logo

logo

logo

logo

logo

أوقيانوسية - (التاريخ)

اوقيانوسيه (تاريخ)

Oceania - Océanie

أوقيانوسية

 

تطلق تسمية أوقيانوسية Oceania على عالم جزر المحيط الهادئ[ر]، الذي يعرف في مجال الصناعة السياحية بعالم البحار الجنوبية. وتشتمل أوقيانوسية على مساحات شاسعة من مياه المحيط وآلاف الجزر الصغيرة المتناثرة في أرجائه. ومع أن بعض المصادر يدخل أسترالية[ر] في نطاق أوقيانوسية، فإن دراستها منفصلة عنها أصح من النواحي الجغرافية البعيدة عن خلفيات الموضوع السياسية.

 

تتألف أوقيانوسية من ثلاث مجموعات كبيرة من الجزر والجُزيرات والأرخبيلات والصخرات غير المأهولة. هي ميلانيزية وميكرونيزية وبولينيزية. وتضم ميلانيزية جميع الجزر المحيطة بقارة أسترالية من الشمال والواقعة شرقي إندونيسية[ر]، أي جزر البحار الجنوبية الغربية من المحيط الهادئ، وأبرزها جزر غينية الجديدة مع أرخبيلات بسمارك وسليمان (سُلُمون) وهبريد الجديدة وكاليدونية الجديدة والجزر والأرخبيلات الأصغر المجاورة لها والقريبة منها مثل أرخبيل جزر فيجي وجزر بحر المرجان التابعة لأسترالية وتؤلف مقاطعتها البحرية. وكلمة ميلانيزية تعني «الجزر السوداء» نسبة إلى السكان الميلانيزيين ذوي البشرة السوداء الفاتحة نسبياً، حتى الداكنة المائلة للسواد.

ويدخل تحت تسمية ميكرونيزية التي تعني «الجزر الصغيرة» عدد كبير من الجزر والجزيرات والأرخبيلات التي تتبعثر غربي المحيط الهادئ على هيئة قوس كبيرة تقع شمال وشمال شرقي ميلانيزية، ومن جزرها أرخبيلات بالاو وماريان وكارولينة في الغرب، ثم أرخبيلات مارشال وغلبرت في الشرق، إضافة إلى جزر ناورو وويك وغوام وغيرها. ومعظمها شمال خط الاستواء أو عليه مباشرة. أما جزر بولينيزية وتعني «الجزر الكثيرة» فتتألف من عدد كبير جداً من الجزر والأرخبيلات أبرزها مجموعات جزر أليس وجزر ساموة وجزر تونغة وتوكِلاو وفونيكس في الغرب، ثم جزر كوك وجزر لاين (الخّط) في الوسط، ومجموعات جزر توبواي وتواموتو وسوسيتي وماركيز في الجنوب والجنوب الشرقي. كما تضم بولينيزية جزر هاواي في الشمال وجزر إيستر (الفِصْح) وسالاي غوميز في أقصى الجنوب الشرقي، وتمتد حتى نيوزيلندة في أقصى الجنوب الغربي، مؤلفة مثلثاً شاسع الأبعاد يشغل معظم أوقيانوسية الشرقية والوسطى.

الحدود والأبعاد

يتعذر رسم حدود واضحة لعالم أوقيانوسية. لتبعثر الجزر الكبيرة وتداخل المياه الإقليمية بالمياه الدولية. ومع ذلك فإن حدود أوقيانوسية العامة تمتد من الشمال نحو الجنوب بين نطاقي مدار السرطان ومدار الجدي، وحدودها الشرقية تساير الأطراف البعيدة للأمريكيتين. أما الحدود الغربية فغير واضحة لتداخل الأرخبيلات المنتشرة في البحار الهامشية لشرق القارة الآسيوية مع جزر أوقيانوسية وأرخبيلاتها ولاسيما في نطاق جزر اليابان والفيليبين وإندونيسية. أما الحدود بين الدويلات ومناطق النفوذ ومياهها فمرسومة بخطوط وهمية تمر في مياه المحيط متفقة في أغلب الحالات مع خطوط الطول والعرض.

وهكذا تتحدد معالم موقع أوقيانوسية الجغرافي بمساحات واسعة جداً من مياه المحيط الهادئ بين المدارين، ويمر خط الاستواء في وسطها، مما يمنحها طبيعة جغرافية مدارية استوائية، وتمتد على مدى 47 درجة عرض أي نحو 5000 كم من الشمال نحو الجنوب و95 درجة طول أو قرابة 10.000 كم (على امتداد خط الاستواء). ويمر خط طول التوقيت الدولي في وسط أوقيانوسية. وله أهمية لتغير تاريخ اليوم على جانبيه، ذلك أن شرقه (السبت مثلاً) متقدم على تاريخ غربه (الجمعة) بمقدار 24 ساعة.

تقدر مساحة أوقيانوسية بنحو 70 مليون كم2. وعدد الجزر لايحصى لأن العدد غير ثابت لظهور بعض الجزر وبروزها فوق سطح الماء، واختفاء جزر أخرى تحت سطحه من وقت لآخر. لذلك يبقى الرقم تقديرياً يراوح بين 7500 و 10000جزيرة.

الأوضاع الجغرافية الطبيعية

ترتبط دراسة الأوضاع الجغرافية الطبيعية لأوقيانوسية بدراسة المحيط الهادئ، ومع ذلك فلأوقيانوسية الخصائص المميزة الآتية:

النشأة والتضاريس: تعادل مساحة المحيط الهادئ 32.5% من مساحة الكرة الأرضية ويقدر العمق المتوسط لمياهه بنحو 4085م. لكن خصوصية هذا المحيط تكمن في اختلافه عن باقي المحيطات، فهو أقدمها نشأة والقارات المشرفة عليه مكونة من قشرة أرضية أكثر حداثة وقعره وحدة بنائية (تكتونية) ضخمة تعرف باسم «الصفيحة الباسفيكية»، وهي غير مستقرة تتحرك بسرعة 1-20سم/سنة، وتنطبق أشرطة الاضطرابات والهزات الأرضية وخطوط الانفجارات البركانية، على حدود التقاء الصفائح المتصلة بها. وتصنف جزر أوقيانوسية في ضوء هذا التكوين البنائي والجيولوجي الذي يميز أرض المحيط الهادئ من غيرها، وعلى أساس الموقع الجغرافي لأوقيانوسية من النطاقات الاستوائية والمدارية ذوات المياه الدافئة نسبياً والبيئة الجغرافية الخاصة بهذه العروض الجغرافية وتصنف جزر أوقيانوسية، في مجموعتين هما الجزر البركانية والجزر المرجانية.

الجزر البركانية: وهي الغالبة على جزر أوقيانوسية، ويقدر عددها بأكثر من 2000جزيرة. وتعرف باسم «الجزر العالية»، تتألف الجزر البركانية من الحمم والخبث والمواد الاندفاعية الأخرى، وترجع في نشأتها إلى الحقب الجيولوجي الثالث مع استمرار تكونها حتى اليوم. إذ ما تزال براكين كثيرة تثور من قعر المحيط وتؤلف مخاريط تبرز قممها وفوهاتها فوق مياه المحيط مؤلفة جزراً جديدة، كما أن براكين أخرى تكونت فوق جزر قائمة، تعود فتثور فتزيد في مساحاتها. وبالمقابل تنفجر أجسام بعض البراكين فتزول، وتشترك هذه الجزر بكونها ذات قاعدة واسعة جداً على قعر المحيط. في حين لايظهر منها فوق سطح الماء سوى أعلى قممها وفوهاتها المحدودة المساحة المؤلفة للجزر. لذا تعد الجبال والمخاريط البركانية في أوقيانوسية، من أعلى البراكين على سطح الأرض وذلك بسبب الأعماق الكبيرة لأرض المحيط الهادئ. فبركان ماوناكيا في جزر هاواي مثلاً يعلو 4210م فوق سطح المحيط، لكنه يعلو نحو 9000- 10000م فوق أرض المحيط، فهو عملياً أعلى جبل في العالم، إذا أهملنا الكتلة المائية للمحيطات والبحار.

