logo

logo

logo

logo

logo

زرع الأعضاء الحية

زرع اعضاء حيه

Organ transplant - Transplantation d'organes

زرع الأعضاء الحية

 

إن زرع الأعضاء organ transplantation من جسم في جسم آخر فكرة لازمت العقل البشري منذ أقدم العصور، يؤيد ذلك ما يلاحظ من الصور والأوابد التي تركها الأقدمون بتصوير جسم بشري أضيف إليه أحد الأعضاء الحيوانية لإعطائه صفة خاصة يمتاز بها الحيوان صاحب العضو، إلا أن هذه الفكرة تطورت فيما بعد لتتجسد في الفكر الإنساني بنقل فعلي لبعض الأعضاء من حيوانات إلى جسم الإنسان أو من جثث الموتى من البشر إلى الأحياء منهم للاستعاضة عن أعضاء تالفة عندهم. أخفقت هذه التجارب إخفاقاً تاماً في حين لوحظ نجاح تام تقريباً لنقل النسج أو الأعضاء من مكان إلى آخر في الكائن الحي نفسه أي ما يسمى الطعم الذاتي autograft الذي يجرى لمعالجة حالات مرضية مثل نقل قطع جلدية من مكان سليم إلى مكان أصيب بالحرق.

إن هذا التباين في النتيجة بين الطعوم الذاتية والطعوم الغيرية دفع الباحثين للتفتيش عن السبب فبدأت التجارب على الحيوانات في هذا المجال التي أظهرت الأمور الآتية:

ـ إن نقل الأعضاء بين حيوانات من فصيلة واحدة كان ناجحاً أحياناً ومخفقاً في كثير غيرها، وتبين أن النجاح كان أكثر بين الحيوانات ذات الفصائل الدموية المتماثلة؛ وأصبحت هذه الخاصة فيما بعد من الركائز الأساسية في نقل الأعضاء عند الإنسان.

ـ إن نقل الأعضاء بين الحيوانات من فصائل مختلفة كان يرافقه الإخفاق السريع دائماً مثل نقل كلية من خروف إلى كلب وحصول رفض سريع لها.

ـ استمرت التجارب بنقل الأعضاء بين التوائم من الحيوانات ولاقى ذلك الكثير من النجاح خاصة بين التوائم المتماثلة (وحيدة البيضة) monozygotic twins، كما لاحظ الباحثون النجاح في نقل الأعضاء بين توائم المواشي المختلفي البيضة مما حدا بهم إلى تجربة ذلك عند الإنسان، فنجح نقل الكلية من التوائم المتماثلة (وحيدة البيضة) في البشر، وقد تم زرع الكلية بين توأمين وحيدي البيضة في بوسطن عام 1954 في مستشفى Peter Bent Brighim من قبل ميريل Merell وموري Murray وهاريسون Harrison بنجاح وشكل ذلك فتحاً كبيراً في مجال زرع الأعضاء بين التوأمين الحقيقيين (توأمي البيضة) عند الإنسان، في حين أخفق نقل الكلية وزرعها بين التوأمين غير الحقيقيين (توأمي البيضتين) في حالات متعددة.

ولدى دراسة ذلك تبين أن الدم، عند التوائم المختلفي البيضة في الحيوان، يختلط بين التوائم، واختلاطه هذا يؤدي إلى دخول الخلايا الدموية، بالمرحلة الجنينية، من جنين لآخر، فيتم تعرفها من قبل الجسم وتحملها فيما بعد، لأن الجهاز المناعي في المرحلة الجنينية لم يكتمل نموه، ولم تكتمل قدرته على تمييز العناصر الغريبة.

إن هذه التجربة التي أجريت في الحيوان، ولو أنها لا تماثل مايحدث في التوائم الثنائية البيضة عند الإنسان من حيث عدم امتزاج دم التوأمين في الحياة داخل الرحم، فإنها أبرزت فكرة مهمة مناعية وهي إمكانية اكتساب العضوية تحمل طعم أجنبي من الفصيلة نفسها (طعم إسوي) allograft إذا تعرفت العناصر الخلوية لصاحب هذا الطعم في المرحلة الجنينية، أي قبل اكتمال الجهاز المناعي وتمايزه.

