logo

logo

logo

logo

logo

الفيزياء الحيوية

فيزياء حيويه

Biophysics - Biophysique

الفيزياء الحيوية

 

الفيزياء الحيوية biophysics علم حديث يمثل ويشرح القوانين الأساسية التي تكوِّن قواعد بناء أجهزة الكائنات الحية ووظائفها وتطورها. وهو علم «هجين» من علمي: الأحياء (البيولوجيا) biology والفيزياء physics، كما يدلّ على ذلك اسمه. وعلم الأحياء علم متعمق يربط بين جميع وظائف الأجهزة الحية، ولهذا فإن بعضهم يعد الفيزياء الحيوية جزءاً متخصصاً من هذا العلم، مثلها في ذلك مثل علوم الخلية والوراثة والفيزيولوجيا، وغيرها، ولكن الفيزيائيين يعترضون على ذلك ويعدّون الفيزياء الحيوية جزءاً متخصصاً من علم الفيزياء. وبديهي أنه لا يمكن تغليب أحد هذين الرأيين على الآخر، ولا يمكن أن يزدهر هذا العلم من دون التعاون بين العلماء من كلا الطرفين في جميع المجالات التي تكوِّنه.

إضافة إلى الطرائق التجريبية، يستخدم علماء الفيزياء الحيوية طرائق التحليل الرياضي والنمذجتين modeling الرياضية والحاسوبية وطرائق فيزيائية وكيمياوية وحيوية لدراسة كيفية أداء الكائنات الحية لوظائفها.

ومن أمثلة ما يدرسه الباحثون في مجالات هذا العلم ما يأتي:

* كيف تستطيع مكثورات (بوليمرات) خطية linear polymers لعشرين حمضاً أمينياً تكوين بروتينات ثلاثية الأبعاد ذات خواص حيوية محددة بدقة بالغة.

* كيف يتمكن جزيء دنا بالغ الطول والالتفاف من فك التفافاته وتكرار ذاته بدقة بالغة خلال الانقسام الخلوي، أو توجيه تكوين بروتين معين.

* كيف يتم التحسس بأمواج صوتية أو فوتونات أو روائح أو منكِّهات أو لمس، فتُحوَّل إلى سيالات تنتقل إلى الدماغ لإصدار الاستجابة المناسبة لأي منها.

* كيف تستطيع خلية عضلية أن تحوِّل الطاقة الكيمياوية لثالث فُسفات الأدينوزين ATP إلى طاقة ميكانيكية وحركة.

* كيف يعمل الغلاف الخلوي بشكل انتقائي دقيق ليسمح بدخول جزيئات معينة إلى الخلية.

* كيف يقوم الدماغ بمعالجة المعلومات وتخزينها، وكيف يضخ القلب الدم وتنقبض العضلات، وكيف يستخدم النبات الضوء في التمثيل الضوئي، وكيف تعمل المورثات (الجينات) أو تتوقف عن العمل، وأموراً أخرى يصعب حصرها.

وعلى هذا فإن الباحثين يهتمون بالأمور والعلاقات الفيزيائية والفيزيوكيمياوية للوظائف الحيوية ويستخدمون بغية تفسيرها القياسات الكمية والتحاليل الإحصائية على نحو مكثف، ساعين إلى توفير إجابات محددة لهذه الأسئلة وغيرها، وهادفين إلى تفسيرها انطلاقاً من التراكيب الجزيئية، وتقديم توصيفات فيزيائية محددة لكيفية عمل جزيئات إفرادية معاً بدقة كبيرة لإنتاج وظيفة حيوية. ويقومون بتعيين الجزيئات المشاركة في وظيفة حيوية مستخدمين طرائق كيمياوية وتحاليل كيمياوية حيوية، وتحديد التراكيب الجزيئية وتفاعلاتها باستخدام تقانات فيزيائية متعددة. ومن جهة أخرى فإن العلاقات بين الوظائف الحيوية والتراكيب الجزيئية تُدرس باستخدام أجهزة وتقانات فيزيائية بالغة الدقة والتعقيد، قادرة على متابعة خواص مجموعات معينة من الجزيئات أو تحرك، أو حتى التحكم في جزيئات مفردة ودراسة سلوكها.

