logo

logo

logo

logo

logo

العربي (محمد بن عبد الله ابن )

عربي (محمد عبد الله )

Ibn al-Arabi I(Muhammad ibn Abdullah-) - Ibn al-Arabi I(Muhammad ibn Abdullah-)

ابن العربي (محمد بن عبدالله ـ)

(468 ـ 543 هـ/ 1076ـ 1148م)

 

أبو بكر القاضي، محمد بن عبد الله ابن محمد بن عبد الله بن أحمد بن العربي المعافري (نسبة إلى معافر بن يعفر بن مالك) الإشبيلي، الإمام العلامة المفسر المتبحِّر، وُلِدَ بمدينة إشبيلية، وكان أبوه أحد علمائها ووجهائها، فقد بلغ من المنزلة في إشبيلية أن أصبح وزيراً لبني عبَّاد مدة من الزمن حتى استولى المرابطون عليها.

هيأ الله لابن العربي نشأة متميزة صحب فيها العلماء منذ نعومة أظفاره، وقد كانت مكانة أبيه العلمية والسياسية مساعدة له على ذلك، وهو يحدثنا عن نشأته فيقول: «قدّر الله لي أني كنت في عنفوان الشباب وريان الحداثة وعند ريعان النشأة، اتخذ لي أبي رحمة الله عليه معلّماً لكتاب الله حتى حذقت القرآن في العام التاسع، ثم ثلاثاً من المعلمين أحدهم يضبط القرآن بأحرفه السبعة، والثاني للعربية، والثالث للتدريب في الحسبان فلم يأت عليّ ابتداء الأشُدّ في العام السادس عشر من العدد إلا وأنا قد قرأت من أحرف القرآن نحواً من عشرة بما فيها من إدغام وإظهار وقصر ومدّ وتخفيف وشدّ وتحريك وتسكين … وقد جمعت من العربية فنوناً، وتمرنت فيها تمريناً، منها كتاب الإيضاح للفارسي وكتاب النحاس والأصول لابن السراج… وسمعت كتاب الثمالي وكتاب الصناعة الأصلي الذي أنماه الخليل إلى سيبويه، ثم تولى سيبويه نظمه وترتيبه، وقرأت من الأشعار جملة منها: الستة وشعر الطائي… وكثيراً من أشعار العرب والمحدثين، وقرأت من اللغة: كتاب ثعلب وإصلاح المنطق والأمالي وغيرها، وسمعت جملة من الحديث على المشيخة، وقرأت من علم الحسبان: المعاملات والجبر والفرائض … ونظرت في الأسطرلاب …، يتعاقب عليّ هؤلاء المعلمون من صلاة الصبح إلى أذان العصر، ثم ينصرفون عني».

نشأ ابن العربي هذه النشأة، وحظي بهذه الرعاية والاهتمام، فكان له شأن في مستقبله؛ فقد أنهى مرحلة الإعداد العلمي الأولى سنة 484هـ، وفي سنة 485هـ عندما أصبح ابن العربي في السابعة عشرة دخلت جيوش المرابطين إشبيلية، وصادف دخولهم إليها أن قرر والد ابن العربي الرحيل بولده إلى بلاد المشرق ليكمل استعداده العلمي ويتلقى العلم عن العلماء النابهين في كل مكان يستطيع الوصول إليه، ويرى بعض الباحثين أن والده إنما فر من المرابطين الذين استولوا على المدينة التي كانت له سلطة فيها، ولكن هذا الرأي غير صحيح، فقد وردت أخبار تثبت أن والد ابن العربي اشتغل سفيراً للمرابطين عند الخليفة العباسي.

