الكميت بن زيد الاسدي

كميت زيد اسدي

Al-Kummayt ibn Zaid al-Asadi - Al-Kummayt ibn Zaid al-Asadi

الكُمَيْت بن زيد الأسدي

(60 ـ 126هـ/679 ـ 743م)

الكميت بن زيد بن خُنيس بن مجالد الأسدي، شاعر أموي مقدَّم، عالم بلغات العرب، خبير بأيامها. ولد بالكوفة أيام مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما، وبها تلقى شيئاً من علوم الفقه والحديث والأنساب، وأصبح بعد ذلك معلّماً يعلّم الصبيان في مسجدها. ولمّا برع في قول الشعر طلب به أُعطيات بعض الأشراف والولاة والخلفاء، فوفد على مخلّد بن يزيد بن المهلّب أيام سليمان بن عبد الملك، ومدحه، ومدح أيضاً الحكم بن الصلت الثقفي، وأبان بن عبد الله البجلي، وزياد بن معقل الأسدي، وفي مطلع المئة الثانية وفد على يزيد بن عبد الملك.

بيد أن أبرز ما يميّز الكميت هو صلته ببني هاشم وتشيّعه لهم، وهي صلة بدأت مبكرة، ففي أخباره أنه مدح زين العابدين (علي بن الحسين، ت 99هـ)، وحين تُذكر ولاية خالد القسري على العراق (105ـ120هـ) يظهر شيعيّاً خالصاً؛ إذ استخلصه زيد بن علي بن الحسين (ت 121هـ) إمام الزيدية لنفسه، فراح يدافع عنه، ويعلن ولاءه لآل البيت: 

                            طربتُ وما شوقاً إلى البيض أطربُ           

                                                      ولا لعباً منِّي وذو الشَّيب يلعـبُ

                            ولم  تُلْهنـي دارٌ ولا رسمُ منـزلٍ            

                                                      ولـم يتطرّبـني بنـانٌ مخضَّبُ

                            ولكن إلى أهـل الفضائـل والنُّهَى            

                                                      وخيـر بني حوّاءَ والخيرُ يُطلَبُ

                            بني هاشـم رهـط النَّبـيِّ فإنني             

                                                      بهم ولهُمْ أرضَى مراراً وأغضبُ

ويُرى في تصويره لهذا الولاء ثائراً على بني أمية، حتى إنه دعا أهل مرو إلى أن يثوروا على أسد بن عبد الله القسري حين ولاه أخوه خالد على خراسان.

ولم تصل هذه الأشعار إلى سَمْع خالد فحسب، بل انتهت إلى الخليفة هشام بن عبد الملك (105ـ 125هـ)، فأمر خالداً بحبسه وقَطْعِ لسانه ويده، فألقي الكميت في السجن مدّة؛ لكنه ما لبث أن فرّ منه متخفّياً بثياب امرأته التي كانت تزوره فيه، واتجه إلى الشام، فتوارى في بني أسد وتميم، ثم أشار عليه بعض أشراف قريش أن يعوذ بقبر معاوية بن هشام بن عبد الملك؛ ولمّا يمض على موته زمن، فمضى الكميت، وضرب فسطاطه عند القبر مستجيراً بأولاد معاوية، فجاؤوا إليه، وربطوا ثيابهم بثيابه، ودخلوا به على جدّهم هشام فاستعطفوه، وألانوا قلبه، وعفا عنه. وقيل: بل الذي توسط بالشفاعة مسلمة بن هشام بن عبد الملك، وله في هشام وبني أمية مدائح نظمها حينئذ، اشتهر منها قوله:

                        فالآنَ صرْتُ إلـى أمـيْـ    

                                          ـــيَـةَ والأمورُ إلى مصـائـرْ

                        أبنـيْ أمـيّـةَ إنـَّكُـمْ            

                                          أهْـل الوســائـل والأوامــرْ

                        الطَّيَّبـو تـربِ المغـا             

                                          رسِ والمنـابـتِ والمكـاســرْ

                        أنتُـمْ معـاولُ للخــلا           

                                          فـةِ كـابـراً مـن بعدِ كـابـرْ

وهي مدائح قد تُحمل على التقيّة؛ لأنه اضطرّ إلى مدحهم مداراة لهم، ومهما يكن فقد عاد الكميت إلى الكوفة محمّلاً بعطايا بني أمية، وبكتاب من هشام إلى خالد بأمان الكميت وأمان أهل بيته، وأنه لا سلطان له عليهم.

