logo

logo

logo

logo

logo

سبتيميوس سفيروس

سبتيميوس سفيروس

Septimius Severus - Septime Sévère

سبتيميوس سفيروس

(146 ـ 211م)

 

لوكيوس سبتيميوس سفيروس غيتا L.Septimius Severus Geta أول امبراطور روماني من أصول عربية كنعانية، ومؤسس أسرة حاكمة دانت لها الامبراطورية ما يقرب من نصف قرن (193ـ235ق.م)، وعرفت باسم السلالة السيفيرية أو الليبية ـ السورية.

ولد عام 146م في مدينة لبتيس الكبرى Leptis Magna (لبدة اليوم) في إقليم طرابلس الغرب من أسرة بونيقية «مترومنة» تنتمي إلى طبقة الفرسان.

تلقى سبتيميوس علومه القانونية والعسكرية في لبدة، التي كانت تضم مستعمرة رومانية، ودرس الآداب والفلسفة في أثينا، ومارس المحاماة، وصار عضواً في مجلس الشيوخ الروماني عام 173م، وتقلد عدة مناصب إدارية وعسكرية كبيرة توجها بالقنصلية عام 190م.

كان حاكماً لولاية بانونيه العليا (النمسا والمجر اليوم) وقائداً لجيش الدانوب عند اغتيال الامبراطور كومودوس Commodus عام 192م، الذي أعقبه أحداث دامية وصراع على العرش، شبيه بما حدث عام 68م بعد مصرع الامبراطور نيرون، فقد اغتيل خليفته برتيناكس Pertinax عام 193م على أيدي الحرس الامبراطوري، الذي نصب ديدوس يوليانوس D.M.Julianus، أكثر المزاودين عطاء على العرش،فثارت الجيوش الرومانية على هذه الأوضاع، وبدأت تعلن قوادها أباطرة. وهكذا نادى جيش الدانوب عام 193م بقائده سبتيميوس امبراطوراً، الذي سارع بالزحف على روما معلناً أنه يريد أن يثأر لمقتل برتيناكس وتغلب بسهولة على يوليانوس الذي قتل بأيدي حراسه، واستتبت له الأمور وأعلنه مجلس الشيوخ امبراطوراً في عام 193م. وفي أثناء ذلك كان بسكينيوس نيجر Pescennius Niger، حاكم سورية وقائد جيوش الشرق، قد أعلن نفسه امبراطوراً، فتحالف سبتيميوس مع حاكم بريطانيا ألبينوس Albinus، ثم تحرك بقواته نحو الشرق، وتمكن، في معركة دامية جرت في إيسوس عند المضائق السورية، من تحطيم جيش نيجر، الذي فر إلى أنطاكية، ثم قتل في تشرين الثاني عام 194. ودخل سبتيميوس أنطاكية، وعاقبها بأن جعلها تابعة لمدينة اللاذقية، لأنها ناصرت خصمه المهزوم، كما قام بحملة مظفرة على الفرثيين الذين كانوا يهددون ولاية سورية.عاد بعدها إلى بلاد الغال، لمواجهة منافسه ألبينوس الذي أعلن نفسه امبراطوراً، وخاض معه معركة ضارية قرب ليون الفرنسية انتهت بهزيمته وانتحاره عام 197م. وهكذا صار سيد الامبراطورية بلامنازع، وأصبح بإمكانه التوجه إلى الشرق لمجابهة الفرثيين، الذين استغلوا غيابه في الغرب لمهاجمة سورية. ودامت الحرب عامين كاملين (197 ـ 199م)، انتهت بدخول عاصمتهم طيسفون وإجبارهم على عقد صلح تخلوا بموجبه عن شمالي بلاد الرافدين (الجزيرة السورية اليوم) التي صارت ولاية رومانية باسم اوسروينه، قاعدتها نصيبين التي غدت حصناً رومانياً منيعاً. لكن سبتيميوس أخفق في السيطرة على مدينة الحضر[ر] بسبب مناعة أسوارها واستبسال القبائل العربية في الدفاع عنها. وأمضى الامبراطور وأسرته ثلاث سنوات في الشرق، زار فيها سورية ومصر ومعالمها المشهورة ونظم أمورها، وعاد بعدها إلى روما ليحتفل بمرور عشر سنوات على وصوله إلى العرش، وليدشن (203م) قوس النصر الذي أمر بإقامته مجلس الشيوخ تخليداً لانتصاراته في الشرق، والذي لايزال قائماً حتى اليوم، ويعد من أشهر آثار روما.

