logo

logo

logo

logo

logo

فلسطين في العصر الحديث والمعاصر

فلسطين في عصر حديث معاصر

Palestine - Palestine

فلسطين

 

فلسطين في العصر الحديث والمعاصر

 مع دخول العثمانيين إلى بلاد الشام في أعقاب معركة مرج دابق سنة 1516، كانت فلسطين تخضع لسيطرة بعض المماليك والأمراء المحليين، ففي صفد كانت الإمرة لأحمد بن طرباي، وفي غزة للأمير مصطفى أبو شاهين، وفي نابلس والبلقاء لفروخ بن عبد الكريم، وفي عجلون للأمير قانصوه الغزاوي، وبعد أن أحكم العثمانيون سيطرتهم على بلاد الشام أبقوا هؤلاء الزعماء في مواقعهم إلى جانب ولاة الدولة، بعد أن تعهدوا لها بالولاء وتقديم الأموال والضرائب، ولكن في أوائل القرن السابع عشر، وحين تغلب الأمير فخر الدين المعني على منافسيه من أمراء لبنان (التنوخيين وآل عساف وآل سيفا وغيرهم) استغل سطوته ومد نفوذه إلى صفد، ثم إلى فلسطين بكاملها، بعد أن قضى على غالبية أمرائها، وقام بتعيين أبنائه الثلاثة (علي وحسن ومصطفى) حكاماً على مقاطعاتها، وقد اعترف له السلطان مراد الرابع بالزعامة على فلسطين كلها، حينما منحه لقب سلطان البر، وبعد مقتله سنة 1635، تعرضت فلسطين لفراغ سياسي عاشت في أثنائه حالة من الفوضى المريعة، اتسمت بتسلط زعماء الإنكشارية حتى ظهور الأسرة الزيدانية التي أسسها صالح الزيداني، الذي ولاه الأمير الشهابي ملتزماً في منطقة صفد، وبلغت هذه الأسرة ذروتها في عهد  ظاهر العمر الذي استطاع أن يبني إمارته في فلسطين بالتعاون مع قبائلها المحلية،ومع أنه واجه تحديات صعبة من قبل ولاة دمشق العثمانيين بيد أنه تمكن بنهاية الأمر وبوساطة القنصل الفرنسي في صيدا من تحسين صورته لدى السلطان العثماني الذي اعترف له ولأبنائه بالسيادة على فلسطين كلها. وربما كان لموقف ظاهر العمر الداعم لثورة الفلاحين التي اشتعلت في الرملة وغزة ويافا في مواجهة تعسف ولاة الشام أبلغ الأثر في تعزيز مكانته، إضافة إلى ما تلقاه من مساعدات سخية من حليفه حاكم مصر علي بك الكبير.

بدأت بوادر الشقاق تظهر بين أبناء ظاهر بسبب مطامع كل منهم في التوسع على حساب أخيه. في الوقت الذي اضطر فيه دعم حليفه علي بك ضد قائده المتمرد محمد بك أبو الذهب، ومع أنه تغلب على أبي الذهب في صالحية مصر سنة 1773، فإنه دفع الثمن غالياً حينما استعان أبو الذهب بالدولة العثمانية وتمكن من هزيمته، وانتهى الأمر بمقتل ظاهر العمر على أيدي مماليكه قرب عكا سنة 1775.

خلف ظاهر العمر أحمد باشا الجزار، وهو مغامر عسكري مملوكي، عينته الدولة العثمانية محافظاً على عكا، ثم أوكلت إليه ولاية صيدا ودمشق بصورة متقطعة بين عامي 1775 و1804م.

وفي أثناء ولايته انطلقت الحملة الفرنسية من مصر إلى بلاد الشام بقيادة نابليون بونابرت، فوصلت إلى غزة واحتلتها، ثم احتلت يافا بعد قتال شوارع عنيف، خسر الفرنسيون فيها نحو ألف وخمسمئة جندي، وقتل من الفلسطينيين نحو أربعة آلاف وأُسر ثلاثة آلاف أبادهم نابليون وتابع زحفه نحو عكا وفرض عليها الحصار، في الوقت الذي قامت فيه بعض قواته باحتلال قلعة صفد والاستيلاء على الناصرة، ومع أن بعض القوات العثمانية القادمة من دمشق حاولت التصدي للفرنسيين، إلا أنها فشلت وتمكن الفرنسيون من فتح ثغرة في سور عكا ودخل الجنرال رامبو Rambaud إلى المدينة، ولكنه قُتل مع عدد من جنوده، وبعد حصار دام أربعة وستين يوماً انسحب الفرنسيون من عكا إلى مصر. وخرجوا مهزومين من فلسطين لتعود مرة ثانية جزءاً من ولاية دمشق.

