logo

logo

logo

logo

logo

بليك (وليم-)

بليك (وليم)

Blake (William-) - Blake (William-)

بليك (وليم ـ)

(1757 ـ 1827)

 

وليم بليك William Blake شاعر ومصور إنكليزي ولد في مدينة لندن وتوفي فيها. أشرفت أمه على تعليمه حتى العاشرة من عمره، ثم أرسل لمدة سنتين إلى مدرسة لتعلم فن الرسم والتصوير. دخل الأكاديمية الملكية عام 1779 إلا أن جوها لم يرق له فتركها، وتعلم بجهوده الخاصة لغات عديدة مثل اللاتينية واليونانية والعبرية والفرنسية. عمل أيضاً في النقش على الخشب والنحاس، وعاش من هذه الحرفة طوال حياته. تزوج عام 1785 كاثرين باوتشر Catherine Boucher التي علمها القراءة والكتابة وفن الطباعة، وكانت مساعدته الأولى في كل ما أنجز. قام في مرحلة متأخرة من حياته بتصميم صور ونقوش تزيينية لكتاب «سفر أيوب» Book of Iob ولوحات مائية لكتاب دانتي[ر] «الملهاة الإلهية» Divine Comedy.

كان بليك رجلاً شديد الحساسية عنيداً صعب المراس. وكان غريب الأطوار إلى حد الجنون أحياناً، فكان يدّعي الحدس وأنه يرى بعينيه ما يجول في ذهنه ويزعم أنه يرى ملائكة وشخصيات تاريخية تظهر له وتحدثه. نظم الشعر الغنائي مبكراً، وكان ينقش شعره على صفائح نحاسية ويزين هوامشها بالصور، بطريقة جديدة ابتكرها وأطلق عليها اسم الطباعة المضاءة Illuminated Printing، وكثيراً ما كانت القصيدة والصورة تؤلفان كلاً منسجماً، إلا أنه كان بفنه سابقاً عصره فلم يحظ بالاهتمام المرجو. لقد سبق بليك وردزورث[ر] في إبداعه ونظرته إلى الطفولة وبراءتها في ديوانه «أغنيات البراءة» (1789) Songs of Innocence.

 وعبّر في «أغنيات الخبرة» (1794) Songs of Experience عن خيبة الأمل التي أصابت الكثيرين لإخفاق الثورة الفرنسية. إلا أن هذه الأعمال ظلت مغمورة ولم تحرز نجاح «القصائد الغنائية» Lyrical Ballads التي نشرها وردزورث وكولريدج[ر] عام 1798 وآذنت بانطلاق الحركة الإبداعية (الرومنسية) [ر] في الأدب الإنكليزي[ر] ، ويعود ذلك لتفرد بليك وغرابة أطواره، وأيضاً لصفة التنبؤ المتشائم بما سيؤول إليه حال الإنسان في عالم متطور استطاع بليك أن يرى أوجهه السلبية. هذا كله لم يرق لمعاصريه، ولم تحظ عبقرية بليك وفكره بالتقدير إلا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بفضل شعراء آخرين أمثال ييتس[ر] وإليوت[ر].

كان بليك الثائر المتمرد الرافض لعقلانية عصره وماديته، كما كان وأقرانه من التحرريين يعولون الكثير على الثورة ضد الأنظمة المستبدة السائدة التي قامت في أمريكة ثم في فرنسة، وقد كتب عن ذلك حكايات رمزية في كتبه «أمريكة: نبوءة» (1793) America: A Prophecy و«كتاب أوريزن» (1794) The Book of Urizen، وفي «كتاب لوس» The Book of Los و«أغنية لوس» (1795) The Song of Los. وتتجسد السلطة المستبدة لدى بليك في شخص أوريزن وهو الأب والكنيسة والدولة والمجتمع الصناعي برمته. وتجعل هذه السلطة من الإنسان (أورك Orc) عبداً مسلوب القوة والإرادة، ومن هنا تأتي ثورته، وهذا ما أدركه بليك  دون غيره من مفكري وأدباء عصره، ولذلك قوبلت أعماله بالإهمال. وقد كتب في بداية «ميلتون» (1804- 1808) Milton وفي «القدس» (1804-1820) Jerusalem حول إعمار ما يسميه بالقدس الجديدة، التي ترمز إلى المدينة الفاضلة والخيال والروح، على أرض إنكلترة، وتساءل إن كان ذلك ممكناً بين هذه «الآلات الشيطانية» في عصر الثورة الصناعية التي تقيد روح الإنسان وخياله. ورأى في النهاية أن القدس الجديدة لا يمكن أن تقوم إلا في عالم تسوده المحبة والحرية والإخاء والمساواة بين البشر جميعاً.

