذهب، إضافة إلى رسائل إلى أهل المدن والقرى في سورية ولبنان والعراقين والهند واليمن والعرب وغير ذلك.

 

يمتاز أسلوب الرسائل بالبلاغة، وهي حافلة بالصور والتشابيه والرموز والألغاز، وبعضها عسير على الفهم لغرابة ألفاظه، وتوخيها المعاني الباطنية، وإعطاء الكلمات مدلولات مجازية بعيدة عن مدلولاتها الحقيقية، فأرادوا التستر والتكتم والتمويه ابتغاء السرية.

مجتمع الموحدين

ينقسم المجتمع عند الموحدين إلى طبقتين هما: العقّال، والجهّال. أما العقّال فهم الذين لديهم معرفة واسعة بعلوم الدين؛ إضافة إلى متابعتهم الصلاة بالمكان الخاص لمزاولة العبادة. أما الجهّال وهم الفئة الثانية، فهم يزاولون أنماطاً من السلوك غير مقبولة عند مجتمع الموحدين مثل: التدخين، وشرب المسكرات، ولايسمح لهذه الفئة بالصلاة مع الأتقياء.

تطلق صفة «الأجاويد» على الذين لديهم معرفة بشؤون الدين وعلومه؛ والذين يثابرون على الصلاة والعبادة من دون انقطاع. ولايصح للفرد من الموحدين أن يصبح من الأجاويد إلا إذا ابتعد عن مزاولة الأفعال المستنكرة عند مجتمع الموحدين، مثل: الابتعاد عن المسكرات والتدخين، وتجنب كل ما من شأنه الإيحاء بالرفاه أو البهرجة أو مظاهر الخلاعة عند النساء، بل المطلوب الاعتدال في كل ما خص حياة الموحد، والاحتشام في الجلوس والتمسك بمظاهر الآداب العامة والتعامل مع الناس والبعد عن النميمة والكبرياء وغير ذلك من الصفات المنبوذة في المجتمع.

وفي جملة القول فإن للأتقياء من الموحدين صفات أخرى، مثل اعتمادهم على عملهم بأرضهم لكسب قوتهم، فلا يلبون الدعوات إلى الولائم والأعياد، ويكون الموحد والحالة هذه أقرب ما يكون إلى ناسك متقشف، يعيش في حالة من الرياضة الروحية الدائمة، يكون بوساطتها أقرب إلى الاتصال مع الله عن طريق الروح.

يعتمر الشيخ التقي عمامة بمثابة شعار للموحد، وليس هناك نظام يمنع العمامة عن الشيوخ.

يلجأ الموحد التقي لترويض نفسه إلى الصوم، والصيام عندهم لايقتصر على شهر أو يوم.

ويعد الورع والتقوى معياراً للمركز السامي الذي يتبوّؤه الموحد بين الأجاويد، أما المركز الذي يأخذ صفة الزعامة الدينية فهو المركز الذي يدعى «مركز شيخ العقل» ويترأس محكمة مذهبية.

يعيش معظم الموحدين بصفة رئيسة في سورية ولبنان وفلسطين والأردن. وهناك كذلك عدد قليل منهم في أستراليا وأوربا والولايات المتحدة، وبلدان أخرى كثيرة ولاسيما في بلاد المهجر في أمريكا الجنوبية.

فياض سكيكر

 

 الموضوعات ذات الصلة:

 

إخوان الصفا ـ الإسماعيلية ـ الحاكم بأمر الله.

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ يوسف سليم الدبيسي، أهل التوحيد (الدروز) خمسة أجزاء (1992).

ـ محمد كامل حسين، طائفة الدروز، تاريخها وعقائدها (دار المعارف، القاهرة 1963).

ـ جميل أبو ترابي، من هم الموحدون الدروز، نشأتهم التاريخية، توضعهم الجغرافي، عقيدتهم الدينية (دار علاء الدين، دمشق 1998).

ـ سليم حسن هشي، في الإسماعيلية والدروز (دار لحد خاطر، بيروت 1985).

ـ الدروز الموحدون، موسوعة الأديان في العالم (دار كريس انترناشيونال، 2000).


التصنيف : التاريخ
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد التاسع عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 850
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1037
الكل : 58492924
اليوم : 65438

دار الحرب

دار الحرب   نشأت هذه الفكرة بسبب حالة الحرب أو العداء بين المسلمين وغيرهم، بعد الهجرة النبوية، من مكة إلى المدينة، سواء من المشركين الوثنيين داخل الجزيرة العربية، أو خارجها مع الفرس والرومان. وليس في ذلك نص تشريعي يقرر هذا الوصف، إلا ما جاء في الأثر عن الإمام جعفر الصادق منسوباً إلى النبي r: «ألا إنني بريء من كل مسلم ترك مع مشرك في دار الحرب»، وفي لفظ آخر: «إنما الغريب الذي يكون في دار الشرك».
المزيد »