لقي ابن العربي في هذه الرحلة العلماء وأخذ عنهم، وزار فيها قرطبة وبجاية ثم مصر، وبيت المقدس وفيها استقرّ سنوات عدة، وتعرّف شيخه أبا بكر الفهري، ثم زار دمشق وأخذ عن نصر بن إبراهيم المقدسي، وبغدادَ وفيها أخذ عن الأئمة حسين الطبري وأبي بكر الشاشي وتعرَّف شيخه الذي أثّر فيه كثيراً أبا حامد الغزالي، ثم انتقل إلى الكوفةَ ثم إلى مكةَ المكرمة فأدى مناسك الحجّ، ثم عاد إلى الكوفة ولبث فيها سنوات، ثم زار بغداد ودمشق وبيت المقدس  والقاهرة، وفيها التقى شيخَه أبا بكر الطرطوشي، ثم انتقل إلى الاسكندرية، وفيها توفي والده، سنة 494هـ، وبعدها عاد إلى بلده إشبيلية محمَّلاً بعلم المشرق والمغرب مستعداً للعطاء والتأليف وقد سبقته شهرته فاستقبل في الأندلس استقبال العلماء الكبار.

كانت هذه الرحلة مهمة لابن العربي، ففيها اطلع على أوضاع العالم الإسلامي في عصره، وزار عواصم الثقافة الإسلامية ووثق مرويّاته بالأسانيد العالية والطرق المتعددة، ونقل بالسماع والقراءة عدداً من الكتب النفيسة في مختلف العلوم والمعارف، واكتسب أساليب الكتابة، فكان بحق واضح الأسلوب واسع الاطلاع والمعرفة، كُتب لمصنفاته وعلمه القبول والذيوع إلى يومنا، يشهد لذلك كتابه «أحكام القرآن» الذي لا يستغني عنه دارس لأحكام القرآن الكريم. كل هذا جعل من ابن العربي رأساً للعلم في زمنه.

وفي إشبيلية تولى ابن العربي القضاء، ويبدو أن مهمته فيه لم يكتب لها الاستمرار أكثر من سنتين، فقد عزل، وقد كان في قضائه صارماً شديداً نافذ الأحكام حاملاً على الظالمين، ولكنه بالغ في حملته مما جعل بعض المتنفذين يتألبون عليه، فتفرّغ للتصنيف والتأليف ونشر العلم، وكان ذلك من حسنات عزله.

اعتنى ابن العربي بكتبه عناية خاصة، وقد بلغت عند المقّري ثلاثة وثلاثين كتاباً، ويأتي في مقدمتها كتابه «أحكام القرآن» وهو معتمَد في بابه، وقد طبع مرات إحداها سنة 1968م في القاهرة بتحقيق علي محمد البجاوي.

وكتاب «أحكام القرآن» لابن العربي أحد سلسلة كتب ألفها المفسرون لبيان أحكام القرآن الكريم؛ فهو يفسر الآيات التي وردت فيها أحكام فقهية يشرحها آية فآية، ويستنبط الأحكام منها، والكتاب يعدّ مرجعاً مهماً للتفسير الفقهي عند المالكية، ذلك لأن ابن العربي مالكي المذهب، بيد أنه أنصف المذاهب الأخرى في كتابه، والباحث في الكتاب يلمس أنه كان ذا عقل حرّ في أغلب الكتاب، وقد كان يحتكم إلى اللغة كثيراً في استنباط المعاني من الآيات، وكان يكره الاستشهاد بالإسرائيليات، ففي تفسيره لقوله تعالى: )إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوْا بَقَرَةً …( يقول: «كثر استرسال العلماء في الحديث عنهم في كل طريق، وقد ثبت عن النبيr أنه قال: حدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرجَ. ومعنى هذا الخبر: الحديث عنهم بما يخبرون به عن أنفسهم وقصصهم، لا بما يخبرون به عن غيرهم، لأن أخبارهم عن غيرهم مفتقرة إلى العدالة وللثبوت إلى منتهى الخبر»؛ ومن منهجه في هذا الكتاب الابتعاد عن الاستشهاد بالأحاديث الضعيفة، وقد حذر منها في كتابه، ومن تحذيراته من اشتغال العلماء بالأحاديث الضعيفة أنه بيَّن ضعف الحديث الذي يصف وضوء رسول اللهr بأنه توضأ مرَّة وقال: «هذا وضوء لايقبل الله الصلاة إلا به» وتوضأ مرتين مرتين وقال: «من توضأ مرتين مرتين آتاه الله أجره مرتين: ثم توضأ ثلاثاً ثلاثاً وقال: «هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي، ووضوء أبي إبراهيم» عقّب عليه ابن العربي بقوله: «وقد ألقيت إليكم وصيتي في كل ورقة ومجلس ألا تشتغلوا من الأحاديث بما لا يصح سنده».

