logo

logo

logo

logo

logo

التطورية

تطوريه

Evolutionism - Evolutionnisme

التطورية

 

التطور evolution مفهوم يشير إلى وصف التغيرات التي تطرأ على ظواهر العالم، سواء أكان ذلك داخلياً أم خارجياً، تؤدي إلى انتقالها من حال إلى حال، من الأدنى إلى الأعلى، ومن المتجانس إلى اللامتجانس، وهذا الانتقال يكشف عن الخصائص الأصلية للظواهر، والتطور بهذا المعنى قانون عام شامل ملازم للوجود يحكم حركة الأشياء التي هي في تبدل دائم ومستمر لا انقطاع فيه، وفهم الحركة الدائمة للطبيعة والأشياء يتم بمعرفة سير عملية نشوئها وتبدلها.

أما التطور مذهباً فهو قديم ترجع جذوره التاريخية إلى الفلسفة الطبيعية اليونانية، كما هي عند إمبادوقليس وأرسطو وكذلك الفلسفة العربية عند إخوان الصفا وابن خلدون.

ويعني التطور عند الفلاسفة القدامى «الانتقال النمطي الرتيب لدورة من التغيرات مرسومة الحدود مسبقاً»، ولكن، ومع ظهور التطورات العلمية الحديثة أخذ مفهوم التطور ينتشر انتشاراً واسعاً ويحظى باعتراف شامل في منتصف القرن التاسع عشر وصار يعني «ظهور اختلافات تتوارثها الأجيال، وتنتج صوراً جديدة في نوع قديم». وتحت تأثير اكتشافات داروين حول أصل الأنواع (قانون تنازع البقاء وقانون الانتخاب الطبيعي)، ونظرية لامارك في البيئة والوراثة، وارتباطاً بنجاحات علم البيولوجية والأحياء، وضعت أنظمة فلسفية شاملة دُعيت بالمذهب التطوري Evolutionism، يرى بأن جوهر العالم حياة متطورة ونامية باستمرار. وقد اهتمت التطورية بمضامين الحقائق العلمية ودلالاتها، وركزت أيضاً على علاقة الإنسان بالطبيعة وتطورها، وغائية التطور، ودور البيئة في التطور.

ركز معتنقو مذهب التطور على حقيقة الجوهر المتطور لبنى الكون والحركة المستمرة للأشياء، تحدد من خلال تغايرها وتنوعها، كل مرحلة من مراحل التطور الكوني، من الأدنى إلى الأعلى ومن البسيط إلى المعقد، فنظام الكون بمجمله يخضع لمبدأ التطور، وما يحدث لا يتم دفعة واحدة وإنما يسير على مراحل غير منفصلة يُفسَّر تطورها بجملة من التغيرات المتعاقبة على الظواهر وارتقائها بالتحول التدريجي في الزمان، دون حدوث أيّ تغيرات في الطبيعة.

إن فهماً كهذا يجعل من التطور مجرد «الزيادة والنقصان في قدر الظواهر المدروسة»، مكتفياً بالتراكمات الكمية كآلية تفسيرية لنشوء الظواهر وتبدلها، فالتطورات التي تقود لأنواع حية جديدة لا تنفصل «بهوة عميقة» عن الطبيعة اللاعضوية أو المادة الجامدة، كما أن القانون الذي يحكم حركة الأشياء بتأثير من قوانين الميكانيك، هو نفسه يسود عالم الأحياء وعلاقاته. هذا المنطق الذي يفسر الموجودات على أساس من القانون الطبيعي الذي يفعل بضرورة لا تحيد عنها، وبسلسلة من التغيرات المتعاقبة والتدريجية، يقود إلى حقيقة عدم افتراض أيّ قوة ما ورائية تقحم على الطبيعة لتفسير حركة أجزائها وتطورها، رافضاً في الوقت ذاته أيّ قصدية أو غائية ناجمة عن خطة متصورة مسبقاً وراء هذا التطور.

