logo

logo

logo

logo

logo

أبيروس

ابيروس

Epirus - Epire

إِبيروس

 

مقاطعة في شمال غربي اليونان تجاور كلاً من تسالية ومقدونية وتراقية وتفصلها عن تسالية سلسلة جبال البندوس الكلسية التي تمتد من الشمال الغربي إِلى الجنوب الشرقي, وتدعى في اليونانية إِبيروس Epiros ومنها اسمها بالإِنكليزية Epirus وبالفرنسية Epire ويذكر هوميروس أن اسمها يعني «الأرض الصلبة» وهي تتصل بجنوبي ألبانية. وتغطي سلاسل الجبال الكلسية الضخمة التي قد ترتفع إِلى 2600م جزءاً كبيراً من سطحها, وتخترقها الوديان الضيقة العميقة الجميلة. بينما تمتد السهول الفسيحة والمروج في المنطقة الشمالية.

منظر زراعي في باراميتيه في إبيروس

إِبيروس منذ فجر التاريخ

لمنطقة إِبيروس تاريخ عريق يرقى إِلى العصر الحجري القديم. وعثر فيها على مراكز لاستيطان الإِنسان في هذه المنطقة في العصر الحجري الحديث. ثم احتل الرعاة والصيادون كل بلاد إِبيروس في بداية العصر البرونزي, وفي هذه المرحلة انتشرت فيها اللغة اليونانية القديمة. وكانت متأثرة بالحضارة الموكينية (مسينة) Mycenae التي انتشرت في كل العالم الإِيجي[ر] وكان القدماء على خلاف في عدّها من الأقاليم اليونانية, لأن الثقافة اليونانية الكلاسيكية دخلت إِليها في زمن متأخر. وبعد انحطاط الحضارة الموكينية أصبحت إِبيروس مركزاً لانطلاق غزوات القبائل الدورية في أواخر الألف الثاني ق.م نحو بلاد اليونان.

وفي القرن الخامس كانت إِبيروس ما تزال دائرة في محيط العالم الهليني اليوناني. وينظر المؤرخ توقيديدس Thoukydides من القرن الخامس ق.م إِلى شعب إِبيروس نظرته إِلى «برابرة» وقد اكتسب البيت المالك في إِبيروس قوة دافعة في العالم الهليني من زواج فيليب الثاني[ر] ملك مقدونية من الأميرة أوليمبياس Olympias التي ولدت له الاسكندر المقدوني[ر].

وعندما عبر الاسكندر ومعه أمه أوليمبياس المضائق من أوربة إِلى آسيا لغزو الامبراطورية الفارسية قام خاله ألكسندر (الاسكندر) عاهل إِبيروس بمهاجمة اليونان الكبرى في جنوبي إِيطالية إِلى أن تصدّت له رومة الناشئة وقتل في أرض المعركة عام 331 ق.م. وخلفه بعدئذ بيرهوس (318-272ق.م) الذي كان أعظم ملوك إِبيروس, بعد أن مرّت هذه البلاد في مرحلة انتقالية قصيرة تحولت فيها إِلى مملكة فيدرالية عُرفت بعصبة إِبيروس التي كانت تحالفاً قبلياً بزعامة الُملُّوسيين, القبيلة التي ينتمي إِليها البيت المالك الذي قبل بوجود مجلس تمثيلي استشاري للمساعدة في إِدارة شؤون البلاد.

مملكة إِبيروس في عصر بيرهوس

امتدت الثقافة الهلِّينية إِلى إِبيروس وما جاورها, منذ أن شاد الدوريون[ر] معبداً لزيوس (زفْس) في دُوْدُنا Dodona قرب الحدود الألبانية, وغدت إِبيروس منطلقاً للغزوات الدورية نحو بلاد اليونان. وفي التنقيبات الأثرية التي أجراها علماء إِيطاليون في عام 1929, في موقع بُوثْروتُوم Buthrotum - (حالياً مدينة بُوتْرِيْنُو الألبانية الواقعة على الساحل مقابل جزيرة كورْفُو), عُثر على مجموعة كبيرة من آثار المباني والتماثيل من العهدين الهلِّيني والروماني, ومنها مسرحٌ من القرن الثالث ق.م. بيد أن المعلومات عن إِبيروس تظلُّ محدودة حتى بداية القرن الثالث ق.م. حين تولّى بِيْرُوس (بِيْرهوس) Pyrrhus, مُلْك الملُّوسيين, أقوى القبائل الإِبيروسية وأعظمها سلطاناً. وكان بيروس هذا يَدّعي أنه من سلالة البطل الأسطوري آخيْلّوس أحد أبطال حرب طروادة. ويتحدث الكاتب اليوناني بلوطَرْخُوس Plutarchos في مؤلفه «السيَر المقارنة» عن بيروس, ويذكر أنه كان وسيم الطلعة, شجاعاً وحاكماً مستبداً, بيد أنه كان محبوباً من رعاياه وكانوا يفخرون به ويتغنون بإِقدامه في ميدان القتال, ويسمونه «الصقر».

