logo

logo

logo

logo

logo

المنصور بن أبي عامر (محمد بن عبد الله)

منصور عامر (محمد عبد الله)

Al-Mansour ibn abi ’Amer (Mohammad ibn Abdullah-) - Al-Mansour ibn abi ’Amer (Mohammad ibn Abdullah-)

المنصور بن أبي عامر (محمد بن عبد الله)

(326 ـ 392هـ/938 ـ 1002م)

 

محمد بن عبد الله بن أبي عامر المعافري اليمني نسبة إلى قبيلة معافر اليمنية، كان جده عبد الملك قد دخل الأندلس مع حملة طارق بن زياد، وأبلى بلاء حسناً في العديد من المواقف الحربية في سياق عملية فتح الأندلس، وهذا ما منحه مكانة مرموقة في المجتمع الأندلسي. وتوارث هذه المكانة أبناؤه من بعده، فحصلوا على مناصب رفيعة المستوى في الإدارة العامة بالأندلس، وكان والد محمد بن أبي عامر من المهتمين بالعلوم الدينية، وقد توفي بمدينة طرابلس الغرب في أثناء عودته من رحلة الحج.

تربى المنصور بن أبي عامر تربية صالحة، وفرّها له والده الذي كان يُعد من العلماء البارزين بقرطبة، وقد ترافقت هذه التربية مع طموح لا يقف عند حد، فقد كان المنصور بن أبي عامر يحلم منذ طفولته أن يكون رجلاً مهماً في المجتمع العربي بالأندلس، لهذا فقد ركز على العلم والتحصيل، فدرس بمسجد قرطبة الكبير (المسجد الأموي) علوم اللغة العربية على كبار علماء عصره، من أمثال أبي علي القالي صاحب كتاب «الأمالي»، الذي كان قد جاء إلى الأندلس قادماً من مدينة بغداد، وأبي بكر بن القوطية صاحب كتاب «تاريخ افتتاح الأندلس»، وإلى جانب اللغة العربية انكب على دراسة علوم الشريعة من حديث وفقه وما إلى ذلك، ويقال إنه حصّل علوماً مفيدة، مكّنته من الاشتغال بكتابة العرائض بدكان بجوار قصر الخليفة بقرطبة، فاشتهر أمره، وبلغ خبره إلى سيدة قصر الخلافة السيدة صبح أم الخليفة هشام المؤيد، فاستدعته إلى قصرها وكلفته إدارة أعمالها وأملاكها الخاصة، وقد برع في ذلك وتفوق إلى حد إعجاب هذه السيدة به، فتوسطت له عند زوجها الخليفة الحكم المستنصر، فولاّه وظيفة صاحب دار السكة، ثم تولى قضاء ولاية رية، ثم أصبح مشرفاً عاماً على أموال الزكاة والمواريث في مدينة إشبيلية، وكذلك الشرطة فيها، ثم أصبح وكيلاً لهشام المؤيد بن الحكم المستنصر، وهكذا بقي يترقى في سلم الوظائف الإدارية حتى وصل إلى مرتبة حاجب (وزير) في أواخر حكم الخليفة الحكم المستنصر.

ساعدت وفاة الخليفة الحكم المستنصر سنة 366هـ/977م على تحقيق طموحات المنصور بن أبي عامر في الوصول إلى حكم الأندلس، بعد أن أقصى تباعاً كل الشخصيات التي كانت تحول دون ذلك، فقد أقدم على اغتيال  مرشح الصقالبة للخلافة المغيرة بن عبد الرحمن، وذلك بالتعاون مع رئيس الحجاب (رئيس الوزراء) آنذاك جعفر بن عثمان المصحفي، ومع ذلك فقد شرع المنصور بن أبي عامر بتقليص سلطة المصحفي، حتى تمكن من إقناع الخليفة هشام المؤيد بعزله عن رئاسة الوزراء، ووضعه في السجن بمدينة الزهراء شمال غربي قرطبة، وهو سجن المطبق المشهور، وبقي في السجن حتى تمكن المنصور بن أبي عامر من تدبير مؤامرة أنهت حياته خنقاً بصورة مأساوية.

