logo

logo

logo

logo

logo

السيميائية

سيمياييه

Semiotics - Sémiotique

السيميائية

 

السيميائية semiotics [من اليونانية semeion = علامة] أو علم العلامات، هو علم يُعنى بخصائص وقوانين وقواعد العلامات الاجتماعية والاصطناعية ومنظوماتها في شرطيتها الاجتماعية. هناك من يميز بين السيميولوجيا semiology بوصفها «نظرية العلامات ذات المضامين الدلالية» وبين السيميائية بوصفها «النظرية العامة للعلامات والرموز»، لكن ثمة بين التسميتين الاصطلاحيتين تقارباً يكاد أن يكون ترادفاً. وكان لايبنيتس[ر] يرى أن لكل العلوم أصولاً جوهرية مشتركة، واستعان بالرياضيات والجبر اللذين كشفا له عن دور العلامات في المنهج العلمي، وكان الفيلسوف الفرنسي إيتيين دي كوندياك É. de Condillac ت(1715ـ 1780) ينظر إلى الجبر ولغته الرمزية بوصفه النموذج الأعظم، لكنه لم يُخضِع كل العلوم للغة واحدة كما فعل لايبنيتس، وإنما كان يعتقد أن لكل علم لغته وإن كان لجميعها منهج واحد في التحليل.

نقل تشارلز ساندرز بيرس C.S.Peirce ت(1839ـ 1914) الاهتمام بالمنهج الكلي والدور المميز في تشكيله إلى مجال المعاني، إذ كان رياضياً وفلكياً وكيميائياً ومولعاً باللغة والأدب. وتتكون الدلالة لدى بيرس من معلومات تجريبية empirical وقواعد تشكيلية، ثم جاء فردينان دي سوسور[ر] F. de Saussure، وكان متخصصاً في علم اللغات المقارن واهتم بالعلامة من منطلق لغوي، ودعا إلى ما سمَّاه بعلم السيميولوجيا. وهكذا تطورت السيميائية في القرن العشرين وأصبحت حقلاً معرفياً مستقلاً.

تسعى السيميائية إلى تحويل العلوم الإنسانية، وخصوصاً اللغة والأدب والفن، من مجرد تأملات وانطباعات إلى علوم بالمعنى الدقيق للكلمة، ويتم لها ذلك عند التوصل إلى مستوى من التجريد يسهل معه تصنيف مادة الظاهرة phenomenon ووصفها من خلال أنساق من العلاقات تكشف عن الأبنية العميقة التي تنطوي عليها، ويمكنّها هذا التجريد من استخلاص القوانين التي تتحكم في هذه المادة.

العلامة: هي الاصطلاح المركزي في السيميائية التي تعنى بالعلامة على مستويين: الأول أنطولوجي يُعنى بماهية العلامة وبوجودها وطبيعتها، وعلاقتها بالموجودات الأخرى التي تشبهها والتي تختلف عنها. أما المستوى الثاني فهو مستوى تداولي (براغماتي) يعنى بفاعلية العلامة وبتوظيفها في الحياة العملية، ومن منطق هذا التقسيم اتجهت السيميائية في  اتجاهين لا يناقض أحدهما الآخر، إذ يحاول الأول تحديد ماهية العلامة ودراسة مقوماتها، وقد مهد بيرس لهذا الاتجاه، ويركز الثاني على توظيف العلامة في عملية التواصل ونقل المعلومات معتمدة على مقولات سوسور.

تدرس السيميائية، وفقاً لبيرس، العلامة ومنظومة العلامات (أي مجموعة العلامات التي انتظمت انتظاماً محدداً) وفقاً لأبعاد ثلاثة:

ـ بعد نظمي سياقي تركيبي يدرس الخصائص الداخلية في منظومة العلامات من دون أن ينظر في تفسيرها.

ـ بعد دلالي semantic يدرس علاقة العلامات بمدلولاتها (محتوى العلامات) والعلاقة القائمة بين العلامة وتفسيرها وتأويلها، من دون النظر إلى من يتداولها.

ـ بعد تداولي pragmatic يدرس الصلة بين العلامة ومَن يتداولها؛ ويحدد قيمة هذه العلامة من خلال مصلحة مَن يتداولها.

وهكذا يكون كلٌ من البعد الدلالي والسياقي ذا صلة بحيز محدد من المسائل السيميائية. أما البعد التداولي فهو ذو صلة بدراسة المسائل السيميائية التي تحتاج إليها علوم بعينها، مثل علم نفس اللغة وعلم النفس الاجتماعي.