دفعت هذه الفكرة بيتر مدور[ر] Medawar للقيام ببحوث على الحيوانات لحل مشكلة ملحة وهي استعمال الطعوم الجلدية من ضحايا الحرب العالمية الثانية لمعالجة المصابين بالحروق الشديدة. لاحظ مدور أن الطعوم الجلدية المنقولة بين الحيوانات المختلفة ترفض بعد أيام من وضعها، ويشتد هذا الرفض ويصبح أسرع إذا ما تكرر التطعيم مما دعاه إلى الاستنتاج بأن لكل كائن حي مناعة أولية ضد نسيج الكائن الآخر ولو كان من الفصيلة ذاتها، وأن هذه المناعة يشتد أثرها عنده إذا ما تعرض لزرع النسيج ثانية من المصدر الأول نفسه، وهو ما يسمى بالمناعة الثانوية. وبعد هذه المرحلة البحثية المهمة بدأ دراسة موضوع نقل الأعضاء وآلية رفضها.

وعرف أن لكل جسم حي جهازاً مناعياً خاصاً به يراقب الوسط الداخلي ويحميه من ورود أي جسم غريب وسرعان ما يميزه بمجرد دخوله إليه ثم يتلفه بالوسائل الدفاعية المناعية.

الدور المناعي في زرع الأعضاء

 تحمل الخلايا في العضو المزروع على سطحها مستضدات تحرض الارتكاس المناعي في الجسم المتلقي ويتم ذلك بقيام الكريات البيض البالعة في هذا الجسم بأخذ هذه المستضدات وإيصالها إلى الخلايا البيضاء اللمفاوية، وهذه لها نوعان:

ـ الأول ويسمى الخلايا اللمفاوية البائية B التي تقوم فور تعرضها للمستضدات الغريبة للطعم المزروع بإفراز الأضداد التي تضبط المستضدات وتبطل عملها وهو ما اصطلح على تسميته بالمناعة الخلطية.

ـ والثاني يسمى الخلايا اللمفاوية التائية T التي تقوم بالتكاثر والتمايز لأنواع عدة بعد تعرضها للمستضدات فتقوم بمهاجمة خلايا الطعم وإتلافها إلى جانب إفرازها للسيتوكينات التي تساعد في هذه العملية ويطلق على ذلك اسم المناعة الخلوية. ومن هنا يستنتج أن الطعم الأجنبي المنقول للعضوية يتعرض لكلا النوعين من المناعة التي تسهم في حدوث عملية رفض الطعم وتدميره.

إن النجاح التام لزرع الأعضاء المنقولة بين توأمين وحيدي البيضة عند الإنسان، والنجاح الجزئي لنقل الأعضاء بين الأقرباء المباشرين (الأشقاء مثلاً) وإخفاق بعض هذه الحالات وجهت النظر نحو دراسة موضوع التوافق النسيجي بين المرشحين لنقل الأعضاء.

لقد ذكر أن خلايا الطعم الأجنبي تحمل مستضدات خاصة هي مستضدات التوافق النسيجي التي تغاير تلك الموجودة على أغشية خلايا المتلقي، لذلك تقابلها عناصر المناعة عنده، ويحدث رفض الطعم. وكلما ازداد التقارب أو التماثل بين هذه المستضدات في خلايا الطعم وخلايا المتلقي كان تحمل الجسم للطعم أكثر، وأصبحت حدثية الرفض أقل حدة، وهذا ما دعا للبحث عن هذا التوافق بين أنسجة المعطي والآخذ، وأطلق على ذلك: اختبار التلاؤم والتنميط النسيجي.

اكتشف دوسيه Dausset في باريس عام 1958 وجود زمر نسيجية عند الإنسان على غرار الزمر الدموية لكنها أكثر تعقيداً وعدداً ومنها الأصناف A-B-C-D. وبما أن هذه الزمر تورث لذا ينتج عنها مركبات وراثية بينها توافق نسبي مختلف الدرجات بين أفراد العائلة الواحدة والمثال التالي يوضح ذلك:

إذا تزوج شخص زمرته AB من امرأة زمرتها CD توزع الأولاد كالآتي بحسب عددهم:

الزمر المتوقعة في الأولاد

AC

BD

BC

AD

AC

ترتيب الأولاد

5

4

3

2

1

 

ويلاحظ في المثال السابق أن الولد رقم1 AC يشارك مع والديه بموقع واحد بينما يتشارك مع شقيقه رقم5 بموقعين، أي أن هناك تطابقاً نصفياً بينه وبين أحد والديه، وتطابقاً تاماً مع الشقيق رقم5، ولا يوجد أي تشارك بينه وبين الشقيق رقم 4 أي لا يوجد أي تلاؤم نسيجي بينهما.

وعلى الرغم من وجود التلاؤم النسيجي التام بين الشقيقين رقم1 ورقم5 في المثال السابق فإن نقل الأعضاء بينهما يحمل نسبة كبيرة من النجاح، كما يحمل أيضاً إمكانية للرفض ولكن بنسبة أقل بكثير مما هي الحال إذا كان التلاؤم نصفياً أو غير موجود بين الآخذ والمعطي. وقد دعا هذا إلى الاستنتاج بوجود مواقع أخرى غير متلائمة بين الآخذ والمعطي للمستضدات غير المواقع الرئيسة المذكورة آنفاً.