ومع أن الكميت هاشميّ متشيّع إلا أنه فتح الباب في شعره للفخر بمُضَر وهجاء اليمن، وسبب ذلك أن حكيم بن عياش الكلبي وهو شاعر يمني من أهل الشام كان ولعاً بهجاء بني مضر حتى أصاب بهجائه الكميت فتصدّى له هذا الأخير فهجا اليمن وفخر بمضر، وقيل إن السبب الحقيقي هو أن حكيماً هذا- وكان منقطعاً إلى بني أميّة- أولع بهجاء عليّ t وبني هاشم جميعاً، فرأى الكميت أن يصرفه عن ذلك بتوسيع دائرة المهاجاة وجَعْلها بين المضرية واليمنية، وبذلك شغله عن هجاء بني هاشم بالدفاع عن قومه، ويذكر الرواة أن الكميت كان يمكر به، فيفخر عليه ببني أمية المضريين حتى يسكته، ويغلبه، ويروى أن ابنه المستهلّ ابن الكميت سأله لما افتخر في قصيدة بائيّة ببني أمية هاجياً بها قحطان: كيف فخرت ببني أمية وأنت تشهد عليها بالكفر؟ فهلا فخرت بعلي وبني هاشم الذين تتولاهم، فقال: «يابني: أنت تعلم انقطاع الكلبي إلى بني أمية، وهم أعداء علي t، فلو ذكرت علياً لترك ذكري، وأقبل على هجائه، فأكون قد عرّضت عليّاً له، ولا أجد له ناصراً من بني أميّة، ففخرت عليه ببني أمية، وقلت: إن نقضها عليَّ قتلوه، وإن أمسك عن ذكرهم؛ ثنيته عن الذي هو عليه». فكان له ما أراد، وأشهر قصائد الكميت في هجاء حكيم واليمن مذهّبته التي مطلعها:

                            ألا حُيّيت عنّا يا مدينا      

قال الأصفهاني: «وهي ثلاثمئة بيت، لم يترك فيها حيّاً من اليمن إلا هجاهم».

وقد اشتهر الكميت بهاشميّاته، وهي قصائد طوال تمتاز بصدق العاطفة وبراعة الحجاج والاستدلال في بيان حقّ الهاشميين في الخلافة، وهو حجاج واستدلال جعل الأقدمين يلحظون أنه في شعره وفي هاشمياته خاصة يخرج على المألوف من ذوق الشعراء، إذ كانوا لا يعرفون في الشعر هذه الصورة من الجدل، وإنما كانوا يعرفونها للخطباء، ومِنْ ثَمّ قالوا: إن شعره أشبه بالنثر، كما قالوا: إنه خطيب، وليس بشاعر، والحقّ أنه شاعر مبدع، بيد أنه نهج في شعره نهجاً جديداً؛ إذ أخضعه لصورة المقالة المعاصرة له، وما تُشفع به من براهين وأدلّة حتى غدا شعره صدىً لمقالة الزيدية بأصولها العقيديّة كلها، ومن ذلك قوله في إبطال حجج الأمويين في الخلافة وإظهار حقّ البيت الهاشمي وسلالة فاطمة رضي الله عنها فيها:

                        وقالُوا: ورثْنَاها أبانا وأمَّنـا              

                                              ومـا ورّثَتَهْم ذاك أمّ ولا أبُ

                        ولكن مواريث ابن آمنةَ الذي          

                                              بهِ دانَ شرقيٌّ لكُمْ ومغـرِّبُ

                        يقولون: لمْ يورثْ ولولا تراثُهُ         

                                              لقد شركَتْ فيهِ بكيلُ وأرحبُ

                        فإنْ هي لم تصلحْ لحيٍّ سواهُمُ        

                                              فإنَّ ذوي القربَى أحقُّ وأقربُ

ومن إشاراته إلى أصول العقيدة الزيدية ما عرف عنهم من جواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل:

