logo

logo

logo

logo

logo

التقانات الحيوية

تقانات حيويه

Biotechnologies - Biotechnologies

التقانات الحيوية

 

يقصد بالتقانات الحيوية biotechnologie مجموع التطبيقات العلمية الحديثة التي تعتمد على استخدام المتعضيات الحية الدقيقة microorganismes والخلايا الحيوانية والنباتية ومنتجاتها، مثال الأنزيمات والهرمونات وغيرها، للاستفادة منها في تركيب منتجات جديدة أو تحسين الإنتاج. وجاء في معجم مصطلحات العلم والتكنولوجية التعريف الآتي: التقانات الحيوية تعني تطبيق المبادئ الهندسية والتقنية على علوم الحياة.

لمحة تاريخية

يتفق الباحثون أن أصل التطبيقات البسيطة في نطاق التقانات الحيوية يعود إلى الطرق التقليدية في تحضير الأغذية وحفظها وصناعة المشروبات المخمرة والألبان والأجبان. وتعد أبحاث لويس باستور (1822-1895) Louis Pasteur هي التي مهدت لنشوء علم الأحياء الدقيقة microbiologie، الذي تطور نحو إجراء تطبيقات صناعية واسعة في مجال التقانات الحيوية الحديثة في العقود القريبة الماضية. وساعدت الأبحاث البيولوجية الأساسية، التي تقدمت بخطوات واسعة بدءاً من منتصف القرن العشرين في دعم التطبيقات والصناعات الحيوية، نتيجة لفهم علمي أعمق لآليات الأفعال الاستقلابية في الخلايا الحية وحتى التحكم في وظائفها. ويلاحظ اليوم أن استخدام طرائق البيولوجيا الجزيئية والهندسة الوراثية يسهم في إعطاء التقانات الحيوية خصائص التقانات المستقبلية القادرة على تبديل حياة الإنسان كما فعلت ثورة الاتصالات والمعلوماتية في أواخر القرن العشرين. ويُعد إنجاز خارطة الجينيوم البشري عام 2001 أحد النتائج الباهرة للتقانات الحيوية.

وقد لا يُلحظ ذكر تعبير التقانات الحيوية في كثير من المعاجم والقواميس التي صدرت حتى التسعينات من القرن الماضي، مع أن أبحاث هذه التقانات الحيوية وتطبيقاتها قد تطورت تطوراً كبيراً جداً في الدول المتقدمة صناعياً على الخصوص حتى وصلت أرقام أعمالها إلى مئات المليارات من الدولارات في السنة الواحدة.

وقد شملت تطبيقاتها مجالات أساسية مختلفة في حياة الإنسان، منها إنتاج المصول واللقاحات والأدوية، ومنها تطوير الإنتاج الحيواني والنباتي الزراعي وتحسينه، ومنها ما دخل حقل الصناعات الحيوية والبتروكيمياوية وغيرها. ويسهم هذا التطور العلمي الكبير في معالجة الكثير من المسائل التي تعاني منها البشرية، مثال سوء التغذية في الدول النامية ومعالجة الأمراض وتأمين الطاقة المتجددة وحل مشكلات التلوث البيئي وغير ذلك.

تطور أبحاث التقانات الحيوية وتطبيقاتها

يُعد توضيح الشيفرة الوراثية للكائنات الحية (ومنها الإنسان) من أهم منجزات العلوم الحيوية في السنوات الأخيرة. ويقصد بذلك فهم العلاقة المتلازمة بين تسلسل النوكليوتيدات في دنا DNA الجينات وتسلسل الحموض الأمينية في البروتينات النوعية في الخلايا. وهذا ما سمح بالكشف عن آليات ترجمة هذه الشيفرة الوراثية والتعبير عنها في المستوى الجزيئي. وهكذا بدأ عصر الوراثة الجزيئية التي أخذت أبعاداً جديدة بفضل استخدام أنزيمات الحصر أو القطع enzymes de restriction التي تتميز بقدرتها على قص سلاسل الدنا في مواقع محددة نوعية.

