logo

logo

logo

logo

logo

أبيلار (بيير-)

ابيلار (بيير)

Abelard (Pierre-) - Abélard (Pierre-)

أبيلار (بيير -)

(1079 - 1142م)

 

بيير أبيلار Pierre Abélard ou Abailard، فيلسوف ولاهوتي فرنسي ومن كبار المناطقة والجدليين في القرن الثاني عشر. أعلى من شأن العقل فاقترن اسمه باسم القديس أنسلم اللاني Anselme de Laon .

ولد في باليه Pallet قرب نانت Nantes في فرنسة وتلقى دراسة أدبية، واتجه مبكراً في حياته نحو دراسة المنطق، وصار تلميذاً لنصير الواقعية غيوم دي شامبو Guillaume de Champeaus ثم معارضاً له.

أنشأ أبيلار مدارس خاصة به في كل مكان من ميلانو وكورباي وأخيراً في باريس، علم فيها الجدل، وكان من حصيلة هذا التعليم كتبه «مداخل للمبتدئين»، و«الحواشي الصغرى على فورفوريوس»، و«الجدل». وفي عام 1112م قام بدراسة اللاهوت بإشراف أنسلم اللاني.

انتهت هذه المرحلة عام 1118م، إذ التجأ إلى دير سان دنيس Saint-Denis إثر حادثة حبه لهيلويز. غير أنه ما لبث أن عاد إلى التعليم في باركليه، إلى أن صار رئيساً لدير سان جلدا St.Gildas في بريتاني (1125 - 1132م). وفي هذه المرحلة ألف كتبه: «نعم ولا»، و«اللاهوت المسيحي»، و«المدخل إلى الإلهيات والأخلاق»، وفيها كذلك أصدر كتابه «قصة فاجعتي» وكذلك مراسلاته الشهيرة مع هيلويز.

ولم تكن النزعة العقلانية عنده أكثر تطرفاً مما هي عند القديس أنسلم، إلا أن شخصيته وطريقته في الجدل ألّبتا عليه الخصوم، مما أثار غضب القيمين على اللاهوت، فأدى ذلك إلى إدانته من مجمعين كنسيين في كل من سوانسون 1121م بخصوص الوحدة والثالوث، وسانس (1141م) بسبب كتابه «المدخل إلى الإلهيات». ولما احتكم إلى البابا أدانه من جديد، ومنعه من التعليم، فاعتزل في دير كلوني، ومات في عام 1142م ونقلت رفاته فيما بعد لتدفن مع هيلويز في سانت مارسيل.

لقد اعتقد أبيلار بنظرية الحقيقة المزدوجة، العقل والإيمان، وقال بإمكان وقوع التعارض بين كل من هاتين الحقيقتين. وكان مسعاه في استخدام المصادر الفلسفية للدفاع عن المسيحية وتوضيحها، هو مسعى القديس أنسلم ذاته، وسواء دعي أبيلار اسمياً، أو تصورياً، أو واقعياً معتدلاً، فإن المسائل التي واجهها ، لم تكن التي واجهت أوكام Ockham أو مناطقة العصور اللاحقة، بل إنه واجه النزاع المتطرف والأكثر بساطة بين المذهب الاسمي ممثلاً بروسلان والمذهب الواقعي ممثلاً بغيوم دي شامبو. ولم يكن لأبيلار مع الأول إلا وقفة بسيطة، أما مع الثاني فقد عارضه بشدة، وأحرز معه نجاحاً تكتيكياً وحمله على تصحيح آرائه.

والإيمان عند أبيلار هو البداية، ومع أنه ليس ناتجاً عن الاستدلال، فإنه ليس قسرياً ولا أعمى. بل إنه يسعى لفهم مالا يمكن أن يدرك، ومن ثم فإن حقائق الوحي يمكن أن يبرهن عليها، لأن في إمكان العقل الذي هو على صورة الله، ولأنه من خلال المسيح الذي هو كلمة الحكمة ومصدر الجدل، يمكن تلقي الحقيقة الإلهية.