ترتصف الجزر البركانية الأوقيانوسية على امتداد أقواس وخطوط تتفق مع صدوع في قعر المحيط وفي قسمه الشرقي حيث تبرز مجموعات جزر ساموة وفونيكس وهاواي وكلها قمم براكين ضخمة، ينتظم عقدها في سلاسل ذوات محاور شمالية غربية/ جنوبية شرقية. أما في القسم الغربي من أوقيانوسية فإن الجزر أكثر تعقيداً من حيث النشأة والتكوين. فقواعدها تتألف من التواءات ضخمة في قاع المحيط ذوات صخور متنوعة رسوبية وأخرى اندفاعية نارية الأصل. وترسم أقواساً ضخمة تساير هوامش اليابسة المجاورة لها في قارتي آسيا وأسترالية. ويعود عمر الحركات البنائية التي كونت هذه الجزر إلى الحقب الجيولوجي الثالث، ويمتد حتى الوقت الحاضر، وللتبدلات المناخية في العصر الدافئ الذي أعقب العصر الجليدي الأخير، أي قبل 10000-15000سنة، أثرها في الفصل بين غينية الجديدة والقارة الأسترالية والجزر المنتشرة بينهما.

ما يزال النشاط البركاني في أوقيانوسية مستمراً، ولاسيما في أقسامها الغربية حيث توجد براكين فعالة على امتداد نطاق يبدأ في الجزيرة الشمالية لنيوزيلندة وجزر هبريد الجديدة وجزر سليمان فأرخبيل بسمارك وينتهي في الجزر الواقعة شمال غينية الجديدة وفيما عدا ذلك ينحصر النشاط البركاني في جزر هاواي وساموة.

إن عدم استقرار الأعمال البنائية (التكتونية) ونشاط البراكين في أوقيانوسية يسببان الزلازل الأرضية والمحيطية التي تحمل الدمار للسكان وممتلكاتهم، كما تحدث الزلازل المحيطية موجات مَدّية ضخمة تسمى تسونامي باليابانية تخرب سواحل الجزر، وهي تسمية شائعة الاستعمال عالمياً.

وفي أوقيانوسية الكثير من جزر لا تظهر فوق سطح الماء، أصلها قمم براكين برزت فوق سطح الماء، لكن أعمال الحت البحري (المحيطي) أزالتها وسَوّت سطحها مع مستوى مياه المحيط التي غمرتها.

ب ـ الجزر المرجانية: تعرف هذه المجموعة باسم «الجزر الواطئة»، إذ يندر أن يزيد ارتفاعها المتوسط فوق سطح الماء على 6أمتار. وهي ذوات ألوان بيضاء وفاتحة. والجزر المرجانية من المظاهر الجغرافية الفريدة في العالم، نشأت من تجمع مستعمرات من المرجانيات والعضويات والكائنات البحرية الكلسية إضافة إلى هياكل حيوانات بحرية ورمَمِها وقواقعها في مياه استوائية ومدارية دافئة (18- 22درجة مئوية). في العروض الجغرافية الواقعة بين خطي عرض 30 درجة شمالاً و30 درجة جنوباً.

إن تجاوز سمك الرمم والبقايا المرجانية والكائنات البحرية الأخرى 80-100م يعد دليلاً على واحد من أمرين: إما خسف تدريجي للركيزة التي قامت عليها وتكدست فوقها المستعمرات المرجانية، مع استمرار تكون مستعمرات جديدة فوقها في الأعماق المناسبة، مما يدل على حركات بنائية لقاع المحيط، وإما ارتفاع تدريجي لمستوى مياه البحر رافقه نمو للمرجانيات العليا وموت للتي دونها، مما يدل على تغير مناخي حدث في زمن دافئ بين عصرين جليديين.

وللجزر المرجانية أشكال ثلاثة تتفق مع مراحل متعاقبة لتغير مستوى سطح الماء (صعوداً)، أو خسف قاع المحيط مع ثبات مستوى الماء. ففي البداية تتكون الجزر «اللاصقة» وهي مستعمرات مرجانية كلسية تؤلف شعاباً وأرصفة تلتصق بأجسام البراكين والظهرات وتنمو على جوانبها في حدود الأعماق المذكورة. ومع تغير مستوى الماء صعداً، تبرز الشعاب المرجانية فوقه على هيئة جزر محيطة بالبركان. لكن استمرار هبوط البراكين وصعود الماء واستمرار بناء جسم الرصيف المرجاني صعداً، تؤدي إلى نشوء الجزر «الحاجزة»، وهي الجزر اللاصقة نفسها، لكنها ابتعدت بقممها عن جسم البركان وانفصلت عنه بقناة مائية. أما الشكل الثالث من الجزر، فيعرف باسم الآتول أو الجزر المرجانية الحلقية، والجزيرة هنا رصيف مرجاني دائري أو بيضوي أو أي شكل آخر بقطر يراوح بين عشرات الأمتار وعشرات الكيلومترات، وقد يصل إلى 100كم. في داخله بحيرة مياه مِلحْة ضحلة تعرف باسم لاغون Lagoon (يقابلها الحَيْل في الخليج العربي). وقد تكون الآتولات ذوات فتحات تربط الحيْل بمياه المحيط. وفي هذه الحال يختفي جسم البركان الهابط تحت الماء مع استمرار نمو جسم الرصيف المرجاني صعداً. وقد تنشأ الجزر المرجانية ولاسيما الآتولات فوق ركائز من الجزر الماسحة (الغويوت). ومن الآتولات الكبرى، آتولات جزر كوك الشمالية وأبرزها جزر بوكابوكا وماينهيكي وراكاهانغا وتونغاريفا (بنرين) والأخيرة واحدة من أكبر آتولات المحيط الهادئ، وتشتهر بمصائد اللؤلؤ فيها.

المناخ والمياه: مناخ أوقيانوسية استوائي ومداري محيطي ـ بحري، باستثناء بقاع صغيرة تقع خارج نطاق المدارين. وهو مناخ خاضع في جميع عناصره لتأثير عاملين أساسيين هما التأثير المعدِّل للكتلة الهائلة من مياه المحيط، والدور المهم الذي تقوم به الرياح التجارية الدائمة التي تهب من الشمال الشرقي في النصف الشمالي، ومن الجنوب الشرقي في النصف الجنوبي للكرة الأرضية. والرياح التجارية تغير اتجاهاتها المذكورة في الشتاء الجنوبي (تموز) حين يتزحزح نطاق الرياح التجارية نحو الشمال، فتتجه نحو الشمال الشرقي، وفي الصيف الجنوبي (كانون الثاني) حين يجتاز النطاق المذكور الشريط الاستوائي باتجاه الجنوب، فتتجه نحو الجنوب الشرقي.

إن تزحزح نطاق الرياح شمال خط الاستواء وجنوبه مرتبط بالحركة الظاهرية للشمس وتعاقب الفصول. في حين يخضع تغير اتجاه الرياح لقانون انحراف الأجسام المتحركة على سطح الأرض، نحو اليمين في نصفها الشمالي ونحو اليسار في نصفها الجنوبي. أما نطاق الركود أو (الرهو) الاستوائي الممتد بين نطاقي الرياح التجارية فلا يزيد عرضه على 4ـ5 درجات عرض على جانبي خط الاستواء، ويعد جبهة مدارية داخلية تهب على امتداده رياح استوائية غربية، تتحول إلى رياح موسمية قرب قارة أسترالية. ولهذه الجبهة دور في نشوء الأعاصير المعروفة باسم «التايفون» في الصيف الشمالي، وتضرب أرخبيلات ماريان وكارولينة. أما في الصيف الجنوبي فتنشأ الأعاصير المدارية بين غينية الجديدة وجزر ساموة وتتحرك نحو الجنوب الشرقي حتى تصل إلى شمالي نيوزيلندة أحياناً. وتسبب الأعاصير الأوقيانوسية حدوث موجات ضخمة تضرب الجزر، ولاسيما الواطئة (المرجانية) منها فتدمر كل شيء فيها تقريباً وتتبع الأمطار النظام المداري ـ الاستوائي المميز بأمطاره الغزيرة التي تهطل بعد ظهر كل يوم تقريباً. وتراوح الكميات السنوية بين 1000- 5000مم، تتباين من سنة إلى أخرى.

