logo

logo

logo

logo

logo

الرقة (ح)

رقه (ح)

Ar-Raqqah - Ar-Raqqa

الرقة

 

الرقة محافظة سورية تقع في المنطقة الشمالية الشرقية من الجمهورية العربية السورية على الحدود التركية - السورية، تحيط بها محافظتا دير الزور والحسكة شرقاً، ومحافظتا حماة وحمص جنوباً، ومحافظة حلب غرباً. مساحتها نحو 20 ألف كم2 وتقسم إلى منطقة الطبقة ومنطقة تل أبيض ومنطقة الرقة مركز المحافظة، عدد سكانها 700 ألف نسمة لعام 2003.

تتكون أراضيها عموماً من رواسب بحرية وبحيرية نتجت من انحسار مياه الخليج العربي الذي كان يغمر تلك المنطقة في الحقب الجيولوجي الثالث وما قبله، وهذه الرواسب توضعت على شكل سهول واسعة، تمتد على الجزيرة السورية برمتها وعلى واديي الفرات والبليخ وسهول حوضي الرصافة ومسكنة.

يخترق أراضيها نهر الفرات[ر] الذي لا تخفى أهميته في تاريخها الطويل، ونهر البليخ بطول نحو 100كم، وتجري فيها بعض الأودية السيلية مثل الأحمر والأعيوج والسلماني، ولهذه الأودية دور كبير في الزراعة وتربية الحيوان وفي إغناء المنطقة بالمياه الجوفية.

مناخها متوسطي شبه جاف، صيفها حار قد ترتفع الحرارة فيه حتى تجاوز الـ 40 ْ مئوية، وشتاؤها بارد ممطر، وأمطارها قليلة عموماً، إذ يبلغ أعلى معدل للهطل فيها في منطقة تل أبيض 350ملم/سنة، ويقتصر غطاؤها النباتي على الأعشاب، كالشيح والحرمل والقيصوم، وعلى جانبي الفرات أشجار الحور الفراتي، وعلى جانبي البليخ الطرفاء والصفصاف.

عدد سكانها قليل إذا ما قورن بمساحتها، لكنها شهدت في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين هجرة من المناطق المتاخمة لها، ولاسيما بعد بدء العمل في مشروع سد الفرات وبعد إنجازه.

يعمل معظم السكان بالزراعة وتربية الحيوان والتجارة بالمنتجات الزراعية والحيوانية، وكانت الزراعة في المحافظة قديماً متركزة على ضفاف الأنهار، أي الفرات والبليخ، وكانت تعتمد الأساليب القديمة، وتُزرع أصناف محددة هي القمح والشعير بشكل أساسي، وبشكل ثانوي العدس والحمص والفول والذرة والسمسم.

وفي العشرينيات من القرن العشرين أدخل الفرنسيون زراعة القطن إلى أراضي  الجزيرة السورية، لينافسوا فيها القطن المصري، وعلى الرغم من النكسات التي حلت بهذه الزراعة والإخفاقات التي تعرضت لها، إلا أنها أصبحت زراعة وطيدة ثابتة الأركان في هذه المنطقة.

ولا يخفى ما لمشروع سد الفرات من أثر كبير في تغيير البنى الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة برمتها، فقد بذلت الدولة، في إطاره، مساعي كبيرة لزيادة مساحة عدد الأراضي المستصلحة وأدخلت الأساليب الحديثة إلى الزراعة،  ولاسيما المكننة، وطال التحديث تربية الحيوان التي يعتمد البدو عليها اعتماداً أساسياً، ويمارسها المزارعون بصورة مصاحبة للزراعة، وكانوا جميعاً يعتمدون على المراعي الطبيعية ويخضعون لظروف وتقلبات الجفاف، كما أنشأت الدولة مزارع حديثة وأدخلت أعراقاً جديدة من الأغنام والأبقار.

وعلى الرغم من الطابع الزراعي الذي يطبع المحافظة، فقد أدخلت إليها بعض الصناعات كمعمل السكر في مدينة الرقة مركز المحافظة، ومعمل جرارات الفرات.

