logo

logo

logo

logo

logo

هلال (سيرة بني-)

هلال (سيره بني)

Bani Hilal (Biography) - Bani Hilal (Biographie)

هلال (سيرة بني ـ)

 

السيرة الهلالية واحدة من السير الشعبية المشهورة في التراث العربي، وهي مزيج من التاريخ والأدب، تاريخ لبطل ومجموعة، وأدب يظهر أحوال العامة وثقافتها وذائقتها الفنية ومواقفها من الحياة. وغايتها التأثير في المتلقين وإمتاعهم، وليس إخبارهم بوقائع تاريخية. وروت السيرة الهلالية مراحل تغريبة بني هلال وانتقالهم من نجد في الجزيرة العربية إلى صعيد مصر، ومنه إلى بلدان شماليّ إفريقيا، وحوادث هذا الانتقال ووقائع الحروب بين الهلاليين ومن دخل معهم إلى بلاد المغرب ومن كان في هذه البلاد من قبائل صنهاجة وزناتة الأمازيغية[ر. الأمازيغ].

ينتسب الهلاليون إلى هلال بن عامر بن صعصعة المضري[ر]، وأولاده عبد الله ونهيك وعبد مناف وصخر وشعثة وعائذة وناشرة ورؤيبة وربيعة. كانوا يقطنون في الجانب الغربي الشمالي، لصحراء نجد باتجاه الحجاز واليمن. لم يكن لهم شأن عظيم في الجاهلية، وكانوا قوماً مُغَلَّبِيْنَ، ليس لهم وقعة مشهورة أو يوم مشهود على غيرهم، لذلك قل المشهورون من أعلامهم، وجاءت شهرتهم من السيرة التي خلدت ذكرهم.

وفي الإسلام خرجوا مع جيوش الفتح، وانتشرت بطون منهم في أرجاء الدولة الإسلامية، واستقر قسم منهم في أعمال حوران من الشام، وشاركوا القيسية في حروب الخلافة، فكانوا مع الزبيريين ضد الأمويين، وناصروا القرامطة في البحرين، فانضمت بطون من بني هلال وبني سليم إلى جيش الأعصم القرمطي المتوجه إلى مصر لمنازلة الفاطميين، (360هـ)، وفي المعركة انحازوا إلى الفاطميين، وكانوا سبب انكفاء القرامطة عن مصر، فكافأهم الخليفة الفاطمي المعز، وأنزلهم على الضفة الشرقية لنهر النيل في صعيد مصر مع القبائل العربية الموجودة هناك، وظلوا في منزلهم هذا قرابة قرن، فتكاثروا مع انضمام أبناء عمومتهم إليهم، ولم يتخلوا عن طبيعتهم البدوية، فكثر شغبهم واضطرابهم، وكانوا مصدر قلق كبير للدولة.

وكانت بلدان شمالي إفريقيا تتبع الدولة الفاطمية؛ لأنها موضع نشأتها قبل استيلاء الفاطميين على مصر وجعلها قاعدة لخلافتهم، لكن أهالي المغرب انقلبوا على المذهب الفاطمي، وعادوا إلى المذهب المالكي السني (435هـ)، وصرفوا الخطبة عن الخليفة الفاطمي إلى الخليفة العباسي (439هـ)، واعتمد ذلك سعيد بن خزرون في طرابلس الغرب، والمعز بن باديس الصنهاجي صاحب الدولة الزيرية في القيروان.

غاظ هذا الأمر الخليفة الفاطمي المنتصر، وعزم على إعادة إفريقيا إلى سلطته، لكنه لم يكن يملك القوة الكافية لفعل ذلك بسبب انشغاله في بلاد الشام، فأشار عليه وزيره الحسن ابن علي اليازوري بإقطاع شيوخ بني هلال وبني سليم أعمال إفريقيا، وإطلاقهم عليها للقضاء على تمرد ابن باديس وابن خزرون وللتخلص من القلاقل والاضطرابات التي يحدثها هؤلاء الأعراب في بلاد الصعيد، فأعجبت الفكرة الخليفة الفاطمي، ونفذها، فجهزهم ووجههم إلى بلاد المغرب، وأباحها لهم.

