logo

logo

logo

logo

logo

التنجيم (علم-)

تنجيم (علم)

Astrology - strologie

التنجيم (علم ـ)

 

يعرّف علم التنجيم astrology الذي يصفه بعضهم بأنه علم، ويعدّه آخرون شبه علم pseudo-science أو حتى علماً  زائفاً، بأنه دراسة العلاقة المزعومة بين الحركات الظاهرة للأجرام السماوية من جهة والشؤون الدنيوية للناس من حظ ومستقبل وحرب وسلم وغير ذلك من جهة أخرى. وهناك إجماع بين العلماء المعاصرين على عدم إدراج التنجيم ضمن قائمة العلوم، على عكس علم الفلك astronomy الذي يُعَرَّف بأنه الدراسة العلمية للسماء الممتدة من المنطقة التي تلي الغلاف الجوي الأرضي وصولاً إلى أقاصي الكون. وتعني الدراسة العلمية هنا استعمال العلوم الرياضية والفيزيائية والكيميائية والجيولوجية والبيولوجية لتُعرّف كل ما يتعلق بالمنطقة المذكورة آنفاً، والتي تشمل النظام الشمسي (بقمره، وشمسه، وكواكبه...) والمجرات، والسدم، والمادة بين النجمية، والثقوب السوداء، والنبَّاضات pulsars، والكوازرات quasars، والنجوم النترونية، وغيرها... وقد أسهم التنجيم في مراحل تاريخية مختلفة في تحديد مصائر بعض الأفراد والجماعات التي عملت بآراء بعض المشتغلين بالتنجيم. وكان بعض المنجمين ينكرون تدخل أي قوى غيبية في هذه العلاقة المزعومة بين الكواكب والبشر، الأمر الذي أثار في حقب مختلفة من التاريخ بعض أتباع الديانتين الإسلامية والمسيحية وجعلهم يعلنونها حرباً ضروساً على التنجيم والمشتغلين به. لكن نفراً آخر من المنجمين كان يرى أن التنجيم لا يتجاوز فهم بعض المؤشرات والاتجاهات لأثر الأجرام السماوية في أحوال البشر، وأن هذا الأثر يمكن أن يتغير بالإرادة الإلهية، وأن الكواكب تبوح بأسرار هذه المؤشرات لنفرٍ مميَّز من الناس تمرّسوا بفك رموزها وإدراك معانيها، ألا وهم المنجمون.

تطور التنجيم والبروج

يبدو أن أول اهتمام بالتنجيم حدث في بلاد ما بين النهرين Mesopotamia التي كان منجموها يستطلعون أحوال النجوم لإبلاغ البلاط الملكي بما قد يحل بالبلاد والعباد من بلاء ووباء، أو نعمة ورخاء، أو انتصارات وهزائم عسكرية، أو بما يخبئ القدر للحياة الشخصية للملك وأسرته.

وثمة شواهد على أنه كان للبابليين والآشوريين درايةٌ بالتنجيم. فقد صدر في زمن أول أسرة حاكمة للبابليين نص مسماريّ بعنوان «إنوما أنو إِنليل» Enuma Anu Enlil مُهْدى لآلهتهم الأربعة: وهم سِنْ Sin وشَمَش Shamash وأدَدْ ِAdad وعِشتار Ishtar، فكان الإله سِنْ (أي القمر) ينذر بالسعد والنحس في أهلّته الأولى وكسوفاته وهالاته واقترانه بالنجوم الثابتة المختلفة. أما الإله شَمَش (أي الشمس) فيعبر عن بشائره ونذائره عن طريق كسوفاته. وأما أدَدْ (أي إله الطقس) فَيُعْنَى بالأحوال الجوية كالرعد والبرق وتَكوُّن الغيوم والهزات الأرضية. وأخيراً فإن الإله عشتار (أي الزُهرة) بشير ونذير في لحظات أول ظهور له وآخره وفي محطاته (أي النقاط التي يبدو فيها ساكناً في السماء) ولدى ارتفاعه في الشرق حين تغيب الشمس في الغرب، وعند اقتراناته بالنجوم الثابتة.

أما في مصر، فقد عُثِرَ على ورقة بردي تعود إلى عام 500ق.م تقريباً مكتوبة بالحروف الديموطية (وهي شكل من أشكال الكتابة المصرية القديمة أبسط من الهيروغليفية) تثبت انتقال علم التنجيم إلى مصر القديمة من بلاد فارس في أثناء حكم الأخْمينيين Achaemenid لبلاد فارس من عام 559-330ق.م.