أما تفسير أبيلار لموقف التصديق في الإيمان فهو تفسير تصوري، ذلك أن توجه أبيلار توجه جدلي. ولقد أعجب أبيلار بالفلاسفة غير المسيحيين لتقيدهم بالقانون الطبيعي، ورحب بحدسهم المسبق للأسرار المسيحية. وكان هذا من الأسباب التي جلبت عليه عداوة التقليديين الذين عدّوا اللاهوت مادة للقراءة في الأديرة، أكثر منه للجدل في قاعة المحاضرات.

وقد عرض أبيلار في كتابه «نعم ولا» مئة وثمان وخمسين مسألة لاهوتية وبإزائها نصوص متعارضة لآباء الكنيسة، وذلك من أجل أن يبعث في النفوس الرغبة في الكشف عن وجه الحق فيها، ثم يحاول التوفيق فيما بينها. وقد كان تلامذته يطلبون منه أن يقدم لهم براهين فلسفية على العقيدة الدينية، لأنه يمتنع الإيمان بما لايُفهم، ويبدو الكلام عبثاً ما لم يُشفع بما يجعله معقولاً.

وإذا كان العقل كما يقول أبيلار لايستطيع البرهنة على الأسرار الدينية، فإنه مع ذلك يمكنه أن يقربها إلى الفهم عن طريق التشبيه والتمثيل.

لقد اتخذ أبيلار موقفاً وسطاً بين غلاة اللاهوتيين، الذين يرون أن التقسيمات الجدلية لاتصدق إلا على المحسوسات وحدها ويمسكون عن تطبيقها على الوجود الإلهي، وبين غلاة الجدليين الذين يسعون إلى تطبيق هذه التقسيمات ذاتها على الثالوث كما هي.

وفي كتاب «الأخلاق» أو «اعرف نفسك»، يؤكد أبيلار ذاتية النية ويرد إليها وحدها قيمة العقل الأخلاقي. وقد أدى هذا الموقف عنده إلى رفض عقيدة الخطيئة الأصلية. فالخطيئة لايمكن إلا أن تكون شخصية، والخلاص يمكن أن يأتي للإنسان قبل تجسد المسيح، وبدون إيمان به. وهذا ما يمكن أن يطلق عليه، النزعة الطبيعية اللاهوتية.

أما منهج أبيلار في بحث الإلهيات فقد اختلف عن منهج القديس أنسلم الذي يقوم على البرهان العقلي لما يصدقه الإنسان إيماناً، وكذلك عن فلسفة الشارتريين المستقلة إلى حد ما عن العقيدة. وكان مسعاه هو العثور، ضمن المفاهيم الفلسفية، على صورة الموجود الإلهي الذي يمكن للإنسان أن يتعقله عن طريق التشبيه والمماثلة.

فالله في ذاته ينقض قواعد الفلاسفة جميعها، وهو لايندرج في أية مقولة من المقولات حتى لايمكن القول إنه جوهر، لأن ذلك يعني أنه موضوع للأعراض والأضداد. وكل ما يمكن فعله بصدد الوجود الإلهي هو سلوك طريق المماثلة (Analogy). وقد آمن أبيلار بإله واحد عالم قادر خير. وكان يرد الثالوث إلى الوحدة فليس هناك سوى أقنوم واحد يتصف بثلاث صفات، هي القدرة والعلم والخير.

