logo

logo

logo

logo

logo

التفسير (علم-)

تفسير (علم)

Tafsir - Tafsir

التفسير (علم ـ)

 

التفسير في اللغة: مأخوذ من الفَسْر، وهو الإبانة والكشف. وفي الاصطلاح: علم يُفْهَم به كتابُ الله المُنَزّلُ على النبي محمد e، ويبين معانيه ويستخرج أحكامه وحِكَمِه.

ويستعمل العلماء مصطلح «التأويل»[ر] للدلالة على التفسير، ويكثر ذلك في تفسير الطبري[ر] «جامع البيان».

وترجع نشأة التفسير إلى عهد النبيr، فقد فسر للصحابة ما غمض عليهم فهمه من بعض آيات القرآن، وفصل ما جاء فيه مجملاً، مثل بيانه لكيفية الصلاة، وأوقاتها وعدد ركعات كل صلاة، وما يقرأ المصلي ويفعل في كل ركعة، وفَصَّل أنصِبَةَ الزكاة وما تجب فيه وما لا تجب. وبَيّن كيفية الحج والعمرة[ر]، وبيّن ما كان من القرآن عاماً وهو مخصوص، أي استثنى منه بعض أفراده، أو مطلقاً لكنه مقيد، أي مشروط بشروط، وهكذا مما لا يُسْتَغنى فيه عن الحديث في دراسة القرآن.

ثم جاء الصحابة فأخذوا بما فسره النبي e، وشرحوا ما لم يجدوا له تفسيراً عنه باجتهادهم، وربما اختلفوا في بعض الآيات وتناظروا فيها، متجردين لطلب الحق، إن اقتنع أحدهم برأي الآخر أخذ به، وإلا عذر كل واحد الآخر في اجتهاده ووسّع له فيه.

ونجد منذ عصر الصحابة منهجية التفسير واضحة، فهم يعتمدون على القرآن والسنة، ثم على اللغة العربية، كما يتضح من مناسبات كثيرة جداً، أشهرها وأوفاها مسائل نافع بن الأزرق من زعماء الخوارج[ر. الأزارقة]، لابن عباس[ر]، وفي هذا الحوار يبدو اعتماد عبد الله بن عباس على اللغة وشواهدها من كلام العرب جلياً، كما نجد الصحابة يبينون أن مِنْ علم التفسير مستوى لا يجوز لأحد أن يجهله، ومستوى يعلمه العلماء.

واستمرت الحال هكذا في عصر التابعين[ر] لكن ازدادت الوقائع التي يراد بحثها في القرآن والمسائل التي يُراد معرفتها منه فتوسع علم التفسير، ثم أخذ طريقه إلى التدوين.

أول ما دون هذا العلم بدايات يسيرة جمعها بعض التابعين مثل تفسير مجاهد بن جبر[ر] الذي اعتمد فيه على ابن عباس. ثم دَوّنه عدد من الأئمة في القرن الثاني، وكان مقتصراً على جمع ما ورد في تفسير الآيات من حديث نبوي أو قول صحابي أو تابعي، يروون كل ذلك بسندهم إلى صاحب القول المروي. كما نجده في تفسير عبد الرزاق بن همام الصنعاني.

ثم أضاف العلماء إلى هذا المنقول دراسات لغوية وبعض اجتهادات لهم. ثم جاء من اقتضب جانب الرواية في التفسير وتوسع في جوانب اللغة والبلاغة والاجتهاد. وما وصل إليه من عمق النظر في تفسير القرآن الكريم.

ومن هنا انقسم التفسير إلى قسمين رئيسين، هما منهجان في التفسير، أولهما: التفسير بالمأثور. والثاني: التفسير بالرأي.

أما التفسير بالمأثور: فإنه يشمل ما جاء في القرآن نفسه من البيان والتفصيل، وما جاء عن الرسول وأصحابه، أما ما ينقل عن التابعين فلم يعدّه بعض العلماء من التفسير المأثور، لكن كتب هذا اللون ضمت ما نُقِل عن التابعين في التفسير.