ويظهر تأثر فلكيي اليونان القديمة بالتنجيم البابلي جلياً في ثنايا كتابٍ ألفه بطليموس، الفلكي اليوناني الشهير الذي عاش في القرن الثاني بعد الميلاد. وهذا الكتاب هو الثاني في موسوعة مؤلفة من أربعة كتب خطّها فلكيون يونانيون وأسموها Apotelesmatik أي «بحث في علم التنجيم». بيد أن ثمة وساطة أخرى كان ينتقل بها علم التنجيم إلى اليونان القديمة، وهي مجوس آسيا الصغرى، وهم جماعة من المستوطنين الإيرانيين تأثرت بالأفكار البابلية.

ويبدو أن انتقال علم التنجيم إلى الهند جرى في القرن الخامس ق.م في أثناء احتلال أسرة الأخمينيين لبعض بقاع القارة الهندية، إذ وُجدت الآثار الأولى لعلم التنجيم في النصوص البوذية التي تعود إلى تلك الحقبة. وقد نشطت البعثات التبشيرية البوذية في نشر هذا العلم في آسيا الوسطى والصين والتيبت واليابان وجنوبي شرقي آسية، لكن مادة هذا العلم، التي تمتد جذورها إلى بلاد ما بين النهرين، عُدّلت كي تلائم المفهوم الهندي للمجتمع الذي كان مؤلفاً من أربع طبقات اجتماعية.

منذ القرن الثالث قبل الميلاد، أو قبل ذلك بقليل، بدأ العرّافون البابليون باستخدام بعض الظواهر المتصلة بالكواكب، مثل مواقعها من الأفق وحركاتها التراجعية وغيرها، وذلك في لحظة ولادة طفل للتنبؤ بمستقبله. كذلك فقد بدأ بعض الفلكيين المجهولي الهوية الذين كانوا يقيمون في مصر تحت حكم البطالمة (305-30ق.م) بتقديم صيغ رياضية تعبر عن وجود تطابق بين الكون والإنسان باستخدام نظريات أرسطوطاليس وأفلاطون التي تضع الأرض في مركز النظام الشمسي؛ وقد قام هؤلاء بتقسيم دائرة البروج[ر] إلى اثني عشر قسماً متساوياً، أو برجاً، قياس كل منها 30ْ، حاذين بذلك حَذْو البابليين، ثم عدّوا كلاً من هذه البروج منزلاً لأحد الكواكب. بعد ذلك جزّؤوا كلاًّ من هذه البروج إلى أقسامٍ مختلفة  يهيمن على كلٍ منها أيضاً أحد الكواكب، ثم حدّدوا على دائرة البروج نقاطاً عدُّوها نقاط تأثير قوي، تقابلها على هذه الدائرة نقاط عدُّوها نقاط تأثير ضعيف للكواكب. ومن ثم فإن الأقواس المختلفة من دائرة البروج تكون عرضة لاقتراب كبير أو صغير لكل من الكواكب التي يتوقف تأثيرها في مولود على مواقعها على هذه الأقواس لحظة ولادته. وكان المنجم يستعمل خريطة للبروج يعيّن عليها في اللحظة المعطاة مواقع الكواكب على دائرة البروج، ثم يقرأ هذه الخريطة بفحص العلاقات الهندسية المعقدة بين البروج ومواقع الكواكب منها. وكان المنجم عادةً يعتمد على معرفته بأوضاع زُبُنه الاقتصادية والاجتماعية والعرقية، وعلى خبرته الشخصية وحسه الدقيق، ليرشدهم إلى الطريق القويمة التي يتعين عليهم سلوكها لتجنب الأخطار والكوارث.

أما في الهند فقد اعتُمِدت طرائق التنجيم اليونانية التي انتقلت إليها في القرنين الثاني والثالث الميلاديين إِثر إنجاز بعض الترجمات السنسكريتية لبعض الكتب اليونانية في التنجيم، لذا فليس من المفاجئ أن تكون التقنيات الهندية في التنجيم مماثلة لمقابلاتها اليونانية. بيد أن الهنود أجروا عليها بعض التعديلات كي تلائم الخلفيات الفلسفية للمجتمع الهندي، التي تختلف عن الركائز الفلسفية الغالبة في المجتمع اليوناني. وعلى سبيل المثال، فقد أدخلوا في حسبانهم نظام طبقاتهم الاجتماعية وعقيدتهم في تقمص الأرواح، وأضافوا عنصر الفضاء إلى عناصر الوجود اليونانية الأربعة، فأصبحت خمسة عناصر هي: الماء والهواء والنار والتراب والفضاء. كذلك قام الهنود بتوسيع علم التنجيم اليوناني، إذ أضافوا إليه عناصر جديدة مثل منازل القمر وأدوار الكواكب. كذلك فقد طور الهنود علم التنجيم العسكري وعلم التنجيم الاستجوابي interrogatory astrology.