أما درجات الحرارة فتراوح بين معدل أدنى قدره 20 درجة مئوية على مدار العام. ومعدل أعلى يصل إلى 25.5 درجة في النطاق الاستوائي الشرقي، وإلى 27.2 درجة في الأجزاء الغربية الاستوائية وإلى أعلى من ذلك في غينية الجديدة. وتتصف حرارات أوقيانوسية بفروق يومية ضئيلة ورطوبة عالية مزعجة للوافدين الأغراب، ويصبح الطقس لطيفاً بعد هطول الأمطار اليومية وفي المرتفعات.

أما مياه أوقيانوسية العذبة فيوفرها كثير من المجاري المائية القصيرة والأنهار الصغيرة والعيون التي تغذيها الأمطار الغزيرة الدائمة تقريباً. وأبرزها أنهار غينية الجديدة وأنهار جزر بريطانية الجديدة وتاهيتي وغوام وساموة وجزر فيجي ونيوزيلندة وغيرها من جزر ذوات مساحات متوسطة وبنية جيولوجية مناسبة لنشوء جريان سطحي وينابيع مائية. وتعد الجزر المرجانية أفقر من باقي الجزر إلى المياه الجارية والينابيع. ويعتمد كثير من السكان على المياه العذبة المتجمعة في الحفر والمنخفضات.

وتكتسب حركات مياه المحيط الهادئ أهمية كبرى في حياة سكان أوقيانوسية وبيئتها لما تحمله التيارات البحرية من غذاء ودفء للكائنات البحرية، ولما لها من دور في إعمار الجزر وتوجيه طرق الملاحة الطويلة بينها. ويعد التياران الاستوائيان الشمالي والجنوبي المتجهان من الشرق نحو الغرب بتأثير الرياح التجارية من أهم تيارات أوقيانوسية. يليهما التيار الاستوائي المعاكس الغربي. وهو تيار قليل العرض يتجه من الغرب نحو الشرق بين التيارين المذكورين وينطبق على نطاق الركود الاستوائي. ويؤلف التياران الاستوائيان دارتين متقابلتين، الأولى في المحيط الهادئ الشمالي والثانية في نصفه الجنوبي على جانبي خط الاستواء. وتنبثق عنها تيارات جانبية وتشعبات فرعية ذوات أهمية محلية في الأرخبيلات.

النبيت والوحيش: أوقيانوسية فقيرة إلى الأنواع النباتية باستثناء الجزر البركانية والجزر الكبيرة. وأفقر جزرها الجزر المرجانية حيث التربة فقيرة غير كاملة التكوين. ويدخل جميعها في زمرة النباتات المدارية ـ الاستوائية. وتكثر الأنواع النباتية في الغابات الاستوائية التي تنمو على جبال الجزر، ولاسيما على السفوح المواجهة للرياح الرطبة كما هي الحال في جزر ميلانيزية إذ ترقى الأشجار الغابية ونباتاتها حتى 1000م، حيث تظهر أنواع غابية جبلية. أما على السواحل الواطئة والمعرضة للغمر فتظهر مستعمرات شجيرات القرم (المنغروف).

وتنعدم الغابة ومايتبعها من أنواع نباتية، في الجزر المرجانية انعداماً تاماً، فلاينمو فيها سوى نخيل جوز الهند وأنواع من الأعشاب والأشواك. كذلك تتراجع الأنواع النباتية كماً ونوعاً من الغرب باتجاه الشرق. مما يدعم الرأي القائل بأن إعمار الإنسان لأوقيانوسية كان من الغرب نحو الشرق متبعاً التيار الاستوائي المعاكس وليس من الشرق نحو الغرب. ولا يختلف وضع الوحيش عن وضع النبيت باستثناء عالم الطيور والكائنات البحرية والحشرات. ففي أوقيانوسية تقل الحيوانات الثديية والدواب التي تعيش على البر، وأغلبها في الجزر الغربية التي كانت متصلة بالبر الآسيوي أو الأسترالي. ومنها الحيوانات الجرابية مثل قنغر الأشجار والعظايا والسحالي الكبيرة والقوارض الأرضية والزواحف والبرمائيات والخفافيش والثدييات المائية وغيرها، إضافة إلى الحيوانات التي نقلها الإنسان معه إلى الجزر مثل الخنازير والغنم والفئران والماشية والأرانب والكلاب. وتزخر أنهار غينية الجديدة بأنواع كثيرة من التماسيح.

وتكثر في أوقيانوسية أنواع الطيور وأعدادها، كما تنتشر على مساحات كبيرة. وتعد المناطق الغابية في الغرب أغنى بها من غيرها. ومنها طيور المنقار القرني والببغاء وأنواع الحمام وطيور الجنة والبط والنورس والقادوس البحري وطيور كثيرة أخرى. وفي الجزر طيور مقيمة وأخرى مهاجرة موسمية. يساعد الطيران على انتشارها وتنوعها. وقدر عدد أنواع الحشرات في أوقيانوسية بنحو 100.000 نوع.

إن الفقر في حيوانات أوقيانوسية ونباتاتها يعوضه غنى مياهها ومحيطها بأنواع كثيرة جداً من الأسماك والقواقع والسرطانات والسلاحف وغيرها من كائنات بحرية وبرمائية إضافة إلى ثروتها من النباتات والأعشاب البحرية التي تقدم الغذاء للسكان، كما تدخل في قوائم الصادرات وسلع التبادل التجاري.

السكان والأوضاع البشرية

لا يدخل عدد سكان أسترالية والجزء الغربي من جزيرة غينية الجديدة التابع لإندونيسية في الإحصاءات الخاصة بأوقيانوسية بحسب الإطار المرسوم لها في هذا البحث. علماً أن مجموعات من السكان الأصليين الأوقيانوسيين تعيش في أسترالية والجزر القريبة منها وفي شتى أنحاء جزيرة غينية الجديدة بغض النظر عن تبعيتهم السياسية أو الإدارية.

 

 

أصول السكان وأجناسهم: ينتمي سكان أوقيانوسية إلى مجموعات عرقية مختلفة بدأ إعمارها للجزر منذ 25000سنة، عندما كانت المعابر البحرية والبرية بين آسيا وإندونيسية وكليمنتان (بورنيو) ومنهما إلى أسترالية جنوباً والفيليبين شمالاً صالحة لانتقال البشر، جراء انخفاض مستوى سطح البحر إلى نحو 100م مما هو عليه اليوم. وقد حملت هذه الهجرات البشرية عروقاً من أصول سوداء أو داكنة البشرة ومن الأستراليين الأصليين، إلى جزر أوقيانوسية الغربية وإلى سائر أنحاء الجزر الأسترالية. وكان بينهم مجموعات من أقزام قصار القامة وآخرين طوالها. ويعيش الأستراليون الأصليون في أسترالية وفي بعض جزر إندونيسية. أما الأقزام الآسيويون فيعيشون في بقاع متفرقة ومنعزلة في الغابات الجبلية ولاسيما في غينية الجديدة، حياة بدائية نسبياً. وأعقبت الهجرات القديمة موجات بشرية قادمة من الغرب أيضاً. انتشرت في أرخبيلات المحيط الهادئ واختلط بعضها بمن سبقهم من عروق واحتفظت غالبيتها بصفاتها العرقية. وعليه يمكن تمييز العروق البشرية الأصلية التالية:

أ ـ البابوا: وهم من أصول ميلانيزية وينتشرون في غينية الجديدة (ولاسيما الشرقية) وفي أرخبيل بسمارك، ويؤلفون غالبية السكان الأصليين الأوقيانوسيين.

ب ـ الميلانيزيون: وهم أقل عدداً من أبناء جلدتهم البابوا، ويعيشون على سواحل غينية الجديدة وأرخبيلات سليمان وهبريد الجديدة وفيجي وكاليدونية الجديدة. وهم ذوو قامة متوسطة ولون بشرة أسود أو داكن. وشعر مفلفل حتى مموج. ولا تظهر فيهم الصفات الزنجية الحقيقية. وهم والبابوا من أرومة واحدة وفدت إلى أوقيانوسية الغربية من جنوب شرقي آسيا وحملت معها الأقزام والباينينغ ذوي الصفات العرقية المشابهة. وكانت المجموعات المذكورة تعيش في مستوى حضاري يرجع إلى العصر الحجري الحديث حتى وصلت إليها المؤثرات العصرية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، باستثناء مجموعات صغيرة منعزلة في مناطق نائية.

