logo

logo

logo

logo

logo

محمود (زكي نجيب-)

محمود (زكي نجيب)

Mahmoud (Zaki Najib-) - Mahmoud (Zaki Najib-)

محمود (زكي نجيب ـ)

(1905م ـ 1993م)

 

زكي نجيب محمود أحد أبرز أعلام الفكر العربي في القرن العشرين، وقد استحق المكانة والشهرة بتميزه عن أقرانه في فكره، وتفرده في تمثيل الفلسفة الوضعية المنطقيَّة في العالم العربي ردحاً طويلاً من الزمن، ناهيك عما قدمه من رؤى وأفكار كانت إلى جانب ما سبق مثار نقاش وجدالٍ كبيرين، بل أمام طرفين متناقضين في التعامل معه، فمنهم من رأى فيه علامة فارقة خارقة في نهضة الأمة وقيادتها إلى المستقبلية، ومنهم من رأى فيه خصماً للتراث والهوية والعروبة وإن كان يزعم أنَّهُ يدعو إلى تطور العرب وتقدمهم.

لن يجد الباحث كبير عناء في الوقوف على محطات حياته فقد قدَّم لنا سيرته شبه مفصلة في ثلاثة كتب هي: قصة نفس، وقصة عقل، وحصاد السنين الذي كان آخر كتبه وقد صدر قبل سنتين من وفاته، أي في عام 1412هـ/1991م.

ولد زكي نجيب محمود في إحدى قرى محافظة دمياط في مصر، ووافته المنية في القاهرة بعدما ضعف بصره واشتد عليه حَتَّى منعه من القراءة والكتابة.

في عام 1926م التحق بالقسم الأدبي في مدرسة المعلمين العليا وتخرج 1930م. وفي عام 1933م بدأ بكتابة سلسلة من المقالات عن الفلاسفة المحدثين في مجلة الرسالة. وعمل في التدريس بمدارس التعليم العام. واتفق له أن التقى في عام 1934م بأحمد أمين وعرض عليه المشاركة في إصدار سلسلة كتب تعرض تاريخ الفلسفة وتاريخ الأدب بأسلوب واضح سهل يتقبله المثقف العام، وكانت نتيجة التعاون أن أصدر زكي نجيب محمود أول كتاب له في عام 1935م وهو قصة الفلسفة اليونانية، وفي العام الذي تلاه صدر الكتاب الثاني قصة الفلسفة الحديثة في جزأين، ثُمَّ بعد سنوات صدر كتاب قصة الأدب في العالم في أربعة مجلدات. وكل هذه الكتب بالاشتراك مع أحمد أمين.

في عام 1936م سافر إلى إنكلترا في بعثة صيفية لمدة ستة أشهر. وفي عام 1939م نال جائزة التفوق الأدبي من وزارة المعارف (وزارة التربية والتعليم لاحقاً).

المحطة الأكثر أهمية في حياة محمود كانت عام 1944م حين سافر إلى إنكلترا في بعثة دراسية للحصول على الدكتوراه في الفلسفة، فالتحق بجامعة لندن وحصل في صيف عام 1945م على الإجازة بمرتبة الشرف من الدرجة الأولى في الفلسفة، وهذا ما يسر له التقدم للتسجيل لدرجة الدكتوراه فسجل أطروحة بعنوان «الجبر الذاتي» بإشراف الأستاذ هـ.ف. هاليت، وبها حصل على الدكتوراه في الفلسفة عام 1947م.

عاد إلى مصر عام 1947م ليعمل مدرساً في قسم الفلسفة بكلية الآداب بجامعة الملك فؤاد (القاهرة لاحقاً). وفي عام 1949م عمل مشرفاً على مجلة الثقافة حَتَّى 1952م.

في عام 1953م سافر إلى الولايات المتحدة أستاذاً زائراً ومحاضراً في بعض الجامعات الأمريكية، وفور عودته إلى مصر في عام 1954م اختير مستشاراً ثقافياً لمصر بالولايات المتحدة لمدة عام. وفي عام 1956م تزوج من الدكتورة منيرة حلمي، أستاذة علم النفس بجامعة عين شمس. وفي عام 1958م شارك في كتابة بعض مواد الموسوعة العربية الميسرة التي أصدرتها مؤسسة فرانكلين بتمويل من مؤسسة فورد.