أما في إيران فقد نُقِلَ قسم كبير من تقاليد التنجيم اليوناني والهندي إليها بعد مدة وجيزة من تأسيس أزدشير الأول للامبراطورية الساسانية عام 226 للميلاد. لكن أهم إنجاز للمنجمين الساسانيين استحداثهم للتاريخ التنجيمي astrological history، أي كتابة التاريخ، الماضي منه والمستقبل، استناداً إلى ظواهر فلكية مثل أدوار الكواكب وغيرها.

علم التنجيم عند العرب

أدّى ازدهار الدولة الإسلامية إلى قيام صلات تجارية متطورة مع غيرها من الدول، وإلى عوز مُلحٍ لتلبية بعض الضرورات المتصلة بالشرع الإسلامي، وعلى رأسها إخراج تقويم إسلامي متقدم وتحديد سمت القبلة. وقد استوجب كل هذا القيام بأرصاد فلكية منتظمة وتقصياً بعيداً في علم الفلك. وهكذا أطلت على العالم المدرسة الفلكية الإسلامية الفذة التي ضمت عدداً كبيراً من أساطين علم الفلك، يأتي في مقدمتهم البتاني والبيروني وابن يونس والطوسي وابن الأفلح والإشبيلي.

وإذا كانت أدران التنجيم متفشية آنذاك في علم الفلك، فقد تعرف العرب علم التنجيم في القرنين الثامن والتاسع الميلاديين من خلال ثلاث قنوات في آن واحد: اليونانية والهندية والساسانية. وقد جهد كثير من الفلكيين المسلمين لتصحيح مسار علم الفلك بمحاربة التنجيم والحطّ من قدر العاملين فيه، لكن لم يكن يكتب لمساعيهم التوفيق دائماً. فقد واظب بعض الخلفاء على الاستعانة بمقتضياته ردحاً طويلاً من الزمن في شؤونهم الإدارية والسياسية والعسكرية، مع أن القرآن الكريم والحديث الشريف كانا واضحينْ باستبعاد التنجيم وعدم جواز العمل بمقتضاه. قال تعالى: )وما كان الله ليطلعكم على الغيب( (آل عمران 178)، وقال: )قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضَراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسّني السوء إنْ أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون( (الأعراف 187). ويقول النبي محمدe «كذب المنجمون ولو صدقوا».

وكان أَوّلَ خليفة أوْلَى التنجيم اهتماماً بالغاً أبو جعفر المنصور الذي بوّأ المنجمين مكان الصدارة في مجالسه، وفي مقدمتهم المنجم الفارسي نوبخت المتوفّى نحو 815م. وقبل أن يشرع الخليفة المنصور في بناء بغداد استأذنه نوبخت باستطلاع مواقع النجوم لتحديد أنسب وقت للشروع في البناء، وكان له ما أراد. وقد ساعد نوبخت في هذه المهمة يهودي، فارسي اعتنق الإسلام وحمل اسم «ما شاء الله». وفضلاً على ما شاء الله، انصرف رهط كبير من اليهود إلى رعاية التنجيم ونشره، أشهرهم سهل بن بشر المعروف في أوربة باسم Zahel. ومن بين كثرة من المنجمين غير العرب، برز نفر قليل من العرب في علم التنجيم أشهرهم يوسف بن يعقوب الكندي، الذي يعد من أشهر فلاسفة الإسلام، والذي برز اسمه ظاهراً في علم التنجيم ثم انقلب عليه في مقالة له بعنوان «العلة القريبة الفاعلة للكون والفساد»، يتهكم فيها على مدّعي معرفة الغيب واستطلاع أحوال البلاد والعباد من التطلع إلى الكواكب، أو من حسبان منازلها في السماء. كذلك، فقد تأثر البيروني في مستهل حياته بالتنجيم. ويُروَى أنه أُلحِق ببلاط السلطان محمود الغزنوي منجماً وذلك حين أسره جنود السلطان. وكتابه «التفهيم لأوائل صناعة التنجيم»، الذي أخرجه في باكورة حياته العلمية وقدمه لسيدة اسمها ريحانة بنت الحسين، خير دليل على اهتمامه بهذه الصنعة. بيد أن ذلك لم يدم طويلاً، إذْ أنكر فيما بعد التنجيم وهاجم المنجمين بضراوة في الكثير من رسائله، ولاسيما في مقدمة كتابه «تحديد الأماكن لتصحيح مسافات المساكن». كذلك، انتقد الفارابي المنجمين في مقالة مشبعة بروح التهكم أسماها «النكت فيما يصح وفيما لا يصح من أحكام النجوم». أما ابن سينا فقد كتب مقالة عنوانها «رسالة في إبطال أحكام النجوم» فنّد فيها آراء مدّعي التنجيم. ومن بين من تصدّوا للتنجيم والمنجمين ابن حزم وابن طفيل، وغيرهما كثيرون.