وقد مهدت هذه الأبحاث لنشوء فرع حيوي جديد هو الهندسة الوراثية التي تمكِّن من إدخال أي قطعة أو شُدفة fragment من الدنا في خلية معينة بوساطة حامل مناسب قادر على نقلها: مثال الفيروسات والبلاسميدات، كما تمكِّن من عزل أي جينة أو مورثة وتحديد ترتيب تسلسل النوكليوتيدات فيها ثم دمجها مع مورثات أخرى وفقاً لتقانة دقيقة مناسبة. وهكذا يمكن الحصول على جراثيم أو خلايا جديدة، سميت المحوّرة وراثياً transgéniques، تستطيع القيام بوظيفة محددة مسبقة البرمجة أو تصميم مصنع بيولوجي عالي التخصص لتركيب مادة مفيدة وإنتاجها بكميات كبيرة. وتجدر الإشارة إلى أن أولى المواد التي أنتجت من أحياء دقيقة أُعدَّت برمجتها بهذه الطريقة، وتستخدم في معالجة عدد من الأمراض هي الأنسولين وهرمون النمو STH والأنترفيرون.

ومن الفروع البيولوجية الأساسية التي تبنى عليها التقانات الحيوية، هناك مضمار الزراعات الخلوية والنسيجية النباتية والحيوانية. وقد تقدمت هذه الزراعات لدرجة كبيرة، وصار بالإمكان استخراج نواة الخلية الأصلية، بالجراحة الخلوية المجهرية واستبدالها بنواة خلية أخرى، ثم زراعة الخلية الجديدة في شروط مناسبة. وهكذا حصل العلماء على خلايا، أو حتى على كائنات مكتملة تحمل الصفات الوراثية للكائنات التي أخذت منها النواة المزروعة. وبهذه الطريقة نجح الباحثون في استنساخ النعجة الشهيرة دولّي عام 1997، وتجري اليوم التجارب والأبحاث لاستنساخ ثدييات أخرى بمواصفات محددة مختارة ووصل الأمر إلى محاولات استنساخ الإنسان.

وقبل ذلك تمكَّن العلماء من زراعة البيوض الملقحة «في الزجاج» (في المختبر)in vitro ونقلها إلى الرحم التي أُعِدَّت لاستقبال الجنين وتعشيشه، وهي طريقة من التقانات الحيوية التي تؤدي إلى معالجة آلاف الحالات من العقم الناجم عن انسداد البوقين والنفيرين عند إناث الثدييات والمرأة التي تعرف عندها بطريقة أطفال الأنابيب.

وتجري اليوم البحوث التي تُمكِّن من إدماج بعض الخلايا الورمية مع لمفاويات منتِجة للأضداد، مما يؤدي إلى خلق ورم هجين (هجينوم hybridome) يتصف بالخلود وقادر على إنتاج أضداد نوعية بالغة الأهمية للتشخيص الطبي أو لمعالجة أمراض مستعصية عند الإنسان.

وتجدر الإشارة إلى أن استخدام الإمكانات اللامحدودة لتطبيقات علوم الأحياء مازال في بدايته، إذ إن التنوع الكبير في الأحياء الدقيقة والكائنات الحيوانية والنباتية مدّخر لا ينضب من المنابع القابلة لاستغلالها والإفادة منها في التقانات الحيوية وتطبيقاتها.

المجالات الرئيسية لتطبيقات التقانات الحيوية:

يُميَّز عموماً ثلاثة أجيال من تطبيقات التقانات الحيوية وهي:

أ ـ الجيل الأول الذي يشمل المشروبات المخمرة والصناعات الغذائية التقليدية.

ب ـ الجيل الثاني الذي بدأ في نهاية الأربعينات من القرن العشرين مع إنتاج الصادات (المضادات الحيوية) antibiotiques، وتطور بعد ذلك بسرعة ليشمل قطاعات مختلفة من الصناعات الدوائية والإنتاج الزراعي والمنتجات الكيميائية الحيوية ومصادر الطاقة الحيوية.