مدينة الرقة

منظر جوي للرقة داخل السور القديم

 

مركز محافظة الرقة، تقع على الضفة اليسرى لنهر الفرات قبيل التقائه نهر البليخ، واسمها يعني الأرض الملساء التي يغمرها الماء ثم ينحسر عنها، أي التربة اللحقية التي ترسبها الأنهار على الجوانب. تبعد عن مدينة حلب عاصمة الشمال نحو 190كم، عدد سكانها 87138 نسمة عام 2003 يعملون في الزراعة وتربية المواشي والخدمات العامة.

تنقسم المدينة إلى قسمين، قسم قديم وقسم حديث.

يعود إنشاء القسم القديم إلى عام 1887، وهو ليس بالعهد البعيد، إذ إن المدينة هجرت بعد غزو المغول واجتياح تيمورلنك للبلاد. وكانت بداية إعمارها في العصر الحديث حين أنشأت الدولة العثمانية مخفراً للدرك فيها، وشكل هذا المخفر نواة للمدينة التي بدأت تتوسع وتنتشر حوله، وبدأ بعض عشائر البدو يتوطن تدريجياً فيها، ونشأت الرقة القديمة التي بنيت مساكنها داخل السور العباسي القديم، وكان بناؤها ريفياً تقليدياً من المواد المحلية المتوافرة ومن الأحجار التي اقتلعت من الأطلال ومن السور القديم.

وبعد أن شهدت المدينة هجرة سكانية في الستينيات والسبعينيات نتيجة مشروع سد الفرات[ر]، توسعت الرقعة العمرانية فيها، وأحدث لها مخطط تنظيمي جديد  روعي فيه أن يكون منسجماً مع المدينة القديمة والنشاط الزراعي والتجاري لها، مع الأخذ بعين الاعتبار عدم المساس بالآثار المتناثرة في طول المدينة وعرضها.

وهكذا بدأ التوسع العمراني، وخصوصاً في جهة الجنوب الغربي، وصار الشارع الرئيسي في المدينة، شارع تل أبيض، هو الحد الفاصل  بين الجزء الشرقي القديم والغربي الحديث الذي بني بأكمله بعد عام 1970، وهو الذي تقع فيه إدارات الدولة والمدارس والمشافي، حتى صارت مدينة الرقة الحديثة مركزاً اقتصادياً وإداريا مهماًً في منطقة الجزيرة.

لمحة تاريخية

إعمار أراضي المحافظة برمتها جد قديم، ولا غرابة في ذلك، فلطالما كانت ضفاف الأنهار مهداً للحضارات الإنسانية، تشهد بذلك اللقى والآثار المكتشفة فيها، والتي يعود أقدمها إلى العصر الحجري المتوسط (نحو الألف التاسعة قبل الميلاد) حتى القرن الخامس عشر الميلادي، كما انتشرت على أراضيها عشرات التلال الأثرية، منها موقع أبو هريرة الذي يحوي مستوطنة بشرية تعود إلى العصر الحجري الحديث وعثر فيه على عظام بشرية وأرحاء وأفران لصنع الخبز وأدوات حجرية متطورة، وتل حمام التركمان في منطقة تل أبيض على بعد نحو 80كم شمالي الرقة الذي يعتقد أنه مدينة زلبا القديمة، وغيرها كثير.

 

قلعة جعبر

 

أما الآثار الإسلامية في المحافظة فكثيرة، منها رصافة هشام التي بناها الخليفة هشام بن عبد الملك جنوب غربي الرقة لتكون مقراً له، وقلعة جعبر التي تنسب إلى جعبر بن سابق القشيري (ت 479هـ/ 1104م)، أحد الأمراء العرب، قتله السلطان ملك شاه السلجوقي، والتي تشغل اليوم موقعاً فريداً بعد ما غمرت بحيرة الأسد الأراضي المحيطة بها وصارت الهضبة التي تقع عليها كأنها جزيرة في وسط البحيرة.

أما مدينة الرقة فتاريخها قديم أيضاً، فقد قامت في موقعها في عصر البرونز (3000-2000ق.م) مملكة توتول القديمة (تل البيعة[ر]) وازدهرت ازدهاراً كبيراً إلى أن دمرها حمورابي عام 1750ق.م.