وبغية التوضيح الموجز، يمكن تصنيف الفيزياء الحيوية في ثلاثة أقسام رئيسة:

1- الفيزياء الحيوية الجزيئية molecular biophysics: تُفسِّر الفيزياء الحيوية الوظائف الحيوية للخلايا والأنسجة والكائن الحي انطلاقاً من بنيان الجزيئات الحيوية وسلوكها، والتي يتفاوت حجمها كثيراً، إذ تراوح بين أحجام صغيرة كتلك الخاصة بالحموض الدهنية البسيطة والسكريات (نحو nm 1) إلى جزيئات أكبر مثل البروتينات (nm 10-5)، والنشويات (أكبر من nm 1000)، والدنا البالغ الطول (أكبر من 10 مليونnm  طولاً ولكنه لا يجاوز nm 20 عرضاً). هذه الجزيئات هي المكونات البنائية الأساسية للكائنات الحية، تتجمع في الخلايا والأنسجة وتسهم في صنع مكونات ضخمة، فالبروتينات، مثلاً، تتجمع في جزيئات الجبنين (الكازين) casein في الحليب لتكوين خثرة الجبن، وتتجمع البروتينات والحموض الريبية النووية RNAs ضمن الريباسات ribosomes التي تعمل في تكوين البروتينات المختلفة في الخلية، وتتجمع البروتينات والدهون في الأغلفة الخلوية، وكذلك تتجمع البروتينات والدنا في الصبغيات (ر: الصبغي)، وغيرها. والمورثات (الجينات) genes هي العناصر الأساسية للبيانات الحيوية، وتعكس البيان الجزيئي للجزيئات الضخمة من الحمض الريبي النووي المنقوص الأكسجين الدنا (DNA) deoxyribonucleic acid التي تكوِّنه. ويعكس سلوك الأنزيمات والهرمونات والأضداد antibodies التراكيب الجزيئية للبروتينات والكيمياء العضوية للمجموعات الوظيفية للمكونات الجانبية للحموض الأمينية. كما أن الخواص السطحية للأغشية الحيوية تعكس قدرة الدهون على التجمع في طبقات ثنائية ذات بعدين ولب غير محب للماء hydrophobic. ولهذا فإنَّ جزءاً كبيراً من جهود الباحثين يوجَّه نحو تحديد تراكيب الجزيئات الحيوية والمركبات البنائية الأكبر التي تتجمع ضمنها، وتوجَّه جهود أخرى نحو صنع وتطوير وسائل وأدوات متقدمة لتنفيذ هذه الدراسات.

2- الفيزياء الحيوية الفيزيولوجية: ويدعوها بعضهم الفيزياء الحيوية التقليدية، وتهتم باستخدام الفيزياء لتفسير سلوك الكائنات الحية وأجزائها، مثل دراسة كيفية انتقال السيالات (الدُفعات) العصبية وآليات انقباض العضلات والرؤية والإحساس والشم والذوق والسمع وغيرها، وتغيرات وظائف الجسم بتأثير العوامل البيئية، وغيرها.

3- الفيزياء الحيوية الرياضية: إضافة إلى الطرائق التجريبية، فإنَّ بعض الباحثين يستخدمون نماذج وتحاليل رياضية لوصف أجهزة الكائن الحي بدءاً من الجزيئات الحيوية، ثم على مستوى الخلية وما دونها، ومستوى الأجهزة والكائنات والمجموعات والمجتمعات. وتُلاحظ دوماً الفردية المتمثلة بكون جميع الأنظمة الحية بعيدة عن التوازن الثرموديناميكي، وكونها خاضعة لتدفقات من المادة والطاقة، إضافة لكونها أنظمة معقدة وغير متجانسة. ومن ثم فإن الفيزياء الحيوية الرياضية تهتم أساساً بتقديم التفسيرات اللازمة انطلاقاً من فحص الوظائف الحيوية، على مستوياتها كافة، على أسس الدينميِّات (الديناميكيات) الحرارية thermodynamics وديناميِّة الموائع hydrodynamics والتحاليل الإحصائية، إلى جانب استقصاء النماذج الرياضية لتحديد قدرتها على محاكاة الوظائف الحيوية.