ج- الجيل الثالث الذي يعتمد على النتائج الحديثة لأبحاث الهندسة الوراثية والبيولوجيا الخلوية وتطبيقاتها التي تفرعت مع فجر القرن الواحد والعشرين لتشمل قطاعات حيوية تؤثر في حياة البشر في العالم كله، ويمكن إجمالها في المجالات الآتية:

التقانات الحيوية في مجال إنتاج الأدوية والرعاية الصحية:

يعد إنتاج الصادات المصنوعة بطرق التقانات الحيوية المصدر الرئيسي في توفير هذه الأدوية المهمة التي لا غنى عنها في معالجة الكثير من الأمراض التي كانت تفتك بالآلاف من المواطنين. منها على سبيل المثال لا الحصر الصادات الحيوية من زمرة البنسلين والسيفالوسبورين والتتراسكلين وغيرها.

وتسير البحوث العلمية بخطى متسارعة لتطوير الجهاز الوراثي للأصول المنتجة للصادات الحيوية بهدف زيادة إنتاجها والحصول على أنواع جديدة من الصادات الحيوية النوعية. ولقد مكنت تطبيقات الهندسة الوراثية في هذا المجال من إنتاج العديد من الأدوية والعقاقير مثال الهرمونات الضرورية للمعالجات النوعية للمرضى الذين يحتاجون إليها كالأنسولين وهرمون النمو والهرمونات الستيروئيدية وغيرها.

ولقد أمكن التخلص من الصعوبات التي كانت تعترض إنتاج هذه الأدوية بالاعتماد على مصادرها من أعضاء الحيوانات وما كان يتطلب ذلك من تعقيدات لا حصر لها للقيام بجمع الأعضاء وحفظها في شروط صحية لاستخلاص الهرمونات المطلوبة بطرق بالغة التعقيد. وكانت النتيجة المهمة لتطبيقات الهندسة الوراثية هذه للمواطنين هي انخفاض أسعار هذه الأدوية نسبياً إذ يمكن إنتاجها بكميات صناعية تغطي الطلب المتزايد عليها.

وهكذا صار بالإمكان بفضل هذه التقانات الحيوية وتطبيقاتها أن توضع استراتيجية صحية وقائية ضد الكثير من الأمراض اعتماداً على مبدأ التشخيص الصحيح والمعالجة المناسبة المتاحة والتلقيح الوقائي. وتنتج اليوم مصانع الأدوية اللقاحات النوعية اللازمة لمئات ملايين الأطفال في العالم، وكذلك اللقاحات البيطرية لحصانة قطعان الماشية والدواجن في نطاق الإنتاج الحيواني وغير ذلك من العقاقير واللقاحات والأدوية.

أما الكواشف النوعية الحيوية عالية الحساسية فقد صارت تعتمد على الأضداد وحيدة النسيلة monoclonal والمزاوجة بالأنزيمات أي الكواشف النوعية الأنزيمية الحساسة جداً.

التقانات الحيوية في مجال الإنتاج الزراعي النباتي والحيواني

أدى تطبيق منجزات التقانات الحيوية إلى تطور كبير في مجال الإنتاج الزراعي وتحسينه، بشقيه النباتي والحيواني لتوفير الغذاء اللازم للمواطنين. ومع ارتفاع معدل النمو السكاني في الوطن العربي الذي يقرب من 3% في السنة (وهو من أعلى معدلات الزيادة السكانية في العالم)، لا يمكن وضع استراتيجة للأمن الغذائي من دون التوسع في تطبيق منجزات التقانات الحيوية والهندسة الوراثية. من هذه المنجزات استخدام الزراعات الخلوية والنسيجية بغية الوصول إلى تحسين وراثي في النباتات الضرورية لغذاء المواطنين وزيادة مردود المحاصيل لدرجة كبيرة. تسمح هذه الطرائق بالحصول على نبات كامل عالي الجودة، بجذوره وساقه وأوراقه وأزهاره وثماره، من خلية واحدة تجري برمجتها على النحو المناسب المطلوب. وبالتحكم بشروط الزراعة الحديثة في الحقل يمكن توفير الجهد والوقت وتأمين إنتاج كميات كبيرة من المحصول بجودة عالية، وذلك بالمقارنة مع الطرائق التقليدية في التهجين أو التطعيم أو العمل الزراعي بوجه عام.

