logo

logo

logo

logo

logo

الطوفان

طوفان

Great Flood / Deluge - Déluge

الطوفان

 

وردت عدة إشارات وروايات عن الطوفان، في النصوص المسمارية، وتناقلت الكتابات القديمة أخباره. وأقدم إشارة كتابية إلى الطوفان وردت في «قوائم الملوك السومرية» التي اتخذت منه حداً فاصلاً ما بين حقبتين رئيستين من تأريخ البشرية0 فقبل الطوفان حكم ثمانية ملوك في خمس مدن مدة (241000) عام ثم جاء الطوفان. وبعد الطوفان هبطت الملكية ثانية من السماء وحلت في مدينة كِش (على بعد نحو 20 كم إلى الشرق من بابل) ثم تنقلت بين عدة مدن في بلاد الرافدين والشام ومنطقة عيلام [ر].

لقد اكتشفت عن الطوفان، حتى اليوم، رواية واحدة باللغة السومرية وروايتان باللغة الأكدية. ويفهم مما تبقى من الرواية السومرية أن بطلها يدعى زيوسدرا Zi-u-sud-ra، واسمه يعني نحو «حياة لأيام طويلة»، كان ملكاً تقياً، وقد أفشى له إله الحكمة أنكي (أيا) سر قرار الآلهة بإحداث الطوفان لإفناء البشر. ويبدو أن زيوسدرا بنى فلكاً ظل فيه مدة الطوفان التي استغرقت سبعة أيام وسبع ليال. وبعد أن انتهى الطوفان قدم زيوسدرا الأضاحي للآلهة الذين منحوه الحياة الخالدة، لدوره في المحافظة على ذرية البشر والكائنات الحية من الفناء، ونقل ليعيش بعيداً في دلمون (البحرين حالياً).

ترد الرواية الأكدية الأولى في «ملحمة غلغامش»، وخلاصتها أن الآلهة قررت إحداث الطوفان، ولكن إله الحكمة «أيا» أبلغ أوتا ـ نبشتم Uta - Napashtim، وهو رجل كان يعيش في مدينة شروباك (تل فارة) ومعنى اسمه «واجد الحياة»، بهذا القرار، وأرشده إلى أن يبني فلكاً بشكل مكعب طول ضلعه ستون متراً ويحمله ببذرة كل ذي حياة. قام أوتا ـ نبشتم ببناء الفلك، وأركب فيه أفراد عائلته وأفراداً من ذوي المهارات وأصنافاً من الحيوانات. ثم حدث الطوفان واستمر مدة ستة أيام وسبع ليال، اكتسح فيها البلاد وأفنى البشر. وبعد ذلك توقفت العواصف والأمطار، ورسا الفلك على جبل نصير الذي يدعى في الوقت الحاضر جبل بيره مكرون، وهو الجبل الذي يعني الوصول إليه الانتقال من المنطقة شبه الجبلية إلى الجبلية في منطقة السليمانية في شمالي العراق. وبعد سبعة أيام اطلق أوتا ـ نبشتم حمامة فطارت ورجعت بعد حين، وحدث الأمر نفسه مع طائر السنونو. ولكن في المرة الثالثة أطلق غراباً فلم يعد إلى الفلك لأنه وجد أرضاً وغذاءاً فمكث فيها، عند ذلك قدَّم أوتا ـ نبشتم الأضاحي، فتجمع الآلهة حوله فرحين وباركوه مع زوجته وقرروا منحهما الخلود ونقلهما للعيش بعيداً عند منابع الأنهار.

أما الرواية الأكدية الثانية فترد في « ملحمة أترا ـ خسيس»، التي يعني اسم بطلها «فائق الحكمة»، وقد لقب به أيضاً أوتا ـ نبشتم في «ملحمة غلغامش». تبتدئ الملحمة بمقدمة تتضمن وصف أزمان وأحداث سبقت خلق البشر، وقادت إلى قرار الإله إنليل Enlil بإحداث الطوفان لافنائهم. استمر الطوفان سبعة أيام وسبع ليال ووقعت فيه أحداث مشابهة لما ورد في «ملحمة غلغامش». وتجدر الإشارة هنا إلى أن «ملحمة أترا ـ خسيس» كانت المصدر الذي اقتبست منه الإشارات الخاصة بالطوفان في الأساطير الحثية والأغاريتية.

