logo

logo

logo

logo

logo

الترجمة عند العرب (حركة-)

ترجمه عند عرب (حركه)

Translation - Traduction

الترجمة عند العرب (حركة ـ)

 

الترجمة من أنجع السبل التي سلكتها الأمم لتبادل المعارف والثقافات. وقد حرصت الأمة العربية، منذ أن قامت دولتها، على نقل علوم من جاورها أو خالطها من الأمم وآدابهم، كالفرس والسريان والروم والهنود. وقد قامت بتعريب كثير من الألفاظ والمصطلحات الأعجمية، فأدخلتها في لغتها، واشتقت منها ألفاظاً ذات مدلولات مختلفة، مما يجعلها من أغنى لغات العالم بالألفاظ والمعاني.

بدأت الترجمة من اللغات الأجنبية إلى العربية قبيل ظهور الإسلام، فكان لدى الأكاسرة ديوان خواص بالترجمة من العربية وإليها، وكان من المشتغلين في هذا الديوان زيد العبادي وابنه عديَّ. وكان لقيط بن معمر كاتباً ومترجماً في قصر كسرى، يكتب من الفارسية إلى العربية، ومن العربية إلى الفارسية.

وورد في كتب أهل الأخبار أن الأحناف كانوا يقرؤون في مكة الكتب ويتبحرون في التوراة والإنجيل، ومنهم من وقف على اللغة الآرامية أو على العبرانية. ومن هؤلاء ورقة بن نوفل. ويقول ابن حجر إن ورقة تعلم اللسان العبراني والكتابة العبرانية، وتضيف رواية أخرى أنه كان يكتب من الإنجيل بالعربية. كما كان النضر بن الحارث بن كَلَدة يتجر إلى فارس فيشتري كتب الأعاجم، رستم وإسفنديار، فيحدث بها القرشيين، لأنه كان يتقن الفارسية. لكنه لم يترجمها كتابة إلى العربية.

كان بعض أهل يثرب يعرف الكتابة والقراءة، وبعضهم كان يعرف أكثر من لغة (العربية والسريانية)، وكان من هؤلاء بعض كتاب الرسول عليه الصلاة والسلام.

الترجمة في العصر الأموي

بدأت الترجمة إلى العربية بشكل منتظم، منذ قيام الدولة الأموية. فقد وجد العرب في البلاد التي فتحوها مؤسسات علمية وخزائن كتب عامرة، وخاصة في مدينة الاسكندرية التي اشتهرت بمدرستها والتي يعود تاريخ تأسيسها إلى عهد البطالسة. وقد استفاد العرب من البرديات والقراطيس المحفوظة في خزائن تلك الدور، كما استعانوا بعلمائها لترجمة تلك المؤلفات وشرحها.

إن أول ترجمة ظهرت في الإسلام كانت بتشجيع من الأمير خالد بن يزيد بن معاوية (ت 85هـ).درس خالد بن يزيد العلوم والحكمة على أحد رهبان الاسكندرية، ويدعى مريانوس، فنقل له كتباً في صنعة الكيمياء. كما درس الحكمة وعلم النجوم على راهب آخر يدعى اسطفانوس. وقد استفاد خالد بن يزيد من الكتب التي ترجمت له فألف كتباً في الصنعة (الكيمياء).

وفي عهد الخليفة الأموي مروان بن الحكم (ت 65هـ) نقل طبيب من البصرة، يدعى ماسرجويه، كناشاً في الطب للقس أهرن[ر] من السريانية إلى العربية. والخطوة الثانية في النقل إلى العربية كانت تعريب ديوان الخراج. كان هذا الديوان في أوائل الدولة الأموية يدوَّن باللغة الفارسية بالعراق. وفي أيام الحجاج بن يوسف (ت 95هـ) قام صالح بن عبد الرحمن، مولى بن تميم، بنقله إلى العربية.

أما في بلاد الشام فكان ديوان الخراج بالرومية (اليونانية) ونقله إلى العربية كاتب الرسائل أبو ثابت سليمان بن سعد في خلافة عبد الملك بن مروان (ت 86هـ).

وفي خلافة هشام بن عبد الملك (ت 125هـ) نقل الكاتب أبو العلاء سالم، وكان أحد الفصحاء البلغاء، رسائل أرسطاطاليس إلى الاسكندر المقدوني، أو نقل له غيره وأصلح هو النقل. وممن نقل عن الفارسية جبلة بن سالم، كاتب هشام بن عبد الملك، ترجم كتاب رستم وإسفنديار، وكتاب بهرام شوس.