ج ـ الميكرونيزيون: ويعيشون في جزر غربي أوقيانوسية المنتشرة شمال مواطن الميلانيزيين وخاصة في جزر ماريان وغوام ومارشال وكارولينة وغلبرت. وهم من أصول آسيوية أيضاً. قصار القامة عامة، يميل لون بشرتهم إلى الصفرة يغلب عليهم ذوو الأصول المغولية والهجناء. ويشتهرون بمستوى حضاري عال بالمقارنة مع الميلانيزيين ولاسيما في فن بناء المساكن الجماعية الكبرى بطول 30م وعرض 6م، واستخدام القواقع الواسع وأعمال النسيج المميزة.

د ـ البولينيزيون: وهم أكثر سكان أوقيانوسية انتشاراً وتوزعاً على قلة أعدادهم. يعيشون في الجزر الشرقية الواقعة في مثلث جزر هاواي ـ نيوزيلندة ـ إيستر. ويرجح أنهم من أصول ماليزية تحمل الصفات العرقية القفقاسية، وبعضهم من عروق معقدة من مجموعات بشرية بيضاء جاءت من آسيا أيضاً ولكن في زمن متأخر نسبياً. والبولينيزيون طوال القامة عامة ذوو بشرة سمراء بنية فاتحة وشعر متموج، ويعدون أكثر سكان أوقيانوسية الأصليين تطوراً وتحضراً. وارتباطهم بالبحر والملاحة كبير جداً إلى درجة يعتقد معها أنهم كانوا أبرع شعوب الأرض في فنون الملاحة والإبحار وصنع القوارب والمراكب منذ القرون الأولى للميلاد (القرن الثاني والثالث) حتى اضمحلال حضارة أوقيانوسية وإبادة غالبية سكانها الأصليين على يد المستعمرين الأوربيين في القرنين السادس عشر والسابع عشر ومابعدهما. وينتشر البولينيزيون في جزر ساموة وتونغا وسوسيتي وتواموتو وماركيز وهاواي وتوبواي وكوك ولاين وكرمادوك ونيوزيلندة وإيستر.

هـ ـ المستعمرون الأوربيون: بدأت محاولات الكشف الأولى عن عالم أوقيانوسية منذ بدء الهجرات من آسيا من قبل سكان سواحل المحيط الهادئ ولاسيما سكان جنوب شرقي آسيا الذين ينتمي إليهم السكان القدماء لأوقيانوسية أصلاً. ومع هؤلاء أيضاً بدأ منذ القرن الثالث عشر وصول التجار المسلمين من ملقة وسومطرة وجاوة والفيليبين وجزر سولو وغيرها إلى جزر أوقيانوسية وانتشار الإسلام بين السكان لاسيما في أرخبيل فيجي مع الافتقار إلى الوثائق والمعلومات الدالة على آثار وجود إسلامي ـ عربي في أوقيانوسية. أما وصول الأوربيين فقد ارتبط برحلتي المغامر الإسباني بالبوا Balboa عام 1513 والإسباني العامل في الخدمة البرتغالية ماجلان (1519- 1522). بعدها أخذت مجموعات بشرية متفرقة من سلالات أوربية قفقاسية تفد إلى الجزر على مراحل وإلى أرخبيلات مختلفة. وشاركت قوى استعمارية أخرى في غزو أوقيانوسية واحتدم الصراع والتسابق بينها في بسط نفوذها على الجزر. فجاء بعد الإسبان الهولنديون في القرن السابع عشر ثم الإنكليز في القرن الثامن عشر (الرحلات الثلاث الكبرى لجيمس كوك 1768- 1779). وفي نهاية القرن السابع عشر ازداد اهتمام الدول الاستعمارية الأخرى بعالم المحيط الهادئ طمعاً بثروات محتملة، فكثرت رحلات الألمان والفرنسيين والدنماركيين والأمريكيين وغيرهم إلى المنطقة حتى خضعت كلها في نهاية المطاف للنفوذ الاستعماري الذي رافقه التبشير بالمسيحية بين السكان الوثنيين وعبدة الأرواح والقوى الطبيعية.

نتج عن كل ما تقدم هجرة أعداد كبيرة من الأوربيين والأمريكيين (فيما بعد) إلى أوقيانوسية، وكان قسم من المهاجرين الأوربيين الأوائل مجرمين وسجناء تم نفيهم إلى الجزر النائية عن وطن المستعمرين الأصلي. حتى إن بدايات الاستعمار الأوربي كانت على يد أولئك المجرمين والمبعدين، كما هي الحال في كاليدونية الجديدة وهبريد الجنوبية [ر. أسترالية]. كذلك تدفقت على الجزر أعداد من العمال الزراعيين والعاملين في شتى الخدمات والتجارة، جاءت في أغلبها من آسيا، ولاسيما من اليابان والصين والفيليبين وكورية إضافة إلى بورتوريكو. وهكذا غلب الأغراب والمستعمرون وكذلك الخلاسيون والمولودون نتاج تزاوج الوافدين مع المحليين على السكان الأصليين الذين تناقصت أعدادهم بسرعة بعد القرن الثامن عشر بسبب حروب الإبادة والمذابح التي ارتكبها المستعمرون الأوربيون بحق السكان الأصليين، وبسبب نقل الأمراض السارية مثل السل والرشوحات والأمراض الجنسية إلى السكان وانتشارها بينهم بسرعة. إضافة إلى نقل العادات السيئة إليهم كالإدمان على الكحول وحرمان السكان من مواطنهم ومصادر عيشهم وإبعادهم عنها إلى مناطق فقيرة ومعزولة مما أثر على أجسامهم وقلل من غذائهم وبالتالي أضعف مقاومتهم للأمراض.

أعداد السكان وتطورهم: كان سكان أوقيانوسية الأصليون قبل القرن الثامن عشر نحو 4.670.000نسمة (ثلاثة ملايين ميلانيزيين ومليون منال بولينيزيين والبابوا وأربعمئة ألف من الماوريين من سكان نيوزيلندة الأصليين و270.000 من الميكرونيزيين). وقد تراجعت أعدادهم في القرن التاسع عشر حتى الحرب العالمية الثانية إلى نحو 1.355.000 نسمة، للأسباب الآنفة الذكر. لكن أعدادهم عادت إلى التزايد بعد الحرب العالمية الثانية، إذ قدر عددهم عام 1956 بنحو ثلاثة ملايين أوقيانوسي أصلي. في حين وصل عدد السكان الأوربيين والأمريكيين والآسيويين إلى أكثر من ثلاثة ملايين (3.15 مليون نسمة) ـ من دون سكان أسترالية ـ.

ويكثر السكان عادة في الجزر الكبرى نسبياً كما في غينية الجديدة ونيوزيلندة وهاواي. إذ قدر عدد سكانها مجتمعة بنحو 8.500.000 نسمة (1991). تليها جزر كاليدونية الجديدة وأرخبيل فيجي وجزر سليمان وجزر ساموة وغوام وأرخبيل بولينيزية الفرنسية. ويتزايد عدد سكان أوقيانوسية بسبب نمو السكان الطبيعي (فارق الولادات والوفيات) الذي يراوح بين 1 و3% وسطياً، وينخفض إلى 0.5% في تونغة وإلى 0.7% في ساموة الغربية ونيوزيلندة، لكنه يرتفع إلى 3.57% في جزر مارشال وميكرونيزية وإلى 4.1% في توفالو. كذلك تسهم الهجرة إلى أوقيانوسية في زيادة أعداد السكان التي وصلت إلى أكثر من 10.933.000نسمة (1991). كما يبين الجدول (1):

 