 في العصر الهلنستي، نحو القرن الثالث قبل الميلاد تقريباً، بنيت في الموقع ذاته مدينة سميت نقفوريون Niecphorion، ينسب بناؤها إلى سلوقس الأول نيكاتور، وفي العهـد الـروماني أولاها الإمبراطـور غالينوس (ت268م) عنايته وسميت كالينيكوس أي الرقة السمراء، وكان لها دور مركز تجاري في فترات السلم بين الروم والفرس، أما في فترات الحروب فقد كانت قاعدة عسكرية بسبب موقعها المتميز، وسقطت عام 542م بيد كسرى أنوشروان الذي عمد إلى توطين قبيلة مضر العربية فيها حتى عرفت منطقة الجزيرة برمتها بديار مضر وكانت الرقة (كالينيكوس) عاصمة لها.

مئذنة المسجد الجامع

فتحها العرب المسلمون عام 18هـ/639م صلحاً على يد عياض بن غنم، وحظيت باهتمام الخلفاء الأمويين، وكانت مركز تموين للجيوش الأموية الذاهبة إلى العراق لمحاربة الخوارج، واتخذ فيها الخليفة هشام بن عبد الملك قصرين لسكناه، وبنى جسراً على الفرات واحتفر قناتين تجلبان الماء إلى الرقة، ونشأ بين القناتين ربض (ضاحية) تحول إلى مدينة صغيرة سميت واسط الرقة  حيث أقام الخليفة سوقاً عرف بسوق هشام الكبير.

 

الرقة: باب بغداد

 

ولم يكن اهتمام العباسيين بالمدينة أقل ممن سبقهم، ولاسيما أن الرقة كانت تقع على تخوم الدولة الشمالية، وكانت معرضة دائماً لخطر البيزنطيين، فأمر الخليفة المنصور في عام 156هـ/ 772م ببناء مدينة جديدة على شاكلة بغداد شمال غربي الرقة دعاها الرافقة، وهي مدينة توأم للرقة، وتمت إحاطتها بسور يشبه سور بغداد، ولكن ضرورات الموقع وجوار الفرات اقتضت جعل الأسوار على شكل نعل الفرس، ولم يمكن جعل السور مزدوجاً من ناحية النهر، بل استعيض عن ذلك بأبراج ضخمة. وكان للسور بابان، غربي زالت معالمه وشرقي مازال باقياً وهو باب بغداد، ويبلغ ارتفاع فتحته نحو 5 أمتار تعلوه قنطرة ذات قوس منكسرة، وبنى فيها مسجداً جامعاً مازالت آثاره باقية حتى اليوم.

وشهدت الرقة عصرها الذهبي حين انتقل الخليفة هارون الرشيد للإقامة بها، وبنى فيها قصراً لإقامته، فتوسع عمرانها وازدهرت تجارتها وأقيمت فيها الأسواق والقصور كقصر السلام وهرقلة والأبيض.

وشقت قناة للماء كانت تروي الأراضي الواقعة في شمالي الرقة، وكانت تسمى في عهد الرشيد نهر الذهب ويطلق عليها السكان اليوم تسمية الحفر، وكانت تمر على بعد 700 متر من السور. وتستمد ماءها من ضفاف الفرات عند الفيضان. وفي عهد الأسر المتنازعة التي ظهرت بعد تفتت الخلافة العباسية ضعف شأن الرقة - الرافقة، وأضرت الحروب الصليبية والاجتياحات المغولية المتكررة بتجارتها إلى أن كان غزو تيمورلنك في عام 773هـ/1371م الضربة القاصمة؛ فقد هرب سكانها أمام الجحافل المغولية التي دمرتها على بكرة أبيها ولم تقم لها قائمة بعد ذلك، إلا بعد مدة طويلة جاوزت الـ 500 عام تقريباً.

وفي أواخر العهد العثماني كانت الرقة عبارة عن نقطة لمخفر عثماني كان نواة لبداية إعادة انبعاثها كما مر سابقاً، وفي عهد الانتداب كانت المدينة تابعة للواء دير الزور وكذلك ما بعد الاستقلال حتى عام 1961، حين حصلت على استقلالها الإداري، ونشأت محافظة جديدة تحمل اسم محافظة الرشيد حتى عام 1962، حينما تقرر تغيير اسمها إلى محافظة الرقة ومركزها مدينة الرقة.

