logo

logo

logo

logo

logo

الزيتونة (المسجد الجامع-)

زيتونه (مسجد جامع)

Zaytuna Institute - Institut Zaytuna

الزيتونة (المسجد الجامع)

 

مسجدٌ يتوسط مدينة تونس، تحيط به الأسواق وتلتقي أمام أبوابه محاور المواصلات. تذكر الروايات أن أول من قام ببنائه الوالي الأموي عبيد الله بن الحبحاب سنة116هـ/734م، ولم يَثْبُت إن كان هو المسجد نفسه الذي اختطه مؤسس تونس وفاتحها حسان ابن النعمان سنة (78ـ79هـ/697ـ698م) أول مسجد في تونس أم هو غيره.

المخطط العام لجامع الزيتونة

رجح بعض المؤرخين نسبة التسمية إلى شجرة زيتون كانت بجانبه عند إنشائه بقيت قائمة منذ زمن الواندال، حيث كانت مَحل زيارةً وتبرك فلما فتح المسلمون المدينة وجدوها قائمةً فأبقوا عليها وسط ساحة المسجد، وقيل إن المسلمين قاموا بتسميتها بالزيتونة كي يضيء زيتها النور في إفريقيا تيمناً بالآية الكريمة: )الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم يمسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم( (النور35).

تاجان: أحدهما من العهد الخرساني (يميناً) والآخر من

العهد الحفصي (يساراً) يحليان زاوية المحراب

أضيفت تحسينات إلى جامع الزيتونة في عهد إبراهيم أحمد بن الأغلب (242ـ296هـ/856ـ863م) بأمر من المستعين بالله العباسي فأضاف إليه الكثير مثل الأعمدة الرخامية والنقوش والمحراب البديع وقبة المحراب المضلعة، وانتهت أشغال الأغالبة في عهد أبي الغرانق محمد بن أحمد (250ـ261هـ/864 ـ875م) وبه اكتمل بناء الزيتونة.

وأسهم أبو الفتوح يوسف بُلكين بن زيري الصنهاجي الذي ولاه الخليفة الفاطمي العزيز بالله ولاية إفريقيا في بناء قبة البهو سنة 381هـ/991م والمجنبات في الأروقة المحيطة بالصحن، ومَثَّلت إسهاماته المد الفني الشرقي الذي امتد إلى الأندلس فيما بعد.

وفي العهد الخراساني (الفترة الفاصلة بين العهد الفاطمي والموحدي) بُنيَ المدخل الخارجي وسط الجدار الشمالي مقابل قبة البهو، ومدخل آخر في جنوب الجدار الغربي إلى بيت الصلاة، وقاموا ببناء محراب جديد، وفي هذه الفترة خطَّ أبو محمد عبد الحق بن عبد العزيز بن خراسان 474هـ/1081م الملامح الفنية للعمارة التونسية مُمَثِّلَةً الوسطية الفنية بين الطراز الشرقي والغربي.

في العهد الحفصي شهدت تونس نمواً كبيراً في المجالات كافة، وتطورت أعمال الترميم والبناء لتكتسب الطابع المغربي وتجلَّى ذلك في الواجهة الخشبية الرائعة التي أضافها أبو يحيى زكريا بن اللحياني 716هـ/1316م وفي السقَّاية والمئذنة الحفصية ومقصورة أبي عمرو عثمان (839هـ/893م) ذات الأبواب المرمرية وبدأت تظهر التيجان الحفصية إلى جانب الخراسانية على الأعمدة والأعمال الخشبية الرائعة من النوافذ والأبواب.

في عهد الدايات والبايات لم تكن التطورات كبيرة معمارياً واقتصرت على الترميمات والإصلاحات حتى سنة 1047هـ/1637م حين تولى إمام المسجد وخطيبه تاج العارفين البكري (ت1110هـ) نَظَارته في عهد حمود باشا ابن مراد باي، فبدأت أشغال البناء فيه لتوسعة صحن المسجد وإنشاء المجنبة الشرقية، وإنشاء درج كبير بجانب السقَّاية إضافةً إلى تشييد منارة جديدة مكان المنارة الحفصية واستمرت أعمال التجديد والترميم والوقف حتى سنة 1937م في عهد أحمد باي الثاني.