وقد تسرب الخلل إلى التفسير بالمأثور، حتى كاد يُفقد الثقة به لولا جهود العلماء المحققين، ويمكن إجمال أسباب ضعفه في أمرين:

السبب الأول: الإسرائيليات، وهي الثقافة السائدة لدى أهل الكتاب[ر]، ومبدأ دخولها في التفسير يرجع إلى عهد الصحابة، غير أن الصحابة احتاطوا، فلم يسألوا أهل الكتاب عن كل شيء، ولم يقبلوا منهم كل شيء. أما التابعون فقد توسعوا فيها، وكثرت في عهدهم الروايات الإسرائيلية، لكثرة من دخل في الإسلام من أهل الكتاب في ذلك الوقت.

وقد بالغ بعض العصريين من أجانب ومسلمين في رفض الإسرائيليات في التفسير، غافلين عن أن قسماً منها صحيح لموافقته القرآن والحديث الثابت. ومنها مسكوت عنه لا يوافق ولا يخالف، وهذا حكمه أنه لا يُصدَّق ولا يُكذَّب، أما ما يعلم كذبه فلا يجوز نقله ولا قبوله، وقد حث العلماء على التخفف من الإسرائيليات لعدم فائدتها، فالقرطبي محمد بن أحمد[ر]، يعلن في ابتداء تفسيره الضخم «الجامع لأحكام القرآن» أنه أسقطها من كتابه.

السبب الثاني: حذف الإسناد، وذلك أنه منذ ظهر الوضع صار الصحابة يسألون عن الإسناد فكان ما يرويه السابقون لا يروونه إلا بالإسناد، سواء قول النبيr أو الصحابة أو من بعدهم.

ثم جاء قوم متأخرون ألفوا في التفسير فحذفوا الأسانيد اعتماداً على وجودها في مؤلفات الأولين، وابتعد عن المصادر الأولى مما جعل الأمر يلتبس ويشتبه، الأمر الذي يستلزم من الدارس التحقق من صحة ما يقرأ من التفسير المأثور.

وأهم المصنفات في التفسير المأثور:

1ـ «جامع البيان في تفسير القرآن»، لمحمد بن جرير الطبري[ر].

2ـ «تفسير القرآن العظيم»، لإسماعيل بن كثير[ر].

3ـ «لباب التأويل في معاني التنزيل»، لعلي بن محمد الخازن[ر].

4ـ «الدر المنثور في التفسير بالمأثور»، لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي[ر].

وأما التفسير بالرأي: فهو تفسير القرآن بالاجتهاد اعتماداً على العلوم والأدوات التي يحتاج إليها المُفَسر. وقد كان هذا التفسير موضع خلاف في جوازه منذ زمان قديم، طال الجدال والاستدلال حول جوازه أو منعه. لكن العمل استقر على جواز التفسير بالرأي إذا استوفى شروطه المقررة، وحقق أئمة التفسير أن الخلاف السابق ليس حقيقياً، لأن الذين منعوا التفسير بالرأي أرادوا نوعاً من التفسير لا يجري على أصول اللغة، أو لا يوافق الأدلة الشرعية، أو يقصر عن توافر شروط التفسير فيه، وهذا لا خلاف في منعه، أما الذي يوافق لغة العرب وأدلة الشرع وشروط التفسير الواجبة، فهذا لا خلاف فيه، وقد نُقلت اجتهادات من هذا النوع عن مانعي التفسير بالرأي، مما يوضح ما سبق.

وأهم ما يشترط لجواز التفسير بالرأي ما يأتي:

أولاً: استيفاء العلوم التي يحتاج إليها المفسر، وهي:

1ـ علوم اللغة العربية بأنواعها وفروعها.

2ـ علم القراءات[ر].

3ـ علم أصول الدين، أي العقيدة، والفرق الإسلامية، والأديان الأخرى.

4ـ أصول الفقه[ر].

5ـ الحديث، ولاسيما ما يُفسر القرآن مباشرة، مثل أسباب النزول، وتفصيل المجمل.

6ـ علم التاريخ.

7ـ الإلمام بمسلمات العلوم الحديثة.

ثانياً: أن يعتمد المفسر على من تقدمه، كيلا يخرج على الإجماع[ر] اغتراراً بأمر بدا له، وليستنير في فهمه بجهد السابقين.

ثالثاً: الموضوعية والدقة، فيجب على المفسر أن يتحرى مطابقة التفسير للنص المفسَّر، وأن يتحرّز ويتجنب النقص فيما يحتاج إليه لإيضاح المعنى، أو الزيادة بما لا يليق بغرض الآية، أو من كون التفسير قد مال عن المعنى المراد وخرج عن طريق النص.

