logo

logo

logo

logo

logo

النمو الاقتصادي

نمو اقتصادي

Economic growth - Croissance économique

النمو الاقتصادي

 

إن ما يجمع عليه اللاقتصاديون في إطار بحثهم لإيجاد تعريف محدد للنمو الاقتصادي economic growth هو صعوبة تحديد هذا المتغير لكونه يخضع لعوامل وأنماط وتأثيرات بالغة التعقيد. وعلى الرغم من أن أكثر التعريفات قبولاً للنمو الاقتصادي هي تلك التي تركز على قدرة الاقتصاد في زيادة إنتاج سلع وخدمات ذات صفة استمرارية، يرى بعضهم أن ظاهرة الزيادة المستمرة في الناتج لابد وأن تصاحبها مجموعة من التغييرات النوعية والكمية في البنى المختلفة للاقتصاد والمجتمع.

ويستعين بعض الكتاب بمقارنة معدل الناتج القومي الحقيقي الإجمالي للفرد بين سنة أساس معينة وسنة مقارنة للاستدلال على النمو الاقتصادي من جهة الرفاه المادي على الرغم من الاعتراضات العديدة على استخدام هذا المؤشر من حيث دقة التقديرات وكيفية توزيع الناتج القائم، إضافة إلى أنه لا يعني بالضرورة التحسن في مستوى معيشة  الفرد standard of living. أما الاقتصادي الأمريكي كوزنتس Kuznets فيرى أن النمو الاقتصادي هو عملية تضمن إحداث زيادة مستمرة في إنتاج الثروات المادية.

وفي هذا الصدد لابد من التفريق بين النمو الاقتصادي والتنمية الاقتصادية economic development، فبالرغم من كونهما مترادفين يستخدمان للدلالة على معنى محدد في بعض الأحيان، وكلاهما يتضمن تغييراً في الظاهرة نحو الأفضل، لكن ثمة فارق من جهة، وثمة تشابه بينهما من جهة أخرى، ويطلق بعض الاقتصاديين تسمية النمو الاقتصادي على تحليل تطور الاقتصادات في الدول المتقدمة، أما التنمية الاقتصادية فهي متعلقة باقتصادات الدول النامية.

يمكن التمييز بين التنمية الاقتصادية والنمو الاقتصادي من خلال افتراض أن للتنمية الاقتصادية متطلبات واسعة المدى وصعبة التحقيق، في حين أن عملية النمو الاقتصادي هي عملية ذات مدى أضيق وأسهل في التحقيق. لذلك يميز الاقتصاديون بين نمو اقتصادي ترادفه تنمية اقتصادية وبين نمو بلا تنمية growth without development.

وكمثال على النمو غير المترادف بتنمية اقتصادية ما يجري في العديد من الدول النامية والمتمثل  بالنمو السريع في إنتاج المواد الأولية المعدة للتصدير من قبل الشركات التي يملك رأسمالها أشخاص أجانب أو دول أجنبية، ومن جانب آخر فإن من غير الممكن تصور حدوث تنمية اقتصادية من دون نمو اقتصادي، ويمكن الربط بين التطور التاريخي للتطورات الاقتصادية وبين التمييز بين التنمية الاقتصادية والنمو الاقتصادي، فالتنمية الاقتصادية مصطلح انتشر استخدامه حديثاً، وتحديداً بعد الحرب العالمية الثانية في إشارة إلى حاجة بعض الدول النامية developing countries إلى جهود إضافية لإحداث تغييرات هيكلية structural changes ومؤسساتية institutional. وبالمقابل فإن النمو الاقتصادي لا يتضمن التوسع في كمية ما ينتج من سلع وخدمات من خلال التوسع في استخدام عوامل الإنتاج ولكن من خلال الكفاءة efficiency  في استخدام عوامل الإنتاج، في الوقت الذي تذهب فيه عملية التنمية الاقتصادية إلى أبعد من ذلك لتتضمن تغييراً في تركيب الإنتاج وهيكله الاقتصادي والاجتماعي والمؤسسي إضافة إلى الزيادة في الإنتاج.

إن التغييرات التي حصلت للاقتصاد الإنكليزي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر على سبيل المثال لا يمكن مقارنتها بما حصل من زيادة في إنتاج قطاعات المواد الأولية (الاستخراجية) في بعض البلدان النامية. فبالرغم من أن هناك زيادة في الإنتاج في كلتا الحالتين، فإن ما حصل في البلدان النامية ـ والدول المنتجة للنفط مثال لها ـ تم عن طريق شركات أجنبية تديرها وتشرف عليها ملاكات بشرية أجنبية، وإن ما ينتج مخصص ليستهلك في الخارج. وهذا يماثل قيام دولة أجنبية بمنح دولة نامية قدراً معيناً من الهبات والمساعدات التي لا يمكن عدّها لجهة التطور في أي حال من الأحوال.