غيرت هذه التقانات الحديثة، جذرياً، طرائق العمل والإنتاج في المشاتل والمزارع والحقول، فأصبح بالإمكان الحصول على أنواع محسنة من الثمار والأزهار في أي وقت من فصول السنة وبكميات مضاعفة مئات المرات. على سبيل المثال لا الحصر، في زراعة توت العليق (التوت الشوكي) أو توت الأرض (الفريز) كانت النبتة لا تعطي بالطرق التقليدية سوى 50 شتلة في السنة، في حين يمكن الحصول اليوم على ما يزيد على 50ألف شتلة بالزراعة في المختبر أو «في الزجاج». ولقد وجد أن هذه النسبة ترتفع أكثر في إنتاج أنواع الورد والقرنفل والثمار اللوزية وغير ذلك.

أما المحاصيل فقد مكنت التقانات الحيوية من إنتاج أنواع محسنة من القمح والذرة بكميات كبيرة جداً في الحقول. وكذلك يمكن اليوم الحصول على نباتات مقاومة للآفات الزراعية أو نباتات مقاومة للجفاف ولملوحة التربة وغيرها، ثم القيام بزراعة هذه الأنواع في آلاف الهكتارات من الأراضي الجافة أو القاحلة التي تمتد على مساحات واسعة من الوطن العربي والعالم.

وفي مجال مقاومة الآفات الزراعية وحماية الإنتاج النباتي مكنت التقانات الحيوية من إيجاد معالجات مضادة للجراثيم والطفيليات وهي غير سامة للنباتات وغير ملوثة للبيئة وتستعمل فيها مواد قابلة للتحلل بسهولة.

وبتطبيق طرائق المكافحة الحيوية أمكن الاستغناء عن المبيدات الكيمياوية التي ثبت خطرها على الإنسان والبيئة. وكمثال على استخدام الأعداء الحيويين في المكافحة يستفاد من العصية المسماة باللاتينية Bacillus thuringensis لمكافحة اليرقات التي كانت تفتك بالأشجار المثمرة وأشجار الغابات.

وتجدر الإشارة هنا إلى بعض النتائج المهمة في هذا المجال منها مثلاً إغناء النباتات المزروعة بالبروتينات، مقاومة النباتات للمبيدات الحشرية ومبيدات الأعشاب، مقاومة النباتات للملوحة العالية في التربة الجافة والمكافحة الحيوية لآفات مختلفة مما يؤدي إلى السلامة الحيوية biosafety.

أما في مجال الإنتاج الحيواني فإن تطبيقات طرائق التقانات الحيوية تُمكّن من حماية وتحسين هذا الإنتاج الذي يشكل مع الإنتاج النباتي الزراعي، حجر الأساس في دعم الأمن الغذائي. إن التربية الحديثة للحيوانات الداجنة أو المستأنسة هي التي تُمكّن من توفير الكميات اللازمة لغذاء المواطنين من اللحوم والألبان ومشتقاتها والبيض وغيرها.