والتطورية في تناولها لموضوع الحياة ترى أن الأحياء بما فيها الإنسان من أصل واحد تكون بفعل من مواد الطبيعة، فنشوء الحياة يفسرها هربرت سبنسر H.Spencer مثلاً «بتفاعل المواد الكيميائية»، والكائنات تطورت بفعل التنازع الحاصل لوجود الاختلاف في قابلية الأحياء المتنوعة والأحوال الخارجية، فالتغاير بين الأنواع سواء كان بمحض المصادفة أو بتأثير البيئة الخارجية، يؤدي إلى تبدلات تمهد الطريق لظهور أنواع جديدة بالانتخاب الطبيعي، وبتقدم التطور يظهر الإنسان كسلسلة من التغايرات تولد عنها بفعل الوراثة، هذه الاختلافات التي تطال الوحدات الحية تتدرج بتعاقب الأحداث في تتابع خطي زماني يقود إلى تبدلات جذرية تؤدي إلى ظهور الأحياء المتنوعة وتنفي معها أيّ انقطاعات أوقفزات تحصل في تراتبية تطور العالم الحي، فمثلاً الوحدات الحية البسيطة (وحيدات الخلايا) وبفضل الاختلافات التي تنشأ في عضويتها، وبتأثير البيئة الخارجية تؤدي إلى تباينات وتحولات تتراكم تدريجياً، فتؤدي إلى وحدات حية جديدة (كثيرات الخلايا)، فالفروقات إذن كمية وليست نوعية، ولكن إذا كنا نعرف بالتجربة العيانية أن الطبيعة تقوم «بقفزات» تطورية لإبداع الضروب والأنواع الجديدة التي تبدو كأنها، للوهلة الأولى، مبتورة الصلة مع الأنواع الأدنى فإن تفسيراً كهذا لآلية التطور يبدو ناقصاً، مما دفع بعض التطوريين أمثال»صموئيل الكسندر» لتفسير التطور بسلسلة من القفزات الفجائية لايمكن التنبؤ بها، وهذا ما يُدعى بالتطور الفجائي، وهي نظرية مثالية في التطور، تهدف إلى تفسير التطور بالوثبات والقفزات والبزوغ الفجائي للجديد، تكون فيها عمليات التغير أفعال معقولة، غير ممكنة الفهم منطقياً، وتفضي هذه النظرية إلى إنكار القوى الطبيعية والتاريخية.

إن منطق العالم الحي يعكس حقيقة تطور الكائن الحي ـ كما يرى جاكوب على سبيل المثال ـ وفق جملة من الحقائق الأساسية:

أولاًـ تأكيد نفي أيّ قصدية أو تدخل مدبر من خارج العالم لتفسير التغيرات الحاصلة في الطبيعة الحية، بمستوياتها المتعددة تبعاً لضرورة تعبر عن قوانين احتمالية تفضي إلى التنوع والتغاير والجدّة والطفرة.

ثانياً ـ فرق من حيث الجوهر بين العالم العضوي والعالم اللاعضوي إلا بدرجة التعقيد ومستوى الوحدة في التنظيم والتكامل بين أجزائه، فالكائن بهذا المعنى هو «منظومة متكاملة» لاتحاد أجزائه البسيطة والمتشابهة بغية تكوين عنصر أرقى وأكثر تعقيداً.

ثالثاً ـ تعديل مفهوم الاندماج والتكامل لفهم الظاهرة الحية، وتفسير ما هو جديد، لأن كل «وحدة حية متكاملة» لها خصائص نوعية وموضوعات جديدة تبدو مجهولة لما دونها وتتطلب قانوناً جديداً لا يتجاوز مطلقاً ما هو أدنى منها.

هذه الحقائق تدخل في صميم الموقف التطوري الجديد في نظرته لتطور الأحياء، الذي يتعلق «بمعرفة آلية البنى الداخلية للمتعضي (مع توسطات خارجية)، إذ يؤدي ظهور مورثات جديدة (بالطفرة) وظهور تشكيلات جديدة (بإعادة التركيب) إلى ولادة أشكال جديدة يستخرج منها الاصطفاء الطبيعي أنواعاً جديدة».

ومن أهم أعلام المدرسة التطورية هربرت سبنسر[ر] (1820-1903)، الذي حمل لواء المذهب التطوري في العلم والفلسفة ووسع فكرة التطور لتشمل كل الأشياء والظواهر، فالتطور بأشكاله المتعددة الفيزيائي والحيوي والاجتماعي والنفسي والأخلاقي، خاضع لقانون كلي عام وهو قانون التطور، يتحدد وفقاً له تمايز الكائنات، ولكن فهمه للتطور والنمو كان آلياً متأثراً بالفكر التطوري عند داروين. فالتطور عند سبنسر هو «تجمع لأجزاء المادة يصاحبه تشتيت للقوة والحركة، تنتقل المادة في أثناء ذلك من حالة التجانس اللامحدود إلى حالة اللاتجانس المحدود المتسق» فهو انتقال الكائن وترقيه من المتجانس إلى المتنوع وتكامله على هذا النحو، أي تحوله من حال إلى حال وهو قانون الطبيعة. ويرافق التطور هنا معنى سلبي، هو «الانحلال» Dissolution أي افتراق العناصر المؤتلفة أو الانتقال من المتنوع إلى المتجانس.

