logo

logo

logo

logo

logo

ابن الطفيل (محمد بن عبد الملك-)

طفيل (محمد عبد ملك)

Ibn Tufayl (Mohammad ibn Abd al-Malik-) - Ibn Tufayl (Mohammad ibn Abd al-Malik-)

ابــن طفيــل (محمد بن عبد الملك ـ)

(505 ـ 581 هـ/1110ـ 1185م)

 

أبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد بن محمد بن طفيل القيسي، عربي الأصل من قبيلة قيس بن عيلان ابن مضر، من العرب المستعربة الشمالية. ينسب أحياناً فيقال له: إبن طفيل الأندلسي، أو القرطبي، أو الإشبيلي، ويكنى أحياناً بأبي جعفر. ولايعرف بدقة تاريخ ميلاده لكن يرجح أنه ولد عام 505هـ ـ1110م. ويقال: إنه ولد في قادس وهي بلدة صغيرة في الأندلس، وهي «وادي آش».

وتقع قادس قرب غرناطة وجنوب شرقي قرطبة. ولايعرف على وجه الدقة شيء عن أسرته، ولا نشأته التعليمية الأولى، ولا عن شيوخه. والمتفق عليه أن ابن طفيل أحاط بعلوم عصره، فقد كان طبيباً ورياضياً وعالماً فلكياً وفيلسوفاً وشاعراً. وأنه درس الطب في غرناطة، ثم زاوله فيها، واشتغل عام 540هـ/1145م طبيباً وكاتباً لواليها أحمد بن ملحان الطائي أحد رجال الدين المتمردين على الدولة المرابطية في أواخر أيامها، وقبل أن يتصل بالموحدين.

اتسم الموحدون الأوائل بنزعتهم العقلية وميلهم إلى التجديد في العقلية الدينية السائدة، فقد حاول الزعيم الروحي للحركة الموحدية محمد بن تومرت [ر] أن يضع عقيدة جديدة (مذهباً) في الإسلام تقوم على توليفة من التشيع والاعتزال وفكر الأشعري والغزالي. وكان تلميذه ومؤسس الدولة الموحدية عبد المؤمن بن علي الكومي عالماً بالأصول ومجتهداً في الفقه، ومجدداً في علم الكلام ومحباً للعلم والعلماء. وعلى نهجه سار أبناؤه في حبهم للعلوم العقلية. وهذا ما جعل ابن طفيل يدخل في عام 549هـ ـ1154م في خدمة أحد أبناء عبد المؤمن وهو «أبو سعيد» الذي كان حاكماً لسبتة وطنجة، ويعمل كاتباً له. وعندما آل الأمر في عام 558هـ ـ1163م إلى أبي يعقوب يوسف انتقل ابن طفيل إلى العاصمة مراكش ودخل في خدمته من عام (558ـ578هـ/1163ـ1182م). ويقال إن السلطان استوزره وهذا مشكوك فيه. لكن المؤكد أن ابن طفيل، بسبب علمه وبراعته في الطب، كانت كلمته نافذة عند هذا السلطان المولع بالعلوم العقلية والطب وبجمع كتب الفلسفة وقراءتها. وكان ابن طفيل يجلب له العلماء من كل فن. ومن الذين جلبهم إلى البلاط الفيلسوف المشهور ابن رشد [ر] عام 564هـ/1169م. ولما طعن ابن طفيل في السن حل محله في الطبابة ابن رشد عام 578هـ/1182م. وعندما آل الأمر إلى السلطان الجديد يعقوب أبي يوسف المنصور عام 580هـ ـ1184م بقي ابن طفيل في خدمته إلى أن توفي في مدينة مراكش ودفن فيها، وحضر الخليفة جنازته.