نال جائزة الدولة التشجيعية في الفلسفة من مصر عام 1960م على كتابه: نحو فلسفة علمية الذي صدر قبل عام. وفي عام 1964م عمل أستاذاً زائراً في الجامعة العربية ببيروت لمدة فصلٍ واحد. وعاد إلى القاهرة ليحال إلى التقاعد ببلوغه الستين عام 1965م. ولكن في هذا العام ذاته عين أستاذاً غير متفرغ في قسمه ذاته وظل كذلك حَتَّى وفاته وهو في نحو التسعين. وفي عام 1965م أيضاً أنشأ باسم وزارة الثقافة «مجلة الفكر المعاصر» وأشرف على تحريرها حَتَّى عام 1968م، إذ سافر في هذا العام إلى الكويت ليعمل أستاذاً في جامعتها حَتَّى عام 1973م، وإثر عودته في هذا العام إلى القاهرة بدأ بكتابة سلسلة المقالات الأسبوعية في جريدة الأهرام.

نال جائزة الدولة التَّقديرية في الأدب عام 1975م. وفي عام 1979م سمي عضواً في المجلس القومي للتعليم والبحث العلمي والتكنولوجيا. وفي عام 1980م أصبح عضو المجلس الأعلى للثقافة.

نال جائزة الجامعة العربية للثقافة العربية من تونس عام 1984م، وفي عام 1985م منح درجة الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأمريكية بالقاهرة. وفي عام 1993م وافته المنية.

آمن زكي نجيب محمود بالوضعية المنطقية مذهباً فلسفيًّا يقتفي خطاه ويسير على هديه في فهم الوجود وتفسيره، وإذا كانت كتبه الرئيسة في ذلك هي «المنطق الوضعي»، و«خرافة الميتافيزيقا»، و«نحو فلسفة علمية» الذي نال عليه جائزة الدولة التقديرية، فإنَّ معظم كتبه تدور في هذا الفلك وتسعى إلى تعزيزه. وقد أعلن في مقدمة المنطق الوضعي هذا الانتماء قائلاً: «مذهبي الفلسفي هو فرع من فروع المذهب التجريبي، يمكن تسميته بالوضعية المنطقية». وفي هذه المقدمة ذاتها بيَّن المقصود بالوضعية المنطقيَّة قائلاً: «ولما كان المذهب الوضعي بصفة عامة، والوضعي المنطقي الجديد بصفة خاصة، هو أقرب المذاهب الفكرية مسايرة للروح العلمية كما يفهمها العلماء الذين يخلقون لنا أسباب الحضارة في معاملهم؛ فقد أخذت به أخذ الواثق بصدق دعواه؛ وطفقت أنظر بمنظاره إلى شتى الدراسات، فأمحو منها لنفسي ما تقتضيني مبادئ المذهب أن أمحوه. وكالهرة التي أكلت بنيها، جعلت الميتافيزيقا أول صيدي، جعلتها أول ما أنظر إليه بمنظار الوضعيَّة المنطقيَّة، لأجدها كلاماً فارغاً لا يرتفع إلى أن يكون كذباً، لأن ما يوصف بالكذب كلام يتصوُّره العقل، ولكن تدحضه التَّجربة؛ أما هذه فكلامها كله هو من قبيل قولنا: «إن المزاحلة مرتها خمالة أشكار»، رموز سوداء تملأ الصفحات بغير مدلول، وإنما يحتاج الأمر إلى تحليل منطقي ليكشف عن هذه الحقيقة فيها»، ذلك أنَّ لبَّ الوضعية المنطقية يقوم على أنَّ معيار علمية اللفظ أَو المفهوم هو التجسد الواقعي القابل للاختبار والتجربة، وكل ما عدا ذلك لا يعدو كلاماً خالياً من المعنى، فارغاً من المضمون.

وإذا سئل عن التراث الهائل الذي يتحدث عن هذه الموضوعات غير القابلة للتجسد الواقعي والاختبار التجريبي أجاب في خرافة الميتافيزيقا قائلاً: «إنه لعزيز علي وعليك أن تلقي هذه الأسفار كما كان ينبغي لها طعاماً لألسنة النار، أو أثقالاً في قاع المحيط».