ويفسر سبنسر في كتابه «مبادئ علم النفس» الوجدان وفقاً للغريزة التي تتعين وتتطور بالوراثة، فاستعدادات الإنسان العقلية حتى الخلقية ما هي إلا نمو للغريزة وازدهارها، باعتبارها مظهر القوة الحيوية دون تمييز، واضح طبعاً بين ما هو بيولوجي وماهو خلقي ـ اجتماعي، فتطور الفكر يرجع إلى ارتقاء الجهاز العصبي والموائمة بين الكائن الحي وبيئته، لأن التطور واقع تنحو به الكائنات طبيعياً إلى الأفضل، والحضارة الإنسانية، شأن نمو الكائن الحي، «وجه من وجوه الطبيعة» المتطورة، وهذا يفسر لنا اعتماده «النظرية العضوية في المجتمع» التي تشبّه المجتمع البشري بالكائن العضوي البيولوجي الذي يخضع لقوانين طبيعية في ارتقائه.

أما شبلي شميل (1850-1917)، أهم داعية للنظرة التطورية في المشرق العربي، فقد قال «بنظرية التولد الذاتي للحياة من المادة بقوة فيها»، النظرية التي أسهمت في بناء تطورية العالم العضوي.

ويرى شميل أن القوانين التي تحدِّد سير تطور المجتمع هي نفس القوانين التي تتطور الطبيعة بموجبها: «قانون توازي القوى الذي يظهر في الصراع من أجل البقاء»، وقانون «اتحاد وتجمع القوى الذي يحدده التطور ومبدأ التوحيد الطبيعي في المواد والقوى» الذي يُستبعد بموجبه أي قوى مدبرة غير طبيعية خالقة للكون.

والإنسان بوعيه قادر وحده على السيطرة على عملية التطور «فالاجتماع عاقل والطبيعة عمياء» وذلك بتغيير ظروفه والاستعاضة عن الصراع من أجل البقاء بالتعاون وتقسيم العمل وبلوغ الكمال الذاتي، مما يؤدي إلى خطوات تطويرية إصلاحية تغييرية يعتبرها شميل أفضل طريقة لحياة المجتمع.

أما لودفينغ بوخنر (1824-1899)، الفيلسوف والطبيب الألماني، فقد زاوج بين المادية والداروينية. ففي كتابه «القوة والمادة» يوضح أن نشوء أنواع جديدة يتم بالتدريج طبيعياً، وهذا مرده للتغييرات المختلفة للطبيعة وللتغيير التدريجي للجراثيم من جهة أخرى. أما وقد تأثر بداروين، فقد عزا نشوء الحياة العضوية من أبسط الصور الحية إلى فعل «التوالد الذاتي«، فتكونت الأحياء الأكثر تعقيداً (الأحياء كثيرة  الخلايا) انتهاءً بالإنسان.

الكمال والنمو نحو الكمال في العملية الارتقائية يصاحب الفرد غالباً لا دائماً، فالتطور الارتقائي «غالب لا مطرد»، ويعني به أن الأفراد يتطورون، ولكن هناك حالات من التقهقر، وهذا التطور أو الارتقاء مرتبط بالوسط الخارجي والكائن الحي نفسه.

 

سوسان الياس

 

الموضوعات ذات الصلة:

 

الداروينية ـ سبنسر ـ الماركسية.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ فرانسوا جاكوب، منطق العالم الحي، ترجمة علي حرب (بيروت).

ـ شبلي شميل، فلسفة النشوء والارتقاء.


التصنيف : الفلسفة و علم الاجتماع و العقائد
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 574
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1048
الكل : 58481351
اليوم : 53865

اللقطة

اللُقَطة   تعريفها هي بضم اللام وفتح القاف، وهي في اللغة: الشيء المأخوذ من الأرض، وشرعاً: هي المال الضائع من صاحبه يلتقطه غيره، أو هي مال يوجد ولا يعرف مالكه، وليس بمباح كمال الحربي. أما اللقيط: فهو الطفل المجهول النسب المطروح على الأرض عادةً؛ خوفاً من مسؤولية إعالته، أو فراراً من تهمة الريبة، فلا يعرف أبوه ولا أمه.
المزيد »