إن التقانات الحيوية هي التي تُمكن من الحصول على اللقاحات الضرورية لحماية الدواجن أو قطعان الماشية من جهة وعلى زيادة الولادات بتطبيق طرائق نقل الأجنة المحسنة بالهندسة الوراثية واستنساخها والإلقاح الاصطناعي من جهة أخرى. وهكذا يمكن اليوم بعد الحصول على الأصناف المحسنة المختارة تفريق خلايا الجنين الذي وصل إلى مرحلة التويتة morula أو الأصيلة blastula وغرسها في أرحام الأبقار أو الأغنام التي أُعدت لاستقبال وتعشيش البيوض الملقحة. إن تطبيق هذه التقانات الحيوية الحديثة يُمكِّن من تربية قطعان محسنة لإنتاج الألبان أو اللحوم بكميات تصل إلى الأضعاف المضاعفة من الكميات التي تعطيها الطرق التقليدية.

التقانات الحيوية في مجال الصناعات الغذائية للإنسان وإنتاج الأعلاف للحيوانات

تعمل التقانات الحيوية على تحسين نوعية هذه الصناعات وزيادة كمياتها وتجنب الحوادث أو المساوئ التي ترافق التصنيع بالطرق التقليدية. مثلاً في صناعة التخمير لقد مكنت من الحصول على سلالات معدلة منتقاة من خميرة Saccharomyces servisiae ذات مردود كبير جداً. وقد ساعدت هذه التقانات في الاستفادة من بقايا الصناعات التقليدية ومخلفاتها. فمثلاً يمكن الاستفادة من مصل اللبن الناتج عن صناعة الأجبان للحصول على بروتينات لتغذية الحيوانات أو الحصول على مزيج من غلوكوز وغالاكتوز مناسب لصناعة المربيات..الخ.

وقد صار إنتاج البروتينات بكميات صناعية من مزارع للكائنات الدقيقة المنتقاة، أمراً مألوفاً في دول مختلفة شرقية وغربية.

ويمكن الاستفادة من الفائض في المحاصيل الزراعية وتحويله إلى الصناعات الغذائية بتطبيق تقانات حيوية ناجعة. فمثلاً يمكن الحصول على النشاء من فائض القمح أو الشعير أو الذرة أو البطاطا وإنتاج مجموعات متعددة من المواد كالسوربيتول والفريكتوز وحمض الغلوكون ومشتقاتها. ويتم الآن في الدول المتقدمة تحويل مئات الأطنان من النشاء والحصول على مزيج غلوكوز ـ فركتوز أو ما يسمى نظير الغلوكوز isoglucose المستخدم في صناعة المربيات والمشروبات غير الكحولية. وكذلك استطاعت اليابان بتطبيق هذه التقانات الحيوية إنتاج الحموض الأمينية بكميات صناعية بفضل التخمرات أو التحولات الأنزيمية.

وهناك صناعات كثيرة تستفيد من فائض الإنتاج الزراعي حتى من المخلفات التي كانت ترمى وأرقام أعمالها تصل إلى مليارات الدولارات في السنة، منها على سبيل المثال صناعة إنتاج السكاكر المتعددة كالدكستران dextrane والكسانتان xanthane، ومنها إنتاج المواد البلاستيكية القابلة للتحلل حيوياً biodegradable لحماية البيئة من التلوث، ومنها منتجات اشتقت من الصناعات البتروكيمياوية.

وهناك عدد من المنتجات المفيدة التي يمكن الحصول عليها مثلاً من دم الأغنام والأبقار، الذي يرمى في المسالخ، لا يمكن حصرها وكذلك الأمر في المشايم (جمع مشيمة) التي ترمى في مشافي التوليد وفي مزارع الأغنام والأبقار.

التقانات الحيوية في مجال الأنزيمات والصناعات الكيمياوية

تعد الأنزيمات إحدى الفروع الرئيسة في مضمار التقانات الحيوية، وتشكل مجالاً واسعاً من العوامل الوسيطة (عوامل التماس) التي يستفاد منها في قطاعات صناعية مختلفة منها على سبيل المثال الصناعات الدوائية والصناعات الغذائية وصناعة المنظفات والصناعات النسيجية والجلدية وصناعة الورق وغيرها.