ارتبط إيمان زكي نجيب محمود بالوضعية المنطقيَّة بالإيمان بالغرب فكراً وقيماً وعادات وتقاليد، حَتَّى وصل الأمر ببعضهم إلى نعته بالتغريبي، وهو ذاته الذي فتح مثل هذا الباب على نفسه، ففي الفترة التي أعلن فيها اعتناءه بالتراث وعودته إليه وتدشين ذلك بكتابه تجديد الفكر العربي صدَّر مقدمه هذا الكتاب بقوله إنَّهُ «واحد من ألوف المثقفين العرب، الذين فتحت عيونهم على فكر أوروبي؛ قديم أو جديد، حتى سبقت إلى خواطرهم ظنون بأن ذلك هو الفكر الإنساني الذي لا فكر سواه، لأن عيونهم لم تفتح على غيره لتراه؛ ولبثت هذه الحال مع كاتب هذه الصفحات أعواماً بعد أعوام: الفكر الأوروبي دراسته وهو طالب، والفكر الأوروبي تدريسه وهو أستاذ، والفكر الأوروبي مسلاته كلما أراد التسلية في أوقات الفراغ». وبعد ذلك ببضع سنوات كرر الكلام نفسه في كتابه «ثقافتنا مواجهة العصر»: «إنَّهُ لعزيز على نفسي أن أقولها صريحة، وإنه كذلك لعزيز على نفوس القراء أن يسمعوها، لكنَّهُ حقٌّ لا منجاة لنا عن مواجهته، وهو أن نموذج القياس إنما هو الحياة العصرية كما تعاش اليوم في بعض أجزاء أوروبا وأميركا، فقد شاء الله أن يكون هناك اليوم ينبوع الحضارة، كما كان ينبوعها في أرضنا ذات يوم».

وينطوي موقف زكي نجيب محمود من التراث العربي على شيء من الطرافة قلَّ نظيرها، وقد تجلت هذه الطرافة في محاور سبعة.

أولها، وهذا مستغرب منه بوصفه منطقيًّا وعلميًّا ومنهجيًّا كما يقول، أن ينطلق من ثنائية تقاطبية لا تقبل الحلول الوسطى يرى فيها أننا إما أن نعيش مع عصرنا مثل الغربيين، أَو أن نترك العصر لنعيش مع هويتنا وتراثنا، وفي ذلك يقول في تجديد الفكر العربي: «إني أقولها صريحةً واضحةً: إما أن نعيش عصرنا بفكره ومشكلاته، وإما أن نرفضه ونوصد دونه الأبواب لنعيش تراثنا، نحن في ذلك أحرار، لكننا لا نملك الحرية في أن نوحد بَيْنَ الفكرين».

ثانيها إيمانه بالغرب حاضراً وماضياً وعدم إيمانه بالعرب لا حاضراً ولا ماضياً كما مرَّ قبل قليل لدى الحديث عن موقفه من الغرب. على الرَّغْمِ من تكرار قوله إنَّ مشروعه تجديد الفكر العربي والوعي العربي والقيم العربيَّة وإنَّ هويته عربيَّة...!

ثالثها أنَّهُ حارب التراث العربي حرباً لا هوادة فيها في أكثر من كتاب وأكثر من موضع من كلِّ كتاب، ففي كتابه «المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري» ذهب إلى أنَّ تراثنا العربي مطبوع بطابع اللامعقول، موسوم بسمة التنجيم، روحه روح الاجترار لا روح الابتكار، وميزته ميزة التقليد لا التجديد. إنه تراث عمي عن رؤية الكون والتأمل في الطبيعة بحرية وروح مغامرة واكتفى بتوليد الكلام من الكلام في شكل حواشٍ وتعليقات.

رابعها أنَّهُ خلط بَيْنَ التراث والدين، فرأى أنَّ التراث هو الدين أَو الدين هو التراث، ففي كتابه «تجديد الفكر العربي» يقول: «إن هذا التراث كله بالنسبة إلى عصرنا فقد مكانته، لأنه يدور أساساً على محور العلاقة بين الإنسان والله، على حين أن ما نلتمسه اليوم في لهفة مؤرقة هو محور تدور عليه العلاقة بين الإنسان والإنسان». وفي كتابه المعقول واللامعقول يقول: «إنَّهُ تراث عمي عن رؤية الكون والتأمل في الطبيعة بحرية وروح مغامرة واكتفى بتوليد الكلام من الكلام في شكل حواشٍ وتعليقات يحتل الجانب الديني الحيز الأكبر، وتغيب الدنيا بأسرارها ومجاهيلها ومباهجها عن أبصار أسلافنا، وانتقلت عدواهم إلينا، فواصلنا السبات».