مع بداية القرن التاسع عشر وفي إطار بناء محمد علي باشا دولته الحديثة، أخذ يتطلع إلى توسيع نفوذه خارج حدود مصر، فقام ولده إبراهيم باحتلال فلسطين عام 1831، واستمر الوجود المصري فيها حتى عام 1841، ومنذ رحيل الإدارة المصرية عن بلاد الشام أدركت الدول الغربية، ولاسيما بريطانيا، خطورة قيام دولة عربية تجمع بلاد الشام مع مصر؛ فقررت إيجاد دولة موالية للغرب في فلسطين لمراقبة تطور الحركة العربية والحيلولة دون ربط المشرق العربي بمغربه، وقد تلاقت هذه الأهداف مع طموحات اليهود عبر الحركات الصهيونية التي كانت تخطط لإقامة دولة يهودية في فلسطين منذ نشأتها، وأخذت الخطى تتسارع نحو تحقيق هذا الهدف بدءاً من منتصف القرن التاسع عشر، وفي عام 1897 عُقد أول مؤتمر للحركة الصهيونية في مدينة بال السويسرية بزعامة هرتزل[ر]. بذلت فيه الحركة الصهيونية[ر] كل ما بوسعها لدى السلطان العثماني عبد الحميد لكي يمنح اليهود بعض الأراضي في فلسطين لقاء إنقاذ الدولة العثمانية من أزمتها المالية، ولكن السلطان رفض بحزم هذا العرض، وأصدر مرسوماً يحرم الهجرة اليهودية إلى فلسطين.

ولكن بعد انهيار الدولة العثمانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى تم احتلال فلسطين من قبل القوات البريطانية بموجب اتفاقية سايكس - بيكو[ر] وشرع اليهود بتحقيق أهدافهم منذ أن عينت بريطانيا هربرت صموئيل مندوباً سامياً ليحكم فلسطين في 1/7/1920 وقدمت مسودة صك الانتداب إلى مجلس عصبة الأمم[ر] في 24تموز/يوليو 1922، والتي تنص المادة (2) منه على ضرورة وضع فلسطين في ظروف سياسية وإدارية واقتصادية تضمن إقامة وطن قومي لليهود.

هبّ الشعب العربي الفلسطيني لمقاومة المشروع الصهيوني- البريطاني، وكان قد عقد أول مؤتمر فلسطيني في القدس سنة 1919 لرفض تصريح بلفور والهجرة اليهودية والانتداب، وللدعوة إلى وحدة سورية بما فيها فلسطين. وفي السنة التالية قررت الجمعيات الإسلامية والمسيحية عقد مؤتمر في حيفا، أكدت فيه قرارات المؤتمر الأول وطالبت بإقامة حكومة وطنية مستقلة لفلسطين، وانتخبت لجنة تنفيذية لتحمل مسؤولية الحركة الوطنية. ولكن بريطانيا رفضت إصدار دستور لدولة فلسطينية مستقلة، لأن ذلك يتعارض مع وعد بلفور. وفي 1922 أصدر وزير المستعمرات السيد ونستون تشرتشل بياناً فسر فيه وعد بلفور، وأكد التزامه إقامة الوطن القومي اليهودي، وفي الوقت ذاته أصدرت الحكومة البريطانية دستوراً لفلسطين يشكل بموجبه مجلس تشريعي برئاسة المندوب السامي، رفضه الفلسطينيون لأن الأكثرية فيه للإنكليز واليهود، وعقد الفلسطينيون مؤتمراً في نابلس قرروا فيه مقاطعة الانتخابات والعمل على تحقيق الاستقلال والوحدة العربية ورفض الوطن القومي اليهودي. وفي عام 1923 طلب المندوب السامي، دوق ديفونشير Duke of Devonshire من الفلسطينيين تشكيل وكالة فلسطينية على غرار الوكالة اليهودية تحت حكم الانتداب رفضها الأعيان لأنها هيئة استشارية ولا تلبي آمال الفلسطينيين.

في 15 آب/أغـسطـس 1929، رفع اليهود علماً صهيونياً على جدار البراق، فخرج المـسلمون في اليوم الثاني بمظاهرة ضد الادعاء اليهودي وتوسعت الصدامات حتى تحولت إلى ثورة عرفت بثـورة 29، وأرسلت بريطانيا لجنة شو Shaw للتحقيق في الأحداث، خرجت بعدد من التوصيات أبرزها تشكيل لجنة دولية أرسلتها عصبة الأمم إلى فلسطين في أيار/مايو 1930. خرجت بتقرير وكتاب أبيض يقران ملكية المسلمين لجدار البراق والرصيف المقابل، أعقبها إرسال لجنة  برئاســة السـير هوب - سمبسون Sir Hope-Simpson أوحت بإيقاف الهجرة لأن الأرض الصالحة للزراعة لا تكاد تكفي مالكيها حينذاك. وبناء على تقريره أصدرت الحكومة البريطانية كتاباً أبيضاً تضمن التأكيد على أن الأرض لا تتسع لمزيد من المهاجرين اليهود، لكن رئيس وزراء بريـطانيا رمزي مكدونالد Ramsay MacDonald تنكر لكل توصيات اللجان السابقة والكتب البيضاء، وسمح لحكومته تزويد اليهود بالسلاح.