الدولة أو الجزيرة أو الأرخبيل

المساحة كم2

عدد السكان

العاصمة

نظام الحكم

إيستر

162.5

1800

ــ

تابعة للتشيلي

جزر فيجي

18.376

790.000

سوفة

جمهوري

بولينيزية الفرنسية

4167

224.000

بابيت

تابعة لفرنسة

كاليدونية الجديدة

19103

204.019

نوميه

تابعة لفرنسة

واليس وفوتونا

274

14.974

ماتاأوتو

تابعة لفرنسة

بيتكرن

35.5

66

أدامس تاون

تابعة لإنكلترة

جزر مارشال

181.3

62.000

ريتة

جمهوري

ميكرونيزية

700

113.000

باليكير

جمهوري اتحادي

ناورو

21.3

11.000

يارن

جمهوري

نيوزيلندة

270986

3.792.000

ولنغتون

ملكي دستوري

جزر كوك

240.1

18547

أفاروا

تابعة لنيوزيلندة

نوه

262.7

2239

ألوفي

تابعة لنيوزيلندة

جزر توكلاو

10.12

1690

فاكاأوفارآبيا

تابعة لنيوزيلندة

بابوا غينية الجديدة

462840

4.603.000

بورت مورسبي

ملكي دستوري

جزر سليمان

27556

416.000

هونيارة

ملكي دستوري

ساموا الغربية

2831

169.000

آبية

جمهوري

تونغة

748

100.000

نوكوألوفة

ملكي

فانواتو

12189

183.000

بورت فيلة

جمهوري

هاواي

28.313

1185497

هونولولو

ولاية أمريكية

ماريان الشمالية

457

54.000

سايبان

تابعة لأمريكة

غوام

549

146.000

أغانيا

تابعة لأمريكة

جزر ساموة

195

62.000

باغوباغو

تابعة لأمريكة

كيريباتي

811

86.000

تاراوة ـ آتول

جمهوري

جزر ويك

7.8

2000

ــ

قاعدة جوية أمريكية

ميدوي

5.2

450

ــ

قاعدة بحرية أمريكية

بالاو

5.8

15122

كورور

جمهوري-أمريكي

توفالو

26

11.000

فياكو

ملكي كومنولث

الجدول (1)

للتوسع انظر كل دولة في مكانها

 

تستعمل في أوقيانوسية لغات مختلفة تبعاً للسيطرة الاستعمارية السابقة أو الراهنة ، وهي لغات المستعمرين الأوربيين وغيرهم، وتكون لغات رسمية إلى جانب اللغات المحلية التي يتكلمها السكان الأصليون وتنتمي مع الفروق والاختلافات بينها إلى أسرة اللغات الاسترونيزية المنتشرة من أوقيانوسية حتى جزيرة مدغشقر غرباً. ويدين السكان بالمسيحية والإسلام (لاسيما في فيجي وكاليدونية الجديدة ونيوزيلندة وغيرها) إلى جانب عبدة الأرواح والوثنيين.

الأوضاع الاقتصادية

يتصف الاقتصاد بالتنوع والتواضع وبالازدواجية (اقتصاد تقليدي قديم وآخر حديث). ويعكس مشكلة النقل الناشئة عن الأبعاد والمسافات المائية الطويلة التي تفصل المنطقة عن العالم، وتفصل بين جزرها. إضافة إلى فقرها إلى الموارد الطبيعية والثروات المعدنية والباطنية.

الزراعة والموارد الطبيعية: اعتمد السكان في توفير غذائهم وحاجاتهم الأساسية الأخرى على الجمع والالتقاط والصيد، ومازال هذا النمط من الاعتماد على موارد الطبيعة مطبقاً لدى السكان بدرجات متفاوتة، إلى جانب ممارسة الزراعة وتربية الحيوانات، الآخذتين بالتطور السريع ولاسيما بعد الحرب العالمية الثانية في الجزر التي تتوافر فيها التربة الصالحة للزراعة بمساحات كافية، أي في الجزر غير المرجانية. وتؤكد البحوث أن أغلب أنواع المزروعات في أوقيانوسية دخلها من الغرب والجزر الغربية ومن آسيا باستثناء البطاطا الحلوة التي جاءت من أمريكة الجنوبية.

تمارس الزراعة في أوقيانوسية بأساليب مختلفة تراوح بين الأسلوب البدائي القائم على حرق الغابة والنبيت، أو الزراعة المتنقلة، والأسلوب العلمي الحديث المعروف الذي يعتمد المحراث الحديث والآلة والأسمدة وطرائق الري الحديثة. وتتخذ الزراعة منحى تجارياً في المزارع الواسعة التي أنشأها المستعمرون البيض في الجزر الكبرى، وتشبه مثيلاتها في مزارع الكاكاو أو المطاط وغيرهما في إفريقية وأمريكة الجنوبية، حيث تُستغل اليد العاملة المحلية الرخيصة. وقد أخذت أساليب الزراعة البدائية بالانحسار التدريجي ولاسيما في الجزر التي ترتفع فيها نسبة السكان الوافدين وتتسع فيها مساحات الأراضي المستثمرة من قبل المستعمرين البيض كما هي الحال في فيجي وهاواي وكاليدونية الجديدة وهبريد الجديدة وسليمان وغينية الجديدة وساموة.

تنتج أوقيانوسية محصولات أغلبها غذائي كالرز والذرة والموز وقصب السكر والكاكاو والسيسال وأنواع البهارات (الفلفل خاصة) والتبغ، وثمرة الخبز والساغو وجوز الباندا، ثم المحصولات الدرنية مثل البطاطا الحلوة والتارو واليام والمانيهوت وغيرها من خضروات أقل أهمية تنتجها مساحات صغيرة في أغلب الجزر. ولعدد من المحصولات الأوقيانوسية أهمية تجارية ولاسيما التي تنتجها مزارع واسعة استعمارية الأسلوب تستغل اليد العاملة الرخيصة المحلية والوافدة (صينية وهندية وغيرها). منها مزارع قصب السكر والأناناس والمنغة والكاكاو والبن وكذلك المطاط. ويأتي جوز الهند وشجرته في طليعة المحصولات الزراعية الأوقيانوسية. فلنخيل جوز الهند أهمية اقتصادية حياتية كبرى في جميع الجزر ومنها الجزر المرجانية الفقيرة. إذ يؤلف لب جوزه مادة غذائية، والمجفف من لبه المعروف باسم (الكوبرا) يعد أهم صادرات أوقيانوسية، ويستخدم سائله شراباً وزيته غذاءً وقشرته أوعية وأليافه وسعفه لصنع الحبال والملابس وعدد كبير من الحاجات. فنخيل جوز الهند هو مثل شجرة نخيل التمر لسكان الصحراء العربية وجنوبي العراق، بل أكثر أهمية.

أما تربية الحيوانات فمتواضعة جداً وتقتصر على تربية أعداد محددة من البقر والخنازير، مقابل اهتمام واضح جداً بصيد البحر من السمك والقواقع والسرطانات والسلاحف، ولاسيما من قبل سكان الجزر المرجانية الذين يعتمدون عليه في غذائهم. وتنتشر في كثير من الجزر المرجانية ومياهها، ولاسيما الآتولات منها مزارع اللؤلؤ التي أدخلها اليابانيون والأوربيون، وتأتي أهمية اللؤلؤ الصنعي هذا مع نوع من القواقع يستعمل في صنع الأزرار وحلية تزيينية، في المرتبة الثانية بعد إنتاج الكوبرا في أوقيانوسية.

وتقدم أشجار الغابات مصدراً اقتصادياً مهماً في عدد من الجزر وأغلبها من خشب الصندل وغيره من أنواع استوائية.

الثروات الطبيعية والصناعة: تمتلك ناورو[ر] مناجم للفوسفات مهمة تؤلف أبرز أسس اقتصادها. ويوجد الفوسفات في جزر أخرى ولكن بكميات متواضعة. كذلك يستخرج الذهب من غينية الجديدة وجزر فيجي، والنيكل والكروم من كاليدونية الجديدة بكميات كبيرة نسبياً. ومع ذلك فإن أوقيانوسية فقيرة إلى المعادن ويبقى الإنتاج الزراعي وصيد البحر عماد بقائها. وفي كثير من الجزر الصغيرة ثروة طبيعية تعرف باسم غوانو Guano هي تكدس زرق الطيور ومخلفاتها التي تؤلف أغشية ممتدة وثخينة تعد مصدراً مهماً للسماد الطبيعي، وتحتكر الولايات المتحدة الأمريكية استغلاله في أكثر من سبعين جزيرة.