والقدرة لاتأتي إلا عن طريق العلم والخير، وهو بهذه الحالة يماثل الثالوث الأقدس بثلاثية القوة والحكمة والطيبة. ويُرجع الصفات الوجودية إلى صفات نفسية ويرجع الأقنوم إلى الشخصية. وقال بأن روح العالم هي ذاتها الروح القدس، جرياً على مذهب أفلاطون في طيماوس، متأثراً في ذلك بمدرسة الشارتريين. ولقد كان لعاقبة حبه لهيلويز، ابنة أخ فولبير Fulbert راعي كنيسة نوتردام في باريس أثر مهم في مجرى حياة الفيلسوف. فقد كانت هيلويز تلميذة لأبيلار ثم محبة فزوجة سرية، ولما انكشف أمر هذه العلاقة أثار ذلك غضب عمها فولبير، فدفع بهما منفصلين إلى سجن للكنيسة. ويعدّ كتاب أبيلار «قصة فاجعتي» الذي كتبه نحو 1136م مع رسائله إلى هيلويز المصدر الأساسي لما هو معروف عنه.

ولقد كان أبيلار رائداً للأفكار في الجدل فيما بعد، وربما يصدق ذلك على اللاهوت أكثر مما يصدق على الفلسفة. ومع أنه وضع معايير للدقة والصرامة المنهجية في الجدل، وأن هذه المعايير سوف تطبع المذهب المدرسي في العصر الوسيط بهذا الطابع، إلا أن منهجه في مؤلفه الشهير «نعم ولا» لم يكن جديداً كل الجدة. فقد عرف القرن الحادي عشر في كتابات آباء الكنيسة مثل هذا اللون من التأليف. وطور القديس توما الأكويني هذا المنهج نفسه في القرن الثالث عشر وبلغ به درجة عالية من الكمال. فقد ورث القديس توما الصرامة العقلية عن أبيلار، لكنه قدمها بدقة أعظم وبيقين أكثر كمالاً.

وكانت مشكلة الكليات هي الموضوع الفلسفي الرئيسي لعصر أبيلار، ذلك أنها من جهة، احتلت مكانة رفيعة في النصوص التقليدية السائدة في ذلك الوقت، وكانت نتائجها من جهة أخرى ذات تأثير بالغ على عقيدة الطبيعة الواحدة والأقانيم الثلاثة في الله. وكان السؤال: هل للأنواع والأجناس وجود موضوعي وواقعي خارج الذهن أو أنها مجرد تعميمات ذهنية مشتقة من الجزئيات والأفراد التي هي وحدها الأشياء الموجودة وجوداً فعلياً؟

وكان لأبيلار دور أساسي في النزاع حول هذه المشكلة، وكان موقفه، بصورة عامة، معارضاً للمذهب الواقعي بشكله المتطرف، وللمذهب الاسمي بصورته الفجة والبسيطة. فالمذهب الواقعي المتطرف والممثل بغيوم دي شامبو، يقول بأن الطبيعة الواقعية العامة حاضرة كلياً في كل عضو من أعضاء النوع، وأن الأفراد يختلف الواحد منها عن الآخر بأعراضها لا بجواهرها. في حين إن المذهب الاسمي الممثل بروسلان يرى بأن الأفراد هم وحدهم الموجودون، أما الكليات فما هي إلا أسماء أو مسميات صوتية. ولايمكن التأكيد فيما إذا كانت وجهتا نظر كل من روسلان وشامبو هي بمثل هذه البساطة، لكن أبيلار رفض وجهة النظر التي تقول بأن اثنين من الرجال على سبيل المثال، يمكن أن يمثلا جوهراً واحداً. في حين أوضح غيوم دي شامبو أنه يرى في هذا المثال أن الرجلين هما الشيء ذاته ليس من حيث الجوهر، بل بعدم التعيين. فبطرس وبولس هما الشيء ذاته من جهة كون كل منهما إنساناً لأن صفات الإنسان أنه عاقل وفان. لكن إنسانية كل منهما ليست الشيء ذاته بل هي متشابهة، لأنهما رجلان. ولم يجد أبيلار صعوبة في دحض المحاولة التي تؤكد أن الكليات واقعية وأنها موجودة في المجموع المتعدد للجزئيات، أو الأفراد، وأن كل الناس هم النوع الذي هو الإنسان.