واستمر سيل المهاجرين يتدفق على فلسطين، الأمر الذي مهد لقيام ثورة عز الدين القسام 1935 وثورة عام 1936، التي تمخضت عن توحيد القيادات الفلسطينية تحت اسم «اللجنة العربية العليا» برئاسة الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين في 5 تشرين الثاني/نوفمبر 1936، شكلت بريطانيا لجنة برئاسة اللورد بل Bel خرجت باقتراح تقسيم فلسطين إلى ثلاثة أقسام: قسم للعرب وقسم لليهود وقسم ثالث يبقى تحت الانتداب[ر]، فدعت اللجنة العربية العـليا إلى عقد مؤتمر عربـي عقد في بلودان بســورية سنة 1937 واتخذ جملة من القرارات  أبرزها: رفض التقسيم، والدعوة إلى تشكيل حكومة فلسطينية عربية في فلسطين. غير أن هذه القرارات لم تأت بجديد، واستمر الشعب الفلسطيني في ثورته حتى الحرب العالمية الثانية. ومن أجل أن تكسب بريطانيا العرب إلى جانبها وتهدئ من خواطرهم أصدرت وثيقة في 17 أيار/مايو 1939 عرفت باسم الكتاب الأبيض للعام 1939[ر] رفضه العرب واليهود كل لأسبابه وعدّ أهل فلسطين أن ما جاء في هذا الكتاب كان مجحفاً بحقهم، واستمروا بأعمال المقاومة حتى عـام 1948، حينها أعلنت حكومة بريطانيا انتهاء الانتداب، بعد أن استكملت مهمتها في الإعداد لإنشاء الكيان الصيهوني في فلسطين. وحينما أعلنت القيادة الصهيونية قيام دولة إسرائيل ودخلت الجيوش العربية إلى فلسطين لتحريرها، ومع أن هذه الجيوش حققت بعض النجاحات، بيد أن عدم وجود قيادة قادرة على التنسيق والتخطيط، إضافة إلى خضوع بعض الحكومات العربية في ذلك الوقت للهيمنة الاستعمارية، أدى إلى احتلال أجزاء واسعة من فلسطين وحاول الشعب الفلسطيني الدفاع عن نفسه، ولكن الإرهاب الصهيوني وتأييد الغرب لليهود أسفر عن تشريد غالبية الشعب ولم يبق فيما يسمى «إسرائيل» حينذاك سوى 150000 فلسطيني.

انتشر الفلسطينيون في ديار التشرد بعد أن يئسوا من قدرة العرب على استعادة فلسطين، بيد أن هذا الوضع تبدل مع مطلع ستينات القرن العشرين، حينما أخذت بعض الشخصيات والمؤسسات العربية تسعى إلى تكوين الشخصية المؤسساتية الفلسطينية لتمارس دورها النضالي على الصعيدين الشعبي الفلسطيني، والرسمي العربي، وبمبادرة من الجمهورية العربية المتحدة ورئيسها جمال عبد الناصر أعلن في أول مؤتمر قمة عربي سنة 1964 عن إقامة أول كيان فلسطيني عرف باسم: منظمة التحرير الفلسطينية، أخذت على عاتقها قيادة وتعبئة قوى الشعب الفلسطيني لخوض معارك التحرير، وفي 1/1/1965 فجرت حركة فتح الثورة الفلسطينية الحالية التي مازالت مستمرة على هيئة انتفاضات متواصلة لبلوغ هذا الهدف وإقامة الدولة الفلسطينية على أرض فلسطين بكاملها.

إبراهيم الشهابي

 

 


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الرابع عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 641
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1051
الكل : 58491378
اليوم : 63892

التصعيد

التصعيد   التصعيد أو الإعلاء أو التسامي sublimation مصطلح نفسي، نشأ في ظل مدرسة التحليل النفسي. وهو يشير إلى وسيلة دفاعية أولية لا شعورية في الغالب، يلجأ إليها الفرد للدفاع عن ذاته وصورتها أمام الآخرين، عندما يتهدده صدور سلوك لا يسوّغه المجتمع أو يرفضه، يشوِّه صورة ذاته بأبعادها المختلفة.
المزيد »