logo

logo

logo

logo

logo

ابن كلس (يعقوب بن يوسف)

كلس (يعقوب يوسف)

Ibn Killlis (Yakub ibn Yusuf-) - Ibn Killlis (Yakub ibn Yusuf-)

ابن كِلِّس (يعقوب بن يوسف ـ)

(318 ـ 380هـ/930ـ 990م)

 

أبو الفرج، يعقوب بن يوسف بن إبراهيم الملقب بـ «ابن كِلِّس» وزير من الكتاب والمشتغلين بالحساب في أول عهد الدولة الفاطمية في مصر.

ولـد في بغداد. وكان يهودياً يزعم أنه من أولاد هارون بن عمران أخي موسى عليهما السلام. ثم سافر به أبوه في حداثته إلى الشام بعد أن تعلم الكتابة والحساب، فنزل الرَّملة في فلسطين، وهناك عمل بالتجارة والسمسرة، ولكنه لم يفلح وأضـرَّ ببعض التجار، فهـرب إلى مصر سنة 331هـ وأخذ يتاجر لكافور الإخشيدي ولبعض خواصه، فرأى كافور منه النزاهة وحسن الإدراك وقلة السعي إلى اكتساب المال، فاستحضره وعهد إليه بعمارة داره، ثم سلمه زمام ديوانه الخاص بمصر والشام، وأمر أصحاب الدواوين سنة 336هـ ألا يُصرف شيء من المال إلاَّ بتوقيع ابن كِلّس. فكان الحجَّاب والأشراف ـ لهذه المكانة التي حظي بها عند كافور ـ يقومون لـه ويكرمونه، مما جعل نفس ابن كِلّس تتطلع إلى منصب الوزارة، فأعلن إسلامه في سنة 356هـ ولزم الصلاة ودراسة القرآن، وانتدب شيخاً عارفاً بالتفسير والنحو والسِّير يلازمه في بيته ويصلي به ويقرأ عليه.

إلاّ أن وزير كافور جعفر بن الفرات كان يحسده على هذه المنزلة ويعاديه، فلما مات كافور سنة 357هـ قبض ابن الفرات على جميع الكتاب وأصحاب الدواوين، وفي جملتهم يعقوب بن كلِّس، فلم يزل يتوصل ويبذل الأموال حتى أفرج عنه، فهرب مستخفياً إلى المغرب، وهناك لقي جوهر بن عبد الله الرومي المعروف بالصِّقِلِّي مولى المعز العُبيدي وهو في طريقه لغزو مصر والقضاء على الدولة الإخشيدية، فرجع معه إلى مصر. وقيل إنـه استمر على قصده، وانتهى إلى إفريقيا وتعلق بخدمة المعز العُبيدي، فلما ارتحل المعز إلى الديار المصرية سنة 362هـ واعتلى كرسي الخلافة فيها رافقه ابن كِلّس، وظل في خدمته.

وفي سنة 363هـ، أسند المعز لدين الله شؤون الدولة الحربية والمدنية إلى ابن كِلِّس، وجعل معاونه في ذلك عُسْلوج بن الحسن المغربي. كما أسند إليهما أيضاً مهمة الإشراف على الشرطتين: شرطة الفسطاط السفلى، وشرطة العسكر والقطائع العليا بعد أن كان أمرهما بيد جوهر الصقلِّي الذي أدرك المعز كثرة مشاغله فأعفاه منهما.

وكذلك قلدهما مهمة الإشراف على شؤون البلاد المالية والخراج والحسبة والأوقاف وسائر الأعمال، وكتب لهما سجلاً بذلك قرئ على منبر جامع ابن طولون.

ولما كان الفاطميون في نظامهم المالي قد عملوا على التقليل من قيمة النقد الذي كان يُتداول في مصر، وعلى رفع قيمة النقود التي تحمل أسماء الخلفاء الفاطميين، فقد كان يعقوب ابن كِلّس وعسلوج بن الحسن لا يقبلان من الناس إلاّ الدنانير المغربية التي كانت أكبر من الدنانير التي تحمل أسـماء العباسيين، فانحط الدينار العباسي إلى ثلثي قيمته، وخسر الناس بذلك كثيراً من أموالهم. كما وضعا معاً نظاماً للضرائب أدى إلى ازدياد خراج مصر وانتعاش الأحوال المالية للدولة الفاطمية.

وبعد موت المعز لدين الله سنة 365هـ تولى الخلافة ابنه العزيز بالله، فظل ابن كِلّس يلازمه ويعمل في خدمته حتى عيَّنه وزيراً سنة 368هـ، ولقبه بالوزير الأجلِّ بعد أن استقال من هذا المنصب خصمه السابق جعفر بن الفرات حين شعر بضعف سلطته وتقلص نفوذه. ومع ذلك فقد تمتَّنت أواصر الود والصداقة بين الرجلين، حتى إن ابن الفرات كان يغدو ويروح إلى ابن كِلّس الذي ما فتئ يوليه ثقته ويعوِّل عليه في محاسبة العمال، ويجالسه ويدعوه إلى تناول الطعام معه بعد ما كان بينهما من تنافس وخلاف. وهكذا أصبح ابن كِلّس يكتب للعزيز كتبه ومراسلاته ويسعى إلى إدارة أمور الدولة الفاطمية بهمة عالية ومهارة فائقة.