أما الصناعة فغالبها يدوي تقليدي يعتمد المواد الأولية المحلية مثل صناعة الفخار والحلي من القواقع والأصداف والنسيج وشتى الحاجات من سعف النخيل وأوراقه وأليافه ومختلف الصناعات المنزلية والخشبية والغذائية. وهناك صناعة تعدينية في مناجم الثروات المعدنية المذكورة، وتجفيف السمك وصناعة المعلبات السكرية ولاسيما في هاواي حيث مزارع قصب السكر والأناناس. وكانت صناعة المراكب والقوارب المحلية مزدهرة لكنها تراجعت بل اندثرت في أغلب أنحاء أوقيانوسية.

وتجتذب أوقيانوسية هواة السياحة إلى جزرها مما جعل الصناعة السياحية مصدراً مهماً لدخل كثير من الجزر مثل هاواي وفيجي وتاهيتي وساموة وماريان الشمالية (50% من دخلها مصدره السياحة) وغوام وغيرها. كذلك يدر تأجير بعض الجزر قواعد عسكرية ومراكز تجارب نووية أمريكية وفرنسية ومدافن للنفايات والأسلحة الكيماوية، دخلاً لايتناسب مع الأضرار والتلوث الناجمين عن تخريب البيئة وتدميرها.

تعد أوقيانوسية منطقة تجارية فريدة من نوعها يمارس فيها التجارة غالبية الوافدين إليها ولايعمل بها أبناء المنطقة الأصلاء، وهي منطقة عبور بين الأمريكيتين في الشرق وآسيا وأسترالية في الغرب، تؤلف جزرها محطات لشركات ملاحة بحرية عالمية وشركات طيران على خطوط المواصلات البحرية والجوية عبر المحيط الهادئ. وتصدر أوقيانوسية الفائض من منتجاتها الزراعية والمعادن المذكورة سابقاً والفوسفات والغوانو. وتستورد منتجات الدول المطلة على المحيط ومصنوعاتها وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وأسترالية.

أوقيانوسية (تاريخياً)

يعد تاريخ شعوب أوقيانوسية وتطورها أمراً معقداً يكتنفه الغموض لافتقاره إلى الوثائق العلمية، فالمعلومات التاريخية المتوافرة عن أوقيانوسية قليلة وشبه محدودة ولاسيما معطيات ماقبل التاريخ والتاريخ القديم. ومع ذلك فإن الدراسات التي بدأت منذ مطلع الستينات على نحو مكثف ألقت الضوء على جوانب كانت مجهولة من تاريخ المنطقة. [للتوسع انظر الدول في أماكنها].

ما قبل التاريخ والتاريخ القديم

دلّت الآثار واللقى المختلفة، في كثير من جزر أوقيانوسية على قِدم استيطان الإنسان إياها ولاسيما جزرها الغربية والجنوبية الغربية. كما أظهرت أن السكان الأوائل فيها كانوا لايعرفون المعادن واستعمالها، وأنهم صنعوا أدواتهم وأسلحتهم من الحجر والعظم والخشب ومن القواقع والأصداف البحرية التي عثر عليها جنباً إلى جنب مع العظام البشرية والفحم الخشبي والرماد. ويغلب الاعتقاد أن عصور ماقبل التاريخ بدأت في ميلانيزية وفي جزيرة غينية الجديدة حيث كشفت أعمال التنقيب عن أدوات وأسلحة حجرية بدائية وفحم خشبي أقدم من 25000 سنة، عُثر عليها في مواقع يرجع زمن استيطانها إلى العصر الجليدي الأخير (الفورم Würm)، حين كان مستوى سطح البحر والمحيط أخفض من مستواه الراهن، وأعماق المياه بين الجزر وأشباهها قليلة، والمسافات بين هذه الجزر وبينها وبين جنوب شرقي قارة آسيا قصيرة تسمح بالانتقال بيسر لذلك انتشر السكان الأوائل في الجزر الغربية التي كانت تربطها بآسيا جسور برية. لكن ارتفاع درجات الحرارة وذوبان جليد عصر الفورم رفعا مستوى مياه المحيط فغمرت اليابسة وزادت الأعماق بينها وبين القارة الآسيوية، فانعزل السكان الميلانيزيون السود والبابوا من سكان غينية الجديدة والجزر القريبة منها عن سكان إندونيسية وآسيا وأسترالية. وظلوا في عزلتهم حتى وصول موجات بشرية من آسيا والفيليبين وفرموزة (تايوان) وإندونيسية، قبل نحو 4000-4500 سنة. وقد عاش القادمون الجدد مع سابقيهم من الميلانيزيين وشرعوا في بدء إعمار ميكرونيزية بين 3000-2000ق.م.

فخار لابيتا والحضارة الأوقيانوسية: تأتي اللقى الفخارية في مقدمة الآثار التي اعتمد عليها الباحثون في دراسة تاريخ أوقيانوسية القديم وخاصة الفخار المصنوع الذي عُثر عليه في مواقع كثيرة في ميلانيزية، ويعرف بفخار لابيتا Lapita نسبة إلى الموقع الذي كشف فيه أول مرة في جزيرة بريطانية الجديدة سنة 1909.

إن انتشار حضارة فخار لابيتا على رقعة واسعة من ميلانيزية تمتد من أرخبيل بسمارك في الشمال الغربي حتى جزر تونغة وفيجي في الجنوب الشرقي، وهي أبعد نقاط انتشار الميلانيزيين، يطرح مسألة تاريخية مهمة تؤكد قيام حضارة متطورة في ميلانيزية سبقت حضارة البولينيزيين المتأخرة عنها زمنياً. إذ يقدر عمر فخار لابيتا المزخرف بعمر استيطان الميلانيزيين لجزر شريط انتشار الفخار، الذي يميل الاعتقاد إلى أنه يرجع إلى ماقبل التاريخ ومطلع التاريخ القديم. كذلك تؤكد وجود شعب قديم يؤلف الأسلاف القدماء للبولينيزيين المتأخرين. ولكن لايُعرف بعد ما إذا كان أفراده من الميلانيزيين، أم إنهم من شعب أقدم غير معروف.

بقيت الأحداث المتصلة بإعمار ميلانيزية وميكرونيزية واستيطانهما مقتصرة على الجزر الغربية في أوقيانوسية عملياً، حتى وصول موجات البولينيزيين قادمة من الغرب أيضاً، ويُعتقد أن توغل البولينيزيين في أعماق وسط أوقيانوسية وشرقيها كان للبحث عن جزر غير مأهولة وصالحة للسكن بعيداً عن جزر الغرب الأوقيانوسي. وهكذا توجه البولينيزيون إلى أرخبيلات فيجي وساموة وتونغة واستوطنوها نحو 1140ق.م، وحملوا معهم إليها صناعة الفخار المتأخر عن فخار لابيتا.

طور البولينيزيون حضارتهم ولغتهم و«فولكلورهم» وصناعاتهم المرتبطة بالبحر والملاحة في مواطنهم حتى أصبحت جزرهم مهد حضارة «أوقيانوسية ـ بولينيزية» متقدمة، ارتكزت عليها معارف البولينيزيين المتأخرين وثقافاتهم خاصة، وبقية سكان أوقيانوسية عامة في الألف الأول للميلاد. ومن مواطن الحضارة البولينيزية هذه أبحرت المراكب إلى جهات المحيط الهادئ المختلفة وكشفت مجرة جزره وأرخبيلاته وأعمر البولينيزيون كثيراً منها. ففي أواخر القرن الأول قبل الميلاد وفي أثناء القرن الأول للميلاد انطلق البولينيزيون من مهد سلطتهم في جزر تونغة وساموة إلى أنحاء المحيط الهادئ بحثاً عن مواطن جديدة ومصادر عيش إضافية ورغبة في التوسع والكشف عن جزر لإعمارها واستغلال مواردها الطبيعية، فأبحروا شرقاً وكشفوا أرخبيل ماركيز (ماركيزاس) وكشفوا أرخبيل توكِلاو في الشمال، وجزر أليس في الشمال الغربي. وقد أصبح الأرخبيلان الأخيران تابعين لنواة بولينيزية (تونغة وساموة وفيجي) لقربهما منها. أما جزر ماركيز البعيدة فقد جعلوا منها مركزاً متقدماً أبحرت منه المراكب البولينيزية إلى جزر أوقيانوسية غير المكتشفة. ففي القرن الخامس للميلاد بسط البولينيزيون نفوذهم على أرخبيلات تاهيتي وإيستر، ويعتقد أنهم وصلوا إلى جزر إيستر نحو عام 400. ويعد إبحارهم من جزر ماركيز إلى إيستر في أقصى الجنوب الشرقي منها مغامرة بحرية جريئة وخيالية لبعد الشقة بين الأرخبيلين (نحو 3900كم) ولبدائية المراكب والإبحار عكس التيارات المحيطية والرياح. وقد وجد البولينيزيون في جزيرة إيستر الرئيسية تماثيل حجرية ضخمة مجهولة الهوية حتى اليوم، تنسب أحياناً إلى أناس من أصول عرقية بيضاء (قفقاسية) جاؤوها من البيرو[ر]، من دون دليل قاطع على صحة ذلك.

