logo

logo

logo

logo

logo

الشكية (الريبية)

شكيه (ريبيه)

Scepticism - Scepticisme

الشكية (الريبية)

 

الشكية Skepticism مذهب فلسفي يضع إمكان المعرفة الموضوعة للواقع موضع تساؤل، ويعبر عن الشك في كفاية الحواس وكفاءة العقل لبلوغ اليقين حول طبيعة الأشياء. وقد أقرت الشكية وجوب تعليق الحكم والإمساك عن الإثبات، ويطلق الإسلاميون على الشكية «اللاأدرية». ويضرب مذهب الشك بجذوره إلى الفلاسفة قبل سقراط، كما يوجد بعض الإرهاصات الشكية عند هيراقليطس[ر]، وإقراطيلوس Cratilus، وزينوفان[ر]، وبروتاغوراس[ر]. إلا أن الشكية، كمنهج، لم تبدأ إلا في أكاديمية أفلاطون، ابتداءً من أرقاسيلاوس Arcesilus وكاردنيادس Carneades، ورفع فلاسفة الأكاديمية شعار سقراط «إن كل ما أعرفه هو أني لا أعرف شيئاً»، وانتقلت الشكية من الأكاديمية إلى المدرسة البيرونية في العصر الروماني، وبلغت ذروتها في تعاليم الشكّاك الأول، بيرون Pyrrhon وتلميذه تيمون Timon، وواصلها إينسيديموس الاسكندري Aenesidemus الذي ميز بين الشك الأكاديمي والشك البيروني. وكان هؤلاء الشكاك، وهم ينتهجون نهج السفسطائية[ر]، يوجهون الانتباه إلى نسبية المعرفة الإنسانية واستحالة البرهنة عليها بشكل صوري واعتمادها على الظروف المختلفة، ظروف المعيشة وحالة أعضاء الحسّ وتأثير التقاليد والعادات إلى درجة أصبح الشك معها نوعاً من استحالة وجود أي معرفة مدركة، وقد دعا قدماء الشكاك في العهد القديم إلى طمأنينة النفس، ومن ثم تحقيق السعادة بوصفها هدف الفلسفة، غير أن الشكاك أنفسهم لم يمتنعوا إطلاقاً عن إصدار الأحكام، حين كتبوا أعمالاً تنتقد العقائد والمذاهب الفلسفية القطعية التأملية، وأوردوا حججاً كثيرة لتأييد النزعة الشكية، كما كانت هناك محاولات اتجاهات شكية مختلفة في الفلسفة في القرنين السابع عشر والثامن عشر أدت دوراً مهماً في دحض العقائد القطعية الخاصة بالإيديولوجيا في القرون الوسطى، وقد وضعت أعمال «مونتاني» Montaigne و«بايل» Byle وغيرهما، محاولات رجال الدين موضع التساؤل ومهدت كل السبل لاعتناق المادية، من جهة، وحدّت النزعة الشكية عند «باسكال» Pascal، و«هيوم»[ر]، و«كَنْت»[ر]، وغيرهم، كثيراً من إمكانيات العقل وتعطيل دوره بصفة عامة، فمهدت الطريق للإيمان الديني.

لقد سيطرت المدرستان على الفكر الشكي الفلسفي حتى العصر الحديث، إذ اعتنقت الفلسفة الوضعية الحجج التقليدية في النزعة الشكية واستغلتها لصالحها، فالوضعية تعدّ جميع الأحكام والتعميمات والفروض، غير مجدية إذا تعذر اختبارها. وقصرت البراغماتية[ر: الذرائعية] المعرفة على الفروض التي تأكد صدقها تجريبياً. وكذلك أدّعت التجريبية منذ ستيورات مل[ر]، ومابعده أنها لم تعثر على أي وسيلة لتحصيل أي نوع من المعرفة اليقينية يمكن أن يتجاوز عالم التجربة والظواهر إلا في المصطلحات المنطقية وتحصيلات الحاصل الرياضية. واستخدم رَسِل[ر] الطبيعة الاحتمالية للعلم ليحذر من الآراء الدوغماطيقية. وقدّم وليام جيمس[ر]، وفرويد[ر]، ومانهايم[ر] أشكالاً جديدة من الشكية النسبية، أكدوا فيها أهمية العوامل الاقتصادية والاجتماعية والنفسية في صياغة المعتقدات والتصورات عن الحقائق، وحاول هيغل[ر] أن يبين أن الشكية نقيض الفلسفة وأنها مرحلة عابرة في تاريخ الشعور.