التقانات الفيزيائية الحيوية techniques biophysical: إنَّ توصيف البنيان الجزيئي ودراسة سلوكه، وقياس الخواص الجزيئية، تشكل تحديات كبيرة للباحثين. وقد طوّر عدد من التقانات الفيزيائية الحيوية لدراسة الجزيئات في البلورات crystals والمحاليل والخلايا والكائنات الحية. وتوفر هذه التقانات بيانات مهمة بشأن التركيب الإلكتروني للجزيئات الحيوية وحجمها وشكلها وديناميَّتها وتقاطبها polarity ونماذج تآثرها (تفاعلها) interaction. وتوفر بعض التقانات المستخدمة أشكالاً للخلايا ومكوناتها، وصولاً إلى بعض الجزيئات الإفرادية. ومن الممكن في الوقت الحاضر، مثلاً، إجراء دراسات مباشرة للسلوك والخواص الفيزيائية لبروتينات مفردة أو جزيئات الدنا في الخلية الحية، ومن ثم تحديد كيفية التأثير الذي يمارسه جزيء معين في وظيفة حيوية ما في الكائن.

يتوقف قسط كبير من النجاح العلمي للفيزياء الحيوية على إمكانية تطوير تقانات فيزيائية جيدة لتفسير وظائف حيوية معينة. مثلاً: وفرت معرفة التركيب الحلزوني للحمض الريبي النووي المنقوص الأكسجين (الدنا DNA) هيكلاً أساسياً لتفسير كيفية تضاعف المادة الوراثية وكيفية نشوء الطفرات الوراثية. كما وفرت هذه المعلومات وكثير من التقانات الفيزيائية الحيوية معلومات بالغة الأهمية سواء في حقول المعلومات العلمية العامة أو في حقول البحوث الطبية الحيوية على وجه التحديد.

نماذج من موضوعات الفيزياء الحيوية

ـ التفاعل بين البروتين والدنا: يحدِّد تتالي القواعد الآزوتية في دنا الصبغي النمط الوراثي للفرد. وإن التفاعل بين بروتينات معينة مع تتاليات رقابة دقيقة في الدنا يحدد إذا كانت مورثة ما ستظهر أثرها في خلية معينة أم لا. ولقد أمكن تحديد عدد من البروتينات الرابطة بوساطة طرائق كيميائية حيوية، ووفرت دراسات وراثية عدة معلومات جيدة عن وظائفها في الخلية. ومن جهة أخرى، فقد بذلت جهود كثيرة لتوضيح التركيب الجزيئي الثلاثي الأبعاد لهذه البروتينات، وللمعقدات التي تكوّنها مع تتاليات معينة في الدنا، وخاصة باستخدام الأشعة السينية في دراسة البلوراتX-ray crystallography ، وكذلك باستخدام جهاز الرنين المغنطيسي (المرنان) Magnetic Resonance Imaging (MRI) من أجل بروتينات أصغر. وعلى هذا، كما كان الأمر عند اكتشاف التركيب الحلزوني للدنا، فإن الفيزياء الحيوية تؤدي دوراً مهماً في الدراسات الحيوية الجزيئية.

تزداد الأدلة الواضحة على وجود بروتينات ترتبط في مواقع معينة من الدنا، من هذه العائلات البروتينية تلك المسماة ببروتينات «إصبع الزنك» zinc-finger proteins، وتتضح في مستقبِلات receptors ستيروئيدية مثل مستقبِل الغليكوكورتيد glucocorticoid، وهذا المستقبِل نوعي لهرمون معين، وعندما يرتبط به فإنه يغير تركيب البروتين بطريقة تجعله قادراً على التفاعل مع تتالية دنا معينة تستطيع التحكم بمظهر مورثة معينة.

