logo

logo

logo

logo

logo

عبد الرحمن بن الحكم الربضي

عبد رحمن حكم ربضي

Abdul Rahman ibn al-Hakam al-Rabdi - Abdel Rahman ibn al-Hakam al-Rabdi

عبد الرحمن بن الحكم الربضي

(176ـ 238هـ/792 ـ 852م)

 

أبو المطرف، عبد الرحمن الأوسط أو الثاني بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل الأموي، من أعظم أمراء الأندلس، ولد في طليطلة للحكم الربضي من أم ولد تدعى حلاوة.

ارتقى عرش الإمارة سنة 206هـ/821م وعمره نحو ثلاثين سنة، وتوفرت له في أثناء حياة أبيه تربية وثقافة عاليتان، وأنابه والده عنه في تسيير شؤون الدولة عندما انتابه المرض سنوات عدة سبقت وفاته، مما وفر له الخبرة في الإدارة، وفسح له المجال ليظهر أمارات التسامح والاعتدال بعد شدة والده وقسوته، وجعل الناس يرحبون باعتلائه عرش الإمارة بعد تجربتهم إياه.

تمّيز عهده الطويل بأحداث متباينة على جانب كبير من الأهمية، منها الحضاري والسياسي والحربي والإداري، فقد أدرك أنه من الخير لأمته أن يترك سياسة الانعزال عن العراق التي سار عليها آباؤه، وأن يساير حركة التجديد الحديثة التي ازدهرت في بغداد، وفتح أبواب الأندلس للتجار العراقيين والبضائع العراقية كالملابس وأدوات الزينة التي سرعان ما انتشرت بين الأندلسيين المسلمين والمستعربين.

ومن الناحية الفنية أخذت الموسيقى العراقية تغزو الأندلس وتحل محل الموسيقى المدنية، ففي أوائل عهد الأمير عبد الرحمن، وصل إلى قرطبة المغني العراقي الفارسي الأصل أبو الحسن علي بن نافع الملقب بزرياب[ر]، وقد رحب عبد الرحمن بقدومه ورتب له ولأولاده مرتبات كبيرة، وقد نقل زرياب معه الحياة العراقية بمظاهرها الفنية والاجتماعية، وتصف المراجع المعاصرة مدى تأثير زرياب في الحياة الأندلسية حتى لُيخيل للإنسان أنّ زريابَ قد حمل معه بغداد ووضعها في قرطبة.

ولسياسة الأندلسيين العدائية نحو جيرانهم الكارولنجيين في فرنسا رأى عبد الرحمن الثاني أن البحر هو الميدان المناسب الذي يستطيع أن يعلو فيه خصومه الكارولنجيين، إذ كان يعلم أن قوتهم الحقيقية تعتمد أساساً على قواتهم البرية، وأن قواتهم البحرية المحدودة قد زادت ضعفاً في عهد الامبراطور لويس التقي أو الحليم (814ـ840) Debonnaire، ولهذا قام عبد الرحمن بحشد أساطيله على طول الساحل الشرقي الأندلسي ولاسيما في طرطوشة وبلنسية، ثم شن غارات دائمة من سنة 225ـ236هـ/839ـ850م، على الشواطئ الكارولنجية في جنوبي فرنسا حتى قضى على قواعد المقاومة فيها مثل مرسيلية وآرل وما حولهما، ولم تقتصر غارات الأسطول الأندلسي على قواعد الفرنجة وسواحلهم الجنوبية بل شملت أيضاً جزر البليار التي كانت خاضعة لحمايتهم، ويبدو أن حكام هذه الجزر قد شعروا بعدم جدوى الارتباط بعجلة الدولة الكارولنجية، فسارعوا إلى قبول سيادة الأمويين وتعهدوا بعدم التعرض لسفن المسلمين.