تناقلت الكتابات الكلاسيكية رواية الطوفان التي اقتبستها من كتابات الكاهن البابلي الأصل بيروسس Berossus، الذي عاش في القرن الثالث قبل الميلاد. ويدعى بطل هذه الرواية خيسثروس Xisthrus، وهو اسم قريب من اسم زيوسدرا السومري. وتذهب الرواية إلى أن كرونوس Cronus، كبير الآلهة الإغريقية، أبلغ خيسثروس موعد حدوث الطوفان، وأمره أن يحفر حفرة في مدينة سبار البابلية ويدفن فيها الكتابات التي تتضمن جميع المعارف، وأن يبني الفلك. وبعد أن توقف الطوفان تحقق خيسثروس من ظهور اليابسة عن طريق إطلاق الطيور، ثم إنه اختفى من بعد نزوله من السفينة، ونادى صوته على جماعته ليخبرهم أنه سيعيش مع الآلهة جزاء صلاحه وكذلك زوجته وابنته وملاحه، وأمرهم أن يعودوا إلى بلاد بابل ويستخرجوا الكتابات المدفونة في مدينة سبار وينشروها بين الناس، وأبلغهم كذلك انهم في بلاد أرمينيا. وذكر بيروسس أن أجزاء من الفلك لم تزل موجودة على جبال غورديان Gordyaean الأرمينية.

ترد قصة الطوفان في العهد القديم (سفر التكوين)، وفيها أن نوحاً تلقى الوحي لبناء الفلك وأن الطوفان استمر مدة أربعين يوماً وأربعين ليلة. وتذكر الرواية أن مرسى الفلك كان على جبال آرارات (أورارط' في النصوص الآشورية ويقصد بها بلاد إرمينيا القديمة). ثم قام نوح بإطلاق غراب ثم ثلاث حمامات لم تعد الأخيرة منهن، فخرج هو وصحبه من الفلك ونال رضى الله وعهده بأن لايتكرر الطوفان. وترد قصة الطوفان أيضاً، وقيام نبي الله نوح ببناء الفلك، في القرآن الكريم (سورة هود). ويحدد مرسى الفلك في القرآن الكريم على جبل الجودي، الذي يرجح أن يكون موقعه عند الحدود العراقية ـ التركية.

إن موضوع الطوفان في النصوص المسمارية يثير الكثير من الأسئلة التي تحتاج أجوبتها إلى توافر المزيد من الأدلة الواضحة. وهناك أيضاً تساؤل عما إذا كانت المصادر الدينية والمصادر المسمارية تتحدث عن الطوفان نفسه، أم أن هناك أكثر من طوفان أو إن الدلالة مختلفة لمعنى الطوفان من مصدر إلى آخر.

وما يمكن قوله اليوم، عموماً، إن قوائم الملوك السومرية والمصادر المسمارية الأخرى تحدثت عن طوفان أو فيضان واحد كان قد أحدث دماراً في منطقة السهل الرسوبي جنوبي بلاد الرافدين، وهي المنطقة المعرضة لذلك في جميع أدوارها التأريخية، وقد وجدت دلائل جيولوجية لطوفان كبير في بعض مدن الرافدين، وخاصة في أوّر. وتتفق آراء عدد من المختصين على ترجيح حدوث هذا الطوفان في وقت ما من النصف الأول من الألف الثالثة قبل الميلاد، وذلك بين الدورين الأول والثاني من عصر فجر السلالات. ويستند هذا الاحتمال إلى الافتراض القائل إن سلالة كِش الأولى، التي حكمت من بعد الطوفان بحسب قوائم الملوك السومرية، يقع زمانها في عصر فجر السلالات الثاني وأن زمن غلغامش في بداية الدور الثالث من ذلك العصر.

نائل حنون

الموضوعات ذات الصلة:

 

السومريون ـ العهد القديم ـ غلغامش.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ طه باقر، ملحمة جلجامش (بغداد 1980).

- W.G.Lambert and A.R.Millard, Atra-hasis: The Babylonian Story of the Flood (Oxford 1959).

- D.Tsumura, “Genesis and Ancient Near Eastern Stories of Creation and Flood:An introduction” I, Studied Inscriptions from Before the Flood,eds.R.S.Hess and D.T.Tsumura (Winona Lake ,IN 1994).


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
المجلد: المجلد الثاني عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 647
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1053
الكل : 58492156
اليوم : 64670

المحكمة الإفريقية ل-حقوق الإنسان والشعوب

المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب   نصّ الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان لعام 1981، الذي دخل حيّز النفاذ عام 1986، على الآلية الأولى لحماية حقوق الإنسان، وهي اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان (المواد من 30 إلى 63 من الميثاق)، ثم جاء البرتوكول الإضافي الملحق بالميثاق لعام 1998 لينص على تكوين المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب The African Court on Human and Peoples Rights. 1ـ اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان تتكون اللجنة من 11 عضواً، يتم انتخابهم لمدة ست سنوات، ومقرها بنجول Banjul في غامبيا، ولعل من أهم الصعوبات التي تواجهها تنوع لغات الدول الأعضاء.
المزيد »