 

 

وقد أثار وصول البولينيزيين إلى إيستر القريبة من أمريكة الجنوبية، جدالاً حول إدخال البطاطا الحلوة إلى أوقيانوسية، وهي المادة الغذائية الوحيدة التي وصلت إليها من الغرب، إذ يرى بعضهم أن البولينيزيين وصلوا إلى شواطئ البيرو ونقلوها معهم في طريق عودتهم، وآخرون يعتقدون بوصول بحارة من البيرو إلى مشارف أوقيانوسية الشرقية حملوا معهم البطاطا الحلوة إلى بعض جزرها.

أما تاريخ كشف جزر تاهيتي ومجموعة أرخبيل سوسيتي واحتلالها من قبل البولينيزيين فغير معروف على وجه الدقة، لكنه لابد أن يكون بعد إعمار جزر الماركيز، وأنه حصل قبل نحو عام 500 للميلاد، كما يستنتج من دراسة اللقى من الفؤوس الحجرية وحراب صيد السمك وأدوات الزينة والحلي التي عثر عليها هناك. وجاء الكشف عن جزر هاواي واستيطانها بعد ذلك، إذ أبحر البولينيزيون من الماركيز نحو الشمال والشمال الغربي حتى وصلوا إلى مدار السرطان واستقرت مجموعات منهم في هاواي نحو عام 450، ومجموعات أخرى كشفت جزر أرخبيل لاين (الخط) واستوطنتها في التاريخ ذاته تقريباً. وبعد نحو أربعة قرون (بين 800- 900) للميلاد، اتجه الماركيزيون ـ البولينيزيون نحو الجنوب الغربي فكشفوا أرخبيل تواموتو والكثير من جزر بولينيزية الشرقية، كما وصلوا إلى أبعد جزر أوقيانوسية الجنوبية وأكبرها وهي نيوزيلندة. وهكذا انتشر البولينيزيون على رقعة مثلث رؤوسه في هاواي وإيستر ونيوزيلندة، وأصبحوا سادة أوقيانوسية من دون منازع طوال الألف الأول للميلاد والنصف الأول من الألف الثاني، وخاصة بعدما أقاموا مراكز ومستوطنات متفرقة لهم في أنحاء ميكرونيزية وميلانيزية وأعمروا بولينيزية الغربية قبل وصول المستعمرين الأوربيين إلى أوقيانوسية قي القرون الوسطى.

رافق الكشوف البولينيزية والتوسع في جزر أوقيانوسية نشوء حضارة تصح تسميتها بالحضارة الأوقيانوسية ـ البولينيزية أفرزت نحو سنة 1000-1100 للميلاد أشكالاً ثقافية ومظاهر اجتماعية ودينية، من أبرزها ظهور هافايي (راياتيا) لتصبح عاصمة دينية وثقافية لأرخبيل سوسيتي، وكذلك خروج مجموعات من المغامرين المنتمين إلى طبقة اجتماعية رفيعة إلى جزر هاواي وكوك وتوباي وتواموتو لتثبيت أركان السلطة البولينيزية فيها، وإقامة إمارات قبلية فيها، ولاسيما في جزر هاواي التي اتحدت إماراتها في مملكة عاشت حتى سنة 1893. تعد صناعة المراكب والقوارب من أهم منجزات البولينيزيين المادية، إذ بلغ عدد الأنواع التي صنعوها واستخدموها في رحلاتهم المحيطية أكثر من ستة عشر نوعاً، أصغرها يتسع لشخصين مثل قارب «واكا» و«كايب» وأكبرها المركب المسمى «ندوا» و«واكاتاو» الذي يحمل 200-300 محارب بعتادهم. وقد صنعت كلها من الخشب المعشق والمربوط بحبال ولا يدخل أي معدن أو مسمار معدني في أجزائها. وتتصف هذه المراكب والقوارب بسرعتها اللافتة للنظر، وقد قال عنها القبطان الإنكليزي كوك J.Cook سنة 1769 (مكتشف شرق أسترالية) إنها أسرع من سفينته الأوربية السريعة «أنديفور» بمرتين. كما تمتاز من سواها بتزويدها بركائز جانبية متينة أو بأنها مؤلفة من قاربين متصلين مما يحفظ لها التوازن وعدم الغرق بسهولة.

أما خبرة البولينيزيين ومهارتهم الملاحية ومعارفهم البحرية في ذلك الزمن وفي أحوال المحيط الهادئ الطبيعية المعروفة فأمور تستحق الإعجاب وتثير الدهشة، ذلك أنهم لم يعرفوا البوصلة ولا أي وسيلة توجيه مشابهة، ولم يبحروا بمحاذاة سواحل يابسة معروفة قريبة يلجؤون إليها حين الضرورة. وبقدر مااستعان البولينيزيون والميكرونيزيون، في أسفارهم البحرية بالظواهر الطبيعية وحدها، من اتجاهات الرياح وحركات المياه وأشكال الأمواج وألوان المياه والغيوم وهيئاتها وانعكاس الأضواء على قواعدها واختلاف تلونها فوق الجزر البعيدة غير المرئية، فإنهم استدلوا على المواقع والجهات بالشمس والقمر وبأكثر من 150 نجماً، واستفادوا من مشاهدة كل طائر أو عشبة في الماء، وغيرها من أسباب متنّوعة تفسر الانتشار الواسع للبولينيزيين الذين يرجع إليهم فضل كشف أوقيانوسية.

إن التوسع البولينيزي، وإن كانت المهارات والخبرات البحرية ركيزته الأساسية، تبقى له ركيزة أساسية أخرى لا يجوز إغفالها، وهي عدم مجابهة ذلك التوسع بأي مقاومة تذكر. والسبب يرجع إلى خلو الجزر التي كشفها البولينيزيون من السكان إلا ما ندر، وإن وُجدوا فقلة لم تقف عائقاً أمامهم. وهكذا أصبح البولينيزيون سادة آلاف الجزر الأوقيانوسية إلى جانب سيادة الميكرونيزيين والميلانيزيين على أنحاء غربية وجنوبية غربية من أوقيانوسية حتى وصول المستعمرين الأوربيين.

أوقيانوسية والاستعمار الغربي

تاريخ أوقيانوسية بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر هو تاريخ التنافس الاستعماري الغربي ولاسيما الأوربي والكشوف الجغرافية التي ارتبطت به.