يذكر المراكشي [ر] أن لابن طفيل شعراً متوسط الجودة في الزهد وفي الموضوعات الفلسفية. ويشير ابن رشد في أحد شروحه الوسطى لأرسطو إلى مؤلفات ابن طفيل في الفلك. وأن الفلكي البطروجي [ر] الذي انتقد نظرية بطلميوس [ر] الخاصة بفلك التدوير يذكر أنه أفاد من آراء أستاذه ابن طفيل في الفلك، ولكن لم يصل إلينا شيء من كل مؤلفاته في أي فن، غير كتابه «حي بن يقظان». وقد ظن بعض الباحثين أن لابن طفيل كتاباً بعنوان «رسالة في أسرار الحكمة المشرقية» غير أن ليون غوتييه يثبت في الصفحة الخامسة من مقدمة ترجمته لحي بن يقظان أن رسالة الحكمة المشرقية الموجودة في الاسكوريال في مدريد ـ مخطوط 669 ليست إلا جزءاً من رسالة حي بن يقظان ذاتها. والاسم الكامل للرسالة هو «رسالة حي بن يقظان في أسرار الحكمة المشرقية استخلصها من درر جواهر ألفاظ الرئيس ابن سينا الإمام الفيلسوف الكامل العارف أبو جعفر بن الطفيل». وقد ترجمت الرسالة (القصة) إلى كل لغات العالم. فترجمها إلى اللاتينية بوكوك 1761م بعنوان: الفيلسوف المعلم نفسه. وترجمها إلى الاسبانية بونس بويجس 1900، وترجمها إلى الانكليزية 1905 سيمون أوكليي Simon Oekley. وترجمها ثانيةً إلى الاسبانية إميليو غراسيا غومس 1926، وأعاد ترجمتها بالانثيا 1936، وترجمت إلى الروسية عام 1920. وترجمها إلى الألمانية إ. إيخهورن 1920.

يبتغي ابن طفيل الفلسفة المشرقية الحقة، ومضمونها أنها تنزع نزعة عقلية، أي هي طريقة أهل النظر التي ترى أن الإنسان يستطيع أن يرتقي من المحسوس إلى المعقول، وأن يصل بقواه الطبيعية الذاتية إلى معرفة العالم ثم ينتهي إلى الذوق بالمشاهدة، ثم يصل أخيراً إلى معرفة الله وتحقيق الاتصال به. وهي محاولة يقوم بها ابن طفيل لكي يتمثل الأفلاطونية المحدثة ممتزجةً بالتعاليم الإسلامية. وبعد البحث العقلي وتقصيه لآراء فلاسفة المشرق (الفارابي، ابن سينا، الغزالي) ونقده لهم، يزعم أنه قد استقام له الحق بطريق البحث والنظر، وتوصل إلى الذوق اليسير بالمشاهدة، ورأى نفسه أهلاً لوضع كلام يؤثر عنه، أي توصل إلى الفلسفة المشرقية الحقة، وهي مضنون بها على غير أهلها، فلا يجوز له أن يفصح عما توصل إليه ـ كما يقول ـ إلا رمزاً، لأن الملة الحنيفية والشريعة المحمدية قد منعت من الخوض فيه وحذرت منه. وإن من يصل بعد النظر العقلي إلى الذوق والمشاهدة وتحقيق الاتصال بالله والوصول إلى ما يسميه بـ «طور الولاية» يجد نفسه في فرحٍ غامرٍ لا يستطيع كتمانه، ولا التعبير عنه، لأنه في حضرةٍ متسعةِ الأكناف، محيطةٍ غيرِ محاطٍ بها. هذه الفلسفة يبثها ابن طفيل في قصته «حي بن يقظان» بأسلوب رمزي آسر جذاب.

يطرح ابن طفيل في القصة جملةً من المسائل الفلسفية أهمها:

مسألة النشوء الطبيعي، والتطور والارتقاء

وهذه مسألة جديدة كل الجدة لم يطرحها أحد قبله في فلسفة الطبيعة؛ ففي بداية القصة يشير إلى أن حي قد يكون قد ولد إما طبيعياً من بطن الأرض في جزيرة من جزر الهند تتسم باعتدالها، فتخلَّق مصادفةً من طينتها المعتدلة أتم الاعتدال ما يشبه رحم المرأة، وتخلَّق داخلها ما يشبه المضغة التي تتخلّق في رحم المرأة عند اتصالها بالرجل. وبعد اكتمال هذه المضغة انشقت الطينة وخرج منها حي. وإما أن تكون أخت أحد الملوك في جزيرة مجاورة مأهولة قد حملت به سفاحاً وولدته فخافت من افتضاح أمرها فوضعته في تابوت ثم ألقته سراً في البحر، فحمله الموج إلى جزيرة خالية من البشر والوحوش الكاسرة، وعندما استقر التابوت على ساحلها في أجمة، قُدِّر له أن تعتني به ظبية كأم رؤوم، وشب الصبي وتعلم بقواه الذاتية الطبيعية، وبدأت تتطور معارفه العلمية والعملية والأخلاقية والروحية، وبهذا التطور المترقي يصل الإنسان إلى معرفة العالم والله.