تملك الأنزيمات حساسية عالية وتتميز بنوعية فائقة الدقة لتسهيل التفاعلات والتحولات الكيمياوية، وتكفي مراعاة شروط نشاطها المناسبة (من درجة الحرارة ودرجة pH والرطوبة ووجود التميم co-enzyme الموافق وغير ذلك) حتى تعمل في أفضل مردود. وتستخدم الأنزيمات خاصة على نحو واسع في مجال الصناعات التي تحتاج إلى تفاعلات الحلمهة hydrolyse لسهولتها ورخص تكاليفها.

وأما الأنزيمات المستخلصة منَ الخلايا أو العضيات المجهرية الحية فإنها مساعدات ذات تأثير كبير جداً في الصناعات الكيمياوية العضوية من المادة الأولية المتجددة وهي الكتلة الحية biomasse، إذ يرجع أصلها إلى الطاقة الشمسية التي لا تنضب بفعل التركيب الضوئي واستقلاب الآزوت بالأساس. ومن المواد المستعملة في هذه الصناعات السللوز، والخشب، والقش والفضلات النباتية والحيوانية وغيرها، التي يمكن الاستفادة منها عوضاً أن تكون مصدر تلوث للبيئة.

التقانات الحيوية في مجال الصناعات الحيوية وإنتاج الطاقة وسلامة البيئة

تقدم التقانات الحيوية وتطبيقاتها عناصر رئيسة لحل مشاكل اقتصادية واجتماعية مرتبطة بحماية البيئة وإيجاد البديل لمصادر الطاقة المحدودة من نفط وغاز وفحم والتي يخشى نضوبها في مستقبل ليس بالبعيد.

إن ما سمي بالصدمة النفطية choc petrolier التي هزت العالم بعد حرب تشرين (أكتوبر) 1973، كانت قد دفعت الدول الصناعية إلى إجراء البحوث للتفتيش عن وقود بديل وعن مصادر جديدة للطاقة من النبع المتجدد، الكتلة الحية المنبثقة عن التنوع الحيوي. وتستخدم بعض الصناعات الكحول الإيتيلي بدلاً من النفط. وهناك تقانة التخمر الميتاني التي تستخدم فيها البكتيريا مولدة الميتان methanogène اللاهوائية. والميتان أيضاً منتج ثانوي من عمليات تنقية مياه المجاري. وباستخدام هذه التقانات الحيوية تُجنى منفعة مزدوجة، من جهة لمنع تلوث البيئة، ومن جهة أخرى للحصول على مصدر للمحروقات رخيص الثمن نسبياً ومتجدد.

ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى أن مكافحة تلوث البيئة تستخدم فيها طرائق متعددة من التقانات الحيوية، منها مثلاً الاستفادة من مجموعة من المصادر الجرثومية التي يمكنها أن تمتص أو تستقلب المواد النفطية الملوثة للمياه. وهناك مجموعات جرثومية تفيد في تخليص البيئة من بعض المركبات السامة الكبريتية أو الفينولية أو من المبيدات.

وتستخدم بعض الجراثيم أيضاً في معالجة المكامن المنجمية والفلزات واستخلاص المعادن بطريقة الغسيل والترشيح الحيوي biolixiviation، مثال الفلزات الكبريتية للنيكل والكوبالت والتوتياء والفاناديوم. وتستخدم هذه الطريقة الحيوية خصوصاً في معالجة فلزات النحاس واليورانيوم.

وقد استفاد الباحثون في هذا المجال من اكتشاف خاصية الالتصاق الكهربائي الساكن electrostatique لبعض المواد الراتنجية. وقد استخدمت منها كريات صغيرة لا يزيد قطرها على 100 ميكرون، معلقة في الوسط المغذي للزراعات، وأمكن الاستغناء عن آلاف العلب الزجاجية التي كانت تستخدم سابقاً. كما أمكن التحكم بكل سهولة في عمليات التعقيم الضرورية في عملية إنتاج اللقاحات والمصول.