دعا حدوث الرفض للطعم المنقول بين أشقاء أثبت التنميط النسيجي تلاؤماً تاماً بينهما إلى ضرورة استعمال مثبطات المناعة عند المتلقي إذا أريد للطعم أن يستمر في عمله وتحمله من قبل جسمه، ومن هنا أتى البحث عن كابتات المناعة واستعمالها.

كابتات المناعة

 أول ما استعمل لكبت الجهاز المناعي عند المتلقي هو التشعيع الكامل للجسم، وأول من لجأ إليها هيوم Hume الذي نقل الكلى بين الأشقاء والأقرباء المباشرين، وقد ساعدت هذه الواسطة على إطالة مدة تحمل الطعم من قبل المتلقي لمدة تصل إلى عدة أشهر. ولم يستمر الاعتماد على هذه الطريقة طويلاً لأنها ترافقت بإصابة المتلقي باعتلال مناعي شديد أدى لحدوث أخماج انتهازية صعبة المعالجة، إضافة إلى إصابته بفاقة دموية لا مصنعة وبأورام أحياناً. لذلك بدأ البحث عن طريقة أخرى تفي بالغرض.

اكتشف الباحثون في جامعتي هارفرد وتافتز في بوسطن مادة6 مركب توبورين، وهي مادة تثبط تكاثر الكريات البيض استعملت في معالجة ابيضاضات الدم أولاً ثم جربت في مجال زرع الكلية لتثبط تكاثر اللمفاويات ولاقى ذلك بعض النجاح. وفي عام 1963 طور كالن Calne في أكسفورد هذا المركب إلى مركب أشد فعالية منه هو Azathioprine واستعمله على الحيوانات أولاً ثم على الإنسان ووجد أنه فعال في خفض الارتكاس المناعي وزيادة تحمل الطعم من قبل المتلقي وما يزال يستعمل حتى اليوم، كما اكتشف غودوين Goodwin أن إعطاء الستيروئيدات القشرية بمقادير كبيرة يسيطر على الهجمة الحادة لرفض الطعم بتأثيرها في المناعة الخلطية.

وفي عام 1963 وجد ستارزل Starzl أن استعمال Azathioprine والستيروئيدات القشرية معاً يفيد أكثر في كبح المناعة بعد الزرع وفي تحسين نسبة تحمل الطعم، كما أن بقاء بعض الحالات من الرفض المزمن أو الحاد المعندة على هذه الأدوية دعت ستارزل إلى اكتشاف المصل المضاد للمفاويات وهو مصل حيواني يحصل عليه بعد تمنيع الحيوان ضد اللمفاويات البشرية. وقد ساعد هذا المصل على السيطرة على حوادث الرفض المعندة بعد الزرع ولاسيما زرع الكبد.

وتتابعت الأبحاث فيما بعد إلى أن اكتشف عدد من كابتات المناعة مثل السيكلوسبورين عام 1980، وهو كابت مناعة جيد إلا أن له خواص سامة للكلية والكبد، ولذلك يعطى تحت مراقبة شديدة لكثافته في الدم ولوظيفة الكلية والكبد عند المريض الذي يتناوله. ومن الكابتات الجديدة FK506 وCell cept وهي أكثر ما تستعمل في زرع الكبد. وOKT3 وهو مضاد نوعي للمستضدات حيواني المنشأ يقتصر استعماله على حالات الرفض الحاد المعندة على المعالجات الأخرى.

وفيما يأتي تلخيص للنقاط الواجب اتباعها في كل عملية نقل وزرع أعضاء بين الأحياء:

ـ لا يجوز نقل الأعضاء بين الفصائل الحية المختلفة مثلاً من حيوان إلى إنسان، مع أن البحوث تجرى الآن لمحاولة تذليل ذلك لقلة الأعضاء البشرية المعدة للزرع وكثرة الحاجة إليها، ولقد لاقى زرع بعض الأعضاء الحيوانية في الإنسان نجاحاً مؤقتاً كزرع قلب من البابون وزرع الكبد من الخنزير، والأمل أن يتم ذلك في المستقبل على نحو أوسع بعد استكمال الدراسات الموجهة نحو اختراق التباين المناعي وعدم التحمل المناعي، للأعضاء المزروعة من فصائل أخرى للإنسان.

ـ لا يجوز الزرع بين الأشخاص من زمر دموية مختلفة.