التطور المعرفي العلمي

وقد تمَّ لحي، من خلال تشريحه للحيوانات واكتشافه للنار ومشاهدته لحركة الكواكب، اكتشافه الفوارق بينه وبين حيوانات الجزيرة. وسببَ لجوئه إلى التشريح هو موت أمه الظبية ورغبته في معرفة السبب، فبحث في أعضائها الظاهرة فلم يجد فيها شيئاً متغيراً، فافترض أن سبب الموت يرجع إلى أمر باطن، فلجأ إلى تشريحها واهتدى إلى أن سبب الموت هو فساد عضو القلب الذي خرج منه بخار أبيض حار، فقد بدأ حي بالملاحظة فالفرضية فالتجربة ثم الوصول إلى الحقيقة، ويعني هذا أنه لجأ إلى المنهج العلمي السليم «الاستقراء» في الوصول إلى الحقيقة. وهذا المنهج يسلكه في الوصول إلى معرفة خصائص النار. وأما بالنسبة للكواكب وحيث تتعذر التجربة فقد اعتمد على الملاحظة والمحاكمة العقلية واكتشف أن لها دوراناً منتظما،ً وأنها جسمية لها طول وعرض وعمق.

تطور المعرفة العملية (الممارسة)

كان تطور الممارسة يسير مع تطور معرفته العلمية، فاتخذ من أوراق الشجر العريضة وريش النسور الميتة لباساً له، وصنع الأدوات من كسور الأحجار الصلدة، وأما النار التي اشتعلت مصادفةً، فتعلم كيف يفيد منها في الإضاءة والتدفئة وطهو اللحوم. وفي مرحلة لاحقة تعلم كيف يكتسي بجلود الحيوانات ويبني بيته، وكيف يدخر قوته لوقت الحاجة، وكذلك تعلم تدجين الحيوانات.

ومن المعروف في تاريخ الحضارة أن اكتشاف النار ومعرفة استخدامها والاهتداء إلى البناء وصنع الأدوات، وتعلم الاقتصاد في الغذاء وتدجين الحيوان ـ كل ذلك ـ هو النقلة الأولى المهمة في تاريخ الإنسان، وانتقاله من الحالة الحيوانية إلى الحالة الإنسانية الحضارية. وفي هذا تتجلى الإلماعة العبقرية عند ابن طفيل، فقد تحدث عن كل ذلك قبل أن يُكتب حرف واحد في تاريخ تطور البشرية.

تطور المعرفة الروحية والميتافيزيقية

عند موت أمه الظبية وبعد تشريحها يكتشف أن أمه لم تكن ذلك الجسد بأعضائه الظاهرة والباطنة، بل أمه شيء آخر ارتحل عن هذا الجسد، وهنا يكتشف معنى الروح، كذلك يكتشف معنى الموت وهو ارتحال ذلك الشيء عن الجسد، ولما عرف أن الروح ليست هي الجسد، عرف أنه خالد لأن الأجساد يلحق بها الفساد، وعندما تأمل في عالم الكون والفساد اهتدى إلى عمليتي التجريد والتعميم، ورأى أن موجودات هذا العالم المتكاثرة تشترك في الجسمية (الطول والعرض والعمق) وهذه الجسمية هي الجنس العام، ورأى أن هذه الموجودات تصنف في ثلاثة أنواع هي الحيوان والنبات والجماد، وكل نوع من هذه يمكن أن يكون جنساً لما تحته. وهذه الأنواع تتسلسل في مراتب الوجود، فالجماد يتصرف بحسب القانون الطبيعي، والنبات بحسب نفسه النباتية، والحيوان بحسب نفسه الحيوانية. ولما تأمل في العالم السماوي اهتدى إلى أنه يشكل مع العالم الأرضي عالماً واحداً كبيراً. وتردد بين القول بقدم هذا العالم وحدوثه، لأن لكل من القولين مشكلاته. لكن ثبت لديه أن لهذا العالم خالقاً منزًّهاً عن الجسمية، وهو واهب الصور، فجميع الموجودات مفتقرة إلى صوره، وبالتالي إلى فعله وإبداعه، فلا توجد لولا وجوده، ولا تدوم لولا دوامه. وهكذا يهتدي إلى واجب الوجود بذاته (الله).