فمع إِطلالة القرن الرابع ق.م. بدأ عصر انحطاط المدن الإِغريقية في اليونان الكبرى (إِيطالية الجنوبية وصقلية), بعد عهد ازدهار ورخاء امتد ثلاثة قرون. وكان السبب الأول في ذلك الانحطاط الصراع الذي نشب بين الإِغريق وسكان البلاد الأصليين.وقد قاوم الإِغريق حركات هؤلاء السكان في بادئ الأمر, بيد أن هذه المقاومة لم تفلح وراحت المدن الإِغريقية تسقط الواحدة تلو الأخرى بيد الأقوام الإِيطالية.

ومن الأسباب الأخرى التي أدّت إِلى زوال النفوذ الإِغريقي من اليونان الكبرى, تحاسد مدنها وتناحرها. وقد انتقلت عدوى الخلافات في بلاد اليونان الأم إِلى هذه المدن فراحت تتنازع ويناوئ بعضها بعضاً. وفي القرن الرابع قبل الميلاد غدت مدينة تَارنْتُوم Tarentum (تاراس باليونانية) من أقوى تلك المدن وأغناها وأوسعها تجارة.

ومع انتهاء الحرب السامنية (290 ق.م), وصلت حدود الدولة الرومانية إِلى بقاع اليونان الكبرى, حيث راحت تتوسع على حسابها, مستفيدة من المشاحنات والمنازعات بين مختلف المدن الإِغريقية.

توجّه الرومان بأبصارهم نحو مدينة ثُوْرِيُوم Thurium (ثُوْرِيُون), منافسة تارنْتُوم, وأمدوها بنجداتهم لحرب اللوكانيين الإِيطاليين, حلفاء التارنتيين في ذلك الحين. ووصل إِليها عام 282 ق.م. القنصل الروماني فابريكيُوس Fabricius وأقام فيها حامية رومانية, بعد أن انضمت إِليه مدن إِغريقية أخرى, وعززت أسطوله بمراكبها. ومع وجود معاهدة عُقِدَت عام 303 ق.م. بين رومة وتَارِنْتُوم (في أثناء الحروب السامنية), تحظر على المراكب الرومانية تجاوز الرأس اللاكيني القريب من خليج تَارِنْتُوم فإِن أسطول فابريكوس نفذ إِلى الخليج المذكور. وكان هذا العمل سبب الحرب بين رومة وتارنتوم.

ثارت ثائرة سكان تَارِنْتُوم وسرعان ما أغرقوا أربعة مراكب رومانية وأسروا واحداً غيرها, ولاذت المراكب الباقية بالفرار, وقُتل قائد الأسطول الروماني وتمّ أسر بعض البحارة والجنود الرومان. كما أن قوات تَارِنْتُوم اجتاحت مدينة ثُوْرِيُوم, حليفة رومة, وأجبرت الحامية الرومانية فيها على الاستسلام.

اكتفت رومة, في بادئ الأمر بإِرسال سفارة تطالب تارِنْتُوم بتسليم الأسرى الرومان. ولم يرفض التارِنْتِيُّون طلبات رومة فحسب, بل أهانوا أعضاء سفارتها. عندئذ أعلنت رومة الحرب على تَارِنْتُوم؛ فردّت هذه الأخيرة طالبة المعونة من بِيْروس, ملك إِبْيُروس, وعرضت عليه التحالف معه؛ فقبل الأمر, على أن يسلِّموه قيادتهم مدة الحرب شريطة أن يصون حرياتهم المدنية.

انتقل بيروُس إِلى إِيطالية الجنوبية في مطلع عام 280 ق.م بعد أن تقدمته طلائع جيشه بقيادة معاونيه. أما جيشه, فكان يتألف من 25 ألف محارب مع عدد من الفِيَلَة. فاستقبلته تارنتوم استقبالاً حاراً, فأخذ ينظم شؤون المدينة, استعداداً للمستقبل ودُعي جميع من بلغوا سن التجنيد لحمل السلاح. وفي ربيع عام 279ق.م, كان بيْرُوس قد أكمل استعداداته.