ويقوم البعد السياقي بتشكيل نظرية تحدد علاقات تركيبية وفرضيات، أي يقوم بالكشف عن العلاقات التي تربط بين النص بوصفه نسقاً class في ملفوظه وبين غيره من المنظومات من خلال تصور عام مجرد للبنى الكامنة في النص، ثم تطبيق هذا التصور على مجموع النصوص، انطلاقاً من أن نسق نص في منظومة سيميائية محددة هو نسق ينطبق على جميع أنماط هذه النظرية، وبذلك تتمكن فرضيات النظرية من أن تقدم وصفاً شاملاً لكل النصوص المحتملة. أما البعد الدلالي فيميز في منظومات العلامات معنى العلامة، أي ما تدل عليه العلامة في منظومة بعينها، ومفهوم هذه العلامة، أي التصور الذي تحمله والمعلومة التي تنقلها، ثم تأتي التداولية لتحدد رتب القيمة والمفهومية في العلامة والمعلومة التي يتلقاها من يتداولها.

يعرِّف سوسور العلامة بأنها اتحاد لا ينفصم بين دال ومدلول، أي إنها وحدة ثنائية المبنى ذات طرفين، لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر؛ فالدال تصور صوتي سمعي يتشكل من سلسلة صوتية يتلقاها المستمع، وتستدعي إلى ذهنه تصوراً ذهنياً مفهومياً هو المدلول، وبذلك تكون العلامة عند سوسور نتاج عملية نفسية.

إلا أن أكثر السيميائيين الذين طوروا أفكار سوسور يرون أن الدال حقيقة مادية محسوسة لا تقتصر بالضرورة على الأصوات، ويمكن للمرء أن يختبرها بالحواس، وهذا المحسوس المادي يستدعي في ذهن المتلقي حقيقة أخرى غير محسوسة هي المدلول، وبهذا تكون العلامة بدالها ومدلولها حقيقة مادية محسوسة تثير في العقل صورة ذهنية لشيء موجود في الواقع. لكن السيميائية تنحصر في العلاقة القائمة بين الدال والمدلول من دون التجاوز إلى العلاقة بين الدال والمدلول والشيء الذي تشير إليه العلامة، إذ إن هذه العلاقة الثلاثية تخرج من السيميائية إلى علم الدلالة اللسانية semantics.

للعلامة خاصتان أساسيتان، أولاهما اعتباطيةُ العلامة، وتعني أن الدال والمدلول لا تربط بينهما علة من العلل سواء كانت منطقية أم طبيعية، وثانيهما قيمة العلامة، وهي قيمة تنشأ من سببين: الأول وظيفة العلامة الكامنة في تداوليتها، والثانية أشكال التشابه والاختلاف بينها وبين العلامات الأخرى، وهي قيمة مرتبطة بماهيتها.

إن العلاقة بين الدال والمدلول علاقة اصطلاحية؛ علاقة تواضعٍ هي حاصل اتفاقٍ بين المستعملين، بما في ذلك العلامات المعللة أو العلامات الطبيعية. ويمكن للتواضع أن يكون ضمنياً أو ظاهرياً، ويبقى التواضع مفهوماً نسبياً، خصوصاً عندما يتعلق بالتواضع الضمني. وللتواضع درجات، إذ يمكن أن يكون قوياً وجماعياً، ومرغِماً، ومطلقاً كما في إشارات المرور، وفي الترقيم الكيميائي والجبري، وقوياً كما في قواعد الآداب العامة.

تتألف العلامات فيما بينها وفقاً لنوعين من العلاقات، أولهما العلاقات النظمية السياقية، وهي التي تقوم بين العلامات على المحور السياقي syntagmatic، وتنبع العلاقة النظمية السياقية من قدرة العلامات على التآلف على محور ذي بعد واحد يجعل العلاقة ترتبط بأخرى في متتالية من علامات تنتمي إلى المستوى السياقي نفسه، وثانيهما العلاقات الاستبدالية، وهي علاقة تقوم على المحور الاستبدالي paradigmatic، وتنبع من قدرة العلامات على تشكيل فئات وجداول، ترتبط وحدات كل جدولٍ فيما بينها، ويمكن للواحدة منها أن تحل محل الأخرى إذا تبدل السياق.