جمعت هذه النزعة الإنسانية بين بليك والشاعر والفنان العربي جبران خليل جبران[ر]، وقد رأى البعض في جبران امتداداً لبليك. إذ كان جبران شديد الإعجاب بإبداعية بليك واقتفى أثره في شعره ورسمه المتكاملين. وتوجد في لوحاتهما أشكال تطير في فضاء غائم وتوحي بعالم الجنة الأرضية في بدايات الكون، مع فارق أن جبران لم يتطرق إلى تصوير النتائج الهدامة لقوى الشر.

ولعل أكثر قصائد بليك شهرة وتداولاً تلك القصائد القصيرة في «أغاني البراءة» و«أغاني الخبرة» لوضوحها وحيويتها ورمزيتها البسيطة. ففي قصيدة «النمر» The Tyger يرمز هذا المخلوق القوي الجميل المتوحش إلى الصراع بين قوى الخير والشر، الذي يأخذ شكلاً مخالفاً للمألوف، فقد انقلبت المعايير لدى بليك، بسبب الاتباعية الجديدة Neo-Classicism والأفكار الرجعية السائدة في إنكلترة في ذلك الوقت، بحيث أصبح الملاك منافقاً شريراً، والشيطان مثالاً للخيِّر.

استخدم بليك لغة الكتاب المقدس ورموزه واستعارته، ولغة كل من شكسبير[ر] وملتون[ر]، إلا أنه كان رافضاً للقيم التقليدية البالية كافة، ممجداً الحدس والخيال في عصر بدأت العقلانية والمادية البحتة تحتلان المكان الأول، فترك أثراً واضحاً في الحركات الأدبية الحديثة.

 

طارق علوش

 

مراجع للاستزادة:

 

- John Beer, Blake‘s Humanism (1968).

- Russel Noyes, English Romantic Poetry and Prose, Oxford University Press, New York (1968).


التصنيف : الآداب الجرمانية
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الخامس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 353
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1031
الكل : 58480398
اليوم : 52912

أونغاريتي (جوسيبي-)

