logo

logo

logo

logo

logo

التنوخي (المحسن بن علي-)

تنوخي (محسن علي)

Al-Tanukhi (al-Muhssin ibn Ali-) - Al-Tanukhi (al-Muhssin ibn Ali-)

التَّنُوْخِيّ (المُحَسِّنُ بْنُ عليّ ـ)

(327 ـ 384هـ/939 ـ 994م)

 

أبو عليّ المحسِّنُ بن عليّ بن محمد التنوخي البصري ينتهي نسبُه إلى قبيلة تنوخ القُضَاعية مِن أعيان القضاء والأدب والشعر والأخبار.

ولد المحسِّن بالبصرة في بيتِ علمٍ وفقهٍ، ونشأ محبّاً للدرس، فقد ذكر عن نفسه أنَّه في سنة 335هـ «كان بالمكتب وهو مُتَرَعْرِعٌ يفهمُ ويحفظُ ما يسمع، ويضبطُ ما يجري». وِممّا أسهمَ في ثِقَافِه واستوائِهِ عالماً ضابطاً أَخْذُهُ عن ثُلَّة من أعلام عصره على رأسهم والدُه القاضي أبو القاسم علي بن محمد التنوخي (278-342هـ)، وأبو بكر محمد بن يحيى الصُّولِي (ت 335هـ)، وأبو عمر محمد بن عبد الواحد المعروف بغلام ثعلب (ت 345هـ)، وأبو الفرج الأصفهاني (ت 356هـ) الذي أجاز له رواية كتابه الشهير «الأغاني»، وأبو إسحاق الصابئ (ت 384هـ)، ولقي طائفة من الشعراء وسمع منهم على رأسهم شاعر العربية أبو الطيب المتنبي (ت 354هـ)، وابن سُكَّرة (ت 385هـ)، وابن حجَّاج (ت 391هـ).

شبَّ المحسِّن بالبصرة، وتفقّه وشهد عند القاضي أحمد بن سيَّار قاضي الأهواز. ولمَّا نزل الوزير الحسن بن محمد المُهلّبي (ت352هـ) بالسّوس قَصَدَهُ المحسِّن للسلام عليه وتجديد العهد بخدمته، وكان والد المحسِّن في خدمتِه ومِن خاصّته، فرحّب به الوزير، وطلب إليه أنْ يلحقَ به في بغداد ليقلّدَه القضاء فأطاع، وقلّدَه القضاء في أماكن عدّة. واستقرار المحسِّن في بغداد سهّل لهُ الاتصال بطائفة من العلماء والشعراء، ثمَّ قويت صلتُه بعضد الدولة البُويهي (ت 387هـ)، فقلّده أعمالاً كثيرة إلى أن وقعَ بينهما ما صرف عضد الدولة عنه.

تمذهب المحسِّن لأبي حنيفة، وتمسّك بالاعتزال ودافع عنه، وتعرّض للصوفيّة، وساق في تآليفه أخباراً وحكايات تدلُّ على اعتقاده بالتنجيم والعِيافة والزجر، ولعلّ اضطراب القرن الرابع الهجري وما ألمّ به مِن أحداثٍ جِسامٍ هو الذي حَمَلَه على هذا الاعتقاد.

رُزق المحسِّن بولدٍ أسماه علياً، وسار النجل على هَدْيِ ناجلِه وصار عليٌّ علماً من أعلام القضاء والأدب في عصره، وترجم له ياقوت في «معجم الأدباء».

وللمحسِّن شِعْرٌ نَثَرَ بعضَه في تآليفِه، وأورد الثعالبيُّ (ت 429هـ) في «يتيمة الدهر» نُتَفَاً مِنه ارتاب في نسبة بعضها إليه، وشعره شِعْرُ العلماء الذي تُثْقِلُه وطأة العلم، وله ديوانٌ رآه أبو نصر سهل بن المرزبان في بغداد لم يسلم مِن عوادي الدهر.

ترك المحسِّن للمكتبة العربيّة تآليف نادرة المثال، طُبع منها «المُسْتَجاد مِن فِعْلات الأجواد»، وهو سِفْرٌ جامِعٌ لأخبار الكرماء في الجاهلية والإسلام، بلغت عدّة أخباره نحو مئة وخمسين خبراً، يحمل في ثناياه أدباً وشعراً وأخلاقاً وتاريخاً واجتماعاً، عرض فيه مؤلفه صور الكرماء كما عرض الجاحظ (ت255هـ) صور البخلاء، وجملة هذه الأخبار التي أوردها المحسِّن صحيحة، وربما دخلها شيء من المبالغة للتأثير في النفوس، وهي أخبارٌ عن آل البيت، ومعاوية، ويزيد، وعبد الملك بن مروان، والرشيد، والمأمون، والفضل بن سهل، وأبو دُلَف العجلي، والمهلّب بن أبي صفرة وغيرهم.