إن أهم التغييرات البنيوية التي يفترض أن تصاحب عملية الزيادة في الإنتاج من أجل أن يقال إن هنالك عملية تنمية هي زيادة المساهمة النسبية لقطاع الصناعة في مجمل الناتج المحلي الإجمالي، وازدياد نسبة سكان المدن مقارنة بسكان الريف، إضافة إلى أن الدول التي تمر بعملية تنمية عادة ما تحقق زيادات في نسب نمو السكان في المراحل الأولى من عملية تنميتها ثم تتباطأ تلك النسب في مراحل لاحقة. ومن التغييرات التي تحدث يمكن ملاحظة التغيير في أنماط الاستهلاك، حيث تحصل زيادة في استهلاك السلع المعمرة durable goods والسلع الكمالية وسلع الرفاه الاجتماعي وخدماته. يضاف إلى ذلك ضرورة أن يكون القائمون بعملية التغيير هم أبناء البلد مباشرة،و تمتعهم بفوائد التغييرات التي يجرونها.

سعت النظرية الاقتصادية إلى دراسة وتحليل عملية النمو وطبيعة آلياته على مستويين: الأول هو السعي إلى تحديد المتغيرات التي يمكن عدها مسببات للنمو الاقتصادي، والثاني إيجاد أو خلق تعميمات مفيدة لوصف العلاقة بين المتغيرات بصيغ رياضية.

إن نظريات النمو الاقتصادي ليست جديدة، فهي قد حظيت باهتمام الرعيل الأول من أقطاب المدرسة الكلاسيكية من أمثال آدم سميث[ر] Adam Smith وديفيد ريكاردو[ر] David Ricardo ومالثوس T.R.Malthus، إلا أن الجديد هو توجيه الاقتصاديين اهتمامهم في أعقاب الحرب العالمية الثانية للدراسات والبحوث ذات العلاقة بالنمو الاقتصادي ولاسيما الاقتصادات النامية، إذ نشأت النظرية الحديثة في النمو بعد عام 1945.

تصدى مفكرو المدرسة الكلاسيكية Classical  School لظاهرة النمو. وقد اعتقد آدم سميث في كتابه «ثروة الأمم» The Wealth of Nations أن الزيادة في الثروة (النمو) يتحقق عن طريق تقسيم العمل والتخصص، ولكي يتحقق ذلك لابد من تراكم لرأس المال capital accumulation، ولابد من سوق واسعة كافية لاستيعاب ما ينتج. ولم ينس آدم سميث أهمية تأثير التغييرات التكنولوجية technological changes من خلال افتراض وجود تدفق تلقائي من الابتكارات.

وعموماً فإن هذه المدرسة ركزت على أن النمو الاقتصادي يعتمد على عدد من عوامل الإنتاج الرئيسية تتمثل بالعمل ورأس المال والموارد الطبيعية، بما فيها الأرض والتقدم التقني، كما اعتبرت تراكم رأس المال محركاً أساسياً لعملية النمو. ومن بين طروحات الكلاسيكيين الأخرى هي وجود علاقة تبادلية بين النمو السكاني والتراكم الرأسمالي.

وطبقاً للنظرية الماركسية Marxian theory التي أطلقها كارل ماركس فإن الإنتاج وزيادته يعتمد على العناصر نفسها التي اعتمد عليها الإنتاج من وجهة النظر الكلاسيكية. وقد استخدم ماركس التحليل الكلاسيكي ليؤسس عليه نظريته في القيمة theory of value وتوقع انهيار النظام الرأسمالي، ولكن لأسباب سياسية وليس لسبب الركود الاقتصادي. وعموماً فإن ماركس كان يهدف من مقولته تأكيد تناقضات النظام الرأسمالي أكثر من محاولة تحليل ديناميكية النظام وعرض آليات تطوره.

تصدرت نظريات النماذج الكنزية The Keynesian models theories أزمة الركود الاقتصادي التي سادت العالم في السنوات 1929- 1933، وقد وضع لبنات هذه النظريات الأساسية الاقتصادي الإنكليزي جون مينارد كينز John Maynard Keynes. وعُدَّت آراؤه انعطافاً كبيراً في الفكر الاقتصادي من حيث تأكيده أن المشكلات التي يمر بها النظام الاقتصادي لا تكمن في تحقيق «توليفات» موردية تزيد في ربحية الموارد المستخدمة أي لا تكمن في جانب عرض السلع والخدمات، بل تكمن في جانب الطلب الفعلي وتصريف تلك السلع والخدمات، وعدَّ قصور الأسواق جوهر المشكلة في تلك الحقبة التاريخية من تطور الرأسمالية.    