الجهة الجوفية من الصحن

الرواق وقبة البهو

يشكل المسجد الجامع اليوم مُعَيَّناً منحرفاً متوازي الضلعين الشرقي والغربي (أبعاده شرقاً 65م، غرباً 67م، شمالاً 57م، وقبلته 61م)، يقع صحنه في الجهة الجنوبية الشرقية مكشوفاً من جهة رواق القبلة الذي تحمله عدة أعمدة مكونة من مساراتٍ تفصلها أقواس معقودة، كما يحمل الرواق قبتين فريدتين: إحداها فوق المحراب والثانية في نهاية المسار الأوسط (البهو) أصبحت أسوةً للقباب الأندلسية، ويأخذ بيت الصلاة شكلاً مستطيلاً منحرف الضلوع عناصره من الأنموذج القيرواني الأغلبي، كما يمتد فيه رواقان من بيت الصلاة إلى الصحن يغطيان البابين الشرقي والغربي، وفي ركنه الغربي تقع مئذنته الشهيرة ذات الزخارف الرائعة شامخة بارتفاعها البالغ 43متراً بعرض 9أمتار.

تبرز أهمية الزيتونة تاريخياً وحضارياً ودينياً بتربعه على حقبات زمنية طويلة، حمل بصماتها في المجالات كافة؛ فمن الناحية المعمارية حمل طُرُز البناء والعمارة الإسلامية طيلة عشرة قرون مُدَوِّناً في نقوشه كل المادة التاريخية اللازمة لتأريخ حركة الفن الإسلامي وتأثيراته وشخصية العمارة التونسية الأصيلة.

ومن ناحية أخرى فهو يُعد متحفاً للفنون، إذ يحتوي على 400قطعة رومانية وبيزنطية أعيد استعمال أغلبها في بيت الصلاة من أحواض ولوحات رخامية وتيجان أعمدة، إضافةً إلى 180تاجاً غير إسلامية الطراز، كما أنه يحتوي على أجمل ختمة للقرآن الكريم تم الانتهاء منها وإهداؤها للمسجد أيام الشيخ تاج الدين البكري، ومزولة لضبط أوقات الصلاة حسب الفصول السنوية، ومن أبرز ما فيه منبره الخشبي الذي يعود صنعه إلى عام 250هـ وهو قريب الشبه بمنبر القيروان إذ يحتوي على 22حشوة مستطيلة مزدانة بزخارف هندسية بحفر غائر مفرغ.

كما أن دوره التاريخي بوصفه مركزاً فكرياً ألقى ظلاله على تونس كلها، فجعل الحكام والأمراء يتباهون بتدوين ما قدموه لهذا المنبر العلمي، ففي العهد الحفصي أصبح له نظام متطور يلتزمه المدرسون والدارسون، إذ سُنَّت له قوانين ووُقِفَتْ له الأوقاف الكثيرة وأصبح مركزاً علمياً لعلوم الشريعة والطب والهندسة والرياضيات.

البلاطة الموازية لجدار القبلة على مستوى المحراب

تخرج في جامع الزيتونة علماء أجلاء منهم: عبد الحميد بن محمد الهروي المعروف بابن الصائغ، وأبو الحسن علي بن محمد المعروف باللخمي، والعلامة عبد الرحمن بن خلدون، وغيرهم.

وفي عهد البايات عمد أحمد باشا 1258هـ إلى قانون ملزم لجميع العاملين في الزيتونة، وأمر بانتخاب 15عالماً من الأحناف و 15 من المالكية، وأصبحت الدروس يومية عدا الخميس والجمعة في كل يومٍ درسان، وخصص راتباً شهرياً قدره 60ريالاً، ويُحرم من الراتب من يتغيب دون عذر. وقد ازداد عدد الدروس حتى أصبح فيه نيفٌ وأربعون مجلساً عدا المجالس المكررة، فيمكن تسميته بأقدم جامعة في العالم وكان طلابها يحملون اسم «زيتوني»، والزيتوني في المجتمع التونسي يتمتع بمقامٍ مرموق فهو الأعدل والمُحَكَّم في إبرام العقود وله الإمامة ومنه الوعظ.