وباستمرار تحقيق اكتشافات أكثر بشأن البروتينات العديدة التي ترتبط بالدنا، ستزيد القدرة على تفهم كيفية تعرف البروتينات على تتاليات معينة من هذا الجزيء. وبالنسبة لآلاف المورثات في الكائنات الحية البسيطة كالبكتريا، أو عشرات الآلاف من المورثات في الإنسان، فإن من الأمور المهمة للخلية أن تتمكن البروتينات التي تتحكم في نشاط المورثات من العثور على التتاليات الدقيقة من الدنا ضمن جينوم genome الكائن الحي. وإذا ما نشطت مورثات غير مناسبة في أوقات غير مناسبة فإن ذلك قد يكون مميتاً للخلية.

ـ تمتيل (إدخال الميتيل methyl في) الدنا: هنالك طرائق عدة يمكن بوساطتها تحوير البيانات الوراثية المخزونة في الدنا، ومن أهمها استخدام ما يسمى التمتيل methylation ضمن جزيء الدنا. ويكون ذلك بتغيير التركيب الكيمياوي لإحدى القواعد الآزوتية في الدنا (عادة الأدنين adenine أو السيتوزين cytosine) بوساطة إدخال مجموعة ميتيلية. ويعد هذا التحوير واسماً أو واشماً marker يمكن بوساطته استهداف تتاليات دنا معينة من قبل بروتينات معينة. وإن وجود مجموعة الميتيل في أحد تجاويف السلسلة الحلزونية المزدوجة للدنا يمنع البروتين من الارتباط مع تتاليات كان يمكنه استهدافها فيما لو أضيف الميتيل.

هذه العملية مهمة لعدد من الوظائف الحيوية في الخلية. ويمكن أن تحدد عملية إدخال الميتيل أو عدمها مستوى إظهار عمل المورثات، فالمورثات التي لا حاجة لإظهار أثرها في خلية ما يكون الميتيل فيها عادة أكثر كمية. ولكن التفاصيل الخاصة بكيفية تأثير الميتيل في مظهر فعل المورثة مازالت محدودة.

أمكن لأول مرة إيضاح كيفية ربط الأنزيم المسمى ناقل الميتيل methyltransferase مع الدنا باستخدام الأشعة السينية في دراسة البلورات، وكان ذلك عملاً بالغ الأهمية. فقد أمكن تشويش التركيب الحلزوني المزدوج للدنا، وذلك بقلب القاعدة الآزوتية المستهدفة إلى الطرف الخارجي من الحلزون المزدوج، نحو الجهة الناشطة من الأنزيم، وإحلال حمض أميني من الأنزيم محل القاعدة الآزوتية. وتقترح بحوث حديثة أن آليات مماثلة هي في الواقع واسعة الانتشار، وأنها تستعمل كثيراً من قبل أنزيمات خاصة بإصلاح الدنا، فهي من ثم بالغة الأهمية للمحافظة على سلامة مورثات الكائن الحي.

أسامة عارف العوا

الموضوعات ذات الصلة:

الأشعة السينية ـ البلورات (علم ـ) ـ التصوير الطبي ـ الحموض النووية ـ الحياة (علم ـ) ـ الخلية ـ الصبغي (كروموزوم) ـ الفيزياء.

مراجع للاستزادة:

- R.GLASER, Biophysics (Springer 2001).

- R.M.J.COTTERILL, Biophysics: An Introduction (John Wiley & Sons 2002).

- B.NÖLTING, Methods in Modern Bio­physics (Springer 2003).


التصنيف : الزراعة و البيطرة
المجلد: المجلد الرابع عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 905
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1042
الكل : 58491910
اليوم : 64424

بيتر (والتر هوراشيو)

بيتر (والتر هوراشيو ـ) (1839 ـ 1894)   والتر هوراشيو بيتر Walter Horatio Paterناقد وكاتب بريطاني. ولد في لندن ودرس في مدرسة كينغز King’s School في كانتربري Canterbury، ثم في كوينز كوليجQueen’s College في جامعة أُكسفورد، وحصل على منحة في بريسينوز كوليج Brasenose College في الجامعة ذاتها. استقر في أُكسفورد وعاش معظم حياته فيها مع زيارات قليلة إلى لندن وتنقلات في أوربة.
المزيد »