كان سبتيميوس من أقدر الأباطرة الرومان، قام بإصلاحات سياسية وعسكرية وإدارية وقانونية كبيرة، تركت بصماتها على العصور اللاحقة، فقد حل الحرس البريتوري الذي كان سند الأباطرة منذ عهد أغسطس، ثم صار نقمة عليهم، وكان حكراً على الإيطاليين الرومان، وشكل بدلاً منه وحدة جديدة من خيرة الجند في الامبراطورية، وخاصة من سورية وشمالي إفريقيا، كما أنه قسم ولاية سورية ولايتين للحد من طموحات حكامها وتطلعهم إلى عرش الامبراطورية. واهتم بتنظيم القضاء والمحاكم، وارتقى في عهده علماء القانون إلى أعلى المناصب، وهكذا برز الفقيه بلاوتيانوس Plautianus الإفريقي الذي تسلم قيادة الحرس الامبراطوري، وصار له شأن كبير في البلاد، وخاصة بعد أن تزوج ابن الامبراطور كركلا من ابنته بلاوتيلا، وكي يعطي حكمه الدعامة الشرعية، أعلن سبتيميوس انتماءه إلى الأباطرة الأنطونيين وأنه ابن الامبراطور ماركوس أوريليوس [ر] بالتبني، وسمى ابنه الأكبر باسيانوس: ماركوس أوريليوس أنطونينوس.

أما مجلس الشيوخ فقد تغير تركيبه في عهده، وفقد مركزه السابق واقتصر دوره على تصديق القرارات الامبراطورية، وأبعد الشيوخ عن القيادات العسكرية الكبيرة، وأحل محلهم رجال القانون في مجلس الامبراطور الاستشاري، وزاد الاعتماد على جهاز الموظفين الذين تنامت أعدادهم ورتبهم واختصاصاتهم، ووضعوا تحت إشراف قواد الحرس الذين صاروا يجمعون بين أعلى المراتب العسكرية والمدنية.

تزوج سبتيميوس عام 187م الأميرة السورية يوليا (جوليا) دومنا Julia Domna، وهي سليلة أسرة كهنوتية عريقة من حمص، كان قد عرفها حين تولى قيادة إحدى الفرق العسكرية في سورية، وقد أنجب منها ابنيه كركلا وغيتا اللذين سيخلفانه على عرش الامبراطورية. وهكذا حظيت سورية ـ مثل موطنه إفريقيا ـ بعناية الامبراطور ورعايته، فأغدق عليها كثيراً من الامتيازات، وازدانت مدنها بالمنشآت الفخمة التي لايزال بعضها قائماً حتى اليوم، مثل قوس النصر في اللاذقية وآثار لبدة الشهيرة.

وأخيراً استدعته الأحداث في بريطانيا إلى ساحات القتال مجدداً، فانطلق عام 208م لمحاربة القبائل الاسكتلندية، التي كانت تغير عليها، فتمكن من دحرها وكسر شوكتها، وأعاد تحصين سور هادريان، وكان ينوي ضم كلدونيا (اسكتلندا) إلى الولاية الرومانية، ولكن المرض أقعده وفارق الحياة في 4 شباط عام 211م في مدينة يورك الانكليزية، ونقل رماده ليدفن في ضريح الأباطرة في روما، تاركاً العرش لابنيه كركلا وغيتا، وكانت وصيته لهما: «كونا متحدين وابذلا المال للجند ولا تهتما بشيء بعد ذلك».

وهكذا فإن الجيش كان عماد سلطته ومنطلقها، لذلك أغدق عليه الهبات وزاد في مرتبات جنده وضباطه ومنحهم كثيراً من الامتيازات، وكان ذلك بداية تسلط الجيوش الرومانية على مقرات الحكم.

كان سبتيميوس من أحسن الرجال تربية وأكثرهم علماً وثقافة في عصره، وقد جمع حوله الشعراء والفلاسفة والمؤرخين ورجال القانون، وعلى رأسهم الفقهاء السوريون بابيان وأولبيان وباولوس.

كان وسيم الطلعة، قوي البنية، بسيطاً في مأكله وملبسه وسلوكه، بارعاً في الفنون العسكرية، لا يهاب الردى في القتال وقديراً صارماً في أحكامه. كان رجل دولة من الطراز الأول، قَوى مركز الامبراطور وصان وحدة الامبراطورية، ومنحها في سنوات حكمه السلام والاستقرار، وحقق انتصارات حربية مشهودة على منافسيه وعلى أعداء الامبراطورية في الشرق والغرب.

محمد الزين

الموضوعات ذات الصلة:

 

البارثيون ـ الرومان ـ سورية.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ ول ديورانت، قصة الحضارة، ترجمة محمد بدران (القاهرة 1973).