بعد موت المصحفي بقي أمامه شخصية قوية، تمثلت بالقائد غالب، الذي كان من أهم القادة العسكريين بالأندلس، مما مكّنه - أي غالب - من الوصول إلى قيادة ثغر «سالم» الواقع إلى الشمال من مدينة مدريد بمئة وخمسين كيلو متراً، وحينما كان المنصور بن أبي عامر في بداية سعيه إلى تحقيق أهدافه حاول رئيس الحجاب جعفر بن عثمان المصحفي، أن يتقرب من القائد غالب بطلب ابنته (أسماء) لابنه، لكن المنصور بن أبي عامر حال دون إتمام ذلك، وتمكن من خطبة أسماء لنفسه بضغط من أم الخليفة أو من الخليفة نفسه، ثم تزوجها بعد ذلك، لكن هذا لم يقف أمام طموحاته في التخلص من القائد غالب، وهذا ما حصل فعلاً حينما لجأ إلى الاعتماد على قوة مغربية، سماها جند الحضرة أي عسكر العاصمة، وكانت هذه المجموعة من العسكر المغاربة تحظى باعتنائه وعنايته، مما جعلها أداة طيّعة في يده، وخشي القائد غالب من تطور سيطرة هذه المجموعة لمصلحة المنصور بن أبي عامر، فأخذت العلاقات تتوتر بينهما حتى وصلت إلى درجة الصدام في سنة 371هـ/982م، وكانت نتيجة الصدام موت القائد غالب على أثر سقوطه عن ظهر فرسه.

وبذلك تخلّص المنصور بن أبي عامر من أعتى خصومه، وتلقب منذ ذلك الحين بالمنصور، وبدأ رحلة حكمه التي استمرت إلى أول التسعينيات من القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي، وكان يتساوى بالخليفة في كل شيء فأمر الوزراء ومن في حكمهم بتقبيل يده وإظهار كل مظاهر الاحترام والتقدير لشخصه، أي إنه أصبح الحاكم الفعلي للبلاد، ولم يكن للخليفة هشام المؤيد سوى الاسم.

على الرغم من أن المنصور بن أبي عامر أصبح الحاكم الفعلي للأندلس، فإنه لم يكن مرتاحاً لثقة الناس به، ذلك لأنه ظل يعاني مشكلة في داخله، تجلت بأنه كان يشعر أنه مغتصب للحكم الأموي الذي كان الناس بالأندلس يعدونه الحكم الشرعي الوحيد بالأندلس، وقد انعكس هذا الواقع على أعماله العامة طوال فترة حكمه، من ذلك أنه لجأ منذ الفترة الأولى لاستئثاره بالحكم إلى سلوك طريق الجهاد والغزو والمناضلة ضد التجمعات الإسبانية المعادية في الشمال وشمال غربي الأندلس، فقد نفذ في هذه المناطق أكثر من خمسين غزوة، قادها بنفسه على الرغم من أنه كان يعاني مرض النقرس (فرط حمض البول في الدم) ومن حسن حظه أنه لم يُهزم في واحدة منها، وكان يحرص على جمع ما علق على وجهه وثيابه من غبار، ووضعه في قارورة خاصة أوصى أن توضع في قبره حين وفاته، وكان يحمل هذه القارورة في حله وترحاله خوفاً من أن يباغته الموت.

ووصل في واحدة من غزواته إلى منطقة شنت ياقب (القديس يعقوب) في الشمال الغربي من الأندلس، وهي منطقة لم يصلها عربي قبله، وبذلك يكون قد حافظ على الهيبة التي كانت للدولة العربية في عصر الخليفة الناصر لدين الله وابنه الحكم المستنصر على الدويلات الإسبانية التي عُرفت في هذا العصر بدولة قشتالة وليون ونبارة وبرشلونة وقطالونيا.