                        أهوَى عليّاً أمير المؤمنين ولا         

                                              أرضَى بشتمِ أبي بكرٍ ولا عُمَر

وقد مضى الكميت يناضل عن إمامة زيد مؤيداً مقالته إلى أن رأى هذا الأخير الخروج، فقعد عن نصرته، وفي هاشمياته ما يدل على أنه كان يكره الخروج، ولا يراه:

                        تجودُ لهُمْ نفسي بما دونَ وثبةٍ          

                                              تظلُّ لها الغربانُ حولي تحجلُ

وخرج زيـد، وقتل، فجزع الكميت، وراح يبكيه معلناً سـخطه على الأمويين وعلى عاملهم يوسـف بن عمر الثقفـي (ت127هـ) محرّضاً الناس أن ينفضّوا عنهم، ولم يزل يضيّق عليه الخناق حتى إذا وفد عليه سنة (126هـ) يريد أن يستلّ ضغنه، دسّ إليه من قتله، وكان ذلك في خلافة مروان بن محمد.

للكميت شعر غزير قدّره القدماء بأكثر من (5000) بيت لم يصل إلينا إلا بعضه، وقد جمع ما تبقى من شعره في ديوانين: «شعر الكميت بن زيد الأسدي» و«هاشميات الكميت».

سناء الريس

ـ الأصفهاني، الأغاني (دار الكتب العلمية، بيروت 1992).

ـ الكميت بن زيد الأسدي، شعره، جمع داود سلوم وتقديمه (عالم الكتب، 1997).

ـ شوقي ضيف، العصر الإسلامي (دار المعارف، مصر 1963).

التصنيف : اللغة العربية والأدب العربي

النوع : أعلام ومشاهير

المجلد: المجلد السادس عشر

رقم الصفحة ضمن المجلد : 408

آخر أخبار الهيئة :

معجم المصطلحات

الأطلس الجغرافي

البحوث الأكثر قراءة

اصدارات الموسوعة العربية

أسماء الباحثين

هل تعلم ؟؟

• - هل تعلم أن الأبلق نوع من الفنون الهندسية التي ارتبطت بالعمارة الإسلامية في بلاد الشام ومصر خاصة، حيث يحرص المعمار على بناء مداميكه وخاصة في الواجهات

• - هل تعلم أن الإبل تستطيع البقاء على قيد الحياة حتى لو فقدت 40% من ماء جسمها ويعود ذلك لقدرتها على تغيير درجة حرارة جسمها تبعاً لتغير درجة حرارة الجو،

• - هل تعلم أن أبقراط كتب في الطب أربعة مؤلفات هي: الحكم، الأدلة، تنظيم التغذية، ورسالته في جروح الرأس. ويعود له الفضل بأنه حرر الطب من الدين والفلسفة.

• - هل تعلم أن المرجان إفراز حيواني يتكون في البحر ويتركب من مادة كربونات الكلسيوم، وهو أحمر أو شديد الحمرة وهو أجود أنواعه، ويمتاز بكبر الحجم ويسمى الش

• هل تعلم أن الأبسيد كلمة فرنسية اللفظ تم اعتمادها مصطلحاً أثرياً يستخدم في العمارة عموماً وفي العمارة الدينية الخاصة بالكنائس خصوصاً، وفي الإنكليزية أب

• - هل تعلم أن أبجر Abgar اسم معروف جيداً يعود إلى عدد من الملوك الذين حكموا مدينة إديسا (الرها) من أبجر الأول وحتى التاسع، وهم ينتسبون إلى أسرة أوسروين

• - هل تعلم أن الأبجدية الكنعانية تتألف من /22/ علامة كتابية sign تكتب منفصلة غير متصلة، وتعتمد المبدأ الأكوروفوني، حيث تقتصر القيمة الصوتية للعلامة الك

شراء النسخة الورقية