وعلى المفسِّر أيضاً مراعاة المعنى الحقيقي والمجازي، وائتلاف الآيات بعضها مع بعض وترابطها.

رابعاً: أن يتصف المفسِّر بالعدل والإنصاف في بحثه، وأن يبعد عن نفسه ونيته مقاصد الهوى أو الانحراف عن الموضوعية، وأسباب ذلك كثيرة، لا يسلم منها إلا القليل من كبار العلماء الذين هم كمَلَة الرجال.

وأهم كتب التفسير بالرأي:

 1ـ «الكشاف»، لجار الله محمود الزمخشري[ر]، وعني فيه بالانتصار لمذهبه الاعتزالي.

 2ـ «مفاتيح الغيب» لفخر الدين الرازي[ر].

 3ـ «الجامع لأحكام القرآن»، لأبي عبد الله محمد القرطبي (ت671هـ).

 4ـ «أنوار التنزيل وأسرار التأويل»، لعبد الله بن عمر البيضاوي[ر].

 5ـ «مدارك التنزيل وحقائق التأويل»، لأبي البركات عبد الله النسفي[ر].

 6ـ «البحر المحيط»، لأبي حيان محمد بن يوسف الغرناطي الأندلسي[ر].

 7ـ «إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم»، لأبي السعود محمد العمادي (ت 982هـ).

 8ـ «روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني»، لمحمود الألوسي[ر].

وفرعوا على التفسير بالرأي أنواعاً أهمها:

 1ـ التفسير الإرشادي، ويسمى أيضاً التفسير الصوفي: وهو تأويل آيات القرآن على معنى غير ما يظهر منها، بمقتضى إشارات خفية تظهر لأرباب السلوك ـ أي الصوفية ـ [ر: التصوف الإسلامي]، ويمكن التوفيق بينها وبين الظواهر المرادة للآية.

وهذا الشرط الأخير ـ وهو أنه يمكن التوفيق بينها وبين الظواهر المرادة ـ شرط مهّم جداً، لأنه يفيد انضباط التفسير بما يحتمله كلام العرب، الذي نزل به القرآن، ويجب فهمه على وفق كلام العرب كما يفيد التزام المعنى الظاهري الأصلي المأخوذ من كلام الله تعالى والعمل به قطعاً، وإلا خرج عن أن يكون تفسيراً إشارياً.

وأهم مصادر التفسير الإشاري المستوفية لشروطه التي أجملناها كتاب: «لطائف إشارات» لأبي القاسم عبد الكريم القشيري[ر].

 2ـ التفسير الفقهي:وهو التفسير الذي يُعنى فيه بدراسة آيات الأحكام وبيان كيفية استباط الأحكام منها. والتفسير بهذه الصفة يتصف بمزيد من دقة الفهم وعمق الاستنباط، ويقتضي إعمال الذهن في الموازنة بين الآراء ومناقشتها بعمق ودقة أكثر من غيره.

وأشهر تفاسير هذا النوع:

 1ـ «أحكام القرآن» لأبي بكر أحمد بن علي الرازي الحنفي المعروف بالجَصَّاص (ت 370هـ).

 2ـ «أحكام القرآن» لأبي بكر محمد بن عبد الله المعافري المعروف بابن العربي[ر].

التفسير في العصر الحديث

في مطالع القرن الرابع عشر الهجري في ظل احتلال الأجنبي لكثير من البلاد الإسلامية، احتدم الصراع الفكري في البلاد الإسلامية، وفي ظل الانبهار والدهشة من تفوق الأجنبي، جاءت بحوث عدد من العلماء والمفكرين المسلمين. متأثرة بمناهج الأجانب ومفهومات المادية البحتة التي كانت متسلطة عليهم جداً آنذاك. فأنكر بعض المسلمين المعجزات المادية وأول الآيات القرآنية الواردة فيها تأويلاً بعيداً متكلفاً، وأنكر بعضهم نبوة آدم وتأول قصته، وقال آخر: بتأويل الملائكة أنهم الخاصة أو الروح في المخلوق «تفسير القرآن الحكيم» للشيخ محمد عبده بتحرير تلميذه محمد رشيد رضا.