على الرغم من هذه الانتصارات التي أحرزها الأمير عبد الرحمن الثاني على خصومه الفرنجة وحلفائهم في حوض البحر المتوسط، كانت البحرية الأندلسية في عهده لاتزال محدودة، في إمكانياتها ووسائلها. فلم تكن لديها القواعد والمحارس والسفن الكافية لحماية جميع سواحلها ولاسيما الغربية منها، ولهذا عجزت عن حمايتها عندما هاجمتها أساطيل النورمانديين أو الفايكنج سنة 230هـ/844م بتحركاتها السريعة وأسهمها النارية الخاطفة وأشرعتها السوداء التي جعلت بعض المعاصرين يراها «وكأنها ملأت البحر طيراً جوناً» والجون ضرب من القطا سود البطون والأجنحة.

نبّه هذا الحادث الخطير الأذهان إلى ضرورة إجراءات دفاعية ضد أي هجوم مفاجئ يقع على الأندلس من ناحية البحر، ولهذا قام الأمير عبد الرحمن بأعمال عدة في هذا المجال، مثال ذلك أنه أحاط مدينة إشبيلية بأسوار حجرية عالية، كما بنى في مينائها دار صناعة لبناء السفن الحربية وزودها برجال البحر المدربين، وبالآلات وقوارير النفط التي كانت تقذف على سفن العدو، هذا إلى جانب المحارس والرباطات التي أقامها على طول الساحل الغربي المطل على المحيط الأطلسي على غرار ما هو معمول على الساحل الشرقي المطل على البحر المتوسط.

وفي عهد عبد الرحمن الأوسط، قامت، لأول مرة، علاقات دبلوماسية بين قرطبة والقسطنطينية ففي سنة 225هـ/839م أرسل الامبراطور ثيوفيل (828ـ842م) Theophilus  سفارة إلى عاهل الأندلس عبد الرحمن الثاني، وكان على رأسها رجل يوناني يجيد اللغة العربية، وأرسل معه هدايا فاخرة ورسالة يخطب فيها ودّه، ويسأله عقد تحالف معه ضد العباسيين أعداء البيزنطيين والأمويين في الأندلس، كما يطلب منه أيضاً مساعدته ضد الأغالبة في صقلية وضدّ الربضيين في كريت، فاستقبل عبد الرحمن الرسل استقبالاً فخماً وقبل الهدايا البيزنطية وردّ عليها بمثلها، كما أوفد سفارة مماثلة إلى الامبراطور البيزنطي برئاسة الشاعر يحيى الغزال، وكانت خلاصة رد الأمير عبد الرحمن قبول الصداقة، ورفض التحالف مع بيزنطة ضد مسلمين آخرين، وقد صبغ هذا الرفض بلباقة ينتفي معها الرفض الصريح.

وكان عصر عبد الرحمن الأوسط عصراً حافلاً بجليل الأعمال الإدارية والعمرانية، فمن الناحية الإدارية أعاد الأمير ترتيب الجهاز الحكومي في الأندلس، وأجرى تعديلات في الوظائف العامة ومن أهمها خطة الوزارة التي قسمها إلى وزارات عدة، فصار لكل ناحية من نواحي الإدارة العامة وزير مختص بها، ولهؤلاء الوزراء رئيس يعرف باسم الحاجب، وهناك بيت خاص لانعقاد مجلس الوزراء في قصر الخليفة فالوزارة في الأندلس كانت قريبة الشبه بنظم الوزارات الحديثة، وتختلف عن نظام الوزارة الذي كان معروفاً بالمشرق حيث كانت السلطة مركزة في يد وزير واحد وقلّما وجد وزيران.

كذلك اهتم عبد الرحمن بقضايا الأمن الداخلي في العاصمة، فبعد أن كانت كلها مركزة في يد شخص واحد جعلها مقسمة على عدة أشخاص، فصاحب الشرطة العليا ينظر في قضايا عِلْية القوم، وصاحب الشرطة السفلى ينظر في قضايا عامة الناس، واقتصر عمل صاحب السوق على مراقبة الأسواق والنظر في مشاكلها التموينية، ويشرف صاحب المدينة على المرافق العامة في المدينة.