اتجهت سيميائية سوسور منذ البداية نحو اللغات الطبيعية، فقد رأى أن اللغة الطبيعية هي أكثر المنظومات تطابقاً مع السيميائية. ويرجع هذا إلى طبيعة العلامة اللغوية الاعتباطية، وإلى أن اللغة يمكن أن تُختزل في عدد محدود من العلامات المستقلة والمختلفة، وقد ترتب على ذلك أن اللغة تصلح أن تكون نموذجاً لكل الأنظمة الدالة غير اللغوية .

يرى السيميائيون أن اللغة أهم منظومة من منظومات التواصل فعاليةً في حقل المعرفة. وتدرس السيميائية اللغة من حيث علاقتها العامة مع غيرها من منظومات العلامات، وترى أن اللغة هي المنظومة الأقل تعقيداً، لأن العلامة فيها متميزة بوضوح تام وتتشكل في منظومة عالية التنظيم، وتحتفظ بعناصر بنيتها الثلاثة التي تتميز بها كل منظومة علامات: السياقي والدلالي والتداولي. برزت سيميائية اللغة في أعمال بنفينيست Benveniste وبريتون Breton في فرنسا وأعمال كوربلوفيتش Korbluvicz وبيلتس Bilets في بولندا، ومارتينوف Martinov، وستيبانوف Stepanov في روسيا.

شغلت السيميائية حيزاً واسعاً في علوم الأدب خصوصاً في نظرية السرد narrative، وقد برزت هذه السيميائية في أعمال يوري لوتمان J.Lotman في روسيا، وموكاروفسكي Mukarovsky في تشيكيا، وأمبرتو إيكو U.Eco في إيطاليا ورولان بارت R.Barthes وجوليا كريستيفا J.Kristeva وتزيفيتان تودوروف Tz.Todorov في فرنسا وغيرهم. وهي سيميائية تدرس النص الأدبي وقد تمتد إلى النص الصحفي والقانوني والديني والفني والمسرحي لتبحث فيه على غرار بحثها في اللغة، فتحدد فيه علاماته وأنساق هذه العلامات وانتظامها في منظومة، وتنظر في طرفي العلامة (الدال والمدلول) انطلاقاً من أنهما طرفا العملية الإبداعية: التعبير والمحتوى (الظاهر والجوهر)، ومن أهم أعلام السيميائية السردية رولان بارت وجوليا كريستيفا.

رضوان قضماني

 

 مراجع للاستزاد:

 

ـ بيير جيرو، علم الإشارة السيميولوجيا، ترجمة منذر عياش (دار طلاس، دمشق 1988).

ـ رولان بارت، جرس السيميولوجيا، ترجمة عبد السلام بن عالي (دار توبقال، الدار البيضاء 1993).

ـ نصر حامد أبو زيد وسيزا القاسم، مدخل إلى السيميوطيقا (دار الياس العصرية، القاهرة 1986).

- C.S.PEIRCE, Collected Papers (Cam­bridge 1931).

- C.MORRIS, Signs, Language and Behavior (New York 1955).

- E.BUYSSENS, Les langages et les discours (Brux. 1945).

- F.DE SAUSSURE, Cours  de linguistique générale (Paris 1978).

- L.HJELMSLEV, Prolegomena to a Theory of Language (Madison 1963).

 


التصنيف : الأدب
المجلد: المجلد الحادي عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 457
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1049
الكل : 58481144
اليوم : 53658

الأسترالية الأصلية (اللغات-)

الأسترالية الأصلية (اللغات ـ)   تبلغ اللغات الأسترالية الأصلية Australian aboriginal languages نحواً من 260 لغة متشابهة ينتشر متحدثوها في القارة الأسترالية بأكملها، إضافة إلى الجزر الغربية في مضيق تورس Torres Strait باستثناء تسمانية Tasmania. وتتسم هذه اللغات بتشابه كبير في الأنظمة الصوتية، وتطابقٍ واضح في القواعد اللغوية مع فروق كبيرة في المفردات، ويتمكن متحدثو لهجات المناطق المتجاورة جغرافياً من التواصل والتفاهم بسهولة ويسر، في حين يصعب التواصل بين متحدثي لهجات المناطق المتباعدة فإذا تحدث اثنان من هؤلاء يبدوان كأنهما يستخدمان لغتين مختلفتين. وتتحدث كل قبيلة لغة واحدة متميزة من غيرها، لكن الإلمام بلغتين أو أكثر من الأمور الشائعة في بعض المناطق.
المزيد »