انطلقت جموع بني هلال وبني سليم غربا بقيادة يحيى الرياحي الهلالي، فاستولوا على برقة (443هـ)، ونزلها بنو سليم، وتابع الباقون زحفهم على طرابلس، فأنهى بنو زغبة حكم سعيد بن خزرون (446هـ)، واتجهوا بعد ذلك إلى تونس بقيادة مؤنس بن يحيى الرياحي، فهزموا المعز بن باديس ومن معه من صنهاجة وزناتة، وحاصروا القيروان، فهادنهم ابن باديس، وسمح لهم بدخول المدينة، فاستولوا عليها، وأجلوه عنها، واستمروا في زحفهم فنازلوا الدولة الحمادية في الجزائر، وقضوا عليها، وملكوا البلاد، واقتسموا براريها، وأفسدوا حواضرها، ولحق بهم أبناء عمومهتم الباقون في مصر، فأقاموا إقطاعات صغيرة في المغرب، يرأس كلاًّ منها شيخ من بني هلال أو زناتة، وظلوا كذلك حتى قضت الدولة الموحدية على هذه الدويلات، وضمتها إليها في القرن السادس الهجري.

هذه الهجرة الكبيرة زادت عدد العرب في المغرب، فتم تعريبه؛ إذ أرسلت قبائل هلال وسليم إلى عشائرها في الجزيرة العربية ليلحقوا بهم، فاستجابوا للدعوة، وكونوا عصبية وازنت عصبية سكانها من البربر، واختلطوا وكونوا شعباً واحداً دينه الإسلام ولغته العربية.

تروي سيرة بني هلال قصة فتاة هلالية جميلة (الجازية بنت الحسن ابن سرحان) عشقها فتى من عشيرتها، لكن أباها زوجها أمير مكة (شكر بن أبي الفتوح) (430-453هـ). وحين أغضب الأمير أهل زوجته احتالوا في انتزاعها منه، وطلبوا منه السماح لها بزيارة أهلها في نجد، فمضوا بها مع أهلها راحلين إلى إفريقيا، وهناك زوجوها من ابن عم لها، لكنها ظلت متعلقة بزوجها الأول، تظهر حبه حتى مماتها.

أساس أحداث السيرة ثابت، ووقائعها صحيحة، فهجرة بني هلال ومن معهم من القبائل القيسية إلى المغرب ثابتة في التاريخ، وقصة الفتاة الهلالية لها سند تاريخي، لكنها جاءت في السيرة بصورة مغايرة للرواية التاريخية، فقد أعمل القصاصون خيالهم فيها، فسموا بطلها أبا زيد الهلالي سلامة، ومرافقه وسنده دياب ابن غانم، وسموا خصمه الزناتي خليفة، فغابت عن السيرة قبيلة صنهاجة وأميرها المعز بن باديس، كما غاب زعيم القبائل العربية يحيى الرياحي وابنه مؤنس، وربما عاد ذلك إلى أن القصاصين الذين توالوا على وضع السيرة وروايتها، كانوا بعيدين عن أحداثها زماناً ومكاناً، فالثابت أنها كتبت في مصر، وليس في بلاد المغرب التي شهدت حوادثها، وبدأت كتابتها في القرن السابع أو الثامن الهجريين على أبعد تقدير؛ أي بعد قرنين أو ثلاثة من حدوثها، ويدل على ذلك جملة أمور مما ورد فيها، فهي تحمل ملامح البيئة المصرية في العهد المملوكي، وأديت بلهجة أهل مصر.

ولم تظهر السير الشعبية في التراث العربي إلا بعد الغزوين الصليبي والمغولي، وبعد أن أدركت الأمة الخطر الكبير المحدق بها، فتقدم القصاصون والمحدّثون إلى العامة برواية قصص البطولة الخارقة وأخبار الجان وأعمال السحرة مما تناقلته الأفواه من وراء الأجيال والأزمان، وشاهده الرحالة والتجار، ثم أعملوا فيها المبالغة والاختلاق حتى جاء مَن دوّنها على حالها وبلغتها الشعبية، فكانت السير الشعبية، ومنها سيرة بني هلال التي أشار إليها ابن خلدون، وذكر انه رأى أعقاب الهلالية في المغرب (القرن التاسع الهجري)، وشاهد حروبهم وخلافاتهم المستمرة مع القبائل البربرية. وذكر في «مقدمته» بعض رواياتهم، مثل مصاهرتهم لأمير الحجاز، وأنشد بعض أشعار السيرة.

وللسيرة الهلالية روايات كثيرة متباينة، حتى كادت أن تكون كل رواية سيرة مستقلة في أحداثها وأبطالها وطريقة أدائها، وأجزائها، فبعضها بدأ من أيام هلال الجد الأكبر للقبيلة، وربطه بالإسلام، وأوفده على النبيr، والمعروف أن بعض بني هلال كانوا مع المشركين في غزوة حنين بعد فتح مكة.