وبعد مناوشات بين الطرفين, التقى بِيْرُوس بالرومان عند هِرَقْليَة, وانتصر عليهم «نصراً بِيرُوسيّاً», إِذ إِن خسارته في هذا النصر كانت عظيمة. ولما رأى جيوش الموتى الراقدين في ميدان القتال, صاح صيحته الشهيرة «نصر آخر كهذا وأعود بمفردي إِلى إِبيْروس». وفي الحقيقة, لم تؤدِ المعركة إِلى نتائج حاسمة.

وجرت مفاوضات بين الطرفين قبل استئناف المعارك. وراح بيروس ينتقل في بقاع إِيطالية الجنوبية, قبل أن يبحر إِلى صقلية, حيث كانت المستعمرات الإِغريقية في خطرٍ من القرطاجيين. فقاتلهم حتى استولى على أكثر ممتلكاتهم فيها. وقد اجتمع مؤتمر إِغريقي عام في سُواراكوْسَاي (سِرقُوْسَة) وانتخبه ملكاً على صقلية. غير أن أهالي الجزيرة ضاقوا ذرعاً به. فراحوا يثورون عليه بعد ثلاث سنوات, ويفتحون أبواب مدنهم للقرطاجيين, فاضطر للعودة إِلى إِيطالية.

كان الرومان في غياب بيروس قد أحرزوا انتصارات على حلفاء بيْرُوس, فحاول أن يقوم بعمل حربي يكافئ هذه الانتصارات. دخل كامبانية ولاقى الرومان قرب «بِنِونْتُوم Beneventum بنفنتوم» (واسمها القديم مَاْلِونْتُوم Maleventum) غير أن الملك هُزم هزيمة منكرة, واضطر إِلى أن يفرّ إِلى تارِنْتُوم مع نفر قليلٍ من أتباعه وأدرك أنه لم يعد يستطع عمل شيء في إِيطالية. فأبحر منها في ربيع عام 275 ق.م بعد أن ترك ابنه على رأس جيشٍ في تَارِنْتُوم وعرج في طريق العودة على اسبارطة, فلم يستطع أخذها, وأخيراً حاصر مدينة آرجوس, فقتل أثناء الحصار.

وقد ملّ إِغريقيو إِيطالية من طول الحرب مع رومة, وراحت مدنهم تطلب منها الصلح وتعترف بسيادة رومة عليها, حتى لم يبق إِلا تارِنْتُوم. وكاد القرطاجيون أن يستولوا عليها, ولكنها استسلمت أخيراً للرومان عام 272 ق.م, فدخلوها وهدموا أسوارها رغم محافظتهم على استقلالها.

وبعد ثلاث سنوات من الاستيلاء على تَارِنْتُوم, أخضعت رومة الشعوب الأخرى القاطنة في إِيطالية الجنوبية وكذلك أغلبية المدن الإِغريقية. وسرعان ما أصبحت رومة تسيطر على جميع الأقاليم من نهر روبيكون (Rubico) Robicon, في إِيطالية الشمالية إِلى أقصى جنوبي إِيطالية. وبعد ذلك ببضع سنوات بدأت رومة كفاحها الطويل مع القرطاجيين, حلفائها في حربها مع بيرْوس. وتحققت بذلك نبوءة بيروس المأثورة وهو يغادر جزيرة صقلية: «أي ميدان قتال أتركه لقرطاجة ورومة».

ولكن إِبيروس لقيت بدورها مصير قرطاجة في صراعها مع رومة, عندما تورطت المملكة الملّوسية في الحرب المقدونية, التي نشبت بين رومة ومقدونية (171-168ق.م), فاستولت عليها رومة عام 167 ق.م واستعبدت 150,000 نسمة من سكانها.