ولكن الغريب أن ابن كِلّس قد صُرف عن الوزارة في سنة 373هـ، بعد أن نقم عليه العزيز لأسباب لم تفصح عنها كتب التاريخ والتراجم، واعتُقل في القصر ثمانية أشهر، ثم أُطلق سراحه بعدها وأعيدت إليه مقاليد الأمور من جديد، وأُغدقت عليه العطايا والهبات.

مات ابن كِلّس في القاهرة وصلى عليه العزيز بالله بعد أن كُفِّن وحُنِّط بما مبلغه عشرة آلاف دينار، وألحده في قبره بيده وانصرف حزيناً لفقده، ثم أمر أن تغلق الدواوين الحكومية عدة أيام بعد وفاته. كما زار الشعراء قبره آنئذ، ورثاه مئة شاعر. وكان ممن مدحه في حياته أبو الرَّقَعْمَق، أحمد بن محمد الأنطاكي بقولـه:

                            لم يَدَعْ للعزيز في سائر الأر

                                                      ضِ عَدُواً إلاّ وأخمد نارَهْ

                            فلهـذا اجْتبـاه دون سِـواه

                                                      واصطفاهُ لنَفْسه واختارَهْ

حظي ابن كِلّس من المؤرخين بالتقدير والإعجاب؛ لاتساع جهوده في ميادين العلم والإدارة، وإلى ما كان عليه من ذكاء وقاد وجَلَد على العمل وتشجيع للعلوم والفنون، فقد كان يعقد في قصره مجلساً يحضره القضاة والفقهاء والقراء والنحاة وجميع أرباب الفضائل وأعيان العدول وغيرهم من الأئمة ووجوه الدولة، إضافة إلى فئة من الكتاب ينسخون القرآن الكريم وكتب الحديث والفقه والأدب والطب، ويشكلون المصاحف وينقطونها. ثم تمد الموائد العامرة بالأطعمة لهم ولحاشيته وأتباعه ولمن يدخل عليه من الغرباء. وكان يجلس كل يوم عقب صلاة الصبح ويستعرض شكاوى العامة، وما يرفعونه إليه من الحوائج والظُّلامات.

ومن مآثره أنه في سنة 378هـ أشار على الخليفة العزيز بتحويل الجامع الأزهر إلى جامعة تُدرس فيها العلوم والآداب بعد أن كان مقصوراً على إقامة الدعوة الفاطمية.

وقد أنشأ في قصره مستشفى يضم عدداً كافياً من الأطباء، يقومون بفحص المرضى ووصف ما يلزمهم من الأدوية التي تقدم إليهم من دون ثمن.

ومع ذلك فإن بعض المصادر التاريخية وصفته بأنه كان عجباً في الدهاء والفطنة والمكر، وأنه لم يكن يتورع عن دس السم لأعدائه بغية التخلص منهم، وأنه قام بتحصين داره ودور غلمانه بالدروع والحرس والعُدَد والسلاح.

وعلى الرغم من كل هذه الأعباء فقد ألف ابن كلس كتاب «الرسالة الوزيرية» في الفقه الإسماعيلي أودع فيه جُل ما سمعه ووعاه من المعز وابنه العزيز من أحكام هذا المذهب وأصوله، فكان على القضاة أن يتخذوه مرجعاً في محاكمهم التي كانت تعقد في المساجد.

محمّد كمال

مراجع للاستزادة:

ـ ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة (دار الكتب المصرية، 1933).

ـ حسن إبراهيم حسن، تاريخ الدولة الفاطمية (مكتبة النهضة المصرية، 1958).

ـ ابن منجب، الإشارة إلى من نال الوزارة (المعهد العربي الفرنسي، القاهرة 1923)

ـ اليافعي، مرآة الجنان (مؤسسة الأعلمي، بيروت 1970).

 


التصنيف : التاريخ
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد السادس عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 332
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1051
الكل : 58492028
اليوم : 64542

الائتكال

الائتكال   الائتكال (التآكل) Corrosion هو تخرب المواد والمعادن خاصة، مِن تأثرها كيمياوياً أو فيزيائياً بعوامل خارجية مختلفة فتتحول إلى أشكال أخرى تختلف من حيث خواصها الفيزيائية والكيمياوية والميكانيكية. ومع أن الائتكال المعدني هو الأكثر أهمية، فإن العلماء يستعملون هذا المصطلح للاشارة أيضاً إلى تأثير البيئة في المواد غير المعدنية، فالصخور والتربة والإسمنت تأتكل بفعل الحت الطبيعي الناجم عن التغيرات في درجة الحرارة، وعن الأمطار والضوء والرياح. ويتبدى ائتكال المواد اللدنة plastics بتحطيم الروابط الكيمياوية فيها وتحولها إلى أشكال غير صالحة للاستعمال.
المزيد »