ومن تآليف ابن العربي الأخرى كتاب «القبس في شرح موطّأ مالك بن أنس»، وكتاب «ترتيب المسالك في شرح موطّأ مالك» وكتاب «أنوار الفجر» وكتاب «مراقي الزّلف» وكتاب «الخلافيات» وكتاب المشكلين: «مشكل القرآن والسنّة» وكتاب «قانون التأويل» وهو في تفسير القرآن الكريم، وكتاب «النَّيِّرين في الصحيحين» وكتاب «سراج المهتدين» و«رسالة الكافي في أن لا دليل على النافي» وكتاب «السباعيات» وكتاب «شرح غريب الرسالة» وكتاب «الإنصاف في مسائل الخلاف» عشرون مجلداً، وكتاب «حديث الإفك» وكتاب «المحصول في علم الأصول» وكتاب «أعيان الأعيان» ومن كتبه المهمة المطبوعة كتاب «عارضة الأحوذي» وهو مطبوع في ثلاثة عشر مجلداً، وكذلك كتاب «الناسخ والمنسوخ»، وكتاب «العواصم من القواصم» وهو في التاريخ وقد طبع مرات أولاها بتحقيق عبد الحميد بن باديس سنة 1927م، وطبع العلامة محب الدين الخطيب الجزء الخاص بالصحابة في القاهرة؛ إضافة إلى كتب أخرى لاتزال مخطوطة تنتظر العلماء المحققين لخدمتها ونشرها.

وصف العلماء ابن العربي بأوصاف تنبئ بالمكانة العظيمة التي تبوّأها، ومن هؤلاء ابن بشكوال الذي يصفه بقوله: «الإمام الصالح الحافظ المستبحر ختام علماء الأندلس وآخر أئمتها وحفَّاظها… كان من أهل التفنن في العلوم والاستبحار فيها… مقدماً في المعارف كلها، متكلماً  في أنواعها، نافذاً في جميعها، حريصاً على أدائها ونشرها، ثاقب الذهن في تمييز الصواب منها» ويقول عنه أستاذه أبو حامد الغزالي: «قد أحرز من العلم في وقت تردده إليّ ما لم يحرزه غيره … وذلك لما خص به من ذكاء الحسّ، واتقاد القريحة».

ووصفه تلميذه القاضي عياض بقوله: «استقضى ببلده فنفع الله به أهلها لصرامته، وشدة نفوذ أحكامه وكانت له في الظالمين سورة مرهوبة».

لقد كان ابن العربي بحقّ من أهل التفنن في العلوم والاستبحار فيها والجمع لها متقدماً في المعارف كلها، متكلماً في أنواعها، نافذاً في جمعها، حريصاً على أدائها ونشرها يجمع إلى ذلك كله أخلاق العالم وكرم النفس وحسن العهد وثبات الود.

أحمد نتوف

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ ابن خلكان، وفيات الأعيان، تحقيق إحسان عباس (دار صادر، بيروت 1978).

ـ المقّري التلمساني، نفح الطيب، تحقيق إحسان عباس (دار صادر، بيروت 1968).


التصنيف : التاريخ
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الثالث عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 101
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1052
الكل : 58481413
اليوم : 53927

برونر (جيروم-)

برونر (جيروم ـ)   جيروم برونر Jerome Bruner عالم نفس أمريكي، ولد في مدينة نيويورك عام 1915، وحصل على الدكتوراه من جامعة هارفرد وعمل خبيراً في الإرشاد النفسي بالجيش الأمريكي إبان الحرب العالمية الثانية، ثم التحق بالكلية في هارفرد منذ عام 1945 وعمل أستاذاً لعلم النفس في جامعتي ديوك وهارفرد من عام 1952 حتى عام 1972، وأستاذاً في جامعة أوكسفورد في بريطانية من عام 1972 إلى 1980 وعمل كذلك معاون مدير مركز الدراسات المعرفية منذ عام 1961، ودرّس في المدرسة الحديثة للدراسات الاجتماعية بجامعة هربرت ميد في نيويورك في المدة ذاتها.
المزيد »