logo

logo

logo

logo

logo

الدوريون

دوريون

Dorian - Dorien

الدوريون

 

الدوريون هم الفوج الأخير من القبائل الأربع التي هاجرت إلى بلاد اليونان، والتي ينتمي إليهم الشعب اليوناني وهم: الآخيون والإيوليون والأيونيون والدوريون. وتعرف هجرتهم بالغزو الدوري الذي يُعتقد أنه وفد من مقدونية وإيلليرية، واجتاح وسط اليونان وصولاً إلى شبه جزيرة البيلوبونيز[ر] Peloponnesus.

وقد تحدث المؤرخ الأثيني الكبير ثوكيديدس[ر] الذي عاش في القرن الخامس ق.م، أنه في السـنة الثمانين من بعد الحرب الطروادية التي حدثت عـام 1184ق.م غزا الدوريون بقيادة أبناء هرقل (هيراكليس) Herakles منطقة البيلوبونيز، وتُعرف هذه الحادثة في الأساطير اليونانية باسم «عودة أبناء هرقل» الذين جاؤوا من الشمال والشمال الغربي إلى بلاد اليونان لاسترداد إرثهم القديم، وهي تتفق وفترة الانتقال بين نهاية عصر البرونز (1150ق.م) وبـدايـة عصر الحديـد(1100ق.م).

كان هؤلاء الدوريون، الذين ينتمون إلى الشعوب الهندية - الأوربية، طوال القامات، ذوي رؤوس مستديرة، محاربين أشدّاء لأنهم ما زالوا في طور البداوة يعيشون من الصيد ورعي الحيوانات، وقلما يشتغلون بالزراعة، وكانوا يستعملون أسلحة من الحديد، فاستطاعوا أن يتغلبوا بسهولة على الآخيين الذين سبقوهم في الهجرة وكانت أسلحتهم من البرونز. وقد اضطر الآخيون، الذين استطاعوا الإفلات منهم، إلى الهجرة، فانتقل أكثرهم إلى جزر بحر إيجة وشواطئ آسيا الصغرى، والتجأ قسم منهم إلى مقاطعة أتيكة، فتعقبهم الدوريون وهاجموها، ولكنهم صدوا عنها، فاتجهوا إلى حيث توسع انتشارهم إلى جزيرة كريت وهدموا ما بقي من مدنها وقصورها، ثم استولوا على جزر ميلوس وكوس وكنيدوس وكرباثوس ورودوس. وبلغت هجرتهم أخيراً جنوب ساحل آسيا الصغرى الذي عُرف باسم دوريس Doris ومعنى هذا أن الدوريين انتشروا من بلاد اليونان الأصلية عبر البحر الإيجي إلى مناطق تقابل أماكن سكناهم، وكان الأيوليون والأيونيون قد فعلوا الشيء نفسه، فانتشروا في الأجزاء الشمالية والوسطى من سواحل آسيا الصغرى الغربية.

كانت غارة الدوريين أعظم كارثة حلت ببلاد اليونان، وهي التي قضت على معظم آثار الحضارة الإيجية فيها. وقد انتشرت الفوضى في البلاد كلها وتأخر تطورها عدة قرون، فاختل الأمن وتوقفت أعمال الزراعة والتجارة البرية والبحرية، واشتعلت نيران الحروب، وعم الفقر والبؤس في كل مكان، وهذا ما دعا الشاعر اليوناني هسيودوس في القرن السابع ق0م لأن يسمي هذا العصر بعصر الحديد، إذ يعزو إلى هذا المعدن السبب في تأخر الحضارة بالنسبة إلى العصور السابقة. ويذكر هيرودوت أن كثيرين من اليونانيين صاروا يعتقدون بأن اكتشاف الحديد كان نقمة على البشر.

وهكذا فقد صحب الغزو الدوري انقلاب في أحوال البلاد السياسية والإطاحة بمراكز الحضارة الميكينية، وصارت أكثر بساطة وأقل مستوى من ذي قبل، إضافة إلى ذلك ترتب على نتائج الغزو الدوري اتساع بلاد اليونان اتساعاً عظيماً، إذ اضطر قسم كبير من السكان إلى الهجرة أفواجاً، فسكن بعضهم في جزر بحر إيجة، وأسس آخرون مستعمرات دائمة على شواطئ آسيا الصغرى، وامتدت الهجرة بعد ذلك إلى إيطاليا وصقليا وإفريقيا الشمالية وإلى شواطئ البحر الأسود حتى أصبحت المستعمرات اليونانية أوسع بكثير من شبه جزيرة اليونان نفسها.

وحين استقرت الأحوال بعد الاضطراب المباشر الذي نجم عن الهجرة الدورية التي استغرقت بضع عشرات من السنين، حدث ذلك التوزيع المعروف للقبائل واللهجات اليونانية (الإيولية والأيونية والدورية)، وقد استخدمت ميجارة والبيلوبونيز اللهجة الدورية، بينما استخدمت تسالية وبيوتية اللهجة الإيولية التي تتفرع أصلاً من الآخية، بينما احتفظت أتيكة بلهجتها الإيونية الخالصة. وفي بعض الأحيان كانت الحدود الطبيعية تطابق الحدود اللغوية، ولكن أهم من ذلك هو أن التنوع العام في مظهر العالم اليوناني كان إلى حد ما يرجع إلى التباين في الأصول الجنسية، فكأن اختلاف اللهجات، إلى جانب الاستقلال السياسي لكل دولة من دول المدن الكثيرة، حائلاً دون إدماج بلاد اليونان كلها في وحدة شاملة.

