logo

logo

logo

logo

logo

الحلف عند العرب

حلف عند عرب

Al-Hilf - Al-Hilf

الحِلْف عند العرب

 

كانتِ العرب في جاهليّتها تتعاهد على التّناصُر في الحروب والفتن والغارات، وتتواثَق على التّناصفِ، وتتعاقَد على إعانة المظلوم، وإغاثة المُسْتَغِيث، وتُسمِّي ذلك كلَّه حِلفًا، فلمّا طَلَع الإسلام على النّاس أسقط ما كان من هذه الأحلاف على الحروب، وما جرى مَجْراها، وأمّا ما كان على نُصْرة الحقّ، ورفع الظُّلامة عمّنِ اظَّلَم، فقد وَثَّق آصِرته، ولم يزدْهُ إلاّ شدّة وقوّة.

وقد نهضت هذه الأحلاف بين القبائل مُتباينةَ الآماد والمحتوى، تباينًا كانت تُمليه مكانة القبائل التي عقدتْ عُراها، وشدّت أواصرها، من حيثُ القوّةُ والضّعف، أو من حيثُ الكثرةُ والقلّة، إذ كان يختلف تَبَعًا لذلك فَحْوى الأحلاف وأَمَدُهُا، فتارةً تكون مؤقّتة مُسْهَبة، وتارةً أخرى تكون دائمة مُطْنَبة، وحينًا يكون الحلف بين فُرَقاء أَكْفاءٍ أَنْداد صُرَحاء، متساوين متساندين، جَمَعهم حَدَثٌ، واضطّرهم إلى التّحالف إمّا لدَرْء غُرْمٍ، وإمّا لجَلْب غُنْم، وأحايين كان ينهض بين قويّ منيعٍ وبين مَهِيْض الجَناح قليل العدد والعُدّة، وحينئذٍ فإن الحليف الضّعيف يلتمس النُّصْرة عند القويّ، ويحتمل ضعفُهُ وقلّة عتاده كلَّ إملاءات القويّ.

وكان لكلّ حلف شَعِيْرة يختصّ بها من جملة شعائر عرفها العرب في جاهليّتهم، فممّا اشْتُهِر منها: جَزّ النّواصي، وقَلْم الأظفار، وغَمْس أيدي المتحالفين في الطِّيْب أوِ الدّمِ أوِ الخمر، أوِ الرّماد أوِ المِلْح، وقد يستعيضون عن ذلك كلِّه بالماء، كما كانوا يوقدون نارًا تُشْهِد النّاس على الحلف، وتدلّ عليه، وتَنُمّ على عاقِدي عُراه، وأكثر ما يكون إيقاد النّار وإِسْعارها في أحلاف الحروب والغارات، كالنّار التي أُوْقِدت يوم خَزازى ويوم الكُلاب الثّاني، بين اليمن وربيعة.

وللأحلاف ألفاظٌ مأنوسة، وعبارات مألوفة، تدور على ألسنة المتحالفين، من مثل: الدَّمَ الدّم واللَّدَم اللَّدَم (اللطم) والهَدَم الهدم، علاوةً على الأبَدِيّات التي كانت ترد في تضاعيف الأحلاف وثناياها مخبرة عن آمادها، من مثل: ما احْتَذَى رجلٌ حِذاء، وما راحَ سَرْحٌ وغدا، وما اختلف السّوادُ والبَياضُ، والسِّباخ والرِّياض، والجِرَّة والدِّرَّة، وما اختلف الأيّامُ واللَّيالي، وما جرى الفُراتُ على سُفْلاهُ، وما دعا صبيٌّ أباه، وما ناضَلَ في النّاس مُناضِل، وما بَلَّ البحرُ صُوْفَة، وما طلعت شمسٌ وما غَرَبَتْ، وما لَمَعَتْ نجومٌ وما أَفَلَتْ.

ومن أشهر الأحلاف التي عُرِفت في الجاهليّة: حلف الفُضول، وحلف المُطَيَّبِين، وحلف البَراجم، وحلف الحُمْس، وحلف الطُّلْس، وحلف الحِلّة، وحلف الرِّباب، وحلف المَحاش، وحلف ربيعة واليمن.

وهذه طائفة من الأحلاف السّالفة سِيْقتْ - على اختلاف مشارب باعِثيها - بُغية التّمثيل، وتِبْيان ما اشتملت عليه من معانٍ، وما سُطِّر فيها من ألفاظٍ وعبارات، وهي:

حلف المُطَيَّبِين

وفيه تحالفت كلّ طائفة من قبائل قريش على النُّصْرة لحزبهم، وذلك بعد تنازع قريش في الذي جعله قصيّ بن كِلاب لابنه عبد الدّار، من السِّقاية والرِّفادة واللِّواء والنَّدوة والحِجابة، إِذْ نازعهم فيه بنو عبد مَناف.