غدت اللغة العربية لغة الدواوين في أنحاء الدولة العربية الإسلامية جميعها. ونتج من ذلك اضطرار الشعوب المسلمة غير العربية إلى تعلم لغة القرآن الكريم والحديث الشريف، للعمل بأحكام الشريعة الإسلامية، وللتفاهم مع إخوانهم في الدين. كانت اللغة السريانية لغة سكان الهلال الخصيب، وكان هؤلاء السكان على الدين المسيحي بمذهبه النسطوري واليعقوبي، وكانت بعض الألفاظ اللغوية مشتركة بين العربية والسريانية، لذلك فقد حصل تقارض بين اللغتين. وصار كثير من سكان سورية وجزيرة ابن عمر يحسنون التكلم باللغتين ومن أشهر المترجمين السريان الذين ظهروا في العصر الأموي يعقوب الرهاوي، الذي نقل كثيراً من كتب الإلهيات من اليونانية إلى العربية.

الترجمة في العصر العباسي

نشطت حركة الترجمة في العصر العباسي من جراء اتصال العرب بالأمم الأخرى وحضاراتها، وتناولت شتى آفاق المعرفة.

لم يكن العرب، قبل العصر العباسي، يهتمون بالفلسفة والعلوم لانشغالهم بالفتح وتوطيد دعائم الحكم، ولاهتمام علمائهم بدراسة علوم الدين واللغة. إلا أن اتصالهم بالشعوب المجاورة أشعرهم بحاجتهم إلى الوقوف على علومها وحضاراتها. كما أن التماسّ المباشر الذي تمَّ بين المسلمين وأهل الكتاب نشأ عنه كثير من المجادلات والمناظرات، ظهرت آثارها بوضوح في بعض رسائل إخوان الصفا، لهذا احتاج المسلمون إلى علمي المنطق والكلام لكي يقارعوا الحجة بالحجة.

واجه المترجمون العديد من أسماء الأعيان والمعاني التي لم تكن اللغة العربية تشتمل عليها، ولاسيما في ميداني الفلسفة والعلوم، فلم يثنهم عن ذلك القصد، وهو السعي لإيجاد ما يقابلها في اللغة العربية. لقد فسحت هذه اللغة صدرها فاستوعبت المصطلحات والألفاظ الأجنبية، فظهرت مجموعة كبيرة من المصطلحات الخاصة بمعارف جديدة منها: الفلسفة والمنطق وعلم الكلام والطب والصيدلة والهندسة والحساب والفلك، إضافة إلى مصطلحات بعض العلوم الخفية كالسيمياء والشعوذة والسحر.

كان الخليفة المنصور شغوفاً بالطب وعلم النجوم، وهو أول من راسل ملك الروم طالباً منه كتب العلم والحكمة، فأرسل إليه كتاب إقليدس في الهندسة، وبعض كتب الطبيعيات. وقد تُرجم في زمنه كتاب «المجسطي» لبطلميوس، وبعض كتب الهند في الحساب.

وحين تولى هارون الرشيد الخلافة (170-193هـ) أمر بإقامة خزانة للكتب في مدينة بغداد، لتجمع فيها الكتب الأجنبية المستوردة والمترجمة، ثم ما لبثت هذه الخزانة أن تحولت إلى دار الحكمة[ر]. ولما تولى المأمون الخلافة (198هـ) اهتم بترجمة كتب الفلسفة، ومؤلفات أرسطو خاصة. وأشهر الكتب اليونانية التي نقلت إلى العربية في عهده هي: كتاب «الحكم الذهبية» لفيثاغورس، كتاب «المجسطي» الذي ترجم للمرة الثانية كما نقل إلى العربية عدد كبير من مؤلفات جالينوس وأوريباسيوس في الطب، وكتاب «السياسة أو الجمهورية»، وكتاب «النواميس» لأفلاطون، كما نقلت أكثر مؤلفات أرسطو، الذي أُعجب فلاسفة العرب به، وصار لقبه المعلم الأول.