تطور المعرفة الأخلاقية

يتعلم حي من البيئة مبدئية الفعل الأخلاقي، فقد تعلم من الغراب الذي قتل أخاه ودفنه كيف يدفن أمه الظبية. ولكنه يهتدي إلى أن الفعل الأخلاقي لا ينفصل عن إيمانه بأن واجب الوجود بذات الله الذي هو علة لكل موجود، هو أيضاً فيضٌ دائمٌ لكل حسن وبهاء وكمال. فالله الذي هو الخير المطلق يصبح مقياساً لكل محاكمات حي الأخلاقية، أي بفضله ينقدح في ذهنه التمييز بين الخير والشر.

ظاهر الشرع وباطنه

يذهب ابن طفيل إلى أن الحقيقة التي يقدمها الدين هي نفسها الحقيقة التي يتم التوصل إليها بالنظر العقلي، وقد اكتشف حي ذلك عندما قدم أبسال من جزيرة مجاورة مأهولة تدين بملة من ملل الأنبياء إلى جزيرة حي طلباً للتأمل، وبحثاً عن باطن الشرع. وبعد لقائهما، تعلم حي اللغة من أبسال، وكاشف كل منهما الآخر بما عنده، فاكتشف أبسال سمو الروح ونقاء الفطرة عند حي، واكتشف حي أن شريعة الأنبياء هي حق. وقد توصل إليها بالتأمل العقلي الدائم. وعندما صمم حي على الذهاب مع أبسال إلى الجزيرة المأهولة لتعليم الناس، وكاشفهم بما توصل إليه في تأملاته، اشمأزوا منه، ولم يقبلوا ما عنده، فأدرك أن الناس على مراتب في نقاء الفطرة وسمو النفس، وأن أغلبهم لا يفقهون الباطن ويرفضونه، فاعتذر لهم عما بدر منه، ورجع ثانيةًً مع أبسال إلى الجزيرة لينصرفا إلى العبادة والتأمل.

هيفرو ديركي

مراجع للاستزادة:

 

ـ إبن طفيل، حي بن يقظان ( طبعة أحمد أمين، القاهرة 1966).

ـ محمد عبد الله عنان، دولة الإسلام في الأندلس (عصر المرابطين والموحدين، القاهرة 1964).

ـ محمد عاطف العراقي، الميتافيزيقا في فلسفة ابن طفيل (القاهرة، دار المعارف 1979).

ـ تيسير شيخ الأرض، ابن طفيل، سلسلة أعلام الفكر العربي (بيروت 1961).


التصنيف : اللغة العربية والأدب العربي
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الثاني عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 581
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1040
الكل : 58480614
اليوم : 53128

الكلحبة العريني (هبيرة اليربوعي)

الكَلْحَبة العَريني (هُبيرة اليربوعي)   هُبَيرة بن عبد مناف بن عَريف بن ثعلبة، يرتفع نسبه إلى زيد مَناة بن تميم، والكلحبة: لقبٌ غلب على اسمه، ومعناه: صوتُ النار ولهيبها، وكَلْحَبهُ بالسَّيف: ضربه، والنسبة إلى جَدّه عَُرين، بفتح العين أو ضَمِّها. يعد هُبيرة أحد فرسان تميم وسادتها المشهورين، وهو شاعر جاهلي حَسنُ الشعر، لا تذكر المصادر ما يدل على مولده ونشأته إلاّ القليل، منها أنه نزل بموضع يقال له «زَرُوْد» بأرض لبني مالك بن حنظلة بن يربوع التميمي، فأغارت بنو تغلب عليهم وعلى رأسهم آنذاك حزيمة بن طارق، واستاق التغلبيون إبلهم وأموالهم، ولما وصل النذير إلى اليربوعيين، ركب الكلحبة فرسه العَرادة، ولحقوا بالقوم وهزموهم واستنقذوا منهم ما أخذه التغلبيون، وأفلت من الشاعر حزيمة بن طارق، إلى أن أسره فيما بعد واحد منهم،

المزيد »