وقد رافق وصول سفن المستعمرين الأوربيين إبادة أعداد كبيرة من الأوقيانوسيين الأصليين الذين كانوا عاجزين عن مجابهة القوى الغربية المسلحة بأسلحة متطورة ونارية كانت مجهولة من قبلهم. فبعد رحلة بالبوا (1513) وبعثة ماجلان (1519-1520) ووصول السفن الإسبانية إلى أرخبيل ماريانة التي سميت جزره جزر اللصوص، نشأت المستعمرة الإسبانية الأولى في أوقيانوسية. أعقب ذلك تدفق السفن الأوربية في رحلات كثيرة قام بها الهولنديون (نورت 1598) و(تورِس وكيروس 1605) و(تاسمان 1642) وغيرهم كثيرون. وارتفع عدد البعثات الاستعمارية الأوربية الهولندية والبريطانية والفرنسية والدنماركية إلى أرخبيلات أوقيانوسية إلى المئات مع مطلع القرن الثامن عشر (بعثات ج.أنسون وج.بيرون وس. واليس ول. دوبوغنفيل وج.كوك وبعثاته الثلاث بين 1769-1780 وغيرهم). ولم ينقض القرن المذكور إلا وعالم المحيط الهادئ يواجه استعماراً أوربياً وتنافساً فعلياً بين القوى الأوربية على مناطق النفوذ في أوقيانوسية، ولاسيما بين بريطانية وفرنسة، استمر حتى القرن التاسع عشر الذي شهد ظهور قوتين جديدتين على مسرح الصراع هما ألمانية ثم الولايات المتحدة الأمريكية. فقد احتلت ألمانية أرخبيلات سليمان وبسمارك وغينية الجديدة، كما تغلغلت في جزر ميكرونيزية بعد شرائها من إسبانية عام 1899. كذلك احتلت الولايات المتحدة جزر غوام وويك وهاواي وساموة الشرقية (1898- 1899)، وبدأت تنافِس القوى الأوربية في التوسع في أوقيانوسية وبسط نفوذها على جزرها. علماً أن الولايات المتحدة حصلت على حق استثمار سماد الغوانو من جميع الجزر غير المأهولة، التي يتوافر فيها هذا السماد، وذلك في اتفاقية غوانو لعام 1856.

عجز السكان الأصليون عن التصدي للتوسع الاستعماري واحتلال جزرهم لضعف مقاومتهم للغزاة، وانهيار هذه  المقاومة إن وُجدت للتباين الكبير بين تسلحهم الذي يرجع إلى عهود تاريخية قديمة تقف على عتبة العصر الحجري الحديث، وتسلح الغزاة. فهاواي التي أقام فيها كامهاميها الأول مملكة موحدة عام 1810، ثم تحولت إلى جمهورية عام 1893 لم تتمكن من الصمود أمام الاحتلال الأمريكي. مثلها في ذلك مثل باقي إمارات أو كيانات الجزر الأوقيانوسية أو كياناتها الأقل أهمية. وهكذا أصبح الصراع بين القوى الاستعمارية التقليدية الأوربية وبينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، وانعكاسات النزاعات الدولية في أوقيانوسية وعليها السمة المميزة للأحداث التي سبقت نشوب الحرب العالمية الأولى.

أما سكان الجزر الأصليون فقد سجلت أعدادهم تناقصاً مر ذكره، إضافة إلى تخلخل بنيتهم الاجتماعية وتغيرها باختلاطهم بالوافدين إلى جزرهم من آسيا وأمريكة وأوربة، وارتفاع أعداد هؤلاء وأعداد الهجناء والمولّدين حتى زادت نسبتهم على نسبة السكان الأصليين.

أوقيانوسية في القرن العشرين

اتصف هذا القرن بكثير من الأحداث التاريخية التي ارتبطت بأحداث عالمية أفرزتها الحربان العالميتان الأولى والثانية من جهة، والتطورات التقنية في وسائل النقل البحرية والجوية وأثرها في أهمية جزر أوقيانوسية من جهة ثانية. وأدى ظهور اليابان قوة مؤثرة في الأحداث إلى نتائج جديدة في توازن القوى الاستعمارية. فبعد انتصار اليابان على روسية عام 1905، دخلت مسرح التنافس في أوقيانوسية فاستولت على الممتلكات الألمانية في ميكرونيزية مع بداية الحرب العالمية الأولى، وحصلت بعدها على حق الانتداب عليها عام 1920-1922. كذلك احتلت أسترالية المستعمرات الألمانية في جنوب غربي أوقيانوسية عام 1914، وأصبحت دولة منتدَبة عليها. وهكذا تم إبعاد ألمانية عن مسرح الأحداث في أوقيانوسية مقابل ظهور اليابان وأسترالية مكانها بعد الحرب العالمية الأولى. وقد ارتبطت التطورات المذكورة بتحسن وسائل النقل البحرية والجوية فازدادت أهمية جزر أوقيانوسية من الناحية التجارية بوصفها محطات للسفن والطائرات، ومن الناحية الاستراتيجية بوصفها قواعد عسكرية وخاصة بعد الحرب العالمية الأولى وإبان الحرب العالمية الثانية.

إن الحرب العالمية الثانية ودخول اليابان فيها طرفاً معادياً للحلفاء والولايات المتحدة الأمريكية كانت أكبر حدث تاريخي أثر في مسرح العمليات الحربية في المحيط الهادئ. ففي 7 كانون الأول 1941 باغتت اليابان أضخم قاعدة عسكرية أمريكية في بيرل هاربر وكبدت أمريكة خسائر فادحة جداً، تبع ذلك التوسع الياباني السريع، إذ استطاعت احتلال أجزاء المحيط الغربية كافة وهددت الهند وأسترالية وأصبحت ميكرونيزية وميلانيزية، وبولينيزية الغربية تحت سيطرتها في ستة شهور ونيف. وتوالت هزائم الأمريكيين والأستراليين والإنكليز، لكن الحلفاء استعادوا السيطرة على الموقف في المحيط الهادئ، وهُزمت اليابان في معارك عام 1944. وبعد استسلام اليابان إثر ضربها بالقنبلتين الذريتين وانتهاء الحرب العالمية الثانية، أضحت الولايات المتحدة القوة الأولى في أوقيانوسية بسيطرتها على أكثر من 2141 جزيرة تقع شمال خط الاستواء وغرب خط التوقيت الدولي، إضافة إلى الجزر التي كانت تحت الانتداب الياباني قبل الحرب، ووُضعت تحت الإدارة الأمريكية عام 1947.

أما باقي جزر أوقيانوسية فبقيت تحت حكم بريطانية وفرنسة وبقي بعضها تحت الإدارة الأسترالية والنيوزيلندية. وقد حصل بعضها على استقلاله من ذلك بابوا ـ غينية الجديدة وتونغة وسامة الغربية وناورو، كما أن عدداً آخر يسعى إلى الاستقلال.

دمرت الحرب غالبية الجزر ومنشآتها، وكان من آثارها انهيار الاقتصاد المحلي والبنية الاجتماعية للسكان الأصليين، وزادت المعاناة بعد الحرب، وأخذت أنماط الحياة الأمريكية بسلبياتها وإيجابياتها تطغى على أساليب عيش السكان. كذلك تراجعت أهمية كثير من القواعد الجوية في أوقيانوسية بسبب التطور الكبير في مجال الطيران السريع والبعيد المدى، كما تحولت بعض جزرها إلى حقول تجارب نووية وهدروجينية مما أضر بالبيئة والسكان.

 

عادل عبد السلام

 

الموضوعات ذات الصلة:

 

أسترالية ـ إندونيسية ـ بابوا ـ غينية الجديدة ـ الحرب العالمية الثانية ـ نيوزيلندة ـ الهادئ (المحيط ـ) ـ الولايات المتحدة الأمريكية ـ اليابان.

 

مراجع للاستزادة:

 

- K.P.Emory. and D.Lewis, Isles of Pacific. Nat. Geogr. Vol. 146 No.6 (Washington 1974).

- R.L.Stevenson. In the South Seas (London 1900).

- F.M.Kessing. The South Seas in the Modern World (N.Y 1941).

- G.L.Wood, the Pacific Basin: A Human and Economic Geography (Oxford 1942).


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
المجلد: المجلد الرابع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 285
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1045
الكل : 58492848
اليوم : 65362

فينيشنكو (فلاديمير-)

ڤينيشنكو (ڤلاديمير ـ) (1880ـ 1951)   ڤلاديمير ڤينيشنكو Volodymyr Vynnychenko كاتب وسياسي أُكراني من أصول فلاحيّة، ولد في مقاطعة يليزاڤيت غراد Yelisavetgrad بمنطقة بولتاڤا Poltava. درس في جامعة كييڤ؛ لكنه لم يتمكّن من التخرج لضيق ذات اليد. اعتقلته السلطة الروسية الحاكمة عام 1903. انتسب إلى حزب الثورة الأُكرانيRUP، ثم إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي الثوري USDRP، وغادر بلاده مع بدء الحرب العالمية الأولى ساعياً إلى تعرّف الحركات الثورية وأدبها، ثم عاد إلى روسيا، وعاش فيها متخفياً، ونشر أدبه باسم مستعار.
المزيد »