وقد ظهرت ردود ومناقشات حول هذه القضايا، لكن لم يظهر تفسير كامل يلتزم منهج التفسير آنذاك.

ثم في نحو الربع الأخير من القرن الرابع عشر المقارب لمنتصف القرن العشرين، ظهر تفسير متأثر بالمأثور كثيراً هو تفسير «محاسن التأويل»، لعلامة الشام الشيخ جمال الدين القاسمي.

ثم ظهرت تفاسير ذات أساليب مبتكرة تعتمد على أصول التفسير، من ذلك مثلاً:

أولاً: التفسير المنهجي: وهو لون من التفسير يتبع أصول التفسير وخطواته المقررة، ويفرد كل واحدة في فقرة، مثل فقرة أسباب النزول، والمفردات اللغوية، وهكذا..

ثانياً: التفسير الأدبي الاجتماعي: وهو تفسير يبرز الإعجاز الأدبي واللغوي للقرآن. ويعتمد في عرض معانيه على الأسلوب الأدبي الجذاب.

ثالثاً: التفسير العلمي: وهو التفسير الذي يجتهد في استخراج مختلف العلوم والآراء الفلسفية من القرآن الكريم.

ويرجع هذا التفسير إلى قرون خلت لكنه أخذ في هذا العصر اهتماماً عظيماً لدى الناس لما كشف عنه تقدم العلم من إعجاز القرآن بتصديقه الحقائق العلمية.

وقد وقع من بعض الكاتبين غلو وجنوح، منهم مَن تكلف في تفسير الآيات بما يخرج عن أصول التفسير، ومنهم من فسر آيات على وفق أشياء لم تثبت. لذلك لابد في التفسير العلمي من شرطين:

 1ـ مراعاة أصول التفسير.

 2ـ أن تكون القضية العلمية المبحوث عنها حقيقة ثابتة.

رابعاً: التفسير الإجمالي: وهو تفسير يعرض مقاصد الآيات أو خلاصة معانيها دون دخول في تفاصيل المفردات وجزئيات المعنى أو الدراسة.

وقد شغل هذا التفسير مساحة واسعة في الخطب والمقالات والبحوث الثقافية الإسلامية، لكن كثُر دخول مَن ليس من أهل التفسير فيه. مما يستلزم تأكيد وجوب مراعاة قواعد التفسير فيه.

خامساً: التفسير الموضوعي: وهو تفسير يدرس القضايا بحسب دلالة الآيات القرآنية في القرآن كله أو بحسب مقصد سورة منه.

وعني المعاصرون بالتفسير الموضوع لملاءمته حاجة العصر، ودراسة القضايا المستجدة في ضوء القرآن.

وهكذا جاءت جهود المفسرين بأساليب تلائم حاجة كل عصر، وتبرز معاني القرآن وأحكامه وإعجازه في أسلوبه ومضمونه وهدايته.

 

نور الدين عتر

 

الموضوعات ذات الصلة:

 

أبوحيان الأندلسي ـ الزمخشري ـ القراءات (علم ـ).

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ بدر الدين محمد الزركشي، البرهان في علوم القرآن)دار إحياء الكتب العربية، مصر).

ـ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، الإتقان في علوم القرآن (مصطفى البابي الحلبي، مصر).

ـ ابن تيمية، مقدمة التفسير (الترقي، دمشق 1936).


التصنيف : الشريعة
النوع : دين
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 700
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1049
الكل : 58480733
اليوم : 53247

أحمد بن محمد بن مراد

أحمد بن محمد بن مراد (998-1026هـ/1590- 1617م)   هو السلطان العثماني الرابع عشر (1012-1026هـ/1603-1617م) ويعرف بالسلطان أحمد الأول, وهو الابن الأكبر للسلطان محمد الثالث (1595-1603م). ولد في مانيسة. خلف أباه في السلطنة واستمر في الحكم إِلى أن توفي إِثر مرض عضال. لم يقتل السلطان أحمد الأول أخاه, للتخلص من منافسته, بل اكتفى بأن أرسله إِلى السرايا العتيقة حيث أقام ليخلفه في الحكم من بعده. ولصغر السلطان عند اعتلائه عرش السلطنة فقد اعتمد على أمّه ثم على كبير طواشية القصر درويش محمد آغا.
المزيد »