أما ديكارت[ر] فالشك عنده فعل إرادي ينصب على الأحكام وليس على التصورات والأفكار، لأن التصورات من غير حكم لا تكون صادقة ولا كاذبة، وإن الشك المنهجي عنده، هو الطريقة الفلسفية الموصلة إلى اليقين، يقول: «ينبغي لي أن أرفض كل ما يخيّل إليّ أن فيه أدنى شك» والشك المنهجي عند ديكارت، شك منهجي شامل كل شيء، وهو شك نظري مؤقت لا ينطبق على الحياة العملية، وقد شبّه هذا بقول الغزالي: «إن العلم اليقيني هو الذي ينكشف فيه المعلوم انكشافاً لا يبقى معه ريب، ولا يقارنه إمكان الغلط والوهم ولا يتسع القلب لتقدير ذلك، بل الإمكان من الخطأ ينبغي أن يكون مقارناً لليقين...»، ومعنى ذلك أنه ينبغي للعالم إذا أراد الوصول إلى اليقين أن ينتقد علمه ويحرر نفسه من الأفكار المسبقة، وأن لا يقبل أمراً على أنه حق، إلا إذا عرف أنه كذلك ببداهة العقل، أي أن يتجنب التسرع والظن ولايدخل في أحكامه إلا ما يبدو لعقله واضحاً ومتميزاً إلى درجة تمنعه من وضعه موضوع الشك، فقد رفض الغزالي الأقيسة العقلية، وشك في صلاحيتها أداة لتحصيل المعرفة الحقة. 

وقد قال كلود برنار: «يجب على العالم أن يفرق بين الشك والريب، فالريبي ينكر العلم ويؤمن بنفسه، أما المتشكك فإنه يشك في نفسه ويؤمن بالعلم».

 والريب لغة، هو الظن والشك، يُقال: رابه الأمر، جعله شاكاً وارتاب فيه: شك، والريبية هي مذهب الريب، أي مذهب من ينهج طريق الشك في علمه وعمله متردداً أبداً بين الإثبات والنفي، وقد تكون الريبية مطلقة أو نسبية، فإذا كانت مطلقة، كما في «البيرونية» أوجبت أن يشك المرء في كل شيء وأن يتوقف عن الحكم لعجزه عن الوصول إلى اليقين، أما إذا كانت الريبية نسبية أوجبت عليه أن يشك في بعض الأشياء دون بعضها الآخر، كالريبية الفلسفية الأخلاقية أو الريبية الدينية.

وقد أطلق «كَنْت» اصطلاح التصورات الريبية على الطريقة التي يُثبت بها أن قبول أحد الرأيين المتعارضين يفضي إلى التناقض، كالإثبات أن العالم قديم أو حادث، أو الإثبات أنه متناه أو غير متناه، وتسمى هذه الآراء المتعارضة بـ «نقائض العقل» وقد اشتهر في القرنين التاسع عشر والعشرين إرنست ماخ Mach، وكارناب Carnap وأتباعهم في إحياء الشك الأكاديمي بفلسفاتهم التي تنتهي إلى القول بالعجر عن تحصيل أي معرفة تتجاوز حدود الظواهر. ويجمع بين كلِّ هؤلاء الشكاك المحدثين والمعاصرين هجومُهم الإبستمولوجي على الفلسفات التي تزعم لنفسها الكشف عن الحقيقة (كالفلسفة الدوغماطيقية).

عبد الحميد الصالح

 

الموضوعات ذات الصلة:

 

الابستمولوجية ـ بيرون ـ السفسطائية ـ سقراط ـ اللاأدرية.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ توماس جولد شتاين، المقدمات التاريخية للعلم الحديث، ترجمة أحمد عبد الواحد (الكويت 2003)

ـ إميل برهيية، تاريخ الفلسفة، 7 أجزاء، ترجمة جورج طرابيشي (بيروت 1987).

 


التصنيف : الفلسفة و علم الاجتماع و العقائد
المجلد: المجلد الحادي عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 748
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1055
الكل : 58492603
اليوم : 65117

كعب بن مامة الايادي

كعْب بن مامَة الإيادي (… ـ …)   أبو دؤاد كعب بن مامة بن عمرو بن ثعلبة الإيادي، نسبةً إلى قبيلة إياد، قيل: «مامة» اسم أبيه واسم جده عمرو، وقيل: مامة اسم أمه، واسم أبيه عمرو. سيد جاهليٌّ كريم جوادٌ، ضربَت العربُ المثلَ به في الجود، وضربوا به المثل في حسن الجوار، فقالوا: «أجود من كعب بن مامة» و«جار كجار أبي دؤاد». وهو صاحب القصة المشهورة في الإيثار: «اسق أخاك النمري»، إذ جاد بنفسه وآثر رفيقه بالماء حتى هلك عطشاً. وقصة هذا المثل أن كعباً سافر ونفراً في قيظ شديد، فأعوزهم الماء إلاّ شيئاً يسيراً يقتسمونه، وكان مع كعب رجل من النمِر بن قاسط، فلما بلغت النَّوبة كعباً في الشُّرب نظر إليه النمري، فقال كعب للساقي: «اسق أخاك النمري»، ففعل ذلك مراراً، ونفد الماء، فسقط كعب ميتاً عطشاً. فهذا المثل يضرب لكل من طلب الشيء مراراً.

المزيد »