وقد تحسن إنتاج المصول العلاجية serums therapeutiques لدرجة كبيرة، فالمهم هنا هو الأضداد anticorps الموجودة في البلاسما. وبتطبيق تقانة الاستخلاص أو الفصل البلاسمي plasmapherèse يمكن الاستفادة لعزل الأضداد المطلوبة للمعالجة وإعادة الكريات الدموية إلى دم العاطي.

التقانات الحيوية والتكامل العربي والدولي

أدى التطور الكبير الذي طرأ على التقانات الحيوية وتطبيقاتها في السنوات الأخيرة والمنافسة الشديدة التي يشهدها العالم، وخاصة في الدول المتقدمة صناعياً، لتأهيل الباحثين في مجال التقانات الحيوية الحديثة وارتفاع ثمن التجهيزات والمواد التي تتطلبها البحوث والصناعات المنبثقة عنها وتكاليف الإنتاج إلى الدعوة للاستفادة من جميع الطاقات المتوافرة في الوطن العربي في هذا المجال. ومنذ عام 1988 عمل الباحثون العرب على إيجاد صيغة عملية للتعاون والتنسيق بين مراكز بحوث الهندسة الوراثية والتقانات الحيوية في الدول العربية المختلفة.

ولهذا عقد المؤتمر العربي الأول لآفاق استخدام التقانات الحيوية الحديثة وتطبيقاتها في الوطن العربي في عمَّان بالأردن في عام 1989 والمؤتمر العربي الثاني أيضاً في عام 1993 والمؤتمر العربي الثالث في القاهرة في عام 1998. واتخذت في هذه المؤتمرات توصيات كثيرة لتفعيل التعاون العربي في مجال تطبيقات التقانات الحيوية، وفي دمشق عقد مؤتمر التقانات الحيوية في أسبوع العلم الحادي والأربعين في أواخر عام 2001م. وصدر في القطر العربي السوري في عام 2002 المرسوم الذي نص على إحداث الهيئة العامة للتقانات الحيوية لتتولى التنسيق بين مراكز البحوث المختلفة في مجالات التقانات الحيوية ودعمها وتنشيطها. أما على مستوى التعاون الدولي فقد تقرر في الندوات والمؤتمرات المختلفة المتعلقة بالتقانات الحيوية، متابعة الأبحاث المتقدمة فيها والاستفادة من برامج المنظمات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة لتطبيق النتائج الإيجابية لهذه الأبحاث في ربوع الوطن العربي.

 

محمد أبو حرب

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ محمد أبو حرب، التقانات الحيوية والتنوع الحيوي (الدراسة الوطنية للتنوع الحيوي في سورية، وزارة البيئة 1998).

- A.SASSON, Les biotechnologies et la bioindusrtie (La Recherche No:88, Paris 1987).

- P.P.SAVIOTTI, Biotechnologie: L’aube d’ une revolution (Biofutur No:94 Paris 1999).

- R.SCRIBAN et AL, Biotechnologie 4 ème ed. (Paris 1993).


التصنيف : الزراعة و البيطرة
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 714
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1031
الكل : 58480399
اليوم : 52913

بيرغ (ألبان-)

بيرغ (ألبان ـ) (1885 ـ 1935)   ألبان بيرغ Alban Berg مؤلف موسيقي نمسوي، ولد وتوفي في فيينة. نشأ بيرغ في أسرة تحتل عندها الموسيقى مكانة رفيعة، واتجه باكراً نحو التأليف الموسيقي بتشجيع من والده وشقيقه الأكبر.التحق بوظيفة في دار بلدية فيينة عام 1904. تعّرف بيرغ أرنولد شونبرغ[ر] A.Schönberg، وتتلمذ على يديه حتى عام 1910، وبقي مخلصاً لأستاذه طيلة حياته. وبعد انتهاء دراسته الموسيقية مارس التدريس والتأليف الموسيقي. وقام برحلات فنية خارج بلاده لأداء مؤلفاته الموسيقية. تزوج عام 1911، وأدى الخدمة العسكرية في عام 1915حتى نهاية الحرب العالمية الأولى.
المزيد »