بنت نظرية النمو الكلاسيكية الحديثة the neoclassical growth theory طروحاتها على ما استجد في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، وخاصة معدلات النمو المرتفعة والارتفاع في معدلات الأرباح والأجور الحقيقية، وهو ما يتعارض وطروحات المدرسة الكلاسيكية. وأعتقد بعضهم أن طروحات هذه المدرسة جاءت في جانب منها رداً على طروحات دعاة الماركسية. ومن أبرز أعلام هذه المدرسة التي يطلق عليها بعضهم اسم المدرسة الحدية Marginal School، الاقتصادي البريطاني ألفريد مارشال Alfred Marshall وستانلي جيفونز Stanley Jevons وكارل مينجر Carl Menger وآخرون. وقد ركزت هذه النظرية على الجانب الجزئي في النظرية الاقتصادية، وعدّت أن عنصري الإنتاج، العمل ورأس المال يمكن أن يحل substitute أحدهما محل الآخر في عملية الإنتاج. وأن هنالك معدلات مختلفة لمعاملة رأس المال (معدل رأس المال إلى الإنتاج)، كما عدَّ عائد الإنتاج ثابتاً constant return to scale.

أكدت نظرية النمو الحديثة the new growth theory التي ظهرت في منتصف عقد ثمانينيات القرن العشرين أن العوامل المحددة للنمو الاقتصادي لا تحمل في طياتها طابعاً مادياً مثل الموارد الطبيعية ورأس المال فحسب بل تحمل طابعاً بشرياً. أو كما وضعها رومر P.Romer، والمعروف اليوم أن المقترح الكلاسيكي القائل بإمكانية أن يصبح الناس أثرياء من خلال تراكم عدد أكبر من قطع رأس المال المادي كالرافعات الشوكية هو أمر خاطئ، وأن السبب الأساسي في ذلك هو أن أي نوع من رأس المال المادي خاضع في النهاية للعوائد المتناقصة، ولا يمكن للاقتصادات النمو بإضافة النوع نفسه من رأس المال أكثر فأكثر. وإن الجزء الأساس في نظرية النمو الحديثة تركز على الدور الذي تؤديه المعرفة فيجعل النمو ممكناً. والمعرفة بالمفهوم الواسع تتضمن كل ما هو معروف عن الكون، وهي إضافة إلى ذلك «سلعة» خاضعة للعوائد المتزايدة وتختلف عن المعروف في الأدبيات الاقتصادية.

بينت الدراسات الكمية الحديثة أن مصادر النمو الاقتصادي متباينة، ولكن تبقى التطورات التكنولوجية، أو ما يصطلح عليها إنتاجية العامل الكلي total factor productivity (TFP) العامل الأكثر أهمية في النمو الاقتصادي للبلدان المتقدمة، في حين أن الاستخدام الواسع لعوامل الإنتاج (العمل ورأس المال) هو العامل الأكثر فاعلية في نمو اقتصادات البلدان النامية.

حاتم هاتف الطائي

 

 الموضوعات ذات الصلة:

 

التنمية الاقتصادية ـ السياسة الاقتصادية.

 

 مراجع للاستزادة:

 

- ABDUL KADHIM, H, HETEM, T.PICKLES, A.Z. KELLER, Technology Transfer and Technical Change In A Socialist Oil Exporting Developing Country: the Case of Iraq in 1960-1978, (OPEC Review, Vol. XIII, No.4, 1989, PP.429-440).


التصنيف : الاقتصاد
المجلد: المجلد الواحد والعشرون
رقم الصفحة ضمن المجلد : 70
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1049
الكل : 58481324
اليوم : 53838

القلصادي (علي بن محمد-)

القلصادي (علي بن محمد ـ) (815 ـ 891 هـ/1412 ـ 1486م)   علي بن محمد بن علي القرشي البسطي القلصادي نسبة إلى مدينة قلصادة في الأندلس رياضي اشتهر بعلم الحساب، فرضي، نحوي، فقيه بالمذهب المالكي، ولد في مدينة بسطة (من أعمال جيان تقع شمال شرقيّ غرناطة)، وبها نشأ، وتلقّى علومه الأولى، وتابعها. أخذ القرآن، وأتقنه حفظاً وتجويداً, ثم تابع علومه الدينية من تفسير وحديث وفقه وفرائض، وفي اللغة العربية ونحوها، وذلك في مجالس شيوخ بلده.

المزيد »