لميس الخباز، محمد جدوع 

مراجع للاستزادة:

ـ القشيري، تاريخ الرقة (حماة 1959).

ـ صونيا فرا ولوك ويلي دوهوفل، الرقة وأبعادها الاجتماعية، ترجمة عبد الرحمن حميدة (مطابع وزارة الثقافة، دمشق 1981م).


التصنيف : التاريخ
النوع : سياحة
المجلد: المجلد التاسع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 882
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1039
الكل : 58491741
اليوم : 64255

التعلم المستمر وتعليم الكبار

التعلم المستمر وتعليم الكبار   تعددت المصطلحات الدالة على التعلم المستمر، وما يدخل ضمنه من تعليم الكبار continues learning and adult education والذي يعالج ميداناً واسعاً من التعليم والتعلم، يبدأ في سن الخامسة عشرة ويستمر حتى آخر الحياة، كما يبدأ في مستوى محو الأمية[ر] ويستمر بلا سقف أعلى، ولهذا يتم تعليم الكبار ضمن إطار التعلم المستمر من المهد إلى اللحد، ويسعى العلماء إلى تأصيله تحت اسم الأندراغوجية andragogy أو علم تعليم الكبار، المتميز عن التربية والتعليم للصغار المسمى بيداغوجيه pedagogy. وازداد الاهتمام بتعليم الكبار بعد الثورة الصناعية لتعليم العمال المهارات الأساسية والتخصصية، كما ازداد بعد ثورة المعلومات وتأصل علم المعلوماتية informatics إذ تضاعفت المعلومات كل سنتين في أواخر عقد التسعينات من القرن العشرين، مما يستلزم التعلم والتعليم وإعادة التدريب في نظام جديد لم يعد التعليم المدرسي النظامي formal  قادراً على مواجهته، والتلاؤم معه لتغير المعلومات والتقنيات والمهن والشروط الاجتماعية المرافقة. وأقرت المؤتمرات الدولية لتعليم الكبار حق تعليم الكبار وربطه بالواجب والمسؤولية، مثل مؤتمر نيروبي 1976، وباريس 1985، وجوميتان 1990، وهامبورغ 1997. ووضع مؤتمر تعليم الكبار الخامس في هامبورغ تعريفاً شاملاً لتعليم الكبار فجعله «مجمل العمليات التعليمية النظامية وغير النظامية والعَرضية  التي ينمي فيها الكبار قدراتهم ويثرون معارفهم ويطورون مؤهلاتهم التقنية والمهنية، ويسلكون به سبلاً جديدة تلبي حاجاتهم وحاجات مجتمعهم». من أجل تحسين حياتهم في الحاضر والمستقبل. ويتفاعل تعليم الكبار مع أدنى مستويات التعليم للصغار والتعليم الأساسي [ر] ومحو أمية الكبار، والتعليم المستمر مدى الحياة، كما يتحسن تعليم الكبار في المستويات العليا، وخاصة بعد ثورة المعلومات واستخدام التقنيات الإلكترونية، وضرورة إعادة تدريب المتخصصين لمحو الأمية الحاسوبية ونشر ثقافتها واستخدامها في تحسين العمل والتعليم، والرقي بالمهن إلى أقصى فاعليتها، مع تخفيض أثمان المنتجات والخدمات، حتى يتاح لكل فرد، أيّا كان مستواه أو عمره، مزيداً من فرص التعلم والعمل في مجتمع ديمقراطي وإنساني. ولهذا عُني تعليم الكبار في أولى اهتماماته بالتعليم الأساسي للكبار، في مجال محو الأمية الأبجدية، والوظيفية والحضارية، كما اهتم بالتعلم والتعليم للجنسين، وخاصة المحرومين من الريفيين والنساء، والمهاجرين داخل القطر وخارجه والمهجرين بسبب الحروب والنزاعات الداخلية، والفقراء من مستوى اقتصادي منخفض ليحسنوا شروط عملهم، ويزيدوا دخلهم، أو ليواجهوا البطالة في