و«الفَرَج بعد الشدّة» حشد فيه مؤلِّفه من طريف الأخبار والأشعار وغريب القصص والحكايات التي تدعو إلى التجمُّل بالصبر وأنَّ كلَّ ضيقٍ وإنْ عَظُمَ إلى انفراج. وقد ألَّفه في أواخر أيامه على أثر مِحَنٍ تعرض لها وشدائد ابْتُلِيَ بها، وبعد أنْ اطلع على ثلاثة كتبٍ تحمل العنوان نفسه لأبي الحسن المدائني، ولابن أبي الدنيا، ولأبي الحسين عمر بن محمد الأزدي، وذكر أنَّه نَثَرَ ما في الكتب الثلاثة في مواضعِه مِن أبواب كتابه إلاَّ ما اعتقد أنَّه لا يجب أن يدخل فيه. ومِن مصادره في هذا الكتاب «الآداب الحميدة والأخلاق النفيسة» لابن جرير الطبري، و«الأغاني» للأصفهاني، و«الأوراق»، و«الوزراء» وكلاهما للصولي وغيرها. وترك هذا الكتاب أثراً فيمن صنَّف بعدَه ، ولاسيما عند ابن قضيب البان (ت1096هـ) الذي اجتاح منه كثيراً في كتابه «حلّ العقال الذي يتخلصُ مَنْ يلتجئُ إليه مِن أهوال الأحوال».

و«نِشْوَار المحاضرة وأخبار المذاكرة» وفيه حشْدٌ حاشدٌ من أخبار الملوك والخلفاء والندماء والمحدثين والفقهاء والرُّجَّاز والعروضيين والمُجّان والبُلْه والكحّالين وغيرهم من طبقات المجتمع. وقد قضى التنوخي في تأليفه نحواً مِن عشرين عاماً، واشترط على نفسه أَلاَّ يُضَمِّنَهُ شيئاً نقله من كتاب، بل هو مِمّا التقطه من أفواه الرجال وما دار بينهم في المجالس. وسمَّاهُ النِّشْوار لأنَّ النِّشْوار عندَه ما يظهر من الكلام الحسن ، ومعنى النشوار الأصلي ما تبقي الدابة من علفها. والذي حرَّكه لتصنيف هذا الكتاب أنَّه لقي أشياخاً قد عرفوا أخبار الدول، وشاهدوا كلَّ غريبٍ وعجيب، فلمّا مات أكثرهم خشي على هذه الأخبار من الضياع فدوَّنها في هذا الكتاب، ولاسيما أنَّه رأى ملوك عصره لا تأتي من الفضل بمثل ما تحتويه تلك الأخبار مِن النُّبْلِ. ونَثَرَ فيه من شعر المحدثين، وحكمة الأمم، وطريف الأخبار ما جعلَه من مجاميع كتب الأدب العامة. وجعل في مقدمة كل جزءٍ رسالة تدلُّ على جنس الأخبار المُوْرَدَة والغرض منها والباعث على جمعها. وقد ترك هذا الكتاب أثراً فيمن صنَّف بعده ولاسيما عند ياقوت الحموي في معجَمَيْهِ «البلدان» و«الأدباء»، وابن الجوزي في «المنتظم» و«الأذكياء» و«أخبار الحمقى والمغفَّلين» و«تلبيس إبليس»، وغيرهما.

 

محمد قاسم

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ الثعالبي، يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر، دار الكتب العلمية (بيروت 1983).

ـ الذهبي، سير أعلام النبلاء، مؤسسة الرسالة (بيروت 1981).

ـ ابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب، دار المسيرة (بيروت).


التصنيف : التاريخ
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد السابع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 46
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1055
الكل : 58481596
اليوم : 54110

ما بعد الأخلاق

ما بعد الأخلاق   ما بعد الأخلاق meta-ethics، فرع من علم الأخلاق ethics يدرس البناء المنطقي للغة الأخلاقية، ولدلالة المصطلحات والأحكام الأخلاقية. وهو علم  يعلو على الأخلاق المعيارية ويسبقها، فلا يهتم بوضع معايير أخلاقية كما هي الحال - على سبيل المثال - عند كانْت [ر] Kant وجون ستورات مِلْ [ر] Mill، بل يسعى إلى نقد وتحليل المعايير والمفاهيم الأخلاقية التي وضعها الفلاسفة فعلياً في نظرياتهم، وبذلك تكون علاقة علم مابعد الأخلاق بالنظريات الأخلاقية كعلاقة «فلسفة العلم» بالنظريات العلمية. وقد أدخل هذا المصطلح في علم الأخلاق  الوضعيون المناطقة، تشبيهاً بعلم مابعد الطبيعة، ولتمييز الأخلاق الفلسفية الخالصة من الأخلاق المعيارية.
المزيد »