كانت أهم مراكز دول المدن التي سيطر عليها الدوريون تقع في شبه جزيرة البيلوبونيز، والتي تُعرف أيضاً باسم شبه جزيرة المورة، وأهم هذه المدن كورنثة وسيكيون وأقاليم آخيا وإيليس وأرجوليس ومسينية ولاكونيا التي كانت أشهر هذه الأقاليم، بما جادت عليها الطبيعة بذلك السهل الخصيب في وادي نهر يوروتاس Eurotas الجميل، إذ تميز هذا السهل بإنتاج وفير من المحاصيل الزراعية يكفي لاستيعاب عدد كبير من السكان. ومن ناحية أخرى يعد إقليم لاكونيا الدوري وعاصمته إسبرطة[ر]، أكثر أقاليم بلاد اليونان انعزالاً؛ إذ أشاع الدوريون روحاً خاصة في كثير من أنحاء بلاد اليونان وعلى الأخص في إسبرطة، فقد ظلوا دوماً يتمسكون بالنظام العسكري الصارم والعنجهية الأرستقراطية، ويفضلون المفاهيم البسيطة الثابتة على النواحي الفكرية واللغوية والفنية. ويذكر أن إسـبرطة تسـلمت زعامة العالم اليوناني بعد انتصـارهـا على أثينـا عقـب الحـرب البيـلوبـونيـزيـة (431-404ق0م) ودامت هذه الزعامة حتى عام 371ق0م، حين انهزمت في معركة «ليوكترا» على يد إبامينونداس قائد طيبة الشهير، وهكذا انتقلت الزعامة في بلاد اليونان من أثينا إلى إسبرطة، ثم إلى طيبة وأخيراً غزتها مقدونيا قاضية على استقلالها الحقيقي في معركة «خيرونية» عام 338ق0م.

ووسط الجمود الحضاري الذي خيم على بلاد اليونان وجزر بحر إيجة عقب الغزو الدوري، انبثق فجر نهضة عمرانية جديدة أسهم فيها الدوريون إسهاماً متميزاً، وإن كانت طريقة حياتهم صورة باهتة عن صور الحضارة الميكينية، فالحفائر الأثرية أثبتت اكتشاف معدن الحديد الذي أحضره الدوريون معهم إبان غزوتهم، إذ ساعد هذا المعدن على تسهيل عملية قطع الحجر ونحته وتزيينه. ولما كان الدوريون من الأقوام البدائية ذات الأذواق البسيطة والبعيدة عن ترف الحضارات القديمة، فقد اعتنقوا نموذجاً واحداً في فن البناء واتخذوه أساساً في كل ما ابتكروا ودأبوا على تحسينه وتجميله، وهذا النموذج هو الرواق المحمول على الأعمدة والذي يتلاءم وطبيعة بلاد اليونان المشمسة طوال فترة طويلة من السنة، ومن هنا وجد «النظام الدوري» الذي يعتمد في التعبير على القوة والصلابة، ويتألف هذا النظام من الأعمدة الدورية وتيجانها. ولعل أهم ما يميز العمود الدوري أنه يستند إلى أرض المعبد مباشرة دون قاعدة، وأن شكله مخروطي وينتهي برأس مربع لا زخرف فيه. ويعد مثل هذا الطراز من أقدم الطرز التي ظهرت في المعابد اليونانية، وتفاصيل هذا الطراز وأصول نشأته ابتكار يوناني محلي صرف، يعتمد على هندسة معمارية مادتها الخشب لا الحجارة.

ومن أشهر وأقدم المعابد الدورية معبد أبوللون في مدينة كورنثة ومعبد هيرا في أولمبيافي مقاطعة إيليس (في الطرف الغربي للبيلوبونيز). وفي هذه المقاطعة كان يقوم المعبد الرئيس للإله زيوس وتمثال هذا الإله الرائع الذي صنعه النحات الأثيني الشهير فيدياس Pheidias وطعّمه بالذهب والعاج. ولاشك أن معبد زيوس كان أهم المعابد المنتشرة في مدينة أولمبيا التي كانت مركزاً رياضياً وروحياً كبيراً يقصده اليونان من مناطق سكناهم كافة للتبرّك والعبادة.

خليل سارة

مراجع للاستزادة:

ـ عبد اللطيف أحمد علي، التاريخ اليوناني، جزءان (بيروت 1976).

ـ محمد كامل عياد، تاريخ اليونان (دمشق 1969).

ـ تشارلز ألكسندر روبنسن (الابن)، أثينا في عهد بريكلس، ترجمة أنيس فريحة (بيروت، نيويورك 1969م).

 


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد التاسع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 440
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1049
الكل : 58491436
اليوم : 63950

كاثر (ويلا سيبرت-)

كاثَر (وِيلاّ سيبِرت ـ) (1876 ـ1947)   وِيلاّ سيبِرت كاثَر Willa Sibert Cather روائيّة وكاتبة قصّة قصيرة أمريكيّة. ولدت بالقرب من مدينة ونشستر Winchester بولاية فرجينيا، وكانت وفاتها في مدينة نيويورك. انتقلت عائلتها للعيش في مزرعة في بلدة رِد كلاود Red Cloud بولاية نبراسكا، ونشأت بين المزارعين المهاجرين هناك ـ من روس وألمان وسويديين ـ الذين استقروا في هذه المنطقة التي شكَّلت حدود الغرب الأمريكي آنئذ.
المزيد »