العمل. وتقوم بتعليم الكبار جميع المؤسسات الإعلامية والمعلوماتية والثقافية والخدمية والاجتماعية، حتى يقوم كل فرد بواجباته في تنمية نفسه ومجتمعه معاً. ويصبح مواطناً فعالاً في مجتمعه، ويشارك في مسؤولياته، ويحقق التوازن في بيئته، وفي الوقت نفسه يحافظ على صحته، وصحة أسرته ومجتمعه. وأسهمت وسائل الإعلام المتعددة في تيسير تعلم الكبار تعلماً ذاتياً، ضمن المكتبات والمعارض والمتاحف والإذاعة والتلفزيون والهاتف وشبكات الحاسوب، مما زاد من أهمية المعلومات والإعلام بتقنيات متعددة ليتعلم منها الكبير، وفق حاجاته وشروطه وسرعته. الخلفية التاريخية ركزّت الأنشطة القديمة على تعليم الكبار قبل الصغار، فدعت الديانات إلى التعلم من المهد إلى اللحد، للتمكن من مهارات القراءة والكتابة والحساب، وتعلم أصول الدين وتعاليمه وسلوك الإنسان المتعلم الطرق المناسبة لعصره. وحدثت ثورة معرفية بعد اختراع آلة الطباعة في أوائل القرن السادس عشر على يد غوتنبرغ[ر] ثم في الثورة السمعية البصرية، باختراع آلات التصوير والتسجيل الصوتي. وانتشرت المكتبات العامة والخاصة والمتاحف والمعارض التي أسهمت في شيوع قنوات تعليم الكبار. ولكن ثورة المعلومات الإلكترونية أتاحت للكبار التعلم الذاتي المفتوح، العرضي، والمقصود معاً. وكانت الحاجة لتعليم الكبار تتأثر بالأوضاع الراهنة في كل بلد، ففي الولايات المتحدة الأمريكية جرى التركيز على تعليم اللغة الإنكليزية وتحسين الزراعة، ومنها انتشرت إلى العالم. وخصصت الدروس المسائية والجامعات الشعبية والمفتوحة في كل من إنكلترة والدنمارك، وألمانية والاتحاد السوفييتي (سابقاً)، واليابان ودول شرقي آسيا، وركزت الهند والصين على التعليم الزراعي بالراديو والتلفزيون. وتأسست في مصر وسورية مراكز ثقافية لتعليم الكبار منذ عام 1960، وتوسعت بالمكتبات وبأنشطة الوسائل المكتوبة والمسموعة والمرئية. وتحسن تعليم الكبار في الدول العربية بعد تحسن أسعار النفط عام 1973. وأسهمت المنظمات الدولية في تعليم الكبار مثل اليونسكو والبنك الدولي واليونسيف، والمنظمة العالمية لتعليم الكبار، التي عقدت مؤتمرها الخامس في هامبورغ في تموز 1997. كما قامت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وجهازها المتخصص «الجهاز العربي لمحو الأمية وتعليم الكبار» بأنشطة منوعة، منها وضع استراتيجية عربية لمحو الأمية عام 1976، واستراتيجية عربية لتعليم الكبار عام 1997، وأسهمت الجهود الفردية، والمنظمات الأهلية في ميدان تعليم الكبار وتدارك قصور المؤسسات الحكومية في هذا الميدان، وتأخر التشريعات الملزمة للتعليم الأساسي للكبار، ولكن الدول المتقدمة والنامية بما فيها الدول العربية، وضعت تشريعات ملزمة لإعادة التدريب والتعليم للمتخصصين الكبار في مهن التعلم والطب والهندسة والمحاسبة. أما المؤسسات الخاصة فقد سعت إلى إعادة تدريب موظفيها لمواجهة التغيرات في الأجهزة والبرمجيات والبرامج لتحسين أدائهم المهني ونشطت في إعادة التوازن بين تغير المهن وتغير التعليم. وبعد ثورة المعلومات، أصبحت المعلومات حاجة أساسية، في حياتنا المعاصرة، وغدت خدمة في المنزل والمكتب مما أشاع فكرة العالم الواحد الذي