كانت هناك محاولات كثيرة لإخراج الكتب من بلاد الروم ونقلها إلى البلاد العربية. ويقول النديم: «وممن عني بإخراج الكتب من بلاد الروم محمد وأحمد والحسن، بنو شاكر المنجم، الذين احترفوا مهنة شراء المخطوطات، فكانوا ينفذون من يتقن اللغة اليونانية إلى بلاد الروم، ومنهم حنين بن إسحاق وحبيش بن الحسن وثابت بن قرة، لشراء الكتب. فجاؤوهم بطرائف الكتب وغرائب المصنفات في الفلسفة والهندسة والموسيقى والحساب والطب».

تفرغ حنين لترجمة مؤلفات جالينوس، حتى قيل إنه قام بنقل مايزيد عن ثمانين كتاباً له، كما انصرف ابنه إسحاق إلى ترجمة كتب أرسطو في الفلسفة، وقام ابن البطريق، واسكندر بن لوقا البعلبكي بنقل مؤلفاته في علم الحيوان. واشتهر إسحاق بن يعقوب الكندي، وثابت بن قرة الحرّاني بنقل كتب الهندسة والفلك والرياضيات، من اليونانية إلى العربية.

وفي زمن الخليفة جعفر المتوكل (232-247 هـ) قدَّم للمترجمين داراً بالقرب من قصره في مدينة سامراء، ليكونوا تحت إشرافه ورعايته. وقد تسابق سراة القوم، من عرب ومن عجم، في اقتناء الكتب، وإنشاء خزائن لها، فازدهرت مهنة الوراقة وتجارة الكتب، كما ازدهرت الترجمة من اللغات المختلفة إلى العربية. ومن أشهر النقلة من اليونانية: الحجاج بن مطر، نقل وفسر للمأمون كتاب «المجسطي» وكتاب إقليدس، وسلام الأبرش نقل في أيام البرامكة «السماع الطبيعي» لأرسطو، وإصطفن بن باسيل ترجم في زمن المتوكل كتاب «الأدوية» لديسقوريدس وأصلحه حنين. وفسر أيوب وسمعان زيج بطلميوس لمحمد بن خالد بن يحيى البرمكي. ونقل أبو عمرو يوحنا بن يوسف الكاتب كتاب أفلاطون في آداب الصبيان، كما نقل أيوب بن القاسم الرقّي من السريانية إلى العربية كتاب «المدخل» (إيساغوجي) لفورفوريوس الصوري.

ونقل عبدالله بن المقفّع، من الفارسية إلى العربية، كتاب «كليلة ودمنة«، وكتاب «التاج» في سيرة أنو شروان، وألف أبو سهل الفضل بن نوبخت عدة كتب، ومعوَّله في علمه على كتب الفرس، ومنها كتاب «التَهْمُطان» في المواليد، كتاب «الفأل النجومي»، كتاب «المنتحل» من أقوال المنجمين. ونقل منكه الهندي إلى العربية كتاب «شاناق في السموم والترياق». كما نقل أبو بكر أحمد بن علي المعروف بابن وحشية من النبطية إلى العربية، عدة مؤلفات أشهرها كتاب «الفلاحة النبطية»، وبعض كتب السحر والصنعة.

قدمت حركة الترجمة، التي قامت في البلاد العربية والإسلامية، بين القرنين الثالث والرابع للهجرة، خدمات جلّى للغة العربية، إذ أغنتها بالمفردات والمصطلحات المتعلقة بمختلف العلوم، كما أنها رفعت المستوى الثقافي والعلمي لطلاب العلم. وظهرت إثر ذلك طبقة من الأطباء والعلماء، في مختلف جوانب العلم والعمل. وكان منهم الكندي وجابر بن حيان الكوفي، وأبو بكر الرازي، وأبو الريحان البيروني، وابن سينا، والخوارزمي، والبتّاني، وابن الهيثم، وغيرهم.

لم يكن النقلة، الذين تولوا ترجمة المؤلفات الأجنبية إلى اللغة العربية متساوين في إجادة اللغة العربية، أو إجادة العلم الذي ينقلونه إليها، ولاسيما في العصر الأموي ومطلع العصر العباسي. لهذا نجد أن كثيراً من المؤلفات الأجنبية، التي ترجمت في ذلك الحين، قد أعيد ترجمتها أو تم إصلاحها أو شرحها على يد نقلة آخرين، كانوا أكثر علماً وأجود لغة ممن سبقهم.