الوضع المعاصر لعلم التنجيم

قامت الفيزياء النيوتونية باستئصال شأفة الإيمان بعلم التنجيم بين مثقفي أيامنا. لكن ممارسة بعض صوره استمرت بين غير المثقفين في الشرق والغرب. بيد أن هناك بلاداً مثل الهند، حيث النخبة المتعلمة، التي قيض لها الاطلاع على العلوم الحديثة، محدودة نسبياً، مازال التنجيم فيها يحافظ على موقعه الممتاز بين العلوم، إذ إن بعض الجامعات الهندية ما انفكت حتى الآن تمنح درجات جامعية عالية في علم التنجيم. لكن التنجيم استعاد حديثاً قدراً كبيراً من مكانته في العالم، على الرغم من غياب أي جهد لإعادة بناء قاعدة نظرية صلبة له. فكثير من الصحف اليومية والمجلات والتقاويم تُفْرِدُ زاوية خاصة فيها لأمور التنجيم. وقد أجريت محاولات عدة لإدخال الكواكب التي اكتشفت منذ عصر النهضة في مخطط تنجيمي عام بغية التوصل إلى نوع من العلاقة الإحصائية بين مواقع الكواكب وأحوال البشر، بيد أن جميع هذه المحاولات مُنيت بالإخفاق الذريع. حتى اليوم، لا يلوح في الأفق احتمال للتوصل إلى تفسير جاد لمجالات التأثير المزعومة للكواكب وطبيعة هذا التأثير وأسلوبه. ولم يتمكن أي من المنجمين المحدثين من إثبات أن الاثني عشر قوساً، التي حددت على دائرة وهمية (دائرة البروج)، يمكنها أن تقوم بدور حاسم في مصير الإنسان. أما وقد غدا بالإمكان تفسير الظواهر الطبيعية لهذا العالم بفرضيات العلم الحديث، فمن الصعوبة بمكان فهم كيف أن تأثيرات التنجيم يمكنها أن تكون مسؤولة بوجه أو بآخر عن هذه الظواهر.

وخلاصة القول، إن التنجيم الذي يحظى الآن باهتمام شعبي واسع في بقاع كثيرة من العالم يعد عند السواد الأعظم من المثقفين موضوعاً خالياً من أي مضمون علمي. ولذلك استبعدته الموسوعات العالمية الحديثة.  

                               

خضر الأحمد

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ محمد عبد الرحمن مرحبا، المرجع في تاريخ العلوم عند العرب (دار الفيحاء، بيروت 1978).

ـ قدري حافظ طوقان، تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك (دار القلم، القاهرة 1963).   

ـ زيغريد هونكه، شمس العرب تسطع على الغرب، مترجم عن الألمانية (دار الآفاق الجديدة، بيروت 1983).


التصنيف : الرياضيات و الفلك
النوع : علوم
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 903
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1041
الكل : 58480891
اليوم : 53405

المخطوطات (تزيين-)

المخطوطات (تزيين ـ)   إذا كان فن التصوير الإسلامي قد بدأ بالرسوم الجدارية، فإنه اكتشف مجاله المهم والحيوي المتميز في المخطوطات الإسلامية المختلفة وغدا تصوير الكتب وتزيينها بالصور الصغيرة (المنمنمات) الميدان الرئيس لفن التصوير الإسلامي. وتعود أقدم المخطوطات الإسلامية المصورة إلى القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، وذلك فيما أُلِّف في علوم الطب والفلك والحيوان والحيل الميكانيكية والتاريخ والتراجم ودواوين الشعر وكتب الأدب المختلفة.
المزيد »