وسُمِّي حلف المُطَيَّبين لأنّ بني عبد مَناف، ومن آزرهم - حين نازعوا بني عمومتهم من بني عبد الدّار - أحضروا جَفْنة فيها طِيب فوضعوا أيديهم فيها وتحالفوا فلمّا قاموا مسحوا أيديهم بأركان البيت، وأخرجت بنو عبد الدار ومن كان معهم جفنة من دم فغمسوا أيديهم فيها وتحالفوا ألا يتخاذلوا فسمّوا الأحلاف أو لعقة الدم، وتهيأ الطرفان للقتال، ثم سارت مساعي الصلح سيراً حثيثاً فتوصلا إلى اتفاق تقاسما بموجبه الوظائف المتعلقة بخدمة الكعبة ورئاسة مكة.

حلف الفُضول

وفيه اجتمعت قريش في دار عبد الله بن جُدْعان، وتحالفوا على أن يكونوا يدًا واحدة حتّى يأخذوا للمظلوم حقّه ممّن ظلمه، وكان هذا الحلف أكرمَ حلفٍ في العرب وأشرفه، وفيه يقول الرسول r: «شهدت في دار عبد الله بن جُدْعان حِلْفًا ما أُحِبّ أنّ لي به حُمْر النَّعَم، ولو أُدعى به في الإسلام لأَجَبْت».

قيل في سبب حلف الفُضول أقوال، منها: أنّ رجلاً من بني زُبيد، من اليمن، قدم مكّة معتمرًا في الجاهليّة، ومعه بِضاعة له، فاشتراها رجل من بني سَهْم ثمّ لَوَى عنقه، فسأله الزُّبيديّ مالَه فأبى عليه، فسأله مَتاعه فأبى عليه، فجاء الزُّبيديّ إلى بني سهم يَسْتَعْدِيهم عليه، فأغلظوا عليه، فطوّف في قبائل قريش يستعين بهم فتخاذلت القبائل عنه، فلمّا رأى ذلك أشرف على أبي قُبَيْس حين أخذت قريش مجالسَها، ثمّ قال بأعلى صوته:

يا آل فِهْرٍ لمظلوم بِضاعتُهُ

ببطن مكّة نائي الدّار والنَّفَرِ

أقائمٌ مِنْ بني سَهْمٍ بذِمّتهم

أم ذاهبٌ في ضلالٍ مال مُعْتَمِرِ

فنصروا الزُّبيديّ على السَّهْميّ، وردّوا عليه ماله، وتحالفوا على ألا يدعوا بمكّة مظلوما يدعوهم إلى نُصرته إلاّ أنجدوه حتى يردوا إليه مَظلمته، وألا يتركوا لأحدٍ عند أحد فضلاً إلاّ أخذوه؛ وبذلك سُمِّي حلف الفضول.

حلف اليمن وربيعة

وفيه سعى الطّرفان إلى الحلف بينهم حَقْنًا للدّماء، وصَوْنًا للإخاء، وفيه: «باسمكَ اللّهمّ، هذا ما احتلف عليه اليمن وربيعة بن نِزار: احتلفوا على سواء السّواء، على النّصر والإخاء،... حِلْفًا يرويه الأخيار عنِ الأخيار،.... لا غِشَّ ولا خُذْلان، ولا تَواصُلَ دونهم لإِنْسان. العهد عليهم بذلك وَثِيْق». ومتن الحلف بتمامه في مخطوط شرح الدّامغة، وفيه فضل تفسير، وعظيم إيضاح.

مقبل التام عامر الأحمدي 

مراجع للاستزادة:

 

ـ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبيّ. (دار صادر ودار بيروت، بيروت،1960).

ـ ابن جرير الطبري، تاريخ الطبري، تحقيق محمد أبو الفضل (دار المعارف، مصر 1979).

ـ ابن الأثير، الكامل في التاريخ. (دار صادر، بيروت 1979).

ـ ابن كثير، البداية والنهاية، تحقيق أبو ملحم مع آخرين (دار الكتب العلميّة، بيروت 1978).


التصنيف : التاريخ
المجلد: المجلدالثامن
رقم الصفحة ضمن المجلد : 488
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1043
الكل : 58491707
اليوم : 64221

أبو بلال الخارجي (مرداس بن أدية-)

أبو بلال الخارجي (مِرْداس بن أُدَيّة ـ) (... ـ61هـ /... ـ680م)   أبو بلال الخارجي مرداس بن أدية أحد أئمة الخوارج (الشراة) وخطبائهم المشهورين، وأبوه حُدَيْر بن عامر الرَبَعي الحَنْظَلي من تميم، وقد نسب إلى أُديّة أمّه أو جدّته. كان أبو بلال من أنصار علي بن أبي طالب رضي الله عنه، شهد معه معركة صِفّين سنة 36هـ، فلما اتفق عليّ ومعاوية على التحكيم خرج الأشعث بن قيس بكتاب الصلح يقرؤه على الناس، فلمّا مرّ بطائفةٍ من بني تميم رفضوا التحكيم والصلح. وكان عُروة بن حدَير أخو أبي بلال مـن الأوائل الذين رفضوا التحكيم، وقال: «أتحكّمون في أمر الله عزّ وجلّ الرجال؟ لا حُكمَ إلا لله». وكان سيفه من أول السيوف التي سلّها رافضو التحكيم.
المزيد »