خامسها أنَّهُ بعد هجومه على التراث العربي بعشرات السنين أعلن وهو في السبعين من عمره أنَّهُ لم يكن قد قرأ التراث العربي، وقال إنَّ هذه العودة كانت متأخرة، فقد قال في مطلع كتابه تجديد الفكر العربي: «لم تكن قد أتيحت لكاتب هذه الصفحات في معظم أعوامه الماضية فرصة طويلة الأمد، تمكنه من مطالعة صحائف تراثنا العربي على مهل، فهو واحد من ألوف المثقفين العرب، الذين فتحت عيونهم على فكر أوروبي... وكانت أسماء الأعلام والمذاهب في التراث العربي لا تجيئه إلا أصداء مفككة متناثرة، كالأشباح الغامضة يلمحها وهي طافية على أسطر الكاتبين»... ومع مرور أعلام تراثه أمامه أشباحاً غامضةً لم يدفعه أيُّ فضول لجلاء هذا الغموض أَو الضبابيَّة، فيما كان الفضول لا يوقفه عن البحث في مختلف تفاصيل الفكر الغربي وخفاياه!!

سادسها أنَّه على عدم معرفته بالتراث العربي كما أقرَّ هو ذاته فقد هاجم هذا التراث ورفض الاعتراف به، ونعته بكل أوصاف النقص والقصور والانحراف. فكيف يمكن لذلك أن يكون؟ وبأيِّ حق حشد أنواع الأحكام على أمر لا يعرف عنه شيئاً؟!

سابعها وهو مكمل لسلسلة الطرافة أنَّ زكي نجيب محمود بعد إقراره بأنَّ أحكامه على التراث كانت من دون معرفة بالتراث، وأنَّ معرفته بالتراث كانت سطحيَّة، فإنَّ اطلاعه على التراث الذي جاء متأخراً، كما قال، لم يغير شيئاً في قناعاته وموقفه من التراث العربي. وإن كانت تغيرت نوعاً ما صيغ التعبير، فهو يقول في تجديد الفكر العربي: «لم أجعل غايتي تقويم ذلك التراث، ومن أكون حتى أجيز لنفسي مثل هذا التقويم لتراث كان بالفعل أساساً لحضارة شهد لها التاريخ؟ لكني جعلت غايتي شيئاً آخر أظنه من حقي إذا أردته، وهو البحث في تراثنا الفكري عما يجوز لعصرنا الحاضر»، وكأنَّ التراث خزانة ثياب ينتقي المرء منها ما يلائم السهرة! ودليل ذلك أنَّهُ يتابع هذه الانتقائية التي لا تصحُّ إلا نظريًّا بقوله: «كيف ننسج الخيوط التي استللناها من قماشة التراث مع الخيوط التي انتقيناها من قماشة الثقافة الأوروبية والأمريكية، كيف ننسج هذه الخيوط مع تلك في رقعة واحدة، لحمتها من هنا وسداها من هناك، فإذا هو نسيج عربي ومعاصر».

لمحمود عدد كبير من المؤلفات منها «المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري»، و«المنطق الوضعي»، و«المنطق»، و«ثقافتنا في مواجهة العصر»، و«حدود وطريقة التحليل»، و«حياة الفكر في العالم الجديد»، و«خرافة الميتافيزيقا»، و«قصة الأدب في العالم»، واشترك مع الأستاذ أحمد أمين في تأليف كتاب «قصة الفلسفة الحديثة»، وكتاب «قصة الفلسفة اليونانية»، وله العديد من الترجمات أيضاً مثل «تاريخ الفلسفة الغربية» لبرتراند راسل، و«فنون الأدب»، و«محاورات أفلاطون».

عزت السيد أحمد

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ عبد الباسط سيدا، الوديعة المنطقية والتراث العربي؛ نموذج فكر زكي نجيب محمود (دار الفارابي، بيروت، 1990م).

ـ بعد الرحيل، مقالات مجموعة في رثاء زكي نجيب محمود بتقديم زوجته (د.ن، 1417هـ).


التصنيف : التاريخ
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الثامن عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 110
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1030
الكل : 58480403
اليوم : 52917

ثوريلا إي مورال (خوسه-)

المزيد »