ـ يفضل أن يكون التلاؤم النسيجي متقارباً أكثر ما يمكن بين المتلقي والمعطي.

ـ يجب أن يكون تفاعل التصالب بين لمفاويات المعطي ومصل الآخذ سلبياً دوماً، ويحصل رفض مباشر فوق الحاد للطعم إذا كان هذا التفاعل إيجابياً، كما يفضل معايرة مستوى الأضداد عند المتلقي، وتأجيل عملية الزرع عند من لديهم نسبة عالية من الأضداد السامة.

ـ لا يجوز إجراء الزرع للمريض المصاب بخمج حاد أو بخباثة في أحد أعضائه ولو شفي منها منذ سنتين، أو المصاب باضطرابات عصبية وعائية المنشأ أو أمراض قلبية وعائية، أو قصور كبدي حاد، كما لا يجوز إجراؤه للمرضى المصابين بالنفاس أو بالاضطرابات النفسية الشديدة أو بالقصور العقلي، أو إذا كان عمر المريض الفيزيولوجي يتجاوز الـ 65سنة.

وقد أصبح زرع الأعضاء من المعالجات الأساسية الكثيرة الاستعمال، وشملت إضافة إلى الكلى والكبد والقلب والرئتين والمعثكلة وكذلك الأمعاء وما زالت نسب نجاح هذه العمليات في تزايد مستمر مع ازدياد الخبرة في إجرائها ومتابعتها من جهة، واكتشاف كابتات للمناعة جديدة، شديدة التأثير وقليلة الأعراض الثانوية.

 وفيمايلي لمحة عن الزروع التي تجرى:

ـ زرع الكلية: [ر. الكلية (زرع ـ)].

ـ زرع الكبد: بدأ على نحو تجريبي في المخابر الحيوانية في عام 1955 وأجراه ستارزل Starzl عند الإنسان في عام 1963، ثم تتابعت عملياته حتى بلغت الآلاف في الوقت الحاضر وخاصة بعد ترقي التقانات الجراحية واستعمال كابتات المناعة الجديدة، وتقدر حالياً نسبة نجاح زرع الكبد مدة خمس سنوات بين 69% و 38% بحسب سبب القصور الكبدي.

ـ زرع المعثكلة: غالباً ما تتم مع زرع الكلية في وقت واحد للمصابين بالقصور الكلوي التالي للاعتلال السكري، وقد بدأ هذا الزرع في عام 1966 من قبل ليلهاي Lillehei في مستشفى جامعة منسوتا، وبلغ عدد عمليات زرع البنكرياس نحو 7500 عملية حتى عام 2003 بنتائج مشجعة.

ـ زرع القلب: أول من أجراه في المخابر الحيوانية كاريل في عام 1907 وتحقق زرع القلب عند الإنسان في عام 1967 من قبل بارنارد في جنوب إفريقيا وتواتر إجراؤه بعد  عام 1980 بمعدل مئة حالة كل سنة بعد كشف طريقة أخذ الخزعة القلبية لمراقبة حدثية الرفض، وتحسنت نتائجه بعد استعمال السيكلوسبورين ولكن ما زال دون مستوى الطموح المطلوب.

ـ زرع الأمعاء الدقيقة: بدأ إجراؤها في عام 1960، إلا أن النتائج ما زالت متواضعة وكلفة إجرائها عالية مما حدّ من عدد الحالات المجراة.

ـ زرع الرئتين والقلب: وهو أسهل من الناحية التقنية من زرع أحد هذه الأعضاء بمفرده. وقد لاقى إجراؤها بعض النجاح.

وليد النحاس

مراجع للاستزادة:

 

ـ بشار النحاس، دراسة في زرع الكلية (جامعة دمشق 1992).

ـ وليد النحاس، محاضرات في زرع الكلية (جامعة دمشق1993).

- J.NAJARIAN & R. SIMENS, Trans­plan­tation (Lea & Febiger Phila­del­phia 1972).

- J.PETER & W. B.MORRIS, Kid­ney Transplantation (Saunders Co. 1994).


التصنيف : طب بشري
النوع : صحة
المجلد: المجلد العاشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 335
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1052
الكل : 58481462
اليوم : 53976

النقل (في علم النفس)

النقل (في علم النفس)   النقل في علم النفس displacement هو استحضار المتعالَج لانفعالاته وهواماته (تخيلات مغايرة للواقع تحدث في مراحل النمو النفسي في الطفولة منذ الولادة حتى السادسة) وعلاقاته السابقة المنسية المكبوتة و نقله إياها إلى شخصية المعالِج في العلاقة العلاجية.
المزيد »