أصبح في متناول كل إنسان، كأنه قرية إلكترونية، أو فندقاً أو مقهى إلكترونياً، يرتاده جميع الناس ليترفهوا ويتعلموا من نظام تعلم  مرن ومفتوح على العالم بكامله. ولذلك عاد العمل والتعلم إلى البيت المنتج أو البيت المدرسي. وأطلق عليه اسم البيت المدرسي school home المزود بالهاتف والفاكس (المثالة) والبريد الإلكتروني electronic mail وأصبح التعلم مفتوحاً  داخل البيت، مما يحتمل أن يزيد من انتشار تعلم الكبير داخل البيت في المستقبل، ويحسن من فاعلية تعليم الكبار، ويقلل من كلفته، ولكنه قد يؤثر في ثقافة الشعوب ولغتها، وانتشار العولمة في الإعلام والمعلومات والاقتصاد. ولكن التعلم بوسائل المعلومات والإعلام الإلكترونية ما زال مكلفاً، ويتخلف الدول النامية والأشخاص الفقراء عن استخدامه وإلى أن تصبح كلفة المواد الإلكترونية أقل من كلفة المواد المطبوعة يبقى التعلم بالمواد المكتوبة والمطبوعة أكثر انتشاراً في تعليم والكبار وتعلمهم. واقع تعليم الكبار ما زال في العالم قرابة ألف مليون أميّ، وفي الوطن العربي أكثر من 60 مليون أميّ و9 مليون طفل في سن الإلزام لا يدخلون المدرسة. وفي القطر العربي السوري قرابة مليون ونصف أمي، ولذلك تبقى الحاجة إلى التعليم الأساسي للصغار والكبار معاً. وركزت البلدان النامية والعربية على محو أمية الكبار، أما البلدان المتقدمة فركزت على تعليم المتخصصين اللغة الإنكليزية وأساليب متطورة في الزراعة والصناعة والمعلومات. وبانتشار شبكات المعلومات أصبح تعليم الكبار أكثر فاعلية وأرخص ثمناً، وأشد انفتاحاً متجاوزاً حواجز المكان والزمان وقيود الحكومات والدول. وأنشأت معظم وزارات الدولة دوائر للتدريب والتدريب المستمر للموظفين، بما فيها وزارات التربية والتعليم العالي، والثقافة والإعلام والخدمات الاجتماعية. وتوسعت الدولة في خدماتها لتعليم الكبار بإنشاء المراكز الثقافية والمعاهد الثقافية، والمكتبات والمتاحف والمعارض الخاصة الدائمة والدورية. ولكن التحكم في تعليم الكبار لم يعد ممكناً من نظام واحد، بل أصبح نظاماً مفتوحاً معمماً على الشبكات العالمية المفتوحة مثل شبكة إنترنت، ونظام الشبكة العنكبوتية العالمية فيها المسماة نظام ويب العالمي WWW (WORLD WIDE WEB). وفي هذا النظام المفتوح يصعب إيراد إحصاءات تقديرية في البلدان النامية لتعليم الكبار. إذ يتم تعليم الكبار المهنة في التلمذة والمهنية وفي التدريب المهني قبل الخدمة وفي أثناء الخدمة، في جميع المهن السائدة. وقد تتغير المهن، فتظهر مهن جديدة، وتزول مهن قديمة، ولذلك أصبح الكبير يغير مهنته أكثر من مرة في حياته المهنية، أو يطور أساليب مهنته لتواكب التغيرات في المعلومات والتقنيات، وتصبح منتجاته المهنية أقدر على المنافسة المحلية والعالمية. وشاعت أنظمة التعلم المفتوح المستمر للتدرب على المهن الجديدة والتقانات الجديدة، كالتعليم بالمراسلة أو بالإذاعة والتلفزيون أو التعليم المفتوح من بعد، وعن بعد، وتأسست جامعات مفتوحة في بريطانية وألمانية، واليابان، واسترالية وكندا وغيرها من البلدان المتقدمة وكذلك في الهند والصين والباكستان والتايلند في البلدان النامية، والتعليم بالإذاعة والتلفزيون