ويعد عبد الرحمن أول من ضرب نقوداً أندلسية مستقلة ثابتة، فأنشأ في قرطبة داراً للضرب، وكانت النقود التي تضرب في الأندلس قبل ذلك قليلة نادرة سواء منها الدراهم والدنانير، وكانت الدنانير الذهبية نادرة وكلها مضروبة في الشرق أو في شمال إفريقيا.

أما الأعمال العمرانية التي تمت في عهده فهي كثيرة، فقد بنى مسجداً جامعاً في مدينة إشبيلية وآخر في مدينة جيان، وزاد في المسجد الجامع بقرطبة زيادة كبيرة من ناحية المحراب جنوباً، وقد بلغ طول هذه الزيادة خمسين ذراعاً وعرضها مئة وخمسين ذراعاً، إلى جانب هذه المنشآت الدينية، هناك منشآت أخرى دنيوية، يذكر منها بناء مدينة مرسية سنة 216هـ/831م، وكانت مرسية قبل ذلك قرية خاملة في كورة تدمير على الساحل الشرقي للأندلس، ثم لم تلبث أن أصبحت قاعدة للكورة، وفي قرطبة أقام على الضفة اليمنى لنهر الوادي الكبير طريقاً ساحلياً عرف بالرصيف وذلك سنة 212هـ/827م. وبنى عبد الرحمن لنفسه قصراً جديداً بجوار قصر الإمارة القديم، وجلب إليه الماء العذب من قمم الجبال المحيطة بقرطبة كما أقام فيه أبراجاً مغطاة بالزجاج الشفاف لتكشف المناظر الطبيعية التي أمامه مثل الوادي الكبير وما فيه من سفن.

كان الأمير عبد الرحمن الثاني شاعراً عالماً بالشريعة والفلسفة، وقد امتاز بثقافة واسعة وعلم غزير وشغف بالفنون والآداب، ولهذا كان بلاطه حافلاً بالعلماء والشعراء والمغنين أمثال المغني زرياب والشاعر يحيى الغزال، والعالم عباس بن فرناس[ر] الذي كان عالماً بعلوم الرياضة والفلك والطبيعة والكيمياء.

توفى عبد الرحمن في قرطبة وخلفه ابنه الأكبر محمد.

نجدة خماش

 الموضوعات ذات الصلة:

 

زرياب ـ عباس بن فرناس.

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ ابن حيان القرطبي، المقتبس في أخبار الأندلس، القطعة التي تتناول عصر الحكم الربضي، وجزءاً من عصر عبد الرحمن الأوسط نشر محمود مكي.

ـ ابن عذاري، البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب جزءان، تحقيق ج.س.كولان و أ.ليفي بروفنسال (ط بيروت عن ط ليدن 1948).

ـ أحمد بدر، الأندلس وحضارتها، من الفتح حتى الخلافة (دمشق 1969).


التصنيف : التاريخ
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الثاني عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 809
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1047
الكل : 58480742
اليوم : 53256

بيرانجيه (بيير جان دي-)

بيرانجيه (بيير جان ـ دي) (1780 ـ 1857)   بيير جان دي بيرانجيه Pierre Jean de Béranger شاعر ومؤلف أغان فرنسي. ولد وتوفي في باريس، ونشأ في رعاية جده. وبعد أن شهد سقوط سجن الباستيل، أرسله جده ليقيم عند إحدى عمّاته. وهناك بدأ بالتردد على المعهد العلماني الذي يديره بالو بيلاّنغليزBallue Bellenglise، وهو أحد أتباع روسو. بعد ذلك عمل بيرانجيه عند أحد مدراء المطابع الذي لقَنه أصول اللغة والعروض. ولدى عودته إلى باريس كتب مسرحية «المخنّثون» التي استلهمها من النزعة الخنثوية التي سادت في عهد حكم المديرين Directoire، ثم شرع في كتابة قصيدة ملحميّة اسمها كلوفيس Clovis، وحاول الكتابة في جميع الأنواع الشعرية.
المزيد »