إن ترجمة المؤلفات الأجنبية إلى اللغة العربية، قد تمت بإحدى الطرق الآتية:

1ـ الترجمة الحرفية: وهي الطريقة التي كانت شائعة بين المترجمين السريان، حينما كانوا ينقلون من اليونانية إلى السريانية أو العربية، وقد اتبعها يوحنا بن البطريق وعبد المسيح بن ناعمة الحمصي وغيرهما.

2ـ الترجمة بالمعنى: وهي الطريقة التي سلكها حنين بن إسحاق ومدرسته.

3ـ الترجمة بالمعنى مع التلخيص: وقد اتبعها عبدالله بن المقفع، ويعقوب الكندي، وعمر بن فرخان الطبري وغيرهم.

عصر الانحطاط والجمود

في النصف الثاني من القرن السابع الهجري توقفت الحروب الصليبية، وتشتت حملات المغول والتتر. وكانت محصّلة تلك الحروب خراب الأرض والسكن ومنشآت العلم. فانتشرت الأمية والجهل، وقل اهتمام الخاصة والعامة بالطب التقليدي، وشاع الطب الشعبي والإيمان بالخوارق. وانصرف طلاب العلم لدراسة الكتب المختصرة من أمهات الكتب العربية القديمة. وظهر علماء موسوعيون قاموا بوضع مؤلفات جمعوا ونسقوا فيها أبحاث وكتب من سبقهم، من دون إضافة أي إنجاز له قيمة علمية أو عملية.

الترجمة في العصر الحديث

كان لحركة الترجمة في العصر الحديث أثر لا ينكر في رفع المستوى العلمي والثقافي للجيل الحاضر. ولكن هنالك تفاوتاً كبيراً بدرجة اهتمام الأقطار العربية بهذه الحركة. كما أن هذه الحركة في أقطارنا بصورة عامة أقل مما عليه في بلدان العالم المتقدم. لقد قامت المنظمة العربية للتربية والثقافة بإحصاء ما تُرجم من المؤلفات الأجنبية في المدة الممتدة بين عامي 1970و1980 فتبين لها أن مجموع عدد الكتب المترجمة بلغ (2840) كتاباً، منها   62٪ تُرجمت في مصر، و17٪ في سورية، و 9٪ في العراق، و5.4٪ في لبنان. كما تبين من هذا الإحصاء أن نسبة كتب العلوم الأساسية والتطبيقية المترجمة لا تزيد على 14٪، بينما بلغت نسبة ما ترجم من كتب الآداب والقصة والفلسفة والعلوم الاجتماعية ما يزيد على 70٪. ومما لاشك أن انخفاض نسبة الكتب العلمية المترجمة يعود إلى أن جميع الأقطار العربية، باستثناء القطر العربي السوري، لم تقم بتعريب التعليم الجامعي.

إن حركة الترجمة لم تبلغ النضج والاكتمال من ناحية سلامة اللغة، ومطابقة الكتاب المترجم للأصل من ناحية أداء المعنى بدقة. ولكن لما أنشئت مؤسسات حكومية تشرف على انتقاء الكتب الأجنبية لترجمتها، وتم اختيار أشخاص كفاة للنهوض بها، وأُعيد النظر فيما يترجم لإصلاحه، بدأت تظهر كتب مترجمة إلى اللغة العربية بصورة جيدة.

وتتلخص أهداف الترجمة في الوطن العربي في التأكيد على وحدة اللغة العربية، وقدرتها على التعبير عن حاجات العصر، وإدخال هذه اللغة في قائمة اللغات العالمية المعتمدة دولياً.

 

زهير البابا

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ رشيد الجميلي، حركة الترجمة في المشرق الإسلامي (الجماهيرية، طرابلس 1982).

ـ شحادة الخوري، دراسات في الترجمة والمصطلح والتعريب (مؤسسة طلاس 1989).


التصنيف : التاريخ
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 323
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1059
الكل : 58492339
اليوم : 64853

البزل

البزل   البزل puncture مداخلة طبية بسيطة الغاية منها سحب سائل أو غاز من جوف طبيعي أو مرضي في الجسم، أو سحب خلايا من عضو من الأعضاء وذلك للتشخيص أو العلاج. بزل السوائل والغازات السوائل التي تبزل متنوعة بعضها طبيعي كالدم والسائل النخاعي والسائل الأمنيوسي وبعضها مرضي كالقيح والحبن وانصباب الجنب وانصباب التامور وانصباب المفاصل، أما الغازات فمنشؤها دائماً مرضي.
المزيد »