كان من نتيجة هذه الغزوات المتتابعة التي نفذها المنصور بن أبي عامر أنها أدت إلى تحسين مكانته في نظر العامة بالأندلس، وأصبحت سمعته منتشرة في كل أنحاء البلاد، تعطرها فحوى أعماله الجهادية في بلاد المعارضة الإسبانية. كما فاز برضا رجال الدين عندما أقدم على إحراق المؤلفات الفلسفية القديمة الموجودة في مكتبة الخليفة المستنصر؛ لأنها برأيهم تضر الدين والشريعة.

وفي عصره شهدت الأندلس  ظاهرة إيجابية، تجسدت في توفير الأمن والاستقرار في كل أنحاء البلاد على الصعيدين الخارجي والداخلي، كما نعم الناس بتوفير العدل لإعطائه القضاة ثقة مطلقة وعدم التدخل في شؤون أعمالهم القضائية، ويمكن القول: إن المنصور بن أبي عامر أمضى حياته في العمل المستمر، من أجل أن لا تقل إيجابيات فترة حكمه عن فترة حكم الخلفاء الأمويين الذين سبقوه في الحكم.

وقد بنى مدينة الزاهرة شرقي قرطبة على النهر الأعظم محاكياً الزهراء التي بناها الخليفة عبد الر حمن الناصر وبنى قنطرة على النهر محاكياً الجسر الأكبر بقرطبة وزاد في الجامع مثليه.

أما العلاقات الدبلوماسية مع دول أوربا في عصره فقد ظلت العلاقة مع بيزنطة ودية للغاية، كذلك كان الأمر مع الملك أوتو الثالث الذي كان يسيطر على ألمانيا وإيطاليا، وشجع على ازدهار هذه العلاقة أن الامبراطور كان ميالاً إلى ضرورة أن يسود السلام في المنطقة.

كانت وفاة المنصور بن أبي عامر في أثناء عودته من غزوة، كان قد نفذها في أراضي دولة قشتالة، وقد جُرح في هذه الغزوة، ويبدو أن هذا الجرح كان سبباً في وفاته. ودفن بمدينة سالم، وكتبوا على ضريحه هذه الأبيات:

آثاره تنبيك عن أخباره                           حتى كأنك بالعيون تراه

تالله ما ملك الجزيرة مثله                        حقاً ولا قاد الجيوش سواه

علي أحمد

مراجع للاستزادة:

ـ ابن عذاري المراكشي، البيان المغرب في حلى المغرب (دار الثقافة، بيروت، د.ت).

ـ الحسن النبهاني، تاريخ قضاة الأندلس (بيروت، د.ت).

ـ أحمد مختار العبادي، في تاريخ المغرب والأندلس (طبعة دار النهضة العربية، بيروت 1978م).


التصنيف : التاريخ
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد التاسع عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 593
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1052
الكل : 58492058
اليوم : 64572

التناسلي عند الذكور (تشريح وفيزيولوجية الجهاز-)

التناسلي، الجهاز عند الذكور (تشريح وفيزيولوجية ـ)   يتألف جهاز الذكر التناسلي من الخصيتين testis والبربخين epidydimes والحويصلين المنويين seminal vesicles والموثة prostate والقضيب penis. ومعظم الأعضاء التناسلية ظاهرة ما عدا الموثة والحويصلين المنويين التي تقع في الحوض. الخصية توجد ضمن الصفن scrotum الذي يتدلى أسفل البطن، ويتألف جداره من الجلد وطبقة عضلية وأربع طبقات لفافية. وهو مقسم بحجاب إلى قسمين يحوي كلّ منهما الخصية والبربخ والحبل المنوي، وجدار الصفن يحمي ما فيه من أعضاء، ويفيد تقلص عضلاته وارتخاؤها تبعاً لحرارة المحيط في توفير الحرارة المناسبة لتكوّن النطاف.
المزيد »