أونغاريتي (جوسيبي ـ) (1888ـ1970)   جوسيبي أونغاريتي Giuseppe Ungaretti شاعر إيطالي ينحدر من أسرة توسكانية مهاجرة، فقد ولد في الاسكندرية بمصر وتوفي في ميلانو بإيطالية. يُعدّ من كبار شعراء إيطالية في القرن العشرين. كان صحفياً وناثراً، كما كان رجل ثقافة وأدب وتأمل، إلى جانب كونه رجل مقاهٍ وحوارات وأسفار. وكان مواطناً عالمياً: فهو مصري المولد، فرنسي الثقافة والفكر، إيطالي الأصل، جذوره ضاربة في أرض أجداده ومرتبطة بعاداتها وتقاليدها ارتباطاً لاتُفصم عُراه. استقر في باريس منذ عام 1910، وتابع في الكولّيج دي فرانس College de France محاضرات الناقد الأدبي الفرنسي غوستاف لانصون Gustave Lanson، ومحاضرات جوزيف بدييه[ر] Joseph Bedier أستاذ أدب العصر الوسيط، كما واظب على حضور محاضرات الفيلسوف الفرنسي هنري برْغُسن[ر] Henri Bergson. وقد تردّد أونغاريتّي مدَّة إقامته في باريس على أكثر الأوساط الثقافية والفكرية والفنية الطليعية نشاطاً آنذاك. كما اطلع على أعمال ثُلَّةٍ من الشعراء الفرنسيين الذين أثّروا تأثيراً بالغاً في مسيرته الشعرية، أمثال شارل بودلير [ر] Charles Baudelaire، وستيفان مالاّرميه[ر] Stéphane Mallarmé، وأرتور رامبو[ر] Arthur Rimbaud، وجول لافورغ[ر] Jules Laforgue وكثير غيرهم كانوا مايزالون مجهولين في إيطالية. كما التقى أونغاريّتي في باريس شاعراً إيطالياً مولوداً في الاسكندرية وهو فيليبو تومّاسو مارينيتّي Filippo Tommaso Marinetti الذي برزت في شعره النزعة «المستقبلية» Futurisme ومؤداها: الثورة على الماضي بكل أساليبه الفنية، ومحاولة ابتكار موضوعات وأساليب فنية وأدبية تتمشى مع عصر الآلة. وبعد أن ترك أونغاريتّي باريس واستقر نهائياً في رومة، احتفظ بصداقة وثيقة العرى مع كل من الأديبيَن الفرنسيَين جان بولهان Jean Paulhan ، وبنيامين كريميو Benjamin Crémieux. تأثّر أونغاريتّي تحديداً بالشاعر الفرنسي مالاّرميه، فنظم شعراً على منواله فاشتهُر أمره، واندرج اسمه في الرباعي الإيطالي الكبير إلى جانب الشعراء أومبرتو سابا[ر] Umberto Saba ومونتالي وكوازيمودو. وقد بشّر هذا الرباعي، الذي ظهر في مرحلة مابين الحربين العالميتين، بنهضة شعرية في إيطالية. نفخ أونغاريتّي في بواكير إنتاجه روحاً جديدة في الشعر الإيطالي، وانطلق صوته غريباً عن قضايا الشعر الإيطالي السائد آنذاك، وتجاوز جميع محاولات ردود الفعل ضد المدرسة الدانّونزية المسيطرة التي أسسها وتزعمها الإيطالي غابرييله دانّونزيو[ر] Gabriele D'annunzio. كما خالف نهج الشاعر جوفانّي باسكولي[ر] Giovanni Pascoli، وبلور أسلوباً شعرياً جديداً في مبناه وفي معناه يمكن تلمس صداه فيما بعد عند الشاعر الفرنسي رنيه شار[ر] Rene Char. نظم أونغاريتّي ستة دوواين شعرية جمعها في خمسة مجلدات وهي على التوالي: 1ـ «غبطة الغرقى«L'Allegria dei naufragi  نظمه بين عامي 1914 و1916 ويحتوي بين دفتيه على ديوان صغير بعنوان «المرفأ الغائر» Il porto sepolto. وصف أونغاريتّي في ديوانه هذا أهوال الحرب ومآسيها، وعبّر فيه عن فرحة البقاء بعد انتهائها. ويُلمس في هذا الديوان شفافية التشاؤم البطولي الذي يطبع بطابعه مجموعة قصائد الديوان. 2ـ «الشعور بالزمن» Sentimento del tempo: نظم قصائده في الأعوام 1919-1937. عبّر فيه عن ضيقه بالعيش وتبرّمه به، واستحواذ فكرة الموت وهاجسه على نفسه، فبحث عن وطن حقيقي ضائع ومختبئ في ليل الزمان السحيق. كما بحث عن «البراءة الأولى». وتُظهر هذه الأحاسيس كلّها أن جرح النفي والاغتراب الذي كان يشعر به على الدوام لم يندمل بعد عنده. وقد زاد من حدة اغترابه عن وطنه آنذاك معارضته للفاشية وأفكارها، فشدّ الرحال من جديد وسافر إلى البرازيل ليدرّس فيها الأدب الإيطالي الحديث من عام 1937 حتى عام 1942. وقد بحث أونغاريتّي في ديوانه هذا عن أسلوب أكثر إتقاناً، وعن شكل شعري أكثر اتباعية. 