في الدول العربية. وسيزداد تعلم الكبار في الشبكة العالمية للحاسوب المسماة «ويب» لأنها تعلم بوسائط وقنوات متعددة مكتوبة ومسموعة ومرئية ومتحركة  متجاوزة معظم الحواجز الاقتصادية والجغرافية والحكومية لجعل التعلم للجميع. ويشترك في نظام الإنترنت أكثر من مئة مليون حاسوب في أواخر عام 1997 يترفهون ويتعلمون فيه أحدث المعلومات وأوسعها شمولاً، مما ربط كثيراً بين المعلومات المفتوحة والتعلم المفتوح للكبار. وعندما توضع لهذه الشبكة أنظمة وحاسوب شبكي يسهل الاتصال بها يصبح التعلم بها أكثر فاعلية وأرخص ثمناً وأكثر مناسبة لحاجات كل إنسان. ويتوقع بل جيتس Bill Giates بعد أن سيطر على نظام المعلومات وشبكات الاتصال في العالم، وكما ذكر في كتابه «الطريق أمامك» The Rood Ahead وبعد إطلاق الأقمار الاصطناعية للاتصالات، أن تقل قيمة خدمة المعلومات، فتصبح خدمة داخل البيت شأن الماء والكهرباء والهاتف. وبذلك تسهم المعلومات في تنمية الفرد والمجتمع والعالم كله إذا أحسن استخدامها في نظام تعليمي لتنمية الإنسان. ويحتاج كل إنسان أن يتعلم كيف يتعلم؟ أي أن لا يضيع وقته بالمعلومات المبعثرة والتافهة، وأن يختار البرامج الملائمة، وأن يوازن بين الترفيه والتعلم، لكي يحسن حياته في الحاضر والمستقبل. مشكلات تعليم الكبار مازال تعليم الكبار يعمل في نظام واسع ومفتوح و يصعب التحكم فيه ضمن نظام مغلق، وينشأ عن ذلك مشكلات وعوائق، وقد أسهمت الحروب والنزاعات في عدم ضبط تعليم الكبار في أدنى مستوياته وهو محو الأمية، ولكن، في الوقت نفسه، أفادت وسائل الإعلام والمعلومات المتعددة في تعلم الكبار الشفاهيين (الأميين) تعلماً يتصل بحياتهم الصحية والبيئية والاقتصادية وحسّنها. ومع أن نسبة الأمية تتناقص عالمياً وعربياً، إلا أن الأمية تزداد كميّاً، بسبب زيادة نسبة المواليد على نسبة من محيت أميتهم. كما أن الفجوة الحضارية قد تزداد بين الدول المتقدمة التي أسرعت في الاستفادة من نظم المعلومات الحديثة وانتهاج استراتيجيات ملائمة لتعليم الكبار، وبين الأمم المتخلفة عن مسايرة الركب السريع في المعلومات والتقانات والمهن. وما زالت التشريعات والاستراتيجيات لتعليم الكبار متخلفة عن نظام المعلومات والمهن سريع التغير. وتتطلب الحاجة إلى إسهام الجميع، والمحرومين منهم، في مجال التعلم والتعليم مدى الحياة، للوصول إلى تنمية شاملة أفضل من السابق. ولذلك فليست المشكلة في ضرورة تعليم الكبار بل في سرعة التعلم والتعليم ليواكب المعلومات التي تغذُّ في سيرها السريع ويحتاج الكبير في هذا العصر أن يتعلم كيف يتعلم من التقانات المتعددة المتوافرة.   فخر الدين القلا   الموضوعات ذات الصلة:   الاجتماع التربوي (علم ـ) ـ التعليم الأساسي والإلزامي ـ الإنترنت.   مراجع للاستزادة:   ـ إعلان مؤتمر هامبورغ لتعليم الكبار (اليونسكو 1977). ـ المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، الجهاز العربي لمحو الأمية وتعليم الكبار، علم تعليم الكبار (الأجزاء من 1-5) ـ فخر الدين القلا، محو الأمية وتعليم الكبار (مديرية الكتب الجامعية، جامعة دمشق 1993). - Bill Gates, The Road Ahead (Viking Penguin 1995).
المزيد »