إِبيروس في العصور الحديثة وفي العصر الحاضر

تأسست في إِبيروس إِمارة بيزنطية (1204-1337) امتدت على بعض أراضي البلقان, عندما انقسمت الامبراطورية البيزنطية إِبان غزو اللاتين الغربيين القسطنطينية في الحروب الصليبية[ر] (1204-1261) وأصبحت إِبيروس مملكة مستقلة بعد عام 1204. لكنها عادت إِلى الاعتراف بسيادة الامبراطور البيزنطي عام 1261 بعد أن تمكن من إِخراج اللاتين واسترداد السيادة على عاصمته, إِلى أن ألحقت إِبيروس بالامبراطورية البيزنطية نهائياً عام 1337م. لكن الصربيين والألبان اجتاحوا المنطقة أثناء ذلك في عام 1318. وفي خضم هذه الأحداث قامت إِبيروس بدور ثقافي في القرن الثالث عشر عندما عملت على إِحياء الدراسات الكلاسيكية التي ساعدت على تطوير النهضة في إِيطالية. ثم استولى عليها العثمانيون وألحقوها بدولتهم عام 1430. ولكن السيادة العثمانية على هذه البلاد تزعزعت بعد المنازعات العنيفة على السلطة, وبعد قيام الاضطرابات داخل البلاد منذ أواخر القرن الثامن عشر مما أفضى إِلى اندلاع حرب الاستقلال في بلاد اليونان (1821-1829), وانتهت بلاد إِبيروس إِلى أن تقاسمتها الدولتان اليونانية والألبانية. ففي عام 1913 اتحد قسم كبير من مناطق إِبيروس الشمالية مع الدولة اليونانية وبقيت أقلية في المناطق الألبانية. وفي عام 1939 ضمّت إِيطالية أراضي ألبانية إِلى امبراطوريتها الاستعمارية, لكن القوات اليونانية استطاعت طردها بعد ذلك عام 1940 حين حاولت غزو اليونان أيضاً, وتخلصت معظم مناطق إِبيروس من الاحتلال الإِيطالي إِلى أن جاء الألمان الذين فرضوا سيطرتهم على البلاد ما بين 1940و1944, حتى تراجع الألمان وتقدمت قوات الحلفاء. واحتفظ سكان مناطق إِبيروس التي بقيت ضمن الدولة الألبانية بخصائصهم الاثنوغرافية وبثقافتهم اليونانية ولكنهم أخفقوا في تحقيق مطامحهم بالالتحاق ببلاد اليونان وألفت أراضي إِبيروس اليونانية منطقة إِدارية في شمال غربي اليونان تبلغ مساحتها 9203كم2 أي ما يقرب من مساحة لبنان.

وقد خلّفت البلاد كل ماضيها السياسي والحربي وراءها وهي اليوم بلاد ذات موارد اقتصادية محدودة, وتستنزف الهجرة كثيراً من قوتها البشرية. ويتميز العمران المدني والريفي فيها باستخدام حجر الأردواز في بناء المنازل التقليدية وفي سقف السطوح وفيها متاحف شعبية غنية بآثارها وبتقاليدها المحلية وبصناعة الحلي العريقة من الفضة. وفيها بقايا آثار إِسلامية, منها جامع أصلان باشا (1618), وضريح علي باشا (1741-1822) الذي تمرد على الدولة العثمانية وأسس مملكة جعل عاصمتها إِيوانينا. وفي المنطقة آثار عدد من المسارح القديمة التي تقام فيها احتفالات سنوية تقدم فيها مسرحيات يونانية كلاسيكية. ويُوجد فيها بعض الأديرة القديمة المهمة مثل دير بانتاليمون.

 

محمد محفل

الموضوعات ذات الصلة:

ألبانية - إِيطالية - اليونان.

مراجع للاستزادة:

ـ بلوطرخوس, السير المقارنة, مادة بيروس.

ـ أندره ايمار وجانين أوْبِوَايه, روما وامبراطوريتها (نشر دار عويدات بيروت), (مترجم عن الفرنسية).


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : سياحة
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 146
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1053
الكل : 58481848
اليوم : 54362

الخسائر البحرية المشتركة

الخسائر البحرية المشتركة   العَوارُ لغة هو العيب، والعوارية هي البضاعة التي أصابها ماء البحر فنقصت بذلك قيمتها. وقد اقتبست اللغات الأوربية لفظة العوار للدلالة على الخسائر التي قد تلحق السفينة أو البضائع المشحونة عليها. والخسائر البحرية نوعان: خسائر بحرية خاصة وخسائر بحرية مشتركة. 1- الخسائر الخاصة: هي الخسائر التي يتحملها من تصيبه، ومثل هذه الخسائر الأضرار التي قد تلحق بالبضائع المشحونة بسبب عيب خاص فيها، أو قد تلحق بالسفينة بسبب خطأ الربان. 2- الخسائر المشتركة avaries communes: فهي كل ما ينتج من أضرار وهلاك أشياء ونفقات أقدم عليها الربان قصداً للمنفعة المشتركة ومجابهة لخطر تعرضت له الرحلة البحرية. وهذه الخسائر مشتركة بين مجهز السفينة والشاحنين يسهمون جميعاً في تحملها وتوزع أعبائها لما فيه من فائدة عامة عليهم.
المزيد »