3ـ «الألم» Il Dolore: نظم قصائده في الأعوام 1937-1946. في المدة التي درّس فيها أونغاريتّي في سان باولو وقعت أحداث جسام تركت بصماتها المأساوية على قصائد هذا الديوان. فقد توفي ولده في عام 1937 وكان له من العمر تسع سنوات، وأدمى قلبه احتلال النازيين رومة فصبّ أحزانه في قصائد فيها نُواحٌ يمزق القلوب.  4ـ «الأرض الموعودة» Terra Promessa:نظم  قصائده في الأعوام 1947-1950. شعر أونغاريتّي طوال حياته بأنه منفي؛ منفيٌّ في الأرض، هائم على وجهه، دائم التنقل والترحال، يحث السير أبداً نحو آفاقٍ جديدة. فقد وُلد في مصر التي تعجّ بشتى الأساطير، وبالسحر الذي يفتن الغرب. وقد بقي طوال حياته داعياً لهذه الازدواجية التي تجري في عروقه بين أصله الإيطالي ومولده المصري، ممزقاً بينهما؛ فبين بَهْرِه وهَلَعِه من الصحراء وتعلُّقه بسحر السراب وبحثه الدائم عن الواحات وترصده إياها، يتنازعه حنينه الذي ورَّثته إياه أمّه إلى أرض توسكانة Toscana. وقد اندمج هذان العالمان المتناقضان في ذهنه وروحه، فأبدع من وحيه ديوانه «الأرض الموعودة». وقد عبّر عن نفيه واغترابه في قصيدته القصيرة التي أهداها إلى صديقه العربي محمد شهاب، قرينه في الاغتراب وتوأم روحه. بحث أونغاريتّي بدأب وإصرار عن تلك الأرض السراب التي كلّما ظن أنه وجدها تلاشت من تحت قدميه واختفت. وقد عبّر عن ذروة اغترابه في قصيدته «الأنهار» التي يتحدث فيها عن نهر سيركيو Serchio الإيطالي، والنيل المصري، والسين Seine الفرنسي. ثلاثة أنهار تحمل في جريانها ثلاثة منابع ثقافية، كان قلب أونغاريتّي يخفق بها ويرتوي منها. لقد وصل أونغاريتّي في ديوانَيه «الألم» و«الأرض الموعودة» إلى حدّ الإبهام والغموض وإلى مرحلة «الشعر الصرف».  5 ـ «صراخٌ ومناظر» وهو آخر دواوينه، نظم أشعاره في الأعوام 1950- 1954. تضم هذه الدواوين الخمسة قصائد عروضها أحد عشر مقطعاً. ولأونغاريتّي كتابات نثرية. فقد كتب مجلدات كثيرة عن ذكرياته، وكتب مقالات ودراسات شرح فيها تجربته في الهرب من «قلق العصر» عن طريق الصفاء التقني في النظم الشعري، واللوذ بالأحلام، والتلاشي في الأحاسيس. وهذه كلّها منابع للخلاص الإنساني يمكن أن يبلغ الشعر فيها شأواً بعيداً لايخلو من غموض وانسجام. كما كتب أونغاريتّي دراسات في التصوير والمصورين ولاسيما كتاباته عن المصور والرسام والنحات الفرنسي جان فوترييه[ر] Jean Fautrier. وله كتابان: «الفقير في المدينة» Il povero nella città نشره في عام 1949، و«مفكرة شيخ» Il Taccuino del Vecchio وقد نشره في عام 1960. كما نشر كتاباً في عام 1961 عن ذكرياته بعنوان «انطلاقاً من الصحراء» Il Deserto e dopo. وله ترجمات مهمة. فقد ترجم سونيتات Sonnets شكسبير[ر]، وقصائد للشاعر الإسباني غونغورا[ر] Gongora، كما ترجم للشاعر الفرنسي راسين[ر] Racine، وللشاعر والمصور الإنكليزي بليك[ر] Blake، وبعضاً من قصائد مالاّرميه، وقصائد للشاعر الروسي يِسّينين[ر]. شعر أونغاريتّي بأكمله وبعمقه مرآة لسيرته الذاتية والمناسبات التي عاشها. فهو لم يترك مناسبة أو تجربة إلاّ ونظم فيها شعراً. ويُعدّ هذا الشعر اعترافات متلاحقة، لكنه تمالك فيها نفسه وكبح جماحها من شطط الحقيقة وخفاياها اللاذعة أحياناً. وقد أغرب أونغاريتّي في نظم قصائده وعزف فيها عن كل ماهو ثانوي واحتفظ بالجوهري، فأسقط من شعره كل ماهو تزييني وسهل. يُعدّ أونغاريتّي  رائداً من رواد المدرسة الهرمسية أو الإبهامية Hermétisme التي اختارت الإبهام والغموض منهجاً لها. وشعره رصينٌ دقيق المعنى والفِكرة، ليس فيه تكلّف، وليس فيه حشو ولا إسفاف، وهو يعيد القارئ في شعره إلى ماضٍ بعيد، ماضي ماقبل الولادة، ماضي الإنسان البدائي، فيصل بذلك في شعره إلى مرحلة الأسطورة. لقد انزوى أونغاريتّي في أشعاره في «عزلة ساطعة» يهيمن عليها إحساس حاد بالصمت. وكان يغوص في الأزمنة السحيقة، وفي السكون المطلق، وفي الفراغ الذي ملأ كل شيء ولاشيء يملؤه.   نبيل اللو   مراجع للاستزادة:   - G.OSSOLA,Giuseppe Ungaretti, Mursia, (Milano 1975). - P. BIGONGIARI, la congiuntura Ungaretti-Breton-Reverdy,in LApprodo letterario, nº17, (1972). - Y. CAROUTCH,.Ungaretti (Paris 1980).
المزيد »