ـ اندريه إيمار وجانين أوبوايه، روما وامبراطوريتها (تاريخ الحضارات العام، بيروت 1964).

- A.D.Birley, Septimius Severus the Af­ri­can Emperor (London 1971).

 


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد العاشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 673
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1038
الكل : 58480473
اليوم : 52987

تقي الدين محمد بن معروف

تقي الدين محمد بن معروف (نحو 932 ـ 993هـ/1525 ـ 1585م)   تقي الدين محمد بن معروف بن أحمد، عالم فلكي، وراصد رياضي ومهندس ميكانيكي، اشتهر أوائل الحكم العثماني. ورد اسمه كاملاً ومدوناً بخط يده على مخطوط له عنوانه «الطرق السنية في الآلات الروحانية». يرجع في نسبه إلى الأمير ناصر الدين منكويرس، ابن الأمير ناصح الدين خمارتكين. أشارت معظم المراجع إلى أنه من مواليد مدينة دمشق، ثم انتقلت أسرته إلى مصر، حيث استقرت فيها. نشأ تقي الدين في بيت علم ودين، فقد كان والده قاضياً في مصر. ودرس هو علوم عصره، وأصبح قاضياً مثل أبيه. تحدث عن نفسه في أحد مؤلفاته، وهو «سدرة منتهى الأفكار في ملكوت الفلك الدوار» فقال: «ولما كنت ممن ولد ونشأ في البقاع المقدسة، وطالعت الأصلين «المجسطي»، و«كتاب إقليدس في الأصول» أكمل مطالعة، ففتحت مغلقات حصونها، بعد الممانعة والمدافعة. ورأيت ما في الأزياج المتداولة (الجداول الفلكية) [ر] من الخلل الواضح، والزلل الفاضح، تعلق البال والخلد بتجديد تحرير الرصد». وهذا يدل على أن تقي الدين قد اطّلع على الكتب العربية التي وردت فيها الأرصاد والحسابات الفلكية والأزياج فسعى لإصلاحها. واستخرج زيجاً وجيزاً مستعيناً بأبحاث أَلُغ بك، كما ذكر في كتابه «الدر النظيم في تسهيل التقويم». ويبدو من أقوال تقي الدين، التي وردت في كتابه «الطرق السنية في الآلات الروحانية» أنه زار اصطنبول، مع أخيه عام 953هـ/1546م. وربما كان ذلك بحكم وظيفته، أو رغبة في طلب العلم.  وفي تلك المدينة قام بمشاركة أخيه بتصميم آلة لتدوير سيخ اللحم على النار، فيدور من نفسه من غير حركة الحيوان. عمل تقي الدين في خدمة الوالي علي باشا، الذي كان يحكم مصر من قبل السلطان سليمان القانوني، بدءاً من عام 956هـ/1549م. فأهداه كتابين من مؤلفاته وهما «الطرق السنية في الآلات الروحانية»، و«الكواكب الدرية في البنكامات الدورية». وجاء في كتاب «كشف الظنون» أنه في عام 975هـ/1568م ألف تقي الدين كتاب «ريحانة الروح في رسم الساعات على مستوى السطوح» في قرية من قرى نابلس. ثم شرحها العلاّمة عمر بن محمد الفارسكوري شرحاً بسيطاً بإشارة من المصنف، وسماها «نفح الفيوح بشرح ريحانة الروح»، وفرغ منها في ربيع الأول 980هـ، ولها ترجمة إلى اللغة التركية موجودة نسخة منها في المكتبة الظاهرية بدمشق. رحل تقي الدين بعد ذلك إلى اصطنبول، حيث تقرّب من الخواجه سعد الدين، معلّم السلطان، وصار من خواصه الملازمين. ونظراً لبراعة تقي الدين في العلوم الفلكية دعمه الخواجه سعد الدين ليكون رئيساً للمنجمين في أواخر حكم السلطان سليمان، وكان ذلك عام 979هـ/1571م. كان تقي الدين يرغب في إنشاء مرصد في اصطنبول، على غرار مرصد مراغة، الذي أنشأه أَلُغ بك، لذلك قدّم تقريراً للسلطان، عن طريق الصدر الأعظم محمد باشا، ووساطة الخواجه سعد الدين، وشرح في تقريره أن الجداول الفلكية الموجودة صارت غير قادرة على إعطاء معلومات صحيحة، لذلك صارت الحاجة ملحة لعمل جداول فلكية تستند إلى أرصاد جديدة. استجاب السلطان لطلب تقي الدين، وبدأ بإنشاء المرصد أوائل عام 