وبصدد هذه المحاولة يشير أبيلار إلى أن هذه الكليات ليست هي موضوع المناقشة لأن الكليات بالتعريف ما يمكن أن يحمل على كثير. فالذي عارضه أبيلار بالفعل في حال الواقعيين المتطرفين كان عاداتهم في التفلسف، وافتراضهم بأن الأشياء يمكن أن تحمل على الأشياء أو أن النظامين المنطقي والواقعي هما متطابقان.

لقد تأسس موقف أبيلار في المنطق وليس في القواعد، فالمنطق كما لاحظ أبيلار، يهتم باستخدام اللغة في حدود، وقضايا، وبراهين، ويختلف عن العلم الطبيعي الذي يهتم بطبيعة الأشياء. فالإنسان حين يستخدم الكليات يفترض، أولاً، أن هناك تشابهاً بين الأفراد الذين تنطبق عليهم هذه الكليات. وعلى الرغم من أن الكليات ليست أشياء، فإنها مع ذلك تدل على هذه الأشياء وتهيّنها. وثانياً، أن هذه المفاهيم توجد في الوعي، ومع أن الفكر لاينصب على كل ما هو موجود، فإنه مع ذلك لايرى شيئاً سوى ما هو موجود. فالأنواع والأجناس لها مقابل في الخارج، وهذا المقابل هو طبيعة الجزئي مجردة عن الأعراض، وأن الطبيعة واحدة في الجزئيات الحاصلة عليها فالأنواع والأجناس ذاتية في الجزئيات مجردة في العقول.

وهذا الموقف الذي توصل إليه أبيلار يجعله في طليعة الواقعية المعتدلة، فمنذ أبيلار لم يعد ثمة بحث في مشكلة الكليات من دون الحديث في الوقت نفسه عن شروط تكوين المعاني العامة.

لقد كان أبيلارفيلسوفاً لغوياً وشاعراً، وراهباً، يحمل في قلبه حباً كبيراً للعالم. ومع أنه لم يمتلك الرؤية الميتافيزيقية التي كانت للقديس أنسلم، إلا أنه كان له تأثير كبير في نفوس معاصريه. وقد أسس تلامذته من بعده مدرسة من الجدليين طبعت العصر الوسيط بطابعها. ومع أنه لم يؤسس مذهباً فلسفياً عاماً إلا أن بعض الباحثين يعدونه أعظم شخصية في العصور الوسطى لأنه رجح كفة العقل على النقل، وأنه كان مبشراً بالمذهب النقدي للفيلسوف كَنت Kant في الفلسفة الحديثة.

بشار سالمة

 

مراجع للاستزادة:

- إميل برهيية، تاريخ الفلسفة: العصر الوسيط والنهضة، ترجمة جورج طرابيشي (دار الطليعة، بيروت 1983).

- يوسف كرم، تاريخ الفلسفة الأوربية في العصر الوسيط (دار المعارف، مصر 1965).


التصنيف : الفلسفة و علم الاجتماع و العقائد
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 154
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1050
الكل : 58481877
اليوم : 54391

خلية دانييل

خلية دانييل   تتحول في خلية دانييل Daniell cell الطاقة الكيميائية إلى طاقة كهربائية، وهي تتألف، من مسريين electrodes أحدهما من النحاس Cu والآخر من الزنك أو التوتياء Zn غاطسين في محلول كيميائي من حمض الكبريت الممدد SO4H2 كما يظهر في (الشكل-1). تعمل الخلية بفضل تحرير إلكترونات من مسرى التوتياء في المحلول الذي يغمر فيه، في حين يحصل شح في الإلكترونات عند المسرى الآخر، فإذا وصل مسريا الخلية بدارة خارجية تحركت الإلكترونات من المنطقة التي يفيض فيها عدد الإلكترونات إلى المنطقة التي يحدث فيها شح في هذا العدد، وهكذا يمر تيار كهربائي في الدارة الخارجية.
المزيد »