logo

logo

logo

logo

logo

الفراء (يحيى بن زياد-)

فراء (يحيي زياد)

Al-Farra’ (Yahya ibn Ziyad-) - Al-Farra’ (Yahya ibn Ziyad-)

الفراء (يحيى بن زياد -)

(144-207هـ/761-822م)

 

أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله الدَّيْلميّ، مولى لبني أسد، ولد في الكوفة، وكان أكثر مقامه في بغداد يعتاش فيها ويجمع الأموال ثم يعود إلى مسقط رأسه ويوزعها على ذويه.

لُقب بالفراء لأنه كان يجيد القول في العلم ويأتي فيه بالقول الحسن، ويبني المسائل بعضها على بعض بناء محكماً ويتقن نظم المسائل ويتغلب على من يجادله في القضايا العلمية. وكان أعلم النحويين الكوفيين بالنحو واللغة، إماماً ثقة قويَّ الحفظ صحيح القول حاضر الذهن واعياً لما يخرج من رأسه، عمل النحو والعربية على كلام العرب، وحملها على الألفاظ والمعاني وكان يقول: «كل مسألة وافق إعرابها معناها ومعناها إعرابها فهي صحيحة»، واتهم سيبويه بالغلط لأنه كان يحمل كلام العرب على المعاني من دون الألفاظ، ورأى أن الفصحاء الفحول استحقوا أن يكونوا فصحاء لأن معنى كلامهم مطابق لإعرابه، وإعرابه مطابق لمعناه، وحمل العربية على الألفاظ والمعاني فبرع وتبوَّأ التقدمة فيها وضبطها وحصَّنها، وبرَّز فيها فاستحق أن يعد من أئمتها، ولولاه لسقطت ولم تكن، وما زال يتبحَّر فيها حتى لقب أمير المؤمنين في النحو، وهو الذي أقام بنيان المذهب الكوفي في النحو وأرسى دعائمه بعد أن بدأه الكسائي، وكان شديد الصلة بكتاب سيبويه، وهو أحد النحويين الكوفيين الثلاثة الأعلام وهم الكسائي والفراء وأحمد بن يحيى ثعلب. تعاطى علوماً شتى، كالطب وأيام العرب وأشعارها والفقه، وكان يفتي في المسائل الفقهية بالتعويل على مسائل النحو.

وما قيل في نسبته إلى مذهب الاعتزال غير سديد؛ لأن طبعه لم يستسغ علم الكلام والخوض فيه، مع أنه كان يشتهي أن يتعلمه، والاعتزال قوامه علم الكلام، يضاف إلى هذا أن الفراء عرف بعلوم شتى في الوسط العلمي في وقته، ولم يكن بينها علم الكلام لأنه لا قبل له به، ومما يؤثر عنه أنه كان هو وبشر المريسي أحد المعتزلة المشتغلين بعلم الكلام، في بيت واحد، فلا الفراء تعلم منه علم الكلام ولا بشر تعلم منه النحو.

دخل الفراء على أمير المؤمنين الرشيد ولحن أمامه مرات، فاعتذر عن لحنه بأن طباع أهل الحضر اللحن وأن طباع أهل البدو الإعراب، وأنه إذا عاد إلى كلامه فراجعه لم يلحن، ولقي احتراماً عند أمير المؤمنين المأمون، ووكل إليه أن يؤدب ابنيه ويقوم عليهما في النحو، وكانا يبديان له التوقير الشديد، رغب إليه المأمون أن يصنف كتاباً يجمع فيه أصول النحو، وأحاطه بالخدم ليقوموا على شؤونه ولئلا ينشغل بشيء سوى العلم، وأفرد له حجرة، وبعد سنتين أنجز كتابه الموسوم بـ «الحدود».

تلقى العلم عن علي بن حمزة الكسائي، وروى عنه قيس بن الربيع ومندل بن علي والكسائي، ويدَّعي أهل الكوفة أن الفراء أخذ النحو عن يونس ابن حبيب أحد أشياخ سيبويه واستكثر عنه، ولكن البصريين ينكرون ذلك.

وأخذ عنه سلمة بن عاصم ومحمد ابن الجهم السِّمَّريّ.