ومما يزيد من أهمية المسجد مكتبته التي أسست 696هـ من قِبَل أبي فارس عبد العزيز الحفصي، وبلغت مجلداتها في أيامه ما يزيد على ثلاثين ألف مجلد زيّن بها صدر الجامع، كما جمع السلطان عثمان بن محمد سنة 839هـ مكتبة أخرى وبنى لها مقصورته الشهيرة باسم مقصورة الكتب، إلا أن الإسبان سنة970هـ استباحوا حرمته وأطلقوا أيديهم في إتلافها وسرق الكثير منها ونُقل إلى إسبانيا أو إلى مكتبة البابا، ولا تزال خطوط وقفها على مسجد الزيتونة مثبَتة.

وعندما تولى الشيخ محمد قبادو ( ت1871م) مهمة التدريس في المسجد التي أوكلها إليه الوزير خير الدين باي الذي كان يتردد بنفسه إلى دروس الزيتونة قام الشيخ بترجمة كتب الفنون العسكرية و الرياضيات وغيرها إلى العربية من لغات عدة مثل التركية و الإيطالية والفرنسية التي كان يتقنها جميعاً، وقد خرَّج الشيخ أجيالاً من الزيتونيين المشاهير أمثال محمد السنوسي الذي قاد الجهاد ضد الاحتلال الفرنسي وأحمد بيرم الذي أكد الهوية الإسلامية إثر محاولات التنصير والتجنيس التي تعرضت لها البلاد من قِبَل السلطات الفرنسية.

انحصر دور المسجد الجامع اليوم، وغدا يضم ثلاثة معاهد للعلم وهي معهد أصول الدين ومعهد الشريعة ومعهد الحضارة، إلا أنها لم تقدم الدور الذي كان يقوم به الزيتونة عبر تاريخه الطويل، وبقي معلماً حضارياً وصرحاً معمارياً إسلامياً تونسياً.

جواد ترجمان

مراجع للاستزادة:

 

ـ عبد العزيز الدويلاتي، الزيتونة عشرة قرون من الفن المعماري التونسي (وزارة الثقافة، المعهد الوطني للتراث وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية، تونس).

ـ محمد بن محمد الأندلسي الوزير السرّاج، الحلل السندسية في الأخبار التونسية ( دار الغرب الإسلامي، بيروت 1985).

ـ حسين مؤنس، تاريخ المغرب وحضارته، من قبيل الفتح العربي إلى بداية الاحتلال الفرنسي للجزائر (العصر الحديث للنشر والتوزيع، بيروت 1992).


التصنيف : التاريخ
النوع : دين
المجلد: المجلد العاشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 488
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1044
الكل : 58491305
اليوم : 63819

ايميس (كينغسلي-)

إيميس (كينغسلي ـ) (1922 ـ 1995)   كينغسلي إيميس Kingsley Amis  روائي وشاعر وناقد إنكليزي. ولد في كلافام جنوبي لندن، ودرس في «مدرسة مدينة لندن» City of London School، وفي كلية القديس جون التابعة لجامعة أوكسفورد. عمل محاضراً في الأدب الإنكليزي في جامعة سوانزي (1948- 1961) Swansea، ثم في جامعة كامبريدج (1961-1963). ارتبط اسمه في الأربعينات والخمسينات بجيل كتّاب «الشباب الغاضبين» [ر،أوزبورن (جون ـ)]، وبجماعة «شعراء الحركة» The Movement التي تميزت بلهجة أدبية ساخرة واقعية ناقدة، مثّلها أبطال من الطبقتين الوسطى والدنيا.
المزيد »