  وبعض الروايات يبدأ السيرة بعرض حال بني هلال وفارسها مرزوق الذي تزوج شريفة من الحجاز، ورزق بولد، ثم تركته زوجته راحلة مع ابنها سلامة (أبي زيد) لتلجأ إلى قوم آخرين تربي ابنها عندهم، فينشأ فارساً ذكياً، يعود بعد ذلك إلى قومه ليصبح فارسهم وقائدهم، ويلمع إلى جانبه اسما شابين من قومه، هما الحسن بن سرحان ودياب بن غانم. وقد اختلفت روايات السيرة في سبب ترك الزوجة زوجها، فبعضها أعاده إلى سواد بشرة ابنها أبي زيد الهلالي، وبعضها أعاده إلى فرارها من ظلم ضرائرها لها.

ثم تبدأ مراحل السيرة بالريادة إلى بلاد المغرب، وفيها يستطلع بطلها الخيالي أبو زيد الهلالي وأبناء أخته الطريق إلى المغرب متنكرين في هيئة الشعراء الجوالين، وعند ما يصلون إلى تونس يقبض عليهم ويسجنون، ويستطيع أبو زيد الفرار، فيذهب لاستنصار قبيلته من أجل خلاص أبنائها.

والمرحلة الثانية هي مرحلة التغريبة، وفيها تهاجر القبيلة إلى تونس، وتساعدها ابنة ملكها الزناتي خليفة على دخولها، وتفك القبيلة أسراها، فيأخذ الحسن بن سرحان القيروان، ويأخذ دياب بن غانم الزغبي تونس، ويأخذ أبو زيد الهلالي الأندلس، ويصلون في زحفهم إلى المغرب الأقصى.

والمرحلة الثالثة خاصة بأبناء الأبطال (مرحلة الأيتام)، وفيها يستنهض زيدان بن أبي زيد الهلالي جموع قومه والمتحالفين معهم في الشام والحجاز، ويلتقيهم في صعيد مصر، ويرحل بهم إلى تونس، ويحاصر أميرها دياب بن غانم، وتوافيه هلالية الأندلس، فيقتحمون المدينة، ويقتلون ابن غانم، ثم ينزل بنو هلال عن المدينة لابن الزناتي خليفة، ويعود زيدان الهلالي إلى صعيد مصر، كما يعود هلالية الأندلس إليها، وبذلك تنتهي السيرة.

وقد علق بالسيرة ما ليس منها، مثل تلفيقات المنشدين وتحريف النساخ واستطراد المتعالمين، لذلك يصعب الوصول إلى الصورة الأولى التي وضعت عليها السيرة، فتلونت بألوان أماكن مختلفة وأزمان متباعدة، واختلط فيها الواقع بعالم الجن والسحرة، وكثرت فيها الخوارق، وحلت المعضلات السردية فيها بالسحر والكهانة والأحلام، فكان التنبؤ بالغيب عنصراً أساسياً في السيرة الهلالية، لا يتم حدث فيها إلا بعد زجر الطير وضرب الرمل، وكان بطلها أبو زيد الهلالي يتنكر في زي عراف يضرب الرمل، ويتنبأ بالغيب، وهو مؤيد بقوى خفية خبيرة مرتبطة بالإيمان والإسلام، وكان إلى جانب فروسيته صاحب حيل وملاعيب، فتوحد فيه البطل الفارس والبطل المحتال اللذان كانا منفصلين في السير الشعبية الأخرى، فتم بذلك عنصر الغموض والإثارة، وجو المغامرة الذي يستهوي العامة.

تعلق العامة بالسيرة الهلالية تعلقاً شديداً، وصار لها رواة ومنشدون محترفون، يؤدونها موقعة وبمصاحبة آلة موسيقية (الربابة) في جمع من الناس في الحفلات والمواسم والمقاهي، ويرتحلون فيها من مدينة إلى مدينة ومن قرية إلى قرية، لذلك كتبت أجزاء كبيرة منها نظماً؛ لتساعد المنشد على الغناء والإنشاد، بل جاء بعض روايتها منظوماً بالكامل، وبعضها اختلط فيه النظم بالنثر، فانفرد بذلك عن بقية السير الشعبية،و قد غلب فيه الحوار المنظوم على السرد القصصي، فكل بطل ينظم قصيدة، يعرّف فيها بنفسه، ويعرض موقفه، فيرد عليه خصمه بقصيدة مماثلة، ولا يعدو السرد النثري فيها ربط الأحداث وتحديد أسماء المتحاورين ووصف الانتقال من مشهد إلى مشهد، وقد جاء النظم في السيرة متهافتاً، بعيداً عن السمة الحقيقية للشعر،فغلبت العامية على لغة الأداء نظماً ونثراً،لكن هذا النظم أتاح للرواة والمنشدين سهولة حفظ السيرة وفرصة إنشادها وغناء بعض مقاطعها، كقول أبي زيد في مطلع قصيدة:

يقول أبو زيد الهلالي سلامه   

                          ونيران قلبه زيدات لظاه

لايتقيد الكاتب في بناء السيرة بأي قيد شكلي، فتبدأ السيرة من ولادة البطل، بل من إرهاصاتها، وتنتهي بانتصاره وموته، وليس للسيرة خطوات واضحة محددة، بل يحلق كاتبها في آفاق رحبة، وينتقل من حدث إلى حدث، ومن قصة إلى قصة عن طريق التدوير، ولكنه يحافظ على الخط الرئيسي للسيرة. وقد قطعت السيرة إلى أجزاء تناسب القراءة في مجلس واحد، وينتهي كل جزء بنهاية مثيرة، تبقي الأمر معلقاً؛ ليظل المستمعون في توق دائم للجزء الذي يليه.

ويعدّ الخيال العنصر الأهم في السيرة؛ لأنه أعطاها المدى البعيد الذي وصلت إليه، فتجاوز الواقع إلى عالم الغيب، وساعد المؤلفين على ربط الأشياء المتباعدة، وعلى خرق الزمان والمكان، ومكنهم من تقديم وصف مثير وعجائبي للأبطال والمعارك والبيئة التي تحتضن الأحداث.

فكانت السيرة الهلالية وسيلة إمتاع وتثقيف للعامة وتعبيراً عن الآمال القومية وتعويضاً عن الهزيمة التاريخية التي لحقت بالأمة، وقد عبّرت عن تطلع الأمة نحو البطولة وعن ترسيخ القيم والمثل العليا عندها.

وقد لاقت السيرة الهلالية اهتمام المستشرقين، فدرسوها، ونشروا بعض أجزائها، وترجموا بعضها الآخر، فلفتوا انتباه الأدباء والنقاد العرب إليها، فأفادوا منها في أعمال أدبية وفنية، وعملوا على نشر روايتها وإيضاح سماتها.

محمود سالم محمد

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون، تحقيق خليل شحادة (دار الفكر، بيروت 1981م).

ـ ابن حزم، جمهرة انساب العرب، تحقيق عبد السلام هارون (دار المعارف، القاهرة 1962م).

ـ عبد الرحمن الأبنودي، السيرة الهلالية (الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 2002م).

ـ عبد الحميد يونس، الهلالية في التاريخ والأدب الشعبي (دار المعرفة، القاهرة 1968م).

ـ تغريبة بني هلال (مؤسسة المعارف، بيروت 1977م).


التصنيف :
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الواحد والعشرون
رقم الصفحة ضمن المجلد : 487
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1048
الكل : 58492632
اليوم : 65146

الميكانيك التحليلي

الميكانيك التحليلي   الميكانيك التحليلي analytical mechanics هو دراسة الميكانيك بوساطة الحسابات الجبرية التي تحلّ محل طريقة نيوتن[ر] الهندسية، وبهذا المعنى يكون الميكانيك التحليلي قد اتبع المسار نفسه الذي اتبعته الهندسة التحليلية[ر] التي يُبحث فيها عدد خواص الأشكال بوساطة الحساب وليس بوساطة إنشاءات هندسية بحتة. كان رائدا الميكانيك التحليلي ليونارد أولر[ر] L.Euler ومن ثم ماكلوران C.Maclauran عبَّرا عن القوى بوساطة مساقطها على ثلاثة محاور ثابتة في جملة الإحداثيات الديكارتية. لكن لوي لاغرانج[ر] هو الذي وضع الميكانيك التحليلي في المقام الذي يحتله اليوم، فقد انطلق في علم التوازن من مبدأ الانتقالات الافتراضية virtual displacements ثم أنشأ ديناميك التوازن بوساطة تطبيق مبدأ دالامبير [ر]، أي بإدخال قوى العطالة في الحركة.
المزيد »