له التصانيف النفيسة التي لا يوازَى بها، وكان يُمْلي كتبه إملاءً من محفوظاته من دون أن ينظر في كتاب، ومن أهمها: «معاني القرآن» و«البهيّ والمذكر والمؤنث» و«الحدود» و«الفاخر» و«المنقوص والممدود» و«اللغات» و«المصادر في القرآن الكريم» و«النوادر».

ويأتي كتابه «معاني القرآن» على رأس مصنفاته، أملاه على أصحابه بناء على طلب صاحبه عمر بن بُكير، وضح فيه ما يسأل عنه من آي الكتاب العزيز وجمع فيه أصولاً نحوية، وعمل فيه على إعراب القرآن وتفسيره وذكر اللغات والقراءات المتعلقة به، ويظهر فيه علمه باللغة والقراءات وتقليب الأوجه الإعرابية المستندة إلى كلام العرب، والحس اللغوي الصافي والذوق العربي السليم اللذين حُبِيَ بهما.

بدأه بفاتحة الكتاب وأنهاه بالمعوذتين، وكان في تصديه للمسائل اللغوية والنحوية يصدر عن نظرة لغوية صرفة يستقيها من مخزونه اللغوي ويستوحيها من تقاليب كلام العرب وأساليب القوم في التعبير والأداء.

ولابد من الإشارة إلى تلك المقولة التي تناقلها مترجمو الفراء وأشاروا فيها إلى أن عقليته اللغوية تأثرت بالفلسفة وجنحت إلى المنطق، وهي أنه «كان يتفلسف في تآليفه وتصنيفاته حتى يسلك في ألفاظه كلام المنطقيين والفلاسفة».

ولا تصدق هذه المقولة على كتابه «معاني القرآن»؛ لأنه علَّل الظواهر اللغوية بما لا يخرج عن طبيعة العربية ويَبِينُ عنها، من مثل تعليله بالخفة والثقل والقلة والقبح والكره، وما سماه بالخِلْقة ويقصد بها الأصل في استخدام الحرف أو الكلمة في العربية، وكل هذه من صميم العربية وروحها ليس بائناً عنها ولا غريباً عن طبيعتها، واستلهم منهجه في عرض الظاهرة النحوية وتحرير أحكامه من النظر في العربية ورصد خصائصها ومقوماتها والأخذ بها وسبر أعماقها، وأدار بحثه بأسلوب يتفق وطبيعتها ونأى عن الجدل والافتراض والتخيل، وذهب إلى كلام العرب يستوحي منه ويستلهم، وسارت على لسانه مصطلحات تشي بالذوق اللغوي والحس المرهف من مثل قوله: ولست أشتهي ذلك، والنصب أحبُّ إليّ، وهذا أعجب الوجهين إليَّ، ولم يسقط على العربية ما ليس له تعلق بها، ولم يستند إلى ما هو بائن عنها.

إبراهيم عبد الله 

مراجع للاستزادة:

ـ القفطي، إنباء الرواة على أنباه النحاة، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (دار الكتب المصرية، د.ت).

ـ إبراهيم عبد الله، نظرات في كتاب معاني القرآن للفراء (مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق المجلد 78 الجزء 2).


التصنيف : اللغة العربية والأدب العربي
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الرابع عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 336
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1047
الكل : 58481492
اليوم : 54006

العقلانية في العمارة

العقلانية في العمارة   ظهرت العقلانية بوصفها مذهباً معمارياً منذ القرن الثامن عشر؛ ذلك القرن الذي أطلق عليه اسم عصر العقل Age of reason، حين احتل العلم والمنطق المقام الأول في التحول الصناعي، وحين أصبحت العمارة صناعةً كغيرها من الصناعات التي لابد أن تواكب التحولات الفكرية والتقانية والحداثة ونزعة الوظيفية التي سيطرت على ذلك العصر. بدا تأثير الصناعة في العمارة منذ أن ابتدأ المعمار باستخدام الآلات في عمارته، واستخدام منتجات هذه الآلات في إنشاءاته، بل بدا هذا التأثير واضحاً عندما أصبح الشكل المعماري مستمداً أحياناً من أشكال الآلات ذاتها، وخاضعاً إلى جميع المبادئ العقلانية جميعها في إنشاء العمارة.
المزيد »