983هـ/1575م، وانتهى بناؤه وتجهيزه بالأجهزة والأدوات بعد ذلك بعامين. وحدث في ذلك الوقت ظهور مذنب في سماء اصطنبول، ولما شاهده تقي الدين في مرصده تقدم بالتهنئة للسلطان، متنبأ له بالنصر على الفرس، الذين كانوا في حرب مع الدولة العثمانية. وقد تحقق ذلك النصر، لكنه لم يكن مجرداً من الخسائر الفادحة. كما أن وباء الطاعون انتشر انتشاراً واسعاً في ذلك الوقت. فانتهز الفرصة قاضي زاده شيخ الإسلام هو وجماعته المنافسون للصدر الأعظم وللخواجه سعد الدين، وشنوا حملة معادية لإنشاء المرصد، ونجحوا بإقناع السلطان بهدمه، فتم لهم ذلك في عام 1580م. كان السلطان مراد قد كافأ تقي الدين، عقب إنشائه المرصد، فمنحه راتب القضاة، كما منحه قطائع درت عليه دخلاً كبيراً. إلا أن هدم المرصد كان له تأثير سيء في نفس تقي الدين، وقد توفي بعد ذلك بخمس سنوات، ودفن في مدينة اصطنبول. كان تقي الدين، كما يقول عن نفسه، في كتابه «الكواكب الدرية في البنكامات الدورية»، مغرماً منذ حداثته بمطالعة كتب الرياضيات، إلى أن أتقن الآلات الظلية والشعاعية علماً وعملاً، واطلع على نسب أشكالها وخطوطها. كما اطّلع على كتب الحيل الدقيقة والميكانيك، ورسائل علم الفرسطون والميزان وجر الأثقال. وكان يتقن معرفة الأوقات ليلاً ونهاراً، معتمداً على عدة أشكال من الآلات، وخاصة البنكامات الدورية (الساعات). وقد دوَّن فن الساعات الميكانيكية ومبادئها، وذكر عدداً من الآلات التي اخترعها. ولكي يبرهن على مدى تقدمه في العلوم الرياضية، ورغبته في نشر المعرفة، وضع عدة مؤلفات، منها رسالة «بغية الطلاب في علم الحساب»، وكتاب في الجبر عنوانه «كتاب النسب المتشاكلة». وكتاب في الفلك عنوانه «سدرة منتهى الأفكار في ملكوت الفلك الدوّار». وسجل في كتابه الأخير المشاهدات الفلكية التي حققها في مرصد اصطنبول. ووصف الآلات التي استعملها فيه، وماكان منها من مخترعاته، محتذياً في ذلك حذو العلامة نصير الدين الطوسي الذي كان يعدّه المعلم الكبير. كان تقي الدين وافر الإنتاج العلمي، قام بتصنيف عدد من الرسائل والكتب، ولما يزل أكثرها مخطوطات محفوظة في عدة مكتبات عالمية. وفي عام 1976 قام أحمد يوسف الحسن بتحقيق ودراسة مخطوط «الطرق السنية في الآلات الروحانية»، ونشره مصوراً في كتاب عنوانه «تقي الدين والهندسة الميكانيكية العربية»، وبين بالرسم والشرح شكل وعمل الآلات التي وردت في هذا الكتاب، وقال: «إن أهمية كتاب الطرق السنية في أنه يكمل حلقة مفقودة في تاريخ الثقافة العربية، وتاريخ الهندسة الميكانيكية». أما موضوعات الكتاب فتشمل مقدمة وستة أبواب. تكلم تقي الدين في مقدمة هذا الكتاب على الآلة المعروفة بحق أو علبة القمر، وهي مشابهة في تركيبها للساعات الميكانيكية. وفي الباب الأول: تكلم على أربعة أصناف من البنكامات، وهي ساعات رملية أو مائية، مما عرفه العرب في مطلع حضارتهم. وفي الباب الثاني: ذكر ثلاث آلات لجر الأثقال. وفي الباب الثالث: وصف أربع آلات لرفع الأثقال ومثلها لرفع الماء. وفي الباب الرابع: تكلم على عمل آلات الزمر الدائم والنقارات (ثلاثة أنواع) والفوارات المختلفة الأشكال (أربعة أنواع). وفي الباب الخامس ذكر أنواعاً شتى من آلات طريفة (أحد عشر نوعاً). وفي الباب السادس: وصف لسيخ اللحم الذي يدور بصورة آلية على البخار.   محمد زهير البابا   مراجع للاستزادة:   ـ بنو موسى بن شاكر، الحيل، تحقيق أحمد يوسف الحسن (معهد التراث العلمي العربي، حلب). ـ تقي الدين، الطرق السنية في الآلات الروحانية، تحقيق أحمد يوسف الحسن (معهد التراث العلمي العربي، حلب).
المزيد »